"فاقد الأمل لا يعطيه"
"هلاوس"
"آسفة فأنا اريد شخصاً نظيفاً"
"أهواك"
"ذكريات مؤلمة"
"وداع"
"ذبول"
"هروب"
"كم هي قاسية تلك الحياة"
"رد الجميل"
"شرود"
"صِدام"
"خوف"
"لقاء"
"الغريب"
"اسيل"
"احلاهما مر"
"ملاك"
"مواجهة"
"ألم"
"اعتراف"
"أمل"
"برد"
"صداقة"
"النهاية"
"كم هي قاسية تلك الحياة"
تردد آسر كثيرا قبل ان يفاتح عبد القادر بخصوص إقامتهما المؤقتة عنده...بلا شك سوف يوافق! ولكن طبيعة آسر تمنعه من طلب مثل تلك الطلبات...ولكن على غير العادة تفاجئ آسر بعبد القادر يعرض عليهما الإقامة عنده...

فقد سمع قصة ذلك الشخص الذي يبحث عنه...كان يعرف ان كلا من آسر وطه لن يطلبا منه شيئا كهذا...لذا عرض هو عليهما.. لم يكن لعبد القادر الكثير من المعارف والاصدقاء.. وكان نادرا ما يلتقي بمن هم في مثل ظروفه...هم ليسوا بالصحبة الخيرة ولكن على الأقل لديهم القليل من المبادئ والحدود لا يتعدونها... لذلك كانت هذه الفرصة المثلى لكي يتقرب منهم أكثر...عسى ان يكونوا اصدقاء حقيقيين في يوم من الأيام!

قال آسر مازحا:
_عليك أن تتخلي عن بعض زجاجات الخمر لكي يتسع البيت لكلينا

ضحك عبد القادر قائلا:
_لا يا صديقي لن أفعل...الأفضل لك ان تبحث عن مكان آخر من الآن

لم ينتبه طه الى ذلك الحديث الذي كان يدور بين آسر وعبد القادر...فقد كان هناك شيء آخر يشغله لا يفارق باله ذاك المنظر المهيب وذلك الطبيب يخبره بإصابته بذلك المرض! كم هي قاسية تلك اللحظات! لحسن الحظ لم يكن للمرض أي علاقة بما يتعاطاه. علي الأقل لم يشعر أنه دمر نفسه بنفسه...ولكنه كان ينظر لذلك المرض بأنه عقاب من الله علي ما فعله...هو يعلم أنه مخطئ في أشياء كثيرة...لا يكابر ولا يحاول تبرئة نفسه من اي شيء...لكنه يريد الرحمة!! القليل من النسيان! يريد ان يرتاح له باله لبعض الوقت!!

كان يعلم ان عليه اخبار آسر عاجلا أم آجلا...هو الآن يري العالم بنظرة أخرى! بنظرة المودع...يعلم حق المعرفة ان ذلك المرض سوف يقضي عليه تماما...اصبحت ايامه في الدنيا معدودة الآن...لماذا كل شيء أصبح كئيبا هكذا؟! لماذا يتذكر كل الخطايا التي قد اقترفها في حياته؟! لماذا يشعر برغبة في البكاء الآن؟! يسأل نفسه عن دوره في الحياة وما فعله فيها...لكن الإجابة كانت كارثية...لقد أمضي عمره كله يحاول الهروب من واقعه وحياته البائسة تلك...لم الآن يشعر بالندم عندما رأي تلك الأمنية تتحقق!

مال برأسه على النافذة ينظر لظلام الليل الدامس...على عكس آسر لم يحب طه الليل يوما...كان ينظر إليه نظرة خوف لا نظرة أمل...
كان آسر يشعر بما في طه...لا يعلم السبب لكنه يعلم ان هناك امرا ما يقلقه...لم يشأ ان يسأل عن السبب طالما لم يخبره طه بأي شيء...

الكل مكتأب هنا...لكنهم يخفون ذلك ببعض الضحكات!!
اشتاق آسر كثيرا للكلام مع حبيبته السابقة...يتذكر كثيرا من المواقف التي كانت تجمعهم معا.... قبل ان تعرف أنه مدمن للكوكايين...قبل أن تعلم أنه شخص آخر غير الذي عهدته!! ظلا يحلمان معا بخطط المستقبل والجمل المليئة بالأمل التي يكثر فيها الكلام حول انهم لم يسمحوا للقدر بأن يقف في طريق نجاحهم...أنهم سوف يتحدون الظروف وسيجمعهم بيت واحد عاجلا أم آجلا!

تلك الوعود التي لم تضف اليه سوي المزيد من الحزن لعدم تحقيق اي منها...لا يستطيع لومها على فراقها له...بل هذا ما كان يجب أن يحدث! فقط يلوم نفسه على تسببه في أذى لأناس اخرى! فهو يعلم أنها لا تزال تحبه...أو على الأقل تحن أيضا لتلك اللحظات...ولكن ما من جدوى...فهو ليس في فيلم سينمائي يتحدى البطل كل الظروف ويصبح ناجحا في وقت وجيز من أجل البطلة...هنا العكس تماما...هنا الواقع!!

وصل آسر وطه الى بيت عبد القادر...بيت بسيط في حي أبسط...كانت الشقة مثل المتوقع...غارقة في الفوضى تملؤها زجاجات الخمر المتناثرة في أرجاء الصالة...شقة مثالية لشخص أعزب يستضيف فيها بعضا من المتشردين!

أضاء عبد القادر الصالة وجلس على الكرسي المقابل للباب قائلا:
_تصرفوا كأنكم في بيتكم...هناك غرفة زائدة عندي بها سرير يكفي لكليكما...
دخل طه يبحث عن تلك الغرفة لا يشغل باله سوى السرير...فقد كان هروبا متعبا...

أما آسر فقد نظر إلى السرير غير المرتب قائلا لعبد القادر في سخرية:
_ألست وحيدا في تلك الشقة؟
كان آسر يتظاهر بعدم معرفة سبب الفوضى على تلك السرير
أجابه عبد القادر:
_اولا تعلم لماذا هو غير مرتب؟ نعم يا صديقي لقد كنت آت بفتيات ليل إلى هنا...على هذا السرير!
حينها انتفض طه من على السرير وسط ضحكات آسر العالية وابتسامة عبد القادر الذي لا يدري ماذا يقول بعد ذلك!

قطع عبد القادر ضحك آسر قائلا:
_حسنا يمكنكم النوم على سريري وأنا سأنام هنا
رفض آسر قائلا:
لا. نحن لا نريد ان نثقل عليك...فقط قم بتبديل غطاء السرير فهذا أحسن من أن أنام علي بحر من النبيذ في غرفتك!

ضحك عبد القادر قائلا:
_حسنا لك ما تريد
قام بجلب غطاء جديد للسرير وأقسم لطه أنه لم يمسه على الإطلاق كي يهدأ باله ويطمأن
خلد طه في نوم عميق بعد تلك الرحلة المتعبة. أما آسر فقد ظل مستيقظا واقفا في الشرفة يستمع إلى بعض الأغاني القديمة من ذلك الراديو قديم الطراز الذي يمتلكه عبد القادر...كان يستمتع بالنفث في سيجارته...ولكن كان هواء الليل البارد هو ما كان ينعشه حقا!

هو الآن في حاجة ماسة لشخص يكلمه...شخص يعوض النقص الذي عنده...شخص يطمئنه...
يكذب عليه ويخبره أن الوضع على ما يرام...انه لا يزال هنالك أمل...عينه لم تعتد على رؤية الأمل في أي شيء...يمقت واقعه بشدة...يتمني لو يصبح كل هذا مجرد كابوس وأن يستيقظ واجدا نفسه مع عائلته التي تحبه...الابن البار بوالديه والحريص على عدم إيذاء مشاعرهم...الحريص على أن يكون في تلك الصورة التي رسمتها له عائلته...ولكن للأسف تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن! لم يتبقى من صلته بعائلته سوي المال الذي يعطونه إياه كل شهر وبعض الجوابات الخالية من الحنان والحب

انتهي آسر من سيجارته فقام بإطفاء الراديو وإرجاعه على الطاولة مكانه وخلد إلى النوم راجيا ألا يحتاج جسده الكوكايين لوقت أطول من ذلك...يمكنه تدبر الأمر بأن يأتي بأحد ال "ديلرز" فيعطيه الكم الذي يحتاجه من المخدر. لكن سيكون الأمر مكلفا أكثر ومكشوفا! ولكن ما باليد حيلة... يعلم أنه لم يستطيع المقاومة سوي بضع ساعات سيستغلها في النوم فقط...يالها من دوامة كئيبة مقززة!

© Mohamed Hassan,
книга «"ألف ميل"».
Коментарі