Ch 십이 (Stolen Happiness)
أزعجهُ الشّعور بالبَلل..
مهما حاول تجاهلهُ فهو هُناك..
مهما حاول دفعهُ الى آخر وعيهِ فلا يستطيع..
هل بلّل سروالهُ أم ماذا؟!
لكن البَلل على رقبته.. رأسه.. هل الجو حار؟ هل هو مُتعرق و حَسب؟
إنتّشر الألم في جسدهِ ک سُم حينما تحرّك قَيد أُنملة، أطلقَ أنّة رغم عنهُ فالألم فاقَ الإحتمالات و بدا لهُ أنهُ مُمتدد الى مالا نِهاية، كل عَضلة و كل عَظمة و كل خَلية تَصرخ فزعاً و حيرة مما يُصيبها!
كانت هذهِ فَقط بضعة مشاعر مُرفقة مع صُداع فتّاك و ذكرى دُخانية لمشهد عِدة أشخاص يسحقونهُ تحت أقدامهم.
حَاول تَذكّر ذنبهِ.. فتذكر..
لقَد نعتَ العَاهرة بالعاهرة~
حينها وَعَى على دَرس أَوّلىّ لحياته:
الحَقيقة عندما تُقال ک حَقائق فهي تجلبُ الأذيّة.
و وحدهُ الرّب يَعلم كم أن السيدة "كنغزلي" قادرة على إِستجلاب الإيذاء.
فكّر بالسيدة "روزماري"..
اوّل عِدة ساعات في يومهِ بدونها و هاهو يُعامل ک كيان شيطاني يَقرأون عليهِ الترانيم ليُحرق حَياً.
تَنهد بحرقة على إشتياقهِ لها و لعناقها..
آلمهُ التّنهد..
فكفّ عَن التّنفس.
(أمُستيقِظ أنت؟)
عَقلى مُستيقظ ثائر لكن جسدي خاملٌ خامدٌ يَكبت الألم.
(هل تَسمعني؟)
بِوضوح.. و كأنّ صوتك قابل للإِحتواء.
(هل تَستطيع النهوض؟)
إن مَددت يَدك و إنتشلتني مِن ظلام العَجز فسأفعل.
لكن الصّوت لم يفعل.. فحاول فتحَ وعيهِ و عينيهِ ليلومه.
↭◎쇼◎쇼◎↭
الثالث من مارس/آذار 1966~
مُنتصف الليل~
إنهُ نائم مُنذ أكثر من خَمس ساعات.
الليل خيّم و إسود ک خُصلات شعره، و الهدوء عمّ العالم الخارجي ليُطابق هدوء الجُدران الأربع..
و الفتاة قَضت المُدة بطولها و عَرضها تُحدق بهِ و بتقسيماتهِ دونَ أن تأبه ببقية الوجود.
هِستيريتها السابقة هَدأت كما يَهدأ التُسونامي، لكنهُ خَلّف وراءهُ الدمار في ذكرياتها و عَقلها البَاطن و أخذت تُقلب و تُشاهد مَشاهد لم تَعلم أن وعيها لا يَزال مُحتفظاً بها لكنهُ كان مُتكتماً عليها.
بدأت تَعدو في ذكريات بعيدة المدى؛ مَتجر ألعاب العم "جاكوب" ،إستعدادات لعيد ميلاد، نَميمة هُنا و هُناك عن إختطاف، شُرطة في كل مَكان و كل يَوم، جَرو رمادي يَغفو على السّلم، الضّابط يَرفض أن يحكي لها قصة..
كلما حَدقت أكثر بمن يَفترش الأرض نائماً كُلما تأكدت و شكّت بشكل أكثر قوة، تساؤلاتها كانت مُتزامنة مع عَقرب السّاعة في جيبها.
تيك
(هو)
توك
(ليس هو)
تيك
(هو)
توك
(ليس هو)
كُل ما كانت مُتأكدة منهُ هو أنها تَود بكل شُريان في قَلبها أن يكون في النهاية.. هو..
كيونجسوو..
بكتهُ كثيراً حُزناً عليهِ فيما مَضى و على فكرة كون رَفيق لعبها لم يَعد هُناك.
لم يعد هناك كيف يعني؟
لم تفهم الأمر عندما أخبرتها والدتها به و لم تفهمه عندما أخبرتها والدته نفس الشيء لكن بعينين دامعتين.
مع الوقت فهمته وحدها عندما وجدت نفسها تسير دونه لأيام طوال إستحالت لأسابيع و ما لبثت الأسابيع أن تحولت بطريقة عجيبة الى شهور.
و لكن.. كونه هنا الآن.. قد لا يكون هو.. و قد يكون.. يا الله!
بللت قطعة القماش و مسحت بها على جبهته بعد أن أبعدت تلك الخصلات الثائرة المتشابكة مع رموشه، و بظاهر كفها قاست حرارته لتجدها قد إنخفضت، فإنخفض توترها أخيراً و تنهدت أعصابها براحة بعد شد عضلي دام طويلاً.
(سيكون بخير) أكدت لنفسها و هي تنهض لتغيير الماء في الصندوق الخشبي الصغير.
فتحت الصنبور و إستغرقت في تساؤلات عن لماذا هي هنا في الأصل..
في هذه الغرفة.. و معه؟
ما الخطأ الذي إرتكبته عوضاً عن ثورتها التى أحرقت كبرياءهم كما إحترقت روما قديماً عن بكرة أبيها؟
بجدية كل ما فعلته أنها حاولت أن تبدو قوية في نظر من رحلوا و يراقبونها من السماء.. لم ترد أن تبدو ذليلة مكسورة مظلومة كي يرقضوا بسلام في الأضرحة الأبدية التى توارى أجسادهم، أرادت إخبارهم أنها تستطيع تدبر أمرها و أنها واقفة على قدميها.
لكن بأسًا لهم فقد ربطوها بالأرض لتبدو منبطحة!
سمعت صوت تألم فإلتف عنقها ک سهم نحو الفتى، أغلقت الصنبور و ركعت بجواره بلمح البصر و هى تنظر بفزع الى تعابيره المستغيثة.
ما العمل؟! ما العمل؟!
لم تدري!
(أمستيقظ أنت؟) تمنت لو يرد بـنعم، لكن وجهه إستمرّ بالإنكماش وحسب مُجعداً قلبها معه.
(هل تسمعني؟) موضعت يدها على وجنته فـ لان قليلاً و بدأ صدره يعلو و يهبط بوتيرة سريعة أخذت تتباطأ، لا تدري لما لكنها قاومت رغبة جامحة في البكاء على حالها القلوقة قبل حاله.
(هل تستطيع النهوض؟) تريد رفعه و إسناد رأسه على شيء أكثر حناناً و رأفة من الأرض لكن اللمس ممنوع للإحالة دون الألم الذي لم يستثار بعد.
مرت ثوان إنقطعت فيها حركته فشقّ عقلها تساؤل كما يشق شهاب عنان السماء..
هل مات؟!
إقتربت من صدره و إسترقت السمع بحذر لساكن القفص الصدري هناك.. كان يعمل بصخب في مكانه فبدا لها صوت الطرق أعظم نواميس الكون.
عندما دحرجت نظرها ببطأ من موضع قلبه الى وجهه، إصطدمت نظراتها بأخرى لم تتوقعها فأخذ ساكن صدرها يصدر الضوضاء هذه المرة.
كان ينظر لها و من خلالها..
ينظر إليها بفراغ..
أرعبها! و لرغبتها في بعض الأمان قررت مداهمته بسؤال أرقها اليوم بطوله.
أرادته أن يكون: أ أنت كيونجسوو؟
لكن إن لم يكن هو لبدت غبية، فخرج السؤال منمقاً أكثر حذراً.
(ما إسمك؟)
↭◎쇼◎쇼◎↭
(ما إسمك؟)
اوه يا فتاة السيّارة العنقاء لدى العديد~
فأيهم تريدين؟
المُتداول؟
المُكتسب؟
أم لعلك تطمحين لإسم الميلاد؟
الحقيقي يعصر قلبي لما يصحبه من ذكرى.
و المُكتسب يُمرض قلبي لما يصحبه من إهانة.
و المُتداول لا يعجبني.
لكن أوتعلمين.. ؟
إليكِ بالحقيقي.
(كين) خرج صوته مبحوحاً أثر الإعياء.
مهلاً..
لقد نسى أنه لا يُحادث البشرية، لما أجاب سؤالها للتو؟
هذا لم يحدث منذ مدة طويلة لإحتفاظه بصوته لنفسه و بخله على الناس به.
تطوع عقله بالرد: ربما لأنها تبدو قلقة عليك و لربما لأنك بحاجة الى حماية و لربما لأن فضولها بدا نقياً فأردت تعكيره بكذبة، أياً كان فها أنت قد تورطت في إستجواب و حوار مع غريب لأول مرة فإختبر لغتك و مشاعرك لعلها لم تعد هنا.
أطاع الصوت بعمى فسأل (هل أنتِ من أغرق ملابسي بالماء هكذا؟)
سقط وجهها و تلعثمت عيناها لبرهة مما أمهله عدة ثوان حاول إستغلاّلها في تأملها، لكنها نظرت بعيداً فواجهته كثافة شعرها و أحالت دون مخططه الإرتجالي.
تجلى صوتها في فضاء الغرفة (حرارتك كانت نارية من الحُمى فبللت رأسك لكن بضعة قطرات إنسابت على ملابسك دون قصد)
'نارية'؟ حتى مصطلحاتها مُنتقاه لتتماشى مع عنفوانها.
(كنت أعاني الحمى؟ غريب.. لا أشعر بشيء)
(هذا لأنها زالت الآن)
(و منذ متى و هي في جسدي؟)
(ربما منذ أن نمت)
(و متى إختفت؟)
(منذ دقائق)
(هل أنتِ طبيبة؟)
(لا)
(إذاً لما مرضتيني؟)
لكن السؤال الأخير لم يجد إجابه تصحبه سوى الصمت.
طال صمت المكان ففطن الى أنها لن تتحدث، لكن فضوله و حماسه للعبة 'الشد و الجذب' الجديدة رفض الإنصياع لنهاية ک هذه فقرر المحاولة من جديد.
(سألتني عن إسمى.. فما إسمك؟)
سمعها تتنهد فتسائل بإستغراب؛ هل إسمها تنهيدة؟ لا بأس لا يهم.. فهي لديها إسم على أي حال في سره.
راقبها تنهض من مكانها و تقف تحت النافذة لتأمل السماء الكالحة، مرت عدة دقائق على حالهما فنقل أنظاره الى السقف أولى و هو لا يزال خائفاً من تحريك أي عضلة في جسده سوى جفنيه و شفتيه.
(لقد كنت تموت لذا لم أستطع تركك هكذا، بالإضافة.. ظننتك شخص ما) جملتها جعلت إنتباهه يتمسك بخيالها في الظلام، راقبها و هى تترك مكانها و تعود إليه بخطوات ثابتة (هل تستطيع النهوض؟)
أراد النهوض فقط ليحفظ ماء وجهه أمامها، لكنه سيكون كذّاب إن زعم أنه قادر على تحريك أنامله دون مقاومة الرغبة في البكاء.
(سأساعدك.. هيا) إنبطح كبريائه لها بسهولة.
إبتلع ريقه و بدت هي مترددة أكثر منه، وضعت ذراعها تحت رقبته بحذر شديد و كأنه زجاجي قابل للكسر و أنهضته بينما حاول هو أن يستند على ذراعيه.
حينها إنفتحت إحدى بوابات سقر!
صرخ بقوة متألماً من الكهرباء التى سرت في كتفه و قذف برأسه الى الوراء و تشنّج في مكانه عدة ثوان و كأنه لا يعي ما حدث للتو.
تجمدت الفتاة و إتسعت عيناها رعباً و شعر بأناملها تحاول إفلاته كما تمسكت به لكنها توقفت في منتصف الطريق، سألت بجزع (أين؟! أين الألم؟ تكلم!)
فتح عينيه دفعة واحدة و هو يشهق غير مصدق أنه جرّب شيء شنيع ک هذا و الأسوأ أن الألم توقف عنده! لم يذهب او يتلاشى بل توقف في مكانه و كأنه مسمار دُق تواً في جدار من لحمه.
تلاقت نظراتهما بطريقة عشوائية فإستغلتها هي و حددت سؤالها أكثر (هل هو كتفك؟ أرجوك تكلم!)
فقط لو تراه يومئ بقوة في مخيلته!
لكنه خائف من التنفس في هذه اللحظة كي لا يضيف ألماً على ألم، فغر فاه فى أنّة صامتة حينها أكملت الفتاة طريقها صعوداً في حمل رأسه حتى جعلته يجلس في مكانه و هي تكرر (لا تحرك ذراعيك) (لا تتكأ على يدك) (فقط إبقى ساكناً)
أسندته بصعوبة على الجدار و حينها تنفس كلاهما الصعداء، كان الفتى يتصبب عرقاً و يكبت دموعاً و يهب الأوكسجين كما لو أنها أول مرة يتنفس منذ ولد، شعر بشئ بارد منعش ضد وجنته المُحترقة ثم سمعها تتمتم (إرتفعت حرارتك من جديد)
فتح عينيه ليجد كفها يستقر على خده و كأنه موطنه و مسقط رأسه، لا يدري من أين لها بالجرأة لتلمس غريب هكذا.
ألا تخجل منه كما يلتهب هو خجلاً منها الآن؟
بدأ يعد أجزاء الثانية لتبتعد عنه و عندما فعلت.. شعر بالإحباط~
نصف إحباطه كان سببه شعوره بالإحباط في الأصل.
نهضت ليسمع خطواتها تبتعد.. تستقر.. ثم تعود إليه مُحمّلة بقطعة قماش لتمسح بها على وجهه بينما نظراته تتجول هنا و هناك بعيداً عنها، في النهاية أغلق عينيه بضيق لأن كل الطُرق تؤدي اليها.
(ليزلي) فتح عينيه على صوتها ليحدد ملامح إبتسامتها في الظلام بصعوبة (إسمي.. ليزلي)
كاد يفعل او يقول شيءً ما لكن باب الغرفة تأرجح مفتوحاً بقوة.
↭◎쇼◎쇼◎↭
ليس هنا و لا هناك.
ليس في أدراج المكتب و ليس في قسم الأرشيف و لا حتى في غرفتها الخاصة، حاولت تذكر أين تركته او وضعته او رمته لكن لا فائدة البتة.
من المفترض أن فكرة ضياعه سارة لكن لا تدري لما قلبها منقبض لحقيقة ک هذه.
قررت البحث مرة أخرى متجاهلةً تأخر الوقت و كونها لربما تبحث عن إبرة في كومة قش، قامت بفرز المستندات مرة أخرى أمامها تبحث عن المنشود الذي يحمل عنواناً برقم 1960 لكنه تائه برفقة عدة مستندات عشوائية أخرى، قررت في لحظة إستدعاء مساعدتها لتبحث معها لكن الشابة فضولية و ستسأل أسئلة لا لزوم لها و ربما هي تحاول تقصي الأمر الآن أصلاً في الدهاليز التحتية بعد ان سمعت ما قالته الطبّاخة اللعينة.
إن كان الأمر هكذا فعليها سؤالها صباحاً عن ما وجدته من معلومات لتعلم أنماط المصيبة بالضبط.
و بينما هي مستغرقة في ألف خاطرة طُرق الباب بإيقاع موسيقي معين فتركت ما في يدها و هرعت الى المرآه الجانبية تعدّل من طلّتها بسخافة ثم تنتصب واقفة لتأخذ نفس عميق طويل لتهدأه قلبها.
(تفضل) قالت مستحضرة أكثر نبراتها إتزاناً.
و كما توقعت تماماً من صوت الطرقات.. كان المُعلم "ألفريد"
حيّاها بوجه مُتجهم و هو يفتح الباب قليلاً (مرحباً سيدتي.. تسمحين لي بالدخول؟ أعلم أنه منتصف الليل لكن الأمر عاجل)
لم تستطع إخفاء إستياءها بسبب تعابير وجهه، منذ متى و إبتسامته الودودة ترافق تقسيماته اللعوبة؟ مابال العينين الكئيبتين؟
(بالطبع.. تفضل، ما الأمر؟) راقبته و هو يفتح الباب على مصرعيه و يخطو الى الداخل ليجعل حقيبته الجلدية ظاهرة للعيان، تضايقت دواخلها لرؤية الحقيبة فهذا معناه أنه سيستأذن لبقية الليل او لأيام ليعالج أحدهم.
(أريد أن أستأذنكِ سيدتي في كوني سأنشغل الليلة و غالباً سأفوت دروس الصباح) قال بإحترام فائق كما هي عادته في محادثتها، نبرة صوته ليست هاهي الليلة لكن كل ما يجود به عليها فهو مقبول بقلب مُتسع.
(أحدهم مريض؟) سؤال روتيني أجابته حقيبته لكن هدفه هو سماع صوته من جديد ليس إلا.
(آمل من كل قلبي ألا يكون كذلك.. لكن عليّا التأكد بنفسي) أومأ بإستعجال و توتره و غرابة أطواره بدت ظاهرة للعيان.
(اوه.. هل هو أحد تعرفه؟) سألت و جسدها يقشعر ظاهرياً لكن داخلياً فهي لا تهتم حقاً.. لا شيء مهم سوى لون عينيه البنيتين على ضوء نار المدفأة التى تنظر لها و إليها.
تمتم بكآبة غريبة (أجل..)
(لا ضير.. تفضل إذاً) أشارت له بود و إبتسامة تعبت كي ترسمها كون وجهها متصلب طول النهار.
تحمحم في مكانه و نظف حلقه عدة مرات قبل أن يقول (حسناً.. هلا أعرتني مفتاح الغرفة العلوية؟)
(ماذا؟) رفعت حاجبها بإستغراب.
لا حقاً.. ماذا؟
(الغرفة العلوية.. ام عليا قول غرفة العقاب؟!) نبرته أصبحت قاتمة كالحة ک تعابير وجهه تماماً.
(ما الذي تقصده بالضبط ألفريد؟) تسائلت بحيرة و قلبها بدأ يتوجس خيفة من إجابته لأول مرة في حياتها.
(اقصد أن المريض هناك سيدة كنغزلي!)
↭◎쇼◎쇼◎↭
(هل تتحدث بجدية؟)
(أقسم بقبر أمي أن هذا ما سمعته)
(تقصد أنها.. ضربته؟)
(و حتى فقد الوعي! ساعدها في ذلك كلا الحارسان الجديدان، أحدهما هو من أخبرني بذلك بلسانه، كان مرعوباً كونه سيسجن بكل تأكيد إن علم أي شخص ما من الهيئة الإجتماعية)
(لا لا إنه كذّاب!)
(هذا ما أخبرت به نفسي لكن المصيبة أني لم أجد الفتى فعلاً في المهجع وقت الإحصاء الليلي.. انه دوماً الأول في سريره مما جعلني أشك أن الأمر صحيح و لو قليلاً، تجولت للبحث عنه و أنا أصلى أن أجده هائماً على وجهه ک حاله كل يوم في أحد الأروقة.. لكني لم أجده أبداً في المبنى بأكمله، حينها قيدته غائباً و ذهبت الي مكتب السيدة كنغزلي لأخبرها و نبدأ بالبحث عنه بشكل مكثف لكنها فقط أخبرتني أنه سينام في مكان آخر اليوم و صرفتني بقرف)
(ما الذي فعله بالضبط ليُضرب؟ هذا ممنوع!)
(هذا في الغيب يا صديقي.. فأنا الصراحة لم أسأل)
(لما؟)
(لا أدري.. لقد صدمني كلام الرجل لدرجة اني تركته و ذهبت، خاصة عندما بدأ يهذي بشأن فتاة أخرى محبوسة هناك)
(فتاة! هذا جنوني!)
(إنه كذلك.. الأسوأ أن الفتى بالتأكيد في حالة يرثى لها الآن، ضربة قاضية على رأسه او عظام مكسورة.. شيء من هذا القبيل، انا أشفق عليه، صحيح أني لا أرتاح له كونه صموت كتوم و هذا ليس من الفطرة لأن الأطفال و المراهقين شياطين رجيمة يجب أن تشد ذيول القطط و تتسكع في مجموعات إجرامية، أما أن تكون مهذباً غامضاً هكذا فهذا يثير الريبة! دعك من أنها علامة عن كونه غير طبيعــ.. اوه! هاي! مهلاً مهلاً! أين تذهب؟!)
لم يكن المعلم "ألفريد" ينوى الرد عليه و لو ظل الحارس ينادي دهراً.. كل ما كان يراه في عقله هو خريطة سريعة للممر الذي يؤدي الي الغرفة العلوية.
أجل السيدة "كنغزلي" تخرق بضعة قوانين من وقت لآخر.. و أجل هي قاسية صاحبة قلب من قرميد.. و أجل الفتى يسبب التوتر و يثير الحنق بسبب صمته المبهم.
لكن هذا ليس مبرراً أبداً!
اي شكل من أشكال الإيذاء الجسدي و النفسي على اي طفل هنا قد يخرب بيتها و هي تعلم هذا جيداً.. إذاً لما التهور؟!
عرج على غرفته سريعاً لإحضار عدته الطبية و بدأ يقفز السلالم قفزاً نحو الطابق العلوي و جزء فيه لا يزال يأمل أن يكون كل هذا نميمة حراس سُكارى و حسب لا أساس له من الصحة، لكنه توقف مكانه و ضرب رأسه بكفه.
بحق الرب كيف سيلج للغرفة دون مفتاحها الذي بحوزة تلك المرأة؟!!
لا مفر من المواجه الحتمية إذاً~
همس لنفسه (أرجو أن تكون السيدة كنغزلي واقعة في حبي الليلة أيضاً فأنا بحاجة للحظ!)
↭◎쇼◎쇼◎↭
كان الفتى القابع على الأرض غارق في ألف خاطرة حتى النخاع؛ إنه متوجس و قلق بسبب حضور المعلم و المديرة، لما هما هُنا؟
من أخبر المعلم ليأتي و معه الحقيبة الطبية؟ هل تراها السيدة "كنغزلي"؟
و لما قد تفعل هذا؟
أليست هي من جعدته و رمته في هذه الغرفة؟
لكن أكثر ما أثار حفيظته كانت ملامحها الغريبة.. ربما الضوء و الظلال تلعب بعض الألاعيب هنا لكن المرأة تبدو حقاً قلقة.
إبتسم المعلم للمراهقان اللذان تجمدا من هذه الزيارة المُباغتة و قال بنبرة سلام (لا بأس عليكما الآن.. لا تخافا.. سأساعدكم.. كلانا سيساعدكم، أليس كذلك سيدة "كنغزلي"؟)
نظر خلفه ليلوم المرأة على فعلتها الشنعاء هذه بنظراته المدروسة، أليست هي من أصرت على مرافقته؟
لتذُق غضبه حتى تسكر إذاً!
لكنها للحق ترتجف ک ورقة في مهب الريح و وجهها ممتقع بلون الليمون، كانت و لأول مرة.. خائفة~
عندما تقابلت نظراتهما وجد نظرة من يطلب الغفران في عينيها، جعله هذا راضٍ، فلو كانت ترتدي تلك الملامح الباردة المتحجرة إياها لكان دقّ عُنقها أمام الباب.
دلفت المرأة الى الداخل دون أن تنطق و أضاءت الغرفة بمصباح صغير و أشارت للفتاة الصهباء بأن تبتعد عن الفتى بحركة من إصبعها، ثم نظرت الى المعلم "ألفريد" تحفزه على بدأ عمله.
إقترب الرجل و فتح حقيبته (أنتَ بخير؟ أين الألم؟)
لم يَرد الفتى ک عادته فجاء الرد من أقصى يمين الغرفة (كتفه)
نظر الرجل و المرأة الى الفتاة في اللحظة ذاتها بإستغراب، لكن أحداً لم يُعلق.
لمس المعلم كتفه فإشتعل ذراعه بطوله ألماً و جس على أسنانه حتى كادت تسحق و تتحول الى دقيق.
(هذا سيء.. إنه متورم) تمتم المعلم و هو يعاين كتف الفتى (علينا نقل الفتى الى غرفتي حالاً.. يجب معاينته تحت ضوء ساطـ.. )
(مستحيل!) قالت السيدة "كنغزلي" بهستيريا.
(لن يخرج الفتى من هنا أبداً! ماذا لو رآه أحدهم!) أكملت و هي ترتجف بقوة.
(هه! هذا كل ما تفكرين به؟) و من جديد يأتي الصوت من أقصى الغرفة حيث تقف الفتاة و قد عقدت ذراعيها على صدرها.
كادت المرأة توبخها صارخة الا أن المعلم أوفقها بحدة (أنتركه يموت مثلاً كي لا يراه أحد و يتسائل عن من فعل هذا به؟ أعلم بما تفكرين به سيدتي لكن يؤسفني إخبارك أن هذه الساعة ليست مناسبة أبداً للأنانية! أيضاً من حقهما تماماً أن يعلما أن حالهما و حبسهما ها هنا يجعل لهما اليد العليا عليكِ! بحق الجحيم ما الذي تفعله فتاة في مبنى الصبية من الأصل؟)
حينها حدثت أغرب ظاهرة حيوية يمكن للمرء أن يشهدها..
لقد فقدت السيدة "كنغزلي" الوعي~
↭◎쇼◎쇼◎↭
تلونت السماء بلون الخوخ بينما الساعة في جيب قميص الفتاة يشير الى الخامسة فجراً.
كانت تُلقى نظرات إطمئنانية خجولة من وقت لآخر على الفتى النائم بإريحية على سرير المُعلم.
كان عاري الجزع يرتدي مَشدّة طبية على كتفه الأيسر مخصصة لإصابات الكتف يعلوها كيس ثلج لتخدير الألم و بجانبه كيس كبير من الملح أحضره المعلم لتجهيز حمام خاص له عندما يستيقظ.
تجربة رؤيته يصارع و يبتلع ألمه عندما كان المعلم يحاول إلباسه المَشدة الطبية تركت قلبها بثقوب عديدة، أرادت الإنتظار خارجاً خاصةً بعد أن مزّق المُعلم قميص الفتى بالمقص مما سبب شعورها و شعوره بالخجل العارم لكن المعلم أوقفها بصرامة في مكانها لتناوله الأدوات الطبية.
لقد كان الفتى يبكى.. كانت تعلم ذلك..
وجهه كان أحمر ک النبيذ و مجعد بشدة و ذقنه يرتعش و يضغط على عينيه بقوة و صوت إحتكاك أسنانه وصل لسابع سماء، لكنها لم ترى دمعه واحدة و كأن دموعه كانت تنسكب بداخله لتخدير ألمه.
كل هذا و هو صامت ک الليل يطلق رغماً عنه زمجرة ألم ک شقة برق وسط السماء و ما يلبث أن يعود الى كتمان صوته.
ظل متشبثاً بملاءة السرير و كأن حياته تعتمد على ذلك إلا أن أفرغ المُعلم آخر قطرة مخدر في محقنه.
حينها عمّ السلام وجهه أخيراً~
وحينها أيضاً.. تأكدت أنه.. ليس هو.
من المستحيل أن يكون هذا الكائن البائس هو نفسه صاحب الإبتسامة القلبية و فرط الحركة و الحماس الذي كان يُغرق به الحي منذ سنوات.
لكن.. لما لا؟ ألم تكن هي نفسها تشاركه الضحك و الحماس و هي الآن إنسانة يتيمة بالكامل من العائلة و السعادة و المستقبل.
أقنعت نفسها بأن الفتى متوفى و هو الآن هيكل عظمي بالي هتك دود الأرض عرضه، ليس و كأنه الآسيوي الوحيد في البلاد.. كلهم يتشابهون على أي حال.
أعد المعلم "ألفريد" الشاي لكليهما و تبادلا أطراف الحديث حتى ساعات الفجر، أخبرته كيف قيدتها المديرة مع مساعديها و ألقتها في الغرفة و كيف حاولت هي فك وثاقها و كيف مرضّت الفتى الذي كان غائباً عن الوعى يشتعل من الحمى.
أعطاها معطفه لتداري به أعلى ركبتها بعد أن لاحظ تمزّق تنورتها.. لفعلته تلك كانت ممتنة.
أخبرها بدروه عن عمله السابق ک مُمرض أثناء الحرب العالمية الثانية و عمله هنا ک مُعلم تاريخ.
ثم أخذ الحوار منعطفاً شبه إجباري نحو الفتى؛ كيف أنه صامت منذ ما يقارب العشر سنوات، نصف من يصادفونه إما يتنمرون عليه او يهابونه، كل العاملين هنا يتوقعون أنه يعاني من تلبس روح شريرة لجسده تفسيراً لغرابة أطواره، إنه ليس أول طفل غريب يمر على المكان، لكن سمعته لسبب ما في الحضيض.
لكنه يعلم أنه فقط صامت لأن بداخله سر رهيب او رغبة جامحة في شيء ما، ربما هو العناد و ربما هو صمت ما قبل العاصفة و ربما لن يعلم أبداً طبيعة صمته هذا
لكنه يعلم أن السيدة "كنغزلي" بالتأكيد لها يد في الموضوع.
هو لا يكرهه و لا يهابه و لا يشفق عليه.. هو فقط يتمنى لو يتحدث فيزيح الهم عن نفسه و يتنفس الصعداء قليلاً ليريح روحه المعذبة هذه.
سألته بإقتضاب عن علاج، فأجاب ببساطة (الخروج من هذا الجحيم)
↭◎쇼◎쇼◎↭
(أيها المشاكس.. ألن تنهض؟) قالت أمه و هي تفتح الباب على مصرعيه ک عادتها.
فتحت ستائر الغرفة ليتسلل القليل من الضوء من خلال الزجاج الضبابي (ستفوتك المدرسة هكذا.. هيا!)
(هو لن ينهض حتى تقرع ليزلي الباب بحذائها ک كل صباح) قال الشاب و هو يخرج من الحمام بمزاج صباحي مُنعش.
(خمس دقائق بعد أوما~)
جسدي مُنهك مُستهلك.. كل ما أريده هو المزيد من النوم اللذيذ.
(لا لقد إستنفذت كل الـ 'خمس دقائق' هذه حتى أصبحت نصف ساعة!) قالت و هي تسحب الغطاء من فوقه.
لكن.. لما يتجلى النوم بأبهى حلى في آخر عمره؟
(أحسن! ليكونن درساً لك حتى تشاهد الأفلام مع آل چيفرسون حتى العاشرة مساءً!) قالت و هي تهز كتفه.
آي~ رويداً رويداً يا والدتي.. كتفي يؤلمني كثيراً!
(يبدو كما لو أنه ملتصق بالسرير) قال الشاب و هو يرمق جسده الصغير الغارق في الملاءات.
هل ستموت إن لم تزعجني هيونج؟
(لا تجبرني على حملك حتى الحمام!)
لا تعامليني هكذا يا والدتي أرجوكِ.. انا أحبك.. اذاً لما القسوة؟
(ايغوو.. ألا يزال هذا الصغير نائماً؟) ألقى والده نظرة فضولية بداخل الغرفة.
(خمس دقائق.. فقط خمس دقائـــ...)
أرجوكم! أتوسل إليكم! بحق السيدة العذراء! فقط خمس دقائق! لا لا! لا توقظوني!!
(اوووووه ها هي تقرع الباب!)
(بسرعة بسرعة غير ملابسك قبل أن تخلع الباب!)
(الحقيبة! اين الحقيبة؟!)
(هاهيا.. و الطعام؟)
(جاهز)
(هيا هيا بسرعة بسرعة)
(لما لم تعد نعسان فجأة؟ ها؟)
(لأنني غسلت وجهي)
(لا بل لأنها هنا)
(لو سمحت هيونج.. لا تتدخل في شؤوني)
(اووووووووووووووه)
(ولد! تأدب و أنتَ تحادث الهيونج خاصتك)
(اوووف)
لما عائلتي مزعجة و لطيفة هكذا؟!
(ماذا؟ هل الشجار روتين لعائلتك؟) أتاه صوت الفتاة عندما فتح الباب ليخرج.
اوه "ليزلي" أيتها الصديقة الصدوقة العزيزة الوفية.. الجميلة~
مهلاً..
لا لا لا لا لا..
مهلاً!!!!
(ليزلي؟)
(و من سأكون؟ الملكة إليزابيث مثلاً؟)
(ليزلي.. هل هذا أنتِ حقاً؟)
(و الرب انا ليزلي! ما بالك اليوم كيونجسوو؟)
لا أدري ما بي.. لربما انا محموم.. أقصد.. انتِ لستِ "ليزلي" أبداً!
أنتِ فتاة السيارة!!
صاحبة الشعر الأحمر الغجري و العينان البندقيتان!
لكن لحظة.. ليزلي أيضاً لديها شعر أحمر و عينا بُندق!
لكنها فقط في الخامسة من عُمرها~
↭◎쇼◎쇼◎↭
فتح عينيه و هو يشعر أن جفونه تزن طناً، كلما فتح عينيه تنغلق من جديد وحدها، عقله مستيقظ لكن من الواضح أن جسده على النقيض من ذلك.
ألقى اللوم على والدته فلو كانت تركته ينام لخمس دقائق بعد ما كان ليحصل هذا.
(سامحك الرب أوما) قال بحسرة شديدة دون وعي.
(بماذا تهذي أنت؟) كان السؤال مخلوطاً بضحكة خفيفة و كأن من يتحدث مستمتع كثيراً بالموقف.
نظر ناحية الصوت بعيون شبه مغلقة تغلفها غشاوة من الفضول ليجد المعلم "ألفريد" هو من يتحدث.
كم كره وجهه
كم كره حقيقة أنه بجانبه الآن!.
كم كره كونه يبتسم غير مدرك أنه حطم للتو بوجوده هذا واحداً من أروع ما جادت به جعبة أحلامه!
(اللعنة!)
اللعنة! لقد كان كل هذا حلماً في النهاية..
حلم قاسيٍ متوحش مرعب يمزق نياط القلوب و يتركها تنزف ک نوع من التسلية.
(أي لغة هذه التى كنت تتحدث بها أثناء نومك؟) سأل المعلم بإبتسامة ود لكن الفتى رمقه فقط بفراغ ثم نظر الى السقف و هو يقطب بين حاجبيه.
لكن.. شيء ما غريب بخصوص هذا الحلم~
كان.. كان واقعياً جداً، ملموساً جداً، ليس ک حلم "چوزفين" الذي يتركه بائساً، لكنه بطريقة ما بدا ک ذكرى بعيدة تشرح الصدر.
أغمض عينيه لثانية ليجمع في ذاكرته الصور المبعثرة من هذا الحلم، يكتب في عقله ما حدث بالضبط و وعد نفسه بكتابته في ورقة في وقت لاحق، كانوا كما تركم.. كم أسعده هذا.. و لكم أحزنه.
هم كما هم.. و هو أبعد ما يكون عن نفسه.
سأل نفسه؛ هل سيتعرفون عليّ إن رأوني الآن؟
(كيف تشعر؟) إنساب صوت المعلم من جديد، فتجاهله من جديد.
حاول النهوض مستنداً على ذراعيه ببطء و روية، شعر بألم بعيد ينساب على إستحياء في كتفه و أسفل رقبته لكنه قاومه بشيء من الصعوبة، و عندما إستقام جالساً ليسقط الغطاء من على جذعه.. تذكر كل شيء.
بجدية كيف ينسى شخص ما أن كتفه خُلع بين ليلة و ضحاها؟
و الأهم؛ كيف إختفي الألم بين ليلة و ضحاها؟!
هل هذا بسبب الحلم؟ لكن ما الذي حدث في الحلم؟
هناك شيء ناقص لم يتذكره بعد.. يعلم هذا يقيناً.
رمق المَشدّة الطبية التى تصل بين كتفه و خصره و محيطه برقبته بقليل من التوجس، تأملها قليلاً و ما لبثَ أن سرح في فضاء الغرفة يحاول تذكر القطعة المفقودة من لغز حلمه.
(هل تبحث عن ليزلي؟ لقد عادت الى مهجع الفتيات) هكذا إستحوذ المعلم لأول مرة على إهتمامه، نظر له و عيناه تفضحان كم هو ملهوف و فضولي بشأنها.
ليزلي!
أجل!
ليزلي!
إنها ما هو مفقود!
الجزء الأخير الذي سبق صحوته مباشرةً كان عن "ليزلي"، كانت الوحيدة المختلفة بينهم، كلهم كانوا بأعمارهم التى يذكرها إلا هي.. كانت و كأنها تحولت الى فتاة السيارة.
فتاة السيارة..
مهلاً.. هل قال المعلم.. ليزلي؟
صداع.
شعر الفتى بالإعياء الشديد فجأة و برغبة في التقيأ، داهمه المعلم بسرعة بكوب لسائله رائحة حلوة (الدوار شيء إعتيادي بسبب المخدر الذي أعطيته لك أمس لذا الزنجبيل سيساعد.. إشربه كله)
أنهى الكوب ببطء لأن طعم الزنجبيل الحريف كاد يحرق صدره بالكامل.
قال المعلم "ألفريد" و هو يجلس على السرير و يربت على ساقاي الفتى بحنان (عظمة الترقوة فُصلت عن الكتف و لعمري إن هذا لأسوأ ما قد يحدث لعظام بشري.. لن نصنع جبيرة لأن هذا صعب في هذه الحالة و لن أعطيك أدوية لأن هذا مستحيل، من حسن حظك أن فكرة المَشدّة خطرت لي لكنك سترتديها لشهر بجانب العلاج الطبيعي بالزيوت و حمام الملح و الكثير و الكثير من الثلج، الدواء الوحيد الذي أستطيع إعطاءه إياك هو المخدر.. و يؤسفنى إخبارك أنك قد تعاطيتك جرعتك بالفعل و أنها ستزول بعد دقائق، الألم آتٍ لا محالة، لكنني أعلم يقيناً أنك ستلتهمه إلتهاماً.. فقد كنت بالأمس شجاعاً ک مُحارب.. ليبارك الرب كين)
نهض المعلم و إرتدى معطفاً و قبعة ليُكمل مظهره إستعداداً كما هو واضح للخروج (الآن كين.. لتعلم أن خروجك من هنا ممنوع، إستيقظت السيدة كنغزلي و جعلتني أقسم على الكتاب المقدس أنني لن أُخرجك من الغرفة أبداً، لم أستطع الرفض و خاصةً أن المرأة في حالة يُرثى لها بالكامل، أعلم أن هذا ظلم خام لك.. لكن ما باليد حيلة بالإضافة لكونك ضعيف لتنهض او تتعرض للهواء.. سيأتي أحد الحراس ليحضر لك الطعام و سأعود انا ليلاً بعد أن أنهى أعمالي.. هل تريد شيئاً أحضره لك و انا قادم؟)
بالله كيف يرد على كلام ک هذا؟
عندما لم يجد الرجل إجابة، عدّل قبعته على سبيل التحية و خرج.
راقبه الفتى جيداً و هو يخرج و بالتأكيد لاحظ أنه لم يغلق الباب بمفتاح، نهض الى الحمام بصعوبة ثم خرج بعد فترة ليلقى نظرة على فناء الملجأ الخلفي.
الساعة على الحائط تشير الى الثالثة عصراً و عشر دقائق و هذا معناه أن هذا الفناء سيمتلأ بالحشود بعد قليل، إنتظر بصبر لكن الإعياء غالبه من جديد فإتكأ على النافذة ليسند طوله.
هذا كثير! كثير جداً عليه و على نفسيته الهشة، غلاف الصقيع الذي كان يغلف به ذاته بدأ يتآكل بفعل المصاعب التى تنهال على رأسه من حيث لا يحتسب.
شجاره مع "چورچ"
صفعة السيدة "كنغزلي"
رحيل السيدة "روزماري"
حبسه في غرفة العقاب ليومان ربما..
ثم تهتك كتفه الذي سيصطحب معه أسابيع طويلة سحيقة من الألم.. و كأن حياته في حد ذاتها ليست ملحمة تراچيدية.
أخرج من جيب بنطاله ذاك المنديل الذي يمثل له الماضي.. الحاضر و لربما المستقبل.
مرر أنامله على الأرنب البري المُطرز ثم على شجرة الحياة، برفق و لين.. يأخذ وقته في تشرب منحنيات التطريز و الفرغات بينها، تأمل كيف أن الأرنب البري ينظر الى الشجرة بشيء من القدسية الممزوجة الحزن.
كان يقول: أحبك.. أؤمن بك.. إذاً لما تجعليننا نتجرع الألم؟
إنتظر الفتى إجابة الشجرة، لكنها ظلت صامتة ببرود مُتعالي.
رن جرس الملجأ العتيق فرفع نظره نحو الفناء من جديد، و لأول مرة.. يضبط نفسه و هو يسترق النظر نحو مهجع الفتيات المُقابل، لأول مرة يعني له هذا المبنى العتيق ذو الطابع الكاثوليكي شيئاً ما.. شعوراً ما..
لأول مرة يشعر بقلبه يضرب صدره هكذا.
بحث بسرعة عن قميص في خزانه المعلم "ألفريد" و هو يعلم أن الرجل لن يمانع البتة ثم إرتدى كُماً واحداً بسبب كتفه المُصابة و هرع للخارج.
نزل السلالم و هو يتجاهل عمداً تلك النظرات الإستغرابية القاسية التى تقول بصخب: ما اللعنة التي حلت بك؟!
إجتاز الفناء و هو يدفع الناس من أمامه بغلظة حتى وصل الى من كان يبحث عنها، كانت جالسة على العشب برفقة فتاة من أصل هندي و يبدو أنهما تتضاحكان على شيء ما، و ما إن رأته حتى سقط وجهها.
قفزت واقفة لتواجهه و تعابيرها تعكس فزعاً مهولاً (ما الذي تفعله هنا؟!)
(أين كنتِ تسكنين؟) باغتها بسؤاله و هو يشعر أن ما من كائن في هذا المكان الا و كان يرمقهما حتى الطبيعة بحد ذاتها بدت و أنها قد توقفت عن ما كانت تفعل لتصغى.
(أنتَ لا تفهم! عليكَ العودة حالاً الى الغرفة! أنتَ مُصــ..)
(أين-كنتِ-تسكنين؟) قاطعها و هو يجز على مخارج الحروف و كأن حياته تعتمد على ذلك.
إبتلعت ريقها بصعوبة بسبب توتر الموقف و المكان ثم قالت (لند..)
(أين في لندن؟!!!) جسده بأكمله يهتز من الإنفعال و هو يعلم يقيناً أنها لن تقول العنوان المنشود، بالتأكيد لا، فالحياة ليست بهذا الجمال!
همست ببطء (لندن حي بادنغــ.. )
(ـــتون!) أكمل الكلمة لها و هو يكاد يصرخ من السعادة (حي بادنغتون؟!) كان يتنفس بصعوبة بالغة و صدره يعلو و يهبط و كأنه على وشك التهتك.
إبتسمت ليظهر له أجمل و أروع ما قد يراه او يختبره إبن آدم يوما..
الأمل~
لم يأبه بالمعلم "ألفريد" الذي ظهر من العدم او بمن يصحبه من حراس ليجروه جميعاً بعيداً عنها او بنظرات الدهشة التي تحرق ألياف جسده ک السهام او بعصابة "چورچ" في الزاوية تحاول فهم ما يجرى او بالألم الساحق الطاحن الوحشي في كتفه الذي يشى بتلاشى مفعول المخدر.. لم يأبه و لو قليلاً.
كل ما كان يشعر به هو شفتاه و هي تبتسم بينما مذاق ملحى غريب يتسلل الى ما بينهما.. خمن أنها دموع، لكن مذاقها بدا له ک العسل كونها -و لأول مرة- دموع سعادة.
↭◎쇼◎쇼◎↭
يُتبع..
Like ♡
Comment 💬
Follow ✔
♕ 어먼EMY ♕
مهما حاول تجاهلهُ فهو هُناك..
مهما حاول دفعهُ الى آخر وعيهِ فلا يستطيع..
هل بلّل سروالهُ أم ماذا؟!
لكن البَلل على رقبته.. رأسه.. هل الجو حار؟ هل هو مُتعرق و حَسب؟
إنتّشر الألم في جسدهِ ک سُم حينما تحرّك قَيد أُنملة، أطلقَ أنّة رغم عنهُ فالألم فاقَ الإحتمالات و بدا لهُ أنهُ مُمتدد الى مالا نِهاية، كل عَضلة و كل عَظمة و كل خَلية تَصرخ فزعاً و حيرة مما يُصيبها!
كانت هذهِ فَقط بضعة مشاعر مُرفقة مع صُداع فتّاك و ذكرى دُخانية لمشهد عِدة أشخاص يسحقونهُ تحت أقدامهم.
حَاول تَذكّر ذنبهِ.. فتذكر..
لقَد نعتَ العَاهرة بالعاهرة~
حينها وَعَى على دَرس أَوّلىّ لحياته:
الحَقيقة عندما تُقال ک حَقائق فهي تجلبُ الأذيّة.
و وحدهُ الرّب يَعلم كم أن السيدة "كنغزلي" قادرة على إِستجلاب الإيذاء.
فكّر بالسيدة "روزماري"..
اوّل عِدة ساعات في يومهِ بدونها و هاهو يُعامل ک كيان شيطاني يَقرأون عليهِ الترانيم ليُحرق حَياً.
تَنهد بحرقة على إشتياقهِ لها و لعناقها..
آلمهُ التّنهد..
فكفّ عَن التّنفس.
(أمُستيقِظ أنت؟)
عَقلى مُستيقظ ثائر لكن جسدي خاملٌ خامدٌ يَكبت الألم.
(هل تَسمعني؟)
بِوضوح.. و كأنّ صوتك قابل للإِحتواء.
(هل تَستطيع النهوض؟)
إن مَددت يَدك و إنتشلتني مِن ظلام العَجز فسأفعل.
لكن الصّوت لم يفعل.. فحاول فتحَ وعيهِ و عينيهِ ليلومه.
↭◎쇼◎쇼◎↭
الثالث من مارس/آذار 1966~
مُنتصف الليل~
إنهُ نائم مُنذ أكثر من خَمس ساعات.
الليل خيّم و إسود ک خُصلات شعره، و الهدوء عمّ العالم الخارجي ليُطابق هدوء الجُدران الأربع..
و الفتاة قَضت المُدة بطولها و عَرضها تُحدق بهِ و بتقسيماتهِ دونَ أن تأبه ببقية الوجود.
هِستيريتها السابقة هَدأت كما يَهدأ التُسونامي، لكنهُ خَلّف وراءهُ الدمار في ذكرياتها و عَقلها البَاطن و أخذت تُقلب و تُشاهد مَشاهد لم تَعلم أن وعيها لا يَزال مُحتفظاً بها لكنهُ كان مُتكتماً عليها.
بدأت تَعدو في ذكريات بعيدة المدى؛ مَتجر ألعاب العم "جاكوب" ،إستعدادات لعيد ميلاد، نَميمة هُنا و هُناك عن إختطاف، شُرطة في كل مَكان و كل يَوم، جَرو رمادي يَغفو على السّلم، الضّابط يَرفض أن يحكي لها قصة..
كلما حَدقت أكثر بمن يَفترش الأرض نائماً كُلما تأكدت و شكّت بشكل أكثر قوة، تساؤلاتها كانت مُتزامنة مع عَقرب السّاعة في جيبها.
تيك
(هو)
توك
(ليس هو)
تيك
(هو)
توك
(ليس هو)
كُل ما كانت مُتأكدة منهُ هو أنها تَود بكل شُريان في قَلبها أن يكون في النهاية.. هو..
كيونجسوو..
بكتهُ كثيراً حُزناً عليهِ فيما مَضى و على فكرة كون رَفيق لعبها لم يَعد هُناك.
لم يعد هناك كيف يعني؟
لم تفهم الأمر عندما أخبرتها والدتها به و لم تفهمه عندما أخبرتها والدته نفس الشيء لكن بعينين دامعتين.
مع الوقت فهمته وحدها عندما وجدت نفسها تسير دونه لأيام طوال إستحالت لأسابيع و ما لبثت الأسابيع أن تحولت بطريقة عجيبة الى شهور.
و لكن.. كونه هنا الآن.. قد لا يكون هو.. و قد يكون.. يا الله!
بللت قطعة القماش و مسحت بها على جبهته بعد أن أبعدت تلك الخصلات الثائرة المتشابكة مع رموشه، و بظاهر كفها قاست حرارته لتجدها قد إنخفضت، فإنخفض توترها أخيراً و تنهدت أعصابها براحة بعد شد عضلي دام طويلاً.
(سيكون بخير) أكدت لنفسها و هي تنهض لتغيير الماء في الصندوق الخشبي الصغير.
فتحت الصنبور و إستغرقت في تساؤلات عن لماذا هي هنا في الأصل..
في هذه الغرفة.. و معه؟
ما الخطأ الذي إرتكبته عوضاً عن ثورتها التى أحرقت كبرياءهم كما إحترقت روما قديماً عن بكرة أبيها؟
بجدية كل ما فعلته أنها حاولت أن تبدو قوية في نظر من رحلوا و يراقبونها من السماء.. لم ترد أن تبدو ذليلة مكسورة مظلومة كي يرقضوا بسلام في الأضرحة الأبدية التى توارى أجسادهم، أرادت إخبارهم أنها تستطيع تدبر أمرها و أنها واقفة على قدميها.
لكن بأسًا لهم فقد ربطوها بالأرض لتبدو منبطحة!
سمعت صوت تألم فإلتف عنقها ک سهم نحو الفتى، أغلقت الصنبور و ركعت بجواره بلمح البصر و هى تنظر بفزع الى تعابيره المستغيثة.
ما العمل؟! ما العمل؟!
لم تدري!
(أمستيقظ أنت؟) تمنت لو يرد بـنعم، لكن وجهه إستمرّ بالإنكماش وحسب مُجعداً قلبها معه.
(هل تسمعني؟) موضعت يدها على وجنته فـ لان قليلاً و بدأ صدره يعلو و يهبط بوتيرة سريعة أخذت تتباطأ، لا تدري لما لكنها قاومت رغبة جامحة في البكاء على حالها القلوقة قبل حاله.
(هل تستطيع النهوض؟) تريد رفعه و إسناد رأسه على شيء أكثر حناناً و رأفة من الأرض لكن اللمس ممنوع للإحالة دون الألم الذي لم يستثار بعد.
مرت ثوان إنقطعت فيها حركته فشقّ عقلها تساؤل كما يشق شهاب عنان السماء..
هل مات؟!
إقتربت من صدره و إسترقت السمع بحذر لساكن القفص الصدري هناك.. كان يعمل بصخب في مكانه فبدا لها صوت الطرق أعظم نواميس الكون.
عندما دحرجت نظرها ببطأ من موضع قلبه الى وجهه، إصطدمت نظراتها بأخرى لم تتوقعها فأخذ ساكن صدرها يصدر الضوضاء هذه المرة.
كان ينظر لها و من خلالها..
ينظر إليها بفراغ..
أرعبها! و لرغبتها في بعض الأمان قررت مداهمته بسؤال أرقها اليوم بطوله.
أرادته أن يكون: أ أنت كيونجسوو؟
لكن إن لم يكن هو لبدت غبية، فخرج السؤال منمقاً أكثر حذراً.
(ما إسمك؟)
↭◎쇼◎쇼◎↭
(ما إسمك؟)
اوه يا فتاة السيّارة العنقاء لدى العديد~
فأيهم تريدين؟
المُتداول؟
المُكتسب؟
أم لعلك تطمحين لإسم الميلاد؟
الحقيقي يعصر قلبي لما يصحبه من ذكرى.
و المُكتسب يُمرض قلبي لما يصحبه من إهانة.
و المُتداول لا يعجبني.
لكن أوتعلمين.. ؟
إليكِ بالحقيقي.
(كين) خرج صوته مبحوحاً أثر الإعياء.
مهلاً..
لقد نسى أنه لا يُحادث البشرية، لما أجاب سؤالها للتو؟
هذا لم يحدث منذ مدة طويلة لإحتفاظه بصوته لنفسه و بخله على الناس به.
تطوع عقله بالرد: ربما لأنها تبدو قلقة عليك و لربما لأنك بحاجة الى حماية و لربما لأن فضولها بدا نقياً فأردت تعكيره بكذبة، أياً كان فها أنت قد تورطت في إستجواب و حوار مع غريب لأول مرة فإختبر لغتك و مشاعرك لعلها لم تعد هنا.
أطاع الصوت بعمى فسأل (هل أنتِ من أغرق ملابسي بالماء هكذا؟)
سقط وجهها و تلعثمت عيناها لبرهة مما أمهله عدة ثوان حاول إستغلاّلها في تأملها، لكنها نظرت بعيداً فواجهته كثافة شعرها و أحالت دون مخططه الإرتجالي.
تجلى صوتها في فضاء الغرفة (حرارتك كانت نارية من الحُمى فبللت رأسك لكن بضعة قطرات إنسابت على ملابسك دون قصد)
'نارية'؟ حتى مصطلحاتها مُنتقاه لتتماشى مع عنفوانها.
(كنت أعاني الحمى؟ غريب.. لا أشعر بشيء)
(هذا لأنها زالت الآن)
(و منذ متى و هي في جسدي؟)
(ربما منذ أن نمت)
(و متى إختفت؟)
(منذ دقائق)
(هل أنتِ طبيبة؟)
(لا)
(إذاً لما مرضتيني؟)
لكن السؤال الأخير لم يجد إجابه تصحبه سوى الصمت.
طال صمت المكان ففطن الى أنها لن تتحدث، لكن فضوله و حماسه للعبة 'الشد و الجذب' الجديدة رفض الإنصياع لنهاية ک هذه فقرر المحاولة من جديد.
(سألتني عن إسمى.. فما إسمك؟)
سمعها تتنهد فتسائل بإستغراب؛ هل إسمها تنهيدة؟ لا بأس لا يهم.. فهي لديها إسم على أي حال في سره.
راقبها تنهض من مكانها و تقف تحت النافذة لتأمل السماء الكالحة، مرت عدة دقائق على حالهما فنقل أنظاره الى السقف أولى و هو لا يزال خائفاً من تحريك أي عضلة في جسده سوى جفنيه و شفتيه.
(لقد كنت تموت لذا لم أستطع تركك هكذا، بالإضافة.. ظننتك شخص ما) جملتها جعلت إنتباهه يتمسك بخيالها في الظلام، راقبها و هى تترك مكانها و تعود إليه بخطوات ثابتة (هل تستطيع النهوض؟)
أراد النهوض فقط ليحفظ ماء وجهه أمامها، لكنه سيكون كذّاب إن زعم أنه قادر على تحريك أنامله دون مقاومة الرغبة في البكاء.
(سأساعدك.. هيا) إنبطح كبريائه لها بسهولة.
إبتلع ريقه و بدت هي مترددة أكثر منه، وضعت ذراعها تحت رقبته بحذر شديد و كأنه زجاجي قابل للكسر و أنهضته بينما حاول هو أن يستند على ذراعيه.
حينها إنفتحت إحدى بوابات سقر!
صرخ بقوة متألماً من الكهرباء التى سرت في كتفه و قذف برأسه الى الوراء و تشنّج في مكانه عدة ثوان و كأنه لا يعي ما حدث للتو.
تجمدت الفتاة و إتسعت عيناها رعباً و شعر بأناملها تحاول إفلاته كما تمسكت به لكنها توقفت في منتصف الطريق، سألت بجزع (أين؟! أين الألم؟ تكلم!)
فتح عينيه دفعة واحدة و هو يشهق غير مصدق أنه جرّب شيء شنيع ک هذا و الأسوأ أن الألم توقف عنده! لم يذهب او يتلاشى بل توقف في مكانه و كأنه مسمار دُق تواً في جدار من لحمه.
تلاقت نظراتهما بطريقة عشوائية فإستغلتها هي و حددت سؤالها أكثر (هل هو كتفك؟ أرجوك تكلم!)
فقط لو تراه يومئ بقوة في مخيلته!
لكنه خائف من التنفس في هذه اللحظة كي لا يضيف ألماً على ألم، فغر فاه فى أنّة صامتة حينها أكملت الفتاة طريقها صعوداً في حمل رأسه حتى جعلته يجلس في مكانه و هي تكرر (لا تحرك ذراعيك) (لا تتكأ على يدك) (فقط إبقى ساكناً)
أسندته بصعوبة على الجدار و حينها تنفس كلاهما الصعداء، كان الفتى يتصبب عرقاً و يكبت دموعاً و يهب الأوكسجين كما لو أنها أول مرة يتنفس منذ ولد، شعر بشئ بارد منعش ضد وجنته المُحترقة ثم سمعها تتمتم (إرتفعت حرارتك من جديد)
فتح عينيه ليجد كفها يستقر على خده و كأنه موطنه و مسقط رأسه، لا يدري من أين لها بالجرأة لتلمس غريب هكذا.
ألا تخجل منه كما يلتهب هو خجلاً منها الآن؟
بدأ يعد أجزاء الثانية لتبتعد عنه و عندما فعلت.. شعر بالإحباط~
نصف إحباطه كان سببه شعوره بالإحباط في الأصل.
نهضت ليسمع خطواتها تبتعد.. تستقر.. ثم تعود إليه مُحمّلة بقطعة قماش لتمسح بها على وجهه بينما نظراته تتجول هنا و هناك بعيداً عنها، في النهاية أغلق عينيه بضيق لأن كل الطُرق تؤدي اليها.
(ليزلي) فتح عينيه على صوتها ليحدد ملامح إبتسامتها في الظلام بصعوبة (إسمي.. ليزلي)
كاد يفعل او يقول شيءً ما لكن باب الغرفة تأرجح مفتوحاً بقوة.
↭◎쇼◎쇼◎↭
ليس هنا و لا هناك.
ليس في أدراج المكتب و ليس في قسم الأرشيف و لا حتى في غرفتها الخاصة، حاولت تذكر أين تركته او وضعته او رمته لكن لا فائدة البتة.
من المفترض أن فكرة ضياعه سارة لكن لا تدري لما قلبها منقبض لحقيقة ک هذه.
قررت البحث مرة أخرى متجاهلةً تأخر الوقت و كونها لربما تبحث عن إبرة في كومة قش، قامت بفرز المستندات مرة أخرى أمامها تبحث عن المنشود الذي يحمل عنواناً برقم 1960 لكنه تائه برفقة عدة مستندات عشوائية أخرى، قررت في لحظة إستدعاء مساعدتها لتبحث معها لكن الشابة فضولية و ستسأل أسئلة لا لزوم لها و ربما هي تحاول تقصي الأمر الآن أصلاً في الدهاليز التحتية بعد ان سمعت ما قالته الطبّاخة اللعينة.
إن كان الأمر هكذا فعليها سؤالها صباحاً عن ما وجدته من معلومات لتعلم أنماط المصيبة بالضبط.
و بينما هي مستغرقة في ألف خاطرة طُرق الباب بإيقاع موسيقي معين فتركت ما في يدها و هرعت الى المرآه الجانبية تعدّل من طلّتها بسخافة ثم تنتصب واقفة لتأخذ نفس عميق طويل لتهدأه قلبها.
(تفضل) قالت مستحضرة أكثر نبراتها إتزاناً.
و كما توقعت تماماً من صوت الطرقات.. كان المُعلم "ألفريد"
حيّاها بوجه مُتجهم و هو يفتح الباب قليلاً (مرحباً سيدتي.. تسمحين لي بالدخول؟ أعلم أنه منتصف الليل لكن الأمر عاجل)
لم تستطع إخفاء إستياءها بسبب تعابير وجهه، منذ متى و إبتسامته الودودة ترافق تقسيماته اللعوبة؟ مابال العينين الكئيبتين؟
(بالطبع.. تفضل، ما الأمر؟) راقبته و هو يفتح الباب على مصرعيه و يخطو الى الداخل ليجعل حقيبته الجلدية ظاهرة للعيان، تضايقت دواخلها لرؤية الحقيبة فهذا معناه أنه سيستأذن لبقية الليل او لأيام ليعالج أحدهم.
(أريد أن أستأذنكِ سيدتي في كوني سأنشغل الليلة و غالباً سأفوت دروس الصباح) قال بإحترام فائق كما هي عادته في محادثتها، نبرة صوته ليست هاهي الليلة لكن كل ما يجود به عليها فهو مقبول بقلب مُتسع.
(أحدهم مريض؟) سؤال روتيني أجابته حقيبته لكن هدفه هو سماع صوته من جديد ليس إلا.
(آمل من كل قلبي ألا يكون كذلك.. لكن عليّا التأكد بنفسي) أومأ بإستعجال و توتره و غرابة أطواره بدت ظاهرة للعيان.
(اوه.. هل هو أحد تعرفه؟) سألت و جسدها يقشعر ظاهرياً لكن داخلياً فهي لا تهتم حقاً.. لا شيء مهم سوى لون عينيه البنيتين على ضوء نار المدفأة التى تنظر لها و إليها.
تمتم بكآبة غريبة (أجل..)
(لا ضير.. تفضل إذاً) أشارت له بود و إبتسامة تعبت كي ترسمها كون وجهها متصلب طول النهار.
تحمحم في مكانه و نظف حلقه عدة مرات قبل أن يقول (حسناً.. هلا أعرتني مفتاح الغرفة العلوية؟)
(ماذا؟) رفعت حاجبها بإستغراب.
لا حقاً.. ماذا؟
(الغرفة العلوية.. ام عليا قول غرفة العقاب؟!) نبرته أصبحت قاتمة كالحة ک تعابير وجهه تماماً.
(ما الذي تقصده بالضبط ألفريد؟) تسائلت بحيرة و قلبها بدأ يتوجس خيفة من إجابته لأول مرة في حياتها.
(اقصد أن المريض هناك سيدة كنغزلي!)
↭◎쇼◎쇼◎↭
(هل تتحدث بجدية؟)
(أقسم بقبر أمي أن هذا ما سمعته)
(تقصد أنها.. ضربته؟)
(و حتى فقد الوعي! ساعدها في ذلك كلا الحارسان الجديدان، أحدهما هو من أخبرني بذلك بلسانه، كان مرعوباً كونه سيسجن بكل تأكيد إن علم أي شخص ما من الهيئة الإجتماعية)
(لا لا إنه كذّاب!)
(هذا ما أخبرت به نفسي لكن المصيبة أني لم أجد الفتى فعلاً في المهجع وقت الإحصاء الليلي.. انه دوماً الأول في سريره مما جعلني أشك أن الأمر صحيح و لو قليلاً، تجولت للبحث عنه و أنا أصلى أن أجده هائماً على وجهه ک حاله كل يوم في أحد الأروقة.. لكني لم أجده أبداً في المبنى بأكمله، حينها قيدته غائباً و ذهبت الي مكتب السيدة كنغزلي لأخبرها و نبدأ بالبحث عنه بشكل مكثف لكنها فقط أخبرتني أنه سينام في مكان آخر اليوم و صرفتني بقرف)
(ما الذي فعله بالضبط ليُضرب؟ هذا ممنوع!)
(هذا في الغيب يا صديقي.. فأنا الصراحة لم أسأل)
(لما؟)
(لا أدري.. لقد صدمني كلام الرجل لدرجة اني تركته و ذهبت، خاصة عندما بدأ يهذي بشأن فتاة أخرى محبوسة هناك)
(فتاة! هذا جنوني!)
(إنه كذلك.. الأسوأ أن الفتى بالتأكيد في حالة يرثى لها الآن، ضربة قاضية على رأسه او عظام مكسورة.. شيء من هذا القبيل، انا أشفق عليه، صحيح أني لا أرتاح له كونه صموت كتوم و هذا ليس من الفطرة لأن الأطفال و المراهقين شياطين رجيمة يجب أن تشد ذيول القطط و تتسكع في مجموعات إجرامية، أما أن تكون مهذباً غامضاً هكذا فهذا يثير الريبة! دعك من أنها علامة عن كونه غير طبيعــ.. اوه! هاي! مهلاً مهلاً! أين تذهب؟!)
لم يكن المعلم "ألفريد" ينوى الرد عليه و لو ظل الحارس ينادي دهراً.. كل ما كان يراه في عقله هو خريطة سريعة للممر الذي يؤدي الي الغرفة العلوية.
أجل السيدة "كنغزلي" تخرق بضعة قوانين من وقت لآخر.. و أجل هي قاسية صاحبة قلب من قرميد.. و أجل الفتى يسبب التوتر و يثير الحنق بسبب صمته المبهم.
لكن هذا ليس مبرراً أبداً!
اي شكل من أشكال الإيذاء الجسدي و النفسي على اي طفل هنا قد يخرب بيتها و هي تعلم هذا جيداً.. إذاً لما التهور؟!
عرج على غرفته سريعاً لإحضار عدته الطبية و بدأ يقفز السلالم قفزاً نحو الطابق العلوي و جزء فيه لا يزال يأمل أن يكون كل هذا نميمة حراس سُكارى و حسب لا أساس له من الصحة، لكنه توقف مكانه و ضرب رأسه بكفه.
بحق الرب كيف سيلج للغرفة دون مفتاحها الذي بحوزة تلك المرأة؟!!
لا مفر من المواجه الحتمية إذاً~
همس لنفسه (أرجو أن تكون السيدة كنغزلي واقعة في حبي الليلة أيضاً فأنا بحاجة للحظ!)
↭◎쇼◎쇼◎↭
كان الفتى القابع على الأرض غارق في ألف خاطرة حتى النخاع؛ إنه متوجس و قلق بسبب حضور المعلم و المديرة، لما هما هُنا؟
من أخبر المعلم ليأتي و معه الحقيبة الطبية؟ هل تراها السيدة "كنغزلي"؟
و لما قد تفعل هذا؟
أليست هي من جعدته و رمته في هذه الغرفة؟
لكن أكثر ما أثار حفيظته كانت ملامحها الغريبة.. ربما الضوء و الظلال تلعب بعض الألاعيب هنا لكن المرأة تبدو حقاً قلقة.
إبتسم المعلم للمراهقان اللذان تجمدا من هذه الزيارة المُباغتة و قال بنبرة سلام (لا بأس عليكما الآن.. لا تخافا.. سأساعدكم.. كلانا سيساعدكم، أليس كذلك سيدة "كنغزلي"؟)
نظر خلفه ليلوم المرأة على فعلتها الشنعاء هذه بنظراته المدروسة، أليست هي من أصرت على مرافقته؟
لتذُق غضبه حتى تسكر إذاً!
لكنها للحق ترتجف ک ورقة في مهب الريح و وجهها ممتقع بلون الليمون، كانت و لأول مرة.. خائفة~
عندما تقابلت نظراتهما وجد نظرة من يطلب الغفران في عينيها، جعله هذا راضٍ، فلو كانت ترتدي تلك الملامح الباردة المتحجرة إياها لكان دقّ عُنقها أمام الباب.
دلفت المرأة الى الداخل دون أن تنطق و أضاءت الغرفة بمصباح صغير و أشارت للفتاة الصهباء بأن تبتعد عن الفتى بحركة من إصبعها، ثم نظرت الى المعلم "ألفريد" تحفزه على بدأ عمله.
إقترب الرجل و فتح حقيبته (أنتَ بخير؟ أين الألم؟)
لم يَرد الفتى ک عادته فجاء الرد من أقصى يمين الغرفة (كتفه)
نظر الرجل و المرأة الى الفتاة في اللحظة ذاتها بإستغراب، لكن أحداً لم يُعلق.
لمس المعلم كتفه فإشتعل ذراعه بطوله ألماً و جس على أسنانه حتى كادت تسحق و تتحول الى دقيق.
(هذا سيء.. إنه متورم) تمتم المعلم و هو يعاين كتف الفتى (علينا نقل الفتى الى غرفتي حالاً.. يجب معاينته تحت ضوء ساطـ.. )
(مستحيل!) قالت السيدة "كنغزلي" بهستيريا.
(لن يخرج الفتى من هنا أبداً! ماذا لو رآه أحدهم!) أكملت و هي ترتجف بقوة.
(هه! هذا كل ما تفكرين به؟) و من جديد يأتي الصوت من أقصى الغرفة حيث تقف الفتاة و قد عقدت ذراعيها على صدرها.
كادت المرأة توبخها صارخة الا أن المعلم أوفقها بحدة (أنتركه يموت مثلاً كي لا يراه أحد و يتسائل عن من فعل هذا به؟ أعلم بما تفكرين به سيدتي لكن يؤسفني إخبارك أن هذه الساعة ليست مناسبة أبداً للأنانية! أيضاً من حقهما تماماً أن يعلما أن حالهما و حبسهما ها هنا يجعل لهما اليد العليا عليكِ! بحق الجحيم ما الذي تفعله فتاة في مبنى الصبية من الأصل؟)
حينها حدثت أغرب ظاهرة حيوية يمكن للمرء أن يشهدها..
لقد فقدت السيدة "كنغزلي" الوعي~
↭◎쇼◎쇼◎↭
تلونت السماء بلون الخوخ بينما الساعة في جيب قميص الفتاة يشير الى الخامسة فجراً.
كانت تُلقى نظرات إطمئنانية خجولة من وقت لآخر على الفتى النائم بإريحية على سرير المُعلم.
كان عاري الجزع يرتدي مَشدّة طبية على كتفه الأيسر مخصصة لإصابات الكتف يعلوها كيس ثلج لتخدير الألم و بجانبه كيس كبير من الملح أحضره المعلم لتجهيز حمام خاص له عندما يستيقظ.
تجربة رؤيته يصارع و يبتلع ألمه عندما كان المعلم يحاول إلباسه المَشدة الطبية تركت قلبها بثقوب عديدة، أرادت الإنتظار خارجاً خاصةً بعد أن مزّق المُعلم قميص الفتى بالمقص مما سبب شعورها و شعوره بالخجل العارم لكن المعلم أوقفها بصرامة في مكانها لتناوله الأدوات الطبية.
لقد كان الفتى يبكى.. كانت تعلم ذلك..
وجهه كان أحمر ک النبيذ و مجعد بشدة و ذقنه يرتعش و يضغط على عينيه بقوة و صوت إحتكاك أسنانه وصل لسابع سماء، لكنها لم ترى دمعه واحدة و كأن دموعه كانت تنسكب بداخله لتخدير ألمه.
كل هذا و هو صامت ک الليل يطلق رغماً عنه زمجرة ألم ک شقة برق وسط السماء و ما يلبث أن يعود الى كتمان صوته.
ظل متشبثاً بملاءة السرير و كأن حياته تعتمد على ذلك إلا أن أفرغ المُعلم آخر قطرة مخدر في محقنه.
حينها عمّ السلام وجهه أخيراً~
وحينها أيضاً.. تأكدت أنه.. ليس هو.
من المستحيل أن يكون هذا الكائن البائس هو نفسه صاحب الإبتسامة القلبية و فرط الحركة و الحماس الذي كان يُغرق به الحي منذ سنوات.
لكن.. لما لا؟ ألم تكن هي نفسها تشاركه الضحك و الحماس و هي الآن إنسانة يتيمة بالكامل من العائلة و السعادة و المستقبل.
أقنعت نفسها بأن الفتى متوفى و هو الآن هيكل عظمي بالي هتك دود الأرض عرضه، ليس و كأنه الآسيوي الوحيد في البلاد.. كلهم يتشابهون على أي حال.
أعد المعلم "ألفريد" الشاي لكليهما و تبادلا أطراف الحديث حتى ساعات الفجر، أخبرته كيف قيدتها المديرة مع مساعديها و ألقتها في الغرفة و كيف حاولت هي فك وثاقها و كيف مرضّت الفتى الذي كان غائباً عن الوعى يشتعل من الحمى.
أعطاها معطفه لتداري به أعلى ركبتها بعد أن لاحظ تمزّق تنورتها.. لفعلته تلك كانت ممتنة.
أخبرها بدروه عن عمله السابق ک مُمرض أثناء الحرب العالمية الثانية و عمله هنا ک مُعلم تاريخ.
ثم أخذ الحوار منعطفاً شبه إجباري نحو الفتى؛ كيف أنه صامت منذ ما يقارب العشر سنوات، نصف من يصادفونه إما يتنمرون عليه او يهابونه، كل العاملين هنا يتوقعون أنه يعاني من تلبس روح شريرة لجسده تفسيراً لغرابة أطواره، إنه ليس أول طفل غريب يمر على المكان، لكن سمعته لسبب ما في الحضيض.
لكنه يعلم أنه فقط صامت لأن بداخله سر رهيب او رغبة جامحة في شيء ما، ربما هو العناد و ربما هو صمت ما قبل العاصفة و ربما لن يعلم أبداً طبيعة صمته هذا
لكنه يعلم أن السيدة "كنغزلي" بالتأكيد لها يد في الموضوع.
هو لا يكرهه و لا يهابه و لا يشفق عليه.. هو فقط يتمنى لو يتحدث فيزيح الهم عن نفسه و يتنفس الصعداء قليلاً ليريح روحه المعذبة هذه.
سألته بإقتضاب عن علاج، فأجاب ببساطة (الخروج من هذا الجحيم)
↭◎쇼◎쇼◎↭
(أيها المشاكس.. ألن تنهض؟) قالت أمه و هي تفتح الباب على مصرعيه ک عادتها.
فتحت ستائر الغرفة ليتسلل القليل من الضوء من خلال الزجاج الضبابي (ستفوتك المدرسة هكذا.. هيا!)
(هو لن ينهض حتى تقرع ليزلي الباب بحذائها ک كل صباح) قال الشاب و هو يخرج من الحمام بمزاج صباحي مُنعش.
(خمس دقائق بعد أوما~)
جسدي مُنهك مُستهلك.. كل ما أريده هو المزيد من النوم اللذيذ.
(لا لقد إستنفذت كل الـ 'خمس دقائق' هذه حتى أصبحت نصف ساعة!) قالت و هي تسحب الغطاء من فوقه.
لكن.. لما يتجلى النوم بأبهى حلى في آخر عمره؟
(أحسن! ليكونن درساً لك حتى تشاهد الأفلام مع آل چيفرسون حتى العاشرة مساءً!) قالت و هي تهز كتفه.
آي~ رويداً رويداً يا والدتي.. كتفي يؤلمني كثيراً!
(يبدو كما لو أنه ملتصق بالسرير) قال الشاب و هو يرمق جسده الصغير الغارق في الملاءات.
هل ستموت إن لم تزعجني هيونج؟
(لا تجبرني على حملك حتى الحمام!)
لا تعامليني هكذا يا والدتي أرجوكِ.. انا أحبك.. اذاً لما القسوة؟
(ايغوو.. ألا يزال هذا الصغير نائماً؟) ألقى والده نظرة فضولية بداخل الغرفة.
(خمس دقائق.. فقط خمس دقائـــ...)
أرجوكم! أتوسل إليكم! بحق السيدة العذراء! فقط خمس دقائق! لا لا! لا توقظوني!!
(اوووووه ها هي تقرع الباب!)
(بسرعة بسرعة غير ملابسك قبل أن تخلع الباب!)
(الحقيبة! اين الحقيبة؟!)
(هاهيا.. و الطعام؟)
(جاهز)
(هيا هيا بسرعة بسرعة)
(لما لم تعد نعسان فجأة؟ ها؟)
(لأنني غسلت وجهي)
(لا بل لأنها هنا)
(لو سمحت هيونج.. لا تتدخل في شؤوني)
(اووووووووووووووه)
(ولد! تأدب و أنتَ تحادث الهيونج خاصتك)
(اوووف)
لما عائلتي مزعجة و لطيفة هكذا؟!
(ماذا؟ هل الشجار روتين لعائلتك؟) أتاه صوت الفتاة عندما فتح الباب ليخرج.
اوه "ليزلي" أيتها الصديقة الصدوقة العزيزة الوفية.. الجميلة~
مهلاً..
لا لا لا لا لا..
مهلاً!!!!
(ليزلي؟)
(و من سأكون؟ الملكة إليزابيث مثلاً؟)
(ليزلي.. هل هذا أنتِ حقاً؟)
(و الرب انا ليزلي! ما بالك اليوم كيونجسوو؟)
لا أدري ما بي.. لربما انا محموم.. أقصد.. انتِ لستِ "ليزلي" أبداً!
أنتِ فتاة السيارة!!
صاحبة الشعر الأحمر الغجري و العينان البندقيتان!
لكن لحظة.. ليزلي أيضاً لديها شعر أحمر و عينا بُندق!
لكنها فقط في الخامسة من عُمرها~
↭◎쇼◎쇼◎↭
فتح عينيه و هو يشعر أن جفونه تزن طناً، كلما فتح عينيه تنغلق من جديد وحدها، عقله مستيقظ لكن من الواضح أن جسده على النقيض من ذلك.
ألقى اللوم على والدته فلو كانت تركته ينام لخمس دقائق بعد ما كان ليحصل هذا.
(سامحك الرب أوما) قال بحسرة شديدة دون وعي.
(بماذا تهذي أنت؟) كان السؤال مخلوطاً بضحكة خفيفة و كأن من يتحدث مستمتع كثيراً بالموقف.
نظر ناحية الصوت بعيون شبه مغلقة تغلفها غشاوة من الفضول ليجد المعلم "ألفريد" هو من يتحدث.
كم كره وجهه
كم كره حقيقة أنه بجانبه الآن!.
كم كره كونه يبتسم غير مدرك أنه حطم للتو بوجوده هذا واحداً من أروع ما جادت به جعبة أحلامه!
(اللعنة!)
اللعنة! لقد كان كل هذا حلماً في النهاية..
حلم قاسيٍ متوحش مرعب يمزق نياط القلوب و يتركها تنزف ک نوع من التسلية.
(أي لغة هذه التى كنت تتحدث بها أثناء نومك؟) سأل المعلم بإبتسامة ود لكن الفتى رمقه فقط بفراغ ثم نظر الى السقف و هو يقطب بين حاجبيه.
لكن.. شيء ما غريب بخصوص هذا الحلم~
كان.. كان واقعياً جداً، ملموساً جداً، ليس ک حلم "چوزفين" الذي يتركه بائساً، لكنه بطريقة ما بدا ک ذكرى بعيدة تشرح الصدر.
أغمض عينيه لثانية ليجمع في ذاكرته الصور المبعثرة من هذا الحلم، يكتب في عقله ما حدث بالضبط و وعد نفسه بكتابته في ورقة في وقت لاحق، كانوا كما تركم.. كم أسعده هذا.. و لكم أحزنه.
هم كما هم.. و هو أبعد ما يكون عن نفسه.
سأل نفسه؛ هل سيتعرفون عليّ إن رأوني الآن؟
(كيف تشعر؟) إنساب صوت المعلم من جديد، فتجاهله من جديد.
حاول النهوض مستنداً على ذراعيه ببطء و روية، شعر بألم بعيد ينساب على إستحياء في كتفه و أسفل رقبته لكنه قاومه بشيء من الصعوبة، و عندما إستقام جالساً ليسقط الغطاء من على جذعه.. تذكر كل شيء.
بجدية كيف ينسى شخص ما أن كتفه خُلع بين ليلة و ضحاها؟
و الأهم؛ كيف إختفي الألم بين ليلة و ضحاها؟!
هل هذا بسبب الحلم؟ لكن ما الذي حدث في الحلم؟
هناك شيء ناقص لم يتذكره بعد.. يعلم هذا يقيناً.
رمق المَشدّة الطبية التى تصل بين كتفه و خصره و محيطه برقبته بقليل من التوجس، تأملها قليلاً و ما لبثَ أن سرح في فضاء الغرفة يحاول تذكر القطعة المفقودة من لغز حلمه.
(هل تبحث عن ليزلي؟ لقد عادت الى مهجع الفتيات) هكذا إستحوذ المعلم لأول مرة على إهتمامه، نظر له و عيناه تفضحان كم هو ملهوف و فضولي بشأنها.
ليزلي!
أجل!
ليزلي!
إنها ما هو مفقود!
الجزء الأخير الذي سبق صحوته مباشرةً كان عن "ليزلي"، كانت الوحيدة المختلفة بينهم، كلهم كانوا بأعمارهم التى يذكرها إلا هي.. كانت و كأنها تحولت الى فتاة السيارة.
فتاة السيارة..
مهلاً.. هل قال المعلم.. ليزلي؟
صداع.
شعر الفتى بالإعياء الشديد فجأة و برغبة في التقيأ، داهمه المعلم بسرعة بكوب لسائله رائحة حلوة (الدوار شيء إعتيادي بسبب المخدر الذي أعطيته لك أمس لذا الزنجبيل سيساعد.. إشربه كله)
أنهى الكوب ببطء لأن طعم الزنجبيل الحريف كاد يحرق صدره بالكامل.
قال المعلم "ألفريد" و هو يجلس على السرير و يربت على ساقاي الفتى بحنان (عظمة الترقوة فُصلت عن الكتف و لعمري إن هذا لأسوأ ما قد يحدث لعظام بشري.. لن نصنع جبيرة لأن هذا صعب في هذه الحالة و لن أعطيك أدوية لأن هذا مستحيل، من حسن حظك أن فكرة المَشدّة خطرت لي لكنك سترتديها لشهر بجانب العلاج الطبيعي بالزيوت و حمام الملح و الكثير و الكثير من الثلج، الدواء الوحيد الذي أستطيع إعطاءه إياك هو المخدر.. و يؤسفنى إخبارك أنك قد تعاطيتك جرعتك بالفعل و أنها ستزول بعد دقائق، الألم آتٍ لا محالة، لكنني أعلم يقيناً أنك ستلتهمه إلتهاماً.. فقد كنت بالأمس شجاعاً ک مُحارب.. ليبارك الرب كين)
نهض المعلم و إرتدى معطفاً و قبعة ليُكمل مظهره إستعداداً كما هو واضح للخروج (الآن كين.. لتعلم أن خروجك من هنا ممنوع، إستيقظت السيدة كنغزلي و جعلتني أقسم على الكتاب المقدس أنني لن أُخرجك من الغرفة أبداً، لم أستطع الرفض و خاصةً أن المرأة في حالة يُرثى لها بالكامل، أعلم أن هذا ظلم خام لك.. لكن ما باليد حيلة بالإضافة لكونك ضعيف لتنهض او تتعرض للهواء.. سيأتي أحد الحراس ليحضر لك الطعام و سأعود انا ليلاً بعد أن أنهى أعمالي.. هل تريد شيئاً أحضره لك و انا قادم؟)
بالله كيف يرد على كلام ک هذا؟
عندما لم يجد الرجل إجابة، عدّل قبعته على سبيل التحية و خرج.
راقبه الفتى جيداً و هو يخرج و بالتأكيد لاحظ أنه لم يغلق الباب بمفتاح، نهض الى الحمام بصعوبة ثم خرج بعد فترة ليلقى نظرة على فناء الملجأ الخلفي.
الساعة على الحائط تشير الى الثالثة عصراً و عشر دقائق و هذا معناه أن هذا الفناء سيمتلأ بالحشود بعد قليل، إنتظر بصبر لكن الإعياء غالبه من جديد فإتكأ على النافذة ليسند طوله.
هذا كثير! كثير جداً عليه و على نفسيته الهشة، غلاف الصقيع الذي كان يغلف به ذاته بدأ يتآكل بفعل المصاعب التى تنهال على رأسه من حيث لا يحتسب.
شجاره مع "چورچ"
صفعة السيدة "كنغزلي"
رحيل السيدة "روزماري"
حبسه في غرفة العقاب ليومان ربما..
ثم تهتك كتفه الذي سيصطحب معه أسابيع طويلة سحيقة من الألم.. و كأن حياته في حد ذاتها ليست ملحمة تراچيدية.
أخرج من جيب بنطاله ذاك المنديل الذي يمثل له الماضي.. الحاضر و لربما المستقبل.
مرر أنامله على الأرنب البري المُطرز ثم على شجرة الحياة، برفق و لين.. يأخذ وقته في تشرب منحنيات التطريز و الفرغات بينها، تأمل كيف أن الأرنب البري ينظر الى الشجرة بشيء من القدسية الممزوجة الحزن.
كان يقول: أحبك.. أؤمن بك.. إذاً لما تجعليننا نتجرع الألم؟
إنتظر الفتى إجابة الشجرة، لكنها ظلت صامتة ببرود مُتعالي.
رن جرس الملجأ العتيق فرفع نظره نحو الفناء من جديد، و لأول مرة.. يضبط نفسه و هو يسترق النظر نحو مهجع الفتيات المُقابل، لأول مرة يعني له هذا المبنى العتيق ذو الطابع الكاثوليكي شيئاً ما.. شعوراً ما..
لأول مرة يشعر بقلبه يضرب صدره هكذا.
بحث بسرعة عن قميص في خزانه المعلم "ألفريد" و هو يعلم أن الرجل لن يمانع البتة ثم إرتدى كُماً واحداً بسبب كتفه المُصابة و هرع للخارج.
نزل السلالم و هو يتجاهل عمداً تلك النظرات الإستغرابية القاسية التى تقول بصخب: ما اللعنة التي حلت بك؟!
إجتاز الفناء و هو يدفع الناس من أمامه بغلظة حتى وصل الى من كان يبحث عنها، كانت جالسة على العشب برفقة فتاة من أصل هندي و يبدو أنهما تتضاحكان على شيء ما، و ما إن رأته حتى سقط وجهها.
قفزت واقفة لتواجهه و تعابيرها تعكس فزعاً مهولاً (ما الذي تفعله هنا؟!)
(أين كنتِ تسكنين؟) باغتها بسؤاله و هو يشعر أن ما من كائن في هذا المكان الا و كان يرمقهما حتى الطبيعة بحد ذاتها بدت و أنها قد توقفت عن ما كانت تفعل لتصغى.
(أنتَ لا تفهم! عليكَ العودة حالاً الى الغرفة! أنتَ مُصــ..)
(أين-كنتِ-تسكنين؟) قاطعها و هو يجز على مخارج الحروف و كأن حياته تعتمد على ذلك.
إبتلعت ريقها بصعوبة بسبب توتر الموقف و المكان ثم قالت (لند..)
(أين في لندن؟!!!) جسده بأكمله يهتز من الإنفعال و هو يعلم يقيناً أنها لن تقول العنوان المنشود، بالتأكيد لا، فالحياة ليست بهذا الجمال!
همست ببطء (لندن حي بادنغــ.. )
(ـــتون!) أكمل الكلمة لها و هو يكاد يصرخ من السعادة (حي بادنغتون؟!) كان يتنفس بصعوبة بالغة و صدره يعلو و يهبط و كأنه على وشك التهتك.
إبتسمت ليظهر له أجمل و أروع ما قد يراه او يختبره إبن آدم يوما..
الأمل~
لم يأبه بالمعلم "ألفريد" الذي ظهر من العدم او بمن يصحبه من حراس ليجروه جميعاً بعيداً عنها او بنظرات الدهشة التي تحرق ألياف جسده ک السهام او بعصابة "چورچ" في الزاوية تحاول فهم ما يجرى او بالألم الساحق الطاحن الوحشي في كتفه الذي يشى بتلاشى مفعول المخدر.. لم يأبه و لو قليلاً.
كل ما كان يشعر به هو شفتاه و هي تبتسم بينما مذاق ملحى غريب يتسلل الى ما بينهما.. خمن أنها دموع، لكن مذاقها بدا له ک العسل كونها -و لأول مرة- دموع سعادة.
↭◎쇼◎쇼◎↭
يُتبع..
Like ♡
Comment 💬
Follow ✔
♕ 어먼EMY ♕
Коментарі