Ch 십일 (Familiar)
الثاني من مارس/آذار 1966~
السادسة صباحاً~
دِفئ المياه و مُنعطفاتها و غَزارتها على جسدهِ أنساهُ قليلاً حُلم الليلة السابقة أخيراً بعد أن حُبس فيه اليوم بطوله.
نفسُ الحُلم لتسعِ سنوات~
كان هناك ليالٍ عبارة عن تكرار الحلم كشريط سنيمائي فاسد، و ليالٍ أخرى ظهر في الحلم ک ذكرى غير محببة.
"چوزفين" تأتي و تأخذهُ من هُنا بإبتسامة واسعة، تقاسيماتُ وجهها واضحة بشكلٍ جنوني، يكادُ يُجزم أن بإستطاعتهِ عدّ رموشها حتّى، حُلم مُلون مُجسم بِخلفية مُوسيقية، حلمٌ كامل مِثالى تَجلى الى مَرتبة الرؤى..
لكنّ تعاستهُ تكمن فقط في الإِستيقاظ منه على واقع أراده أن يكون الحلم.
لطالما شَعَرَ بالخَجل مِن نفسهِ بسببِ هذا الحُلم.. يتذكر وجه من نبذتهُ خَلية خَلية، بينما وجهُ من أحبب و من يَشتاق مُجرد مُجسم ضبابي شَبحي في أقصى طَرف مخيلته، والده.. والدته.. تشانيول.. أصبحوا مُجرد أسماء لا يدري إن كانت وُجدت في الأَصل أم لا.
أحياناً..
و لجُزء من الثّانية..
يشُك حقاً بأنّ رواية السيّدة "كنغزلي" هى الأصح.
بأنهُ ولد يتيماً و وُجد في كُوخ صيد مَهجور و أُحضِر الى هنا، لم يعد متأكداً من شيء بشكل قاطع..
سوى بأنهُ يَتيم وحيد الآن.
أغلقَ الصنبور و جفف نفسهُ جيداً قَبل أن يَقفز قفزاً الى ملابسهِ لكن طَرف عينه وقع على المرآة، نظرِ بشكل جيد هذهِ المرة و حينها تنهد بحسرة.. أي فتى هذا الذى بَلغ الخامسة عَشر و ليسَ لديهِ عضلة او شَعرة واحدة في جسده.
"چورچ" الأحمق و "توماس" الوغد يتفاخران كُل صباحٍ بأنهم تأخرا على الدّرس لأنهما كانا 'يحلقان' ثم يجلسان وقت العصر عُراة الصدر في الباحة الخلفية مباشرةً أمام مبنى الفتيات المُنفصل و تحت أنظارهم.
لكن بعيداً بالطبع عن أنظار السيدة "كنغزلي"
إقتربَ أكثر من المرآة و رَفع ذراعهُ الأيمن ليتحسسَ إبطه..
مصقول ک الزجاج!
تأفّف بغيظ و إرتدي الكنزة الصّوفية بحركة واحدة و إتجه نَحو بهو الطعام و هو يَضرب قدميهِ بالأرض بقوة.
التّغيير الوحيد الذي طَرأ عليهِ و جعلهُ يعتقد انهُ في المَسار الطّبيعي للنمو هو تغيّر صوته.. هو فقط كان يُكلم السيدة "روزماري" يوماً و حينها تسائلت ما بال صوتهِ مُتحشرج هكذا.. تفاجئ مِن مُلاحظتها كونهُ لم يَلحظ و حاولا معاً إرجاعهُ الى أصلهِ من خِلال لترات مِن مَشروبات الأعشاب الطبية المُتنوعة ظَناً أنهُ مريض او أن صوتهُ بَدأ يضمُر من قلة الإستخدام، لكن في النهاية فطنت الطبّاخة للأمر و أخذت تُقهقه بخُبث.
لربما غداً يَستيقظ ليجد عضلة ما هُنا او هُناك.
↭◎쇼◎쇼◎↭
(أنّها يتيمة، صَحيح؟)
(تُوفى والداها في حادث)
(لا لا ليسَ في حادث بل ماتا في المشفى بَعد إصابهتم بمرض غريب)
(الجميع مُستغرب حقاً كونها ستأتي كل هذهِ المسافة لهذا الملجأ)
(هذا لأنّ مُعظم الملاجئ لن تَقبل بفتاة في الرابعة عَشر مِن عُمرها.. إنهما عامان فِقط ثُم سيخرجونها! الأولى أن تَذهب الى أي مكان حتّى تبلغَ السّن القانوني و تَرث الميراث)
(هل هي شَقراء؟)
(رُبما سَمراء)
(تَعتقدن أنها جميلة؟)
(أنّها من لندن لذا بالتّأكيد مِهما كانت فهي أفضل مما لدينا هُنا)
(بمُجرد أن تَدخُل هذا المكان فستكون مِلكي)
(إِستمر بأحلام اليَقظة بينما انا أَذهب لإِخبار السّيدة كِنغزلي عن مُخططاتك لتسلخكَ حَياً)
(و كأني أَهتم)
(أنتَ لا شيء يُهمك سوى الفَتيات أَصلاً)
(هُنا يأتي السّؤال الوجودي: هل السّيدة كِنغزلي تُصنف فتاة؟ أقصد أُنثى؟)
(ها؟)
إِنفجر الفتية ضَحكاً على تَساؤلات "توماس" و ضجّ بهو الطّعام الواسع بالصّخب.
إِنزعَج الفتى الوحيد الشّاحب الجالس بقُرب النافذة بشدة مِن سَخافتهم بَعد أن حاول أن يَكبح أصواتهم عن رأسهِ و فشِل فَشَلاً ذَريعاً.
مع ذلك أَبطأ مضغهُ للخُبز قليلاً و أخذَ يُفكر في السؤال للحظة..
لكنهُ هز رأسه بقوة نافضاً التخيّل.
السّيدة "كِنغزلي"؟
فَتاة؟
يع!
(لكن بجدية.. الفَتاة مِلكي، حسناً؟ انا حجزتُها منذُ الآن) صرّح "چورچ" بثقة.
الأَشقر المعتوه في الخَامسة عَشر من عمرهِ لكنهُ يُفكر في الفتيات ک بالغ مُوشك على الزّواج في أي لحظة.
لم يَعلم الفتى يَوماً ما المُثير و المُحمّس في الفتيات على كل حال، إنهنّ صبيان بضفائر ليسَ إلا، لما هذا الهَوَس بِشأن سُكان المَبنى الآخر؟
إبتلعَ آخر قطمة مِن الخُبز المدهون بالزُبد ثُم نَهضَ مِن مكانهِ و هو ينفضُ ملابسهُ من الفُتات، توجه نَحو الباب الخشبي في نهاية البهو ماراً بطاولة عِصابة "چورچ" رُغماً عنه، و حينها تعالت أصواتُ همهماتٍ مُنخفضة و صَفير، تَجرأ أحدهم بالفِعل و هَمس 'مُخنث' في ظَهره.
لكنهُ فقط عَبر البهو و لعنهُم للجَحيم في سِره.
عندما مرّ بالبَاب الكبير و إتّخَذَ وجهتهُ صوبَ المَهجع تَراءى الى سمعهِ صوت سيّارة، قَرر إِلقاء نَظرة مِن النّافذة مِن بَاب الفُضول و تَمضية الوقت و خاصة أنّ صَوت المُحرك بدا لهُ غَريباً و عَالياً جداً ک زَئير دُب هائج.
كان شَاكراً كون زاوية النّافذة أعطتهُ طلّة شبه كاملة و قريبة من المَشهد، أَسندَ ذراعيهِ على إِطار النّافذة ثُم أراحَ رأسهُ ما بينَ ذراعيه، بدأ الهواء البارد يُداعب خصلاتهِ الفاحمة بترحيب فإستسلمَ للشُعور المُلطّف.
كانت السيّارة قد وقفت أمام البوابة الرئيسية بالفِعل، خَمّن كونها طِراز 'مركيوري' بسببِ شكلها و صَوت مُحركها العالى، بدت لامعة و جَميلة بلونها الخَريفي وَسَطَ أوراق الأشجار المُتساقطة هُنا و هُناك، لكنهُ بدأَ يتسائل؛ لما لم يَنزل أحدٌ من السيّارة؟
مرّت عدة ثوانٍ و هو يُحدق و بدا و كأنهُ سيوشك على النّوم مَللاً و خاصةً أن تفاصيل الأجواء الراهنة لا تُساعد، بإمكانه النوم واقفاً هكذا.
لكنّ البَاب الأيمن للسيّارة فُتح بقوة مما جعلهُ يَنتفضُ قليلاً في مَكانه، نَزل منهُ رجلٌ بدا في الثلاثينيات و فَتَح الباب الخلفى بعُنف و بدأَ بمحاولة إِخراج شَيء ما، لكن الفَتى صَحّحَ تخمينهُ بكونهِ يُحاول إِخراج شخص ما عندما سَمِعَ توسلات و رجاءات بتركها و شأنها.
كان صَوت فتاة.. فتاة بائسة على الأرجَح.
حينها تذكّر مُحادثة الصبيان على الإفطار بشأنِ المُستجدة القادمة من لندن، إِعتَدَل في وقفتهِ و همّ بالمُغادرة فأكثر ما يكرههُ هو رؤية أحدهم يَدخل الى هذا الصّرح العَفن.
لكنهُ وجد نفسهُ مُستمراً في المُراقبة دون وعى و خاصةً بعد أن هَرعت السيّدة "كِنغزلي" و مُساعدتُها الشابة للخارج على صوت الصراخ لمحاولة تهدأة الفَتاة.
إِستطاع رؤية صِراع الفتاة معهم مِن الزّجاج الخلفي للسيّارة لكنهُ لم يستطع تبين ملامحها كونَ شعرها الأحمر الكثيف تولى مُهمة حمايتها و طوّق وجهها لحجبها عن الخَطر ک أَضعف الإيمان..
لكنّ شعرها النّاري لم يَستطع التغلبَ عليهم و أطفأ ثلجُ مشاعرهم شهامتهُ لينتهى الأَمر بالفتاة محمولة حَملاً ک الذبائح الى الدّاخل.
شَعر الفتى بقلبهِ يختنق من المَشهد و لم يستطع حَمل نفسهِ على المُشاهدة أكثر من هذا، هَرب ركضاً من النّافذة و مِن ذكرياتِ أيامهِ الأولى التّى بَدأت تتلاطم على رأسهِ مُفتتةً ذاتهُ و مِن إحساسهِ بالذّعر على حالها.
إستمر بالركض و هَبط دَرج و إرتقى آخر، هام على وجههِ في الطرقات و تَحسس الجُدران حتّى وَجد نفسهُ في الحديقة الخلفية المُحاطة بسور حجري، نَظر الى اليَمين ثُم اليسار، الى السماء ثُم الأَرض، و حينها إستوعب للمرة الألف أن هذا المكان بمدخل لكن.. بلا مَخرج!
↭◎쇼◎쇼◎↭
في إستراحة الشّاي توجه الفتى الى المطبخ لمُشاطرة السيّدة "روزماري" وقت العَصر، رُغم أنهُ لم يتغلب بَعد على إِكتئاب الصباح العابر الا أن فكرة تمضية الوقت مَع الطبّاخة رَفَعَ من سقفِ إبتسامتهِ قليلاً.
(انا هُنا روزي) دَلف للمطبخ ليجد المرأة ک عادتها جالسة أمام الطّاولة المُزينة بإبريق و فناجين الشّاي الزرقاء و المصحوبة بِبدونج سَريع التّحضير، لكن ما لم يَكن عادياً هو وجود شَخص إِضافي.
كانت السيّدة "كِنغزلي"
و كانت خَطوة تراجعهُ للوراء و الهَرب من هُنا معدومة بعد أن إِلتفَتت المرأتان الى الباب لتميّيز هُوية القادم.
اللعنة!
بمُجرد أن دَحرجت السيّدة "كِنغزلي" عدستيّها على هَيأة الفَتى حتّى أبدَت عَصبية شديدة و تأفّفت بصوتٍ مسموع، نَظرت للطبّاخة (و انا كُنت أتسائل كيف لم يمُت جوعاً طوال هذه السنوات.. منذ متى بالضبط و هو يأتى الى هنا؟ تعلمين أن المطبخ مكان محظور على أطفال الملجأ!)
الفتى لم يكُن يَعلم هذا..
إِزدادت حُمرة وجه الطبّاخة لكنها نَطقت بثباتٍ رُغم إنفعالها (تماماً..لو لم يكُن يأتي ها هُنا لكان مات جُوعاً)
هذا نوعاً صَحيح..
(لا! لو لم يكُن يأتي الى هُنا لكان تعلّم الإنضباط! لكَان كفّ عن الإِنصياع لصمته! لكان كوّن صداقات! لكان.. لكان.. لكان طَبيعياً!!) صَرخت مُديرة الملجأ بآخر كلمتين و اللعابُ يتطاير من فَمها.
لقد بَدت ک كلب مَسعور..
وقفت الطبّاخة بكبرياء (مادام كِنغزلي.. الفتى صامت لأنهُ عندما يتكلم يُصفع! مَعدوم الصداقات لأنهُ منبوذ! انا لم أفعل شَيء خاطئ و بالتأكيد ليسَ خطأهُ أنهُ وَجد مكان مُريح برفقتي! و لأنّ الخَطأ ليسَ من عندي فَنقبي عن مكان آخر لإستخلاص الخَطأ منه!)
الأعصَاب تتوتر و الجّو يُشحن..
وقفت المُديرة بدورها و سألت بتحدي (مَكان آخر مِثل ماذا؟)
لحظات صمت مميتة..
(مِثل مَكتبك!) بصقت الطبّاخة الكلمة في وجه الأُخرى التى بَدأ وجهها يتجعّد مِن الغيظ.
أوبس..
قامت المرأة بتعديل وقفتها المُرتخية الى أُخرى صارمة أقرب الى الأرستقراطية ثُم تَكلمت و هي تَرفع أنفها الى السّماء (مادام روزماري بايّن.. من اليوم.. أنتِ مطرودة) أنهت كلماتها و هي تدورُ على كعبيّها و في طريقها للخارج قامت بِجر الفتى مُمتقع الوجه معها تاركةً الطبّاخة تمضغ ببطء فِكرة كونها.. مطرودة؟
(اللعينة العَفنة الشّرهة.. أنهت على البِسكويت خاصتي ثُم تَطردني؟)
↭◎쇼◎쇼◎↭
(أنت! أنت!) كانت السيدة "كنغزلي" تَذرع مكتبها جِيئةً و ذهاباً بعصبية و هي تُمطر الفتى بنظراتِ من سَقر، كان يردها بأخرى ثَلجية لكن في وعيهِ الداخلي.. لن يُنكر.. مَرعوب حدّ الموت.
(كنتما تَستغفلانني طوال هذهِ المُدة؟)
لم أكن أعلم أنهُ أمرٌ خاطئ..
(كنتَ تصوم عن الإِجابة في الدّرس لتذهب و تُثرثر مع تلكَ السّمينة؟)
ليست سَمينة.. إنها فقط 'طرية'
(و انا التى ظَننتك مَريض نفسي! إِتضح أنكَ تَتدلل علي؟)
و لما أتدلل عليكِ انا؟ لستُ مريض نفسي لأَفعل هَذا!
(و انا ک الغَبية صدّقت)
انتِ دائماً أبداً غَبية سيّدة "كِنغزلي"
(لتسع سَنوات!! لتسع سَنوات إستطعت التّسلل للمَطبخ و العَبث هُناك! تسع سَنوات لعينة! و انا التّى لا يمُر شَيء مِن تَحت أنفي!)
سَتموت إن عَلمت ما يفعلهُ "چورچ" و "توماس" إذاً.
(لا لا لا انا لن أَسكُت! و الرّب لن أسكُت!)
أنتِ لم تسكتي مُنذ أكثر مِن نصفِ ساعه..
توجّهَت الى الهاتف على المَكتب و طَلبت مُساعدتها (تعالى الى هُنا حالاً!)
مرّت عِدة دقائق خانِقة تبادلَ فيها الخِصمان النّظرات، كان هُناك لحظة عابرة فرّق فيها الفتى ما بينَ شفتيهِ و كاد يُفصح بصوت عالى عن إجاباتهِ الصّامتة السّابقة لكنهُ أطبقَ فمهُ من جَديد، أقنعَ نفسهُ أن صمتهُ كان على سبيل الكسل و ليسَ الخوف المُبرح.
طُرق الباب و دَلفت المُساعدة الشّابة الى المكتب بتعابير قَلقة، من يَلوموها؟ فنبرة المُديرة على الهاتف لا تُبشر سوى بالمَصائب.
ما إِن رأتها السّيدة "كِنغزلي" حتّى قَذفت في وجهها كلامها المَسموم (تباً لكم! تباً لكم واحداً واحداً! لما لا تقومون بِعملكُم؟ ها؟! الحُكومة تَدفع لكُم مُرتبات كي تَعبثوا في الأَرجاء!)
إصفرّ وجهُ الشّابة المسكينة و لابُد أن عَقلها قام بِفرز مائة جَريمة إرتَكبتها في الأُسبوع الفائت.. او لم تَرتكبها، هي فقط مُذنبة!
(عـ.. عفواً!) أتبعت تساؤلها بعض شفتيها.
(المُحترم المُبجل.. الأُستاذ كِين! إكتشفتُ اليوم أنهُ كان يَتسلل للمَطبخ! هل لي أن أعلم لما لم يكتشفهُ أحد؟ و الأهم.. هل لي أن أعلم ماذا كنتم تَفعلونَ بالضبط كي لا يكتشفهُ أحد!)
نَظرت الشّابة للفتى الذى أسند ظهرهُ للحائط بملل و كأنها إكتشَفت وجودهُ للتو (لكن.. سيدة كِنغزلي.. انا مسئولة عن مَهجع الفَتيات)
(يالها من حُجة وقحة! و من المسئول عن مَهجع الصّبيان؟)
(آآآه.. اممم.. أنتِ؟)
(و من مُساعد المسئول عن مَهجع الصّبيان؟)
(أ أ أننا)
(إذاً لما لا تَقومينَ بعملك؟)
نَفخت المُديرة عِدة أنفاسٍ غَاضبة ثُم ضَربت المَكتب بقبضتها (إسمعي.. تأكدي أنّ تلكَ الطبّاخة لن تَنام في حُجرتها اليوم و اذهبي للبَحث عن اسم طبّاخ جَديد و تعاقدي مع حارس للمَهجع ليضبطَ الشّياطين على شاكلةِ مُدعي الملائكية هذا!)
(و أنت! الى حجرة العقاب! فوراً!)
↭◎쇼◎쇼◎↭
يَذرع الغُرفة جِيئةً و ذهاباً لأَكثر مِن نِصفِ ساعة، الفراغ و الصّمت و الإِبتعاد عن الموجودات شكّل بيئة مِثالية لإكتمال الحَقيقة في عقلهِ بعد أن حاول صَفعها بعيداً على سبيل حِماية نفسهِ مِن هاوية الإنهيار.
السّيدة "روزماري" مَطرودة!
لم تعُد هُنا..
لن يَراها ثانيةً..
هو لم يودعها حتّى..
لعنَ نفسهُ على تَضييع تِسع سَنوات هَباءً دون أن يَفتح فمهُ المُهترأ و يُخبرها أنهُ مُمتن..
إنهُ غَبي!
غَبي!!
لا مَزيد مِن المُحادثات، و لا المُعانقات، و لا سَماع الأُغنيات، و لا البَوح بالأحلام و المَشاعر في السهرات.
لا شعور بدفأ الفُرن، و لا رائحة القرفة او النعناع او حتّى عُشبة الروزماري و لا طَعم الشّاي بالعَسل و القِشدة و فَطير التّفاح.
ها هي المرأة التّى إحتضَنت ذاتهُ القبيحة تتركتهُ مكروهة و ها هو يَجزع و يشعُر بألم كئيب في أيسرهِ يكاد يقسمهُ الى شِطرين.
فكّر؛ لما حياتهُ قاسية مُصرة على جعلهِ يشعُر بالحرمان بَعد أن تبذُل وسعها في جعلهِ يتعلق؟
هو مَحبوس في غُرفة مُظلمة بالكاد تُنيرها شُرفة بإرتفاع السّقف بينما هي تَخرج من هنا.
على الأقل خُذيني معكِ "روزي"
(روزي) تَمتم للصّمت بجانبه.
(روزي) هَمس للوحدة المُتوحدة معه.
(روزي) أخبَر خَيط الضّوء الأصفر القادم مِن شَمس الظّهيرة و كأنهُ المُلام على كُل هذا.
أسندَ ظهرهُ للباب المُوصد و سَمح لنفسهِ بالإنزلاق حتّى الأرضية، لحظات مَرت عليهِ يُحدق في الاشيء و يَشعر بعدة أشياء، تجعّد وجههُ و تلون بدرجات الأحمر.. ثم إنفَجر.
(روزي!!!) أرجَحت صَرختهُ الغُرفة مِن أساساتها و إهتزّت أوتار حلقهِ بقوة مُزلزلةً الظّلام.
لقَد صرخَ قهرهُ و دموعهُ و.. صمته.
↭◎쇼◎쇼◎↭
سَاعة؟
إِثنتان؟
رُبما أربع كما هي القاعدة المَعروفة؟
ليسَ مُتأكداً و ليسَ مُهتماً، لكنهُ حقاً يشعُر بالكسل حِيال النّهوض مِن مكانه و السّماح بمن يطرُق الباب بالدّخول.
(إنهُ لا يُفتح)
(ماذا تَعنين؟ جرّبي ثانيةً و أسرعي!)
(إِتركوني عليكُم اللعنة! سأقتُلكم جَميعاً! سأقتلعُ عيونكم و أسلخُ جلدكم و أمزّقُ لحمكُم و أهشم عِظامكم! لن أرحَمكم! إتركوني!)
واو~ أحَدهم بالخارج يُشاركه أحلامهُ الورديه بالضّبط.
قرّر الإبتعاد عَن الباب دُفعة واحدة كي لا يُأذوا ظَهرهُ و بِمجرد ان نَقل جلستهُ بجانب الباب حتّى فُتح بغتة ليدلف آخر شخص يتمنى رؤيته.. السّيدة "كِنغزلي"
نَظرت في الأَرجاء تبحث عنهُ غيرَ عالمةً أنهُ بجانب الباب تماماً و بمجرّد أن لمحتهُ زَأرت في وجهه (ماذا كُنت تضَع خَلف الباب ليسدهُ أيها الحَقير؟)
مُؤخرتك.
رمقتهُ المرأة بِحقد واضح و كأنها تُقاوم رَكلهُ ثم صَرفت نَظرها للخَارج (أخرجوه و أدخلوها)
دَخل رَجل ما الى الحُجرة و أنهضهُ مِن ملابسهِ فطاوعه بلامُبالاة و بمجرد أن واجه الباب وقعت عيناه عليها.
فتاة السيارة..
في حال مذرية من الهيجان، تحاول العض و النطح و الركل و الخمش و تسب و تقذف كل شخص و كل شيء بكلمات بذيئة نابية لم يعلم معناها حتى.
بدت له ک عنقاء مشتعلة غاضبة محاطة بوهج من نار على هيئة خُصل شعر حمراء اللون، إحتبست أنفاسه في رأتيه إنبهاراً بينما عيناه أبت التدحرج بعيداً عن المشهد، خاصةً أن ملامحها المُبهمة كانت تصرخ بهوية ما.
(أدخلوها بسرعة هيا!) و فوراً جرها رجلان جراً الى الغرفة و حينها لاحظ المشاهد الصامت شيئاً..
العنقاء كانت مُقيدة الجناحين.
أغلقوا الباب عليها بالمفتاح و وقفوا صامتين شاحبين و كأنها لحظة حداد.
(سيدة كنغزلي.. أنتِ متأكدة من هذا؟) نطق أحد الرجال بتوتر واضح للعيان (إن علم أحد المفتشين الإجتماعيين بالأمر فسندخل في دوامة نحن بغنى هنا)
أردف الرجل الآخر بكآبة (و هذه الدوامة مكانها المحاكم)
ردت المرأة بهدوء (إن! إن علم! و الآن..) أنهت جملتها ثم إلتفتت للفتى الصامت في الزاوية (أنت.. ستحضر اليوم درس الترانيم و إن لم أسمع صوتك فأنا أقسم بالرب و أقسم بحياتي أن مصيرك أسود ک سواد الليل! أتفهم؟!)
بلع ريقه و إستشعر قدرتها على سحقه في أي لحظة، إقتربت منه و أمسكت بتلابيبه و صرخت (قلت.. أتفهم؟!!)
بالكاد هز رأسه و هو ينظر في الأرجاء و يحاول صد شعور الألم القادم من رقبته، ضيقت المرأة الوثاق عليه (لا لا لا.. هذا الأسلوب لم يعد ينفع كين!) إبتسمت بشر (قلها!)
ها؟
(قُلها أيها الدنئ الخبيث! تكلم! إن لم تكن أبكم كما عاهدناك فتكلم! قل أنك تفهم او أجل او أي شيء يوقفني عن خنقك الآن!)
(عاهرة)
↭◎쇼◎쇼◎↭
(دعيني آراه) قالتها السيدة "روزماري" بنبرة آمرة ليست من شيمها، لكنها تحتاجها الآن أكثر من اي شيء آخر، مديرتها -السابقة- ترفض منحها لقاء وداعي مع الفتى "كين" و هذا ما لن تسكت عليه.. إنه حقها!
(قلت ممنوع.. تقابلينه بصفتك من؟) رفعت السيدة "كنغزلي" حاجبها الأيسر هازئة من المرأة أمامها.
(من لجأ إليها و كبر بين ذراعيها) أجابت بثقة.
(ليس كافياً او قانونياً او حتى منطقياً.. و الآن..) مررت عبر المكتب مظروف شبه منتفخ ثم أردفت (هذه هي أتعابك للشهر و تفضلي من هنا.. شكراً لخدماتك سيدة باين على مر هذه السنين و انا آسفة لأن الأمور إنتهت هكذا)
تجاهلت الطباخة المظروف تماماً (للمرة الأخيرة أطلب بتهذيب و إحترام لكلينا.. فقط أريد توديعه.. ليكن في قلبك مثقال رحمه فالصبي كان إبن و عائلة لي لتسع سنوات.. الرب رزقني إياه بعد أن أخذ إبنتي الوحيدة و زوجي.. فقط لقاء لعشر دقائق) تغيرت نبرتها للتوسل مع النهاية.
أسندت المديرة ظهرها للكرسي (آسفة سيدة باين.. ليس في وسعي فعل شيء)
مرت لحظات صمت في الهواء بين المرأتين قطعتها الطبّاخة بحزم (حسناً إذاً.. ماذا لو كان في وسعي انا فعل شيء؟)
(و المعنى؟) تسائلت السيدة "كنغزلي" محاولاً إخفاء فضولها.
(دعيني آراه و الا..)
(هل هذا تهديد؟ أتمنى الا يكون كذلك سيدة باين) حاولت المديرة جعل نبرتها محايدة متماسكة قدر الإمكان.
كان هذا خاطئاً.. خطأ سيلسعهم جميعاً ک زُمرة واحدة.. تعلم ذلك جيداً، لكن لا مفر الآن (إعتبريه هكذا إن شأتي.. دعيني أودع الفتى للمرة الأخيرة و الا ذهبت الى الشرطة و أخبرتهم بكل شيء عن ما حدث في هذا المكتب في أيول منذ خمسة أعوام)
(كيف تجرأين؟! انا لا أُهدد و لا أنبطح لأساليب الريفيين المُلتوية هذه! لا أخشى شيئاً و لا سبيل لكِ الآن أبداً برؤية هذا الوغد الدنئ المشرد الأبله الـ..)
(سيدتي) حذرت المساعدة من جانب المكتب برعب.
(إخرجي من هنا! فوراً! و إياكِ و العودة!)
↭◎쇼◎쇼◎↭
حرارته ک فحم مشتعل!
أكثر ما يُرعبها هو إرتفاع الحرارة لأن هذا في قاموسها معناه الموت بعد أن رأت نتيجته في واقعها.
لا تدري إن كان غائب عن وعيه أم أنه أضعف من أن يستيقظ، لكن ما يطمئن قلبها الآن أن صدره بالكاد يعلو و يهبط..
بالكاد..
لكنه يعلو و يهبط.
المشكلة أنها لا تدري كيف تساعده او تداويه و هي في غرفة تخلو من أي شيء عدا نافذة و حوض ماء صغير، هذا بالطبع بالإضافة الى قيد يديها.
حتى إن حاولت مساعدته فهي لن تستطيع فعل ذلك و هناك ألف خدش و كدمة في كل ملليمتر مكعب في جسده، إن حاولت تخفيف ألمه فسيتألم أكثر.
إنحنا كتفاها بإحباط و ثقل وزن قلبها من رؤية جسده المُنكمش ک خَرقة ملابس مبللة تم عصرها حتى النخاع، لقد ظنت حقاً أنهم كانو أشراراً بما فيه الكفاية لتقيدها و حبسها هنا كي ينعم الخال المزعوم بنعيم والديها في البنك لكن رؤيتهم و هم يضربون الفتى حتى سمعت طرقعة كسر عظامه تدوى للسماء لهو الهول بحد ذاته.
تسائلت عن فعلته ليستحق مصير ک هذا، خاصةً أنه خرج من الغرفة أمام ناظريها ليتم إعادته إليها بعد دقيقة و هذه المرة الحبس كان مصحوباً بجلسة ضرب!
نهضت من جانبه و أخذت تذرع الغرفة جيئة و ذهاباً غير عالمة أنها تتبع خطواته السابقة القلقة خطوة خطوة.
ألقت نظرة على الحوض و حينها لمحت الصندوق الخشبي الصغير الذي تستقر عليه الصابونة، خطر لها أن تستخدم الصندوق في نقل الماء و سكبه بحذر على وجهه حتى تنخفض الحمى.
وقفت بالمعكوس و حاولت فتح الصنبور بيدها المعقودة، عدة محاولات و نجحت بالفعل في جعل خيط الماء ينساب في الحوض محدثاً صوتاً غريباً و عالياً، شعرت بسعادة كونها لم تكن عاجزة تماماً بعد كل شيء، وصلت للصندوق و بمجرد ملامستها للصابونة الزلقة تغيرت خطتها قليلاً.
حسناً.. ماذا لو كانت الصبونة مفيدة أكثر من الصندوق؟!
أمسكت الصبونة بكلتا يديها و بدأت ک العمياء بتحسس طريقها الى خيط الماء وراء ظهرها، لم تنجح بمرور ثوان طويلة فألقت نظرة من فوق كتفها لكن الزاوية آلمت رقبتها كثيراً فتابعت النظر أمامها مجدداً بإحباط.
عندما لامست المياه يدها أخيراً بعد أن كادت تستسلم شعرت بالقشعريرة المُحببة تسرى بين كفيها من البرودة فإبتسمت لا إرادياً و سرعان ما بدأت تحاول إيصال الرغوة الفوّاحة الى الحبل!
فكرت في إحتمالية دخول أحدهم الآن و رؤيتها بهذا الوضع الغريب؛ فتاة مقيدة تقف أمام الحوض بظهرها و تفرك الحبل بالصابون، الأمر لا يحتاج الى خيال جامح لتخمين إنها تحاول فك الرباط، لكن فكرة إكتشافها أصابتها بالتوتر مما سبب إختفاء الإبتسامة و زيادة سرع فركها الصابونة اللعينة.
كل ما تريده الآن هو فك القيد لتداوى الجريح في أقسى الغرفة.
بدأ الحبل في الإنزلاق!
لم تصدق نفسها لثانية لدرجة إنها توقفت عن التنفس و إختبرت الأمر من جديد، شدت العقدة كأنها تحاول خلع إسوارة و على حين غرة إرتدت ذراعها بأكملها معلناً عن الخلاص.
حملقت في كفها المُبلل بنصر ثم إلتفتت للحوض أخيراً و خلصت كفها الآخر.
تخلصت من الحبل على الأرض و قامت بفك أزرار أكمامها التى إبتلت من الماء و الصابون حد المرفقين، وضعت الصابونة في قاع الحوض و ملأت الصندوق ماءً و هرعت الى الجسد المشتعل.
ركعت بجواره و مزقت قطعة أرادتها صغيرة من التنورة لكنها لم تتحكم جيداً بإنفعالها فتمزقت حتى فخذها، بللتها بالماء ثم نظرت الى الفتى من جديد و حينها دب قلبها بالخوف.
هناك شيء ما مكسور هناك و هذا معناه أنها إن حركته لتقابل وجهه فلربما تكون العواقب وخيمة، لكنها لم تملك خياراً آخر بجانب إحتمالية أنها كانت تهذي و تتخيل و ليس هناك من عظام مكسورة.
حركته ببطأ شديد من كتفيه و توقفت لثانية في كل مرة ينكمش جسده ثم تتابع بحذر.
في اللحظة التى إستلقى فيها على ظهره أخيراً و إنقشع وجهه تحت الإضاءة إضطربت أنفاسها و قرع قلبها بصخب كاد يودي بحياتها!
(إلاهي الرحيم!)
نهضت ک الملسوعة و وجه معكوس ک المرآه على عدستيها، رسمت علامة التصليب و صلت صلاة سريعة بأن يحفظها الربّ من شياطين الأوهام، أراحت كفيها الى صدرها و أخذت تنظم تنفسها لتهدأ و لو قليلاً.
هذا مستحيل..
فقط مستحيل!
الموتى لا يبعثون الا يوم البعث!
إذاً ماذا يفعل "كيونجسوو" أمامها الآن؟!
↭◎쇼◎쇼◎↭
يُتبع..
Like ♡
Comment 💬
Follow ✔
♕ 어먼EMY ♕
السادسة صباحاً~
دِفئ المياه و مُنعطفاتها و غَزارتها على جسدهِ أنساهُ قليلاً حُلم الليلة السابقة أخيراً بعد أن حُبس فيه اليوم بطوله.
نفسُ الحُلم لتسعِ سنوات~
كان هناك ليالٍ عبارة عن تكرار الحلم كشريط سنيمائي فاسد، و ليالٍ أخرى ظهر في الحلم ک ذكرى غير محببة.
"چوزفين" تأتي و تأخذهُ من هُنا بإبتسامة واسعة، تقاسيماتُ وجهها واضحة بشكلٍ جنوني، يكادُ يُجزم أن بإستطاعتهِ عدّ رموشها حتّى، حُلم مُلون مُجسم بِخلفية مُوسيقية، حلمٌ كامل مِثالى تَجلى الى مَرتبة الرؤى..
لكنّ تعاستهُ تكمن فقط في الإِستيقاظ منه على واقع أراده أن يكون الحلم.
لطالما شَعَرَ بالخَجل مِن نفسهِ بسببِ هذا الحُلم.. يتذكر وجه من نبذتهُ خَلية خَلية، بينما وجهُ من أحبب و من يَشتاق مُجرد مُجسم ضبابي شَبحي في أقصى طَرف مخيلته، والده.. والدته.. تشانيول.. أصبحوا مُجرد أسماء لا يدري إن كانت وُجدت في الأَصل أم لا.
أحياناً..
و لجُزء من الثّانية..
يشُك حقاً بأنّ رواية السيّدة "كنغزلي" هى الأصح.
بأنهُ ولد يتيماً و وُجد في كُوخ صيد مَهجور و أُحضِر الى هنا، لم يعد متأكداً من شيء بشكل قاطع..
سوى بأنهُ يَتيم وحيد الآن.
أغلقَ الصنبور و جفف نفسهُ جيداً قَبل أن يَقفز قفزاً الى ملابسهِ لكن طَرف عينه وقع على المرآة، نظرِ بشكل جيد هذهِ المرة و حينها تنهد بحسرة.. أي فتى هذا الذى بَلغ الخامسة عَشر و ليسَ لديهِ عضلة او شَعرة واحدة في جسده.
"چورچ" الأحمق و "توماس" الوغد يتفاخران كُل صباحٍ بأنهم تأخرا على الدّرس لأنهما كانا 'يحلقان' ثم يجلسان وقت العصر عُراة الصدر في الباحة الخلفية مباشرةً أمام مبنى الفتيات المُنفصل و تحت أنظارهم.
لكن بعيداً بالطبع عن أنظار السيدة "كنغزلي"
إقتربَ أكثر من المرآة و رَفع ذراعهُ الأيمن ليتحسسَ إبطه..
مصقول ک الزجاج!
تأفّف بغيظ و إرتدي الكنزة الصّوفية بحركة واحدة و إتجه نَحو بهو الطعام و هو يَضرب قدميهِ بالأرض بقوة.
التّغيير الوحيد الذي طَرأ عليهِ و جعلهُ يعتقد انهُ في المَسار الطّبيعي للنمو هو تغيّر صوته.. هو فقط كان يُكلم السيدة "روزماري" يوماً و حينها تسائلت ما بال صوتهِ مُتحشرج هكذا.. تفاجئ مِن مُلاحظتها كونهُ لم يَلحظ و حاولا معاً إرجاعهُ الى أصلهِ من خِلال لترات مِن مَشروبات الأعشاب الطبية المُتنوعة ظَناً أنهُ مريض او أن صوتهُ بَدأ يضمُر من قلة الإستخدام، لكن في النهاية فطنت الطبّاخة للأمر و أخذت تُقهقه بخُبث.
لربما غداً يَستيقظ ليجد عضلة ما هُنا او هُناك.
↭◎쇼◎쇼◎↭
(أنّها يتيمة، صَحيح؟)
(تُوفى والداها في حادث)
(لا لا ليسَ في حادث بل ماتا في المشفى بَعد إصابهتم بمرض غريب)
(الجميع مُستغرب حقاً كونها ستأتي كل هذهِ المسافة لهذا الملجأ)
(هذا لأنّ مُعظم الملاجئ لن تَقبل بفتاة في الرابعة عَشر مِن عُمرها.. إنهما عامان فِقط ثُم سيخرجونها! الأولى أن تَذهب الى أي مكان حتّى تبلغَ السّن القانوني و تَرث الميراث)
(هل هي شَقراء؟)
(رُبما سَمراء)
(تَعتقدن أنها جميلة؟)
(أنّها من لندن لذا بالتّأكيد مِهما كانت فهي أفضل مما لدينا هُنا)
(بمُجرد أن تَدخُل هذا المكان فستكون مِلكي)
(إِستمر بأحلام اليَقظة بينما انا أَذهب لإِخبار السّيدة كِنغزلي عن مُخططاتك لتسلخكَ حَياً)
(و كأني أَهتم)
(أنتَ لا شيء يُهمك سوى الفَتيات أَصلاً)
(هُنا يأتي السّؤال الوجودي: هل السّيدة كِنغزلي تُصنف فتاة؟ أقصد أُنثى؟)
(ها؟)
إِنفجر الفتية ضَحكاً على تَساؤلات "توماس" و ضجّ بهو الطّعام الواسع بالصّخب.
إِنزعَج الفتى الوحيد الشّاحب الجالس بقُرب النافذة بشدة مِن سَخافتهم بَعد أن حاول أن يَكبح أصواتهم عن رأسهِ و فشِل فَشَلاً ذَريعاً.
مع ذلك أَبطأ مضغهُ للخُبز قليلاً و أخذَ يُفكر في السؤال للحظة..
لكنهُ هز رأسه بقوة نافضاً التخيّل.
السّيدة "كِنغزلي"؟
فَتاة؟
يع!
(لكن بجدية.. الفَتاة مِلكي، حسناً؟ انا حجزتُها منذُ الآن) صرّح "چورچ" بثقة.
الأَشقر المعتوه في الخَامسة عَشر من عمرهِ لكنهُ يُفكر في الفتيات ک بالغ مُوشك على الزّواج في أي لحظة.
لم يَعلم الفتى يَوماً ما المُثير و المُحمّس في الفتيات على كل حال، إنهنّ صبيان بضفائر ليسَ إلا، لما هذا الهَوَس بِشأن سُكان المَبنى الآخر؟
إبتلعَ آخر قطمة مِن الخُبز المدهون بالزُبد ثُم نَهضَ مِن مكانهِ و هو ينفضُ ملابسهُ من الفُتات، توجه نَحو الباب الخشبي في نهاية البهو ماراً بطاولة عِصابة "چورچ" رُغماً عنه، و حينها تعالت أصواتُ همهماتٍ مُنخفضة و صَفير، تَجرأ أحدهم بالفِعل و هَمس 'مُخنث' في ظَهره.
لكنهُ فقط عَبر البهو و لعنهُم للجَحيم في سِره.
عندما مرّ بالبَاب الكبير و إتّخَذَ وجهتهُ صوبَ المَهجع تَراءى الى سمعهِ صوت سيّارة، قَرر إِلقاء نَظرة مِن النّافذة مِن بَاب الفُضول و تَمضية الوقت و خاصة أنّ صَوت المُحرك بدا لهُ غَريباً و عَالياً جداً ک زَئير دُب هائج.
كان شَاكراً كون زاوية النّافذة أعطتهُ طلّة شبه كاملة و قريبة من المَشهد، أَسندَ ذراعيهِ على إِطار النّافذة ثُم أراحَ رأسهُ ما بينَ ذراعيه، بدأ الهواء البارد يُداعب خصلاتهِ الفاحمة بترحيب فإستسلمَ للشُعور المُلطّف.
كانت السيّارة قد وقفت أمام البوابة الرئيسية بالفِعل، خَمّن كونها طِراز 'مركيوري' بسببِ شكلها و صَوت مُحركها العالى، بدت لامعة و جَميلة بلونها الخَريفي وَسَطَ أوراق الأشجار المُتساقطة هُنا و هُناك، لكنهُ بدأَ يتسائل؛ لما لم يَنزل أحدٌ من السيّارة؟
مرّت عدة ثوانٍ و هو يُحدق و بدا و كأنهُ سيوشك على النّوم مَللاً و خاصةً أن تفاصيل الأجواء الراهنة لا تُساعد، بإمكانه النوم واقفاً هكذا.
لكنّ البَاب الأيمن للسيّارة فُتح بقوة مما جعلهُ يَنتفضُ قليلاً في مَكانه، نَزل منهُ رجلٌ بدا في الثلاثينيات و فَتَح الباب الخلفى بعُنف و بدأَ بمحاولة إِخراج شَيء ما، لكن الفَتى صَحّحَ تخمينهُ بكونهِ يُحاول إِخراج شخص ما عندما سَمِعَ توسلات و رجاءات بتركها و شأنها.
كان صَوت فتاة.. فتاة بائسة على الأرجَح.
حينها تذكّر مُحادثة الصبيان على الإفطار بشأنِ المُستجدة القادمة من لندن، إِعتَدَل في وقفتهِ و همّ بالمُغادرة فأكثر ما يكرههُ هو رؤية أحدهم يَدخل الى هذا الصّرح العَفن.
لكنهُ وجد نفسهُ مُستمراً في المُراقبة دون وعى و خاصةً بعد أن هَرعت السيّدة "كِنغزلي" و مُساعدتُها الشابة للخارج على صوت الصراخ لمحاولة تهدأة الفَتاة.
إِستطاع رؤية صِراع الفتاة معهم مِن الزّجاج الخلفي للسيّارة لكنهُ لم يستطع تبين ملامحها كونَ شعرها الأحمر الكثيف تولى مُهمة حمايتها و طوّق وجهها لحجبها عن الخَطر ک أَضعف الإيمان..
لكنّ شعرها النّاري لم يَستطع التغلبَ عليهم و أطفأ ثلجُ مشاعرهم شهامتهُ لينتهى الأَمر بالفتاة محمولة حَملاً ک الذبائح الى الدّاخل.
شَعر الفتى بقلبهِ يختنق من المَشهد و لم يستطع حَمل نفسهِ على المُشاهدة أكثر من هذا، هَرب ركضاً من النّافذة و مِن ذكرياتِ أيامهِ الأولى التّى بَدأت تتلاطم على رأسهِ مُفتتةً ذاتهُ و مِن إحساسهِ بالذّعر على حالها.
إستمر بالركض و هَبط دَرج و إرتقى آخر، هام على وجههِ في الطرقات و تَحسس الجُدران حتّى وَجد نفسهُ في الحديقة الخلفية المُحاطة بسور حجري، نَظر الى اليَمين ثُم اليسار، الى السماء ثُم الأَرض، و حينها إستوعب للمرة الألف أن هذا المكان بمدخل لكن.. بلا مَخرج!
↭◎쇼◎쇼◎↭
في إستراحة الشّاي توجه الفتى الى المطبخ لمُشاطرة السيّدة "روزماري" وقت العَصر، رُغم أنهُ لم يتغلب بَعد على إِكتئاب الصباح العابر الا أن فكرة تمضية الوقت مَع الطبّاخة رَفَعَ من سقفِ إبتسامتهِ قليلاً.
(انا هُنا روزي) دَلف للمطبخ ليجد المرأة ک عادتها جالسة أمام الطّاولة المُزينة بإبريق و فناجين الشّاي الزرقاء و المصحوبة بِبدونج سَريع التّحضير، لكن ما لم يَكن عادياً هو وجود شَخص إِضافي.
كانت السيّدة "كِنغزلي"
و كانت خَطوة تراجعهُ للوراء و الهَرب من هُنا معدومة بعد أن إِلتفَتت المرأتان الى الباب لتميّيز هُوية القادم.
اللعنة!
بمُجرد أن دَحرجت السيّدة "كِنغزلي" عدستيّها على هَيأة الفَتى حتّى أبدَت عَصبية شديدة و تأفّفت بصوتٍ مسموع، نَظرت للطبّاخة (و انا كُنت أتسائل كيف لم يمُت جوعاً طوال هذه السنوات.. منذ متى بالضبط و هو يأتى الى هنا؟ تعلمين أن المطبخ مكان محظور على أطفال الملجأ!)
الفتى لم يكُن يَعلم هذا..
إِزدادت حُمرة وجه الطبّاخة لكنها نَطقت بثباتٍ رُغم إنفعالها (تماماً..لو لم يكُن يأتي ها هُنا لكان مات جُوعاً)
هذا نوعاً صَحيح..
(لا! لو لم يكُن يأتي الى هُنا لكان تعلّم الإنضباط! لكَان كفّ عن الإِنصياع لصمته! لكان كوّن صداقات! لكان.. لكان.. لكان طَبيعياً!!) صَرخت مُديرة الملجأ بآخر كلمتين و اللعابُ يتطاير من فَمها.
لقد بَدت ک كلب مَسعور..
وقفت الطبّاخة بكبرياء (مادام كِنغزلي.. الفتى صامت لأنهُ عندما يتكلم يُصفع! مَعدوم الصداقات لأنهُ منبوذ! انا لم أفعل شَيء خاطئ و بالتأكيد ليسَ خطأهُ أنهُ وَجد مكان مُريح برفقتي! و لأنّ الخَطأ ليسَ من عندي فَنقبي عن مكان آخر لإستخلاص الخَطأ منه!)
الأعصَاب تتوتر و الجّو يُشحن..
وقفت المُديرة بدورها و سألت بتحدي (مَكان آخر مِثل ماذا؟)
لحظات صمت مميتة..
(مِثل مَكتبك!) بصقت الطبّاخة الكلمة في وجه الأُخرى التى بَدأ وجهها يتجعّد مِن الغيظ.
أوبس..
قامت المرأة بتعديل وقفتها المُرتخية الى أُخرى صارمة أقرب الى الأرستقراطية ثُم تَكلمت و هي تَرفع أنفها الى السّماء (مادام روزماري بايّن.. من اليوم.. أنتِ مطرودة) أنهت كلماتها و هي تدورُ على كعبيّها و في طريقها للخارج قامت بِجر الفتى مُمتقع الوجه معها تاركةً الطبّاخة تمضغ ببطء فِكرة كونها.. مطرودة؟
(اللعينة العَفنة الشّرهة.. أنهت على البِسكويت خاصتي ثُم تَطردني؟)
↭◎쇼◎쇼◎↭
(أنت! أنت!) كانت السيدة "كنغزلي" تَذرع مكتبها جِيئةً و ذهاباً بعصبية و هي تُمطر الفتى بنظراتِ من سَقر، كان يردها بأخرى ثَلجية لكن في وعيهِ الداخلي.. لن يُنكر.. مَرعوب حدّ الموت.
(كنتما تَستغفلانني طوال هذهِ المُدة؟)
لم أكن أعلم أنهُ أمرٌ خاطئ..
(كنتَ تصوم عن الإِجابة في الدّرس لتذهب و تُثرثر مع تلكَ السّمينة؟)
ليست سَمينة.. إنها فقط 'طرية'
(و انا التى ظَننتك مَريض نفسي! إِتضح أنكَ تَتدلل علي؟)
و لما أتدلل عليكِ انا؟ لستُ مريض نفسي لأَفعل هَذا!
(و انا ک الغَبية صدّقت)
انتِ دائماً أبداً غَبية سيّدة "كِنغزلي"
(لتسع سَنوات!! لتسع سَنوات إستطعت التّسلل للمَطبخ و العَبث هُناك! تسع سَنوات لعينة! و انا التّى لا يمُر شَيء مِن تَحت أنفي!)
سَتموت إن عَلمت ما يفعلهُ "چورچ" و "توماس" إذاً.
(لا لا لا انا لن أَسكُت! و الرّب لن أسكُت!)
أنتِ لم تسكتي مُنذ أكثر مِن نصفِ ساعه..
توجّهَت الى الهاتف على المَكتب و طَلبت مُساعدتها (تعالى الى هُنا حالاً!)
مرّت عِدة دقائق خانِقة تبادلَ فيها الخِصمان النّظرات، كان هُناك لحظة عابرة فرّق فيها الفتى ما بينَ شفتيهِ و كاد يُفصح بصوت عالى عن إجاباتهِ الصّامتة السّابقة لكنهُ أطبقَ فمهُ من جَديد، أقنعَ نفسهُ أن صمتهُ كان على سبيل الكسل و ليسَ الخوف المُبرح.
طُرق الباب و دَلفت المُساعدة الشّابة الى المكتب بتعابير قَلقة، من يَلوموها؟ فنبرة المُديرة على الهاتف لا تُبشر سوى بالمَصائب.
ما إِن رأتها السّيدة "كِنغزلي" حتّى قَذفت في وجهها كلامها المَسموم (تباً لكم! تباً لكم واحداً واحداً! لما لا تقومون بِعملكُم؟ ها؟! الحُكومة تَدفع لكُم مُرتبات كي تَعبثوا في الأَرجاء!)
إصفرّ وجهُ الشّابة المسكينة و لابُد أن عَقلها قام بِفرز مائة جَريمة إرتَكبتها في الأُسبوع الفائت.. او لم تَرتكبها، هي فقط مُذنبة!
(عـ.. عفواً!) أتبعت تساؤلها بعض شفتيها.
(المُحترم المُبجل.. الأُستاذ كِين! إكتشفتُ اليوم أنهُ كان يَتسلل للمَطبخ! هل لي أن أعلم لما لم يكتشفهُ أحد؟ و الأهم.. هل لي أن أعلم ماذا كنتم تَفعلونَ بالضبط كي لا يكتشفهُ أحد!)
نَظرت الشّابة للفتى الذى أسند ظهرهُ للحائط بملل و كأنها إكتشَفت وجودهُ للتو (لكن.. سيدة كِنغزلي.. انا مسئولة عن مَهجع الفَتيات)
(يالها من حُجة وقحة! و من المسئول عن مَهجع الصّبيان؟)
(آآآه.. اممم.. أنتِ؟)
(و من مُساعد المسئول عن مَهجع الصّبيان؟)
(أ أ أننا)
(إذاً لما لا تَقومينَ بعملك؟)
نَفخت المُديرة عِدة أنفاسٍ غَاضبة ثُم ضَربت المَكتب بقبضتها (إسمعي.. تأكدي أنّ تلكَ الطبّاخة لن تَنام في حُجرتها اليوم و اذهبي للبَحث عن اسم طبّاخ جَديد و تعاقدي مع حارس للمَهجع ليضبطَ الشّياطين على شاكلةِ مُدعي الملائكية هذا!)
(و أنت! الى حجرة العقاب! فوراً!)
↭◎쇼◎쇼◎↭
يَذرع الغُرفة جِيئةً و ذهاباً لأَكثر مِن نِصفِ ساعة، الفراغ و الصّمت و الإِبتعاد عن الموجودات شكّل بيئة مِثالية لإكتمال الحَقيقة في عقلهِ بعد أن حاول صَفعها بعيداً على سبيل حِماية نفسهِ مِن هاوية الإنهيار.
السّيدة "روزماري" مَطرودة!
لم تعُد هُنا..
لن يَراها ثانيةً..
هو لم يودعها حتّى..
لعنَ نفسهُ على تَضييع تِسع سَنوات هَباءً دون أن يَفتح فمهُ المُهترأ و يُخبرها أنهُ مُمتن..
إنهُ غَبي!
غَبي!!
لا مَزيد مِن المُحادثات، و لا المُعانقات، و لا سَماع الأُغنيات، و لا البَوح بالأحلام و المَشاعر في السهرات.
لا شعور بدفأ الفُرن، و لا رائحة القرفة او النعناع او حتّى عُشبة الروزماري و لا طَعم الشّاي بالعَسل و القِشدة و فَطير التّفاح.
ها هي المرأة التّى إحتضَنت ذاتهُ القبيحة تتركتهُ مكروهة و ها هو يَجزع و يشعُر بألم كئيب في أيسرهِ يكاد يقسمهُ الى شِطرين.
فكّر؛ لما حياتهُ قاسية مُصرة على جعلهِ يشعُر بالحرمان بَعد أن تبذُل وسعها في جعلهِ يتعلق؟
هو مَحبوس في غُرفة مُظلمة بالكاد تُنيرها شُرفة بإرتفاع السّقف بينما هي تَخرج من هنا.
على الأقل خُذيني معكِ "روزي"
(روزي) تَمتم للصّمت بجانبه.
(روزي) هَمس للوحدة المُتوحدة معه.
(روزي) أخبَر خَيط الضّوء الأصفر القادم مِن شَمس الظّهيرة و كأنهُ المُلام على كُل هذا.
أسندَ ظهرهُ للباب المُوصد و سَمح لنفسهِ بالإنزلاق حتّى الأرضية، لحظات مَرت عليهِ يُحدق في الاشيء و يَشعر بعدة أشياء، تجعّد وجههُ و تلون بدرجات الأحمر.. ثم إنفَجر.
(روزي!!!) أرجَحت صَرختهُ الغُرفة مِن أساساتها و إهتزّت أوتار حلقهِ بقوة مُزلزلةً الظّلام.
لقَد صرخَ قهرهُ و دموعهُ و.. صمته.
↭◎쇼◎쇼◎↭
سَاعة؟
إِثنتان؟
رُبما أربع كما هي القاعدة المَعروفة؟
ليسَ مُتأكداً و ليسَ مُهتماً، لكنهُ حقاً يشعُر بالكسل حِيال النّهوض مِن مكانه و السّماح بمن يطرُق الباب بالدّخول.
(إنهُ لا يُفتح)
(ماذا تَعنين؟ جرّبي ثانيةً و أسرعي!)
(إِتركوني عليكُم اللعنة! سأقتُلكم جَميعاً! سأقتلعُ عيونكم و أسلخُ جلدكم و أمزّقُ لحمكُم و أهشم عِظامكم! لن أرحَمكم! إتركوني!)
واو~ أحَدهم بالخارج يُشاركه أحلامهُ الورديه بالضّبط.
قرّر الإبتعاد عَن الباب دُفعة واحدة كي لا يُأذوا ظَهرهُ و بِمجرد ان نَقل جلستهُ بجانب الباب حتّى فُتح بغتة ليدلف آخر شخص يتمنى رؤيته.. السّيدة "كِنغزلي"
نَظرت في الأَرجاء تبحث عنهُ غيرَ عالمةً أنهُ بجانب الباب تماماً و بمجرّد أن لمحتهُ زَأرت في وجهه (ماذا كُنت تضَع خَلف الباب ليسدهُ أيها الحَقير؟)
مُؤخرتك.
رمقتهُ المرأة بِحقد واضح و كأنها تُقاوم رَكلهُ ثم صَرفت نَظرها للخَارج (أخرجوه و أدخلوها)
دَخل رَجل ما الى الحُجرة و أنهضهُ مِن ملابسهِ فطاوعه بلامُبالاة و بمجرد أن واجه الباب وقعت عيناه عليها.
فتاة السيارة..
في حال مذرية من الهيجان، تحاول العض و النطح و الركل و الخمش و تسب و تقذف كل شخص و كل شيء بكلمات بذيئة نابية لم يعلم معناها حتى.
بدت له ک عنقاء مشتعلة غاضبة محاطة بوهج من نار على هيئة خُصل شعر حمراء اللون، إحتبست أنفاسه في رأتيه إنبهاراً بينما عيناه أبت التدحرج بعيداً عن المشهد، خاصةً أن ملامحها المُبهمة كانت تصرخ بهوية ما.
(أدخلوها بسرعة هيا!) و فوراً جرها رجلان جراً الى الغرفة و حينها لاحظ المشاهد الصامت شيئاً..
العنقاء كانت مُقيدة الجناحين.
أغلقوا الباب عليها بالمفتاح و وقفوا صامتين شاحبين و كأنها لحظة حداد.
(سيدة كنغزلي.. أنتِ متأكدة من هذا؟) نطق أحد الرجال بتوتر واضح للعيان (إن علم أحد المفتشين الإجتماعيين بالأمر فسندخل في دوامة نحن بغنى هنا)
أردف الرجل الآخر بكآبة (و هذه الدوامة مكانها المحاكم)
ردت المرأة بهدوء (إن! إن علم! و الآن..) أنهت جملتها ثم إلتفتت للفتى الصامت في الزاوية (أنت.. ستحضر اليوم درس الترانيم و إن لم أسمع صوتك فأنا أقسم بالرب و أقسم بحياتي أن مصيرك أسود ک سواد الليل! أتفهم؟!)
بلع ريقه و إستشعر قدرتها على سحقه في أي لحظة، إقتربت منه و أمسكت بتلابيبه و صرخت (قلت.. أتفهم؟!!)
بالكاد هز رأسه و هو ينظر في الأرجاء و يحاول صد شعور الألم القادم من رقبته، ضيقت المرأة الوثاق عليه (لا لا لا.. هذا الأسلوب لم يعد ينفع كين!) إبتسمت بشر (قلها!)
ها؟
(قُلها أيها الدنئ الخبيث! تكلم! إن لم تكن أبكم كما عاهدناك فتكلم! قل أنك تفهم او أجل او أي شيء يوقفني عن خنقك الآن!)
(عاهرة)
↭◎쇼◎쇼◎↭
(دعيني آراه) قالتها السيدة "روزماري" بنبرة آمرة ليست من شيمها، لكنها تحتاجها الآن أكثر من اي شيء آخر، مديرتها -السابقة- ترفض منحها لقاء وداعي مع الفتى "كين" و هذا ما لن تسكت عليه.. إنه حقها!
(قلت ممنوع.. تقابلينه بصفتك من؟) رفعت السيدة "كنغزلي" حاجبها الأيسر هازئة من المرأة أمامها.
(من لجأ إليها و كبر بين ذراعيها) أجابت بثقة.
(ليس كافياً او قانونياً او حتى منطقياً.. و الآن..) مررت عبر المكتب مظروف شبه منتفخ ثم أردفت (هذه هي أتعابك للشهر و تفضلي من هنا.. شكراً لخدماتك سيدة باين على مر هذه السنين و انا آسفة لأن الأمور إنتهت هكذا)
تجاهلت الطباخة المظروف تماماً (للمرة الأخيرة أطلب بتهذيب و إحترام لكلينا.. فقط أريد توديعه.. ليكن في قلبك مثقال رحمه فالصبي كان إبن و عائلة لي لتسع سنوات.. الرب رزقني إياه بعد أن أخذ إبنتي الوحيدة و زوجي.. فقط لقاء لعشر دقائق) تغيرت نبرتها للتوسل مع النهاية.
أسندت المديرة ظهرها للكرسي (آسفة سيدة باين.. ليس في وسعي فعل شيء)
مرت لحظات صمت في الهواء بين المرأتين قطعتها الطبّاخة بحزم (حسناً إذاً.. ماذا لو كان في وسعي انا فعل شيء؟)
(و المعنى؟) تسائلت السيدة "كنغزلي" محاولاً إخفاء فضولها.
(دعيني آراه و الا..)
(هل هذا تهديد؟ أتمنى الا يكون كذلك سيدة باين) حاولت المديرة جعل نبرتها محايدة متماسكة قدر الإمكان.
كان هذا خاطئاً.. خطأ سيلسعهم جميعاً ک زُمرة واحدة.. تعلم ذلك جيداً، لكن لا مفر الآن (إعتبريه هكذا إن شأتي.. دعيني أودع الفتى للمرة الأخيرة و الا ذهبت الى الشرطة و أخبرتهم بكل شيء عن ما حدث في هذا المكتب في أيول منذ خمسة أعوام)
(كيف تجرأين؟! انا لا أُهدد و لا أنبطح لأساليب الريفيين المُلتوية هذه! لا أخشى شيئاً و لا سبيل لكِ الآن أبداً برؤية هذا الوغد الدنئ المشرد الأبله الـ..)
(سيدتي) حذرت المساعدة من جانب المكتب برعب.
(إخرجي من هنا! فوراً! و إياكِ و العودة!)
↭◎쇼◎쇼◎↭
حرارته ک فحم مشتعل!
أكثر ما يُرعبها هو إرتفاع الحرارة لأن هذا في قاموسها معناه الموت بعد أن رأت نتيجته في واقعها.
لا تدري إن كان غائب عن وعيه أم أنه أضعف من أن يستيقظ، لكن ما يطمئن قلبها الآن أن صدره بالكاد يعلو و يهبط..
بالكاد..
لكنه يعلو و يهبط.
المشكلة أنها لا تدري كيف تساعده او تداويه و هي في غرفة تخلو من أي شيء عدا نافذة و حوض ماء صغير، هذا بالطبع بالإضافة الى قيد يديها.
حتى إن حاولت مساعدته فهي لن تستطيع فعل ذلك و هناك ألف خدش و كدمة في كل ملليمتر مكعب في جسده، إن حاولت تخفيف ألمه فسيتألم أكثر.
إنحنا كتفاها بإحباط و ثقل وزن قلبها من رؤية جسده المُنكمش ک خَرقة ملابس مبللة تم عصرها حتى النخاع، لقد ظنت حقاً أنهم كانو أشراراً بما فيه الكفاية لتقيدها و حبسها هنا كي ينعم الخال المزعوم بنعيم والديها في البنك لكن رؤيتهم و هم يضربون الفتى حتى سمعت طرقعة كسر عظامه تدوى للسماء لهو الهول بحد ذاته.
تسائلت عن فعلته ليستحق مصير ک هذا، خاصةً أنه خرج من الغرفة أمام ناظريها ليتم إعادته إليها بعد دقيقة و هذه المرة الحبس كان مصحوباً بجلسة ضرب!
نهضت من جانبه و أخذت تذرع الغرفة جيئة و ذهاباً غير عالمة أنها تتبع خطواته السابقة القلقة خطوة خطوة.
ألقت نظرة على الحوض و حينها لمحت الصندوق الخشبي الصغير الذي تستقر عليه الصابونة، خطر لها أن تستخدم الصندوق في نقل الماء و سكبه بحذر على وجهه حتى تنخفض الحمى.
وقفت بالمعكوس و حاولت فتح الصنبور بيدها المعقودة، عدة محاولات و نجحت بالفعل في جعل خيط الماء ينساب في الحوض محدثاً صوتاً غريباً و عالياً، شعرت بسعادة كونها لم تكن عاجزة تماماً بعد كل شيء، وصلت للصندوق و بمجرد ملامستها للصابونة الزلقة تغيرت خطتها قليلاً.
حسناً.. ماذا لو كانت الصبونة مفيدة أكثر من الصندوق؟!
أمسكت الصبونة بكلتا يديها و بدأت ک العمياء بتحسس طريقها الى خيط الماء وراء ظهرها، لم تنجح بمرور ثوان طويلة فألقت نظرة من فوق كتفها لكن الزاوية آلمت رقبتها كثيراً فتابعت النظر أمامها مجدداً بإحباط.
عندما لامست المياه يدها أخيراً بعد أن كادت تستسلم شعرت بالقشعريرة المُحببة تسرى بين كفيها من البرودة فإبتسمت لا إرادياً و سرعان ما بدأت تحاول إيصال الرغوة الفوّاحة الى الحبل!
فكرت في إحتمالية دخول أحدهم الآن و رؤيتها بهذا الوضع الغريب؛ فتاة مقيدة تقف أمام الحوض بظهرها و تفرك الحبل بالصابون، الأمر لا يحتاج الى خيال جامح لتخمين إنها تحاول فك الرباط، لكن فكرة إكتشافها أصابتها بالتوتر مما سبب إختفاء الإبتسامة و زيادة سرع فركها الصابونة اللعينة.
كل ما تريده الآن هو فك القيد لتداوى الجريح في أقسى الغرفة.
بدأ الحبل في الإنزلاق!
لم تصدق نفسها لثانية لدرجة إنها توقفت عن التنفس و إختبرت الأمر من جديد، شدت العقدة كأنها تحاول خلع إسوارة و على حين غرة إرتدت ذراعها بأكملها معلناً عن الخلاص.
حملقت في كفها المُبلل بنصر ثم إلتفتت للحوض أخيراً و خلصت كفها الآخر.
تخلصت من الحبل على الأرض و قامت بفك أزرار أكمامها التى إبتلت من الماء و الصابون حد المرفقين، وضعت الصابونة في قاع الحوض و ملأت الصندوق ماءً و هرعت الى الجسد المشتعل.
ركعت بجواره و مزقت قطعة أرادتها صغيرة من التنورة لكنها لم تتحكم جيداً بإنفعالها فتمزقت حتى فخذها، بللتها بالماء ثم نظرت الى الفتى من جديد و حينها دب قلبها بالخوف.
هناك شيء ما مكسور هناك و هذا معناه أنها إن حركته لتقابل وجهه فلربما تكون العواقب وخيمة، لكنها لم تملك خياراً آخر بجانب إحتمالية أنها كانت تهذي و تتخيل و ليس هناك من عظام مكسورة.
حركته ببطأ شديد من كتفيه و توقفت لثانية في كل مرة ينكمش جسده ثم تتابع بحذر.
في اللحظة التى إستلقى فيها على ظهره أخيراً و إنقشع وجهه تحت الإضاءة إضطربت أنفاسها و قرع قلبها بصخب كاد يودي بحياتها!
(إلاهي الرحيم!)
نهضت ک الملسوعة و وجه معكوس ک المرآه على عدستيها، رسمت علامة التصليب و صلت صلاة سريعة بأن يحفظها الربّ من شياطين الأوهام، أراحت كفيها الى صدرها و أخذت تنظم تنفسها لتهدأ و لو قليلاً.
هذا مستحيل..
فقط مستحيل!
الموتى لا يبعثون الا يوم البعث!
إذاً ماذا يفعل "كيونجسوو" أمامها الآن؟!
↭◎쇼◎쇼◎↭
يُتبع..
Like ♡
Comment 💬
Follow ✔
♕ 어먼EMY ♕
Коментарі