Ch 십 (Ole House)
الثاني عشر من يناير/كانون الثاني 1960~
العاشرة صباحاً~
(هلاّ أسرعت قَليلاً كِين!) صَرخت عليه الآنسة "كِنغزلي" لإِستعجاله، لكن الفتى الشّاحب ذُو التِسع سنوات تابع سيرهُ البارد، فكّر أنهُ يفعل الشّيء الصّحيح.. فهذا ليسَ إسمهُ حتّى، لكن مِن جديد.. و كأن صاحبة وَجه التّجاعيد تَأبه.
دَخل الى قاعة القِراءة و في يدهِ نُسخة شبه مُهترأة من الكتاب المُقدس، جَلس بجانب النّافذة ک عادته و فَتح الكتاب على صفحة اليّوم، من المُفترض أنّهم سيقرأون غَيباً و يتنافسون في الحِفظ لكن دورهُ ها هُنا و في كل مكان.. التّحديق فقط.
هو يَستطيع مِن هذهِ اللحظة المُبكرة الجَزم أن السّيدة "كِنغزلي" ستدخل لتسمعَ ترانيمهم لساعة ثُم تُنادي عليهِ لأنهُ دوره، لكنهُ لن يتغنى بالترانيم ک البَقية، فقط سيُحدق فيها بفراغ فستُحدق فيه بإحباط ثم.. تُنادي على مَن بعده.
تَسائل الفتى إن كان لدى تِلك السّيدة خَطب ما في عَقليتها تَجعلها تُكرر كل ما تفعلهُ بالضبط دون أن تَسأم او تُغير او تُجدد.
-عَجوز مُجعدة مُملة-
صَحيح أنهُ يشعر بالذّنب أَحياناً لصومهِ عن تَرتيل كلام الرّب، لكنهُ كان يَعلم أنهُ هو من خَلق السيدة "كِنغزلي" لذا كان يَعتبر إِعراضهُ عنهُ نوع مِن الخِصام العَادل.
طَال خصامهُ صلاة الليّل التى تُجبرهم عليها السيّدة "كِنغزلي" قَبل النّوم، كان الجَميع يركع على ركبتيهِ أَمام الأَسرّة و يُسند ذراعيه على طَرف الغطاء و يبدأون بالصلاة سريعاً، لكن الفتى كان يَركع و يُغلق عينيه و فقط يُفكر او يتخيّل أي شيء حتى يَشعر بأن مُعظم من حولهُ إنتهوا حينها ينهض.
أَحياناً يَتذكر موقف عابر حَصل خلال يَومه او يتخيل السيّدة "كِنغزلي" بأنيابٍ و مخالب او يتخيلها و هي تَنام في سَريرها و تشخُر بصوت ک صوت نِهاق الحمير.
و أحياناً كان يُحاول فَقط تَذكر ما مضى~
مَهما حاول، و مَهما كثّف الصّور في خياله، و مَهما أرادَ بشدة تَذكر شيء أو وجه.. لم و لو لمرة.. ينجح في جعل الصورة المُشوشة واضحة قابلة للتّأمل.
نَظر الى السّماء من نافذة قاعة الدرس..
مُلبدة بالغيوم كما هي الحَال كُل يوم، لكن الطّيور المُحلقة تبدو غَير عابئة بحالة الجّو فحسدها على مَعنوياتها، و الأَهم.. حَسدها على جناحيها، تخيّل نفسهُ يشعر بشعور غَريب في جسده ثُم يُفيق مِنه ليجد أن جناحين نَاصِعا البيَاض قد أُستُفلقا من ظَهره، أول ما سيفعلهُ هو الطيران فوق مَدخنة الملجأ و رَمي القُمامة فيها ثُم يَطير مُبتعداً الى.. المَنزل.
(كين!) سَمِعَ الإسم لكنهُ لا يزال مُحدقاً في السماء، تَسائل؛ مَتى دَخلت الى الفَصل؟
(كين.. هلاّ تكرمتَ علينا في هذا الصّباح المُبارك و أسمعتنا صَوتك.. لمرة) نَطقت الكلمة الأَخيرة مِن بينِ أسنانها، كاد يبتسم لأنهُ نجح في إِشعالِ دمها.
(إنهُ أصم سَيدة كِنغزلي!) صَرخ "چورچ" من أقصى الحُجرة فتوالت سِلسلة ضَحكات مكتومة من هُنا و هُناك.
هذهِ لحظة تمنى فيها الفَتى أن يكون أصماً فعلاً.. بالإضافة الى تمنيهِ أن يكون "چورچ" أخرص!
(إنهُ ليسَ أصماً چورچ تهذّب) وبخت السيّدة "كِنغزلي" الفتى الأَشقر الصّاخب ثُم بصوتٍ أرق نادت إسم فتى آخر ليستَكمل الترتيل.
هيا.. تَابعي.. قولي أنكِ مُتأكدة أنني لستُ أصم لأنكِ متأكدة أنني مَريض نفسي.
مَاذا؟ لن تقولي؟
هذا لأنكِ جبانة.
جبانة فعلاً حقاً سيّدة "كِنغزلي"!
لا تريدينَ الإعتراف بأنكِ من حولني الى هذا الكيان الصّامت الشّاحب.
لكن تَعلمين ماذا؟ انا لن أَرد و أُفسد يومي.. فاليوم مُميز على كُل حال.
↭◎쇼◎쇼◎↭
(حسناً كِين عزيزي إسمع.. ستُقطع الفّجل و الجَزر الأبيض بطريقةٍ مُتساوية، لا أريدُ رؤية قِطعة كبيرة و قِطعة صغيرة، كل القِطع بنفسِ الحجم، فهمت عليّ؟ و تذكّر الإنتباه لأصابعك، همم؟ لا تَخلط بينها و بين الفجل) أنهت السيّدة "روزماري" حديثها ثُم ناولت الفتى الواقف أمامها طَبق الخُضار المَغسول و سكين صغير، قبّلت شعرهُ و هي تقودهُ الى الطاولة في مُنتصف المَطبخ الشاسع الواسع.
سألت مُتجه نَحو القدر لتفقُد المَرق (كيف كان يومك؟)
(بخير~) نَطق بهمس بينما شَرع في التقطيع بحذر.
هُنا.. في المطبخ.. و حيثُ تقف السيّدة "روزماري" كان بوسعهِ التّحدّث، صحيح أنها بضعة كلمات معدودة، لكن هذا لا ينفى حقيقة أنها الوحيدة في هذا الصرح الكبير التى تعلم كيف يبدو صوته بالضبط في الآونة الأخيرة.
أول ساعات له هُنا في الملجأ لم يبرح مكانه من أمام نافذة الممر الرئيسي المطلة على الحديقة،
يجرونه لتناول الإفطار ثم يعود ركضاً للنافذة،
يجرونه لتناول الغداء ثم يعود ركضاً للنافذة،
يجرونه لتناول العشاء ثم يعود ركضاً للنافذة.
كانت هذه حياته حرفياً لمدة تجاوزت أسبوعين، ثم ذات صباح بينما يأمل ان يظهر طَرف معطف "چوزفين" في الأفق لتأخذه للمنزل شعر بمن يحتضنه من الخلف و يهمس له بأنها 'لن تعود'
و دون تمهيد او مقدمات بدأ في البكاء حتى فقد الوعى من التعب و الإرهاق و القهر و الكُره و الحزن و الإشتياق.. و قائمة الأسباب تطول بلاشك خاصةً على طفل في السادسة من عمره.
و عندما إستيقظ كان أول ما شعر به هو رائحة التُفاح و القرفة، و عندما فتح عينيه كان أول ما رآه هو كيان كبير يقف أمام نار مهولة.
نهض و حاول بجد أن يحيط علماً بما حوله بالضبط.. فوجد أن كل ما في الأمر هو أن إمرأة سمينة تقف أمام فرن تطهو فطيرة تُفاح.
كانت هذه الفطيرة لأجله.
و من يومها لم تكف السيدة "روزماري" -طبّاخة الملجأ- عن صُنع فطير التُفاح له، و لم يكف هو عن رد معروفها بالمجئ للمطبخ وقت فراغه لمساعدتها بصمت.
و بالتأكيد لم يكف أحدهما عن عناق الآخر.
كانت السيدة "روزماري" تعاني من السِمنة المفرطة مما أكسب وجهها تورد و لمعان دائم، و أي شيء تفعله او تقوله او تفكر فيه ينعكس على تعابيرها ک مرآة مصقولة، تحكى كثيراً عن زوجها الذى إستُشهد في الحرب العالمية و عن إبنتها التى توفت من الحُمى و عن قريتها المليئة بالأعشاب الطبية و العطرة و عن.. الطعام.
حبها للطعام كان حب طاهر صادق بدائي لكن عميق ملئ بالمشاعر المباشرة، كانت من مؤيدي نظرية أن 'الطريق لقلب الرجل هو معدته' و كانت من رابطة مُشجعي 'إفطار جيد.. يوم جيد' و كانت لا تحتسب الوجبة إن لم تحتوى على نوعين جبنة على الأقل و كان كل من يناولها كعكة او يشاطرها وصفة جديدة فهو صديق جديد حميم سيبقى الى الأبد، و بالتأكيد هي مُخترعة تلك الطقوس الغريبة التى تسبق التذوق ک الشم بعمق و رمي قُبلة فوق القدر على سبيل جعل 'الطعام مصنوع بحب'.
و الأغرب على الإطلاق أن حُبها مُعدي.. و الفتى أُصيب به، تأكد من هذا عندما ضبط نفسه يُقبل الخبز قبل أن يُغمسه في حساء البصل ذات مرة.
دخل في مشاجرات كثيرة في أول أعوامه هُنا -غالباً مع چورچ- لأنه كان ينعتها بالسمينة و كان يُلقى النكات من وراء ظهرها، لكن الأمر دائماً ما إنتهى بالفتى يُضرب حد الإعياء.
فكان يعود للمطبخ و يحمل نفسه على عمل قاسي ک غسل الصحون او مسح أرضية المطبخ ک إعتذار صادق.. لكن السيدة "روزماري" لم تعلم يوماً.
(إنتهيت) تمتم الفتى و هو يتأمل قطع الخضار البيضاء المستديرة، قلَّبهم بسرعة بالسكين ليرى إن كانت كل القطع بنفس الحجم أم لا، لكنهم بدوا بشكل جيد.
(أوه حقاً؟ كان هذا سريعاً أحسنت) تناولت منه طبق الخضار و أضافته لقدر المَرق، خمّن الفتى و هو ينظر الى باقي المكونات على الطاولة أن الغداء سيكون هريس الفجل و الجزر مع البزلاء و الخبز.. لا لحم.. من جديد.
(روزي) نادى عليها الفتى بصوته الهادئ الحريري.
(أجل.. كين؟) أجابته و هي تلقى نظرة فضولية
نحوه من فوق كتفها.
فكر بأن يقول لها كم أنه مُمتن و شاكر و كم انه يحبها و كم انها طيبة و مرحة و تجلب الحبور جلباً الى قلبه و أنها ليست سمينة لكنها فقط 'طرية' قابلة للعناق و أن طعامها هو السبب الوحيد الذي يمنعه من الهروب من هنا -بجانب السور و إغلاق الباب الرئيسي- و أنه يجدها حقاً شخص رائع.
(عليّا الذهاب..الدرس) قالها ثم قطع المسافة الى الباب.
جبان ~
لا بأس سيخبرها غداً.
(لا بأس عليكَ عزيزي إذهب.. لكن عُد وقت الشاي) سمعها ترد قبل أن ينغلق الباب بصوت عالى.
↭◎쇼◎쇼◎↭
مرت ساعة درس التاريخ ک أي ساعة أخرى في السنوات الماضية.. بطيئة لكن مُثمرة مليئة بالتخيلات التى تتأرجح ما بين السوداء و البيضاء مُخلفة وراءها صورة رمادية مُبهمة، يتخللوها من حين لآخر صوت المُعلم "ألفريد" و هو يحاول إيصال معلومة عن شيء سخيف حصل منذ مائة عام او جعلنا نُعجب إكراهاً بشخص توفى منذ ألف عام.
(تولت الملكة اليزابيث الأولى أو 'اليزابيث تيودور' الفترة بين عاميّ 1558 و 1603 و هي تعتبر واحدة من أشهر الشخصيات التاريخية في بريطانيا العظمى، وقد عرفت فترة حكمها بالعصر الذهبي لما شهدته بريطانيا من توسع في الحكم وازدهار كبير خاصة في الفنون، وقد استطاعت أيضا أن تجعل من صورتها رمزا للسلطة الشابة و القوية، و وزعت على الرسامين صورة موحدة لها ليتم رسمها وتكرارها وهي الصورة التي لقبت بـ 'الملكة العذراء' لأنها قررت عدم الزواج للحفاظ على سلطتها..) أنهى المُعلم حديثه ثم أردف و هو يبتسم لطلابه -الغير آبهين- (و طبعاً.. ليحمي الرب و يمجد ملكتنا الملكة إليزابيث الثانية)
صوت الجرس.
حسناً ليبارك الرب ذاك الملاك الحارس الذي قرع جرس نهاية الدرس و لتذهب شلة الملكات هذه لأقرب جحيم، إن كنّا مهمات هكذا و طيبات و رائعات.. إذاً لما لا يصدرون أمراً بإغلاق الملاجئ في كافة أنحاء البلاد؟
وضع الفتى كتابه -الذي لم يفتحه أصلاً- داخل حقيبته القُماشية و همّ بالنهوض مُتوجهاً للمطبخ لمشاطرة السيدة "روزماري" وقت الشاي، فكر بأن يخبرها ک تسلية بماذا حدث في مثل هذا اليوم منذ أكثر من تسعة أعوام و أصبح متحمساً فجأة لرؤية رد فعلها.
(هاي! يا عين السُلحفاة!)
اوف.. چورچ!
(أخبرتكم أنه أصم) قالها الأشقر لعصابته التى بدأت في الضحك المُفتعل ثم سدّ الباب أمام الفتى الشاحب عندما حاول المرور بهدوء.
(الى أين الرحال؟ ذاهب الى ماما روزي لتطعمك ک فتاة لطيفة صغيرة حتى تتحول الى كُرة منتفخة مثلها؟)
هذه المرة الضحك لم يكن مفتعلاً بل حقيقياً.. حقيقياً جداً و.. مؤلماً جداً.
لكن الفتى الشاحب إبتلع ألمه و حاول تجاوز الأشقر من جديد، و من جديد.. سد عليه الطريق (هل تعلم ما هو لقبك الجديد؟ همم؟)
واو.. لقب جديد بالفعل؟ لقبه الأخير لم يجف بعد و هاهو ''چورچ" يبصق مخيلته العفنة على هيئة إسم مضحك على شاكلة: القصير، البومة، الأصم، الأخرس، دُهن الخنزير، ملاك الموت، قابيل، اللقب الأخير أُطلق تواً بالأمس عندما وجدوا الفتى في الحديقة الخلفية يدفن طائر ميت.
هل هي حقاً جريمة او عمل مريض بأن يقوم بدفن الطائر تحت التراب ليحظى بحياة جديدة؟ بدا الأمر له ک أكثر شيء طبيعي و فطري في العالم لكن عصابة المؤخرة أولت المشهد الى جريمة جنائية.
(المُخنّث) همس بها الأشقر في وجه الفتى مباشرةً (أنتَ فتاة بداخلك كين.. فتاة صامتة صارمة تدعي الخجل و العفة لكن الحقيقة انها عاهرة.. من السهل حقاً تخيلك ک فتاة بشعرك هذا) أنهى جملته ثم شد غُرة الفتى الطويلة التى كانت تغطى عيناه بالكامل، ألتقت عيناهما للحظة..
كانت عينا الأشقر رمادية تماماً ک ضباب لندن كما يتذكره، لكن مر فجأة بريق غريب في عينيه و لاحظ عدسته تختلج لجزء من الثانية، حينها تجلى للفتى كل شيء..
إن كان هو خائف.. فـ"چورچ" مرعوب!
أراد فقط الإنتظار حتى يفلت الأشقر قبضته من خُصل شعره و ينصرف بملل، لكن القبضة إشتدت و الألم زاد و التحديق طال، مما جعل مقاومته السلمية تتحول الى بدايات غضب حقيقي لم يجربه منذ وقت بدا ک دهر.
صفع الأشقر رأس الفتى في الجدار على حين غرة مما جعله يشعر كما لو أنه إنشطر لشطرين، أفلتت منه أنّة ألم رغماً عنه و حينها فقد أعصابه بالكامل!
لا لا كله الا التعبير عن الألم!
أرجحَ قبضته في الهواء دون وعي ثم إرتدت بغل الى وجه الأشقر الذي سقط أرضاً تحت أقدام باقى الصبيان المتجمهرين.
كان عليه الركض في هذه اللحظة لكن و لأنه بقيا متسمراً في مكانه لسبب مجهول الهوية فلهذا إلتهم قبضة "چورچ" بأكملها في اللحظة التالية!
↭◎쇼◎쇼◎↭
(سبب واحد! سبب واحد فقط مقنع يجعلني أصدق أنه هو من ضربك أولاً! و حينها لن أرسلك الى حجرة العقاب للأربع ساعات القادمة!) كانت السيدة "كِنغزلي" تفقد أعصابها بالفعل و بالتدريج و هي توجه حديثها الى "چورچ" الذي بدا كمن بلل سرواله.
(أقسم هو من بدأ و شدّ شعري ثم لكمني في عيني!) أشار الأشقر الى الفتى الضئيل ذو الخد المُتورم الواقف بجواره ثم الى عينه التي بدأت بالتلون بدرجات البنفسجي و الأزرق.
كلماَ نظر الى عينه شعر بالفخر و الأنفة الشديدة! هو من صنع هذه الألوان القزحية الجميلة بقبضته؟ واو!
صفق له جمهور وهمي كفنان يقف أمام أحدث لوحاته في معرض خاص، أوشك على الإبتسام من الغبطة، لكن محاولة الإبتسام آلمت خده كثيراً حينها تذكر ان الوغد جعله يدفع الثمن.
(كاذب! أعلم أنكَ كاذب كما أعلم أنه من المستحيل أن يبدأ كين شجاراً! أخرج من هنا حالاً سيد چورچ ويلبرهام و توجه مباشرة للطابق الثاني، و إن دخلت الى الغرفة و لم أجدك تطلب المغفرة من الرب بصلاة صادقة فإعلم أنكَ ستلقاه ميتاً!) تزامن إنهاؤها لجلسة التوبيخ مع ركض الأشقر للخارج كمن يفر من جاك السفّاح.
تهالكت على المقعد وراء المكتب و أخذت تُدلك صدغها بإرهاق محاولاً إعادة ضخ الدماء بسرعتها الطبيعية من جديد.
(إجلس كين) أشارت الى الكرسي الخشبي المقابل للمكتب دون أن تنظر ناحية الفتى.
لكنه لم يتحرك إنشاً.
نظرت له بإستغراب و أشارت من جديد للكرسي، لكن الفتى صامد ک جبل.
تنهدت بعمق شديد و زفرت بقوة حتى تخيّل الفتى الذي يرمقها بأن الحائط سينقلع من مكانه، تذكر قصة الذئب و الثلاث حملان التى نفخ فيها الذئب في البيت الخشبي و أكل الحمل الصغير، كان سهلاً جداً تخيّل السيدة "كنغزلي" ک مُستذئب.
(ما الذي تريده بالضبط كين؟!) تسائلت و هي تميل على المكتب و تتأمل الصبي بنفاذ صبر.
(24 حى بادنغتون، لندن، منزل بُني بسقف أبيض يجاوره مطعم آسيــ..)
(إخرس!!) نهضت من مكانها بلمح البصر و توجهت اليه، كررت كلمتها همساً (إخرس.. أنتَ يتيم مُعدم! أحضرتك الآنسة وينستون الى هنا لأنها وجدتك نائماً في كوخ صيد مهجور! أهاكذا ترد معروفها؟ تدعي أن عنوانها هو عنوانك؟ حتى و إن كان.. أخبرني كيف بحق الرب لطفل في السادسة أن يأتي او يسير من وسط غرب لندن الى سكاربورو وحده؟! ها؟)
(أُختطفني السيد وينستون)
(يال خيالك! و لما يخطف عضو في مجلس شعب محترم طفل من الصين! وجدته ضحية جيدة لأنه يغرر بكم أيها المُهاجرون العفنون؟)
(انا بريطانـ..)
(أجل! صحيح! صادق! لهذا إنجليزيتك كانت ركيكة و ضحلة عندما أتيت الى هنا!)
(منزلي في 24 حي بادنغتون، لندن، منزل بُنـ..)
هوى الكف على خده بصوت مسموع تردد صداه في الغرفة و تردد الألم في قلبه.
الأسوأ أنه خده المتورم!
(إخرج عليكَ اللعنة! سيعاقبك الرب على كذبك المتواصل هذا!)
قرر المحاولة مرة بعد (فقط إذهبي الى هناك و إبحثي عن تشانيـ..)
(لن أكررها! أخرج)
خرج بصمت و عبر البهو المُدي الى المطبخ بتعابير متجمدة تكسو غضب جامح في الأعماق، فتح باب المطبخ ليجد السيدة "روزماري" تضيف القشطة و العسل للشاي و تترنم بأغنية شعبية ما، إتجه ناحيتها بهدوء و تثاقل و أخذ منها الفنجان و وضعه على الطاولة ثم.. عانقها و إنتحب.
راقبت المرأة الصبى القابع على رُكبتيها و تجعد وجهها ألماً عليه و على حاله، هي تعلم أن الصبية تتنمر عليه كونه ضئيل الحجم و الشخصية و بالطبع ربة عملها السيدة "كنغزلي" تزيد الأمر سوءاً بعدم تصديقها لرواية الصبي عن حياته.. هي أيضاً لم تصدق.. لكن الفتى لحوح بشكل يجلب الشك.
(كُل عام و أنتَ بخير كين) تمتمت و هي تبادله العناق، هي تعرف.. لقد أتم شتاءه العاشر اليوم لذا حضرت بعض الحلوى لجعل وقت الشاي مميزاً.
راقبته بحنان و هو يخرج منديل من جيب بنطاله و يمسح دموعه بهدوء، لطالما إمتص منديله هذا جالونات ماء مالح و خاصةً في أول أيامه ها هنا.
لكن و لأول مرة تُميز التطريز على المنديل، آمالت رأسها قليلاً لترى أوضح..
كان التطريز لشجرة و أرنب بالنمط الآسيوي.
↭◎쇼◎쇼◎↭
يُتبع..
Like ♡
Comment 💬
Follow ✔
♕ 어먼EMY ♕
العاشرة صباحاً~
(هلاّ أسرعت قَليلاً كِين!) صَرخت عليه الآنسة "كِنغزلي" لإِستعجاله، لكن الفتى الشّاحب ذُو التِسع سنوات تابع سيرهُ البارد، فكّر أنهُ يفعل الشّيء الصّحيح.. فهذا ليسَ إسمهُ حتّى، لكن مِن جديد.. و كأن صاحبة وَجه التّجاعيد تَأبه.
دَخل الى قاعة القِراءة و في يدهِ نُسخة شبه مُهترأة من الكتاب المُقدس، جَلس بجانب النّافذة ک عادته و فَتح الكتاب على صفحة اليّوم، من المُفترض أنّهم سيقرأون غَيباً و يتنافسون في الحِفظ لكن دورهُ ها هُنا و في كل مكان.. التّحديق فقط.
هو يَستطيع مِن هذهِ اللحظة المُبكرة الجَزم أن السّيدة "كِنغزلي" ستدخل لتسمعَ ترانيمهم لساعة ثُم تُنادي عليهِ لأنهُ دوره، لكنهُ لن يتغنى بالترانيم ک البَقية، فقط سيُحدق فيها بفراغ فستُحدق فيه بإحباط ثم.. تُنادي على مَن بعده.
تَسائل الفتى إن كان لدى تِلك السّيدة خَطب ما في عَقليتها تَجعلها تُكرر كل ما تفعلهُ بالضبط دون أن تَسأم او تُغير او تُجدد.
-عَجوز مُجعدة مُملة-
صَحيح أنهُ يشعر بالذّنب أَحياناً لصومهِ عن تَرتيل كلام الرّب، لكنهُ كان يَعلم أنهُ هو من خَلق السيدة "كِنغزلي" لذا كان يَعتبر إِعراضهُ عنهُ نوع مِن الخِصام العَادل.
طَال خصامهُ صلاة الليّل التى تُجبرهم عليها السيّدة "كِنغزلي" قَبل النّوم، كان الجَميع يركع على ركبتيهِ أَمام الأَسرّة و يُسند ذراعيه على طَرف الغطاء و يبدأون بالصلاة سريعاً، لكن الفتى كان يَركع و يُغلق عينيه و فقط يُفكر او يتخيّل أي شيء حتى يَشعر بأن مُعظم من حولهُ إنتهوا حينها ينهض.
أَحياناً يَتذكر موقف عابر حَصل خلال يَومه او يتخيل السيّدة "كِنغزلي" بأنيابٍ و مخالب او يتخيلها و هي تَنام في سَريرها و تشخُر بصوت ک صوت نِهاق الحمير.
و أحياناً كان يُحاول فَقط تَذكر ما مضى~
مَهما حاول، و مَهما كثّف الصّور في خياله، و مَهما أرادَ بشدة تَذكر شيء أو وجه.. لم و لو لمرة.. ينجح في جعل الصورة المُشوشة واضحة قابلة للتّأمل.
نَظر الى السّماء من نافذة قاعة الدرس..
مُلبدة بالغيوم كما هي الحَال كُل يوم، لكن الطّيور المُحلقة تبدو غَير عابئة بحالة الجّو فحسدها على مَعنوياتها، و الأَهم.. حَسدها على جناحيها، تخيّل نفسهُ يشعر بشعور غَريب في جسده ثُم يُفيق مِنه ليجد أن جناحين نَاصِعا البيَاض قد أُستُفلقا من ظَهره، أول ما سيفعلهُ هو الطيران فوق مَدخنة الملجأ و رَمي القُمامة فيها ثُم يَطير مُبتعداً الى.. المَنزل.
(كين!) سَمِعَ الإسم لكنهُ لا يزال مُحدقاً في السماء، تَسائل؛ مَتى دَخلت الى الفَصل؟
(كين.. هلاّ تكرمتَ علينا في هذا الصّباح المُبارك و أسمعتنا صَوتك.. لمرة) نَطقت الكلمة الأَخيرة مِن بينِ أسنانها، كاد يبتسم لأنهُ نجح في إِشعالِ دمها.
(إنهُ أصم سَيدة كِنغزلي!) صَرخ "چورچ" من أقصى الحُجرة فتوالت سِلسلة ضَحكات مكتومة من هُنا و هُناك.
هذهِ لحظة تمنى فيها الفَتى أن يكون أصماً فعلاً.. بالإضافة الى تمنيهِ أن يكون "چورچ" أخرص!
(إنهُ ليسَ أصماً چورچ تهذّب) وبخت السيّدة "كِنغزلي" الفتى الأَشقر الصّاخب ثُم بصوتٍ أرق نادت إسم فتى آخر ليستَكمل الترتيل.
هيا.. تَابعي.. قولي أنكِ مُتأكدة أنني لستُ أصم لأنكِ متأكدة أنني مَريض نفسي.
مَاذا؟ لن تقولي؟
هذا لأنكِ جبانة.
جبانة فعلاً حقاً سيّدة "كِنغزلي"!
لا تريدينَ الإعتراف بأنكِ من حولني الى هذا الكيان الصّامت الشّاحب.
لكن تَعلمين ماذا؟ انا لن أَرد و أُفسد يومي.. فاليوم مُميز على كُل حال.
↭◎쇼◎쇼◎↭
(حسناً كِين عزيزي إسمع.. ستُقطع الفّجل و الجَزر الأبيض بطريقةٍ مُتساوية، لا أريدُ رؤية قِطعة كبيرة و قِطعة صغيرة، كل القِطع بنفسِ الحجم، فهمت عليّ؟ و تذكّر الإنتباه لأصابعك، همم؟ لا تَخلط بينها و بين الفجل) أنهت السيّدة "روزماري" حديثها ثُم ناولت الفتى الواقف أمامها طَبق الخُضار المَغسول و سكين صغير، قبّلت شعرهُ و هي تقودهُ الى الطاولة في مُنتصف المَطبخ الشاسع الواسع.
سألت مُتجه نَحو القدر لتفقُد المَرق (كيف كان يومك؟)
(بخير~) نَطق بهمس بينما شَرع في التقطيع بحذر.
هُنا.. في المطبخ.. و حيثُ تقف السيّدة "روزماري" كان بوسعهِ التّحدّث، صحيح أنها بضعة كلمات معدودة، لكن هذا لا ينفى حقيقة أنها الوحيدة في هذا الصرح الكبير التى تعلم كيف يبدو صوته بالضبط في الآونة الأخيرة.
أول ساعات له هُنا في الملجأ لم يبرح مكانه من أمام نافذة الممر الرئيسي المطلة على الحديقة،
يجرونه لتناول الإفطار ثم يعود ركضاً للنافذة،
يجرونه لتناول الغداء ثم يعود ركضاً للنافذة،
يجرونه لتناول العشاء ثم يعود ركضاً للنافذة.
كانت هذه حياته حرفياً لمدة تجاوزت أسبوعين، ثم ذات صباح بينما يأمل ان يظهر طَرف معطف "چوزفين" في الأفق لتأخذه للمنزل شعر بمن يحتضنه من الخلف و يهمس له بأنها 'لن تعود'
و دون تمهيد او مقدمات بدأ في البكاء حتى فقد الوعى من التعب و الإرهاق و القهر و الكُره و الحزن و الإشتياق.. و قائمة الأسباب تطول بلاشك خاصةً على طفل في السادسة من عمره.
و عندما إستيقظ كان أول ما شعر به هو رائحة التُفاح و القرفة، و عندما فتح عينيه كان أول ما رآه هو كيان كبير يقف أمام نار مهولة.
نهض و حاول بجد أن يحيط علماً بما حوله بالضبط.. فوجد أن كل ما في الأمر هو أن إمرأة سمينة تقف أمام فرن تطهو فطيرة تُفاح.
كانت هذه الفطيرة لأجله.
و من يومها لم تكف السيدة "روزماري" -طبّاخة الملجأ- عن صُنع فطير التُفاح له، و لم يكف هو عن رد معروفها بالمجئ للمطبخ وقت فراغه لمساعدتها بصمت.
و بالتأكيد لم يكف أحدهما عن عناق الآخر.
كانت السيدة "روزماري" تعاني من السِمنة المفرطة مما أكسب وجهها تورد و لمعان دائم، و أي شيء تفعله او تقوله او تفكر فيه ينعكس على تعابيرها ک مرآة مصقولة، تحكى كثيراً عن زوجها الذى إستُشهد في الحرب العالمية و عن إبنتها التى توفت من الحُمى و عن قريتها المليئة بالأعشاب الطبية و العطرة و عن.. الطعام.
حبها للطعام كان حب طاهر صادق بدائي لكن عميق ملئ بالمشاعر المباشرة، كانت من مؤيدي نظرية أن 'الطريق لقلب الرجل هو معدته' و كانت من رابطة مُشجعي 'إفطار جيد.. يوم جيد' و كانت لا تحتسب الوجبة إن لم تحتوى على نوعين جبنة على الأقل و كان كل من يناولها كعكة او يشاطرها وصفة جديدة فهو صديق جديد حميم سيبقى الى الأبد، و بالتأكيد هي مُخترعة تلك الطقوس الغريبة التى تسبق التذوق ک الشم بعمق و رمي قُبلة فوق القدر على سبيل جعل 'الطعام مصنوع بحب'.
و الأغرب على الإطلاق أن حُبها مُعدي.. و الفتى أُصيب به، تأكد من هذا عندما ضبط نفسه يُقبل الخبز قبل أن يُغمسه في حساء البصل ذات مرة.
دخل في مشاجرات كثيرة في أول أعوامه هُنا -غالباً مع چورچ- لأنه كان ينعتها بالسمينة و كان يُلقى النكات من وراء ظهرها، لكن الأمر دائماً ما إنتهى بالفتى يُضرب حد الإعياء.
فكان يعود للمطبخ و يحمل نفسه على عمل قاسي ک غسل الصحون او مسح أرضية المطبخ ک إعتذار صادق.. لكن السيدة "روزماري" لم تعلم يوماً.
(إنتهيت) تمتم الفتى و هو يتأمل قطع الخضار البيضاء المستديرة، قلَّبهم بسرعة بالسكين ليرى إن كانت كل القطع بنفس الحجم أم لا، لكنهم بدوا بشكل جيد.
(أوه حقاً؟ كان هذا سريعاً أحسنت) تناولت منه طبق الخضار و أضافته لقدر المَرق، خمّن الفتى و هو ينظر الى باقي المكونات على الطاولة أن الغداء سيكون هريس الفجل و الجزر مع البزلاء و الخبز.. لا لحم.. من جديد.
(روزي) نادى عليها الفتى بصوته الهادئ الحريري.
(أجل.. كين؟) أجابته و هي تلقى نظرة فضولية
نحوه من فوق كتفها.
فكر بأن يقول لها كم أنه مُمتن و شاكر و كم انه يحبها و كم انها طيبة و مرحة و تجلب الحبور جلباً الى قلبه و أنها ليست سمينة لكنها فقط 'طرية' قابلة للعناق و أن طعامها هو السبب الوحيد الذي يمنعه من الهروب من هنا -بجانب السور و إغلاق الباب الرئيسي- و أنه يجدها حقاً شخص رائع.
(عليّا الذهاب..الدرس) قالها ثم قطع المسافة الى الباب.
جبان ~
لا بأس سيخبرها غداً.
(لا بأس عليكَ عزيزي إذهب.. لكن عُد وقت الشاي) سمعها ترد قبل أن ينغلق الباب بصوت عالى.
↭◎쇼◎쇼◎↭
مرت ساعة درس التاريخ ک أي ساعة أخرى في السنوات الماضية.. بطيئة لكن مُثمرة مليئة بالتخيلات التى تتأرجح ما بين السوداء و البيضاء مُخلفة وراءها صورة رمادية مُبهمة، يتخللوها من حين لآخر صوت المُعلم "ألفريد" و هو يحاول إيصال معلومة عن شيء سخيف حصل منذ مائة عام او جعلنا نُعجب إكراهاً بشخص توفى منذ ألف عام.
(تولت الملكة اليزابيث الأولى أو 'اليزابيث تيودور' الفترة بين عاميّ 1558 و 1603 و هي تعتبر واحدة من أشهر الشخصيات التاريخية في بريطانيا العظمى، وقد عرفت فترة حكمها بالعصر الذهبي لما شهدته بريطانيا من توسع في الحكم وازدهار كبير خاصة في الفنون، وقد استطاعت أيضا أن تجعل من صورتها رمزا للسلطة الشابة و القوية، و وزعت على الرسامين صورة موحدة لها ليتم رسمها وتكرارها وهي الصورة التي لقبت بـ 'الملكة العذراء' لأنها قررت عدم الزواج للحفاظ على سلطتها..) أنهى المُعلم حديثه ثم أردف و هو يبتسم لطلابه -الغير آبهين- (و طبعاً.. ليحمي الرب و يمجد ملكتنا الملكة إليزابيث الثانية)
صوت الجرس.
حسناً ليبارك الرب ذاك الملاك الحارس الذي قرع جرس نهاية الدرس و لتذهب شلة الملكات هذه لأقرب جحيم، إن كنّا مهمات هكذا و طيبات و رائعات.. إذاً لما لا يصدرون أمراً بإغلاق الملاجئ في كافة أنحاء البلاد؟
وضع الفتى كتابه -الذي لم يفتحه أصلاً- داخل حقيبته القُماشية و همّ بالنهوض مُتوجهاً للمطبخ لمشاطرة السيدة "روزماري" وقت الشاي، فكر بأن يخبرها ک تسلية بماذا حدث في مثل هذا اليوم منذ أكثر من تسعة أعوام و أصبح متحمساً فجأة لرؤية رد فعلها.
(هاي! يا عين السُلحفاة!)
اوف.. چورچ!
(أخبرتكم أنه أصم) قالها الأشقر لعصابته التى بدأت في الضحك المُفتعل ثم سدّ الباب أمام الفتى الشاحب عندما حاول المرور بهدوء.
(الى أين الرحال؟ ذاهب الى ماما روزي لتطعمك ک فتاة لطيفة صغيرة حتى تتحول الى كُرة منتفخة مثلها؟)
هذه المرة الضحك لم يكن مفتعلاً بل حقيقياً.. حقيقياً جداً و.. مؤلماً جداً.
لكن الفتى الشاحب إبتلع ألمه و حاول تجاوز الأشقر من جديد، و من جديد.. سد عليه الطريق (هل تعلم ما هو لقبك الجديد؟ همم؟)
واو.. لقب جديد بالفعل؟ لقبه الأخير لم يجف بعد و هاهو ''چورچ" يبصق مخيلته العفنة على هيئة إسم مضحك على شاكلة: القصير، البومة، الأصم، الأخرس، دُهن الخنزير، ملاك الموت، قابيل، اللقب الأخير أُطلق تواً بالأمس عندما وجدوا الفتى في الحديقة الخلفية يدفن طائر ميت.
هل هي حقاً جريمة او عمل مريض بأن يقوم بدفن الطائر تحت التراب ليحظى بحياة جديدة؟ بدا الأمر له ک أكثر شيء طبيعي و فطري في العالم لكن عصابة المؤخرة أولت المشهد الى جريمة جنائية.
(المُخنّث) همس بها الأشقر في وجه الفتى مباشرةً (أنتَ فتاة بداخلك كين.. فتاة صامتة صارمة تدعي الخجل و العفة لكن الحقيقة انها عاهرة.. من السهل حقاً تخيلك ک فتاة بشعرك هذا) أنهى جملته ثم شد غُرة الفتى الطويلة التى كانت تغطى عيناه بالكامل، ألتقت عيناهما للحظة..
كانت عينا الأشقر رمادية تماماً ک ضباب لندن كما يتذكره، لكن مر فجأة بريق غريب في عينيه و لاحظ عدسته تختلج لجزء من الثانية، حينها تجلى للفتى كل شيء..
إن كان هو خائف.. فـ"چورچ" مرعوب!
أراد فقط الإنتظار حتى يفلت الأشقر قبضته من خُصل شعره و ينصرف بملل، لكن القبضة إشتدت و الألم زاد و التحديق طال، مما جعل مقاومته السلمية تتحول الى بدايات غضب حقيقي لم يجربه منذ وقت بدا ک دهر.
صفع الأشقر رأس الفتى في الجدار على حين غرة مما جعله يشعر كما لو أنه إنشطر لشطرين، أفلتت منه أنّة ألم رغماً عنه و حينها فقد أعصابه بالكامل!
لا لا كله الا التعبير عن الألم!
أرجحَ قبضته في الهواء دون وعي ثم إرتدت بغل الى وجه الأشقر الذي سقط أرضاً تحت أقدام باقى الصبيان المتجمهرين.
كان عليه الركض في هذه اللحظة لكن و لأنه بقيا متسمراً في مكانه لسبب مجهول الهوية فلهذا إلتهم قبضة "چورچ" بأكملها في اللحظة التالية!
↭◎쇼◎쇼◎↭
(سبب واحد! سبب واحد فقط مقنع يجعلني أصدق أنه هو من ضربك أولاً! و حينها لن أرسلك الى حجرة العقاب للأربع ساعات القادمة!) كانت السيدة "كِنغزلي" تفقد أعصابها بالفعل و بالتدريج و هي توجه حديثها الى "چورچ" الذي بدا كمن بلل سرواله.
(أقسم هو من بدأ و شدّ شعري ثم لكمني في عيني!) أشار الأشقر الى الفتى الضئيل ذو الخد المُتورم الواقف بجواره ثم الى عينه التي بدأت بالتلون بدرجات البنفسجي و الأزرق.
كلماَ نظر الى عينه شعر بالفخر و الأنفة الشديدة! هو من صنع هذه الألوان القزحية الجميلة بقبضته؟ واو!
صفق له جمهور وهمي كفنان يقف أمام أحدث لوحاته في معرض خاص، أوشك على الإبتسام من الغبطة، لكن محاولة الإبتسام آلمت خده كثيراً حينها تذكر ان الوغد جعله يدفع الثمن.
(كاذب! أعلم أنكَ كاذب كما أعلم أنه من المستحيل أن يبدأ كين شجاراً! أخرج من هنا حالاً سيد چورچ ويلبرهام و توجه مباشرة للطابق الثاني، و إن دخلت الى الغرفة و لم أجدك تطلب المغفرة من الرب بصلاة صادقة فإعلم أنكَ ستلقاه ميتاً!) تزامن إنهاؤها لجلسة التوبيخ مع ركض الأشقر للخارج كمن يفر من جاك السفّاح.
تهالكت على المقعد وراء المكتب و أخذت تُدلك صدغها بإرهاق محاولاً إعادة ضخ الدماء بسرعتها الطبيعية من جديد.
(إجلس كين) أشارت الى الكرسي الخشبي المقابل للمكتب دون أن تنظر ناحية الفتى.
لكنه لم يتحرك إنشاً.
نظرت له بإستغراب و أشارت من جديد للكرسي، لكن الفتى صامد ک جبل.
تنهدت بعمق شديد و زفرت بقوة حتى تخيّل الفتى الذي يرمقها بأن الحائط سينقلع من مكانه، تذكر قصة الذئب و الثلاث حملان التى نفخ فيها الذئب في البيت الخشبي و أكل الحمل الصغير، كان سهلاً جداً تخيّل السيدة "كنغزلي" ک مُستذئب.
(ما الذي تريده بالضبط كين؟!) تسائلت و هي تميل على المكتب و تتأمل الصبي بنفاذ صبر.
(24 حى بادنغتون، لندن، منزل بُني بسقف أبيض يجاوره مطعم آسيــ..)
(إخرس!!) نهضت من مكانها بلمح البصر و توجهت اليه، كررت كلمتها همساً (إخرس.. أنتَ يتيم مُعدم! أحضرتك الآنسة وينستون الى هنا لأنها وجدتك نائماً في كوخ صيد مهجور! أهاكذا ترد معروفها؟ تدعي أن عنوانها هو عنوانك؟ حتى و إن كان.. أخبرني كيف بحق الرب لطفل في السادسة أن يأتي او يسير من وسط غرب لندن الى سكاربورو وحده؟! ها؟)
(أُختطفني السيد وينستون)
(يال خيالك! و لما يخطف عضو في مجلس شعب محترم طفل من الصين! وجدته ضحية جيدة لأنه يغرر بكم أيها المُهاجرون العفنون؟)
(انا بريطانـ..)
(أجل! صحيح! صادق! لهذا إنجليزيتك كانت ركيكة و ضحلة عندما أتيت الى هنا!)
(منزلي في 24 حي بادنغتون، لندن، منزل بُنـ..)
هوى الكف على خده بصوت مسموع تردد صداه في الغرفة و تردد الألم في قلبه.
الأسوأ أنه خده المتورم!
(إخرج عليكَ اللعنة! سيعاقبك الرب على كذبك المتواصل هذا!)
قرر المحاولة مرة بعد (فقط إذهبي الى هناك و إبحثي عن تشانيـ..)
(لن أكررها! أخرج)
خرج بصمت و عبر البهو المُدي الى المطبخ بتعابير متجمدة تكسو غضب جامح في الأعماق، فتح باب المطبخ ليجد السيدة "روزماري" تضيف القشطة و العسل للشاي و تترنم بأغنية شعبية ما، إتجه ناحيتها بهدوء و تثاقل و أخذ منها الفنجان و وضعه على الطاولة ثم.. عانقها و إنتحب.
راقبت المرأة الصبى القابع على رُكبتيها و تجعد وجهها ألماً عليه و على حاله، هي تعلم أن الصبية تتنمر عليه كونه ضئيل الحجم و الشخصية و بالطبع ربة عملها السيدة "كنغزلي" تزيد الأمر سوءاً بعدم تصديقها لرواية الصبي عن حياته.. هي أيضاً لم تصدق.. لكن الفتى لحوح بشكل يجلب الشك.
(كُل عام و أنتَ بخير كين) تمتمت و هي تبادله العناق، هي تعرف.. لقد أتم شتاءه العاشر اليوم لذا حضرت بعض الحلوى لجعل وقت الشاي مميزاً.
راقبته بحنان و هو يخرج منديل من جيب بنطاله و يمسح دموعه بهدوء، لطالما إمتص منديله هذا جالونات ماء مالح و خاصةً في أول أيامه ها هنا.
لكن و لأول مرة تُميز التطريز على المنديل، آمالت رأسها قليلاً لترى أوضح..
كان التطريز لشجرة و أرنب بالنمط الآسيوي.
↭◎쇼◎쇼◎↭
يُتبع..
Like ♡
Comment 💬
Follow ✔
♕ 어먼EMY ♕
Коментарі