"فاقد الأمل لا يعطيه"
"هلاوس"
"آسفة فأنا اريد شخصاً نظيفاً"
"أهواك"
"ذكريات مؤلمة"
"وداع"
"ذبول"
"هروب"
"كم هي قاسية تلك الحياة"
"رد الجميل"
"شرود"
"صِدام"
"خوف"
"لقاء"
"الغريب"
"اسيل"
"احلاهما مر"
"ملاك"
"مواجهة"
"ألم"
"اعتراف"
"أمل"
"برد"
"صداقة"
"النهاية"
"أهواك"
"آسفة فأنا أريد شخصا نظيفا"
تلك الكلمة قد حطمته من الداخل أكثر مما هو محطم
لم يستطع أن يرد عليها بأي كلمة...فهو ليس إلا إنسان عبد لشهوته
بالرغم من كل محاولاته في تغيير نفسه لشخص أفضل...إلا أنه يظل قذرا
تجمعت الدموع في عينيه بغزارة لدرجة أنه لا يستطيع أن يمنعها من السقوط
قام بالدخول إلى شرفة تلك الغرفة المقيتة وترك نفسه لتبكي...ترك دموعه تسقط لتلامس وجهه الحزين مثل الطفل الصغير
كلما تذكر تلك الجملة كلما دمعت عينه أكثر...اصوات النحيب والبكاء تكاد أن تكون مسموعة...وهو لا يعرف كيف يسيطر على نفسه وينسى..
ما فائدة المخدر إذا؟!
عقله غائب عن الوعي ولكن ليس بالشكل الكافي...لا يزال يتذكرها
لا يزال مغرم بها ولا يريد شيئاً نظيفاً في حياته غيرها...
لطالما كان عديم الإحساس باردا طول الوقت...لكنه يستسلم لمشاعره عندما يراها!
هو لا يستطيع أن يكون ذلك الشخص الذي تتمناه لا يستطيع أن يكون فتى أحلام لأي فتاة
ضرب سور الشرفة بقبضته في غيظ شديد...يا له من ضعيف...ضعيف غائب عن الوعي دائما...عليه ان يتقبل حقيقة انه المسخ لا يمكنه أن يحب

قطع حبل افكاره صوت شجار يصدر من الداخل...حاول أن يسيطر على دموعه وينصت لما يقولون بالداخل لكنه لم يسمع إلا اصوات عالية لا يستطيع ان يميز حتى أهذا صوت رجل أم فتاة
انتظر قليلا حتى جفت دموعه وقام بفتح باب الشرفة ليتبين سبب ذلك الصوت العالي
لمح فتاة في العشرين من عمرها تستنجد بأحد أولئك المخدرين من ذلك الفتى الذي يقترب منها...كان يقترب منها ويصف جسدها بألفاظ بذيئة وهي لا تستطيع ردعه...
هو الآخر كان تحت تأثير المخدر لكن تلك الدموع قد أعادت بعضا من وعيه...لذا على الأقل هو يعي ما يفعله ذلك اللعين
قاوم ذلك الشعور المفاجئ بضرب ذلك المعتوه
اقترب آسر من ذلك الفتى دون أدنى تفكير وقام بدفعه بقوة...لم يشأ أن يضربه لكيلا يطرد من المكان...لكن هذا الغبي هو من بدأ في لكمه...لم يستطع آسر المقاومة أكثر...أخرج من جيبه مفاتيحا حديدية وقام بضربه بها ليتناثر دم ذلك الفتي على قميصه...اسقطه ارضا ثم خلع المفاتيح من يده وقام بضربه ثانية بكل قسوة والدموع تظهر في عينيه...

هو ليس في وعيه الآن...فقط يريد اخراج كل ما يكتمه بداخله...قام بضربه عدة مرات حتى تأكد أنه غاب عن الوعي
ثم قام من عليه متأسفا لتلك الفتاة كأن شيء لم يكن...في عينيه قليل من الدموع لكنه يعرف كيف يكون هادئا دوما

جري نحو طه بسرعة ولطمه عدة مرات على وجهه لينتبه قليلا ثم قام بسحبه وخرج به من تلك الغرزة بسرعة قبل أن يأتي الحراس...

انتظر آسر لحظة دخول ذلك الحارس الضخم ليتفقد ما يحدث بالداخل وهرب من الممر الطويل بسرعة قد أنهكته...نزلا ذلك السلم المليء بالأضواء...حاول تفادي تلك الأضواء من جديد لكنه فشل هذه المرة لحمله تلك الجثة الغير واعية على كتفه...تعثر عدة مرات كاد فيها أن يوقع طه من بين يديه....استغل جسد طه في دفع اولئك المتكدسين على السلم
تبعتهم تلك الفتاة دون شعورهما حتى تجاوزوا "الحانة"...لم تدري ماذا تفعل...كانت تريد شكر ذلك الشاب بأي طريقة...
لكنها وجدته منهمكا في حمل زميله الذي لا يزال تحت تأثير المخدر...
كان يترنح هو الآخر يمينا ويسارا غير قادر على حمله أكثر من ذلك...رفع سماعته ليكلم شخصا يسمي "عبد القادر" بلسان ثقيل وقليل من العبارات الحادة ليأخذهم من هنا...سمعته وهو ينعته بالسكير لذا علمت انه سيتأخر...أو انه لن يأتي ليأخذهم من الأساس....
وضع آسر طه على الرصيف ليرتاح قليلا ثم جلس بجانبه وقام بفرك عينيه بقوة محاولا الحد من مفعول المخدر...
حينها اقتربت الفتاة منه قليلا حتى لاحظ آسر وجودها...نظر اليها بعين شبه مغلقة منتظرا منها ان تتكلم
قالت له بصوت خفيض:
اشكرك على ما فعلته في ذلك المكان
رد آسر في عدم اهتمام وهو يستمر بفرك عينه:
_فلتكن تلك أول وآخر مرة تذهبي فيها الي تلك الأماكن
تعجبت الفتاة قليلا وقالت:
_كيف علمت انها أول مرة؟؟
أكمل آسر وهو ينظر الي دموع طه التي بدأت تسقط على وجهه:
_طريقة كلامك وارتباكك الزائد...ثم أكمل ساخرا: رهبة أول مرة
عقدت الفتاة حاجبيها ثم قالت محاولة تغيير الموضوع:
_هذا المسكين لن يقدر على الحراك...سيارتي بالقرب من هنا سأوصلكم كعربون شكر لما فعلته في الداخل...
رد آسر:
_ لا تقلقي...زميلي في تلك الحانة سوف يأتي لتوصيلنا
_هو لن يأت صدقني! سمعتك وأنت تنعته بالسكير...صدقني لن يأتي من أجلك ويترك زجاجات الجعة
للأسف كانت محقة في كل ما قالته...كان آسر يعلم أنه سيضطر الي الذهاب مشيا حتى أقرب مكان للمواصلات...لكن حالة طه لن تمكنه من ذلك لذا اضطر ان يوافق...
سار آسر حاملا طه على كتفه ناظرا للطريق المظلم الذي أمامه...ذلك الهدوء يشعره براحة حقيقية تجعله يبتسم...
لمحت تلك الفتاة ابتسامة آسر فابتسمت في راحة هي الأخرى ثم سألته عن اسمه فأجاب شاردا في ذلك الطريق "آسر"
وأنت ايتها الغريبة ما اسمك؟!
قالت بصوت خفيض لم ترفعه منذ أن تقابلا: "اسمي ملك"
ضحك آسر قليلا فردت عليه قائلة:
_ماذا أهناك مشكلة باسمي؟

أجابها آسر بصوت لا يخلو من الضحك:
_لا لقد أعجبني الاسم كثيرا...لطالما حلمت أن أكون ملاكا لا يخطئ ولا يذنب...أما أنا فلست الا معتوها من البشر
وصل ثلاثتهم الي السيارة التي اشارت اليها ملك...لم تكن سيارة حديثة ولكنها على الأقل أحسن من تلك ال "فيات" المريعة التي يمتلكها "عبد القادر"
وضع آسر طه في الخلف لكي يستطيع أن ينام قليلا ثم دلف هو بجانب ملك...
_إذا اين تريداني أن أوصلكما؟؟
اجاب آسر وقد عاد ثقل لسانه مجددا:
_السكن الجامعي
تعجبت ملك فأكمل آسر:
اعلم ان الطريق طويلة...لكن أنت من عرض علينا
_لا لا لم أقصد ذلك...أأنتم طلاب في جامعة المنصورة؟؟
أجاب آسر ساخرا:
_ماذا؟؟ أظننتني في الأربعين من عمري آت الي هنا هربا من زوجتي؟؟
ضحكت ملك فابتسم آسر قليلا ثم أكمل:
_أنا وطه في كلية تجارة في السنة الثالثة...
_إذا كليتك بجانب كليتي...أنا في كلية آداب...الصف الثاني

رفع آسر حاجبيه ثم قال بلسان ثقيل أنهكه مفعول المخدر:
_أنت من الطلاب المجتهدين الذين ضاقت بهم الحياة ولم يجدوا مستقبلا لما يدرسوه فقرروا فعل شيء جديد؟؟
ضحكت ملك وقالت:
نعم انا من اولئك الطلاب...ولكن ليس الأمر كما تعتقد...
_لا تهتمي لما اقول فأنا تحت تأثير المخدر الآن
ابتسمت ملك وقالت مازحة:
_ومن أي نوع من الطلاب أنت؟؟
اختفت الابتسامة التي كانت على وجه آسر تدريجيا ثم نظر الى آثار الابر المغروزة في ذراعه وقال بعد فترة:
أنا من اولئك الذين كان "الكوكايين" علاجهم...لكن المرض تخلي عنهم وهم لم يتخلوا عن العلاج
لم تفهم ملك ما يقصده بتلك الجملة لكنها لم تشأ مقاطعته
أغمض آسر عينيه في ألم بعد تلك الجملة واستطرد قائلا:
_من الأفضل ان ارتاح قليلا لأن ذلك المفعول لن يزول بسهولة
نظرت ملك لآسر بعين مشفقة ثم قامت بتشغيل الكاسيت وسألت آسر عن أغنية يريد سماعها فأجاب دون تردد
"أهواك...لعبد الحليم حافظ"


© Mohamed Hassan,
книга «"ألف ميل"».
"ذكريات مؤلمة"
Коментарі