"فاقد الأمل لا يعطيه"
"هلاوس"
"آسفة فأنا اريد شخصاً نظيفاً"
"أهواك"
"ذكريات مؤلمة"
"وداع"
"ذبول"
"هروب"
"كم هي قاسية تلك الحياة"
"رد الجميل"
"شرود"
"صِدام"
"خوف"
"لقاء"
"الغريب"
"اسيل"
"احلاهما مر"
"ملاك"
"مواجهة"
"ألم"
"اعتراف"
"أمل"
"برد"
"صداقة"
"النهاية"
"لقاء"
ظل الصمت يسود المكان لوقت طويل...لم تهدأ انفاس آسر الى الآن ولم يكف عن التحديق في كل شيء بعين شاردة مرهقة...ولكن هذا لم يكن يزعج كلا من ملك وعبد القادر...على الأقل لم يؤذي نفسه او يرتكب أي حماقات...يراهنان انه يتذكر الآن مواقف كثيرة قد جمعت بينه وبين أعز صديق له...طه!

هو بالفعل كان يتذكر ذلك! عصر دماغه جاهدا ليتذكر أول يوم قابله فيه...وإذا بآسر بعد صمت طويل وبدون أي مقدمات يحكي...دون النظر الى اي منهما...

يسند ظهره إلى الكرسي ناظرا إلى سقف الغرفة مبتسما شاردا ويبدأ في الحديث بصوت خافت وعين تكاد ترى المشهد أمامها:
كانت محاضرة مملة في مادة المحاسبة...لا أتذكر هل كانت اول محاضرة لي في كلية تجارة المنصورة ام لا لكني أتذكر عدم فهمي لأي كلمة مما كان يقولها الدكتور الخاص بالمادة

كانت عيناي تجولان في كل انحاء المدرج عدى الجزء الذي يقف فيه الدكتور...

مرت ساعات ثقيلة حتى انتهت تلك المحاضرة... أخذت أُلملم أغراضي منطلقاً الى السكن الجامعي ولدي القليل من الفضول لمعرفة من سيكون شريكي في الغرفة... نظر لهم في تلك اللحظة ليرمق اللهفة التي ملأت أعين كليهما لمعرفة من هو... ثم ابتسم وقال مؤكدا لما كان يجول في رأسيهما، نعم لقد كان هو...طه!

زادت ابتسامته الشاردة للسقف وهو يُكمل:
أتذكر انه قد أعد لي بعض كلمات الترحيب الرسمية التي امقتها وامقت من يتكلم بهذه الطريقة...اما أنا فلم أرتب شيئا...فقط أردت النوم...وهذا ما حصلت عليه...

دخلت من باب الغرفة بعد ان قمت بإدخال ذلك المفتاح الصدئ أكثر من مرة كي يفتح...وإذا بشخص اعرض مني قليلا يجلس على السرير يقول بابتسامة مرحبا بي:
_أهلا يا صديقي العزيز في منزلك الجديد
يبدو أنك سعيد الحظ الذي اختاره القدر ليبيت معي!

ابتسمت مجاملا اياه لكنني لم اضحك على ما قال. وقتها كان هناك ما طمئنني قليلا وما أقلقني ايضا
طمئنتني طريقة كلامه المهذبة وعلمت حينها انه شخص طيب لن يكون جالبا للمتاعب...وهذا شيء جيد فأنا أحب الهدوء
اما عن الأمر الذي أقلقني فهو أنني علمت ومن اللحظة الأولي انني لم أتأقلم معه بسهولة...ولكن لا يهم هذا ما كنت آمله لأنني لم أكن أنوي حينها أن أكون صديقا مقربا لأحد!

كل ما كنت أفكر فيه هو إيجاد حجة دائمة للخروج من السكن الجامعي في وقت مبكر قبل ان تظهر على أعراض نقص المخدر...لم يخطر ببالي الكثير ولكن كما قلت كان طه شخصا طيبا فأظن أنه سيصدق أي شيء
عندما حان الوقت أخبرته ان جدتي تسكن في المنصورة وقد وصاني أبواي أن أرعاها وأن أجلس معها كل يوم...لقد كانت حجة جيدة بحق! حتى أنا صدقتها

نزلت من السكن مثل التائه الذي يبحث عن أمه لا يدري اين يبحث وماذا يقول للناس
أأقول لهم أنني أبحث عن أقرب "غرزة" لأنني لا أستطيع ايقاف انفي عن السيلان!!
ظللت أبحث في الأزقة والحواري المشبوهة على "ديلر" يخلصني مما أنا فيه الآن...حتى وجدت واحدا وقد دلني على ذلك "البار" الذي بدأ معه كل شيء

لم يكن معي المال الكافي وكنت ارجو ان يعطيني اي كمية فقط لأسكن عقلي بها...لكن الحارس لم يوافق على ادخالي من الأساس...ظللت واقفا هناك لا أدرى ماذا افعل!! لكنني وجدت شخصا قادما ليرى ما المشكلة...نعم لقد كان طه!! سحقا لذلك لم اكن اتوقع من تلك الشخصيات ان تدخل تلك الأماكن...قام بدفع المال المتبقي وأشار لي بابتسامة عريضة على مكان جلوسه كي اجلس بجواره...شكرته علي ما فعله لكنني لم اظهر الفرحة والراحة التي اجتاحتني عندما عبرت من ذلك الحارس المقيت...أخبرني في تلك الجلسة عن كل شيء عنه...عائلته...حبه الأول...الكثير من الأشياء التي لا يمكن ان يبوح بها احد إلا اذا كان سكيرا او تحت تأثير مخدر...اخبرته انا ايضا بالكثير ولكني خبأت الكثير ايضا...لكني ارتحت له فعلا بل بالعكس اصبحت ارى ان من حظي اننا نسكن في نفس الغرفة

انتهي آسر من سرد قصة طه وقد بدى على جسده التعب والإرهاق...لولا ذلك القميص المبتل والرائحة الكريهة التي تفوح منه لنام في مكانه غير مبال بأي أحد في الغرفة

قامت ملك بعد أن اطمأننت على حالة آسر وسلمت عليه مبتسمة تحاول ان تداري احساسها بالقلق عليه...قام بمد يده ليشعر بدفء يدها من جديد ابتسم لها ابتسامة شاردة قد أنهكها التعب وشكرها على مجيئها ودخل الى غرفته يترنح يمينا ويسارا لا يفكر في شيء غير تبديل ملابسه وفرد جسده على السرير شبه عار لأنه لا يطيق ذلك العرق الذي يتصبب منه الآن...آملا فقط ان يستطيع اغماض عينه لبضع دقائق

****
دخل طه الى غرفته في المصحة...كانت غرفة صغيرة تحتوي على سرير قديم ودولاب ومكتب فارغ لكنها على الأقل نظيفة...أخبره الممرض ان يرتاح قليلا لأن مرحلة العلاج الأولى سوف تبدأ بعد ساعات قليلة...دخل طه وإحساس الغربة والخوف من كل شيء يملأه...فرد جسده على السرير في تعب ووضع يده على رأسه يحاول كبت تلك الأفكار التي تستحوذ على دماغه قليلا...

لكنه كالعادة لم يستطع!! امضي الوقت كله في التفتيش في الغرفة عن أي شيء يفعله لكنه لم يجد سوي صحف من جرائد قديمة وبعض القمامة في ادراج المكتب...قام بوضع كل ما في حقيبته في الدولاب وتذكر أنه قد أخذ بعض الكتب ليقرأها إن آلت الأمور لهذا الحد من الملل...عقله لا يتوقف عن التفكير في كلام الممرض...قال له أنه لن يتلقى العلاج بمفرده ولكن سيكون العلاج في مجموعات...وهذا يعني أنه سيختلط بمن هم في هذه المصحة لا محالة...كلما تذكر الهروين والجرعة التي لم يأخذها كلما فقد عقله اكثر وفقد القدرة علي التفكير...ضربات قلبه المضطربة والصداع في دماغه يمنعه من فعل اي شيء...حتى انه لا يقدر علي اغلاق عينه لبضع ثوان قليلة

مر الوقت علي طه كالجحيم الذي لا ينته...لكنه ايضا لا يريد ان يفتح ذلك الباب...لا يريد رؤية اولئك الأشخاص او الاحتكاك بهم...لا يريد أخذ اي دواء! لكن ما باليد حيلة...لم يكن أمامه الكثير من الحلول...الأفضل له أن يرضى بما هو عليه الآن!
لم يكد يكمل طه تلك الجملة حتى انفتح الباب ومعه انتفض جسد طه من الخوف وبدأ التوتر يظهر عليه
كان يفكر في الإفلات من ذلك الممرض والهرب من ذلك المكان بسرعة...لكنه لم يفعل شيئا! فقط استسلم ليد الممرض الذي تجره بعنف كأنه حيوان خطر لا يمكنه المشي دون لجام

اقترب الممرض من غرفته إلى غرفة أخرى كانت الأقل ضوءا من بين الغرف التي أحاطتها...وقلب طه ينبض بسرعة أكثر كلما اقترب من الباب!

قام الممرض بفتح الغرفة ورمى طه داخلها واغلق الباب عليه بسرعة وحزم مبالغ فيه...ليرى طه منظرا يدعو للغثيان أكثر من القلق!

اشباه بشر منتشرين في جوانب الغرفة ضامين ايديهم حول ارجلهم كالجنين في بطن أمه...ينظرون إلى الأسفل بحيث لا يمكنه النظر لوجوههم...بشرتهم شاحبة يرتعشون رغم دفء الغرفة!

© Mohamed Hassan,
книга «"ألف ميل"».
Коментарі