"فاقد الأمل لا يعطيه"
"هلاوس"
"آسفة فأنا اريد شخصاً نظيفاً"
"أهواك"
"ذكريات مؤلمة"
"وداع"
"ذبول"
"هروب"
"كم هي قاسية تلك الحياة"
"رد الجميل"
"شرود"
"صِدام"
"خوف"
"لقاء"
"الغريب"
"اسيل"
"احلاهما مر"
"ملاك"
"مواجهة"
"ألم"
"اعتراف"
"أمل"
"برد"
"صداقة"
"النهاية"
"أمل"
انه هو!! لا يزال طه لا يصدق ما تراه عينه...لكنه...هو!!
يقف أمامه الآن...لقد كان يتوقع أن اللقاء سيكون حِملا ثقيلا عليه ...كان يقنع نفسه أنه غير مستعد للقاء بعد...لكنه لا يشعر بكل ذلك...يشعر كما لو كان في حلم...لكن هذه المرة حلم جميل...حلم اللقاء به...دون أي ضغوط أو أي مشاعر مقيتة من كِلا الطرفين...فقط لقاء عادي بين أب وأبنه...لطالما انتظر أن يحين ذلك اليوم رغم أنه هو من قطع صلته بعائلته تدريجيا...لم يستطع أن يكون الابن الصالح فخر عائلته...فقرر الابتعاد عنهم تدريجيا حتى لا يسبب لهم المتاعب...حتى لا يجعلهم يذوقون مما يذوق هو...يذوقون مرارة فقد ثقتهم بولدهم الغالي!!
لكن ها هما يقفان أمام بعضهما الآن...لا يبديان لبعضهما إلا نظرات الاشتياق والسعادة لرؤية بعضهم البعض مجددا بعد سنين!
لم يلتفت الأب الى تلك الأمور التي كان يفكر طه بها...لم يعيرها أي اهتمام! لم يكترث لكل ذلك...ألقى بكل تلك الخطايا والأشياء الفظيعة الذي قام بها طه جانبا...والتفت الى أن ولده الصغير يعاني الآن.... مقدم على شيء لا أحد يستطيع تحمله
الأمر أبسط من ذلك بكثير...انها علاقة الأب بأبنه!
لم يلبث طه الا أن جرى إلى والده واحتضنه بقوة وهو يبكي بين ذراعيه كالطفل الصغير...لم يفعل الأب شيئا سوى أنه ضم طه اليه أكثر ليشعره بالأمان...
قال الأب باكيا وهو يضم طه الى صدره:
_لم تعد وحيدا بعد الآن يا طه...لن تواجه كل ذلك بمفردك مجددا صدقني...سنتخطى كل هذا مع بعض...آسف على كل شيء...لم أكن أفكر بالشكل الصحيح...لم اعد أطلب منك المجيء لزيارتنا في الإجازات لأن هذا كان قرارك أنت...لم أكن أريد ان اغصب عليك شيئا...لم أكن أعلم بأنك كنت تريد الابتعاد عنا هكذا! لم فعلت ذلك يا بني؟! فقط لمجرد أنك أخطأت أو اقترفت شيئا تريد أن تبتعد عن كل من حولك؟! أعتذر لأنني لم أكن بجانبك في تلك اللحظات القاسية...لم أكن هناك اوجهك وأنهاك...لم أستطع أن أكون المخبأ الذي تهرب إليه عندما تضيق بك الدنيا ويزيد همك...أنا المقصر يا طه وليس أنت! اعتذر لأنني لم أكن أبا صالحا لك...
وضع والد طه يده على وجه ولده الذي لا يزال يبكي بحرقة كالطفل وابتسم له ماسحا دموعه ثم قال:
_سيكون كل شيء على ما يرام صدقني.... أنا فخور بك يا طه...فخور بأنك ذهبت إلى المصحة من تلقاء نفسك...أعلم كم المعاناة التي ذقتها هنا...ولكن ها أنت ذا تقف أمامي عقلك حاضر...واع لما تفعله...لم تعد ذلك الجماد الخالي من المشاعر.... ذلك الذي لا يفكر في شيء سوى اشباع شهوته...لقد قطعت شوطا كبيرا في تغيير حياتك للأفضل وصدقني لن ينتهي دورك هنا!
لا تقلق ستخضع لتلك العملية وستنجح...ستعود لعائلتك مجددا
"لا تتركني مجددا يا أبي...لا أريد أن أكون وحيدا...لقد تألمت كثيرا تلك الفترة...صرت عبدا لشهواتي افعل فقط ما تمليه عليّ نفسي وابكي على ما اقترفته طوال الليل في فراشي وحيدا...أتألم كل يوم على ما وصلت إليه...ضللت الطريق ولم أعرف من أين العودة.... لم يكن بوسعي التوقف عما أفعله...أو حتى إسكات صرخات الندم في داخلي...لم أجد شخصا ينصحني او حتى يستمع الى...ظللت أشكو مشاكلي الى ظلمة الليل ولم أجد من يخفف عني... لقد تعبت حقا من كل ذلك...تعبت وضقت ذرعا من تلك الأيام المظلمة"
****
لا اريد أن أصبح مثل ذلك الشخص مهما حدث...قالها آسر وهو لا يزال راقدا على سرير المستشفى متذكرا ما حدث له في ذلك اليوم
لا أريد من ذلك المخدر أن يحولني إلى انسان سادي يتلذذ بتعذيب الآخرين ورؤيتهم يعانون...لا اريد أن أصبح وحشا!! هل أصبحت كذلك؟! هل أصبحت أتصرف بتلك الوحشية والقذارة عندما اتعاطى المخدر؟! حتى ولو لم أكن كذلك فذلك الأحمق كان طبيعيا في يوم من الأيام ولا شك في أن ذلك المخدر هو من جعل منه ذلك الوحش...لا اريد أن أصبح مكانه في يوم من الأيام...
ابتسمت ملك ثم قالت له وهي تربت على كتفه:
_لا أعتقد أنك ستكون هكذا في يوم من الأيام يا آسر...لقد تغيرت كثيرا في تلك الفترة القصيرة...اصبحت ترى ما يفعله ذلك المخدر بعقلك...وكونك فكرت فيما حدث وتمنيت ألا تصبح مكانه يعني أنك لن تصبح ذلك الشخص مطلقا!
حينها نظر اليها آسر وابتسم ابتسامة خفيفة وأمسك يدها برفق قائلا:
_لا تقلقي...لن أكون!
لتزداد ابتسامة ملك وهي ترى آسر لأول مرة يتكلم بتلك الثقة.... لا تعلم ماذا حدث له...لكنها سعيدة لأجله

اريدكِ أن تشغلي أغنية "أهواك" أحب أن ادندنها في هذا الوقت من الليل
قامت ملك بتشغيلها وهمت بالخروج من الغرفة لكن آسر اوقفها قائلا:
_ملك...فقط ابقي معي قليلا! لا أريد أن أكون وحيدا الآن
جلست ملك علي الكرسي بجانب سرير آسر بعد أن اطفأت الأنوار وجلست تدندن الأغنية التي أخيرا قد حفظتها وأحبتها...من أجله هو! اصبحت تستمتع بكل كلمة في الأغنية وتتذكر لقائهما الأول...في ذلك المكان الغريب والظروف الموحشة...وجدته!
*****
ها قد اقترب البيت...انها محاولته الأخيرة ليعرف مكانها...ليصلح كل ما فاته.... ليفعل شيئا صحيحا واحدا في حياته...توقف أمام باب المنزل وضغط زر الجرس دون توقف حتى فتح الباب وخرج منه رجل ثلاثيني...في نفس سن عبد القادر...صرخ فيه قائلا:
_أيها الأحمق أتعلم كم الساعة الآن؟! أغرب عن وجهي الآن وإلا لن أتردد في ضربك حتى لن تستطيع المشي على قدميك...
حينها ظهر صوت مرأة من داخل المنزل قائلة:
_من هناك؟! ما الذي يريده ذلك الشخص!
ليرد زوجها قائلا:
_إنه ذلك المعتوه "عبد القادر" يبدو أنه سكران مجددا
_لست سكرانا أيها الغبي...لم أكن بهذا الوعي من قبل...لا أريد منكم شيئا...كل ما أريده هو معرفة مكانها!
لم تستطع من بالداخل الاحتمال أكثر...فتحت الباب ثم صرخت في وجهه:
_ألا يكفي ما فعلته بها آخر مرة؟! ألا تتذكر ما قلته لها أيها السافل عديم المشاعر!! اتركها هي لا تريدك اتفهم ذلك؟!
_أعلم تماما ما فعلته آخر مرة...فعلت كل ذلك لمصلحتها...كنت في ذلك الوقت غير مؤهل لأي علاقة...لم أكن أريدها أن تعاني...أبعدتها عني لأنني أحبها بصدق...لكنني أدركت أنني لا شيء بدونها...فقط أخبريني أين هي أرجوكِ! سأُصلح كل ذلك...أعدك بأنني سوف أتغير لها...سأعترف لها بكل شيء...لن اذق طعم الخمر مجددا...سأبحث عن عمل...لن أجعلها تحتاج لشخص غيري... لن اسهر وأتأخر خارج البيت...سأمضي وقتي معها...لن أذهب للحانة بعد الآن لن آتِ بفتيات ليل...أعترف كم كنت قذرا قاسيا بدون مشاعر أخاف من تطور علاقتنا...ولكنها لن تغيب عن ناظري أبدا بعد رحيلها...لم أستطع أن أبعدها عن ذاكرتي...انا أحبها ايتها الحمقاء اتفهمين أنت؟! ألا استحق فرصة أخري؟!
_كف عن هذا يا عبد القادر...نحن جميعا نعلم أنك ستعود إلى تركته عاجلا أم آجلا...هذه ليست أول مرة تقول فيها ذلك الكلام!
حينها صمت عبد القادر ثم قال:
_أنت لا تعلمين شيئا...لم تذوقي مرار الفراق مثلما فعلت أنا...لقد تحولت زجاجات الخمر تلك إلى جحيم يفتك بأمعائي بعد ما رحلت عني...سهرت الليل ألعن ذلك اليوم الذي قلت فيه ذلك الكلام...كنت ضعيفا وقتها وقررت أن أستسلم...لكني الآن لن أكرر ذلك الخطأ مجددا لن أرحل قبل معرفة مكانها وأنت تعلمين ذلك...هي صديقتك وأنا أعلم أنك علي علم بمكانها..."آية" ارجوك أخبريني
نظرت "آية" الى زوجها الذي ينظر إليها متوسلا أن تنهي هذا الموضوع...لا دخل لهما بلعب الأطفال ذاك!
نظرت لعبد القادر وقد ظهر في عينها علامات التأثر من كلامه...ثم قالت مستسلمة:
_انها تعمل ممرضة في مستشفى "السلام" في وسط البلد دوامها ينتهي بعد نصف ساعة! ارجوك يا عبد القادر لا تكن قاسيا معها مجددا...لقد كانت تحبك كثيرا!
© Mohamed Hassan,
книга «"ألف ميل"».
Коментарі