"فاقد الأمل لا يعطيه"
"هلاوس"
"آسفة فأنا اريد شخصاً نظيفاً"
"أهواك"
"ذكريات مؤلمة"
"وداع"
"ذبول"
"هروب"
"كم هي قاسية تلك الحياة"
"رد الجميل"
"شرود"
"صِدام"
"خوف"
"لقاء"
"الغريب"
"اسيل"
"احلاهما مر"
"ملاك"
"مواجهة"
"ألم"
"اعتراف"
"أمل"
"برد"
"صداقة"
"النهاية"
"احلاهما مر"
لقد حان موعد اللقاء أخيرا.... يوم الزيارة الوحيد في الأسبوع...اليوم الذي كان ينتظره بفارغ الصبر.... اليوم الوحيد الذي تمنى من قلبه أن يأتي... يريد أن يجلس معه.... يعرف أحواله وأخباره... التفاصيل وكيف يمضي يومه داخل ذلك السجن.... عقله لا يكف عن التخيل كيف أصبح مظهره الآن.... وماذا اعطوه في ذلك الأسبوع.... يتمني له من قلبه ان يقلع عن ذلك المخدر كما يتمني لنفسه ولكن... ليس بهذه الطريقة!
لقد عرضت عليه "ملك" ايصاله الى هناك ولكنه رفض.... فهو يريد أن يجلس معه بمفرده... اكتفى فقط بجعلها تصحبه عند العودة
****
لقد كان هذا الفحص الأخير.... ولكن للأسف نفس النتيجة المؤلمة!! كان يتمني فقط من الأمور أن تتحسن قليلا كي يستطيع الإكمال في هذا.... كي يجد سببا آخر للحياة! ولكن يبدو أن الحياة لا تلتفت لما يتمني! مرة أخري الحياة تظلم في عينيه.... لا يعلم ماذا يفعل الآن... كيف يقرر!! هو الآن بين اختيارين احلاهما مر! لقد تفشى السرطان في دماغه ولم يجدي العلاج نفعا ولو حتى بالقدر البسيط! الوقت ينفذ منه عليه أن يقرر
بقي طه في تلك الغرفة الصغيرة جالسا على السرير ضاما ركبتيه إلى صدره... كما تعود... تلك الجلسة الكئيبة! ظل يصدم رأسه في الحائط خلفه راجيا من تلك الأفكار أن تزول من دماغه... لا يريد التفكير في علاج الآن... لا يريد التفكير في اي شيء.... يريد الراحة فقط! فهذا كثير عليه
حتى جائه صوت ممرض من الخارج يفتح باب غرفته المظلمة ليعلمه بأن هناك زيارة له من شخص ما.... حينها ابتسم طه رغم كل ما يمر به.... علي الأقل لديه صديق اصيل لم يتركه هنا وحده!
خرج طه من الغرفة متجها إلى غرفة الزيارة.... كما توقع إنه هو! آسر صديقه العزيز
كالعادة كان يحاول الابتسام وقول ذلك الكلام الذي يقال في المقابلات الرسمية ولكنه فاشل في هذا... لم يكد يكمل كلمتين حتى عاد الى كلامه الفظ الطبيعي!
بالطبع قد لاحظ آسر شكل طه الذي تغير كثيرا وشحوب وجهه... لفت انتباهه أيضا آثار الإبر الغليظة التي تحيط بذراع طه.... ولكنه لم يأبه لكل هذا.... كل ما أراده أن يراه مجددا... وها هو أمامه الآن وهذا شيء يفرحه
حكى طه له كل ما يحصل بالداخل... معاملة الممرضين القاسية لهم وطبيعة المرضى غريبي الأطوار... وكل شيء مؤلم حدث له هنا
لم يُرد آسر ان يظهر ملامح التأثر على وجهه حتى لا يزيد طه حزنا على حاله... لكنه كان يحترق من الداخل لسماعه ذلك الكلام.... نبرة صوت طه المنهكة وعيناه الحمراوتان التي تحاوطها الدموع... كيف وصلنا لهذه المرحلة كيف!!
ظل طه يكمل في كلامه عن طبيعة العيش في ذلك المكان...ولكنه فجأة توقف عن الكلام للحظات! ونظر الى آسر في عينيه والدموع بدأت في الظهور على وجهه.... ثم تمالك نفسه مجددا وأخذ نفسا عميقا وقال لآسر الذي أصابه التوتر هو الآخر من شكل طه!!
_لقد كان هذا الفحص الثالث لي منذ بدأت الذهاب لذلك الطبيب...كانت هذه آخر فرصة لإثبات أن العلاج يأتي بمفعول...ولكن للأسف لم تكن النتائج جيدة.... نسبة استجابتي للعلاج ضعيفة جدا ومعني ذلك ان جلسات العلاج لن يجدي أي نفع!!
أنا أمام أمرين الآن... إما أن أخضع لعملية إزالة للسرطان ولكن هناك احتمال كبير أن أصاب بشلل نصفي.... او الموت اثناء اجراء العملية!!
او أكمل حياتي هكذا حتى يتمكن السرطان مني ويقضي على دماغي! وأموت بالبطيء
لم يكن آسر يدري ما يقول...فقط اكتفي بسماع تلك الأخبار القاسية من صديقه المسكين...لا يدري كيف لشخص أن يتحمل كل ذلك! أولا تلك المصحة الغبية.... والآن سرطان في الدماغ في مرحلة متأخرة...ومن الواضح ان القادم سيكون أسوء من ذلك.... يعلم انه يريده أن يتخذ القرار عوضا عنه...كنوع من تخفيف الحمل عليه...هو الآن مستسلم تماما لما سيقوله له آسر.... ولكن ماذا يقول له...عليه أن يفكر مليا قبل أن يفتح فمه
هو لا يريد أن يخسره ولكن ايضا لا يريده أن يتألم.... أن يموت بالبطيء هذا لن يحدث
بعد تفكير دام لفترة قتل آسر بصوت حاسم وجاد:
_عليك أن تخضع إلى هذه العملية يا صديقي... على الأقل هناك فرصة لنجاح العملية.... ستكون حينها قد أقلعت عن الكوكايين وتبدأ صفحة جديدة.... علي الأقل لن تكون بعد سنتين راقدا على فراشك تنتظر الموت!!
حتى وإن جعلتك العملية لا تستطيع الحراك فأنا إلى جانبك يا صديقي لا تقلق... كل ما أريده أن تظل معي إلى النهاية..... لا أريد أن اواجه الدنيا بمفردي فهي قاسية علي... اخضع لها من أجلي... من أجل عائلتك... هم لا يستحقون رؤيتك وأنت تتعذب هكذا!
لقد قال آسر كل ما لديه.... لم يخفي عنه شيئا.... حتى مشاعره قد أفصح عنها.... هو حقا لا يتخيل حياته بدون صديقه!
نظر طه الى آسر بوجه جاد ثم قال بصوت هادئ غريب:
_إن حدث لي شيء يا آسر اريدك أن تعدني أن تقلع عن تعاطي المخدر... على الأقل سيكون واحد مننا قد نجح! وهذا سيسعدني أنا قبلك أنت
ضحك آسر محاولا تخفيف وطأة الموقف لكنه لم يري في عين طه سوي الجدية فقال:
_اعدك... واعدك أنك ستخرج من تلك المصحة أيضا وأنت سليم معافى... لن تمضي وقتا طويلا هنا فهذا ليس مكانك
لمح آسر ذلك الممرض البغيض وهو يأتي من خلف طه فعلم أن وقت الزيارة قد انتهي.... حينها وقف وقام بمد ذراعيه ليحتضن طه ويربت على كتفيه ليشعره بالأمان.... يجعله يؤمن بأن هناك من سيقف بجانبه مهما اشتدت الأزمات عليه....
ورحل! مجددا يبتعد عن ناظريه وهو يريده إلى جانبه.... يحتاج بشدة إلى صديقه الذي يفهمه.... ولكن ليس بيده ما يفعله
لم ينتظر آسر كثيرا حتى وصلت ملك بسيارتها إلى المصحة لتوصله إلى البيت كما اتفقا
لم ينطق آسر بكلمة.... فقط قام بتشغيل الكاسيت على أغنيته التي بات فعلا يكرهها "أهواك"
كانت ملك ترمقه من حين لآخر لكن وجهه الجامد لا يتغير.... صامت بشكل مريب... وجهه لا يدل على أي شيء لكن الحزن يغمر عيناه...حاولت فتح أكثر من موضوع لكنه لا يستجيب.... لا ينظر إليها حتى... كأنه شارد في شيء آخر... هي تعلم السبب ولكنها تريده حتى أن يخبرها به.... لم لا يتكلم؟! لما لا يشكو ما يمر او يشعر به؟! ألا يعلم أن هذا يخفف من الأمر ولو قليلا؟ أم ان هذا لا يجدي نفعا معه!! ظل آسر يدندن مع الأغنية بصوت خفيض كئيب حتى انتهت! وقتها نظر آسر الى ملك وقال لها بصوت بارد لا يتماشى مع كلماته:
_طه سيموت قريبا.... وأنا السبب! أنا من دللته على الطريق
© Mohamed Hassan,
книга «"ألف ميل"».
Коментарі