39. Finding bell
يوم الأربعاء ، الساعة العاشرة صباحاََ
صوتُ رنين الهاتف صدح في غرفة المعيشة الفخمة حيثُ غفى كلاََ منهما في أحضان الآخر دون وعي. رمش أندرو عدة مرات قبل أن يلتقط هاتفه و يجيب بسرعة كي لا يوقظ إيما النائمة بسلام على قدميه.
"صباح الخير أيزاك" همس أندرو بخمول ليأتيه صراخ أيزاك من الجهة الأخرى
"أندرو ساعدني أنا فقدت أنابيل" أستفاق أندرو على جملته و صمت لبرهة قبل أن يقول
"أنتظر ثانية"
أزاح رأس إيما عن قدماه بخفة قبل أن يضع الوسادة أسفل رأسها ثم أتجه إلى غرفته. أغلق أندرو الباب قبل أن يدوى صوته في الغرفة قائلاََ
"ماذا تعني بفقدتها؟"
"أستيقظت و لم أجدها بجانبي، بحثت في كل مكان و هاتفتها أكثر من مرة لكن لا جدوى"
تنهد أندرو بحنق قبل أن يسأل "أين أنت؟"
"بجانب بحيرة صغيرة في منتصف الغابة"
"هل بحثت عنها في الغابة؟"
"في كل مكان قد تقصده قدماها لكن لا أثر لها"
"أستمع لي أيزاك، أبحث عنها مجدداََ أو عن أي دليل كآثار أقدام أو ما شبة، أنا سأتصل بديلان و سأبحث عنها في الأنحاء حسناََ؟"
"حسناََ" همس أيزاك
"و كف عن النحيب أيزاك، سنجدها أنا واثق من هذا"وبخه أندرو
"إن أصابها مكروه لن أسامح نفسي أبداََ، أندرو"
"لن يحدث، سنجدها"
يوم الأربعاء، الساعة الخامسة فجراََ
أستيقظت بهلع على دمدمة منخفضة لجرو صغير و يبدو أنه يتألم أشد الألم لذا بحثت عنه بعيناها، لكن الصوت يبدو بعيداََ جداََ.
نَظرت إلى أيزاك النائم بسلام كالملائكة لترتسم إبتسامة لطيفة علي شفتيها و تقبل وجنته قبل أن تنهض لتتبع صوت الجرو، فربما هو بحاجة للمساعدة.
في ظل إنشغالها تناست أنها أبتعدت عن البحيرة بمسافة كبيرة لكنها لم تحفل كثيراََ فكل ما يهم للآن هو العثور على الجرو الصغير و مساعدته.
أثناء سيرها لاحظت بقع دماء على العشب لم تجف بعد فتوترت بعض الشيء و كانت ستعود أدراجها لكنها أستمعت إلى تلك الدمدمة مرة أخرى، كان الصوت قريباََ جداََ خلاف المرة الأولى لذا حثها على التقدم أكثر فأكثر لتجد جرواََ صغير لطخت دمائه فروته ناصعة البياض.
"يا إلهي" همست أنابيل بصدمة أثر جرح قدمه العميق.
كانت على وشك الإقتراب أكثر لكنها شعرت بشيء صلب يضرب رأسها بقوة لينتشر الظلام في الأرجاء و يهوى جسدها الهزيل أرضاََ.
ظهر من خلفها رجل ثلاثيني ذو بنية قوية، سترة جلدية سوداء، و سلاح يبدو أنه أستخدمه في ضربها.
ألتقط اللاسلكي من جيبه الخلفي قبل أن يقربه إلى فمه و يردف قائلاََ
"هي معي الآن، و أنا في طريقي إليكِ"
منزل السيد آرثر، الساعة الحادية عشر صباحاََ
"أنا أبحث منذ ساعتين ديلان، كدت أمشط الغابة بأكملها لكن لا أثر لعين لها" ربت ديلان على ذراعه بخفة
"أهدأ أيزاك سنجدها بالتأكيد، أنت بتلك الطريقة ستُتلف أعصابك و لن تستطيع التفكير بطريقة صحيحة لذا فلتهدأ"
"أنا سأفقد أعصابي و اللعنة" قالها قبل أن يتناول مزهرية صغيرة بين يده و يقذفها بإتجاه الحائط، لكن تحطمها لم ينفس عن غضبه و لو قليلاََ.
جاء أندرو على صوت تحطم المزهرية ليتنهد بخفة قبل أن يتجه له، وضع كلتا يداه على كتفي أيزاك قبل أن يهمس مهوناََ
"أهدأ يا رفيقي، فقط فكر"
"لا أستطيع أندرو، لا أستطيع خسارتها" أشتدت قبضة أندرو علي كتفيه
"لن تفقدها، سنجدها أيزاك فقط القليل من الصبر و الكثير من التفكير"
قاطع حديثهم صوت رنين هاتف المنزل الخاص بالسيد آرثر
"سأجيب" قال أيزاك ثم هرول بسرعة بإتجاه الهاتف.
رفع السماعة لأذنه و كان على وشك الحديث لكن ذلك الصوت الأنثوي البغيض بادر بقول
"منزل عائلة جونسون اللعينة؟"
"لورين؟!" همس أيزاك بإستنكار
"أوه، لا بد أنني أكثر شهرة مما توقعت" قالت بإبتسامة خبيثة.
"أيزاك ،أليس كذلك؟" تجاهل سؤالها
"أين هي بيل؟"
"هذا بالضبط سبب إتصالي، بعدما أستمعت إلى قصة حبكم الملحمية لم أستطع تمالك نفسي، أنتم لطفاء حقاََ، لذا ليس من الأدب أن لا أسمح لك بتوديعها"
"أتركيها وشأنها"صرخ أيزاك بغل حتي كادت أحباله الصوتية تتمزق من شدة صراخه.
"أتريد معرفة مكانها أم لا؟، الوقت ينفذ و بالمناسبة هذا ليس فخاََ، كلتا الحالتين لن تستطيع إنقاذها و لن تنجو." صمت أيزاك لبرهة قبل أن يجيب بإنصياع
"بلى أريد"
"أتحب الألغاز أيزاك؟" أغمض عيناه محاولا تمالك أعصابه قبل أن يتساءل
"ماذا؟!"
"سأخبرك بلغز إن تمكنت من حله ستجدها و تودعها، و إن لم تفعل ستنتهي قصة حبكما دون وداع حتى "
" لمَ لا تخبريني بمكانها فحسب؟ "
"هذه لعبتي أنا أيزاك، و ستسير على قوانيني أنا"
"قولي ما في جعبتك لورين"
" ستجدها في جحيم يبدو كالنعيم، يبعث الطمأنينة إلى روحك بمجرد رؤيته، لكن لا أحد يجد طريقاََ خارجه، حيثُ تجردت من مشاعرك لتُصبح أيزاك الفاسد، و حيثُ راودتك أجمل الأحلام التي رغبت في تحقيقها بشدة لكنك ببساطة خاسر."
عقل أيزاك يحاول جاهداََ بأقصى ما لديه تفسير ما تقوله، فكيف تُشير بإصبعك إلى مكان مُحدد عندما يكون جميهم متشابهون في تلك الصفات
" تيك توك الساعة تدق أيزاك ،ستجدها أينما يتم التخلص من الخطر"
أنهى أيزاك المكالمة بوجه يكاد ينصهر أثر نار الغيظ المشتعلة بداخله.
.........
تجمع أيزاك و ديلان في غرفة المعيشة بغرض تفسير لغز لورين و الحيرة تكاد تفقدهما صوابهما.
حاول ديلان مساعدة أيزاك في العثور على المكان المقصود عن طريق طرح بعص الأسئلة عن حياته، فربما تقودهم إحدى الإجابات إلى مكانها، لكنه مُرتبك كما لو أن ديلان يُحقق معه في جريمة قتل
"أهدأ قليلاََ أيزاك و أجبني ، ألا تُذَكِرك جملة واحدة فقط بمكان مُميز؟"
هز أيزاك رأسه نافياََ قبل أن يمسح الدماء المُنبعثة من فمه
"لا يا ديلان، حميع الأماكن التي قصدتها تتشابه كثيراََ بتلك الصفات، ثم كيف لها أن تعرف أي شيء عني؟!"
"لا أعلم لكن هذا لا يُهم الآن، فقط حاول، مكان راودتك فيه أجمل الأحلام، جحيم يبدو كالنعيم فقط فكر يا أيزاك فكر"
تنهد أيزاك بقلة حيرة قبل أن يتساءل "أين ذهب أندرو؟"
"ذهب لإحضار إيما إلى هنا فخشى أن تستيقظ و تهلع كونها بمفردها فى المنزل" أومأ أيزاك مُتفهماََ و حاول التركيز أكثر في كلماتها و تاريخ حياته الطويل لكن قاطع تفكيره مجيء إيما و أندرو.
"أندرو" هرول أيزاك إلى أندرو سريعاََ ليتساءل
"ماذا هناك هل وجدتها؟"
"لا لكني حدثت لورين "
"أنت ماذا؟!" سألت إيما بصرامة ليُشير لها أندرو كي لا تقاطعه فأكمل أيزاك
"أنابيل بحوزتها ، يمكنني العثور عليها لكن فقط إذا حللت اللغز" عقد أندرو حاجباه بعدم فهم ليستكمل أيزاك
"ستجدها في جحيم يبدو كالنعيم، يبعث الطمأنينة في قلبك بمجرد رؤيته، لكن لا أحد يجد طريقاََ خارجه، حيثُ تجردت من مشاعرك لتُصبح أيزاك الفاسد، و حيثُ راودتك أجمل الأحلام التي رغبت في تحقيقها بشدة لكنك ببساطة خاسر. هذا هو اللغز، و إجابته ستكون مكان تواجد أنابيل"
"إذاََ ما هي إجابته؟" سأل أندرو بحيرة
"هذا ما لم أتبينه بعد أندرو، جميع الأماكن التي تأتي بعقلي تُطابق الكلمات"
أتخذ أندرو مقعداََ بجانبه و بدأ يفكر جيداََ فربما يجد شيئاََ لكن دون جدوى فصرخ بنفاذ صبر قائلاََ
"أيزاك هي تخاطبك أنت و هذا واضح، لذا بحثنا نحن لن يجدي نفعاََ لذا يجب أن تجد الإجابة بنفسك"
"كما لو أنني أعرفها أندرو" تنهد أندرو بضيق قبل أن يسأل
"ألم تقل شيئاََ آخر؟"
"الساعة تدق ،ستجدها أينما يتم التخلص من الخطر و ما إلى ذلك من الهراء"
تصنم أندرو في مكانه كما لو أن صاعقة أصابته
"ماذا؟!" سأل متعجباََ و عيناه فُتحت على مصراعيها
"ماذا هل تبينت شيئاََ؟" وضع أندرو رأسه بين يداه أثر الكارثة التي حلت عليهم لكنه سرعان ما أعاد نظره إلى أيزاك و قال
"حيثُ تجردت من مشاعرك لتُصبح أيزاك الفاسد ، هي تتحدث عن يوم وفاة ميرديث أيزاك فصداقتنا هي ما أبقتك إنساناََ، و حيثُ راودتك أجمل الأحلام التي رغبت في تحقيقها بشدة هنا هي تتحدث عن الهلوسات، أما عن التخلص من الخطر..." صمت أندرو لوهلة قبل أن يرمق أيزاك نظرة آسفة و يستكمل
"فهي بالتأكيد تعني المصحة"
في مكان آخر
فتحت عيناها بوهن بعد ساعات من إغمائها لتجد أنها في غرفة غير مألوفة. كم أن الزمن يُكرر نفسه.
أغمضت عيناها مجدداََ أثر الشعور القارس بالألم في رأسها، وضعت يدها علي رأسها تماما كذلك اليوم في الغرفة المظلمة لكن لحسن حظها لم تكن تنزف.
نظرت حولها لتجد أنها لا تزال بثياب ليلة أمس، و شعر مبعثر مُلتصق به أوراق شجر صغيرة أثر إصطدام رأسها بالعشب.
رتبت شعرها بدون إكتراث ثم نظرت حولها لتجد أنها في غرفة بسيطة بها فراش و مقعد فحسب و أيضاََ زجاج قوي يُمَكنها من رؤية الغرف المُقابلة و الرواق.
توسعت عنياها بدهشة فهي تعرف هذا المكان جيداََ، إقتربت من الزجاج زحفاََ فهي لا تقوى على حمل نفسها حتى.
لمست الزجاج بكف يدها و طالعت الغرف المُقابلة لها لتجد غرف لنساء كثيرات و من المُتضح أنهم مرضى، يرمقونها نظرة مُخيفة، وجوهن و أياديهن مُلتصقة بالزجاج تراقبها مما زاد مظهرهن رعباََ.
و دون سابق إنذار كانت أيديهم تطرق بقوة على الزجاج، يرددن جملة واحدة فقط لا غيرها
"الموت لعائلة جونسون"
.
.
.
ركض أيزاك بكل ما أوتي من قوة، غير عابئ بأي شيء سواها ، سوى حياتها التي على المحك لسبب نجهله جميعاََ.
لم ينصاع لصراخ أندرو بإسمه، و لم يهتم بمن يرمقونه نظرات غاضبة أثر إصطدامه بهم، فقط يركض كما لو أنه يركض لحياته هو، لكن لا فرق فبدونها لا معنى لحياته.
أسرع حركته أكثر، يتمني بداخله لو تنمو له أجنحة كي يُحلق بها عالياََ و يذهب لنجدتها. قلبه يخبره بأنه تأخر كثيراََ، و بأنه سيذهب ليجدها جسد بلا روح، لكن هو مؤمن بداخله أنها على قيد الحياة لأنها إن لم تكن كذلك كان سيشعر بها، لا يعرف كيف لكنه سيشعر.
عقله يُعيد تكرار كلمات أندرو في عقله
"بالتأكيد ستكون مُعتقلة في مبنى النساء، فهو الوحيد الذي لم يتأثر من الإنفجار."
همسه بأذنها و كلماته بأنه لن يسمح لأحد بالإقتراب منها تتردد في أذناه مُسببة إحتراق قلبه بكل ما تعنيه الكلمة.
ربما دانيل كان على حق بعد كل شيء، لا تقطع وعوداََ لا يمكنك الوفاء بها.
ترقرقت عيناه بالدموع لكنه تنفس بعمق كي لا يسمح لها بالتسلل، فلا وقت للنحيب، نحن نحزن على ضحايا المعركة بعدما تنتهي، أليس هذا كلامه؟
"اللعنة علي" همس بداخله حينما مرت ذكرياتهم معاََ كشريط بعقله، هو عَلِمَ مُنذ البداية أنها لن تكون بأمان في وجوده لكن مع ذلك تجاهل الحقيقة لأجل البقاء معها، أصبح ما كان يخشاه، أصبح أنانياََ.
الهواء البارد يضرب وجهه بينما خصلاته تتطاير بعنف لكنه توقف و أستند علي سيارة ساكنة.
سعل بقوة شديدة و هو يعلم جيداََ أنه يسعل دماء لكنه لم يكترث و أكمل الركض و الدماء تأبى التوقف.
و بعد عناء وصل للمبني المقصود، مبني المصحة. دون إهدار لحظة أخرى ركض داخل المبني و أخذ يصعد الدرجات ليصل لها.
بحث عنها بكل إنش في المبنى لكنه لم يجدها، لم يتبقي سوى طابق واحد فقط لكن الطابق مُحكم الغلق، كما أن الباب يحتاج إلى كلمة مرور لينفتح.
"كيف لها أن تعرف الكملة السرية من الأساس؟" سأل أيزاك نفسه لكنه سرعان ما أستنتج أنه هناك من سرب لها معلومات مُقابل الأموال بالتأكيد، فهذا هو أسلوبها.
ألتقط هاتفه و أتصل بأندرو، لحسن الحظ أجاب أندرو سريعاََ
"هل وجدتها؟"
"ليس بعد ، هناك طابق يحتاج لكلمة مرور لذا أخبرني ما هي بسرعة" صمت أندرو لوهلات دون أن يجيبه.
"ما بك أندرو؟ أخبرني ما هي رجاءََ الوقت ينفذ" تنهد أندرو قبل أن يهمس بحزن "١،٤،١٩٣٨"
صمت أيزاك لمدة قبل أن يتساءل "عيد مولدها؟" ليأتيه همس أندرو من الجانب الآخر
"أجل"
ربما قصة حبهما لم تكن الأفضل، لكن لا عشق في هذا العالم يُضاهي عشق أندرو لميرديث، حتى بعد كل تلك السنوات ستظل بداخله.
"كانت لتفخر بك كثيراََ أندرو" أنهى الإتصال سريعاََ ثم دَونَ كلمة المرور على اللوح لينفتح الباب الحديدي.
دخل أيزاك الطابق مهرولاََ، يبحث بعيناه عنها في الغرف حتى قابلت عيناه خاصتها أخيراََ.
"أيزاك" قالت بيل بسعادة بالغة بينما يداها الإثنتان مُثبتتان على الزجاج.
ركض نحوها بسرعة و جثى علي ركبيته كي يكون في مستواها، قرب وجهه من الزجاج قبل أن يقول
"لا تخافي حبيبتي أنا هنا حسناََ؟ سأخرجك من هنا" أومأت أنابيل بإنصياع ليريح أيزاك جبينه على الزجاج، أقتربت هي بدورها و أراحت جبينها علي الزجاج مثله و كم يتمني كلاهما أن ينهار ذلك الزجاج كي لا يفصل بينهما شيء مجدداََ.
أغلق أيزاك عيناه و تنفس بإرتياح قبل أن يهمس ب
"أحبك"
تبدلت الأدوار فأصبح أيزاك هو من يواسيها من خلف زجاج المصحة تلك المرة.
نهض و أخذ يبحث في الأرجاء عن أي شيء يمكنه كسر الزجاج أو الباب حتى، وجد بعض الأشياء الصلبة لكن محاولته بائت بالفشل الذريع فالباب و الزجاج لم يُصيبهما خدش حتى.
"سأحاول كسر الباب أنابيل حسناََ" كان سيتوجه نحو الباب لكنه لاحظ أن أنابيل لم تجبه، بل ظلت ساكنة في مكانها تحدق باللاشيء
"أنابيل؟"
شعرت أنابيل بالأشياء تهتز من حولها، أمسكت رأسها بيداها أثر شدة الألم و جسدها يتحرك بعشوائية في المكان
"أنابيل هل أنتِ بخير؟"
الألم يكاد يكسر ضلوعها و لاشيء ثابت من حولها، هوى جسدها أرضاََ لتكون تلك إشارة لبدأ الألم الحقيقي.
ألم لا يُحتمل في كل إنش بجسمها، تشعر بصداع أشد من الذي شعرت به حينما أستيقظت، كأن أحدهم يُمسك برأسها و يصدمها بالحائط مراراََ و تكراراََ.
صرخات مدوية هربت من شفتاها، صرخات متألمة تأبى التوقف و دون أن تشعر حتى تسللت دموعها إلى وجنتيها.
تصرخ دون توقف و تلتوي أثر الألم بينما أيزاك يراقب تحركاتها بعدم فهم، ماذا يحدث لها و اللعنة؟!
"أيزاك" صرخت أنابيل حتى برزت عروق عنقها ليستفيق أيزاك من شروده و يحاول كسر الباب
تحرك لآخر الرواق ثم ركض نحو الباب و أصطدم به على أمل أن ينفتح، لكن الباب الحديدي ظل ثابتاََ كالجبل.
شعر أيزاك بألم في ذراعه لكن ذلك لم يمنعه من المحاولة مجدداََ.
عشر محاولات بائت بالفشل بينما أنابيل لازالت تصرخ و تلتوي و كأنها تحتضر، عيناها عاجزة عن رؤية أي شيء أثر بكائها أو كي أكون أكثر دقة إنهيارها.
عندما بَصر حالتها التي تزداد سوءََ على سوء قرر اللجوء إلى الحل الوحيد المُتبقي.
ألا و هو تعويذة لفتح الباب..
تنفس أيزاك بعمق قبل أن يُمسك بمقبض الباب و يتمتم بكلمات التعويذة
ما إن تمتم بنصفها حتى شعر بضيق كبير في صدره، و مع الوقت تحول هذا الضيق إلى ألم لا يُحتمل، كما لو أنه هناك من أدخل يداه بصدره و قبص على قلبه حتى أعجزه عن التنفس أو الكلام حتى.
كان سيواصل لكنه تذكر أنه ليس بمفرده في هذا، أندرو سيصيبه ضرر كذلك.
ركل الباب بقدمه و كم كره شعور قلة الحيلة الذي لا ينفك عن مُلاحقته في كل مرة.
"أيزاك، أجعله يتوقف رجاءََ" صرخت راجية عله يُسرع و ينجدها لكن كيف يخبرها أنه ببساطة 'خاسر'.
"أيزاك أنا لا أستطيع التنفس" صرخت أنابيل بصوت باكٍ مُرتعب بينما يدها علي قلبها، لتدب القشعريرة في بدن أيزاك.
وقف أمام زجاج الغرفة يُطالع جسدها المُنهك الذي سُلبت منه الحياة، فقط جثة تصرخ بوجع.
راقب الغرفة بعيناه لكنه لم يجد شيئاََ غير مُعتاد.
لاحظ وجود فتحات تهوية في الغرفة لذا شك بأنه ربما يكون غاز سام و إستنشاقه هو ما يفعل بها هذا.
"غاز سام "
"غاز سام "
أخذ أيزاك يُردد تلك الكلمة مراراََ و تكراراََ قبل أن يصمت لبرهة دون فعل أو قول شيء، فقط يُحدق بأنابيل الباكية.
"أيزاك رجاءََ ، أنا أتألم فقط أجعله يتوقف"
ترقرقت الدموع في عيناه مجدداََ و تلك المرة سمح لها بالخروج، لكنه لم يستسلم بل حاول كسر الزجاج مجدداََ، بكل ذرة قوة يملكها، و بكل ذرة حقد إستطاع إستجماعها.
يلكم و يلكم و يلكم و من الغريب أن عظامه لم تتهشم بعد كل تلك اللكمات.
صرخ أيزاك بحقد حينما رأى أن الزجاج لا يتأثر بأي شيء يفعله، أيعقل أن تكون تلك النهاية؟
"لا" صوت صياح كلاهما تخلل المكان، ليس صياح فحسب بل عويل.
هي تصيح أثر الألم الذي فتك بها، و هو غاضب أشد الغضب، كيف تكون هي بتلك الحالة بينما هو لا يستطيع حتى فتح باب لعين؟! كيف لا يستطيع مساعدتها؟ أيعقل أن يكون هذا الوداع الأخير كما قالت لورين؟!
العبرات تتدفق من عينيه لا يستطيع التحمل أكثر من ذلك، أنزلق جسده ببطء ليجثو علي ركبيته أمامها و يداه تستند على الزجاج
"آنا" همس مُتشحرجاََ، قلبه يخبره بأنها ليست النهاية، فليحارب أكثر ، بينما عقله يخبره بأنه خالي الوفاض.
رمقته آنا نظرة متألمة أخيرة قبل أن تهمس ب
"أنا أتفهم" كل إنش و كل حركة تقتلها لكنه لا مانع بأن تبتسم له في لحظتهما الأخيرة على الأقل، فبالتأكيد ألم جسدها لا يُضاهي قلبها المُحترق كونه لن يرى من وهبه الحياة مجدداََ.
"لا لا لا" نحبَ
"هذه ليست النهاية حسناََ، أنتظري هنا سأهاتف أندرو و آتي" قالها بأمر
"أبقى رجاءََ" همست بوهن
لم يجيبها و بدلاََ من ذلك هاتف أندرو
"أندرو، أنابيل في الطابق عينه الذي أخبرتك عنه، هَلُم إلينا سريعاََ أتوسل إليك هي تحتضر"
"أخبرني ماذا يحدث لها"
"هي تتألم بشدة و تتنفس بصعوبة، لا أفهم ما يحدث معها، غثيان و.... "
قبل أن يُكمل جملته كانت أنابيل قد أخرجت ما بمعدتها علي أرضية الغرفة.
"و ها هي الآن تتقيأ، أندرو أظن أنها مُسممة، ربما بغاز سام فهي الغرفة الوحيدة التي تحتوي علي فتحات تهوية، ربما الغاز السام ينبعث من تلك الفتحات"
"أنا في طريقي" قالها أندرو
"فلتُسرع رجاءََ" كانت تلك الجملة الأخيرة قبل أن يُنهي أيزاك الإتصال
"أندرو في طريقة إلينا عزيزتي حسناََ؟ كل شيء سيكون على ما يرام" أغرورقت عيناه بالدموع كما لو أن عيناه تُكَذِب كلماته لكنه حاول الإبتسام لتتطمأن.
لم تعد تقوى على الصراخ لكنها تتألم بشدة و لا أحد يشعر بها، هي حتى غير واثقة ما إن كانت ستتحمل حتى مجيء أندرو.
"كوني قوية لأجلي آنا رجاءََ" توسل أيزاك
أهتز هاتف أيزاك مُعلناََ وصول رسالة، جذب الهاتف له ثم قرأ رسالة من مجهول كان محتواها كالآتي
"خمس دقائق مُتبقية، فليبدأ العد التنازلي"
رمق أنابيل نظرة قلقة ليجد أن عضلاتها بدأت تتشنج، في تلك اللحظة كانت قد فقدت قوة تحملها تماماََ و صدح صوت عويلها بالطابق بأكمله.
.
.
.
جاء أندرو و أخيراََ بعد إنتظار قاتل مرت فيه الثواني كالساعات. المفاتيح في جيبه الخلفي، يحمل أسطوانة الأكسجين بين يداه، مُرتدياََ بدلة واقية و قناع للوجه كي لا يتسمم هو الآخر.
"حمداََلله أندرو تبقت دقيقتان" قالها أيزاك بلهفة واضحة
أمره أندرو بالإبتعاد قبل أن يفتح الباب لتظهر له أنابيل المُمددة أرضاََ
هرول إليها سريعاََ و حملها بين ذراعيه خارج الغرفة بينما هي فقط أراحت رأسها على كتفه و دموعها أنسابت على وجنتيها.
أغلق أندرو الباب خلفه بعدما وضعها أرضاََ. كان أيزاك على وشك الإقتراب منها ليُعانقها لكن أندرو حذره قائلاََ
"إياك و الإقتراب أيزاك، السم على ملابسها"
"نحن لسنا واثقين بعد من أنه تسمم"
"بلى، أنا واثق" أجاب قبل أن يجلب خرطوم المياه و يرش الماء على ملابسها كي يُطهرها.
بعدما أنهى تطهير ملابسها غسل شعرها جيداََ بالماء و لحسن حظه أنه يرتدي بدلة واقية.
"لتعلم أن هذا الإجراء ليس كافٍ، يجب تجريدها من ملابسها ثم إحرقها لذا علينا العودة إلى المنزل في أقرب وقت."
"هل ستكون بخير؟" سأل أيزاك
"لا أعلم، أظن أنه تسمم بغاز السيانيد فكل تلك الأعراض تُطابق ما يحدث لمن يتسمم به، أنا أملك ترياقاََ له لكن يجب إعطائها الأكسجين أولا، لذا حاوط جسدها بتلك المنشفة حتى آتي به و أنت تعلم ما ستفعلة بتلك الإسطوانة."
أخذ أيزاك المنشفة منه و حاوط أنابيل بها ثم ضمها لصدره.
ثَبَت قناع الأنف المتصل بخرطوم ينقل الأكسجين من الإسطوانة إلى المريض على أنفها لتلتقط أنفاسها التي سُلبت منها بداخل تلك الغرفة المشؤومة.
خائرة القوى بين ذراعيه تلتقط أنفاسها بصعوبة و أطرافها ترتعش لكن على الأقل هي حية
"أنتِ بخير آنا، كل شيء سيكون على ما يرام" همس بأذنها قبل أن يطبع قبلة حنونة على جبينها.
يداه تُداعب خصلاتها المُبللة و ذراعاه يُحيطان بها كما لو أنه بتلك الطريقة يخبرها بأنها آمنة.
أزالت القناع عن وجهها ليعقد أيزاك حاجباه و يطلب منها بهدوء أن تعيده لكنها تجاهلته و همست بوهن و نبرة راجية
"لنعود سوياََ إلى المنزل، أرجوك"
"أنتِ منزلي"
"أنا مُحطمة أيزاك ، أنا لستُ مأوى لأحد" أغرورقت عيناها بالدموع ليتلمس أيزاك وجنتها بأنامله بطريقة حنونة.
"أنتِ المأوى و الملاذ بالنسبة لي"
أبتسم بحزن قبل أن يستكمل بنبرة مرتجفة أثر شعوره بغصة في حلقه "كل هذا محض حلم سيء و سينتهي آنا، سينتهي"
"أتؤمن بهذا؟"
"دائماََ"
أرتسمت إبتسامة مُرهقة على شفتيها و كادت تجيبه لكن صوت إصطدام مُفاجيء تخلل مسامعهم.
ألتفت كلاهما إلى مصدر الصوت ليجدا أن مريضة من المرضى تضرب رأسها بقوة في الزجاج كأنها تتعمد كسرها. عقد أيزاك حاجباه و قبل أن ينبس بكلمة كان جميع المرضى بالطابق يفعلون الأمر عينه.
"ماذا يحدث لهم؟!" سألت أنابيل بهلع.
أصوات إرتطام رؤوسهن بالزجاج مدوية، يضربن رؤوسهن بغل شديد كمن يريد الإنتحار، حتى أن زجاج بعض الغرف تلطخ بدمائهن.
أهتز هاتف أيزاك مُعلناََ وصول رسالة أخرى من رقم مجهول مختلف عن ذي قبل.
"للأسف الشديد لا أستطيع التضحية برجالي أكثر من ذلك، لكن هذا لا يعنى أن يداها لن تتلطخ بدمائهن البريئة، إن كنت ستنقذ الفرد و تضحي بالجميع لا مشكلة، لكن لتعلم أنني لن يغفو لي جفن و أنا على علم بأنها حية تُرزق. "
بمجرد إنتهاءه من القراءة هَوت أجسادهن أرضاََ، واحدة تلو الأخرى لتُعلن مفارقة الروح و تركها لجسد لصاحبها، أي بمعنى أدق
الموت.
________________
صوتُ رنين الهاتف صدح في غرفة المعيشة الفخمة حيثُ غفى كلاََ منهما في أحضان الآخر دون وعي. رمش أندرو عدة مرات قبل أن يلتقط هاتفه و يجيب بسرعة كي لا يوقظ إيما النائمة بسلام على قدميه.
"صباح الخير أيزاك" همس أندرو بخمول ليأتيه صراخ أيزاك من الجهة الأخرى
"أندرو ساعدني أنا فقدت أنابيل" أستفاق أندرو على جملته و صمت لبرهة قبل أن يقول
"أنتظر ثانية"
أزاح رأس إيما عن قدماه بخفة قبل أن يضع الوسادة أسفل رأسها ثم أتجه إلى غرفته. أغلق أندرو الباب قبل أن يدوى صوته في الغرفة قائلاََ
"ماذا تعني بفقدتها؟"
"أستيقظت و لم أجدها بجانبي، بحثت في كل مكان و هاتفتها أكثر من مرة لكن لا جدوى"
تنهد أندرو بحنق قبل أن يسأل "أين أنت؟"
"بجانب بحيرة صغيرة في منتصف الغابة"
"هل بحثت عنها في الغابة؟"
"في كل مكان قد تقصده قدماها لكن لا أثر لها"
"أستمع لي أيزاك، أبحث عنها مجدداََ أو عن أي دليل كآثار أقدام أو ما شبة، أنا سأتصل بديلان و سأبحث عنها في الأنحاء حسناََ؟"
"حسناََ" همس أيزاك
"و كف عن النحيب أيزاك، سنجدها أنا واثق من هذا"وبخه أندرو
"إن أصابها مكروه لن أسامح نفسي أبداََ، أندرو"
"لن يحدث، سنجدها"
يوم الأربعاء، الساعة الخامسة فجراََ
أستيقظت بهلع على دمدمة منخفضة لجرو صغير و يبدو أنه يتألم أشد الألم لذا بحثت عنه بعيناها، لكن الصوت يبدو بعيداََ جداََ.
نَظرت إلى أيزاك النائم بسلام كالملائكة لترتسم إبتسامة لطيفة علي شفتيها و تقبل وجنته قبل أن تنهض لتتبع صوت الجرو، فربما هو بحاجة للمساعدة.
في ظل إنشغالها تناست أنها أبتعدت عن البحيرة بمسافة كبيرة لكنها لم تحفل كثيراََ فكل ما يهم للآن هو العثور على الجرو الصغير و مساعدته.
أثناء سيرها لاحظت بقع دماء على العشب لم تجف بعد فتوترت بعض الشيء و كانت ستعود أدراجها لكنها أستمعت إلى تلك الدمدمة مرة أخرى، كان الصوت قريباََ جداََ خلاف المرة الأولى لذا حثها على التقدم أكثر فأكثر لتجد جرواََ صغير لطخت دمائه فروته ناصعة البياض.
"يا إلهي" همست أنابيل بصدمة أثر جرح قدمه العميق.
كانت على وشك الإقتراب أكثر لكنها شعرت بشيء صلب يضرب رأسها بقوة لينتشر الظلام في الأرجاء و يهوى جسدها الهزيل أرضاََ.
ظهر من خلفها رجل ثلاثيني ذو بنية قوية، سترة جلدية سوداء، و سلاح يبدو أنه أستخدمه في ضربها.
ألتقط اللاسلكي من جيبه الخلفي قبل أن يقربه إلى فمه و يردف قائلاََ
"هي معي الآن، و أنا في طريقي إليكِ"
منزل السيد آرثر، الساعة الحادية عشر صباحاََ
"أنا أبحث منذ ساعتين ديلان، كدت أمشط الغابة بأكملها لكن لا أثر لعين لها" ربت ديلان على ذراعه بخفة
"أهدأ أيزاك سنجدها بالتأكيد، أنت بتلك الطريقة ستُتلف أعصابك و لن تستطيع التفكير بطريقة صحيحة لذا فلتهدأ"
"أنا سأفقد أعصابي و اللعنة" قالها قبل أن يتناول مزهرية صغيرة بين يده و يقذفها بإتجاه الحائط، لكن تحطمها لم ينفس عن غضبه و لو قليلاََ.
جاء أندرو على صوت تحطم المزهرية ليتنهد بخفة قبل أن يتجه له، وضع كلتا يداه على كتفي أيزاك قبل أن يهمس مهوناََ
"أهدأ يا رفيقي، فقط فكر"
"لا أستطيع أندرو، لا أستطيع خسارتها" أشتدت قبضة أندرو علي كتفيه
"لن تفقدها، سنجدها أيزاك فقط القليل من الصبر و الكثير من التفكير"
قاطع حديثهم صوت رنين هاتف المنزل الخاص بالسيد آرثر
"سأجيب" قال أيزاك ثم هرول بسرعة بإتجاه الهاتف.
رفع السماعة لأذنه و كان على وشك الحديث لكن ذلك الصوت الأنثوي البغيض بادر بقول
"منزل عائلة جونسون اللعينة؟"
"لورين؟!" همس أيزاك بإستنكار
"أوه، لا بد أنني أكثر شهرة مما توقعت" قالت بإبتسامة خبيثة.
"أيزاك ،أليس كذلك؟" تجاهل سؤالها
"أين هي بيل؟"
"هذا بالضبط سبب إتصالي، بعدما أستمعت إلى قصة حبكم الملحمية لم أستطع تمالك نفسي، أنتم لطفاء حقاََ، لذا ليس من الأدب أن لا أسمح لك بتوديعها"
"أتركيها وشأنها"صرخ أيزاك بغل حتي كادت أحباله الصوتية تتمزق من شدة صراخه.
"أتريد معرفة مكانها أم لا؟، الوقت ينفذ و بالمناسبة هذا ليس فخاََ، كلتا الحالتين لن تستطيع إنقاذها و لن تنجو." صمت أيزاك لبرهة قبل أن يجيب بإنصياع
"بلى أريد"
"أتحب الألغاز أيزاك؟" أغمض عيناه محاولا تمالك أعصابه قبل أن يتساءل
"ماذا؟!"
"سأخبرك بلغز إن تمكنت من حله ستجدها و تودعها، و إن لم تفعل ستنتهي قصة حبكما دون وداع حتى "
" لمَ لا تخبريني بمكانها فحسب؟ "
"هذه لعبتي أنا أيزاك، و ستسير على قوانيني أنا"
"قولي ما في جعبتك لورين"
" ستجدها في جحيم يبدو كالنعيم، يبعث الطمأنينة إلى روحك بمجرد رؤيته، لكن لا أحد يجد طريقاََ خارجه، حيثُ تجردت من مشاعرك لتُصبح أيزاك الفاسد، و حيثُ راودتك أجمل الأحلام التي رغبت في تحقيقها بشدة لكنك ببساطة خاسر."
عقل أيزاك يحاول جاهداََ بأقصى ما لديه تفسير ما تقوله، فكيف تُشير بإصبعك إلى مكان مُحدد عندما يكون جميهم متشابهون في تلك الصفات
" تيك توك الساعة تدق أيزاك ،ستجدها أينما يتم التخلص من الخطر"
أنهى أيزاك المكالمة بوجه يكاد ينصهر أثر نار الغيظ المشتعلة بداخله.
.........
تجمع أيزاك و ديلان في غرفة المعيشة بغرض تفسير لغز لورين و الحيرة تكاد تفقدهما صوابهما.
حاول ديلان مساعدة أيزاك في العثور على المكان المقصود عن طريق طرح بعص الأسئلة عن حياته، فربما تقودهم إحدى الإجابات إلى مكانها، لكنه مُرتبك كما لو أن ديلان يُحقق معه في جريمة قتل
"أهدأ قليلاََ أيزاك و أجبني ، ألا تُذَكِرك جملة واحدة فقط بمكان مُميز؟"
هز أيزاك رأسه نافياََ قبل أن يمسح الدماء المُنبعثة من فمه
"لا يا ديلان، حميع الأماكن التي قصدتها تتشابه كثيراََ بتلك الصفات، ثم كيف لها أن تعرف أي شيء عني؟!"
"لا أعلم لكن هذا لا يُهم الآن، فقط حاول، مكان راودتك فيه أجمل الأحلام، جحيم يبدو كالنعيم فقط فكر يا أيزاك فكر"
تنهد أيزاك بقلة حيرة قبل أن يتساءل "أين ذهب أندرو؟"
"ذهب لإحضار إيما إلى هنا فخشى أن تستيقظ و تهلع كونها بمفردها فى المنزل" أومأ أيزاك مُتفهماََ و حاول التركيز أكثر في كلماتها و تاريخ حياته الطويل لكن قاطع تفكيره مجيء إيما و أندرو.
"أندرو" هرول أيزاك إلى أندرو سريعاََ ليتساءل
"ماذا هناك هل وجدتها؟"
"لا لكني حدثت لورين "
"أنت ماذا؟!" سألت إيما بصرامة ليُشير لها أندرو كي لا تقاطعه فأكمل أيزاك
"أنابيل بحوزتها ، يمكنني العثور عليها لكن فقط إذا حللت اللغز" عقد أندرو حاجباه بعدم فهم ليستكمل أيزاك
"ستجدها في جحيم يبدو كالنعيم، يبعث الطمأنينة في قلبك بمجرد رؤيته، لكن لا أحد يجد طريقاََ خارجه، حيثُ تجردت من مشاعرك لتُصبح أيزاك الفاسد، و حيثُ راودتك أجمل الأحلام التي رغبت في تحقيقها بشدة لكنك ببساطة خاسر. هذا هو اللغز، و إجابته ستكون مكان تواجد أنابيل"
"إذاََ ما هي إجابته؟" سأل أندرو بحيرة
"هذا ما لم أتبينه بعد أندرو، جميع الأماكن التي تأتي بعقلي تُطابق الكلمات"
أتخذ أندرو مقعداََ بجانبه و بدأ يفكر جيداََ فربما يجد شيئاََ لكن دون جدوى فصرخ بنفاذ صبر قائلاََ
"أيزاك هي تخاطبك أنت و هذا واضح، لذا بحثنا نحن لن يجدي نفعاََ لذا يجب أن تجد الإجابة بنفسك"
"كما لو أنني أعرفها أندرو" تنهد أندرو بضيق قبل أن يسأل
"ألم تقل شيئاََ آخر؟"
"الساعة تدق ،ستجدها أينما يتم التخلص من الخطر و ما إلى ذلك من الهراء"
تصنم أندرو في مكانه كما لو أن صاعقة أصابته
"ماذا؟!" سأل متعجباََ و عيناه فُتحت على مصراعيها
"ماذا هل تبينت شيئاََ؟" وضع أندرو رأسه بين يداه أثر الكارثة التي حلت عليهم لكنه سرعان ما أعاد نظره إلى أيزاك و قال
"حيثُ تجردت من مشاعرك لتُصبح أيزاك الفاسد ، هي تتحدث عن يوم وفاة ميرديث أيزاك فصداقتنا هي ما أبقتك إنساناََ، و حيثُ راودتك أجمل الأحلام التي رغبت في تحقيقها بشدة هنا هي تتحدث عن الهلوسات، أما عن التخلص من الخطر..." صمت أندرو لوهلة قبل أن يرمق أيزاك نظرة آسفة و يستكمل
"فهي بالتأكيد تعني المصحة"
في مكان آخر
فتحت عيناها بوهن بعد ساعات من إغمائها لتجد أنها في غرفة غير مألوفة. كم أن الزمن يُكرر نفسه.
أغمضت عيناها مجدداََ أثر الشعور القارس بالألم في رأسها، وضعت يدها علي رأسها تماما كذلك اليوم في الغرفة المظلمة لكن لحسن حظها لم تكن تنزف.
نظرت حولها لتجد أنها لا تزال بثياب ليلة أمس، و شعر مبعثر مُلتصق به أوراق شجر صغيرة أثر إصطدام رأسها بالعشب.
رتبت شعرها بدون إكتراث ثم نظرت حولها لتجد أنها في غرفة بسيطة بها فراش و مقعد فحسب و أيضاََ زجاج قوي يُمَكنها من رؤية الغرف المُقابلة و الرواق.
توسعت عنياها بدهشة فهي تعرف هذا المكان جيداََ، إقتربت من الزجاج زحفاََ فهي لا تقوى على حمل نفسها حتى.
لمست الزجاج بكف يدها و طالعت الغرف المُقابلة لها لتجد غرف لنساء كثيرات و من المُتضح أنهم مرضى، يرمقونها نظرة مُخيفة، وجوهن و أياديهن مُلتصقة بالزجاج تراقبها مما زاد مظهرهن رعباََ.
و دون سابق إنذار كانت أيديهم تطرق بقوة على الزجاج، يرددن جملة واحدة فقط لا غيرها
"الموت لعائلة جونسون"
.
.
.
ركض أيزاك بكل ما أوتي من قوة، غير عابئ بأي شيء سواها ، سوى حياتها التي على المحك لسبب نجهله جميعاََ.
لم ينصاع لصراخ أندرو بإسمه، و لم يهتم بمن يرمقونه نظرات غاضبة أثر إصطدامه بهم، فقط يركض كما لو أنه يركض لحياته هو، لكن لا فرق فبدونها لا معنى لحياته.
أسرع حركته أكثر، يتمني بداخله لو تنمو له أجنحة كي يُحلق بها عالياََ و يذهب لنجدتها. قلبه يخبره بأنه تأخر كثيراََ، و بأنه سيذهب ليجدها جسد بلا روح، لكن هو مؤمن بداخله أنها على قيد الحياة لأنها إن لم تكن كذلك كان سيشعر بها، لا يعرف كيف لكنه سيشعر.
عقله يُعيد تكرار كلمات أندرو في عقله
"بالتأكيد ستكون مُعتقلة في مبنى النساء، فهو الوحيد الذي لم يتأثر من الإنفجار."
همسه بأذنها و كلماته بأنه لن يسمح لأحد بالإقتراب منها تتردد في أذناه مُسببة إحتراق قلبه بكل ما تعنيه الكلمة.
ربما دانيل كان على حق بعد كل شيء، لا تقطع وعوداََ لا يمكنك الوفاء بها.
ترقرقت عيناه بالدموع لكنه تنفس بعمق كي لا يسمح لها بالتسلل، فلا وقت للنحيب، نحن نحزن على ضحايا المعركة بعدما تنتهي، أليس هذا كلامه؟
"اللعنة علي" همس بداخله حينما مرت ذكرياتهم معاََ كشريط بعقله، هو عَلِمَ مُنذ البداية أنها لن تكون بأمان في وجوده لكن مع ذلك تجاهل الحقيقة لأجل البقاء معها، أصبح ما كان يخشاه، أصبح أنانياََ.
الهواء البارد يضرب وجهه بينما خصلاته تتطاير بعنف لكنه توقف و أستند علي سيارة ساكنة.
سعل بقوة شديدة و هو يعلم جيداََ أنه يسعل دماء لكنه لم يكترث و أكمل الركض و الدماء تأبى التوقف.
و بعد عناء وصل للمبني المقصود، مبني المصحة. دون إهدار لحظة أخرى ركض داخل المبني و أخذ يصعد الدرجات ليصل لها.
بحث عنها بكل إنش في المبنى لكنه لم يجدها، لم يتبقي سوى طابق واحد فقط لكن الطابق مُحكم الغلق، كما أن الباب يحتاج إلى كلمة مرور لينفتح.
"كيف لها أن تعرف الكملة السرية من الأساس؟" سأل أيزاك نفسه لكنه سرعان ما أستنتج أنه هناك من سرب لها معلومات مُقابل الأموال بالتأكيد، فهذا هو أسلوبها.
ألتقط هاتفه و أتصل بأندرو، لحسن الحظ أجاب أندرو سريعاََ
"هل وجدتها؟"
"ليس بعد ، هناك طابق يحتاج لكلمة مرور لذا أخبرني ما هي بسرعة" صمت أندرو لوهلات دون أن يجيبه.
"ما بك أندرو؟ أخبرني ما هي رجاءََ الوقت ينفذ" تنهد أندرو قبل أن يهمس بحزن "١،٤،١٩٣٨"
صمت أيزاك لمدة قبل أن يتساءل "عيد مولدها؟" ليأتيه همس أندرو من الجانب الآخر
"أجل"
ربما قصة حبهما لم تكن الأفضل، لكن لا عشق في هذا العالم يُضاهي عشق أندرو لميرديث، حتى بعد كل تلك السنوات ستظل بداخله.
"كانت لتفخر بك كثيراََ أندرو" أنهى الإتصال سريعاََ ثم دَونَ كلمة المرور على اللوح لينفتح الباب الحديدي.
دخل أيزاك الطابق مهرولاََ، يبحث بعيناه عنها في الغرف حتى قابلت عيناه خاصتها أخيراََ.
"أيزاك" قالت بيل بسعادة بالغة بينما يداها الإثنتان مُثبتتان على الزجاج.
ركض نحوها بسرعة و جثى علي ركبيته كي يكون في مستواها، قرب وجهه من الزجاج قبل أن يقول
"لا تخافي حبيبتي أنا هنا حسناََ؟ سأخرجك من هنا" أومأت أنابيل بإنصياع ليريح أيزاك جبينه على الزجاج، أقتربت هي بدورها و أراحت جبينها علي الزجاج مثله و كم يتمني كلاهما أن ينهار ذلك الزجاج كي لا يفصل بينهما شيء مجدداََ.
أغلق أيزاك عيناه و تنفس بإرتياح قبل أن يهمس ب
"أحبك"
تبدلت الأدوار فأصبح أيزاك هو من يواسيها من خلف زجاج المصحة تلك المرة.
نهض و أخذ يبحث في الأرجاء عن أي شيء يمكنه كسر الزجاج أو الباب حتى، وجد بعض الأشياء الصلبة لكن محاولته بائت بالفشل الذريع فالباب و الزجاج لم يُصيبهما خدش حتى.
"سأحاول كسر الباب أنابيل حسناََ" كان سيتوجه نحو الباب لكنه لاحظ أن أنابيل لم تجبه، بل ظلت ساكنة في مكانها تحدق باللاشيء
"أنابيل؟"
شعرت أنابيل بالأشياء تهتز من حولها، أمسكت رأسها بيداها أثر شدة الألم و جسدها يتحرك بعشوائية في المكان
"أنابيل هل أنتِ بخير؟"
الألم يكاد يكسر ضلوعها و لاشيء ثابت من حولها، هوى جسدها أرضاََ لتكون تلك إشارة لبدأ الألم الحقيقي.
ألم لا يُحتمل في كل إنش بجسمها، تشعر بصداع أشد من الذي شعرت به حينما أستيقظت، كأن أحدهم يُمسك برأسها و يصدمها بالحائط مراراََ و تكراراََ.
صرخات مدوية هربت من شفتاها، صرخات متألمة تأبى التوقف و دون أن تشعر حتى تسللت دموعها إلى وجنتيها.
تصرخ دون توقف و تلتوي أثر الألم بينما أيزاك يراقب تحركاتها بعدم فهم، ماذا يحدث لها و اللعنة؟!
"أيزاك" صرخت أنابيل حتى برزت عروق عنقها ليستفيق أيزاك من شروده و يحاول كسر الباب
تحرك لآخر الرواق ثم ركض نحو الباب و أصطدم به على أمل أن ينفتح، لكن الباب الحديدي ظل ثابتاََ كالجبل.
شعر أيزاك بألم في ذراعه لكن ذلك لم يمنعه من المحاولة مجدداََ.
عشر محاولات بائت بالفشل بينما أنابيل لازالت تصرخ و تلتوي و كأنها تحتضر، عيناها عاجزة عن رؤية أي شيء أثر بكائها أو كي أكون أكثر دقة إنهيارها.
عندما بَصر حالتها التي تزداد سوءََ على سوء قرر اللجوء إلى الحل الوحيد المُتبقي.
ألا و هو تعويذة لفتح الباب..
تنفس أيزاك بعمق قبل أن يُمسك بمقبض الباب و يتمتم بكلمات التعويذة
ما إن تمتم بنصفها حتى شعر بضيق كبير في صدره، و مع الوقت تحول هذا الضيق إلى ألم لا يُحتمل، كما لو أنه هناك من أدخل يداه بصدره و قبص على قلبه حتى أعجزه عن التنفس أو الكلام حتى.
كان سيواصل لكنه تذكر أنه ليس بمفرده في هذا، أندرو سيصيبه ضرر كذلك.
ركل الباب بقدمه و كم كره شعور قلة الحيلة الذي لا ينفك عن مُلاحقته في كل مرة.
"أيزاك، أجعله يتوقف رجاءََ" صرخت راجية عله يُسرع و ينجدها لكن كيف يخبرها أنه ببساطة 'خاسر'.
"أيزاك أنا لا أستطيع التنفس" صرخت أنابيل بصوت باكٍ مُرتعب بينما يدها علي قلبها، لتدب القشعريرة في بدن أيزاك.
وقف أمام زجاج الغرفة يُطالع جسدها المُنهك الذي سُلبت منه الحياة، فقط جثة تصرخ بوجع.
راقب الغرفة بعيناه لكنه لم يجد شيئاََ غير مُعتاد.
لاحظ وجود فتحات تهوية في الغرفة لذا شك بأنه ربما يكون غاز سام و إستنشاقه هو ما يفعل بها هذا.
"غاز سام "
"غاز سام "
أخذ أيزاك يُردد تلك الكلمة مراراََ و تكراراََ قبل أن يصمت لبرهة دون فعل أو قول شيء، فقط يُحدق بأنابيل الباكية.
"أيزاك رجاءََ ، أنا أتألم فقط أجعله يتوقف"
ترقرقت الدموع في عيناه مجدداََ و تلك المرة سمح لها بالخروج، لكنه لم يستسلم بل حاول كسر الزجاج مجدداََ، بكل ذرة قوة يملكها، و بكل ذرة حقد إستطاع إستجماعها.
يلكم و يلكم و يلكم و من الغريب أن عظامه لم تتهشم بعد كل تلك اللكمات.
صرخ أيزاك بحقد حينما رأى أن الزجاج لا يتأثر بأي شيء يفعله، أيعقل أن تكون تلك النهاية؟
"لا" صوت صياح كلاهما تخلل المكان، ليس صياح فحسب بل عويل.
هي تصيح أثر الألم الذي فتك بها، و هو غاضب أشد الغضب، كيف تكون هي بتلك الحالة بينما هو لا يستطيع حتى فتح باب لعين؟! كيف لا يستطيع مساعدتها؟ أيعقل أن يكون هذا الوداع الأخير كما قالت لورين؟!
العبرات تتدفق من عينيه لا يستطيع التحمل أكثر من ذلك، أنزلق جسده ببطء ليجثو علي ركبيته أمامها و يداه تستند على الزجاج
"آنا" همس مُتشحرجاََ، قلبه يخبره بأنها ليست النهاية، فليحارب أكثر ، بينما عقله يخبره بأنه خالي الوفاض.
رمقته آنا نظرة متألمة أخيرة قبل أن تهمس ب
"أنا أتفهم" كل إنش و كل حركة تقتلها لكنه لا مانع بأن تبتسم له في لحظتهما الأخيرة على الأقل، فبالتأكيد ألم جسدها لا يُضاهي قلبها المُحترق كونه لن يرى من وهبه الحياة مجدداََ.
"لا لا لا" نحبَ
"هذه ليست النهاية حسناََ، أنتظري هنا سأهاتف أندرو و آتي" قالها بأمر
"أبقى رجاءََ" همست بوهن
لم يجيبها و بدلاََ من ذلك هاتف أندرو
"أندرو، أنابيل في الطابق عينه الذي أخبرتك عنه، هَلُم إلينا سريعاََ أتوسل إليك هي تحتضر"
"أخبرني ماذا يحدث لها"
"هي تتألم بشدة و تتنفس بصعوبة، لا أفهم ما يحدث معها، غثيان و.... "
قبل أن يُكمل جملته كانت أنابيل قد أخرجت ما بمعدتها علي أرضية الغرفة.
"و ها هي الآن تتقيأ، أندرو أظن أنها مُسممة، ربما بغاز سام فهي الغرفة الوحيدة التي تحتوي علي فتحات تهوية، ربما الغاز السام ينبعث من تلك الفتحات"
"أنا في طريقي" قالها أندرو
"فلتُسرع رجاءََ" كانت تلك الجملة الأخيرة قبل أن يُنهي أيزاك الإتصال
"أندرو في طريقة إلينا عزيزتي حسناََ؟ كل شيء سيكون على ما يرام" أغرورقت عيناه بالدموع كما لو أن عيناه تُكَذِب كلماته لكنه حاول الإبتسام لتتطمأن.
لم تعد تقوى على الصراخ لكنها تتألم بشدة و لا أحد يشعر بها، هي حتى غير واثقة ما إن كانت ستتحمل حتى مجيء أندرو.
"كوني قوية لأجلي آنا رجاءََ" توسل أيزاك
أهتز هاتف أيزاك مُعلناََ وصول رسالة، جذب الهاتف له ثم قرأ رسالة من مجهول كان محتواها كالآتي
"خمس دقائق مُتبقية، فليبدأ العد التنازلي"
رمق أنابيل نظرة قلقة ليجد أن عضلاتها بدأت تتشنج، في تلك اللحظة كانت قد فقدت قوة تحملها تماماََ و صدح صوت عويلها بالطابق بأكمله.
.
.
.
جاء أندرو و أخيراََ بعد إنتظار قاتل مرت فيه الثواني كالساعات. المفاتيح في جيبه الخلفي، يحمل أسطوانة الأكسجين بين يداه، مُرتدياََ بدلة واقية و قناع للوجه كي لا يتسمم هو الآخر.
"حمداََلله أندرو تبقت دقيقتان" قالها أيزاك بلهفة واضحة
أمره أندرو بالإبتعاد قبل أن يفتح الباب لتظهر له أنابيل المُمددة أرضاََ
هرول إليها سريعاََ و حملها بين ذراعيه خارج الغرفة بينما هي فقط أراحت رأسها على كتفه و دموعها أنسابت على وجنتيها.
أغلق أندرو الباب خلفه بعدما وضعها أرضاََ. كان أيزاك على وشك الإقتراب منها ليُعانقها لكن أندرو حذره قائلاََ
"إياك و الإقتراب أيزاك، السم على ملابسها"
"نحن لسنا واثقين بعد من أنه تسمم"
"بلى، أنا واثق" أجاب قبل أن يجلب خرطوم المياه و يرش الماء على ملابسها كي يُطهرها.
بعدما أنهى تطهير ملابسها غسل شعرها جيداََ بالماء و لحسن حظه أنه يرتدي بدلة واقية.
"لتعلم أن هذا الإجراء ليس كافٍ، يجب تجريدها من ملابسها ثم إحرقها لذا علينا العودة إلى المنزل في أقرب وقت."
"هل ستكون بخير؟" سأل أيزاك
"لا أعلم، أظن أنه تسمم بغاز السيانيد فكل تلك الأعراض تُطابق ما يحدث لمن يتسمم به، أنا أملك ترياقاََ له لكن يجب إعطائها الأكسجين أولا، لذا حاوط جسدها بتلك المنشفة حتى آتي به و أنت تعلم ما ستفعلة بتلك الإسطوانة."
أخذ أيزاك المنشفة منه و حاوط أنابيل بها ثم ضمها لصدره.
ثَبَت قناع الأنف المتصل بخرطوم ينقل الأكسجين من الإسطوانة إلى المريض على أنفها لتلتقط أنفاسها التي سُلبت منها بداخل تلك الغرفة المشؤومة.
خائرة القوى بين ذراعيه تلتقط أنفاسها بصعوبة و أطرافها ترتعش لكن على الأقل هي حية
"أنتِ بخير آنا، كل شيء سيكون على ما يرام" همس بأذنها قبل أن يطبع قبلة حنونة على جبينها.
يداه تُداعب خصلاتها المُبللة و ذراعاه يُحيطان بها كما لو أنه بتلك الطريقة يخبرها بأنها آمنة.
أزالت القناع عن وجهها ليعقد أيزاك حاجباه و يطلب منها بهدوء أن تعيده لكنها تجاهلته و همست بوهن و نبرة راجية
"لنعود سوياََ إلى المنزل، أرجوك"
"أنتِ منزلي"
"أنا مُحطمة أيزاك ، أنا لستُ مأوى لأحد" أغرورقت عيناها بالدموع ليتلمس أيزاك وجنتها بأنامله بطريقة حنونة.
"أنتِ المأوى و الملاذ بالنسبة لي"
أبتسم بحزن قبل أن يستكمل بنبرة مرتجفة أثر شعوره بغصة في حلقه "كل هذا محض حلم سيء و سينتهي آنا، سينتهي"
"أتؤمن بهذا؟"
"دائماََ"
أرتسمت إبتسامة مُرهقة على شفتيها و كادت تجيبه لكن صوت إصطدام مُفاجيء تخلل مسامعهم.
ألتفت كلاهما إلى مصدر الصوت ليجدا أن مريضة من المرضى تضرب رأسها بقوة في الزجاج كأنها تتعمد كسرها. عقد أيزاك حاجباه و قبل أن ينبس بكلمة كان جميع المرضى بالطابق يفعلون الأمر عينه.
"ماذا يحدث لهم؟!" سألت أنابيل بهلع.
أصوات إرتطام رؤوسهن بالزجاج مدوية، يضربن رؤوسهن بغل شديد كمن يريد الإنتحار، حتى أن زجاج بعض الغرف تلطخ بدمائهن.
أهتز هاتف أيزاك مُعلناََ وصول رسالة أخرى من رقم مجهول مختلف عن ذي قبل.
"للأسف الشديد لا أستطيع التضحية برجالي أكثر من ذلك، لكن هذا لا يعنى أن يداها لن تتلطخ بدمائهن البريئة، إن كنت ستنقذ الفرد و تضحي بالجميع لا مشكلة، لكن لتعلم أنني لن يغفو لي جفن و أنا على علم بأنها حية تُرزق. "
بمجرد إنتهاءه من القراءة هَوت أجسادهن أرضاََ، واحدة تلو الأخرى لتُعلن مفارقة الروح و تركها لجسد لصاحبها، أي بمعنى أدق
الموت.
________________
Коментарі