5: إن صبري ينفذ! 1
" صباح الخير ! " قالت مرح بنشاطٍ لمرجانة التي استيقظت لتوها و خرجت من غرفتها لتبحث عن مرح فسألتها مرجانة : " أين كنتي؟ "
" أتجول قليلًا، مازلت لا أصدق أنني حرة "
" ممَّ؟ " سألت مرجانة بفضولٍ لتصمت مرح قليلًا ثم تجيبها : " لقد .. كنت محتجزةً .. في هذا الصندوق ، مع تعويذةٍ لإبقائي هناك "
" لكم من المدة؟ "
" لا أعلم ، توقفت عن العد .. ظننت أنني لن أخرج أبدًا "
نظرت مرح في عيني مرجانة مباشرةً لتجدهما تلمعان بحزنٍ و شفقة فأشاحت ببصرها بإنزعاجٍ و أردفت : " إلى أن شعرت بتردد آرثر على تلك الغابة، حاولت اقتياد الصندوق بحيث تجرفه الأمواج على الشاطئ عند حدود الغابة.. حيث وجده تمامًا "
" إذًا، تريدين القول بأنه أنقذ حياتك "
" نوعًا ما، نعم.. لكن لا تخبريه بذلك فهو مزعجٌ مغرور "
" آرثر ليس بهذا السوء يا عزيزتي "
" لو لم يكن بهذا السوء حقًا ما كنت لأكون هنا "
" ماذا تعنين؟ "
" آسفة، لا يمكنني إخبارك، ليس بعد، بالتأكيد سيعودون من أجلي قريبًا .. بل أنا مندهشةٌ أنهم لم يأتوا إلي منذ اليوم
الأول "
" و من هم ؟ "
تجمدت كلتاهما عندما سمعتا هذا السؤال قادمًا من خلفهما مع لكنةٍ إنجليزيةٍ قوية و صوتٍ عميقٍ هادئ، استدارت مرجانة لتقابله باستغرابٍ من وجوده بينما مرح قامت بالشهيق و الزفير لتحافظ على هدوئها ثم التفتت و سألت بهدوء :
" منذ متى و أنت هنا ؟ "
" منذ جزء أنكِ هنا لأنني أسيء التصرف "
" ألم يكن بإمكانك المرور من مكانٍ آخر أو شيءٌ ما ؟ "
" إنها قلعتي ، و أنا أسير حيثما أشاء "
" لكن التنصت على حديثنا ليس تصرفًا نبيلًا ألا تظن يا جلالتك ؟ "
سألت مرح ساخرةً لتسرع مرجانة بمحاولة إيقاف الحرب قبل أن تبدأ قائلةً : " توقفا كلاكما، ما من داعٍ لكل هذا فلم يحدث شيء يستدعي كل هذا الشجار "
نظر كلاهما إليها مفكرين بما قالته ثم قال آرثر بهدوءٍ: " كنت أمر و سمعتكما صدفة ، هذا فقط "
رمقته مرح بنظرة شكٍ ثم تمتمت بـ :
" حسنًا " فأعاد آرثر تكرار سؤاله بإصرارٍ أكبر و أضاف إليه سؤالًا آخر عن موضوع حديثهما فتجاهلته مرح تمامًا و سارت مبتعدةً ليشتعل الغضب بداخله، هو ليس صبورًا و الجميع يعرف .. حتى هي ، لكن لنكن واقعيين .. هي أكثر عنادًا منه .
" مرجانة ، تلك ليست كوابيس ، إنها ذكريات .. ذكريات حياتك السابقة، حاولي التركيز عليها لتتذكري ما حدث، هذا سيخفف الألم أيضًا، و قبل أن تقوليها فمن دون لكن ! رجاءً يا مرجانة، الأمر صعبٌ بالفعل فلا تزيديه سوءً "
قالت مرح مترجيةً و هي تحاول تجاهل ملامح مرجانة الحزينة و الخائفة و اليائسة و تركتها و هي تسير متوجهةً لعيادة جايوس كأنها كانت تعيش في هذه القلعة و تحفظها عن ظهر قلب ، هي كانت خائفة .. تحررها يعني ازدياد المشاكل لكن ما كانت تخشاه أكثر من أي شيء آخر .. كان رد فعل مرجانة ، هي وعدتها بأن تخبرها الحقيقة .. و هي تريد ذلك ، لكنها ليست مرتاحةً للأمر .. هي فقط لا تستطيع، تبًا لسيدة البحيرة الأنانية ! هي السبب في كل ذلك!
أغلقت عينيها بقوةٍ و هي تدندن بلحنٍ ما بخفوتٍ إلى أن وصلت إلى وجهتها ، طرقت الباب بخفةٍ ثم دخلت دون أن تنتظر رد جايوس ، وجدته يقرأ كتابًا ما و كان يبدو منهمكًا في القراءة بحيث أنه لم يسمع طرق الباب.. لكنه بمجرد أن رآها أغلق الكتاب بسرعةٍ و هب واقفًا يراقبها بشيءٍ من المفاجأة قبل أن يبتسم مرحبًا بها ... لكنها لم تغفل عن يده التي غطت الكتاب بقطعة قماشٍ كانت على الطاولة بجانبه .
" مرحبًا ، جايوس أليس كذلك ؟ "
قالت مرح بابتسامةٍ لطيفةٍ متظاهرةً بمحاولة تذكر اسمه لتعطيه انطباع أن مرجانة من أخبرتها به فأجابها بابتسامةٍ شبه مزيفةٍ و هو بالكاد يمنع نفسه من تفحص مكان الكتاب :
" نعم، أرى أنكِ تحسنتي كثيرًا عن ليلة أمس "
" نعم، أردت شكرك على ما فعلت من
أجلي "
" هذا عملي يا آنسة، لكن هل تسمحين لي بالسؤال .. كيف أصبتي بتلك الجروح؟ "
هنا أدركت مرح غلطة مجيئها إلى هنا، هو كان ممثلًا محترفًا بإخفاء توتره، كما أنه يشك بها، و لكنها لا تقل احترافيةً عنه .
" لقد أوقعني حصاني في الغابة القريبة من الحدود عندما أرسلني سيدي لقافلة قرب الحدود و لسوء حظي زلت قدمي و سقطت في النهر كذلك، طبعًا دون ذكر أنني عوقبت و طردت "
انتهت من سرد حكايتها الصغيرة الكاذبة و قد نجحت في إظهار الخوف و الإنزعاج على ملامحها بالتناوب بشكلٍ قد يحسدها عليه الممثلون في زمننا الحالي و تظاهرت بالإشاحة ببصرها بعيدًا في نهاية جملتها بينما هي تحدق بذاك الباب المختبئ خلف الدرج المؤدي للطابق الثاني و قد أخفت يدها خلف ظهرها في محاولةٍ لإخفاء انقباضها بغضبٍ عن جايوس الذي تمتم :
" هذا قاسٍ "
" إنها الحياة " قالتها و قد تعمدت ألا يكون تظاهرها باللامبالاة مقنعًا جدًا ليسأل جايوس ليغطي على حركة يده التي تحكم إخفاء الكتاب - و التي تعمدت التظاهر بعدم ملاحظتها - :
" هل لديكِ مكانٌ تبقين فيه؟ أسرةٌ أو أقارب ؟ "
أجابته محاولةً كبح غضبها كي لا يفسد تمثيليتها الصغيرة : " لدي منزل أسرتي القديم "
" عودي إليهم إذًا ، لا شك أنهم سيقلقون
عليكِ "
" سأفعل، شكرًا مجددًا "
" عفوًا "
تمتم جايوس و استغل التفاتها لتخرج من العيادة ليلتقط الكتاب و يتجه ليخفيه بالقرب من الفراش الخاص بالعيادة إلى أن يتأكد من أن المكان خالٍ لكنها تعمدت التباطؤ في خطواتها حتى يخرج ذاك المستمع خلف الباب ظنًا منه أنها خرجت، و لأن هناك مستمعًا وقحًا آخر كان ينصت باهتمامٍ لكل كلمةٍ قالتها منذ دخلت العيادة حيث وقف عند الباب بمجرد إغلاقها له و قد أمكنها تخيل الابتسامة المستفزة التي تكونت على وجهه مما صعب قيامها بتمثيليتها أمام جايوس .
" جايوس، من ... ؟ "
و فعلًا خرج المتنصت الأول من مخبئه و الذي كان عبارةً عن غرفةٍ صغيرةٍ في آخر العيادة و الذي لم يكن سوى لورانس و كان على وشك سؤال جايوس عنها عندما صدم بوجودها أمامه تبتسم له بلطفٍ، تبادل هو و جايوس النظرات المتعجبة من بعضهما البعض بينما هي اتسعت عينيها بصدمةٍ قبل أن تزيف ابتسامةً عندما وجدتهما يعيدان نظريهما إليها.
" عذرًا يا آنسة، لم أعلم بوجود أحدهم هنا مع جايوس "
قال لورانس محاولًا تمالك الموقف عندما نظف جايوس حلقه كإشارةٍ له ليقول شيئًا لكنها لم تكن في وضعٍ أفضل منه أبدًا، حاولت الإجابة بلطفٍ لكن نبرتها خانتها و خرجت متوترةً و متلعثمةً في بداية الجملة قبل أن تستعيد هدوءها في منتصفها بشكلٍ غريب.
" لـ.. لا عليك .. يا سيد لم يحدث شيء "
" هذا مساعدي لورانس ، لقد ساعدني بالأمس على علاجك "
وقفت تحدق به للحظاتٍ ثم قالت مع ابتسامةٍ لطيفةٍ بنبرةٍ حاولت أن تبدو طبيعية : " شكرًا لك يا لورانس ، إذًا.. إلى اللقاء "
و تعمدت التشديد عليها لكن جايوس كان يفكر بما سيحدث بسبب ذاك الكتاب الذي كان يقرؤه لذا لم ينتبه للأمر كثيرًا، و بمجرد أن وصلت للباب لتخرج عاد الهدوء بشكلٍ غريبٍ لملامحها أو بالأحرى قناع الهدوء الذي يخفي خلفه الكثير من الغضب قبل أن تخرج و تغلق الباب خلفها تاركةً لورانس لجايوس و أسئلته و تتجه بعكس اتجاه الخروج، لنهاية الممر حيث يوجد ممران يؤدي أحدهما لغرف الخدم و المطبخ و الآخر لقاعة العرش و السلالم التي تؤدي لغرف النوم.
" التنصت عادةٌ لا تليق بالأمراء ألا تظن ذلك يا عزيزي آرثر ؟ "
سألت بنبرةٍ هادئةٍ تحمل شيئًا من الخبث ليظهر آرثر من الممر و يقف أمامها فتابعت ساخرةً منه كما فعل سابقًا منها في الغابة عندما " ادعت " معرفتها بمرجانة :
" أم أنك كنت تمر من هنا صدفة ؟ و طبعًا التصقت أذنك بالباب صدفة أيضًا ، أليس كذلك؟ "
الثقة الشديدة في نبرتها لم تترك له مجالًا للإنكار .. و إن كان متعجبًا من تلك الفتاة ، غموضها ، نبرتها ، انفعالاتها ، و أسلوبها لكنه ابتسم بشيءٍ من السخرية كذلك عندما استوعب ما سمعه و قال :
" أخبرتكِ أنه قصري و أنا أسير حيثما أشاء، من تخدمين إذًا؟ أحد النبلاء أم التجار؟ "
" لا هذا و لا ذاك ، أنا لست خادمة "
" لقد سمعت ما قلته لجايوس، و لا أظن كذبك على مرجانة سيعجبها "
" أيٌّ من أفعالي ليس من شأنك! "
" لكنه من شأن الملك "
قاطعها بابتسامةٍ خبيثةٍ لكنها فاجأته بأن تابعت بنفس ابتسامتها المدللة و المستفزة : " و الآن اعذرني على الذهاب .. إلى اللقاء يا عزيزي "
لوحت له بابتسامةٍ لطيفةٍ لكن مع أشد نبراتها استفزازًا و سارت مبتعدةً بينما آرثر قد اتخذ قراره بأن صبره قد نفذ بالفعل منذ زمن لكنه لم يجدها بالحديقة عندما حاول اللحاق بها و لا خارج القصر، قرر الذهاب للصيد .. لكن ذاكرته قامت بعملها بإعادة كلماتها مرارًا و تكرارًا عليه بشكلٍ مزعجٍ فتراجع عن الأمر.
.
.
و في الغابة حيث هرب لورانس ليجرب بعض التعاويذ الجديدة الخاصة بالطبيعة.. كانت عيناه زرقاوتين لامعتين بشكلٍ غريب ، لكن جميل .. و لم يبدُ أنه يلاقي نجاحًا كبيرًا! ظل هكذا لحوالي ساعتين يحمل الكتاب الذي كان ملكًا للساحرة بيده و يتمتم بكلماتٍ غير مفهومةٍ بصوتٍ خافت .
جلس على الأرض بتعبٍ شديدٍ و هو يلهث لكنه لم يتمكن من التقاط أنفاسه فقد تجمد في مكانه تمامًا عندما سمع تصفيقًا من بين الأشجار لكنه ما لبث أن تدارك الوضع و نهض مسرعًا و هو يخبئ الكتاب خلف ظهره، خرجت مرح من بين الأشجار و هي تبتسم له بلطفٍ بدا له مريبًا جدًا.
" أنتِ؟ " سأل بصدمةٍ لتومئ له بنفس الابتسامة، بقدر ما كانت جميلةً تلك الابتسامة بقدر ما بدت مزيفة .. و كأن ملامح صاحبتها الرقيقة ستكشف عن وحشٍ كاسرٍ سيزيل قناعه المبتسم ليلتهمك بوحشية، و هي تعمدت ذلك .. أرادت فقط رؤية رد فعله.
" كما تعلم ، لم يكن ذلك سيئًا بالنسبة لتجربةٍ أولى يا لورانس "
" عذرًا ؟ "
" لا تتحاذق .. أنت ساحر "
" من أخبركِ بهذه التراهات ؟ "
و على الرغم من توتره الشديد فقد استجمع شجاعته و نجح في قول تلك الجملة بثباتٍ أدهشها - لكنها طبعًا لم تظهر ذلك - ثم أصدرت ضحكةً تقذف القلق في القلب تليق بابتسامتها السابقة قبل أن تبتسم ساخرةً و تقول :
" ماذا عنك؟ ألا تريدني أن أخبرك ببعض التراهات أيضًا ؟ "
كان يفكر بأن ابتسامتها الساخرة تشبه الخاصة بآرثر لحدٍ كبيرٍ لكنه لاحقًا استوعب جملتها فقبض على الكتاب بقوةٍ و هو يحاول تفادي النظر بعينيها و التفكير بحلٍ لهذه الورطة إلى أن أجبره عقله على جعله يطرح السؤال على نفسه: " ماذا تعني بتلك الجملة بحق الجحيم ؟ "
" أفضل أن أريك "
قالت له ثم استدارت و اتجهت نحو شجرةٍ قصيرةٍ ما زالت قيد النمو ذات جذعٍ رفيعٍ و أغصانٍ ضعيفةٍ شبه عاريةٍ من الأوراق فاستغل استدارتها تلك ليخفي الكتاب بمعطفه و هو يتظاهر بعقد ذراعيه بإنزعاجٍ ليبقيه هناك و هو يلعن داخليًا أنهم - أيًا من كانوا - يختارون كتبًا ممتلئةً كبيرة الحجم ليجعلوها كتب سحرٍ و يطلبون منهم إخفاءها، التقطت أحد الفروع و الذي كان مكسورًا ينتظر نسمة هواءٍ متمردةً قليلًا لتنتزعه في طريقها و هو يراقب بتعجب ، أحاطت مكان الكسر بيديها و أغلقت عينيها بهدوءٍ شديدٍ ليصدر ضوءٌ لامعٌ تسلل القليل منه من بين أصابعها ليندهش لورانس و يعود ذاك الجزء المكسور و المائل من الغصن للاعتدال ، و بمجرد أن أبعدت يديها عنه كان الكسر قد اختفى! تراجعت للخلف قليلًا و هي تشير بيديها على الشجرة لتنمو تدريجيًا و تصبح شجرةً كبيرةً و قوية!
" ما بك؟ هل أعجبتك تراهاتي ؟ "
قالتها ساخرةً في محاولة منها لمنع نفسها من الضحك على دهشته التي أدت لتيبسه بشكلٍ مضحك ، اقترب بخطى مترددةٍ نحو الغصن فأفسحت له المجال ليتحسسه بأصابعه و مازالت الدهشة تطغى على ملامحه و كذلك نبرة صوته عندما حاول سؤالها :
" هل أنتِ... ؟ "
قاطعته مسرعةً بنبرةٍ منزعجةٍ ملولة: " لا، ليس تمامًا .. توقفوا عن الخلط بيننا بحق كل شيء! "
فتح فمه ليسألها عن شيءٍ ما لكنها سبقته قائلةً : " أنا أحضرت لك هذا الكتاب "
و عندما بالكاد تغلب على صدمته الأولى أتته الثانية، هي كانت تعرف بأمره من البداية! و هي أيضًا تملك سحرًا .. لكنها صديقة مرجانة، و قضت الليلة في كاميلوت في الطابق الذي يقع تحت طابق جناح الملك و جناح آرثر مباشرةً ! و بينما آلاف الأسئلة تندفع في عقله تنبه لشيءٍ هام، أهي الصدمة الثالثة ؟ نعم ، على الأرجح .. و كيف له ألا ينتبه؟ لهذا صوتها مألوفٌ جدًا.. إنها نفس الفتاة من ذاك الحلم الغريب! إذًا كل هذا متصلٌ بطريقةٍ ما! لكن...
" لمعلوماتك.. آرثر قادمٌ باتجاهنا "
قاطعت دوامة أفكاره و تساؤلاته - و صدماته - بقولها هذا ، و قد ازداد توتره بشدةٍ فإن اكتشف آرثر أمره .. لكم أن تتخيلوا مصيره شرط ألا تقسوا عليه كثيرًا.
و ظهر آرثر من بين الأشجار ممطيًا جواده القوي حاملًا معه قوسًا و بعض الأسهم فظهر الامتعاض على ملامح مرح و هي تقول بغضبٍ شديد :
" تصطاد مرةً أخرى؟ أنت حقًا أحمق لعين لا يقدر قيمة الحياة "
نظر لها لورانس بصدمةٍ .. " بحق كل شيءٍ ! " كما قالت ، هي ساحرة و من ملابسها فهي فتاةٌ من العامة و تهين آرثر بن دراجون هكذا بكل بساطة ، لنتأكد من شيءٍ واحد .. هذه الفتاة مجنونة !
لم يصدم آرثر من إهانتها له و لم يغضب هذه المرة بل سأل لورانس متجاهلًا إياها تمامًا: " ماذا تفعلان هنا ؟ "
" لقد كان يجمع بعض الأعشاب لجايوس، قابلته و قررت مساعدته، أتمانع ذلك؟ "
سبقت مرح لورانس في الإجابة و الشابان متعجبان من وقاحتها المفرطة التي لا تناسب آنسةً بمثل جمالها تخاطب شخصًا بمثل غروره.
و بدون سابق إنذارٍ صهل جواد آرثر بقوةٍ و هو يرفع قدميه الأماميتين و كاد يُسقِط آرثر لكنه نجح بالتشبث بقوةٍ و مع ذلك لم يهدأ الجواد إلا عندما سقط آرثر أرضًا و عاد للنهوض بسرعة.
" ماذا كان ذلك ؟ "
سأل آرثر و قد نجح في تهدئة جواده لتجيبه مرح بشماتة: " ربما رأى ثعبانًا أو ما شابه، تعلم .. المكان ملئٌ بهذه الأشياء "
رمقها آرثر بنظرة شك ، أو بالأحرى اخترقها بها لكنها فقط بقيت واقفةً بهدوءٍ محافظةً على ابتسامتها و قالت عندما طال الأمر :
" بحقك! نحن واقفان هنا، كيف لنا أن نفعل أي شيء؟ "
" عد إلى عملك، أنتِ اتبعيني ! "
قال آرثر بحدةٍ و هو يسير بجوار حصانه من حيث جاء بينما لورانس رمق مرح بحيرةٍ كأنه يسألها إن كانت المسئولة عن ذلك لتجيبه بكل جدية:
" إياك أن تعتذر عن خيرٍ قمت به يا لورانس .. مهما حدث! "
ثم اقتربت منه و دفعت جبهته بإصبعها بخفةٍ ثم ذهبت خلف آرثر ليرى نفسه و هو ينقذ الطفل من جواد آرثر ثم يعتذر له، ثم ينقذ آرثر و يعتذر لجايوس.
1
2
3
4
5
6
7
8
" أتجول قليلًا، مازلت لا أصدق أنني حرة "
" ممَّ؟ " سألت مرجانة بفضولٍ لتصمت مرح قليلًا ثم تجيبها : " لقد .. كنت محتجزةً .. في هذا الصندوق ، مع تعويذةٍ لإبقائي هناك "
" لكم من المدة؟ "
" لا أعلم ، توقفت عن العد .. ظننت أنني لن أخرج أبدًا "
نظرت مرح في عيني مرجانة مباشرةً لتجدهما تلمعان بحزنٍ و شفقة فأشاحت ببصرها بإنزعاجٍ و أردفت : " إلى أن شعرت بتردد آرثر على تلك الغابة، حاولت اقتياد الصندوق بحيث تجرفه الأمواج على الشاطئ عند حدود الغابة.. حيث وجده تمامًا "
" إذًا، تريدين القول بأنه أنقذ حياتك "
" نوعًا ما، نعم.. لكن لا تخبريه بذلك فهو مزعجٌ مغرور "
" آرثر ليس بهذا السوء يا عزيزتي "
" لو لم يكن بهذا السوء حقًا ما كنت لأكون هنا "
" ماذا تعنين؟ "
" آسفة، لا يمكنني إخبارك، ليس بعد، بالتأكيد سيعودون من أجلي قريبًا .. بل أنا مندهشةٌ أنهم لم يأتوا إلي منذ اليوم
الأول "
" و من هم ؟ "
تجمدت كلتاهما عندما سمعتا هذا السؤال قادمًا من خلفهما مع لكنةٍ إنجليزيةٍ قوية و صوتٍ عميقٍ هادئ، استدارت مرجانة لتقابله باستغرابٍ من وجوده بينما مرح قامت بالشهيق و الزفير لتحافظ على هدوئها ثم التفتت و سألت بهدوء :
" منذ متى و أنت هنا ؟ "
" منذ جزء أنكِ هنا لأنني أسيء التصرف "
" ألم يكن بإمكانك المرور من مكانٍ آخر أو شيءٌ ما ؟ "
" إنها قلعتي ، و أنا أسير حيثما أشاء "
" لكن التنصت على حديثنا ليس تصرفًا نبيلًا ألا تظن يا جلالتك ؟ "
سألت مرح ساخرةً لتسرع مرجانة بمحاولة إيقاف الحرب قبل أن تبدأ قائلةً : " توقفا كلاكما، ما من داعٍ لكل هذا فلم يحدث شيء يستدعي كل هذا الشجار "
نظر كلاهما إليها مفكرين بما قالته ثم قال آرثر بهدوءٍ: " كنت أمر و سمعتكما صدفة ، هذا فقط "
رمقته مرح بنظرة شكٍ ثم تمتمت بـ :
" حسنًا " فأعاد آرثر تكرار سؤاله بإصرارٍ أكبر و أضاف إليه سؤالًا آخر عن موضوع حديثهما فتجاهلته مرح تمامًا و سارت مبتعدةً ليشتعل الغضب بداخله، هو ليس صبورًا و الجميع يعرف .. حتى هي ، لكن لنكن واقعيين .. هي أكثر عنادًا منه .
" مرجانة ، تلك ليست كوابيس ، إنها ذكريات .. ذكريات حياتك السابقة، حاولي التركيز عليها لتتذكري ما حدث، هذا سيخفف الألم أيضًا، و قبل أن تقوليها فمن دون لكن ! رجاءً يا مرجانة، الأمر صعبٌ بالفعل فلا تزيديه سوءً "
قالت مرح مترجيةً و هي تحاول تجاهل ملامح مرجانة الحزينة و الخائفة و اليائسة و تركتها و هي تسير متوجهةً لعيادة جايوس كأنها كانت تعيش في هذه القلعة و تحفظها عن ظهر قلب ، هي كانت خائفة .. تحررها يعني ازدياد المشاكل لكن ما كانت تخشاه أكثر من أي شيء آخر .. كان رد فعل مرجانة ، هي وعدتها بأن تخبرها الحقيقة .. و هي تريد ذلك ، لكنها ليست مرتاحةً للأمر .. هي فقط لا تستطيع، تبًا لسيدة البحيرة الأنانية ! هي السبب في كل ذلك!
أغلقت عينيها بقوةٍ و هي تدندن بلحنٍ ما بخفوتٍ إلى أن وصلت إلى وجهتها ، طرقت الباب بخفةٍ ثم دخلت دون أن تنتظر رد جايوس ، وجدته يقرأ كتابًا ما و كان يبدو منهمكًا في القراءة بحيث أنه لم يسمع طرق الباب.. لكنه بمجرد أن رآها أغلق الكتاب بسرعةٍ و هب واقفًا يراقبها بشيءٍ من المفاجأة قبل أن يبتسم مرحبًا بها ... لكنها لم تغفل عن يده التي غطت الكتاب بقطعة قماشٍ كانت على الطاولة بجانبه .
" مرحبًا ، جايوس أليس كذلك ؟ "
قالت مرح بابتسامةٍ لطيفةٍ متظاهرةً بمحاولة تذكر اسمه لتعطيه انطباع أن مرجانة من أخبرتها به فأجابها بابتسامةٍ شبه مزيفةٍ و هو بالكاد يمنع نفسه من تفحص مكان الكتاب :
" نعم، أرى أنكِ تحسنتي كثيرًا عن ليلة أمس "
" نعم، أردت شكرك على ما فعلت من
أجلي "
" هذا عملي يا آنسة، لكن هل تسمحين لي بالسؤال .. كيف أصبتي بتلك الجروح؟ "
هنا أدركت مرح غلطة مجيئها إلى هنا، هو كان ممثلًا محترفًا بإخفاء توتره، كما أنه يشك بها، و لكنها لا تقل احترافيةً عنه .
" لقد أوقعني حصاني في الغابة القريبة من الحدود عندما أرسلني سيدي لقافلة قرب الحدود و لسوء حظي زلت قدمي و سقطت في النهر كذلك، طبعًا دون ذكر أنني عوقبت و طردت "
انتهت من سرد حكايتها الصغيرة الكاذبة و قد نجحت في إظهار الخوف و الإنزعاج على ملامحها بالتناوب بشكلٍ قد يحسدها عليه الممثلون في زمننا الحالي و تظاهرت بالإشاحة ببصرها بعيدًا في نهاية جملتها بينما هي تحدق بذاك الباب المختبئ خلف الدرج المؤدي للطابق الثاني و قد أخفت يدها خلف ظهرها في محاولةٍ لإخفاء انقباضها بغضبٍ عن جايوس الذي تمتم :
" هذا قاسٍ "
" إنها الحياة " قالتها و قد تعمدت ألا يكون تظاهرها باللامبالاة مقنعًا جدًا ليسأل جايوس ليغطي على حركة يده التي تحكم إخفاء الكتاب - و التي تعمدت التظاهر بعدم ملاحظتها - :
" هل لديكِ مكانٌ تبقين فيه؟ أسرةٌ أو أقارب ؟ "
أجابته محاولةً كبح غضبها كي لا يفسد تمثيليتها الصغيرة : " لدي منزل أسرتي القديم "
" عودي إليهم إذًا ، لا شك أنهم سيقلقون
عليكِ "
" سأفعل، شكرًا مجددًا "
" عفوًا "
تمتم جايوس و استغل التفاتها لتخرج من العيادة ليلتقط الكتاب و يتجه ليخفيه بالقرب من الفراش الخاص بالعيادة إلى أن يتأكد من أن المكان خالٍ لكنها تعمدت التباطؤ في خطواتها حتى يخرج ذاك المستمع خلف الباب ظنًا منه أنها خرجت، و لأن هناك مستمعًا وقحًا آخر كان ينصت باهتمامٍ لكل كلمةٍ قالتها منذ دخلت العيادة حيث وقف عند الباب بمجرد إغلاقها له و قد أمكنها تخيل الابتسامة المستفزة التي تكونت على وجهه مما صعب قيامها بتمثيليتها أمام جايوس .
" جايوس، من ... ؟ "
و فعلًا خرج المتنصت الأول من مخبئه و الذي كان عبارةً عن غرفةٍ صغيرةٍ في آخر العيادة و الذي لم يكن سوى لورانس و كان على وشك سؤال جايوس عنها عندما صدم بوجودها أمامه تبتسم له بلطفٍ، تبادل هو و جايوس النظرات المتعجبة من بعضهما البعض بينما هي اتسعت عينيها بصدمةٍ قبل أن تزيف ابتسامةً عندما وجدتهما يعيدان نظريهما إليها.
" عذرًا يا آنسة، لم أعلم بوجود أحدهم هنا مع جايوس "
قال لورانس محاولًا تمالك الموقف عندما نظف جايوس حلقه كإشارةٍ له ليقول شيئًا لكنها لم تكن في وضعٍ أفضل منه أبدًا، حاولت الإجابة بلطفٍ لكن نبرتها خانتها و خرجت متوترةً و متلعثمةً في بداية الجملة قبل أن تستعيد هدوءها في منتصفها بشكلٍ غريب.
" لـ.. لا عليك .. يا سيد لم يحدث شيء "
" هذا مساعدي لورانس ، لقد ساعدني بالأمس على علاجك "
وقفت تحدق به للحظاتٍ ثم قالت مع ابتسامةٍ لطيفةٍ بنبرةٍ حاولت أن تبدو طبيعية : " شكرًا لك يا لورانس ، إذًا.. إلى اللقاء "
و تعمدت التشديد عليها لكن جايوس كان يفكر بما سيحدث بسبب ذاك الكتاب الذي كان يقرؤه لذا لم ينتبه للأمر كثيرًا، و بمجرد أن وصلت للباب لتخرج عاد الهدوء بشكلٍ غريبٍ لملامحها أو بالأحرى قناع الهدوء الذي يخفي خلفه الكثير من الغضب قبل أن تخرج و تغلق الباب خلفها تاركةً لورانس لجايوس و أسئلته و تتجه بعكس اتجاه الخروج، لنهاية الممر حيث يوجد ممران يؤدي أحدهما لغرف الخدم و المطبخ و الآخر لقاعة العرش و السلالم التي تؤدي لغرف النوم.
" التنصت عادةٌ لا تليق بالأمراء ألا تظن ذلك يا عزيزي آرثر ؟ "
سألت بنبرةٍ هادئةٍ تحمل شيئًا من الخبث ليظهر آرثر من الممر و يقف أمامها فتابعت ساخرةً منه كما فعل سابقًا منها في الغابة عندما " ادعت " معرفتها بمرجانة :
" أم أنك كنت تمر من هنا صدفة ؟ و طبعًا التصقت أذنك بالباب صدفة أيضًا ، أليس كذلك؟ "
الثقة الشديدة في نبرتها لم تترك له مجالًا للإنكار .. و إن كان متعجبًا من تلك الفتاة ، غموضها ، نبرتها ، انفعالاتها ، و أسلوبها لكنه ابتسم بشيءٍ من السخرية كذلك عندما استوعب ما سمعه و قال :
" أخبرتكِ أنه قصري و أنا أسير حيثما أشاء، من تخدمين إذًا؟ أحد النبلاء أم التجار؟ "
" لا هذا و لا ذاك ، أنا لست خادمة "
" لقد سمعت ما قلته لجايوس، و لا أظن كذبك على مرجانة سيعجبها "
" أيٌّ من أفعالي ليس من شأنك! "
" لكنه من شأن الملك "
قاطعها بابتسامةٍ خبيثةٍ لكنها فاجأته بأن تابعت بنفس ابتسامتها المدللة و المستفزة : " و الآن اعذرني على الذهاب .. إلى اللقاء يا عزيزي "
لوحت له بابتسامةٍ لطيفةٍ لكن مع أشد نبراتها استفزازًا و سارت مبتعدةً بينما آرثر قد اتخذ قراره بأن صبره قد نفذ بالفعل منذ زمن لكنه لم يجدها بالحديقة عندما حاول اللحاق بها و لا خارج القصر، قرر الذهاب للصيد .. لكن ذاكرته قامت بعملها بإعادة كلماتها مرارًا و تكرارًا عليه بشكلٍ مزعجٍ فتراجع عن الأمر.
.
.
و في الغابة حيث هرب لورانس ليجرب بعض التعاويذ الجديدة الخاصة بالطبيعة.. كانت عيناه زرقاوتين لامعتين بشكلٍ غريب ، لكن جميل .. و لم يبدُ أنه يلاقي نجاحًا كبيرًا! ظل هكذا لحوالي ساعتين يحمل الكتاب الذي كان ملكًا للساحرة بيده و يتمتم بكلماتٍ غير مفهومةٍ بصوتٍ خافت .
جلس على الأرض بتعبٍ شديدٍ و هو يلهث لكنه لم يتمكن من التقاط أنفاسه فقد تجمد في مكانه تمامًا عندما سمع تصفيقًا من بين الأشجار لكنه ما لبث أن تدارك الوضع و نهض مسرعًا و هو يخبئ الكتاب خلف ظهره، خرجت مرح من بين الأشجار و هي تبتسم له بلطفٍ بدا له مريبًا جدًا.
" أنتِ؟ " سأل بصدمةٍ لتومئ له بنفس الابتسامة، بقدر ما كانت جميلةً تلك الابتسامة بقدر ما بدت مزيفة .. و كأن ملامح صاحبتها الرقيقة ستكشف عن وحشٍ كاسرٍ سيزيل قناعه المبتسم ليلتهمك بوحشية، و هي تعمدت ذلك .. أرادت فقط رؤية رد فعله.
" كما تعلم ، لم يكن ذلك سيئًا بالنسبة لتجربةٍ أولى يا لورانس "
" عذرًا ؟ "
" لا تتحاذق .. أنت ساحر "
" من أخبركِ بهذه التراهات ؟ "
و على الرغم من توتره الشديد فقد استجمع شجاعته و نجح في قول تلك الجملة بثباتٍ أدهشها - لكنها طبعًا لم تظهر ذلك - ثم أصدرت ضحكةً تقذف القلق في القلب تليق بابتسامتها السابقة قبل أن تبتسم ساخرةً و تقول :
" ماذا عنك؟ ألا تريدني أن أخبرك ببعض التراهات أيضًا ؟ "
كان يفكر بأن ابتسامتها الساخرة تشبه الخاصة بآرثر لحدٍ كبيرٍ لكنه لاحقًا استوعب جملتها فقبض على الكتاب بقوةٍ و هو يحاول تفادي النظر بعينيها و التفكير بحلٍ لهذه الورطة إلى أن أجبره عقله على جعله يطرح السؤال على نفسه: " ماذا تعني بتلك الجملة بحق الجحيم ؟ "
" أفضل أن أريك "
قالت له ثم استدارت و اتجهت نحو شجرةٍ قصيرةٍ ما زالت قيد النمو ذات جذعٍ رفيعٍ و أغصانٍ ضعيفةٍ شبه عاريةٍ من الأوراق فاستغل استدارتها تلك ليخفي الكتاب بمعطفه و هو يتظاهر بعقد ذراعيه بإنزعاجٍ ليبقيه هناك و هو يلعن داخليًا أنهم - أيًا من كانوا - يختارون كتبًا ممتلئةً كبيرة الحجم ليجعلوها كتب سحرٍ و يطلبون منهم إخفاءها، التقطت أحد الفروع و الذي كان مكسورًا ينتظر نسمة هواءٍ متمردةً قليلًا لتنتزعه في طريقها و هو يراقب بتعجب ، أحاطت مكان الكسر بيديها و أغلقت عينيها بهدوءٍ شديدٍ ليصدر ضوءٌ لامعٌ تسلل القليل منه من بين أصابعها ليندهش لورانس و يعود ذاك الجزء المكسور و المائل من الغصن للاعتدال ، و بمجرد أن أبعدت يديها عنه كان الكسر قد اختفى! تراجعت للخلف قليلًا و هي تشير بيديها على الشجرة لتنمو تدريجيًا و تصبح شجرةً كبيرةً و قوية!
" ما بك؟ هل أعجبتك تراهاتي ؟ "
قالتها ساخرةً في محاولة منها لمنع نفسها من الضحك على دهشته التي أدت لتيبسه بشكلٍ مضحك ، اقترب بخطى مترددةٍ نحو الغصن فأفسحت له المجال ليتحسسه بأصابعه و مازالت الدهشة تطغى على ملامحه و كذلك نبرة صوته عندما حاول سؤالها :
" هل أنتِ... ؟ "
قاطعته مسرعةً بنبرةٍ منزعجةٍ ملولة: " لا، ليس تمامًا .. توقفوا عن الخلط بيننا بحق كل شيء! "
فتح فمه ليسألها عن شيءٍ ما لكنها سبقته قائلةً : " أنا أحضرت لك هذا الكتاب "
و عندما بالكاد تغلب على صدمته الأولى أتته الثانية، هي كانت تعرف بأمره من البداية! و هي أيضًا تملك سحرًا .. لكنها صديقة مرجانة، و قضت الليلة في كاميلوت في الطابق الذي يقع تحت طابق جناح الملك و جناح آرثر مباشرةً ! و بينما آلاف الأسئلة تندفع في عقله تنبه لشيءٍ هام، أهي الصدمة الثالثة ؟ نعم ، على الأرجح .. و كيف له ألا ينتبه؟ لهذا صوتها مألوفٌ جدًا.. إنها نفس الفتاة من ذاك الحلم الغريب! إذًا كل هذا متصلٌ بطريقةٍ ما! لكن...
" لمعلوماتك.. آرثر قادمٌ باتجاهنا "
قاطعت دوامة أفكاره و تساؤلاته - و صدماته - بقولها هذا ، و قد ازداد توتره بشدةٍ فإن اكتشف آرثر أمره .. لكم أن تتخيلوا مصيره شرط ألا تقسوا عليه كثيرًا.
و ظهر آرثر من بين الأشجار ممطيًا جواده القوي حاملًا معه قوسًا و بعض الأسهم فظهر الامتعاض على ملامح مرح و هي تقول بغضبٍ شديد :
" تصطاد مرةً أخرى؟ أنت حقًا أحمق لعين لا يقدر قيمة الحياة "
نظر لها لورانس بصدمةٍ .. " بحق كل شيءٍ ! " كما قالت ، هي ساحرة و من ملابسها فهي فتاةٌ من العامة و تهين آرثر بن دراجون هكذا بكل بساطة ، لنتأكد من شيءٍ واحد .. هذه الفتاة مجنونة !
لم يصدم آرثر من إهانتها له و لم يغضب هذه المرة بل سأل لورانس متجاهلًا إياها تمامًا: " ماذا تفعلان هنا ؟ "
" لقد كان يجمع بعض الأعشاب لجايوس، قابلته و قررت مساعدته، أتمانع ذلك؟ "
سبقت مرح لورانس في الإجابة و الشابان متعجبان من وقاحتها المفرطة التي لا تناسب آنسةً بمثل جمالها تخاطب شخصًا بمثل غروره.
و بدون سابق إنذارٍ صهل جواد آرثر بقوةٍ و هو يرفع قدميه الأماميتين و كاد يُسقِط آرثر لكنه نجح بالتشبث بقوةٍ و مع ذلك لم يهدأ الجواد إلا عندما سقط آرثر أرضًا و عاد للنهوض بسرعة.
" ماذا كان ذلك ؟ "
سأل آرثر و قد نجح في تهدئة جواده لتجيبه مرح بشماتة: " ربما رأى ثعبانًا أو ما شابه، تعلم .. المكان ملئٌ بهذه الأشياء "
رمقها آرثر بنظرة شك ، أو بالأحرى اخترقها بها لكنها فقط بقيت واقفةً بهدوءٍ محافظةً على ابتسامتها و قالت عندما طال الأمر :
" بحقك! نحن واقفان هنا، كيف لنا أن نفعل أي شيء؟ "
" عد إلى عملك، أنتِ اتبعيني ! "
قال آرثر بحدةٍ و هو يسير بجوار حصانه من حيث جاء بينما لورانس رمق مرح بحيرةٍ كأنه يسألها إن كانت المسئولة عن ذلك لتجيبه بكل جدية:
" إياك أن تعتذر عن خيرٍ قمت به يا لورانس .. مهما حدث! "
ثم اقتربت منه و دفعت جبهته بإصبعها بخفةٍ ثم ذهبت خلف آرثر ليرى نفسه و هو ينقذ الطفل من جواد آرثر ثم يعتذر له، ثم ينقذ آرثر و يعتذر لجايوس.
1
2
3
4
5
6
7
8
Коментарі