16. Necklace
''ما هذا المكان؟''
فكها يكاد يسقط من تأمل النعيم بذاته على الأرض، مكان لا يصادف أنها قد رأت مثله مُسبقََا.
لم تكن لدى بيل أدنى فكرة أن ذلك الركض أوصلهم إلى تلك البحيرة الجميلة الهادئة التى تُعانقها الأشجار لتعطيها مظهرََا أكثر جاذبية.
وجدت بيل ممر خشبى طوله ينتهى عند مُنتصف البحيرة لتنهض بسرعة متوجهه إليه.
''هل رأيت هذا المكان من قبل؟'' تساءلت بيل بينما تراقب الأجواء من حولها متأملة تلك اللوحة الفنية التي أضاف ضوء القمر لها بريقََا زاد على جمالها جمال.
''فى الواقع تلك هى المفاجأة التى حدثتك عنها'' ألتفتت بيل لأيزاك رافعة حاجبيها بصدمة
''من اليوم سيكون هذا مكانى المفضل'' أقترب أيزاك و وقف أمامها لتنظر له بملامح تزينت بالسعادة
''أحقََا أعجبك؟'' سأل مُبتسماََ، نظرته تحمل جميع ما يريد إخبارها به، شكرها على الإهتمام الذى قدمته له عندما لم يكترث أحد، لتفهمها جميع أعذاره التي لم يقبلها أحد و أُلقيت فى وجهه كالحثالة.
أومأت بيل بسعادة ثم واصلت تأمل المكان. حرك أيزاك قدماه من أرض الغابة لتطأ قدمه الممر الذى يعلو درجة عن الأرض. وقف على طرف الممر و هو يواجه بيل ليمد يده لها طالبََا منها أن تمسك بها لتفعل ذلك بإبتسامة خجلة بعض الشئ.
صعدت على الممر ليسيرا معََا حتى نهايته و أيزاك لم يُبعد ناظريه عنها.
وقفت بدورها تنظر للبحيرة من تحتهم لتقول
''أتعلم إن كنت أحدق بك بينما أسير كما تفعل الآن و خطوت خطوة واحدة أخرى سأكون بالماء''
أبتسم أيزاك قبل أن يُعلق على ما قالته قائلاََ '' أنا أعرف ذلك المكان عن ظهر قلب و أعرف كم خطوة أحتاج أن أسيرها حتى أصل للحافة، لذلك أنا مُهتم أكثر بإستكشافك أنتِ ''
حولت بيل نظرها له لتجده يقف خلفها بدلاََ من أمامها، ألتفتت له بيل و قبل أن تتسائل عن سبب وقوفه خلفها بادر هو قائلاََ
''ألا تحبين السباحة؟ '' أقترب أيزاك منها لتبتعد بدورها خطوة تقربها أكثر من الحافة
'' ليس كثيراََ، لمَ؟ ''
''ليس كثيرََا؟ أتعنين أنى لو دفعتك ستغضبى؟''
قالها أيزاك و قبل أن يتسنى لها الرد أقترب منها بسرعة و حاوطها بذراعيه، دفعها بخفة مُبعداََ قدميها عن الحافة تمامََا و لولا ذراعيه المُحيطان بها لكانت سقطت فى المياه منذ زمن.
أطلقت بيل صرخة صغيرة و هى تتشبث بسترة أيزاك بقوة و عيناها المذعورتان مُتركزة على البحيرة من أسفلها.
''أيزاك أقسم أنك لو فكرت في إفلاتى ستكون بتعداد الموتى'' قالتها بخوف و نظرها يتحول بينه و بين البحيرة بشكل متواصل
''ماذا حدث لآنا المجنونة؟ '' قالها و قربها أكثر من الماء لتتشبث به أقوى قائلة بصراخ بينما تنظر له بخوف و توسل في آنٍ واحد
''أيزاك لو فعلتها سأسقطك معى'' أبعدها أيزاك عن الماء و بدأت قدماها تقترب من الحافة لكن لازالت لا تستطيع لمسها
''ألا تثقين بى آنا؟'' تساءل بحزن مصطنع
''سأثق بك أكثر إذا أنزلتني'' قالها ليهز كتفيه قائلاََ ببرود
''حسنََا إذن '' أرخى قبضة ذراعيه عليها لينتابها شعور الهلع من كونه سينزلها بالماء
''لا لا لا ليس هنا'' قالتها مُتشبثة بكتفيه كالأطفال و يبدو أنها ستبكى. قهقه أيزاك ثم أعادها على حافة الممر مجدداََ ''حسناََ حسناََ ، هدئي من روعكِ ''
تنفست بيل براحة بعدما أنزلها و أبتعد عنها. جلس على الحافة و قدميه تبعد عن الماء بمسافة بسيطة ليشير لبيل على البقعة الفارغة بجانبة كي تجلس عليها.
بينما بيل شاردة بجمال المظهر من أمامها و النجوم المُتناثرة فى السماء كقطع اللؤلؤ منحت اليماء رونقََا و بريقََا لا يضاهيه شيء.
كان أيزاك جالساََ بجانبها مُنشغل بتأمل ملامحها الهادئة، إبتسامتها و ضحكتها و كل ما بها. ملامح بيل البسيطة كانت قادرة على أن تضع أيزاك بحيرة كبيرة من أمره فهى تجعل قلبه ينبض بسعادة فى وهله و في الوهله الآخرى يتحطم بأسى دون حتى أن تنطق بشئ.
يشعر فى أوقات بالرغبة المُلحة على تأملها طوال الوقت و فى أوقات أخرى يتمنى لو تختفى من أمامه كى لا يراها مجدداََ. عجيب أمر البشر فهم يتمنون دائمََا ما لا يريدوه حقََا.
لاحظت بيل تحديق أيزاك المُطول بها لتنظر له بتساؤل، كانت تلك النظرة كأشارة بدأ الحديث لأيزاك
''أشكرك آنا''
ربت بيديه على يديها بخفة لتقطب حاجبيها بعدم فهم
''علامَ تشكرنى أيزاك؟ لم أفعل شيئََا ''
''أشكرك لكونك الوحيدة التى أستطاعت أن تجعلنى أشعر بالسعادة بعد كل تلك السنين''
وضعت بيل يدها على يد أيزاك قبل أن تشرع بحديثها الذي زاد على أيزاك حيرته
''إن كان الأمر كذلك إذن... أشكرك لكونك الوحيد الذى أستطاع أن يجعلنى أشعر بأي شيء من الأصل بعد كل تلك السنين'' صمتت لوهلة قبل أن تستكمل
''أنت جعلتنى أشعر بأشياء يا أيزاك، لا أعلم ما هى تلك المشاعر بالضبط لكنها جميلة و أنت أول من جعلنى أشعر بها. لم أتصور قط أنني سأشعر بشيء سوى الندم و الفراغ و لم أكترث لذلك كثيرََا ليس و كأنني أعلم ماهية المشاعر الاخرى لكنك جعلتنى أعاهد شعور جديد فى كل لحظة، لذلك أنا التى يجب أن تشكرك'' تجمعت الدموع فى عينيها بالفعل لكنها قررت عدم السماح لها بالخروج و بدلاََ من ذلك إبتسمت إبتسامة تعبر عن قدر إمتنانها له
''أنت أنقذتني أيزاك''
كانت إبتسامة أيزاك تعلو تدريجيََا و قد أعتلته المُفاجأة بعض الشيء أثر حديثها
''لا تشكريني آنا لقد قدمتى لى الكثير، و أكثر مما تتوقعين''
''أياََ يكن ما هو، فأنت تستحقه طلاما يجعلك سعيدََا''
حول أيزاك نظره للبحيرة بخجل لتنظر هى أيضََا بدورها للبحيرة. بعد مدة غير طويلة من الصمت أخرج أيزاك من جيبه قلادة جميلة تبدو قديمة بعض الشئ لكنها جميلة.
''ما هذه؟'' قالتها بيل له قبل أن يضع القلادة بين يديها، تمعنت النظر للقلادة ليتساءل هو
''هل أعجبتكِ؟''
'' إنها.. إنها جميلة للغاية'' أطرت عليها و لم تستطع منع نفسها من الإبتسام ببلاهة
''لقد كانت لأختي'' تلاشت إبتسامتها عندما تذكرت أن أخته متوفاه لتضع يدها على ذراعه قائلة
''أيزاك.. ''
''أنا بخير، أنا فقط أريد أن أهديها لكِ'' ألقت نظرة خاطفة على القلادة ثم هزت رأسها بالسلب
''لا إنها تخصك، إنها آخر ما تبقى منها أنا لا أستط..''
''أرجوكِ آنا '' قاطعها مُتوسلا ينظر لها برجاء قبل أن يأخذ القلادة من يدها
'' أنا أريدك أن تحتفظى بها، أنتِ مثلها تمامََا '' أبعد خصلات شعرها عن وجهها أثناء حديثه و هو لايزال ينظر لعينيها بنفس النظرة الراجية
'' جميلة، مُهتمة و مُحبة. عندما تستمعين لى بإهتمام و تحاولين التهوين علي تذكريني بها كثيرََا لذلك أردت أن أمنحك شيئا غاليََا على قلبى مثلما كانت هى و مثلما أنتِ الآن''
أومأت بيل بفرح، تشعر و كأن قلبها سينمو له أجنحة و يُحلق من مكانه لكنها فضلت ألا تظهر ذلك.
تحركت بيل بحيث يكون ظهرها مواجهََا لأيزاك و وضعت شعرها على كتفها ليتفهم أيزاك و يساعدها في إرتداء القلادة.
''إنها تناسبك'' قالها أيزاك لتبتسم و هى تمسك بالقلادة بين يديها تتفقدها
'' و الإبتسام يناسبك أيضََا، يجعلك جميلة '' تفاجأت بيل من ما قاله، بدا عليها الشرود ليصحح كلامه بسرعة و بنبرة يكسوها التوتر
''أعني أنتِ بالطبع جميلة بكل أحوالك لكن.. '' لاحظ أن ما قاله تسبب فى إحراجه أكثر ليرتبك قائلاََ ''أعنى أنكِ.. '' قاطعته بيل بسرعة و هى تضحك بصخب ''شكراََ لك أيزاك أنا أتفهمك، هل يمكننا الذهاب لأننى اتجمد هنا؟ ''
أومأ أيزاك بخجل قبل أن ينهض و يساعد بيل على النهوض ليعودا معََا من حيث جاءا.
.
.
.
جلستُ على الأريكة بعد أن وصلنا و أنا أشعر ببعض الإرهاق
''شكرََا لك، لقد استمتعت كثيرََا'' قلتها لأيزاك لكنه تجاهلني تمامََا كما لو أنه لا يرانى و ذهب لغرفته.
ما الذي دهاه؟ أنا لم أقل شيئا خاطئا... أليس كذلك؟
تنهدت بقلة حيلة ثم توجهت لملابسى كى أخرج منها نا يناسب النوم. قبل أن ألمس أي شيء وجدت أيزاك يخرج من غرفته و بيده مشغل موسيقى و قد أختار أغنية هادئة جدََا لكنها جميلة.
''آنا عزيزتى، أتسمحين لى أن آخذ شرف الرقص معك؟''
قالها بنبرة رسمية بينما يمد يده لي.. هناك شيء خاطئ به حتمََا
سرعان ما أمسكت يده حتى جعلنى ألتف حول نفسى بسرعة ثم أوقف حركتى و قربنى له بينما يد تلتف حولي و الأخرى تمسك بيدى، كلانا يتمايل بهدوء مع الأغنية.
''أعلم انكِ أستمتعتي اليوم لكنى لم أنتهى بعد'' قالها بهدوء بينما أنا مأخوذه بملامحه و هو يتحدث و هو يبتسم و هو يغني مع الأغنيه. من قال أنه لا وجود للمثالية لم يراك بعد.
''تمتلك صوتََا عذبََا''أطريت عليه بينما نحن نتمايل على ألحان الأغنية ليبتسم بتكلف قائلاََ
''ماذا عساى أن أقول و أنتِ كل شيء بكِ جميل''
لا أعلم هل أنا أبالغ أم هو فعلاََ يجيد إختيار الكلمات التى بإمكانها أن تجعلنى أتورد فى ثوانِِ، لا أعلم أيضاََ ما طبيعة مشاعره نحوي لكن لم يسبق أن أثنى على أحدهم بتلك الطريقة. لم أكن لأسمح أن يفعل أحدهم من الأصل كنت أشعر بالإشمئزاز عندما يخبرني فتى ما أنني جميلة أو ما شبة، لكن عندما يأتى الأمر إلى أيزاك فكلماته كالموسيقى في آذانى.
أرحت رأسي على كتفه أثناء تمايلنا معََا، أحب كوننا نرقص و نضحك كما لو أننا لم نحزن من قبل، أحب كونه يأخذ حزنى بعيدََا بكلمة واحدة أو حتى نظرة. قاطع أيزاك صمتنا قائلاََ
''هل أنتِ بخير آنا؟''
رفعت رأسى لأنظر له و أومئ بهدوء
''أنا بخير، حتى أني أكثر من كونى بخير. تلك هى المشكلة ''
نظر لى و علامات الحيرة إجتاحت وجهه، تركنى و قام بإيقاف الأغنية.
''ما المشكلة بذلك آنا؟ ما المشكلة بأن نعيش يومََا واحدََا بخير؟''
وضعت ذراعاى الأثنان على كتفيه و هززت رأسى نافية
''المشكلة فى أنك من تجعلنى بخير يا أيزاك، أنت تجعلنى أشعر بأنني سعيدة و ذلك ما يُخيفني''
كان يحدق في عيناي بنظره تائهة بعد ما قلته، لا ألومه على ذلك حتى أنا لم أنجح قط في فهم ما أريد.
''لمَ يُخيفك؟'' نظرته مركزه على عيناي كما لو أنه سيجد أجوبته فيهم.
''لأنني لم أشعر بالسعادة مُنذ مدة و أنا الآن أشعر بها معك، و كأنك تأخذنى و تحلق بى عاليََا. أخاف أن تفلتني يا أيزاك، أخاف أن تذهب و تتركنى أفتقد ذلك الشعور الذى لم أحظى به سوى على يدك''
لم يجيبني لكن بدلاََ من ذلك أخذنى في عناقه و أخذ يربت على شعرى بخفة.
'' آخر ما أريده هو إيذائك آنا'' قالها لأغمض عيناي وسط العناق.
بعد فترة ليست بقصيرة فصل العناق قائلاََ و هو يرتب خصلات شعري
''هيا يجب أن تنامي '' أومأت و أنا فعلاََ أشعر بالتعب
توجهت ناحية الأريكة لأتمدد عليها و أيزاك يرفع الغطاء على، ربت على شعري ثم تحدث
'' ليلة سعيدة ''
''ليلة سعيدة '' بعدما تفوهت بها لم أشعر بأي شيء سوى الظلام الذي حاوطني.
........
#أيزاك
قبل أن أذهب إلى غرفتى ألقيت نظرة أخيرة عليها لأجدها نائمة بهدوء كالأطفال تتنفس بإنتظام.
لم أستطع مُحاربة رغبتى في التمدد بجانبها فصعدت على الأريكة ثم تمددت بجانبها ليصبح ظهرها هو ما يقابلني. رفعت الغطاء على و لففت يداى حولها ثم أغمضت عيناي كي أنعم أنا الآخر بنوم هادئ. أعلم أننى سأندم على هذا في الصباح و لن أعلم بما أجيبها في حال سألتنى لكن لنؤجل التفكير فى ذلك الأمر للصباح.
#صباح اليوم التالي
كنت مُستغرقََا في نومي لكن ما أنتشلني منه هو شعوري بتحركات جانبى و بآنا و هى تدفع يداى عنها بسرعة لأفتح عيناي و أجد أنها تحوم فى أنحاء المنزل كما لو أنها تبحث عن شيء ما لكنها لا تفعل هى فقط مرتعشة و متعرقة
مهلاََ... ربما نوبة أخري؟
''آنا، هل أنتِ بخير؟ '' تساءلت بنبرة قلقة لكنها لم تجيبني و بدلاََ من ذلك توجهت ناحية الباب بخطى غير متزنة لتقع أرضََا و هى ترتعش و تبكي.
نهضت من فوق الأريكة بسرعة و توجهت ناحيتها. جلست أمامها و أمسكت بذراعيها ثم همست قائلاََ ''آنا عزيزتي ما بكِ؟ ''
بمجرد أن أنهيت جملتى أجهشت هي بالبكاء
''أنا... أن.. '' فشلا في تكوين جملتها لأعانقها و أربت على شعرها علها تهدأ ''شششش ،أهدأي ''
لازالت تبكي و ترتجف كمن يتجمد بينما أنا أحاول تهدئتها دون جدوى
''أنا آسفة'' همست بنبرة متشحرجة أثر البكاء
''كل شيء سيكون على ما يُرام آنا، كل شئ سيكون على ما يُرام''
______________________
رأيكم في الشابتر؟ 💕
Коментарі