1: اليوم الأول في كاميلوت
طرق الشاب ذو الشعر الداكن الباب الخشبي الكبير حيث أخبره الحارس أن يذهب ، لم يتلقَ ردًا فدلف بترددٍ لتلك الغرفة ، كانت غرفةً غريبة .. على اليمين هناك فراشٌ و كرسيان و أمامهم خزانةٌ تستند على الجدار ثم صخورٌ تحيط بموقد نارٍ و بالقرب منها طاولةٌ و أربعة كراسٍ ثم على اليسار مكتبةٌ كبيرةٌ و طاولةٌ عليها نباتاتٌ مجففةٌ و بعض المساحيق الغريبة و عظام حيواناتٍ ربما ! و طاولةٌ أخرى بجانبها عليها أوانٍ و زجاجاتٌ تحوي سوائل ملونةً و ريشةٌ و بعض الأوراق .
كان هناك بابٌ مغلقٌ في نهاية الحجرة و بجواره درجٌ يؤدي للدور الثاني حيث هناك بابٌ آخر و خزانةٌ أخرى على اليمين و على اليسار توجد مكتبةٌ أخرى صغيرةٌ يقف أمامها رجلٌ عجوزٌ على سلمٍ يبحث بين الكتب غير منتبهٍ لوجود زائر .
" و أخيرًا ! "
صاح العجوز فجأةً بسعادةٍ و هو يمسك بكتابٍ ضخمٍ ، تنحنح الشاب قبل أن يقول بصوتٍ عالٍ بعض الشيء ليسمعه العجوز :
" مرحبًا ؟ هل أنتَ جايوس ؟ "
التفت العجوز إليه متعجبًا و أجاب :
" نعم ، إنه أنا ، من أنتَ ؟ "
" أنا لورانس دوجال "
" ابن ويلونا ؟ "
" نعم يا سيدي "
" انتظر لحظةً فقط علي .. "
لم يتمكن من إنهاء جملته حيث زلت قدمه المتكئة على السور الخشبي ، و في لمح البصر تحرك الفراش نحوه و سقط جايوس العجوز فوقه !
حدق بالفراش بصدمةٍ قبل أن يتجه نحو لورانس متسائلًا في دهشة : " كيف فعلت ذلك ؟ "
" أنا لا أعلم "
" كيف لا تعلم ؟ أنت ساحر ! "
" لكنني لست كذلك .. ليس بالضبط "
أجاب لورانس قبل أن يخرج رسالةً من جيبه و يمدها لجايوس ، دقق جايوس النظر به لبعض الوقت بشكٍ قبل أن يأخذ الرسالة .
" لا بد أنك متعبٌ من السفر ، يمكنك المبيت في تلك الحجرة "
قال جايوس بعد سيادة الصمت لبضع دقائق مشيرًا لبابٍ مختبئٍ تحت الدرج المؤدي للطابق الثاني ، تعجب لورانس من هدوئه المفاجئ ؛ هو توقع المزيد من الخوف و الأسئلة ربما ، لكنه أومأ قبل أن يشكره و يتجه لتلك الحجرة .
كانت حجرةً صغيرةً بها سريرٌ و مكتبةٌ مقابلةٌ له و بجانبه منضدةٌ صغيرةٌ عليها بعض الشموع أما على اليمين فيوجد مكتبٌ صغيرٌ و كرسيٌّ و على اليسار نافذة ، كانت الأتربة تغطي بعض الأشياء مما يدل على أنه تم تنظيف الغرفة على عجلٍ ، لكن الحجرة أعجبته رغم ذلك ، وقف يراقب الغروب من النافذة حتى سطع القمر في السماء .

جلس على سريره حاملًا شمعةً بشرود ، فقط يحدق بتلك المكتبة الفارغة و أحيانًا بالسقف ، هو الآن في كاميلوت .. حيث السحر مكروهٌ بشدة ، كيف تريد منه والدته الإقامة هناك ؟ بل و في القصر الملكي أيضًا ! كيف يبدو القصر من الداخل ؟ كيف هي الحياة في القصر ؟ ماذا سيفعل جايوس معه ؟ فبالتأكيد استخدامه السحر من أول لقاءٍ سيترك انطباعًا سيئًا ، قد يتهم جايوس في أي وقتٍ بالتستر على ساحر ، هل قد يحاكم مثل الرجل الذي رآه ؟
أسئلةٌ كثيرةٌ تجوب عقله و تزعجه و لم يجد منها مفرًا سوى النوم متمنيًا ألا يستيقظ على اقتحام الحرس الملكي لغرفته ! في النهاية ويلونا بنفسها ائتمنت جايوس عليه و هو وحيدها .
و في مكانٍ قريبٍ ، في تلك الغرفة الواسعة كان ذاك الفارس ذو الشعر البني الداكن يجلس على فراشه الكبير ذو الغطاء الأحمر الحريري يقلب بين يديه صندوقًا أسود يبدو و كأنه مصنوعٌ من الكريستال و مزخرفٌ بخطوط ذهبٍ دقيقة .
كان صندوقًا جميلًا لكن به بعض الشروخ التي تداخلت بها الرمال ، لمَ قد يتخلص أحدهم من شيءٍ ثمينٍ كهذا ؟ هل أضاعه أحدهم مثلًا ؟ يبدو من منظره أنه كان في الماء لوقتٍ طويل ، وقع من إحدى السفن ربما ؟
حاول فتحه عدة مراتٍ لكنه فقط لم يستطع ، جرب وضعه بالقرب من الشمعة لعله يرى - على الأقل - ظل ما في الصندوق أو ما شابه لكن الصندوق مصنوعٌ بحيث لا يظهر محتواه ، الضوء فقط جعله يبدو كأنه يلمع بلونٍ بنفسجيٍّ جميل .. إن كان لا يعلم ما يفعل به فربما كان عليه فقط تركه على الشاطئ حيث وجده .
.
.
.
و في صباح اليوم التالي ... خرج لورانس من غرفته ببطءٍ باحثًا بنظره عن جايوس ، إلى أن وجده جالسًا على كرسيه بالقرب من النار التي وضع عليها قدرٌ كبير ، يزيل طبقه بصمت ، تمتم بشيءٍ لنفسه قبل أن يتشجع و يتقدم بهدوءٍ قائلًا :
" صباح الخير "
أجابه جايوس باذلًا أقصى جهده كي لا يبدي توتره ، ربما هو خائفٌ منه كساحر ؟ لكن إن كان خائفًا لمَ قد تثق ويلونا به لتبقي ابنها عنده ؟ أحضر صحنًا و وضع به القليل من ذاك السائل الأبيض السميك الذي بالقدر قبل أن يضعه على المنضدة قائلًا :
" حضرت الفطور "
أومأ لورانس قبل أن يتجه للجلوس على الكرسي ليأكل طعامه بصمت ، لم يكن الطعام شهيًا لكن لا بأس به بالنسبة لشخصٍ لم يأكل منذ غروب اليوم السابق .
" بخصوص ما حدث بالأمس .. "
قال جايوس فجأةً بهدوءٍ فقاطعه لورانس قائلًا بسرعة : " لن تخبر أحدًا بما حدث ، أليس كذلك ؟ "
هز جايوس رأسه نافيًا ثم قال مؤكدًا : " لا تقلق ، لن أخبر أحدًا "
زفر لورانس براحةٍ فقال جايوس : " أردت فقط .. قول ' شكرًا ' .. كان ينبغي علي قول ذلك في وقتٍ أبكر "
أشار له لورانس بأنه " لا بأس " قبل أن يعود لتناول طعامه ، و بمجرد أن انتهى عاد جايوس و وضع أمامه دلو ماءٍ كبيرًا قائلًا :
" أحضرت لك الماء في حال أردت الاغتسال "
" نعم ، شكرًا "
اتجه جايوس لينظف المنضدة ، و مستغلًا شرود لورانس في إحدى الزجاجات على المنضدة الصغيرة المجاورة ابتسم قبل أن يسقط دلو الماء و في لحظةٍ ظهر لمعانٌ أزرق خفيفٌ بعيني لورانس قبل أن يتجمد كل من الماء و الدلو قبل أن يسقطا !
حدق كل من جايوس و لورانس به لكن لورانس حدق بدهشةٍ بينما جايوس بدا عليه الانبهار و الإعجاب .
" كيف تقوم بذلك حتى ؟ أتلقي بالتعويذة في عقلك ؟ "
" أنا لا أعرف أي تعاويذ ، لهذا أرسلتني أمي إليك "
" نعم ، قرأت رسالتها بالأمس "
" ماذا كُتب بها ؟ "
" لو كان مسموحًا لك بمعرفة محتواها ما كانت والدتك لتغلفها بهذا الإحكام قبل أن تعطيها لك ، أليس كذلك ؟ "
همهم لورانس بهدوءٍ و لو أنه ليس سعيدًا بتلك الإجابة ؛ فوالدته لم تخفِ يومًا شيئًا عنه لكنه تمتم بـ : " أنت محق " لجايوس الذي بدأ بالشرح :
" من اليوم أنت مساعدي و ستعمل معي هنا "
أومأ لورانس بهدوءٍ محاولًا إخفاء حماسته على الأقل سيجد ما يفعله هنا في كاميلوت ، فتابع جايوس قائلًا و قد أخرج قارورةً من جيبه :
" هذه لحارس الحديقة فهو مصابٌ بالزكام .. هذا فقط ما لدي للآن "
وضع لورانس القارورة التي تحوي ذلك السائل البني المقزز بجيبه فقال جايوس محذرًا : " أظن ويلونا حذرتك من استخدام السحر أمام الناس ، صحيح ؟ الملك هنا يمقت السحر لذا من الأفضل لك أن تتحكم في الأمر هذه المرة "
مرت الصور من الإعدام بالأمس أمامه للحظاتٍ قبل أن يومئ لجايوس في فزعٍ ثم ينهض للخارج لإيصال القارورة و لينسى ما حدث بالأمس ، الإعدام ليس بالأمر الهين .. خاصةً عند رؤيته عن قرب !
سار متبعًا إرشادات خادمة ما استوقفها حتى وصل لممرٍ ملئٍ بأبواب غرف الخدم ، اتجه إلى أبعدها في نهاية الممر ثم طرقه بخفةٍ ففتحه رجلٌ كبيرٌ في السن ، حدق كلٌ منهما بالآخر لبضع لحظاتٍ قبل أن يقول لورانس :
" هذا الدواء من جايوس "
" نعم ، شكرًا أيها الشاب "
أومأ له لورانس ثم سار بخطًى سريعةٍ مبتعدًا فهو لم يكن يومًا شخصًا اجتماعيًا بل لم يكن مسموحًا له بالتواصل مع أحدهم من الأساس ، لكن عليه الآن البدء بالتعلم إن كان سيعمل في القصر .. حيث عدو السحر الأول !
خرج للحديقة قليلًا لعل الهواء النقي يساعده على تجاهل تلك الحقيقة المرعبة ، كانت الحديقة بغاية الجمال ، القصر خلفه و على يمينه و يساره بعض الأشجار المقلمة بعنايةٍ شديدةٍ و كذلك العشب ، بالقرب من أسوار القصر بعض الأزهار الملونة التي لم تتناسب رقتها و بساطتها إلى حدٍ ما مع منظر الحديقة الفخم ، لكنه أحب تلك اللفتة اللطيفة .
مكنه الهدوء الشديد من سماع صوت الفرسان و هم يتدربون في معسكرهم بالقرب من أسوار القصر الخلفية ، لكن ما أثار فضوله و دهشته في الوقت نفسه هو وجود الفارس ذو الشعر البني الذي قابله بالأمس ، لمَ ليس معهم يتدرب ؟
اقترب منه ببطءٍ بينما الفارس يراقبه بهدوءٍ و قبل أن يتمكن من قول أي شيءٍ شعر لورانس بألمٍ شديدٍ في ظهره و وجد نفسه أرضًا ! نهض ببطءٍ و هو يتأوه فقال الفارس ببرودٍ و سخريةٍ لا يجتمعان إلا لديه :
" هذا لأنك دعوتني بالأحمق سابقًا ، لا تظنني سأغفر لك لمجرد أنك من خارج المدينة "
' رغم أنني قمت بتخفيف العقاب ' كان على وشك قول ذلك .. لكنه فضل الاحتفاظ بهذا الجزء لنفسه ، نهض لورانس متجاهلًا الألم و سأل بانزعاج :
" لمَ فعلت ذلك ؟ "
ابتسم الفارس بسخريةٍ و تمتم : " أخبرتك للتو أيها الغبي "
" و من تظن نفسك لأحتاج مغفرتك على أي حال ؟ أتحسب نفسك الملك أو ما شابه ؟ "
سأل لورانس بانفعالٍ لم يعهده في نفسه ؛ فلم تحدث الكثير من الأشياء في قريته استدعت غضبه ، يبدو أنه سيكتشف الكثير من الأشياء عن نفسه في كاميلوت .. دحرج الفارس عينيه في استهزاءٍ محافظًا على ابتسامته الساخرة ثم قال :
" في الواقع ، نعم ، أنا كذلك ... أنا الأمير آرثر بن دراجون ، أمير كاميلوت و ملكها المستقبلي "
كان لورانس على وشك قول شيءٍ لكنه أعاد إغلاق فمه ليستعوب تلك الجملة ، حسنًا لنرى .. لقد انفعل على أمير كاميلوت ، ابن الملك أوثر الذي يمقت السحرة أمثاله ، و ها هو يتشاجر معه ، و لقد نعته سابقًا بالأحمق ! ربما كانت تلك السقطة قليلةً عليه ، أو قويةً حد الهلوسة ! أراد أن يجيبه بشيءٍ ما لكن الصدمة ألجمت لسانه ، و عندما وجد أنه فعلًا لا يملك أي ردٍ على ما سمعه أرغم نفسه على الانحناء معتذرًا ، لم يرَ أنه أخطأ بمساعدة الطفل ، لكن صورته و هو مكان ذاك الرجل الذي أُعدم بالأمس كانت سببًا كافيًا ليتظاهر بالأسف .
رمقه آرثر بنظرةٍ شامتةٍ قبل أن يدقق النظر به بغرورٍ كأنه يخبره بأن اعتذاره غير مقبولٍ و أنه يتوقع المزيد منه لكن لورانس تظاهر بعدم فهم معناها فقرر آرثر تركه و شأنه ... للآن فقط !
أجبر لورانس نفسه على الانحناء مجددًا متجاهلًا الألم و هو يراقب آرثر الذي يسير مبتعدًا نحو بوابة القصر و بمجرد خروجه ، تنهد لورانس بقوةٍ و قرر العودة لجايوس رغم علمه أنه سيصيبه الذعر عندما يعلم بما حدث ، لكنه على الأقل طبيب و يستطيع التعامل مع أيًا كان ما فعله آرثر به .
و في مكانٍ آخر ، بالتحديد غابةٌ كبيرةٌ قريبةٌ من حدود كاميلوت ، نصبت خيمةٌ واسعةٌ وسط معسكرٍ من الفرسان الذين جلس بعضهم يحرس الخيمة و البعض الآخر كان قد انتهى من فحص المنطقة القريبة بحثًا عن الماء للأحصنة و تأمينًا للخيمة أيضًا .
و بداخل الخيمة حيث وُجد ما يشبه طاولةً متوسطة الحجم وضع عليها فستانٌ ذهبيٌّ جميلٌ و أمامها تجلس سيدةٌ في أوائل الثلاثينات من عمرها أو بالأحرى
" الدوقة " حاملةً بين يديها مرآةً صغيرةً تعبث بالغطاء المعلق على كتفيها بسخط ، يفترض بها أن تكون في قصرها بين الخدم و الحشم الذين لا يشغلهم شيءٌ سوى رضاها ، و ليس في منتصف غابةٍ مخيفةٍ و يحيط بها الحرس الوضيعون من كل جهة ، لكنها أوامر الملك أوثر .. و أوامر ملك كاميلوت من الأفضل أن تطاع !
نهضت و أعادت الفستان لصندوق ثيابها و بمجرد التفاتها وجدت سيدةً عجوزًا فضية الشعر ذات وجهٍ .. شبه مشوه ، كانت على وشك الصراخ لكن بإشارةٍ من العجوز أبى صوتها الخروج و تجمدت في مكانها ، و بإشارةٍ أخرى منها مع بعض التمتمات الخافتة الغير مفهومة تهاوى جسد الدوقة أرضًا و أمارات الرعب باديةٌ على وجهها .
تنهدت العجوز بتعبٍ ثم أخذت الغطاء و أخفت به الدوقة التي لم تعد تتنفس حتى ، ثم التقطت المرآة الصغيرة من فوق الطاولة و تمتمت بشيءٍ ما ، و في ثوانٍ صارت تشبه الدوقة تمامًا !
دارت حول نفسها بإعجابٍ و هي تتفحص ثوبها الجديد و بشرتها الناعمة الرقيقة التي صارت تخلو من الندوب و التجاعيد و شعرها الذي صار بنيًا داكنًا ثم نظرت لنفسها في المرآة لترى وجهها كما هو ، عجوزٌ قبيحةٌ و مخيفةٌ فضية الشعر ، تأففت بغضبٍ و كادت تلقي بالمرآة أرضًا لكنها سمعت صوت أحدهم ينادي :
" سيدتي "
تلاه دخول رجلٍ في نهاية الأربعينات ربما يرتدي زِي الفرسان المعدني قائلًا :
" سيدتي ، نطلب الإذن بالتحرك نحو كاميلوت "
تظاهرت بإعادة خصلةٍ خلف أذنها بينما هي في الواقع تتأكد أنها مازالت تبدو كالدوقة كاثرين ثم قالت محاولةً أن تبدو نبرتها طبيعيةً :
" نعم ، بالطبع "
حدق الفارس بها للحظاتٍ قبل أن ينظف حلقه بتوترٍ و ينحني خارجًا ليدخل رجلان ليعيدا جمع الأثاث القليل الموضوع بالخيمة بينما البقية يعدون أحصنتهم للسفر أما هي فقد اتجهت بصمتٍ لإخفاء الجثة محاولةً عدم لفت الانتباه .
و بالعودة للقلعة بـ" لو غرايس " وقفت تلك الفتاة التي تبدو بمنتصف العشرينات ذات الشعر الداكن و العينين الزرقاوين تمامًا كما كانت تقف سابقًا وقت إعدام ذاك الرجل بالأمس ، بل و كانت تحدق بمنصة الإعدام أيضًا التي صارت نظيفةً الآن .
" ألن تستعدي يا مرجانة ؟ "
التفتت على صوت ذاك العجوز الذي لم ينل منه الزمن بعد ذو الشعر الأشقر البلاتيني و العينين الزرقاوين الداكنتين الذي يضع تاجًا كبيرًا مرصعًا بالمجوهرات فوق رأسه ، و من غيره ؟ .. " الملك أوثر بن دراجون " !
" لا "
ألقت نظرةً على منصة الإعدام ثم أردفت في ضيق : " لا أرى في قطع الرءوس ما يدعو للفخر "
زفر الملك محاولًا الحفاظ على هدوئه ثم قال : " إنه لصالحهم يا مرجانة ، لصالح الجميع "
" عمَ تتحدث ؟ هو فقط مارس السحر ، لا خطأ في ذلك ، ثم أنتَ حتى لم تحاول التحقق إن كان ساحرًا أم لا ! "
" أنهِ هذه المحادثة يا مرجانة ، و إن لم تظهري احترامًا لي فعلى الأقل أظهريه لأفضل مغنيةٍ لدينا "
قالها الملك أوثر قبل أن يرحل مبتعدًا كي لا يصب غضبه عليها أما هي فقد تأففت في غضبٍ قبل أن تجبر نفسها على الذهاب لغرفتها لتستعد .
" عذرًا ، إن رأيتي جوان هل لكِ أن تخبريها أن تأتي إلى غرفتي ؟ "
قالتها لإحدى الخادمات التي قابلتهن في طريقها في تواضعٍ مع ابتسامةٍ صغيرةٍ فأومأت الخادمة و أسرعت بالذهاب للبحث عن جوان ، الجميع هنا يحب مرجانة ؛ إنها الفرد الوحيد المتواضع و العطوف في هذه القلعة المظلمة .
1
2
3
4
5
6
7
8
كان هناك بابٌ مغلقٌ في نهاية الحجرة و بجواره درجٌ يؤدي للدور الثاني حيث هناك بابٌ آخر و خزانةٌ أخرى على اليمين و على اليسار توجد مكتبةٌ أخرى صغيرةٌ يقف أمامها رجلٌ عجوزٌ على سلمٍ يبحث بين الكتب غير منتبهٍ لوجود زائر .
" و أخيرًا ! "
صاح العجوز فجأةً بسعادةٍ و هو يمسك بكتابٍ ضخمٍ ، تنحنح الشاب قبل أن يقول بصوتٍ عالٍ بعض الشيء ليسمعه العجوز :
" مرحبًا ؟ هل أنتَ جايوس ؟ "
التفت العجوز إليه متعجبًا و أجاب :
" نعم ، إنه أنا ، من أنتَ ؟ "
" أنا لورانس دوجال "
" ابن ويلونا ؟ "
" نعم يا سيدي "
" انتظر لحظةً فقط علي .. "
لم يتمكن من إنهاء جملته حيث زلت قدمه المتكئة على السور الخشبي ، و في لمح البصر تحرك الفراش نحوه و سقط جايوس العجوز فوقه !
حدق بالفراش بصدمةٍ قبل أن يتجه نحو لورانس متسائلًا في دهشة : " كيف فعلت ذلك ؟ "
" أنا لا أعلم "
" كيف لا تعلم ؟ أنت ساحر ! "
" لكنني لست كذلك .. ليس بالضبط "
أجاب لورانس قبل أن يخرج رسالةً من جيبه و يمدها لجايوس ، دقق جايوس النظر به لبعض الوقت بشكٍ قبل أن يأخذ الرسالة .
" لا بد أنك متعبٌ من السفر ، يمكنك المبيت في تلك الحجرة "
قال جايوس بعد سيادة الصمت لبضع دقائق مشيرًا لبابٍ مختبئٍ تحت الدرج المؤدي للطابق الثاني ، تعجب لورانس من هدوئه المفاجئ ؛ هو توقع المزيد من الخوف و الأسئلة ربما ، لكنه أومأ قبل أن يشكره و يتجه لتلك الحجرة .
كانت حجرةً صغيرةً بها سريرٌ و مكتبةٌ مقابلةٌ له و بجانبه منضدةٌ صغيرةٌ عليها بعض الشموع أما على اليمين فيوجد مكتبٌ صغيرٌ و كرسيٌّ و على اليسار نافذة ، كانت الأتربة تغطي بعض الأشياء مما يدل على أنه تم تنظيف الغرفة على عجلٍ ، لكن الحجرة أعجبته رغم ذلك ، وقف يراقب الغروب من النافذة حتى سطع القمر في السماء .

جلس على سريره حاملًا شمعةً بشرود ، فقط يحدق بتلك المكتبة الفارغة و أحيانًا بالسقف ، هو الآن في كاميلوت .. حيث السحر مكروهٌ بشدة ، كيف تريد منه والدته الإقامة هناك ؟ بل و في القصر الملكي أيضًا ! كيف يبدو القصر من الداخل ؟ كيف هي الحياة في القصر ؟ ماذا سيفعل جايوس معه ؟ فبالتأكيد استخدامه السحر من أول لقاءٍ سيترك انطباعًا سيئًا ، قد يتهم جايوس في أي وقتٍ بالتستر على ساحر ، هل قد يحاكم مثل الرجل الذي رآه ؟
أسئلةٌ كثيرةٌ تجوب عقله و تزعجه و لم يجد منها مفرًا سوى النوم متمنيًا ألا يستيقظ على اقتحام الحرس الملكي لغرفته ! في النهاية ويلونا بنفسها ائتمنت جايوس عليه و هو وحيدها .
و في مكانٍ قريبٍ ، في تلك الغرفة الواسعة كان ذاك الفارس ذو الشعر البني الداكن يجلس على فراشه الكبير ذو الغطاء الأحمر الحريري يقلب بين يديه صندوقًا أسود يبدو و كأنه مصنوعٌ من الكريستال و مزخرفٌ بخطوط ذهبٍ دقيقة .
كان صندوقًا جميلًا لكن به بعض الشروخ التي تداخلت بها الرمال ، لمَ قد يتخلص أحدهم من شيءٍ ثمينٍ كهذا ؟ هل أضاعه أحدهم مثلًا ؟ يبدو من منظره أنه كان في الماء لوقتٍ طويل ، وقع من إحدى السفن ربما ؟
حاول فتحه عدة مراتٍ لكنه فقط لم يستطع ، جرب وضعه بالقرب من الشمعة لعله يرى - على الأقل - ظل ما في الصندوق أو ما شابه لكن الصندوق مصنوعٌ بحيث لا يظهر محتواه ، الضوء فقط جعله يبدو كأنه يلمع بلونٍ بنفسجيٍّ جميل .. إن كان لا يعلم ما يفعل به فربما كان عليه فقط تركه على الشاطئ حيث وجده .
.
.
.
و في صباح اليوم التالي ... خرج لورانس من غرفته ببطءٍ باحثًا بنظره عن جايوس ، إلى أن وجده جالسًا على كرسيه بالقرب من النار التي وضع عليها قدرٌ كبير ، يزيل طبقه بصمت ، تمتم بشيءٍ لنفسه قبل أن يتشجع و يتقدم بهدوءٍ قائلًا :
" صباح الخير "
أجابه جايوس باذلًا أقصى جهده كي لا يبدي توتره ، ربما هو خائفٌ منه كساحر ؟ لكن إن كان خائفًا لمَ قد تثق ويلونا به لتبقي ابنها عنده ؟ أحضر صحنًا و وضع به القليل من ذاك السائل الأبيض السميك الذي بالقدر قبل أن يضعه على المنضدة قائلًا :
" حضرت الفطور "
أومأ لورانس قبل أن يتجه للجلوس على الكرسي ليأكل طعامه بصمت ، لم يكن الطعام شهيًا لكن لا بأس به بالنسبة لشخصٍ لم يأكل منذ غروب اليوم السابق .
" بخصوص ما حدث بالأمس .. "
قال جايوس فجأةً بهدوءٍ فقاطعه لورانس قائلًا بسرعة : " لن تخبر أحدًا بما حدث ، أليس كذلك ؟ "
هز جايوس رأسه نافيًا ثم قال مؤكدًا : " لا تقلق ، لن أخبر أحدًا "
زفر لورانس براحةٍ فقال جايوس : " أردت فقط .. قول ' شكرًا ' .. كان ينبغي علي قول ذلك في وقتٍ أبكر "
أشار له لورانس بأنه " لا بأس " قبل أن يعود لتناول طعامه ، و بمجرد أن انتهى عاد جايوس و وضع أمامه دلو ماءٍ كبيرًا قائلًا :
" أحضرت لك الماء في حال أردت الاغتسال "
" نعم ، شكرًا "
اتجه جايوس لينظف المنضدة ، و مستغلًا شرود لورانس في إحدى الزجاجات على المنضدة الصغيرة المجاورة ابتسم قبل أن يسقط دلو الماء و في لحظةٍ ظهر لمعانٌ أزرق خفيفٌ بعيني لورانس قبل أن يتجمد كل من الماء و الدلو قبل أن يسقطا !
حدق كل من جايوس و لورانس به لكن لورانس حدق بدهشةٍ بينما جايوس بدا عليه الانبهار و الإعجاب .
" كيف تقوم بذلك حتى ؟ أتلقي بالتعويذة في عقلك ؟ "
" أنا لا أعرف أي تعاويذ ، لهذا أرسلتني أمي إليك "
" نعم ، قرأت رسالتها بالأمس "
" ماذا كُتب بها ؟ "
" لو كان مسموحًا لك بمعرفة محتواها ما كانت والدتك لتغلفها بهذا الإحكام قبل أن تعطيها لك ، أليس كذلك ؟ "
همهم لورانس بهدوءٍ و لو أنه ليس سعيدًا بتلك الإجابة ؛ فوالدته لم تخفِ يومًا شيئًا عنه لكنه تمتم بـ : " أنت محق " لجايوس الذي بدأ بالشرح :
" من اليوم أنت مساعدي و ستعمل معي هنا "
أومأ لورانس بهدوءٍ محاولًا إخفاء حماسته على الأقل سيجد ما يفعله هنا في كاميلوت ، فتابع جايوس قائلًا و قد أخرج قارورةً من جيبه :
" هذه لحارس الحديقة فهو مصابٌ بالزكام .. هذا فقط ما لدي للآن "
وضع لورانس القارورة التي تحوي ذلك السائل البني المقزز بجيبه فقال جايوس محذرًا : " أظن ويلونا حذرتك من استخدام السحر أمام الناس ، صحيح ؟ الملك هنا يمقت السحر لذا من الأفضل لك أن تتحكم في الأمر هذه المرة "
مرت الصور من الإعدام بالأمس أمامه للحظاتٍ قبل أن يومئ لجايوس في فزعٍ ثم ينهض للخارج لإيصال القارورة و لينسى ما حدث بالأمس ، الإعدام ليس بالأمر الهين .. خاصةً عند رؤيته عن قرب !
سار متبعًا إرشادات خادمة ما استوقفها حتى وصل لممرٍ ملئٍ بأبواب غرف الخدم ، اتجه إلى أبعدها في نهاية الممر ثم طرقه بخفةٍ ففتحه رجلٌ كبيرٌ في السن ، حدق كلٌ منهما بالآخر لبضع لحظاتٍ قبل أن يقول لورانس :
" هذا الدواء من جايوس "
" نعم ، شكرًا أيها الشاب "
أومأ له لورانس ثم سار بخطًى سريعةٍ مبتعدًا فهو لم يكن يومًا شخصًا اجتماعيًا بل لم يكن مسموحًا له بالتواصل مع أحدهم من الأساس ، لكن عليه الآن البدء بالتعلم إن كان سيعمل في القصر .. حيث عدو السحر الأول !
خرج للحديقة قليلًا لعل الهواء النقي يساعده على تجاهل تلك الحقيقة المرعبة ، كانت الحديقة بغاية الجمال ، القصر خلفه و على يمينه و يساره بعض الأشجار المقلمة بعنايةٍ شديدةٍ و كذلك العشب ، بالقرب من أسوار القصر بعض الأزهار الملونة التي لم تتناسب رقتها و بساطتها إلى حدٍ ما مع منظر الحديقة الفخم ، لكنه أحب تلك اللفتة اللطيفة .
مكنه الهدوء الشديد من سماع صوت الفرسان و هم يتدربون في معسكرهم بالقرب من أسوار القصر الخلفية ، لكن ما أثار فضوله و دهشته في الوقت نفسه هو وجود الفارس ذو الشعر البني الذي قابله بالأمس ، لمَ ليس معهم يتدرب ؟
اقترب منه ببطءٍ بينما الفارس يراقبه بهدوءٍ و قبل أن يتمكن من قول أي شيءٍ شعر لورانس بألمٍ شديدٍ في ظهره و وجد نفسه أرضًا ! نهض ببطءٍ و هو يتأوه فقال الفارس ببرودٍ و سخريةٍ لا يجتمعان إلا لديه :
" هذا لأنك دعوتني بالأحمق سابقًا ، لا تظنني سأغفر لك لمجرد أنك من خارج المدينة "
' رغم أنني قمت بتخفيف العقاب ' كان على وشك قول ذلك .. لكنه فضل الاحتفاظ بهذا الجزء لنفسه ، نهض لورانس متجاهلًا الألم و سأل بانزعاج :
" لمَ فعلت ذلك ؟ "
ابتسم الفارس بسخريةٍ و تمتم : " أخبرتك للتو أيها الغبي "
" و من تظن نفسك لأحتاج مغفرتك على أي حال ؟ أتحسب نفسك الملك أو ما شابه ؟ "
سأل لورانس بانفعالٍ لم يعهده في نفسه ؛ فلم تحدث الكثير من الأشياء في قريته استدعت غضبه ، يبدو أنه سيكتشف الكثير من الأشياء عن نفسه في كاميلوت .. دحرج الفارس عينيه في استهزاءٍ محافظًا على ابتسامته الساخرة ثم قال :
" في الواقع ، نعم ، أنا كذلك ... أنا الأمير آرثر بن دراجون ، أمير كاميلوت و ملكها المستقبلي "
كان لورانس على وشك قول شيءٍ لكنه أعاد إغلاق فمه ليستعوب تلك الجملة ، حسنًا لنرى .. لقد انفعل على أمير كاميلوت ، ابن الملك أوثر الذي يمقت السحرة أمثاله ، و ها هو يتشاجر معه ، و لقد نعته سابقًا بالأحمق ! ربما كانت تلك السقطة قليلةً عليه ، أو قويةً حد الهلوسة ! أراد أن يجيبه بشيءٍ ما لكن الصدمة ألجمت لسانه ، و عندما وجد أنه فعلًا لا يملك أي ردٍ على ما سمعه أرغم نفسه على الانحناء معتذرًا ، لم يرَ أنه أخطأ بمساعدة الطفل ، لكن صورته و هو مكان ذاك الرجل الذي أُعدم بالأمس كانت سببًا كافيًا ليتظاهر بالأسف .
رمقه آرثر بنظرةٍ شامتةٍ قبل أن يدقق النظر به بغرورٍ كأنه يخبره بأن اعتذاره غير مقبولٍ و أنه يتوقع المزيد منه لكن لورانس تظاهر بعدم فهم معناها فقرر آرثر تركه و شأنه ... للآن فقط !
أجبر لورانس نفسه على الانحناء مجددًا متجاهلًا الألم و هو يراقب آرثر الذي يسير مبتعدًا نحو بوابة القصر و بمجرد خروجه ، تنهد لورانس بقوةٍ و قرر العودة لجايوس رغم علمه أنه سيصيبه الذعر عندما يعلم بما حدث ، لكنه على الأقل طبيب و يستطيع التعامل مع أيًا كان ما فعله آرثر به .
و في مكانٍ آخر ، بالتحديد غابةٌ كبيرةٌ قريبةٌ من حدود كاميلوت ، نصبت خيمةٌ واسعةٌ وسط معسكرٍ من الفرسان الذين جلس بعضهم يحرس الخيمة و البعض الآخر كان قد انتهى من فحص المنطقة القريبة بحثًا عن الماء للأحصنة و تأمينًا للخيمة أيضًا .
و بداخل الخيمة حيث وُجد ما يشبه طاولةً متوسطة الحجم وضع عليها فستانٌ ذهبيٌّ جميلٌ و أمامها تجلس سيدةٌ في أوائل الثلاثينات من عمرها أو بالأحرى
" الدوقة " حاملةً بين يديها مرآةً صغيرةً تعبث بالغطاء المعلق على كتفيها بسخط ، يفترض بها أن تكون في قصرها بين الخدم و الحشم الذين لا يشغلهم شيءٌ سوى رضاها ، و ليس في منتصف غابةٍ مخيفةٍ و يحيط بها الحرس الوضيعون من كل جهة ، لكنها أوامر الملك أوثر .. و أوامر ملك كاميلوت من الأفضل أن تطاع !
نهضت و أعادت الفستان لصندوق ثيابها و بمجرد التفاتها وجدت سيدةً عجوزًا فضية الشعر ذات وجهٍ .. شبه مشوه ، كانت على وشك الصراخ لكن بإشارةٍ من العجوز أبى صوتها الخروج و تجمدت في مكانها ، و بإشارةٍ أخرى منها مع بعض التمتمات الخافتة الغير مفهومة تهاوى جسد الدوقة أرضًا و أمارات الرعب باديةٌ على وجهها .
تنهدت العجوز بتعبٍ ثم أخذت الغطاء و أخفت به الدوقة التي لم تعد تتنفس حتى ، ثم التقطت المرآة الصغيرة من فوق الطاولة و تمتمت بشيءٍ ما ، و في ثوانٍ صارت تشبه الدوقة تمامًا !
دارت حول نفسها بإعجابٍ و هي تتفحص ثوبها الجديد و بشرتها الناعمة الرقيقة التي صارت تخلو من الندوب و التجاعيد و شعرها الذي صار بنيًا داكنًا ثم نظرت لنفسها في المرآة لترى وجهها كما هو ، عجوزٌ قبيحةٌ و مخيفةٌ فضية الشعر ، تأففت بغضبٍ و كادت تلقي بالمرآة أرضًا لكنها سمعت صوت أحدهم ينادي :
" سيدتي "
تلاه دخول رجلٍ في نهاية الأربعينات ربما يرتدي زِي الفرسان المعدني قائلًا :
" سيدتي ، نطلب الإذن بالتحرك نحو كاميلوت "
تظاهرت بإعادة خصلةٍ خلف أذنها بينما هي في الواقع تتأكد أنها مازالت تبدو كالدوقة كاثرين ثم قالت محاولةً أن تبدو نبرتها طبيعيةً :
" نعم ، بالطبع "
حدق الفارس بها للحظاتٍ قبل أن ينظف حلقه بتوترٍ و ينحني خارجًا ليدخل رجلان ليعيدا جمع الأثاث القليل الموضوع بالخيمة بينما البقية يعدون أحصنتهم للسفر أما هي فقد اتجهت بصمتٍ لإخفاء الجثة محاولةً عدم لفت الانتباه .
و بالعودة للقلعة بـ" لو غرايس " وقفت تلك الفتاة التي تبدو بمنتصف العشرينات ذات الشعر الداكن و العينين الزرقاوين تمامًا كما كانت تقف سابقًا وقت إعدام ذاك الرجل بالأمس ، بل و كانت تحدق بمنصة الإعدام أيضًا التي صارت نظيفةً الآن .
" ألن تستعدي يا مرجانة ؟ "
التفتت على صوت ذاك العجوز الذي لم ينل منه الزمن بعد ذو الشعر الأشقر البلاتيني و العينين الزرقاوين الداكنتين الذي يضع تاجًا كبيرًا مرصعًا بالمجوهرات فوق رأسه ، و من غيره ؟ .. " الملك أوثر بن دراجون " !
" لا "
ألقت نظرةً على منصة الإعدام ثم أردفت في ضيق : " لا أرى في قطع الرءوس ما يدعو للفخر "
زفر الملك محاولًا الحفاظ على هدوئه ثم قال : " إنه لصالحهم يا مرجانة ، لصالح الجميع "
" عمَ تتحدث ؟ هو فقط مارس السحر ، لا خطأ في ذلك ، ثم أنتَ حتى لم تحاول التحقق إن كان ساحرًا أم لا ! "
" أنهِ هذه المحادثة يا مرجانة ، و إن لم تظهري احترامًا لي فعلى الأقل أظهريه لأفضل مغنيةٍ لدينا "
قالها الملك أوثر قبل أن يرحل مبتعدًا كي لا يصب غضبه عليها أما هي فقد تأففت في غضبٍ قبل أن تجبر نفسها على الذهاب لغرفتها لتستعد .
" عذرًا ، إن رأيتي جوان هل لكِ أن تخبريها أن تأتي إلى غرفتي ؟ "
قالتها لإحدى الخادمات التي قابلتهن في طريقها في تواضعٍ مع ابتسامةٍ صغيرةٍ فأومأت الخادمة و أسرعت بالذهاب للبحث عن جوان ، الجميع هنا يحب مرجانة ؛ إنها الفرد الوحيد المتواضع و العطوف في هذه القلعة المظلمة .
1
2
3
4
5
6
7
8
Коментарі