41. May We Meet again
"مرحباََ" جاءته نبرة أنابيل القلقة من الجهة الأخرى ليردف يبرود
"لم أعتقد أنكِ ستُجيبيني بتلك السرعة" قطبت حاجبيها قبل أن تتساءل
"من المُتحدث؟"
"و أيضاََ لم تُميزي صوتي!" قال بنبرة مُتفاجئة قبل أن يضع يده فوق قلبه و يهمس ب "جرحتيني"
"كريس؟"تساءلت بإستنكار ثم حولت نظرها لباب غرفتها كي تتأكد من كونه مُغلقاََ.
"أصبتِ و أخيراََ" أجاب بفرح مُصطنع
"ماذا تُريد؟" نبرتها حادة و جدية غير راغبة في إطالة تلك المُحادثة أكثر من ذلك.
"لأختصر عليكِ الأمر أنا أُحذرك من أي شيء ينوي أيزاك فعله غداََ، لطالما كان فتي الألاعيب و أنا لستُ أحمقاََ كي تنطلي علي خدعته الصغيرة" إرتبكت أنابيل أثر كلماته اللاذعة لكنها إستجمعت شجاعتها كي لا ينكشف أمرهم.
"أنا لا أعلم ما الذي تتحدث عنه" قالتها مُدعية البلاهة
"أعلمكِ أيزاك بعضاََ من ألاعيبه؟" قهقة ساخراََ ثم أستكمل"على كل حال، أنصحكم بالإستسلام، أعني هذه نصيحة أخوية مئة بالمئة، ما كنتُ لأقف أمام شخص بعزيمة و إصرار لورين باركر"
"و إلا؟"
"و إلا كل من تحفلين بشأنه سيلقي حتفه غداََ أمام عيناكي" إرتعدت أوصالها أثر نبرته الشيطانية الخبيثة
"القرار لكِ بيل، لورين و أنا نمتلك رجالاََ قادرين على تفجير رؤوسكم قبل أن يتسني لكم الرمش حتى، لكن على الجانب الآخر ما الفائدة من إراقة دماء الجميع و نحن نريدك أنتِ فحسب؟" كريس يتلاعب بوتر أكثر من حساس بالنسبة لبيل لا أعلم ما إن كان هذا ذكاءََ أم خباثة.
"فلتستسلمي بيل. هذا سيكون الخيار الأفضل لنا جميعاََ، أو لا تفعلي القرار قرارك" إبتسم بنصر قبل أن يضرب ضربته الساحقة بقوله"لكن تذكري أن كل قرار له عواقب، هل أنتِ حقاََ مستعدة لرؤية جثة أيزاك الهامدة أمامك؟"
.
.
.
"كم كنت أتوق شوقاََ لرؤية هذا المشهد أمامي" إبتسمت لورين بنصر أما عن أنابيل فهي بدأت ترتجف بعنف دون أن تُعيرها إهتماماََ
"أنا جئت لكِ بقدماي، ألا أستحق تفسيراََ بسيطاََ؟ لمَ تفعلين هذا بي لورين ألم ننتهي مُنذ زمن؟" سألت أنابيل بتحدي
"أنتِ على حق كنا قد إنتهينا من الأمر قبل أن يُعيد جدك اللعين فتحه و مُطاردة والدي"
"جدي؟!" سألت أنابيل بإستنكار لتومئ لورين ببساطة
"من الواضح أنكِ تجهلين ما أتحدث عنه لذا لا مُشكلة سأجيبك، على الأقل لتعرفي سبب وفاتك" رمقتها أنابيل نظرة حاقدة قبل أن تستكمل حديثها
"يقولون أنك إذا أردت أذية أحدهم فلتسعى وراء من يُحب، لذا ذنبكِ الوحيد هو أنكِ حفيدته المُفضلة" قهقهت أنابيل بسخرية
"أنا لا أضمن لكِ هذا"
"لا تُقاطعيني" قالت بحدة ثم زفرت الهواء و أستكملت
"بعد وفاة والداك ظن آرثر أن والدي هو الفاعل و كان ذلك ما أثار البُركان القابع بداخله، فهو إبنه الوحيد كما أن حالتك المزرية حينها كانت ما دفعه للإنتقام من أبي بدمٍ بارد و سلب روحه دون حتى أن يضع عائلته في الحسبان، ببساطة أنا أُطاردك لأنني أريد أن أحرق فؤاده ألماََ على فراقك كما فعل بي"
لا يوجد كلمات قادرة على وصف ما تكنه لورين لتلك العائلة من كره، هذا يتضح من نبرتها التي توحى بأن الحقد طغى على كل خصلة جيدة كانت بها.
تنفست أنابيل بعمق و قررت أن لا تبدي ردة فعل على قصة جدها لكن هناك ما أثار ريبتها لذا دون وعي تساءلت
"ألا تُصدقين أن والدك هو الفاعل؟" وقفت لورين أمامها تلك المرة و نظرت إلى عينيها مطولاََ قبل أن تردف بثقة
"لا، على الرغم من أن جميع الأدلة تُشير إليه إلا أنني أخترت أن لا أصدق"
"و ماذا لو كان هو الفاعل؟"
"حينها سأعتذر على فقدانك لوالديكِ نيابةََ عنه
"أنا لا أحتاج إعتذارك" نفت أنابيل "كل ما أحتاجه منك هو أن لا تمسِ عائلتي و أصدقائي بضر، أنا أمامك فلنصفي حسابنا و ننتهي من كل هذا"
"لا يا آنا لا" صراخ باكي إنبعث من أيزاك الذي للمرة الأولى يشعر بذلك العجز في حياته، على الرغم من كونه غير مُقيد كيوم وفاة أخته إلا أنه يشعر بالتقييد فكل خطوة يخطوها هو بإتجاهها تقربها من الموت أكثر. آخر ما سيتحمله قلبه هو رؤية الرصاصة تخترق رأسها لتنتشل منها الحياة بلا رحمة.
تحركت لورين لتقف بجانبها بينما وجهها يقابل وجه أصدقائها الباكي ثم صوبت السلاح على رأسها قبل أن تهمس ب
"أي كلمات أخيرة؟" تسللت عبرة مُتألمة من عينيها، شعرت بقلبها يخفق بشدة كما لو أنه يُصارع ليحيا لكنها تجاهلت كل شيء و رسمت أكبر إبتسامة مزيفة على محياها قبل أن تهمس ب
"سامحوني"
"واحد" بدأت لورين تعد تنازلياََ للحظة إطلاق الرصاصة بغرض العبث بإعصابها لا أكثر
"إثنان" أغمضت أنابيل عيناها مُستعدة لإستقبال الظلام و الدمعة الأخيرة تنزلق على وجنتها لتُجسد ما تشعر به أنابيل من ألم.
"ثلاثة" تلك المرة تفوه بها صوت ذكوري مألوف قبل أن يُفاجئ الجميع بإختراق سهم لذراع لورين المُمسك بالسلاح.
أنتفضت أنابيل على صرخات لورين المُتأملة و فتحت عيناها بقلق لتستقبل أجمل مشهد قد تراه بحياتها،
لورين مُمددة على الأرض تصرخ بألم و هناك بركة من الدماء تكونت أسفل ذراعها.
صرفت وجهها إلى صاحب الصوت و لصدمتها كان
"جدي؟!" وقعت أفواههم أثر الصدمة لكن هناك جزء ما بداخلهم يرقص فرحاََ لأنها بخير
"أعتذر لورين، لم أكن لأفعل هذا لو لم تُقحمي حفيدتي الجميلة بالأمر"
شقت إبتسامة واسعة ثغرها بينما عيناها ترمق جدها بإمتنان بالغ. الجميع علت الإبتسامة وجوههم و تنفسوا الصعداء، لقد فلتت بيل بأعجوبة.
لاحظ أيزاك تقدم إحدى رجال لورين نحو آرثر مُستعداََ لإطلاق النيران عليه
إبتسم أيزاك بسخرية قبل أن يصيح ب"لا، لن يحدث" ثم حرك يداه ببساطة ليشعر الرجل بالسلاح يُنتشل من يداه و يُلقى بعيداََ دون حتى أن يقترب أيزاك منه
"ما اللعنة؟" إرتجف بخوف ليبتسم أيزاك بإستفزازية
"لو كنت مكانك كنت سأركض لحياتي" و بالفعل في أقل من ثانية إختفى الرجل عن الأنظار.
راقب زميله ما حدث لكنه لم يفر هارباََ بل تقدم نحو أنابيل كي يُنهي الأمر بنفسه
أخرج سلاحه من جيبه الخلفي و صوبه ناحية بيل التي لم تراه من الأساس فهي مُنشغلة بمُراقبة جدها.
لحسن الحظ أبصرته إيما التي تبعدهم بأميال لكن هذا لم يمنعها من الإمساك بسكين الجيب الذي تحتفظ به في حقيبتها في حال تعرض لها أحدهم و صوبته نحو قدمه، من الرائع أنها كانت قذفة موفقة فهي أصابت قدمه و بقوة.
"رمية رائعة إيم" أثنى أندرو عليها بذهول، إبتسمت إيما بخجل قبل أن تجيبه ب "كنت بارعة في لعبة رمي السهام" ليُقهقه على طريقتها البريئة عكس ما فعلته منذ قليل.
أمسكت أنابيل بسلاح لورين المُلقى أرضاََ و صوبته نحوها بملامح لم تتمكن لورين من قرائتها، تسمرت في مكانها لا تقوى على الحراك و الدم تجمد بعروقها أثر الفزع، رمقت أنابيل نظرة راجية كما لو أنها تقول"لا تفعلي بي هذا رجاءََ".
إبتسمت أنابيل بإستهزاء و سخرت قائلة " ماذا هناك لورين؟ هل نفذت تهديداتك الآن؟" إلتزمت لورين الصمت لتومئ أنابيل بتفهم "هذا ما توقعته أيضاََ" ثم تستكمل "لكن أتعلمين شيئاََ لورين؟ أنا لن أقتلك لأنني ببساطة لستُ مثلك، على الرغم من كون عائلتك سبب عنائي إلا أنني أختار تركك تتعفنين بوحدتك"
إلتفتت إلى أيزاك الواقف بجانبها ينظر لها بإعجاب و فخر شديدين ثم هرولت نحوه، ظن أنها ستعانقه لذا فتح ذراعاه ليستقبلها لكنها كانت تُراقب من يقف خلفه بعينين طافحتين حقداََ و شراََ
"لا تنظر خلفك" همست بنبرة تحذيرية قبل أن ترتمي بين ذراعاه لا لمعانقته بل لتستند عليه كي تصبح أطول قامة. أقشعر بدنه أثر سماع صوت ضربة قوية جعلته يُشفق على من أصابته.
أبتعدت عنه ليلتفت و يري كريس مطروح أرضاََ و هناك جرح كبير بمُقدمة رأسه، نظر لها بعدم تصديق فقالت"ماذا؟ كان سيُهاجمك"
"يا إلهى أنا أحبك" كان هذا كل ما استطاع التفوه به.
"أنا أحسنت تربيتك" قالها أندرو بفخر ليُقهقه ثلاثتهم.
عانقته أنابيل بود و هو بادلها، ربت على خصلاتها بخفة ثم همس بأذنها قائلاََ " في أقل من دقيقة سيرحل كلاََ من لورين و كريس بلا رجعة"
لم تفهم مقصده لكنها إكتفت بالإيماء و تمنت بداخلها أن يكون على حق.
بعدما أبتعدت عنه إرتمت في عناق أيزاك الذي لم يتردد لحظة في مبادلتها بالقوة عينها
"إياكِ أن تفعلي شيئاََ كهذا مجدداََ" همس في أذنها بلطف. إبتسمت بسعادة و أراحت رأسها على كتفه بعينين مُغمضتين.
قاطع عناقهم الدافيء صوت صفارة الشرطة تقترب منهم، نظرت أنابيل لهم بتساؤل ليردف ديلان موضحاََ
"أنا من طلب الشرطة أثناء إنشغالكم، فلننتهي منهم إلى الأبد"
ترجل الشرطي من السيارة و أمر زملائه بإلقاء القبض على لورين و كريس.
كانت لورين أكثر من مُنهكة لتقاوم قبضة رجال الشرطة على ذراعيها لذا إكتفت بقول الكذبة المُعتادة
"أنا بريئة"
"سنرى حيال ذلك" أجاب الشرطي.
أما عن كريس فهو كان يُصارع ليتملص من قبضة رجال الشرطة، يصرخ بأعلى صوته و تنفر عروق رقبته في مشهد مُخيف
"هذا لا يُعد نصراََ أيزاك أتسمعني؟ أنت لن تعثر على الكتاب مهما حدث حتى لو كان لك عمراََ فوق عمرك. لطالما كنت هَشاََ عديم الفائدة و ستموت على هذا النحو." كان أيزاك يُشبع عيناه من ذلك المنظر الذي تمنى رؤيته طوال حياته و الإبتسامة المُنتصرة تعلو شفتاه، كريس على وشك فقدان أعصابه أثر غيظه و هذا أجمل ما بالأمر.
"هذا من أجل أيلا" صمت كريس و رمقه نظره حاقدة أخيرة قبل أن يدلف للسيارة.
و ها قد رحل الشر بعيداََ.
ركضت أنابيل نحو السيد آرثر و عانقته بقوة و شوق كما لو أن هذا كل ما تحتاجه لليوم، تجمد آرثر في مكانه لعدة لحظات لكنه سرعان ما بادلها بلهفة
"جدي" همست أنابيل بنبرة باكية
"أنا لم أكرهك أبداََ أنابيل، أنا فقط كنت أهاب مواجهتك" ضيقت العناق أكثر قبل أن تهون عليه بقولها
"لا بأس جدي، أنا فخورة بك. أنت الأفضل"
.
.
.
في منزل آرثر
تجمعت العائلة بأكملها في غرفة المعيشة، صوت ضحكاتهم العذب يتردد في أنحاء المنزل و ياله من صوت ساحر، صوت يبعث الطمأنينة في قلوبهم المُشتاقة للشعور بالسلام.
"أنا لا أصدق أننا تخطينا ذلك الأمر" قالها أندرو بعدم تصديق ليجيبه أيزاك بثقة
"ما من شيء في هذا العالم لن نتخطاه معاََ رفيقي" قهقه أندرو بخفة و شاركته أنابيل الضحك.
حدق أيزاك بها لفترة لتتساءل هي بشك
"ماذا؟" هز أيزاك رأسه نافياََ ثم همس قائلاََ
"فقط أُحدق بالفتاة التي عرضت حياتها للخطر من أجلنا بدلاََ من إخبارنا بشأن مُكالمة كريس" قلبت أنابيل عيناها بكلل
"هل حقاََ سنخوض تلك المُحادثة الآن؟" أبتسم أيزاك بشرود لكنه بدى حزيناََ بعض الشيء
"لا، لن نخوضها أبداََ" رفعت حاجباها بتعجب و تساءلت
"حقاََ؟"أومأ أيزاك بإبتسامة لطيفة و سحبها في عناقه
"لن يُقلقنا كريس بعد الآن عزيزتي، ما حدث قد حدث و أنتهي. أنتِ هنا معي و هذا كل ما يُهم"
شعرت أنابيل بيد تسحبها من عناق أيزاك و حين ألتفتت وجدت أنه ديلان.
"سأسرقها منك لدقائق فحسب" أومأ أيزاك بتفهم. أنتبهت أنابيل له كي تحثه على الحديث
"ماذا هناك ديلان؟" أكتفى ديلان بضمها بقوة شديدة و دار بها.
"لمَ فعلت ذلك؟" تساءلت أنابيل بحيرة بعدما أنزلها.
"فعلت هذا لأنني اليوم كنت سأفقدك بيل، كنت سأفقدك و أنا حتى لم أخبرك قط بمقدار حبي لك. أنا أحبك كثيراََ أختي فقط كوني بجانبي دائماََ و لننسي كل ما حدث بيننا سابقاََ" ترقرت عيناها بدموع الفرحة لسماع تلك الكلمات التي كانت تتوق لسماعها و تلك المرة هي لا تشعر بالغرابة بتاتاََ.
عانقته بقوة و همست ب " أنا أيضاََ أحبك أخي الكبير. لا تقلق سأكون هنا من أجلك دائماََ" أبتسم ديلان بسعادة و بادلها العناق. أجمل ما بالأمر هو أن السعادة و الراحة تغمران قلبيهما للمرة الأولى.
جلس أندرو بجوار إيما التي توترت قليلاََ من وجوده بجانبها لكنها حاولت إخفاء ذلك بإبتسامة بسيطة
"إيم"
"أجل؟" تنفس بعمق و قرر تأجيل ما كان سيخبرها به لوقتٍ لاحق لذا غير الموضوع قائلاََ
"يجب أن تُعلميني كيف أكون بارعاََ مثلك في رمي السهام" ضحكت إيما بصخب قبل أن تتفاخر قائلة
"لا تحاول حتى، أنا ولدت هكذا" ضحكاتها تُحلق به لمكان آخر، مكان يمنحه شعوراََ أكثر من رائع.
لاحظت أنه أطال التحديق بها لترتبك، قطع الصمت الغير مُحبب بينهما بسؤال مُبهم أزادها إرتباكاََ
"كيف تفعلين هذا؟" عقدت حاجباها بعدم فهم
"أفعل ماذا؟"
"تدبين الحياة في روحي المُهترئة"
أراحت إيما رأسها على كتفه كي لا يري وجهها الذي كسته حمرة الخجل
"لا تقل هذا أندرو، أنت تمتلك روحاََ نادرة الجمال" أبتسم أندرو بخجل و أراح رأسه فوق خاصتها.
أما عن أنابيل فهي تجلس بعناق أيزاك شاردة تُمرر أناملها على أزرار قميصه
"هل أنتِ بخير؟" سأل أيزاك
"أجل لمَ؟"
"أنت هادئة بطريقة مُريبة" هزت أنابيل رأسها بنفي
"لا شيء فقط أفكر فيما سيحدث بشأن الكتاب و التعويذة" تنهد أيزاك بضيق قبل أن يجيبها
"أريحي أعصابك اليوم فهذه مُشكلة الغد" أبتسمت أنابيل على نبرته الهادئة و أومأت بإنصياع ثم همست ب"أحبك"
على الرغم من أنها أعترفت بحبها له من ذي قبل إلا أن كل مرة تقع على قلبه كوقع المرة الأولى.
قبل أيزاك جبينها بخفة و ضمها إليه مجدداََ.
"أرأيت يا جدي" قالها ديلان الذي أراح رأسه على قدم جده كما كان يفعل في الأيام الخوالي.
"هكذا يكون حالك عندما تكون عازباََ" قهقه الجميع بصخب
"ستجد فتاة تُناسبك يوماََ ما، بُني"
.
.
.
صعد أيزاك مع أنابيل إلى غرفتها و أغلق الباب خلفهما
"كم تكون الحياة هنيئة عندما لا يُعكر أحدهم صفو مزاجك" أومأت أنابيل مُتفقة معه
"إذن" تحدثت أنابيل بتوتر ليرفع أيزاك حاجبه بتساؤل
"لا خطة للحصول على الكتاب؟" تنهد بتعب قبل أن يتساءل مُستنكراََ
"لمَ لا تتناسي الأمر ليوم واحد فحسب آنا؟" لف ذراعيه حولها ليُطمأنها لكنها رمقته نظرة حزينة ثم أجابته
"أعتذر أيزاك لكن على خلافك أنا لا أستطيع الإسترخاء بينما أنا أعلم بأن ما ينتظرنا ليس هيناََ، لا أستطيع الشعور بالراحة مع العلم بأنني قد أستيقظ و لا أجدك بجواري"
أبعد أيزاك خصلاتها البُنية عن عيناها بحنو
"سنجد حلاََ آنا" رفع رأسها بيداه كي تنظر له ثم أستكمل"أنا هنا الآن و هذا كل ما يُهم، لذا من أجلي لا تُفسدي لحظتنا الجميلة بالحديث عن تلك الأشياء"
أومأت أنابيل بتفهم ليبتسم هو برضا و يدفن رأسه بين خصلاتها
" أنا أفتقدك كثيراََ و لا أعلم لمَ أشعر بتلك الطريقة على الرغم من أنني معك طوال الوقت" قهقهت أنابيل بخجل ثم أستكملت
"ماذا عساي أنا أقول؟ لا أحد يكتفي مني" ضحك أيزاك بصخب قبل أن يتفق معها قائلاََ "أجل هذه حقيقة"
قبل أنفها بلُطف ثم أبتعد عن عناقها.
تجردت أنابيل من سترتها الجلدية السوداء و هو تناولها منها كي يضعها في الخزانة.
"هل أفرغتي جيوبك؟" سأل أيزاك ثم تفحص جيوب السترة ليشعر بيداه تقبض على شيء حديدي بارد.
أخرج يداه من جيب السترة ليجد أنها بوصلة فضية يغزوها الصدأ
"آنا عزيزتي، ما هذا؟" ألتفت لها ليجدها مُمددة على الفراش بإرهاق
"هذه بوصلة وجدتها في قبر إليزابيث، أعجبني شكلها فأخذتها" تفحص أيزاك البوصلة و الشك يعتريه.
"لا أظن أنها مُجرد بوصلة، لمَ سيُخبئ بوصلة في قبر إليزابيث؟"
"ربما هي تُمثل ذكرى مهمة بالنسبة له كالساعة" أستنتجت أنابيل.
قلب أيزاك البوصلة على ظهرها ليجد أنها تنفتح من الخلف لذا فتحها سريعاََ و لحسن الحظ كان الأمر هيناََ.
فُتحت عيناه على مصرعيها أثر الصدمة و شعر للحظة أن هناك من صعقه، لاحظت أنابيل ردة فعله الغريبة لتتساءل بنبرة قلقة
"ماذا هناك أيزاك؟"
"آنا هو لم يُخبئ البوصلة بل المفتاح"
عقدت حاجبيها بعدم فهم
"أي مفتاح؟"
"مفتاح منزل آرثر و أليكس القديم، أنا أتذكر هذا المفتاح جيداََ فكريس قد سرقه عندما كان يُخطط لقتل أليكس" ساورته حيرة كبيرة عن سبب إحتفاظ كريس بالمفتاح ليومهم هذا لكنه سرعان ما أدرك لمَ
"أيُعقل أن يكون هذا مكان إحتفاظه بالكتاب؟" تنهدت أنابيل بإرهاق و وضعت يدها فوق رأسها فكثرة الأحداث أصابتها بالصداع.
ربتت أنابيل على البُقعة الفارغة بجانبها و قالت "فلتسترح الآن و غداََ سنبحث في هذا الأمر معاََ عزيزي، حسناََ؟"
إتجه نحو الفراش و تمدد بجانبها واضعاََ رأسه بين عنقها، ربتت على خصلاته الناعمة برقة، شعرت بأنفاسه الساخنة المُنتظمة على عنقها لتُغلق عيناها مُتجاهله قلبها الذي حلق بعيداََ.
"أشكرك آنا" همس أيزاك بخمول
"علام تشكرني؟"
"على كل شيء فعلتيه لأجلي،لقد أصلحتيني"
"لا تقل هذا أيزاك، أنت لم تكن فاسداََ كل ما بالأمر هو أنك لم تتحلى بالإيمان الكافي بذاتك"
"أنتِ مُحقة ، الإيمان كان ضالتي و أنتِ من ساعدني في العثور عليها" أبتسمت أنابيل بتكلف ثم قالت
"لتعلم أنني أحببتك بكل حالاتك" أمسك بيدها و طبع قبلة خفيفة عليها
"بالطبع فعلتي" صمت لبرهة ثم تساءل بنبرة يغزوها الفضول
"أنى لكِ أن تُفقديني صوابي و في الوقت عينه تكونين الشيء الوحيد الذي يُبقيني عاقلاََ؟"
نظرت له بحب و الهيام يتطاير من عينيها العسليتين
"كما تدفعني أنت للتضحية بروحي و كل ما أملك و في الوقت عينه تكون السبب الوحيد الذي يجعلني أتشبث بالحياة"
كلماتها تشق طريقها مباشرة إلى قلبه لكن لسبب ما هي لا تُسعده كما كانت من المُفترض أن تفعل
"لا تفعلي بي هذا أنابيل رجاءََ هذا يؤلمني" نبرة راجية مُنكسرة خرجت منه
"أفعل ماذا أيزاك؟هذه هي الحقيقة"
"لا تُجبريني على البقاء حينما يتحتم علي الرحيل"
رمقته نظرة ساخرة قبل أن تتساءل بإستنكار
"و هل خُيل لك أنني سأدعك تذهب مهما حدث؟"
"تمسكك بي بتلك الطريقة يؤلمني أنابيل"
أجابته بنبرة حادة على عكس ما تشعر به من ضُمور
"ليس بقدر ما يؤلمني"
لم يعد أيزاك يقوى على إكمال تلك المُحادثة أكثر من ذلك، هو لا يتفهم أن رحيله عنها سيُحطم كل شيء بداخلها، سيتناثر قلبها كقطع الزجاج المُنكسرة على الأرضية الرُخامية، و ستُسلب منها روحها الذي كان هو السبب في عودتها.
"أنا لن أقوى على الرحيل أبداََ إذا ظللتِ مُتشبثة بي هكذا" خارت قواه من مُحادثة واحدة تحمل وراءها الكثير من المعاني و المشاعر المُرهِقة.
"إذن لا ترحل، لكن لا تتوقع مني أن أتركك طواعية، لأن هذا لن يحدث"
إرتسمت إبتسامة حزينة على محياه، لم يعلم ما الذي يتعين عليه قوله أو فعله لذا إكتفى بتقبيل وجنتها و التشبث بها أكثر.
حينما مر بعض الوقت و تأكد أنها غطت في نوم عميق همس هو كلماته الأخيرة لها، هو على علم بأنها لن تسمعه أو تجيبه لكنها ستشعر به، و هذا كل ما يحتاج.
"سنجتمع معاََ يوماََ ما و تلك المرة لن أتركك حتى لو إجتمع العالم بأكمله على تفريقنا، فلتنتظري ذلك اليوم و كلك لهفة و شوق للقائي، و حتى يأتي يومنا احتفظي بي بداخلك. فلتنعمي بنوم هنيء يا ملاكي لكن في الصباح لا تبحثي عني بجانبك، لأن هذه المرة يتحتم على الذهاب، لا تقلقي سوف أودعك"
.
.
.
زينت أشعة الشمس الذهبية وجهه الطفولي الحزين مُعلنة عن قدوم صباح جديد آخير، فالشمس ستنقطع عن زيارتهما لمدة لكنها ستعود مجدداََ، ألا تفعل دائماََ؟.
يا ليت كل شيء يعود كما كان لكن مع الأسف هناك أشياء ترحل بلا رجعة.
فتح عيناه لتستقبل وجه فتاته النائم الهادئ الذي لطالما غرق في تفاصيله غير راغباََ في أن يتم إنقاذه، فكل لحظة كالنعيم بالنسبة له.
في مُقابلتهما الأولى حذرها من الفضول و شبهه بالغرق، حسناََ هذا مُثير للسخرية لأنها هي من أغرقته في نهاية المطاف.
"لقد كان من دواعي سروري أن تستقبلني بحار رونقك و فتنتك، و إنه لشرف لي أن أتخبط بين أمواجها الهائجة، كنتُ غارقك المُخلص الذي رفض كل أطواق النجاة لأنكِ أنتِ النجاة."
أسكن يدها على قلبه المُطمئن و أزال عبراته عن وجهه قبل أن يستكمل بإبتسامة واسعة
"لذا من أجل هذا الغارق المُخلص، لا تدعي العواصف تنهش هدوئك و سلامك مُحركة روحك المضطربة من جديد، و تمني لي رحلة آمنة"
يداه توجهت نحو خصلاتها تتلمسها بخفة كي لا تستيقظ، طبع قبلة رقيقة على جبينها و واحدة على وجنتها، همس ب "سامحيني" ثم نهض من الفراش.
سحب دفتراََ من المكتب و أخذ منه ورقة فارغة، دون شيئاََ ما بالورقة ثم وضعها بمظروف أبيض اللون و كتب على مقدمته "أيزاك".
توجه لغرفة أندرو النائم بعمق و أخبأها تحت وسادته ثم خرج سريعاََ قبل أن يشعر به أندرو.
وضع هاتفه و مفاتيح سيارته بجيبه قبل أن يترجل من المنزل، قاد سيارته لمُدة نصف ساعة تقريباََ ثم وصل أمام المنزل المقصود
"منزل عائلة جونسون"
يبدو قديماََ و مهترئاََ بعض الشيء لكن لا مشكلة.
فتح الباب بالمفتاح الذي سرقه خلسةََ من أنابيل، المكان يعج بالغبار و الأوساخ و هذا ما سيصعب عليه عملية البحث و هو من الأساس لا يمتلك الكثير من الوقت.
شرع أيزاك في البحث عن الكتاب هنا و هناك حتى عثر عليه بعد عناء
"ها أنت ذا" قالها أيزاك بإبتسامة سعيدة
"إلهي أشعر و كأنني سأقبلك جراء غبطتي" قهقه بخفة ثم وضعه أرضاََ و ذهب ليجلب الشموع و كل ما يتطلبه إجراء التعويذة التي ستفصل أندرو عنه.
.
.
.
هبت أنابيل من النوم مذعورة، ترتعد من الخوف و الهلع كمن راوده كابوس سيء للغاية
نظرت بجانبها لتجد أنها وحدها على الفراش، أيزاك ليس هنا.
خرجت من الغرفة و توجهت نحو المطبخ فربما يكون قد أستيقظ باكراََ و لم يرغب في إيقاظها، وجدت إيما و آرثر يتبادلان أطراف الحديث مع كوبين من الشاي
"هل رأى أحدكم أيزاك؟" تساءلت بنبرة يغزوها القلق
"لا" أجاب كلاهما في آنٍ واحد.
فكرت أنابيل أنه ربما يكون بغرفة أندرو لذا صعدت الأدراج لغرفته.
طرقت الباب لكنها لم تتلقى رداََ ففتحته لتستقبل عيناها أندرو النائم و الدماء تُغطي فراشه و قميصه.
ندت منها صرخة قوية هلعة أفزعت أندرو و أقلقت نومه
"ماذا هناك أنابيل؟" تساءل بخوف لتهرع أنابيل نحوه، تتفحصه بعينيها
"ما اللعنة التي حدثت لك أندرو؟" جف حلقه حينما وقعت عيناه على منظر الدماء من حوله ثم نظر إليها و سألها
"هل أجرى أيزاك أي تعويذة أثناء نومي بيل؟" كانت ستجيبه بالنفي قطعاََ لكنها من الأساس لا تجد أيزاك.
"أندرو في الحقيقة انا لا أجده، هو ليس بالمنزل"
"ماذا تعنين ب'ليس بالمنزل' أين سيذهب في هذا الصباح الباكر؟" سأل أندرو مُستنكرا و بدون سماع كلمة أخرى خرجت أنابيل من الغرفة و أمسكت بهاتفها كي تُهاتفه.
كانت تذرع الغرفة ذهاباََ و إياباََ بينما تقضم على أظافرها في إنتظار سماع صوته من الجهة الأخرى
"كنت أنتظر مُكالمتك قبل البدء" تنفست الصعداء عندما أستمعت إلى صوته الجهوري يرن في أذنها
"البدء في ماذا أيزاك؟ أين أنت؟"
الصمت هو كل ما تلقته منه لينتفض قلبها مُعلناََ مفارقة مكانه في أي لحظة
"لا لا لا، أنت وعدتني أيزاك أتوسل إليك لا تفعل ذلك" إرتجاف أطرافها لا يُضاهي الإرتجاف الذي تشعر به بداخلها، حتى أن قدميها تتخلت عنها و طرحتها أرضاََ.
"أخبرتك بأننا سنجد حلاََ آنا، هذا هو الأنسب" حركت رأسها بعنف كمن فقد صوابه و صاحت قائلة
"لا هذا ليس الأنسب" أجابها بقلة حيلة
"لكنه حلاََ آنا"
"أنت ستتخلى عني و تخبرني ذلك بمكالمة هاتفية؟!" نبرتها الساخرة ما هي إلا وسيلة مُثيرة للشفقة لإضمار ما تشعر به من حسرة.
"أنا لا أتخلى عنكِ أنابيل، أنا أفلتك من يداي و كلي رغبة في بقائك لكنني أُفضل أن تكوني حرة"
في أقل من دقائق كانت عيناها متورمتين أثر شدة البكاء، تشعر و كأن المكان لم يعد يسع حزنها و بؤسها، كلماته تطعنها كالسيوف الحادة و قلبها ينزف.
"أنت من يُحررني" همست بصوت بالكاد يُسمع، تنفست بعمق قبل أن تستكمل
"أيزاك هذا ليس قراراََ تتخذه وحدك"
"تلك المرة القرار ليس بشأننا آنا، لقد أخبرتك مُسبقاََ أن الحب ليس كل شيء" شعر أن الكلام قد أثقل كاهله بما فيه الكفاية لذا قرر إنهاء تلك المكالمة التي أرهقت قلبه.
"أنا أحبك آنا، أخبرك بهذا للمرة الأخيرة لكن أقسم بأنني سأحبك دائماََ، و لو كان لي أن أعيش دهراََ فلن يسكن قلبي سواكِ. أتمني أن تتفهميني كما تفعلين دائماََ، وداعاََ."
وضعت الهاتف على قلبها الشجي و صرخت....
هي فقط أطلقت العنان لآلامها و بدأت تصرخ بلا توقف، يدها على قلبها و عروق عنقها تكاد تنفجر من شدة صراخها.
حاول كل من بالمنزل تهدئتها بكل الطرق المُمكنة لكنها لا تكف عن النحيب
"لا تتركني رجاءََ" بكت بحُرقة، كاد أندرو يحاوطها بذراعيه كي تهدأ لكنها نفرت بعيداََ و أستفاقت من نوبة صراخها.
همت واقفه و أخذت مفتاح سيارة أندرو دون حتى أن تُخبره بما حدث، ترجلت من المنزل ركضاََ و دلفت بداخل السيارة، ها هي الآن في طريقها إليه مُتجاهله تماماََ نداء أندرو و صيحاته.
في تلك الأثناء كان أيزاك بدأ في التعويذة ببال مُرتاح بعدما تأكد من أنه فصل أندرو عنه، أندرو لن يشعر بأي شئ، سيكون على ما يرام، و هذا كل ما يُهم بالنسبة له.
أنابيل واثقة من أنها خالفت السرعة القانونية و من المُمكن أن تفتعل حادثاََ في طريقها إليه لكنها لا تُبالي حتى.
كل ما مرت به مع أيزاك أكد لها بأن الحب كالمعركة و كالسباق في الوقت عينه، تُحارب من أجل بقاءه و تُسابق الزمن كي تفعلها في الوقت المُناسب.
بعد نصف ساعة من القيادة المصحوبة بالبكاء وصلت أخيراََ، ترجلت من السيارة و هرعت نحو الباب، لسوء حظها كان مُغلقاََ لكنها دفعته بكتفها مراراََ و تكراراََ دون إستسلام تحت أنظار الجيران التي تخترقها. إقتحمت المنزل و كان أول ما رأته هو جسد أيزاك المُمدد أرضاََ
"لا"نحيبها دوى في أنحاء المنزل مما جعل أيزاك يجفل، هرولت نحو جسده الهامد و جثت علي ركبتيها كي تأخذه بين ذراعيها.
"أيزاك، إبقي معي رجاءََ" حركت أناملها على وجنته البيضاء تُنظفها من الدماء التي لطختها.
"لقد فعلتها أنابيل، لقد نجحت" همس بتثاقل بينما جسده يُصارع للحصول على الهواء.
فُطر قلب أنابيل من رؤيته بهذا الحال المُزري، شبكت يدها بخاصته، عبراتها تأبي التوقف
"أخبرني كيف أُصلح الأمر رجاءََ" توسلته ،إبتسم كالأطفال على سؤالها، حتى بعدما أستحالت الوسائل هي لازالت تبحث عن واحدة.
"لا يمكنكِ"
هزت رأسها نافية "أنا لا أريد أن أفارقك، أنا لازلت أحتاجك أيزاك لا تتركني "
"أنتِ مُضطرة" سعل الدماء من فمه ثم أستكمل "فلتكوني فخراََ لوالديكِ آنا، هما لن يفتخران بكِ أبداََ و أنتِ معي"
أرسلت دموعها في صمت علي خديها تُطالعه بنظرة فارغة، لم تكن تتصور بأنها ستشعر بالألم العصيب الذي أحست به يوم وفاة والديها مُجدداََ فليس بعد ألم فراقهما ألم، لكنها تشعر به أضعافاََ مضاعفة الآن.
"أنهض معي عزيزي و هيا لنعد إلى المنزل" ترقرقت إبتسامة بريئة مُنهكة على شفتيه الكالحتين كما ترقرقت الدمعة في عيونها المهمومة.
"أنا بمنزلي بالفعل"
إزداد نحيبها ليعقد أيزاك حاجباه بعبوس "لا تبكي آنا، أنا لا أحب رؤيتك تبكين."
"و كيف سأبتسم و أنت سترحل عني؟"
رفع يدها لفمه و طبع قبلة خفيفة عليها "إحتفظي بي بداخلك فأنا لن أتركك و سأكون بجانبك، و حين تحزنين روحي ستُحاوطك. ستكونين بأمان لأنني سأرعاكِ دائماََ... و كيف أُُفارقك؟"
أنعقد لسانها و عجز عن الحديث بينما كل خلية بها تترجاه بأن لا يتركها لكن دون جدوى فلا مفر من القدر اليوم.
"هل ستُقلعين عن حبي بعدما يتوقف قلبي عن النبض؟" رفعت يداه لوجهها لتشعر بلمسته عليها للمرة الأخيرة
"لا قطعاََ لا، أنا سأحبك طوال حياتي أيزاك"
تنهد براحة،كان يشك لوهلة بأنها ستبغضه طوال حياتها لما فعله لكنها لن تقوى على فعل ذلك حتى إن حاولت.
"أنا أتفهم أيزاك، أنا أتفهم"
أشرق وجهه كطفل حديث الولادة و علت وجهه إبتسامة هادئة مُسالمة، ركز نظرة على بُقعة واحدة فحسب، لم يتمكن من إبعاد مُقلتيه عنها.
"أنا أراها"
"من؟"
"أيلا،أنا أراها"
أعاد نظره إليها بلهفة ليجد الحمرة تكسو وجهها و العبرات عادت تتسلل من عينيها، لقد حُسم الأمر.
"لا تبكي آنا، هي ستعتني بي جيداََ، تماماََ كما فعلتي أنتِ. سأكون بأمان معها"
كل كلمة تخرج منه كخنجر سام يخترق روحها اليافعة، أبتسمت له رغم ألمها فما من شيء آخر لتفعله سوى طمأنته.
تشبث بيدها أكثر قبل أن يهمس لها كلماته الأخيرة
"إن عثرت على السلام في مكانٍ ما غير عناقك، سأخبر والداكي بأنكِ تُلقين التحية" قهقه بخفة، عبراته تسللت بدورها لتفصح عن ما يشعر به من ألم لكنه تجاهلها و أستكمل
"فلتكوني بخير لأجلي و لأجلهم يا ملاكي" وضعت أنابيل جبينها على خاصته و أغلقت عينيها لتكن أنفاسه الأخيرة كل ما تشعر به.
"ربما نلتقى مجدداََ"
توقف قلبه عن الخفقان مُعلناََ نهاية معركة دامت لثلاثة و ثمانون عاماََ، لترقد روحه من بعدها سالمة مُستكينة بين ذراعاي حبه الأبدي.
لا تقلقوا هذا ليس لقائهم الآخير، فجميعنا سنلتقى مجدداََ في يومٍ ما.
.............
ليست النهاية.
"لم أعتقد أنكِ ستُجيبيني بتلك السرعة" قطبت حاجبيها قبل أن تتساءل
"من المُتحدث؟"
"و أيضاََ لم تُميزي صوتي!" قال بنبرة مُتفاجئة قبل أن يضع يده فوق قلبه و يهمس ب "جرحتيني"
"كريس؟"تساءلت بإستنكار ثم حولت نظرها لباب غرفتها كي تتأكد من كونه مُغلقاََ.
"أصبتِ و أخيراََ" أجاب بفرح مُصطنع
"ماذا تُريد؟" نبرتها حادة و جدية غير راغبة في إطالة تلك المُحادثة أكثر من ذلك.
"لأختصر عليكِ الأمر أنا أُحذرك من أي شيء ينوي أيزاك فعله غداََ، لطالما كان فتي الألاعيب و أنا لستُ أحمقاََ كي تنطلي علي خدعته الصغيرة" إرتبكت أنابيل أثر كلماته اللاذعة لكنها إستجمعت شجاعتها كي لا ينكشف أمرهم.
"أنا لا أعلم ما الذي تتحدث عنه" قالتها مُدعية البلاهة
"أعلمكِ أيزاك بعضاََ من ألاعيبه؟" قهقة ساخراََ ثم أستكمل"على كل حال، أنصحكم بالإستسلام، أعني هذه نصيحة أخوية مئة بالمئة، ما كنتُ لأقف أمام شخص بعزيمة و إصرار لورين باركر"
"و إلا؟"
"و إلا كل من تحفلين بشأنه سيلقي حتفه غداََ أمام عيناكي" إرتعدت أوصالها أثر نبرته الشيطانية الخبيثة
"القرار لكِ بيل، لورين و أنا نمتلك رجالاََ قادرين على تفجير رؤوسكم قبل أن يتسني لكم الرمش حتى، لكن على الجانب الآخر ما الفائدة من إراقة دماء الجميع و نحن نريدك أنتِ فحسب؟" كريس يتلاعب بوتر أكثر من حساس بالنسبة لبيل لا أعلم ما إن كان هذا ذكاءََ أم خباثة.
"فلتستسلمي بيل. هذا سيكون الخيار الأفضل لنا جميعاََ، أو لا تفعلي القرار قرارك" إبتسم بنصر قبل أن يضرب ضربته الساحقة بقوله"لكن تذكري أن كل قرار له عواقب، هل أنتِ حقاََ مستعدة لرؤية جثة أيزاك الهامدة أمامك؟"
.
.
.
"كم كنت أتوق شوقاََ لرؤية هذا المشهد أمامي" إبتسمت لورين بنصر أما عن أنابيل فهي بدأت ترتجف بعنف دون أن تُعيرها إهتماماََ
"أنا جئت لكِ بقدماي، ألا أستحق تفسيراََ بسيطاََ؟ لمَ تفعلين هذا بي لورين ألم ننتهي مُنذ زمن؟" سألت أنابيل بتحدي
"أنتِ على حق كنا قد إنتهينا من الأمر قبل أن يُعيد جدك اللعين فتحه و مُطاردة والدي"
"جدي؟!" سألت أنابيل بإستنكار لتومئ لورين ببساطة
"من الواضح أنكِ تجهلين ما أتحدث عنه لذا لا مُشكلة سأجيبك، على الأقل لتعرفي سبب وفاتك" رمقتها أنابيل نظرة حاقدة قبل أن تستكمل حديثها
"يقولون أنك إذا أردت أذية أحدهم فلتسعى وراء من يُحب، لذا ذنبكِ الوحيد هو أنكِ حفيدته المُفضلة" قهقهت أنابيل بسخرية
"أنا لا أضمن لكِ هذا"
"لا تُقاطعيني" قالت بحدة ثم زفرت الهواء و أستكملت
"بعد وفاة والداك ظن آرثر أن والدي هو الفاعل و كان ذلك ما أثار البُركان القابع بداخله، فهو إبنه الوحيد كما أن حالتك المزرية حينها كانت ما دفعه للإنتقام من أبي بدمٍ بارد و سلب روحه دون حتى أن يضع عائلته في الحسبان، ببساطة أنا أُطاردك لأنني أريد أن أحرق فؤاده ألماََ على فراقك كما فعل بي"
لا يوجد كلمات قادرة على وصف ما تكنه لورين لتلك العائلة من كره، هذا يتضح من نبرتها التي توحى بأن الحقد طغى على كل خصلة جيدة كانت بها.
تنفست أنابيل بعمق و قررت أن لا تبدي ردة فعل على قصة جدها لكن هناك ما أثار ريبتها لذا دون وعي تساءلت
"ألا تُصدقين أن والدك هو الفاعل؟" وقفت لورين أمامها تلك المرة و نظرت إلى عينيها مطولاََ قبل أن تردف بثقة
"لا، على الرغم من أن جميع الأدلة تُشير إليه إلا أنني أخترت أن لا أصدق"
"و ماذا لو كان هو الفاعل؟"
"حينها سأعتذر على فقدانك لوالديكِ نيابةََ عنه
"أنا لا أحتاج إعتذارك" نفت أنابيل "كل ما أحتاجه منك هو أن لا تمسِ عائلتي و أصدقائي بضر، أنا أمامك فلنصفي حسابنا و ننتهي من كل هذا"
"لا يا آنا لا" صراخ باكي إنبعث من أيزاك الذي للمرة الأولى يشعر بذلك العجز في حياته، على الرغم من كونه غير مُقيد كيوم وفاة أخته إلا أنه يشعر بالتقييد فكل خطوة يخطوها هو بإتجاهها تقربها من الموت أكثر. آخر ما سيتحمله قلبه هو رؤية الرصاصة تخترق رأسها لتنتشل منها الحياة بلا رحمة.
تحركت لورين لتقف بجانبها بينما وجهها يقابل وجه أصدقائها الباكي ثم صوبت السلاح على رأسها قبل أن تهمس ب
"أي كلمات أخيرة؟" تسللت عبرة مُتألمة من عينيها، شعرت بقلبها يخفق بشدة كما لو أنه يُصارع ليحيا لكنها تجاهلت كل شيء و رسمت أكبر إبتسامة مزيفة على محياها قبل أن تهمس ب
"سامحوني"
"واحد" بدأت لورين تعد تنازلياََ للحظة إطلاق الرصاصة بغرض العبث بإعصابها لا أكثر
"إثنان" أغمضت أنابيل عيناها مُستعدة لإستقبال الظلام و الدمعة الأخيرة تنزلق على وجنتها لتُجسد ما تشعر به أنابيل من ألم.
"ثلاثة" تلك المرة تفوه بها صوت ذكوري مألوف قبل أن يُفاجئ الجميع بإختراق سهم لذراع لورين المُمسك بالسلاح.
أنتفضت أنابيل على صرخات لورين المُتأملة و فتحت عيناها بقلق لتستقبل أجمل مشهد قد تراه بحياتها،
لورين مُمددة على الأرض تصرخ بألم و هناك بركة من الدماء تكونت أسفل ذراعها.
صرفت وجهها إلى صاحب الصوت و لصدمتها كان
"جدي؟!" وقعت أفواههم أثر الصدمة لكن هناك جزء ما بداخلهم يرقص فرحاََ لأنها بخير
"أعتذر لورين، لم أكن لأفعل هذا لو لم تُقحمي حفيدتي الجميلة بالأمر"
شقت إبتسامة واسعة ثغرها بينما عيناها ترمق جدها بإمتنان بالغ. الجميع علت الإبتسامة وجوههم و تنفسوا الصعداء، لقد فلتت بيل بأعجوبة.
لاحظ أيزاك تقدم إحدى رجال لورين نحو آرثر مُستعداََ لإطلاق النيران عليه
إبتسم أيزاك بسخرية قبل أن يصيح ب"لا، لن يحدث" ثم حرك يداه ببساطة ليشعر الرجل بالسلاح يُنتشل من يداه و يُلقى بعيداََ دون حتى أن يقترب أيزاك منه
"ما اللعنة؟" إرتجف بخوف ليبتسم أيزاك بإستفزازية
"لو كنت مكانك كنت سأركض لحياتي" و بالفعل في أقل من ثانية إختفى الرجل عن الأنظار.
راقب زميله ما حدث لكنه لم يفر هارباََ بل تقدم نحو أنابيل كي يُنهي الأمر بنفسه
أخرج سلاحه من جيبه الخلفي و صوبه ناحية بيل التي لم تراه من الأساس فهي مُنشغلة بمُراقبة جدها.
لحسن الحظ أبصرته إيما التي تبعدهم بأميال لكن هذا لم يمنعها من الإمساك بسكين الجيب الذي تحتفظ به في حقيبتها في حال تعرض لها أحدهم و صوبته نحو قدمه، من الرائع أنها كانت قذفة موفقة فهي أصابت قدمه و بقوة.
"رمية رائعة إيم" أثنى أندرو عليها بذهول، إبتسمت إيما بخجل قبل أن تجيبه ب "كنت بارعة في لعبة رمي السهام" ليُقهقه على طريقتها البريئة عكس ما فعلته منذ قليل.
أمسكت أنابيل بسلاح لورين المُلقى أرضاََ و صوبته نحوها بملامح لم تتمكن لورين من قرائتها، تسمرت في مكانها لا تقوى على الحراك و الدم تجمد بعروقها أثر الفزع، رمقت أنابيل نظرة راجية كما لو أنها تقول"لا تفعلي بي هذا رجاءََ".
إبتسمت أنابيل بإستهزاء و سخرت قائلة " ماذا هناك لورين؟ هل نفذت تهديداتك الآن؟" إلتزمت لورين الصمت لتومئ أنابيل بتفهم "هذا ما توقعته أيضاََ" ثم تستكمل "لكن أتعلمين شيئاََ لورين؟ أنا لن أقتلك لأنني ببساطة لستُ مثلك، على الرغم من كون عائلتك سبب عنائي إلا أنني أختار تركك تتعفنين بوحدتك"
إلتفتت إلى أيزاك الواقف بجانبها ينظر لها بإعجاب و فخر شديدين ثم هرولت نحوه، ظن أنها ستعانقه لذا فتح ذراعاه ليستقبلها لكنها كانت تُراقب من يقف خلفه بعينين طافحتين حقداََ و شراََ
"لا تنظر خلفك" همست بنبرة تحذيرية قبل أن ترتمي بين ذراعاه لا لمعانقته بل لتستند عليه كي تصبح أطول قامة. أقشعر بدنه أثر سماع صوت ضربة قوية جعلته يُشفق على من أصابته.
أبتعدت عنه ليلتفت و يري كريس مطروح أرضاََ و هناك جرح كبير بمُقدمة رأسه، نظر لها بعدم تصديق فقالت"ماذا؟ كان سيُهاجمك"
"يا إلهى أنا أحبك" كان هذا كل ما استطاع التفوه به.
"أنا أحسنت تربيتك" قالها أندرو بفخر ليُقهقه ثلاثتهم.
عانقته أنابيل بود و هو بادلها، ربت على خصلاتها بخفة ثم همس بأذنها قائلاََ " في أقل من دقيقة سيرحل كلاََ من لورين و كريس بلا رجعة"
لم تفهم مقصده لكنها إكتفت بالإيماء و تمنت بداخلها أن يكون على حق.
بعدما أبتعدت عنه إرتمت في عناق أيزاك الذي لم يتردد لحظة في مبادلتها بالقوة عينها
"إياكِ أن تفعلي شيئاََ كهذا مجدداََ" همس في أذنها بلطف. إبتسمت بسعادة و أراحت رأسها على كتفه بعينين مُغمضتين.
قاطع عناقهم الدافيء صوت صفارة الشرطة تقترب منهم، نظرت أنابيل لهم بتساؤل ليردف ديلان موضحاََ
"أنا من طلب الشرطة أثناء إنشغالكم، فلننتهي منهم إلى الأبد"
ترجل الشرطي من السيارة و أمر زملائه بإلقاء القبض على لورين و كريس.
كانت لورين أكثر من مُنهكة لتقاوم قبضة رجال الشرطة على ذراعيها لذا إكتفت بقول الكذبة المُعتادة
"أنا بريئة"
"سنرى حيال ذلك" أجاب الشرطي.
أما عن كريس فهو كان يُصارع ليتملص من قبضة رجال الشرطة، يصرخ بأعلى صوته و تنفر عروق رقبته في مشهد مُخيف
"هذا لا يُعد نصراََ أيزاك أتسمعني؟ أنت لن تعثر على الكتاب مهما حدث حتى لو كان لك عمراََ فوق عمرك. لطالما كنت هَشاََ عديم الفائدة و ستموت على هذا النحو." كان أيزاك يُشبع عيناه من ذلك المنظر الذي تمنى رؤيته طوال حياته و الإبتسامة المُنتصرة تعلو شفتاه، كريس على وشك فقدان أعصابه أثر غيظه و هذا أجمل ما بالأمر.
"هذا من أجل أيلا" صمت كريس و رمقه نظره حاقدة أخيرة قبل أن يدلف للسيارة.
و ها قد رحل الشر بعيداََ.
ركضت أنابيل نحو السيد آرثر و عانقته بقوة و شوق كما لو أن هذا كل ما تحتاجه لليوم، تجمد آرثر في مكانه لعدة لحظات لكنه سرعان ما بادلها بلهفة
"جدي" همست أنابيل بنبرة باكية
"أنا لم أكرهك أبداََ أنابيل، أنا فقط كنت أهاب مواجهتك" ضيقت العناق أكثر قبل أن تهون عليه بقولها
"لا بأس جدي، أنا فخورة بك. أنت الأفضل"
.
.
.
في منزل آرثر
تجمعت العائلة بأكملها في غرفة المعيشة، صوت ضحكاتهم العذب يتردد في أنحاء المنزل و ياله من صوت ساحر، صوت يبعث الطمأنينة في قلوبهم المُشتاقة للشعور بالسلام.
"أنا لا أصدق أننا تخطينا ذلك الأمر" قالها أندرو بعدم تصديق ليجيبه أيزاك بثقة
"ما من شيء في هذا العالم لن نتخطاه معاََ رفيقي" قهقه أندرو بخفة و شاركته أنابيل الضحك.
حدق أيزاك بها لفترة لتتساءل هي بشك
"ماذا؟" هز أيزاك رأسه نافياََ ثم همس قائلاََ
"فقط أُحدق بالفتاة التي عرضت حياتها للخطر من أجلنا بدلاََ من إخبارنا بشأن مُكالمة كريس" قلبت أنابيل عيناها بكلل
"هل حقاََ سنخوض تلك المُحادثة الآن؟" أبتسم أيزاك بشرود لكنه بدى حزيناََ بعض الشيء
"لا، لن نخوضها أبداََ" رفعت حاجباها بتعجب و تساءلت
"حقاََ؟"أومأ أيزاك بإبتسامة لطيفة و سحبها في عناقه
"لن يُقلقنا كريس بعد الآن عزيزتي، ما حدث قد حدث و أنتهي. أنتِ هنا معي و هذا كل ما يُهم"
شعرت أنابيل بيد تسحبها من عناق أيزاك و حين ألتفتت وجدت أنه ديلان.
"سأسرقها منك لدقائق فحسب" أومأ أيزاك بتفهم. أنتبهت أنابيل له كي تحثه على الحديث
"ماذا هناك ديلان؟" أكتفى ديلان بضمها بقوة شديدة و دار بها.
"لمَ فعلت ذلك؟" تساءلت أنابيل بحيرة بعدما أنزلها.
"فعلت هذا لأنني اليوم كنت سأفقدك بيل، كنت سأفقدك و أنا حتى لم أخبرك قط بمقدار حبي لك. أنا أحبك كثيراََ أختي فقط كوني بجانبي دائماََ و لننسي كل ما حدث بيننا سابقاََ" ترقرت عيناها بدموع الفرحة لسماع تلك الكلمات التي كانت تتوق لسماعها و تلك المرة هي لا تشعر بالغرابة بتاتاََ.
عانقته بقوة و همست ب " أنا أيضاََ أحبك أخي الكبير. لا تقلق سأكون هنا من أجلك دائماََ" أبتسم ديلان بسعادة و بادلها العناق. أجمل ما بالأمر هو أن السعادة و الراحة تغمران قلبيهما للمرة الأولى.
جلس أندرو بجوار إيما التي توترت قليلاََ من وجوده بجانبها لكنها حاولت إخفاء ذلك بإبتسامة بسيطة
"إيم"
"أجل؟" تنفس بعمق و قرر تأجيل ما كان سيخبرها به لوقتٍ لاحق لذا غير الموضوع قائلاََ
"يجب أن تُعلميني كيف أكون بارعاََ مثلك في رمي السهام" ضحكت إيما بصخب قبل أن تتفاخر قائلة
"لا تحاول حتى، أنا ولدت هكذا" ضحكاتها تُحلق به لمكان آخر، مكان يمنحه شعوراََ أكثر من رائع.
لاحظت أنه أطال التحديق بها لترتبك، قطع الصمت الغير مُحبب بينهما بسؤال مُبهم أزادها إرتباكاََ
"كيف تفعلين هذا؟" عقدت حاجباها بعدم فهم
"أفعل ماذا؟"
"تدبين الحياة في روحي المُهترئة"
أراحت إيما رأسها على كتفه كي لا يري وجهها الذي كسته حمرة الخجل
"لا تقل هذا أندرو، أنت تمتلك روحاََ نادرة الجمال" أبتسم أندرو بخجل و أراح رأسه فوق خاصتها.
أما عن أنابيل فهي تجلس بعناق أيزاك شاردة تُمرر أناملها على أزرار قميصه
"هل أنتِ بخير؟" سأل أيزاك
"أجل لمَ؟"
"أنت هادئة بطريقة مُريبة" هزت أنابيل رأسها بنفي
"لا شيء فقط أفكر فيما سيحدث بشأن الكتاب و التعويذة" تنهد أيزاك بضيق قبل أن يجيبها
"أريحي أعصابك اليوم فهذه مُشكلة الغد" أبتسمت أنابيل على نبرته الهادئة و أومأت بإنصياع ثم همست ب"أحبك"
على الرغم من أنها أعترفت بحبها له من ذي قبل إلا أن كل مرة تقع على قلبه كوقع المرة الأولى.
قبل أيزاك جبينها بخفة و ضمها إليه مجدداََ.
"أرأيت يا جدي" قالها ديلان الذي أراح رأسه على قدم جده كما كان يفعل في الأيام الخوالي.
"هكذا يكون حالك عندما تكون عازباََ" قهقه الجميع بصخب
"ستجد فتاة تُناسبك يوماََ ما، بُني"
.
.
.
صعد أيزاك مع أنابيل إلى غرفتها و أغلق الباب خلفهما
"كم تكون الحياة هنيئة عندما لا يُعكر أحدهم صفو مزاجك" أومأت أنابيل مُتفقة معه
"إذن" تحدثت أنابيل بتوتر ليرفع أيزاك حاجبه بتساؤل
"لا خطة للحصول على الكتاب؟" تنهد بتعب قبل أن يتساءل مُستنكراََ
"لمَ لا تتناسي الأمر ليوم واحد فحسب آنا؟" لف ذراعيه حولها ليُطمأنها لكنها رمقته نظرة حزينة ثم أجابته
"أعتذر أيزاك لكن على خلافك أنا لا أستطيع الإسترخاء بينما أنا أعلم بأن ما ينتظرنا ليس هيناََ، لا أستطيع الشعور بالراحة مع العلم بأنني قد أستيقظ و لا أجدك بجواري"
أبعد أيزاك خصلاتها البُنية عن عيناها بحنو
"سنجد حلاََ آنا" رفع رأسها بيداه كي تنظر له ثم أستكمل"أنا هنا الآن و هذا كل ما يُهم، لذا من أجلي لا تُفسدي لحظتنا الجميلة بالحديث عن تلك الأشياء"
أومأت أنابيل بتفهم ليبتسم هو برضا و يدفن رأسه بين خصلاتها
" أنا أفتقدك كثيراََ و لا أعلم لمَ أشعر بتلك الطريقة على الرغم من أنني معك طوال الوقت" قهقهت أنابيل بخجل ثم أستكملت
"ماذا عساي أنا أقول؟ لا أحد يكتفي مني" ضحك أيزاك بصخب قبل أن يتفق معها قائلاََ "أجل هذه حقيقة"
قبل أنفها بلُطف ثم أبتعد عن عناقها.
تجردت أنابيل من سترتها الجلدية السوداء و هو تناولها منها كي يضعها في الخزانة.
"هل أفرغتي جيوبك؟" سأل أيزاك ثم تفحص جيوب السترة ليشعر بيداه تقبض على شيء حديدي بارد.
أخرج يداه من جيب السترة ليجد أنها بوصلة فضية يغزوها الصدأ
"آنا عزيزتي، ما هذا؟" ألتفت لها ليجدها مُمددة على الفراش بإرهاق
"هذه بوصلة وجدتها في قبر إليزابيث، أعجبني شكلها فأخذتها" تفحص أيزاك البوصلة و الشك يعتريه.
"لا أظن أنها مُجرد بوصلة، لمَ سيُخبئ بوصلة في قبر إليزابيث؟"
"ربما هي تُمثل ذكرى مهمة بالنسبة له كالساعة" أستنتجت أنابيل.
قلب أيزاك البوصلة على ظهرها ليجد أنها تنفتح من الخلف لذا فتحها سريعاََ و لحسن الحظ كان الأمر هيناََ.
فُتحت عيناه على مصرعيها أثر الصدمة و شعر للحظة أن هناك من صعقه، لاحظت أنابيل ردة فعله الغريبة لتتساءل بنبرة قلقة
"ماذا هناك أيزاك؟"
"آنا هو لم يُخبئ البوصلة بل المفتاح"
عقدت حاجبيها بعدم فهم
"أي مفتاح؟"
"مفتاح منزل آرثر و أليكس القديم، أنا أتذكر هذا المفتاح جيداََ فكريس قد سرقه عندما كان يُخطط لقتل أليكس" ساورته حيرة كبيرة عن سبب إحتفاظ كريس بالمفتاح ليومهم هذا لكنه سرعان ما أدرك لمَ
"أيُعقل أن يكون هذا مكان إحتفاظه بالكتاب؟" تنهدت أنابيل بإرهاق و وضعت يدها فوق رأسها فكثرة الأحداث أصابتها بالصداع.
ربتت أنابيل على البُقعة الفارغة بجانبها و قالت "فلتسترح الآن و غداََ سنبحث في هذا الأمر معاََ عزيزي، حسناََ؟"
إتجه نحو الفراش و تمدد بجانبها واضعاََ رأسه بين عنقها، ربتت على خصلاته الناعمة برقة، شعرت بأنفاسه الساخنة المُنتظمة على عنقها لتُغلق عيناها مُتجاهله قلبها الذي حلق بعيداََ.
"أشكرك آنا" همس أيزاك بخمول
"علام تشكرني؟"
"على كل شيء فعلتيه لأجلي،لقد أصلحتيني"
"لا تقل هذا أيزاك، أنت لم تكن فاسداََ كل ما بالأمر هو أنك لم تتحلى بالإيمان الكافي بذاتك"
"أنتِ مُحقة ، الإيمان كان ضالتي و أنتِ من ساعدني في العثور عليها" أبتسمت أنابيل بتكلف ثم قالت
"لتعلم أنني أحببتك بكل حالاتك" أمسك بيدها و طبع قبلة خفيفة عليها
"بالطبع فعلتي" صمت لبرهة ثم تساءل بنبرة يغزوها الفضول
"أنى لكِ أن تُفقديني صوابي و في الوقت عينه تكونين الشيء الوحيد الذي يُبقيني عاقلاََ؟"
نظرت له بحب و الهيام يتطاير من عينيها العسليتين
"كما تدفعني أنت للتضحية بروحي و كل ما أملك و في الوقت عينه تكون السبب الوحيد الذي يجعلني أتشبث بالحياة"
كلماتها تشق طريقها مباشرة إلى قلبه لكن لسبب ما هي لا تُسعده كما كانت من المُفترض أن تفعل
"لا تفعلي بي هذا أنابيل رجاءََ هذا يؤلمني" نبرة راجية مُنكسرة خرجت منه
"أفعل ماذا أيزاك؟هذه هي الحقيقة"
"لا تُجبريني على البقاء حينما يتحتم علي الرحيل"
رمقته نظرة ساخرة قبل أن تتساءل بإستنكار
"و هل خُيل لك أنني سأدعك تذهب مهما حدث؟"
"تمسكك بي بتلك الطريقة يؤلمني أنابيل"
أجابته بنبرة حادة على عكس ما تشعر به من ضُمور
"ليس بقدر ما يؤلمني"
لم يعد أيزاك يقوى على إكمال تلك المُحادثة أكثر من ذلك، هو لا يتفهم أن رحيله عنها سيُحطم كل شيء بداخلها، سيتناثر قلبها كقطع الزجاج المُنكسرة على الأرضية الرُخامية، و ستُسلب منها روحها الذي كان هو السبب في عودتها.
"أنا لن أقوى على الرحيل أبداََ إذا ظللتِ مُتشبثة بي هكذا" خارت قواه من مُحادثة واحدة تحمل وراءها الكثير من المعاني و المشاعر المُرهِقة.
"إذن لا ترحل، لكن لا تتوقع مني أن أتركك طواعية، لأن هذا لن يحدث"
إرتسمت إبتسامة حزينة على محياه، لم يعلم ما الذي يتعين عليه قوله أو فعله لذا إكتفى بتقبيل وجنتها و التشبث بها أكثر.
حينما مر بعض الوقت و تأكد أنها غطت في نوم عميق همس هو كلماته الأخيرة لها، هو على علم بأنها لن تسمعه أو تجيبه لكنها ستشعر به، و هذا كل ما يحتاج.
"سنجتمع معاََ يوماََ ما و تلك المرة لن أتركك حتى لو إجتمع العالم بأكمله على تفريقنا، فلتنتظري ذلك اليوم و كلك لهفة و شوق للقائي، و حتى يأتي يومنا احتفظي بي بداخلك. فلتنعمي بنوم هنيء يا ملاكي لكن في الصباح لا تبحثي عني بجانبك، لأن هذه المرة يتحتم على الذهاب، لا تقلقي سوف أودعك"
.
.
.
زينت أشعة الشمس الذهبية وجهه الطفولي الحزين مُعلنة عن قدوم صباح جديد آخير، فالشمس ستنقطع عن زيارتهما لمدة لكنها ستعود مجدداََ، ألا تفعل دائماََ؟.
يا ليت كل شيء يعود كما كان لكن مع الأسف هناك أشياء ترحل بلا رجعة.
فتح عيناه لتستقبل وجه فتاته النائم الهادئ الذي لطالما غرق في تفاصيله غير راغباََ في أن يتم إنقاذه، فكل لحظة كالنعيم بالنسبة له.
في مُقابلتهما الأولى حذرها من الفضول و شبهه بالغرق، حسناََ هذا مُثير للسخرية لأنها هي من أغرقته في نهاية المطاف.
"لقد كان من دواعي سروري أن تستقبلني بحار رونقك و فتنتك، و إنه لشرف لي أن أتخبط بين أمواجها الهائجة، كنتُ غارقك المُخلص الذي رفض كل أطواق النجاة لأنكِ أنتِ النجاة."
أسكن يدها على قلبه المُطمئن و أزال عبراته عن وجهه قبل أن يستكمل بإبتسامة واسعة
"لذا من أجل هذا الغارق المُخلص، لا تدعي العواصف تنهش هدوئك و سلامك مُحركة روحك المضطربة من جديد، و تمني لي رحلة آمنة"
يداه توجهت نحو خصلاتها تتلمسها بخفة كي لا تستيقظ، طبع قبلة رقيقة على جبينها و واحدة على وجنتها، همس ب "سامحيني" ثم نهض من الفراش.
سحب دفتراََ من المكتب و أخذ منه ورقة فارغة، دون شيئاََ ما بالورقة ثم وضعها بمظروف أبيض اللون و كتب على مقدمته "أيزاك".
توجه لغرفة أندرو النائم بعمق و أخبأها تحت وسادته ثم خرج سريعاََ قبل أن يشعر به أندرو.
وضع هاتفه و مفاتيح سيارته بجيبه قبل أن يترجل من المنزل، قاد سيارته لمُدة نصف ساعة تقريباََ ثم وصل أمام المنزل المقصود
"منزل عائلة جونسون"
يبدو قديماََ و مهترئاََ بعض الشيء لكن لا مشكلة.
فتح الباب بالمفتاح الذي سرقه خلسةََ من أنابيل، المكان يعج بالغبار و الأوساخ و هذا ما سيصعب عليه عملية البحث و هو من الأساس لا يمتلك الكثير من الوقت.
شرع أيزاك في البحث عن الكتاب هنا و هناك حتى عثر عليه بعد عناء
"ها أنت ذا" قالها أيزاك بإبتسامة سعيدة
"إلهي أشعر و كأنني سأقبلك جراء غبطتي" قهقه بخفة ثم وضعه أرضاََ و ذهب ليجلب الشموع و كل ما يتطلبه إجراء التعويذة التي ستفصل أندرو عنه.
.
.
.
هبت أنابيل من النوم مذعورة، ترتعد من الخوف و الهلع كمن راوده كابوس سيء للغاية
نظرت بجانبها لتجد أنها وحدها على الفراش، أيزاك ليس هنا.
خرجت من الغرفة و توجهت نحو المطبخ فربما يكون قد أستيقظ باكراََ و لم يرغب في إيقاظها، وجدت إيما و آرثر يتبادلان أطراف الحديث مع كوبين من الشاي
"هل رأى أحدكم أيزاك؟" تساءلت بنبرة يغزوها القلق
"لا" أجاب كلاهما في آنٍ واحد.
فكرت أنابيل أنه ربما يكون بغرفة أندرو لذا صعدت الأدراج لغرفته.
طرقت الباب لكنها لم تتلقى رداََ ففتحته لتستقبل عيناها أندرو النائم و الدماء تُغطي فراشه و قميصه.
ندت منها صرخة قوية هلعة أفزعت أندرو و أقلقت نومه
"ماذا هناك أنابيل؟" تساءل بخوف لتهرع أنابيل نحوه، تتفحصه بعينيها
"ما اللعنة التي حدثت لك أندرو؟" جف حلقه حينما وقعت عيناه على منظر الدماء من حوله ثم نظر إليها و سألها
"هل أجرى أيزاك أي تعويذة أثناء نومي بيل؟" كانت ستجيبه بالنفي قطعاََ لكنها من الأساس لا تجد أيزاك.
"أندرو في الحقيقة انا لا أجده، هو ليس بالمنزل"
"ماذا تعنين ب'ليس بالمنزل' أين سيذهب في هذا الصباح الباكر؟" سأل أندرو مُستنكرا و بدون سماع كلمة أخرى خرجت أنابيل من الغرفة و أمسكت بهاتفها كي تُهاتفه.
كانت تذرع الغرفة ذهاباََ و إياباََ بينما تقضم على أظافرها في إنتظار سماع صوته من الجهة الأخرى
"كنت أنتظر مُكالمتك قبل البدء" تنفست الصعداء عندما أستمعت إلى صوته الجهوري يرن في أذنها
"البدء في ماذا أيزاك؟ أين أنت؟"
الصمت هو كل ما تلقته منه لينتفض قلبها مُعلناََ مفارقة مكانه في أي لحظة
"لا لا لا، أنت وعدتني أيزاك أتوسل إليك لا تفعل ذلك" إرتجاف أطرافها لا يُضاهي الإرتجاف الذي تشعر به بداخلها، حتى أن قدميها تتخلت عنها و طرحتها أرضاََ.
"أخبرتك بأننا سنجد حلاََ آنا، هذا هو الأنسب" حركت رأسها بعنف كمن فقد صوابه و صاحت قائلة
"لا هذا ليس الأنسب" أجابها بقلة حيلة
"لكنه حلاََ آنا"
"أنت ستتخلى عني و تخبرني ذلك بمكالمة هاتفية؟!" نبرتها الساخرة ما هي إلا وسيلة مُثيرة للشفقة لإضمار ما تشعر به من حسرة.
"أنا لا أتخلى عنكِ أنابيل، أنا أفلتك من يداي و كلي رغبة في بقائك لكنني أُفضل أن تكوني حرة"
في أقل من دقائق كانت عيناها متورمتين أثر شدة البكاء، تشعر و كأن المكان لم يعد يسع حزنها و بؤسها، كلماته تطعنها كالسيوف الحادة و قلبها ينزف.
"أنت من يُحررني" همست بصوت بالكاد يُسمع، تنفست بعمق قبل أن تستكمل
"أيزاك هذا ليس قراراََ تتخذه وحدك"
"تلك المرة القرار ليس بشأننا آنا، لقد أخبرتك مُسبقاََ أن الحب ليس كل شيء" شعر أن الكلام قد أثقل كاهله بما فيه الكفاية لذا قرر إنهاء تلك المكالمة التي أرهقت قلبه.
"أنا أحبك آنا، أخبرك بهذا للمرة الأخيرة لكن أقسم بأنني سأحبك دائماََ، و لو كان لي أن أعيش دهراََ فلن يسكن قلبي سواكِ. أتمني أن تتفهميني كما تفعلين دائماََ، وداعاََ."
وضعت الهاتف على قلبها الشجي و صرخت....
هي فقط أطلقت العنان لآلامها و بدأت تصرخ بلا توقف، يدها على قلبها و عروق عنقها تكاد تنفجر من شدة صراخها.
حاول كل من بالمنزل تهدئتها بكل الطرق المُمكنة لكنها لا تكف عن النحيب
"لا تتركني رجاءََ" بكت بحُرقة، كاد أندرو يحاوطها بذراعيه كي تهدأ لكنها نفرت بعيداََ و أستفاقت من نوبة صراخها.
همت واقفه و أخذت مفتاح سيارة أندرو دون حتى أن تُخبره بما حدث، ترجلت من المنزل ركضاََ و دلفت بداخل السيارة، ها هي الآن في طريقها إليه مُتجاهله تماماََ نداء أندرو و صيحاته.
في تلك الأثناء كان أيزاك بدأ في التعويذة ببال مُرتاح بعدما تأكد من أنه فصل أندرو عنه، أندرو لن يشعر بأي شئ، سيكون على ما يرام، و هذا كل ما يُهم بالنسبة له.
أنابيل واثقة من أنها خالفت السرعة القانونية و من المُمكن أن تفتعل حادثاََ في طريقها إليه لكنها لا تُبالي حتى.
كل ما مرت به مع أيزاك أكد لها بأن الحب كالمعركة و كالسباق في الوقت عينه، تُحارب من أجل بقاءه و تُسابق الزمن كي تفعلها في الوقت المُناسب.
بعد نصف ساعة من القيادة المصحوبة بالبكاء وصلت أخيراََ، ترجلت من السيارة و هرعت نحو الباب، لسوء حظها كان مُغلقاََ لكنها دفعته بكتفها مراراََ و تكراراََ دون إستسلام تحت أنظار الجيران التي تخترقها. إقتحمت المنزل و كان أول ما رأته هو جسد أيزاك المُمدد أرضاََ
"لا"نحيبها دوى في أنحاء المنزل مما جعل أيزاك يجفل، هرولت نحو جسده الهامد و جثت علي ركبتيها كي تأخذه بين ذراعيها.
"أيزاك، إبقي معي رجاءََ" حركت أناملها على وجنته البيضاء تُنظفها من الدماء التي لطختها.
"لقد فعلتها أنابيل، لقد نجحت" همس بتثاقل بينما جسده يُصارع للحصول على الهواء.
فُطر قلب أنابيل من رؤيته بهذا الحال المُزري، شبكت يدها بخاصته، عبراتها تأبي التوقف
"أخبرني كيف أُصلح الأمر رجاءََ" توسلته ،إبتسم كالأطفال على سؤالها، حتى بعدما أستحالت الوسائل هي لازالت تبحث عن واحدة.
"لا يمكنكِ"
هزت رأسها نافية "أنا لا أريد أن أفارقك، أنا لازلت أحتاجك أيزاك لا تتركني "
"أنتِ مُضطرة" سعل الدماء من فمه ثم أستكمل "فلتكوني فخراََ لوالديكِ آنا، هما لن يفتخران بكِ أبداََ و أنتِ معي"
أرسلت دموعها في صمت علي خديها تُطالعه بنظرة فارغة، لم تكن تتصور بأنها ستشعر بالألم العصيب الذي أحست به يوم وفاة والديها مُجدداََ فليس بعد ألم فراقهما ألم، لكنها تشعر به أضعافاََ مضاعفة الآن.
"أنهض معي عزيزي و هيا لنعد إلى المنزل" ترقرقت إبتسامة بريئة مُنهكة على شفتيه الكالحتين كما ترقرقت الدمعة في عيونها المهمومة.
"أنا بمنزلي بالفعل"
إزداد نحيبها ليعقد أيزاك حاجباه بعبوس "لا تبكي آنا، أنا لا أحب رؤيتك تبكين."
"و كيف سأبتسم و أنت سترحل عني؟"
رفع يدها لفمه و طبع قبلة خفيفة عليها "إحتفظي بي بداخلك فأنا لن أتركك و سأكون بجانبك، و حين تحزنين روحي ستُحاوطك. ستكونين بأمان لأنني سأرعاكِ دائماََ... و كيف أُُفارقك؟"
أنعقد لسانها و عجز عن الحديث بينما كل خلية بها تترجاه بأن لا يتركها لكن دون جدوى فلا مفر من القدر اليوم.
"هل ستُقلعين عن حبي بعدما يتوقف قلبي عن النبض؟" رفعت يداه لوجهها لتشعر بلمسته عليها للمرة الأخيرة
"لا قطعاََ لا، أنا سأحبك طوال حياتي أيزاك"
تنهد براحة،كان يشك لوهلة بأنها ستبغضه طوال حياتها لما فعله لكنها لن تقوى على فعل ذلك حتى إن حاولت.
"أنا أتفهم أيزاك، أنا أتفهم"
أشرق وجهه كطفل حديث الولادة و علت وجهه إبتسامة هادئة مُسالمة، ركز نظرة على بُقعة واحدة فحسب، لم يتمكن من إبعاد مُقلتيه عنها.
"أنا أراها"
"من؟"
"أيلا،أنا أراها"
أعاد نظره إليها بلهفة ليجد الحمرة تكسو وجهها و العبرات عادت تتسلل من عينيها، لقد حُسم الأمر.
"لا تبكي آنا، هي ستعتني بي جيداََ، تماماََ كما فعلتي أنتِ. سأكون بأمان معها"
كل كلمة تخرج منه كخنجر سام يخترق روحها اليافعة، أبتسمت له رغم ألمها فما من شيء آخر لتفعله سوى طمأنته.
تشبث بيدها أكثر قبل أن يهمس لها كلماته الأخيرة
"إن عثرت على السلام في مكانٍ ما غير عناقك، سأخبر والداكي بأنكِ تُلقين التحية" قهقه بخفة، عبراته تسللت بدورها لتفصح عن ما يشعر به من ألم لكنه تجاهلها و أستكمل
"فلتكوني بخير لأجلي و لأجلهم يا ملاكي" وضعت أنابيل جبينها على خاصته و أغلقت عينيها لتكن أنفاسه الأخيرة كل ما تشعر به.
"ربما نلتقى مجدداََ"
توقف قلبه عن الخفقان مُعلناََ نهاية معركة دامت لثلاثة و ثمانون عاماََ، لترقد روحه من بعدها سالمة مُستكينة بين ذراعاي حبه الأبدي.
لا تقلقوا هذا ليس لقائهم الآخير، فجميعنا سنلتقى مجدداََ في يومٍ ما.
.............
ليست النهاية.
Коментарі