6: إن صبري ينفذ! 2
قاد آرثر مرح في صمتٍ تامٍ للمخرج القريب من القصر .. لكن من أجل كرامته التي ستمسح بها الأرض إن رآه أحدهم ممطيًا جواده و الفتاة المسكينة تسير بجواره على قدميها قرر النزول و السير بجوارها .
" إذًا ؟ ها نحن ، ماذا الآن ؟ "
سألت مرح بنفاذ صبرٍ عندما أمكنهما رؤية أسوار القصر على بعد بضعة أمتارٍ منهما .
" ما الذي تحاولين فعله؟ "
سأل آرثر و هو يدقق النظر بها بحدةٍ لتعقد حاجبيها بعدم فهم - أو ربما إدعاءً بعدم الفهم - فقال بنفس النبرة : " ما قلته لمرجانة ، و ما قلته لجايوس ، لقد كذبتي على أحدهما أو ربما حتى كليهما ، لمَ أنتِ هنا ؟ من أنتِ ؟ "
" أنا مرح " أجابته ببراءةٍ و هي تهز كتفيها ثم أضافت ساخرة : " لكن أشك في أنك تذكر ذلك حتى "
و قد أكد لها عدم رده عليها ذلك فأشاحت ببصرها بطريقة باردةٍ مستفزةٍ لكن لبضع لحظاتٍ لانت نظراتها قبل أن يظهر الإنزعاج على ملامحها و تتنهد قبل أن تقول :
" لقد سمعت ما قلته لكليهما، و بالتأكيد تظن أنني كذبت على مرجانة لأن ما سمعته مبهمٌ جدًا و على الأرجح غير قابلٍ للتصديق لكن عليك بأن تثق بأنني ما كنت لأؤذيها بأي شكلٍ من الأشكال ... و لا أنت أيضًا "
همست بجملتها الأخيرة لكن صمته المفاجئ و صدمته منها جعلاها تدرك أنها فكرت بصوتٍ عالٍ فتابعت بابتسامتها التي اعتادت استفزازه بها - إن كان مجرد يومين فقط كافيين لمناداتها " عادة " - محاولةً تدارك الموقف :
" إلا إن بدأت أنت بذلك "
نظرته لها و ابتسامته الشبه ساخرةٍ نبهتها أنه فهم ما تحاول فعله لكنه قال مجاريًا إياها : " أشك أنك قادرةٌ على ذلك "
" صدق أو لا .. أنا قادرةٌ على كل شيء "
" لا أظن ذلك، و لا تنسي أنني أراقبك "
" هذا ليس شيئًا لطيفًا تقوله لشابةٍ مثلي ، ألا تظن ؟ لكنني سأتقبلها منك أنت فقط يا آرثر بن دراجون، إلى اللقاء "
تركته و غادرت نحو أسوار القصر بينما بقي هو فقط يراقبها بإنزعاجٍ من أسئلته حولها التي تزداد في كل لحظة، و عندما شعر أنه أطال البقاء هناك رمق جواده بنظرة شكٍ قبل أن يمتطيه مجددًا و يتجه من البوابة الخلفية نحو معسكر الفرسان.
.
.
" اسمعي يا مرجانة، هناك أشخاصٌ سيئون يريدون أخذكِ مني، سيكون... "
شهقت مرجانة بقوةٍ و التفتت حولها بفزعٍ شديدٍ لتجد أنها مازالت بحديقة القصر و الحراس يحدقون بها باستغرابٍ، أسرعت بالنهوض و الركض لغرفتها، كانت تلك أول مرةٍ تفهم شيئًا مما يحدث حولها عندما ترى تلك الأشياء، يبدو أن طريقة مرح ناجحةٌ إلى حدٍ ما.. لكن بسبب صدمتها و خوفها الشديد لم تتمكن من فهم بقية تلك العبارة التي تحولت فجأةً للهمس الشديد و التمتمات الغير مفهومةٍ و تلا ذلك عودتها للواقع، ماذا كان ذلك بالضبط؟ هل هذا حدث بالسابق حقًا كما قالت مرح؟ أم أنها فقط جنت أخيرًا بسبب تلك الكوابيس؟
ألقت بنفسها على سريرها و الأسئلة تضخ إلى عقلها و تتزاحم بسرعة، و قبل أن تدرك الأمر وجدت نفسها ترى ظل أحدٍ ما و صوت هذه الهمسات الغير مفهومة يتردد حولها!
حاولت التركيز كما قالت مرح، لكنه فقط لا يجدي! الألم يعيقها بل و يزداد سوءً! اختلط صوت الهمسات مع لحنٍ ما بصوتٍ خافتٍ و يدٍ تعبث بشعرها و تمسح عليه بخفة، و شيئًا فشيئًا بدأت رؤيتها تتضح لتجد عينين خضراوين زمرديتين تحدقان بها و قد بدا للحظةٍ أن الدموع تجمعت بهما ، انتفضت جالسةً بسرعةٍ لتجد مرح بجوارها على السرير تنظر إليها بقلق، و فجأةً سحبتها مرح في عناقٍ و هي تترنم بذاك اللحن الهادئ الذي يبعث على الراحة و هي مستمرةٌ بتمرير يدها بلطفٍ على شعرها و ظهرها .
" لا بأس ، لا عليكِ ، أنتِ بخير "
" كان ذلك مخيفًا يا مرح! "
قالت مرجانة بصوتٍ مختنقٍ كأنها على وشك البكاء، لتتوقف مرح ثم تفصل العناق و تنظر إليها بعينيها مباشرةً قائلةً بهمس: " أعلم، صدقيني أنا أعلم ذلك، لكنكِ بخيرٍ الآن "
" لمَ على ذلك أن يحدث؟ أنا لا أفهم أي شيء! "
" أنتِ طبعًا لن تصدقيني إن قلت لكِ أنني أيضًا كذلك، لكن ها قد قلتها، أنتِ تفعلين ذلك يا مرجانة.. كنت تعلمين بوجود شيءٍ خاطئٍ منذ البداية لكنكِ آثرتي الصمت و كبح غضبك على أوثر و على كل شيءٍ آخر لذا نفسك ستتمرد عليكِ، و بدلًا من أن تتذكري بهدوءٍ و رويةٍ كي لا تتأذي ستعود نفسكِ إليكِ دفعةً واحدةً، يمكننا القول أن صبركِ قد نفذ على نفسك، أنكِ قد تعبتي من منحها الفرص، لا تكتمي مشاعرك مجددًا يا مرجانة "
منحتها مرح عناقًا سريعًا آخر لتتأكد من أنها هدأت قليلًا لتستوعب ما قالته ثم تركتها و جلست بجوارها بهدوءٍ على حافة السرير.
" هل سيتوقف ذلك يومًا؟ "
" نعم، إذا سامحتي نفسك .. و سامحتهم كذلك "
" و من هم؟ "
" أشخاصٌ سترينهم في ذكرياتكِ تلك، يجب أن تكوني صادقةً مع نفسك و تسامحيهم ، واحدًا تلو الآخر، عندها فقط ستجدين السلام، و لن تتألمي بعد الآن.. لن أدعكِ تكونين مثلي، أنا على عكسكِ .. أذكر كل شيءٍ .. ربما هناك بعض الأشياء المبهمة لكن.. هكذا هي الحياة صحيح؟ لكنني مع ذلك أرى أشياءً مثلك "
حاولت مرجانة مواساتها لكن بمجرد أن فتحت فمها لتقول شيئًا سمعت صوتًا هامسًا يقول: " هلا تفعلين ذلك من أجلي ؟ من أجـ... "
" هل بقيتي بجانبي طوال الليل يا مرجانة ؟ " أيقظها من شرودها سؤال مرح، و كم كانت شاكرةً لذلك! فأجابتها بكل ود: " نعم، بالطبع "
" لمَ؟ أنتِ حتى مازلتي لا تثقين بي! "
نظرت لها مرجانة بصدمةٍ لتنظر إليها مرح بحاجبين معقودين قائلةً بهدوء: " لا تحاولي، يمكنني أن أعرف "
تنهدت مرجانة باحثةً عن إجابةٍ و مرح تنتظر بترقب: " أنا لا أعلم، شعرت بأنني أخيرًا يمكنني فعل شيءٍ حقًا، و ليس مجرد معارضةٍ لأحدهم .. ربما أنتِ محقة، لكن بداخلي أعلم بشكلٍ ما أنكِ صادقةٌ معي "
" شكرًا .. على كل شيء "
" و ماذا فعلت أنا لكِ؟ أنتِ من تساعدني منذ لقائنا "
" هذا ليس صحيحًا.. أنسيتي ما فعلته لي؟ نحن نساعد بعضنا البعض "
أجابتها مرح و هي تدقق النظر بها للحظاتٍ ثم اعتدلت في جلستها و قالت بنبرةٍ أكثر حيويةً و إصرارًا : " و الآن، بخصوص مشكلتك.. يمكننا جعل الأمر أسرع كما تعلمين، و بدون أي ألمٍ، لا تقلقي، حتى ننتهي من هذه المسألة"
" حقًا؟ " سألت مرجانة بهمسٍ لتحيط مرح كفيها الملتصقين في محاولةٍ لإخفاء ارتجافهما بأصابعها قائلةً بابتسامة:
" سأكون معكِ خطوةً بخطوة، و إن احتجتي أي شيءٍ فقط نادني "
ابتسمت لها مرجانة و هي تزيل الدموع من عينيها فقالت مرح : " سأفعلها الليلة، فقط نامي بسلام، لا تخشي شيئًا يا عزيزتي "
زيفت مرجانة ابتسامةً و هي تراقب مرح تبتعد و تستدير لتخرج لكنها فجأةً عادت أدراجها و قالت و هي تمد يدها في جيب ثوبها الأزرق السماوي :
" ربما من الأفضل أن تبقي هذا معكِ
الليلة "
و مدت لها الصندوق الكريستالي الأسود، كان جميلًا و لامعًا هذه المرة دون أي كسورٍ تمامًا، تناولته مرجانة بشيءٍ من التردد و بدأت تقلبه في كفيها ثم سألت باستغراب:
" هل هذا .. ؟ صندوق مجوهرات! "
همهمت مرح كإجابةٍ و قد بدا عليها التوتر للحظةٍ واحدةٍ قبل أن تعينها مهاراتها في التمثيل و التزييف على إخفائه ثم تمتمت مؤكدةً : " نعم "
لكنها رأت الفضول في عيني مرجانة فقالت منهيةً تلك المحادثة: " كوني حذرةً في هذه الأثناء، علي الاستعداد جيدًا لليلة ، حسنًا ؟ "
همهمت مرجانة كإجابةٍ و الأسئلة تتدافع في عقلها عن مرح، إن كان هذا هو شعور آرثر فلا عجب أنه سريع الغضب أكثر من العادة في وجودها .. هكذا فكرت لكن تلك التمتمات عادت تتردد في رأسها بسرعةٍ مرةً تلو الأخرى، حاولت إتباع نصيحة مرح مجددًا و التركيز عليها في محاولةٍ لجعلها تبطئ و شيئًا فشيئًا استحالت لهمساتٍ يمكن استيعاب بعض الكلمات فقط منها.
" مكانٌ حيث لن يعثر عليكِ أحدٌ أبدًا، كوني مطيعةً .. هلا تفعلين ذلك من أجلي؟ اسمعي يا مرجانة، هناك أشخاصٌ سيئون يريدون أخذكِ مني، سيكون علي إرسالكِ عند إحدى صديقاتي في مكانٍ بعيد.. مكانٌ حيث لن يعثر عليكِ أحدٌ أبدًا، كوني مطيعةً لأنكِ ستبقين عندها لبعض الوقت.. هلا تفعلين ذلك من أجلي؟ "
توقفت الأصوات فجأةً فتنهدت مرجانة بارتياحٍ و هي تحاول ضبط أنفاسها المضطربة لتجد أن نورًا خافتًا كان يشع من صندق مرح الكريستالي و قد بدأ يتلاشى تدريجيًا! لكنها لم تخف أو تتفاجأ على الإطلاق بل أحاطته بيديها بسعادةٍ قبل أن تضعه بحرصٍ على المنضدة بجوار فراشها حيث تبقي الكثير و الكثير من الشموع.
" بدأت أظن أنكِ تعيشين هنا في القصر مثلنا حقًا "
قال آرثر و هو يقف أمام مرح معيقًا طريقها للخارج فتأففت بنفاذ صبر قائلةً :
" إذًا؟ كم مرةً على قول أنه لا شأن لك بي ؟ إن كنت أزعجك فها أنا خارجة "
لكنه لم يتنحَ جانبًا فقالت بحدة : " لست في مزاجٍ للعب معك لذا ابتعد و دعني
أمر "
" الملك قلق ، و أنا كذلك .. منذ مجيئك أصبحت أكثر انعزالًا عنا، صارت تتناول طعامها في غرفتها و بالكاد تغادرها، سألني عن السبب و أخبرته أنني مازلت أحاول اكتشاف السبب ، لذا أسئلكِ آخر مرة .. ماذا بحق الجحيم تحاولين أن تفعلي ؟ "
سأل آرثر بحدةٍ لم ترها منه من قبل رغم كل غضبه منها، أدركت أن صبره عليها ينفذ حرفيًا و لكنها أيضًا لا تسمح لأحدهم أيًا كان بمخاطبتها بنبرةٍ لا تعجبها، سيكون عليها إخبارهما بحقيقتها ، هي تعلم ذلك .. لكن إخبار آرثر أكثر صعوبةً من إخبار مرجانة .
" أظنني أجبتك عن هذا من قبل، و لنكن صريحين قليلًا .. أنت لن تخبره عن وجودي "
" و لمَ تظنين ذلك؟ "
" لأنك لم تعتد أن تزعجه بأمرٍ تافه، و أنت تستحقرني بشدةٍ منذ مجيئي كما نعلم كلانا ... و في الواقع إن كنت تريد إخباره لكنت فعلت من أول يوم أتيت فيه إلى
هنا "
حسنًا، هي كانت محقة.. محقةً جدًا ، و بحيث لم تدع له مجالًا للنقاش في هذا الأمر، لكنه تعجب عندما اتخذت خطوةً للأمام لتقترب منه و هي تدقق النظر به بحاجبين معقودين بشكٍ قبل أن ترمقه بنظرةٍ غاضبةٍ و تقول:
" لا تذهب للصيد غدًا "
" و من قال لكِ أنني أنوي ذلك؟ "
" أنا فقط أعرف، أخبرتك أن تتوقف عن تلك العادة الغبية.. أنتم النبلاء تحسبون أنفسكم فوق القانون.. حتى قوانين الطبيعة! لا تهدر حياةً فقط لأنك و اللعنة تريد ذلك! لا يوجد أي عذرٍ في الدنيا لإزهاق روح "
قالت مرح بنبرةٍ هادئةٍ لا تتناسب مع كم الكراهية في كلماتها فقط كمحاولةٍ كي لا يرتفع صوتيهما و يصبحا حديث المملكة بأكملها فأجابها آرثر بنبرةٍ مماثلة :
" أنتِ مخطئة! نحن لسنا بتلك الهمجية ، هذا فقط ما تظنونه لأنكم مشغولون بمحاولة توفير قوت يومكم فلا تعلمون كم المصاعب التي نواجهها في سبيل توفير حياةٍ أفضل لكم "
" بل يفترض أنكم توفرون حياةً أفضل لنا، لكن يبدو أنكم أنتم من تنسون ذلك .. و توفرونها لأنفسكم فقط! إن سمحت لك نفسك بارتكاب خطأٍ صغيرٍ فغدًا ستسمح لك بارتكاب خطأٍ أكبر! أنت اليوم تقتل الحيوانات، من يعلم ماذا قد تفعل غدًا؟ أخبرني كم قتل والدك من شعبه؟ "
" هذا لأنهم يمارسون السحر، هم السبب في كل ما يحدث بكاميلوت من سوء "
" حقًا؟ إلقاء اللوم عليهم ليس حلًا! ثم والدك العزيز لم يكلف نفسه حتى بالتحقق من أي شيءٍ فما أدراك بأنهم سحرةٌ حتى ؟ أنتم تقتلون فقط لتشبعوا رغبتكم بالدم و الإنتقام! هل كان لينيان أوزمود الذي أعدم قبل أيامٍ ساحرًا حتى ؟ أم أنكم فعلتم ذلك فقط كمقدمةٍ للإعلان عن حفل الذكرى الثلاثين ؟ "
و الشيء الذي تلا ذلك بحسب ما يذكره آرثر هو يد مرح الممسكة بمعصمه بقوةٍ كي لا تفلت منها و تهوي على وجهها الجميل ، لكم أراد صفع تلك اللعينة التي تجرأت و أهانته هو و والده العزيز! كيف تجرؤ على ذلك ؟ و هي حتى من العامة!
" لا تفكر بذلك حتى، رأيت؟ أليست هذه همجيةً أيضًا؟ أنت لن تصل إلى أي مكانٍ إن كان كبرياؤك فقط هو ما يحركك .. و لا تنسَ أنني سأؤذيك إن فكرت بإيذائي مجددًا "
دفعته بقسوةٍ لتسير هي خارجةً من القصر بأكمله، كان عدم تجمع الخدم حولهما إشارةً جيدةً لكنه و اللعنة أخرجها عن شعورها في لحظات! من حسن الحظ أنها لم تقل شيئًا يفضح حقيقتها ، ما كان عليها أن تسمح له بذلك، أما هو و لشدة غضبه فلم يلاحظ حتى أنه لا يمكن لفتاةٍ عاديةٍ دفعه بكل تلك البساطة ، لم يكن لديه تدريبٌ الآن ليفرغ به غضبه فاتجه إلى غرفته بخطواتٍ مسرعة.
.
.
" عليك أن تكون أسرع يا ليونيل، هيا! مرة أخرى بعد! "
قالها الشاب ذو الشعر البني الداكن و العينين الداكنتين و هو يبعد حافة سيفه عن وجه صديقه قبل أن يصوب كلاهما سيفه نحو الآخر ، و كعادته بدأ ذاك الشاب بالهجوم أولًا حيث اندفع بسرعةٍ نحو زميله الذي تمكن من صد ضربته بسرعةٍ ليبتسم كلاهما قبل أن يتراجع الشاب ليترك لصديقه فرصة البدء بالهجوم كذلك .
كانا يتقاتلان في منتصف حجرةٍ في قصرٍ عجيبٍ تحت الماء! و كان المكان محاطًا بأكمله بتعويذةٍ لمنع المياه من الدخول، بينما يجلس شابٌ ثالثٌ بجوار عرشٍ تجلس عليه سيدةٌ بارعة الجمال ذات شعرٍ بنيٍّ و عينين زرقاوين واسعتين، بشرتها بيضاء صافيةٌ و أنوثتها طاغيةٌ فتنت كل من رآها، كانت تراقب تدريب الشابين باهتمامٍ شديد .
ابتسمت عندما طار أحد السيفين بعيدًا و رفع ذو الشعر البني يده في سعادةٍ بالنصر، اتجه نحوها مبتسمًا ثم انحنى إليها فقالت: " أحسنت يا لانسلوت! و أنت أيضًا يا ليونيل، حركاتك في تحسنٍ مستمر.. لكن الهزيمة في أرض المعركة تعني الموت، لا أحد سيتهاون معكم مطلقًا، و لن يكون الأمر سهلًا و الجنود يحيطون بكم من كل مكانٍ كذلك هناك، بور و ليونيل، هيا هاجما لانسلوت "
أومأ لانسلوت و توجه نحو منتصف الحجرة و تراجع خطوتين متخذًا وضعيةً دفاعيةً بينما نهض بور الذي كان جالسًا بجوار عرشها و الذي بالمناسبة يكون شقيق ليونيل و هما يتجهان نحو المنتصف كذلك، تبادلا النظرات ثم سدد كلاهما ضربةً إلى لانسلوت الذي استدار قليلًا ليتمكن من رؤية كليهما و قام بصد الضربتين معًا بحركةٍ سريعةٍ مثيرةٍ للإعجاب حيث أمسك بسيفه من أعلى مقبضه ليصطدم أحد السيفين بالمقبض بدلًا عن إصابته بينما يدفع بيده الأخرى بخفةٍ على نصل السيف الذي تلقى الضربة الأخرى، ثم مستغلًا اندهاشهما من حركته التفت بطرف عينه لثانيةٍ واحدةٍ لتلك التي تراقبهم بابتسامة إعجابٍ ثم أعاد تركيزه للقتال و قبض على سيفه بقوةٍ من أعلى مقبضه و هو يدفع بكلا السيفين بعيدًا لكن منافسيه لا يقلان براعةً عنه حيث تمسكا بسيفيهما بقوةٍ فلم ينجح هجوم لانسلوت المباغث في الإطاحة بهما .
1
2
3
4
5
6
7
8
" إذًا ؟ ها نحن ، ماذا الآن ؟ "
سألت مرح بنفاذ صبرٍ عندما أمكنهما رؤية أسوار القصر على بعد بضعة أمتارٍ منهما .
" ما الذي تحاولين فعله؟ "
سأل آرثر و هو يدقق النظر بها بحدةٍ لتعقد حاجبيها بعدم فهم - أو ربما إدعاءً بعدم الفهم - فقال بنفس النبرة : " ما قلته لمرجانة ، و ما قلته لجايوس ، لقد كذبتي على أحدهما أو ربما حتى كليهما ، لمَ أنتِ هنا ؟ من أنتِ ؟ "
" أنا مرح " أجابته ببراءةٍ و هي تهز كتفيها ثم أضافت ساخرة : " لكن أشك في أنك تذكر ذلك حتى "
و قد أكد لها عدم رده عليها ذلك فأشاحت ببصرها بطريقة باردةٍ مستفزةٍ لكن لبضع لحظاتٍ لانت نظراتها قبل أن يظهر الإنزعاج على ملامحها و تتنهد قبل أن تقول :
" لقد سمعت ما قلته لكليهما، و بالتأكيد تظن أنني كذبت على مرجانة لأن ما سمعته مبهمٌ جدًا و على الأرجح غير قابلٍ للتصديق لكن عليك بأن تثق بأنني ما كنت لأؤذيها بأي شكلٍ من الأشكال ... و لا أنت أيضًا "
همست بجملتها الأخيرة لكن صمته المفاجئ و صدمته منها جعلاها تدرك أنها فكرت بصوتٍ عالٍ فتابعت بابتسامتها التي اعتادت استفزازه بها - إن كان مجرد يومين فقط كافيين لمناداتها " عادة " - محاولةً تدارك الموقف :
" إلا إن بدأت أنت بذلك "
نظرته لها و ابتسامته الشبه ساخرةٍ نبهتها أنه فهم ما تحاول فعله لكنه قال مجاريًا إياها : " أشك أنك قادرةٌ على ذلك "
" صدق أو لا .. أنا قادرةٌ على كل شيء "
" لا أظن ذلك، و لا تنسي أنني أراقبك "
" هذا ليس شيئًا لطيفًا تقوله لشابةٍ مثلي ، ألا تظن ؟ لكنني سأتقبلها منك أنت فقط يا آرثر بن دراجون، إلى اللقاء "
تركته و غادرت نحو أسوار القصر بينما بقي هو فقط يراقبها بإنزعاجٍ من أسئلته حولها التي تزداد في كل لحظة، و عندما شعر أنه أطال البقاء هناك رمق جواده بنظرة شكٍ قبل أن يمتطيه مجددًا و يتجه من البوابة الخلفية نحو معسكر الفرسان.
.
.
" اسمعي يا مرجانة، هناك أشخاصٌ سيئون يريدون أخذكِ مني، سيكون... "
شهقت مرجانة بقوةٍ و التفتت حولها بفزعٍ شديدٍ لتجد أنها مازالت بحديقة القصر و الحراس يحدقون بها باستغرابٍ، أسرعت بالنهوض و الركض لغرفتها، كانت تلك أول مرةٍ تفهم شيئًا مما يحدث حولها عندما ترى تلك الأشياء، يبدو أن طريقة مرح ناجحةٌ إلى حدٍ ما.. لكن بسبب صدمتها و خوفها الشديد لم تتمكن من فهم بقية تلك العبارة التي تحولت فجأةً للهمس الشديد و التمتمات الغير مفهومةٍ و تلا ذلك عودتها للواقع، ماذا كان ذلك بالضبط؟ هل هذا حدث بالسابق حقًا كما قالت مرح؟ أم أنها فقط جنت أخيرًا بسبب تلك الكوابيس؟
ألقت بنفسها على سريرها و الأسئلة تضخ إلى عقلها و تتزاحم بسرعة، و قبل أن تدرك الأمر وجدت نفسها ترى ظل أحدٍ ما و صوت هذه الهمسات الغير مفهومة يتردد حولها!
حاولت التركيز كما قالت مرح، لكنه فقط لا يجدي! الألم يعيقها بل و يزداد سوءً! اختلط صوت الهمسات مع لحنٍ ما بصوتٍ خافتٍ و يدٍ تعبث بشعرها و تمسح عليه بخفة، و شيئًا فشيئًا بدأت رؤيتها تتضح لتجد عينين خضراوين زمرديتين تحدقان بها و قد بدا للحظةٍ أن الدموع تجمعت بهما ، انتفضت جالسةً بسرعةٍ لتجد مرح بجوارها على السرير تنظر إليها بقلق، و فجأةً سحبتها مرح في عناقٍ و هي تترنم بذاك اللحن الهادئ الذي يبعث على الراحة و هي مستمرةٌ بتمرير يدها بلطفٍ على شعرها و ظهرها .
" لا بأس ، لا عليكِ ، أنتِ بخير "
" كان ذلك مخيفًا يا مرح! "
قالت مرجانة بصوتٍ مختنقٍ كأنها على وشك البكاء، لتتوقف مرح ثم تفصل العناق و تنظر إليها بعينيها مباشرةً قائلةً بهمس: " أعلم، صدقيني أنا أعلم ذلك، لكنكِ بخيرٍ الآن "
" لمَ على ذلك أن يحدث؟ أنا لا أفهم أي شيء! "
" أنتِ طبعًا لن تصدقيني إن قلت لكِ أنني أيضًا كذلك، لكن ها قد قلتها، أنتِ تفعلين ذلك يا مرجانة.. كنت تعلمين بوجود شيءٍ خاطئٍ منذ البداية لكنكِ آثرتي الصمت و كبح غضبك على أوثر و على كل شيءٍ آخر لذا نفسك ستتمرد عليكِ، و بدلًا من أن تتذكري بهدوءٍ و رويةٍ كي لا تتأذي ستعود نفسكِ إليكِ دفعةً واحدةً، يمكننا القول أن صبركِ قد نفذ على نفسك، أنكِ قد تعبتي من منحها الفرص، لا تكتمي مشاعرك مجددًا يا مرجانة "
منحتها مرح عناقًا سريعًا آخر لتتأكد من أنها هدأت قليلًا لتستوعب ما قالته ثم تركتها و جلست بجوارها بهدوءٍ على حافة السرير.
" هل سيتوقف ذلك يومًا؟ "
" نعم، إذا سامحتي نفسك .. و سامحتهم كذلك "
" و من هم؟ "
" أشخاصٌ سترينهم في ذكرياتكِ تلك، يجب أن تكوني صادقةً مع نفسك و تسامحيهم ، واحدًا تلو الآخر، عندها فقط ستجدين السلام، و لن تتألمي بعد الآن.. لن أدعكِ تكونين مثلي، أنا على عكسكِ .. أذكر كل شيءٍ .. ربما هناك بعض الأشياء المبهمة لكن.. هكذا هي الحياة صحيح؟ لكنني مع ذلك أرى أشياءً مثلك "
حاولت مرجانة مواساتها لكن بمجرد أن فتحت فمها لتقول شيئًا سمعت صوتًا هامسًا يقول: " هلا تفعلين ذلك من أجلي ؟ من أجـ... "
" هل بقيتي بجانبي طوال الليل يا مرجانة ؟ " أيقظها من شرودها سؤال مرح، و كم كانت شاكرةً لذلك! فأجابتها بكل ود: " نعم، بالطبع "
" لمَ؟ أنتِ حتى مازلتي لا تثقين بي! "
نظرت لها مرجانة بصدمةٍ لتنظر إليها مرح بحاجبين معقودين قائلةً بهدوء: " لا تحاولي، يمكنني أن أعرف "
تنهدت مرجانة باحثةً عن إجابةٍ و مرح تنتظر بترقب: " أنا لا أعلم، شعرت بأنني أخيرًا يمكنني فعل شيءٍ حقًا، و ليس مجرد معارضةٍ لأحدهم .. ربما أنتِ محقة، لكن بداخلي أعلم بشكلٍ ما أنكِ صادقةٌ معي "
" شكرًا .. على كل شيء "
" و ماذا فعلت أنا لكِ؟ أنتِ من تساعدني منذ لقائنا "
" هذا ليس صحيحًا.. أنسيتي ما فعلته لي؟ نحن نساعد بعضنا البعض "
أجابتها مرح و هي تدقق النظر بها للحظاتٍ ثم اعتدلت في جلستها و قالت بنبرةٍ أكثر حيويةً و إصرارًا : " و الآن، بخصوص مشكلتك.. يمكننا جعل الأمر أسرع كما تعلمين، و بدون أي ألمٍ، لا تقلقي، حتى ننتهي من هذه المسألة"
" حقًا؟ " سألت مرجانة بهمسٍ لتحيط مرح كفيها الملتصقين في محاولةٍ لإخفاء ارتجافهما بأصابعها قائلةً بابتسامة:
" سأكون معكِ خطوةً بخطوة، و إن احتجتي أي شيءٍ فقط نادني "
ابتسمت لها مرجانة و هي تزيل الدموع من عينيها فقالت مرح : " سأفعلها الليلة، فقط نامي بسلام، لا تخشي شيئًا يا عزيزتي "
زيفت مرجانة ابتسامةً و هي تراقب مرح تبتعد و تستدير لتخرج لكنها فجأةً عادت أدراجها و قالت و هي تمد يدها في جيب ثوبها الأزرق السماوي :
" ربما من الأفضل أن تبقي هذا معكِ
الليلة "
و مدت لها الصندوق الكريستالي الأسود، كان جميلًا و لامعًا هذه المرة دون أي كسورٍ تمامًا، تناولته مرجانة بشيءٍ من التردد و بدأت تقلبه في كفيها ثم سألت باستغراب:
" هل هذا .. ؟ صندوق مجوهرات! "
همهمت مرح كإجابةٍ و قد بدا عليها التوتر للحظةٍ واحدةٍ قبل أن تعينها مهاراتها في التمثيل و التزييف على إخفائه ثم تمتمت مؤكدةً : " نعم "
لكنها رأت الفضول في عيني مرجانة فقالت منهيةً تلك المحادثة: " كوني حذرةً في هذه الأثناء، علي الاستعداد جيدًا لليلة ، حسنًا ؟ "
همهمت مرجانة كإجابةٍ و الأسئلة تتدافع في عقلها عن مرح، إن كان هذا هو شعور آرثر فلا عجب أنه سريع الغضب أكثر من العادة في وجودها .. هكذا فكرت لكن تلك التمتمات عادت تتردد في رأسها بسرعةٍ مرةً تلو الأخرى، حاولت إتباع نصيحة مرح مجددًا و التركيز عليها في محاولةٍ لجعلها تبطئ و شيئًا فشيئًا استحالت لهمساتٍ يمكن استيعاب بعض الكلمات فقط منها.
" مكانٌ حيث لن يعثر عليكِ أحدٌ أبدًا، كوني مطيعةً .. هلا تفعلين ذلك من أجلي؟ اسمعي يا مرجانة، هناك أشخاصٌ سيئون يريدون أخذكِ مني، سيكون علي إرسالكِ عند إحدى صديقاتي في مكانٍ بعيد.. مكانٌ حيث لن يعثر عليكِ أحدٌ أبدًا، كوني مطيعةً لأنكِ ستبقين عندها لبعض الوقت.. هلا تفعلين ذلك من أجلي؟ "
توقفت الأصوات فجأةً فتنهدت مرجانة بارتياحٍ و هي تحاول ضبط أنفاسها المضطربة لتجد أن نورًا خافتًا كان يشع من صندق مرح الكريستالي و قد بدأ يتلاشى تدريجيًا! لكنها لم تخف أو تتفاجأ على الإطلاق بل أحاطته بيديها بسعادةٍ قبل أن تضعه بحرصٍ على المنضدة بجوار فراشها حيث تبقي الكثير و الكثير من الشموع.
" بدأت أظن أنكِ تعيشين هنا في القصر مثلنا حقًا "
قال آرثر و هو يقف أمام مرح معيقًا طريقها للخارج فتأففت بنفاذ صبر قائلةً :
" إذًا؟ كم مرةً على قول أنه لا شأن لك بي ؟ إن كنت أزعجك فها أنا خارجة "
لكنه لم يتنحَ جانبًا فقالت بحدة : " لست في مزاجٍ للعب معك لذا ابتعد و دعني
أمر "
" الملك قلق ، و أنا كذلك .. منذ مجيئك أصبحت أكثر انعزالًا عنا، صارت تتناول طعامها في غرفتها و بالكاد تغادرها، سألني عن السبب و أخبرته أنني مازلت أحاول اكتشاف السبب ، لذا أسئلكِ آخر مرة .. ماذا بحق الجحيم تحاولين أن تفعلي ؟ "
سأل آرثر بحدةٍ لم ترها منه من قبل رغم كل غضبه منها، أدركت أن صبره عليها ينفذ حرفيًا و لكنها أيضًا لا تسمح لأحدهم أيًا كان بمخاطبتها بنبرةٍ لا تعجبها، سيكون عليها إخبارهما بحقيقتها ، هي تعلم ذلك .. لكن إخبار آرثر أكثر صعوبةً من إخبار مرجانة .
" أظنني أجبتك عن هذا من قبل، و لنكن صريحين قليلًا .. أنت لن تخبره عن وجودي "
" و لمَ تظنين ذلك؟ "
" لأنك لم تعتد أن تزعجه بأمرٍ تافه، و أنت تستحقرني بشدةٍ منذ مجيئي كما نعلم كلانا ... و في الواقع إن كنت تريد إخباره لكنت فعلت من أول يوم أتيت فيه إلى
هنا "
حسنًا، هي كانت محقة.. محقةً جدًا ، و بحيث لم تدع له مجالًا للنقاش في هذا الأمر، لكنه تعجب عندما اتخذت خطوةً للأمام لتقترب منه و هي تدقق النظر به بحاجبين معقودين بشكٍ قبل أن ترمقه بنظرةٍ غاضبةٍ و تقول:
" لا تذهب للصيد غدًا "
" و من قال لكِ أنني أنوي ذلك؟ "
" أنا فقط أعرف، أخبرتك أن تتوقف عن تلك العادة الغبية.. أنتم النبلاء تحسبون أنفسكم فوق القانون.. حتى قوانين الطبيعة! لا تهدر حياةً فقط لأنك و اللعنة تريد ذلك! لا يوجد أي عذرٍ في الدنيا لإزهاق روح "
قالت مرح بنبرةٍ هادئةٍ لا تتناسب مع كم الكراهية في كلماتها فقط كمحاولةٍ كي لا يرتفع صوتيهما و يصبحا حديث المملكة بأكملها فأجابها آرثر بنبرةٍ مماثلة :
" أنتِ مخطئة! نحن لسنا بتلك الهمجية ، هذا فقط ما تظنونه لأنكم مشغولون بمحاولة توفير قوت يومكم فلا تعلمون كم المصاعب التي نواجهها في سبيل توفير حياةٍ أفضل لكم "
" بل يفترض أنكم توفرون حياةً أفضل لنا، لكن يبدو أنكم أنتم من تنسون ذلك .. و توفرونها لأنفسكم فقط! إن سمحت لك نفسك بارتكاب خطأٍ صغيرٍ فغدًا ستسمح لك بارتكاب خطأٍ أكبر! أنت اليوم تقتل الحيوانات، من يعلم ماذا قد تفعل غدًا؟ أخبرني كم قتل والدك من شعبه؟ "
" هذا لأنهم يمارسون السحر، هم السبب في كل ما يحدث بكاميلوت من سوء "
" حقًا؟ إلقاء اللوم عليهم ليس حلًا! ثم والدك العزيز لم يكلف نفسه حتى بالتحقق من أي شيءٍ فما أدراك بأنهم سحرةٌ حتى ؟ أنتم تقتلون فقط لتشبعوا رغبتكم بالدم و الإنتقام! هل كان لينيان أوزمود الذي أعدم قبل أيامٍ ساحرًا حتى ؟ أم أنكم فعلتم ذلك فقط كمقدمةٍ للإعلان عن حفل الذكرى الثلاثين ؟ "
و الشيء الذي تلا ذلك بحسب ما يذكره آرثر هو يد مرح الممسكة بمعصمه بقوةٍ كي لا تفلت منها و تهوي على وجهها الجميل ، لكم أراد صفع تلك اللعينة التي تجرأت و أهانته هو و والده العزيز! كيف تجرؤ على ذلك ؟ و هي حتى من العامة!
" لا تفكر بذلك حتى، رأيت؟ أليست هذه همجيةً أيضًا؟ أنت لن تصل إلى أي مكانٍ إن كان كبرياؤك فقط هو ما يحركك .. و لا تنسَ أنني سأؤذيك إن فكرت بإيذائي مجددًا "
دفعته بقسوةٍ لتسير هي خارجةً من القصر بأكمله، كان عدم تجمع الخدم حولهما إشارةً جيدةً لكنه و اللعنة أخرجها عن شعورها في لحظات! من حسن الحظ أنها لم تقل شيئًا يفضح حقيقتها ، ما كان عليها أن تسمح له بذلك، أما هو و لشدة غضبه فلم يلاحظ حتى أنه لا يمكن لفتاةٍ عاديةٍ دفعه بكل تلك البساطة ، لم يكن لديه تدريبٌ الآن ليفرغ به غضبه فاتجه إلى غرفته بخطواتٍ مسرعة.
.
.
" عليك أن تكون أسرع يا ليونيل، هيا! مرة أخرى بعد! "
قالها الشاب ذو الشعر البني الداكن و العينين الداكنتين و هو يبعد حافة سيفه عن وجه صديقه قبل أن يصوب كلاهما سيفه نحو الآخر ، و كعادته بدأ ذاك الشاب بالهجوم أولًا حيث اندفع بسرعةٍ نحو زميله الذي تمكن من صد ضربته بسرعةٍ ليبتسم كلاهما قبل أن يتراجع الشاب ليترك لصديقه فرصة البدء بالهجوم كذلك .
كانا يتقاتلان في منتصف حجرةٍ في قصرٍ عجيبٍ تحت الماء! و كان المكان محاطًا بأكمله بتعويذةٍ لمنع المياه من الدخول، بينما يجلس شابٌ ثالثٌ بجوار عرشٍ تجلس عليه سيدةٌ بارعة الجمال ذات شعرٍ بنيٍّ و عينين زرقاوين واسعتين، بشرتها بيضاء صافيةٌ و أنوثتها طاغيةٌ فتنت كل من رآها، كانت تراقب تدريب الشابين باهتمامٍ شديد .
ابتسمت عندما طار أحد السيفين بعيدًا و رفع ذو الشعر البني يده في سعادةٍ بالنصر، اتجه نحوها مبتسمًا ثم انحنى إليها فقالت: " أحسنت يا لانسلوت! و أنت أيضًا يا ليونيل، حركاتك في تحسنٍ مستمر.. لكن الهزيمة في أرض المعركة تعني الموت، لا أحد سيتهاون معكم مطلقًا، و لن يكون الأمر سهلًا و الجنود يحيطون بكم من كل مكانٍ كذلك هناك، بور و ليونيل، هيا هاجما لانسلوت "
أومأ لانسلوت و توجه نحو منتصف الحجرة و تراجع خطوتين متخذًا وضعيةً دفاعيةً بينما نهض بور الذي كان جالسًا بجوار عرشها و الذي بالمناسبة يكون شقيق ليونيل و هما يتجهان نحو المنتصف كذلك، تبادلا النظرات ثم سدد كلاهما ضربةً إلى لانسلوت الذي استدار قليلًا ليتمكن من رؤية كليهما و قام بصد الضربتين معًا بحركةٍ سريعةٍ مثيرةٍ للإعجاب حيث أمسك بسيفه من أعلى مقبضه ليصطدم أحد السيفين بالمقبض بدلًا عن إصابته بينما يدفع بيده الأخرى بخفةٍ على نصل السيف الذي تلقى الضربة الأخرى، ثم مستغلًا اندهاشهما من حركته التفت بطرف عينه لثانيةٍ واحدةٍ لتلك التي تراقبهم بابتسامة إعجابٍ ثم أعاد تركيزه للقتال و قبض على سيفه بقوةٍ من أعلى مقبضه و هو يدفع بكلا السيفين بعيدًا لكن منافسيه لا يقلان براعةً عنه حيث تمسكا بسيفيهما بقوةٍ فلم ينجح هجوم لانسلوت المباغث في الإطاحة بهما .
1
2
3
4
5
6
7
8
Коментарі