"فاقد الأمل لا يعطيه"
"هلاوس"
"آسفة فأنا اريد شخصاً نظيفاً"
"أهواك"
"ذكريات مؤلمة"
"وداع"
"ذبول"
"هروب"
"كم هي قاسية تلك الحياة"
"رد الجميل"
"شرود"
"صِدام"
"خوف"
"لقاء"
"الغريب"
"اسيل"
"احلاهما مر"
"ملاك"
"مواجهة"
"ألم"
"اعتراف"
"أمل"
"برد"
"صداقة"
"النهاية"
"الغريب"
ها قد انتهت القصة وعاد آسر للنوم مجددا...لكن هذه المرة ينام محتضنا كيس من الكوكايين رديء الصنع...لم يستطع ان يتحدى نفسه ويكمل يوما آخر بدون مخدر...في الواقع هو لم يحاول حتى...او انه يقول لنفسه ذلك لكي يشعر ببعض الثقة...لكي يشعر بأن القرار لا يزال في يده ويمكنه الاقلاع عن ذلك المخدر في اي لحظة...لكنه ببساطة لا يريد! لقد نجح في اقناع نفسه بذلك ويتعايش مع الأمر هكذا...لكنه في اعماق نفسه يعلم انه غارق في بحر لا شاطئ له...لقد ابتعد عن الشط كثيرا حتى اصبحت عيناه لا ترى سوى بحرا من الكوكايين فحسب!

أما عبد القادر فقد كان هذا الكأس الثالث او الرابع من هذا النبيذ الفاخر...هو لا يتذكر! يتذوق كل كأس كأنه الأول...من المؤكد أنه فقد حاسة التذوق في الكأس الخامس...لكنه يظل يشرب باستمتاع كأنه يشعر بما يفعله

لم تغِب عن خياله تلك القصة التي قصها آسر عليه وكيف ان شخصا لا يبالي بأشياء كثيرة مثله يتأثر برحيل صديقه هذا التأثر! دهش عندما رآه في هذه الحالة بعد رحيل طه...لكن سرعان ما تحولت الدهشة الى تأنيب ضمير!! فكيف اه أن يتخلى عن حب حياته بهذه السهولة وهناك من لا يطيق يوما واحدا بدون صديقه! هل ما فعله كان تصرفا عقلانيا؟؟ أم هو الجنون ذاته! أن يترك الأمر يمضي ويتخلى عن جزء من قلبه للظلام حيث لا يمكنه رؤية ذلك الجزء مجددا بكل ما يحمله من ذكرى
أن يبدل الفراغ الذي يشعر به من بعدها ببضع زجاجات خمر محاولة منه أن ينسى! ولكن هل هذا هو قدّرها؟؟ هل هذا فعلا البديل لها؟ بضع زجاجات خمر رخيصة بدلا من ملاك طاهر يرفرف قلبه من الفرح كلما تذكرها

كان قد حاول ان يكلمها أكثر من مرة...لا يزال محتفظا بذلك الرقم رغم حظرها له..."أسيل" يا له من اسم جميل يرطب على قلبه كلما نطق...حاول ان يكلمها من ارقام مختلفة لكنها كانت ترفع السماعة منتظرة من المتصل ان يبدأ الكلام...او منتظرة أن تتأكد أنه عبد القادر كي تغلق الخط في وجهه

هو متقبل لما فعلته...بل هو أقل ما كان يجب فعله...ولكن هذه هي مشكلته!! متقبل لكل شيء! وهذا يعني أنه لن ينجز اي شيء

لن يحارب من أجل شيء فشل فيه اول مرة!! هو يعلم أنها لا تزال تحبه...او تكن له "احتراما"
ضحك قليلا عندما جال برأسه تلك الكلمة..."محترم" إنه بعيد كل البعد عن تلك الكلمة
توقف عن التفكير وقام بصب كأس آخر وشربه في ضيق...يكاد يكسر الكأس من مسكته المعتصرة له...لا يعلم ما به...كل ما يشعر به هو الغضب!

بدأت عينيه في الاحمرار أكثر وازادت الدموع في عينيه حتى كادت ان تسقط... يمسك الكأس بيد مرتجفة واعصاب متوترة.... لا يقوى حتى على رفع ذلك الكأس لفمه
لم يتمالك أعصابه أكثر من ذلك قام برمي الكأس في الحائط الذي أمامه بعد أن ارتجفت يده أكثر من اللازم ليسقط متهشما ويصبغ الحائط بلون النبيذ الأحمر الداكن

لا تزال يده ترتعش! ضمها وبسطها اكثر من مرة كي تتوقف عن الارتجاف ولكن لا فائدة...حرارة الغرفة ترتفع اكثر وأكثر...يبدو انه قد تمادى في الشرب هذه المرة...دخل الحمام في عدم وعي

يكاد فقط ان يرى ولكن لا يشعر بشيء قام بالوقوف داخل حوض الاستحمام وفتح المياه الباردة لتنهمر علي وجهه وتساعد في تهدئته قليلا....يود الصراخ في وجه تلك الحياة المؤلمة التي تذكره دوما بخطاياه وذكرياته المريرة....لكن لا صوت يخرج من حلقه...فقط يترك الماء يبلل ملابسه وجسده في استسلام تام حتى شعر فجأة برغبة في النوم...كان ايضا ذلك الشعور غير طبيعي لكنه حمد ربه انه في هذه الحالة....سيذهب الآن للشيء الوحيد الذي لا يذكره بالماضي...نعمة من الله تسكن العقل والقلب لبعض الوقت
*****
تجنب طه ايضا النظر في وجوه اولئك الأشخاص الذين في الغرفة.... يشعر بالبرد في جسده رغم ان الغرفة مغلقة والعرق يغطي اجساد من في الغرفة....
جلس صامتا ضاما ركبتيه الى صدره كما يفلعون.... لا يريد فتح حوار مع اي منهم...فقط يريد المكوث هنا إلى ان ينتهي ذلك العذاب.... عيناه حمراوتان ترتجفان بسرعة وأنفه بدأ في السيلان من جديد بسبب نقص المخدر المستمر في جسده.... الفضول يقتله يريد ان يعرف ماذا سيفعلون به بعد ذلك! لكنه لا يريد فتح حوار مع اي أحد...يفضل الانتظار على ان يعرف شيئا سيفزعه...فوجوههم وصمتهم ذلك لا يطمئِن على الإطلاق!
سمع طه صوت أحد هؤلاء الأشخاص يقترب منه ويهمس قائلا بصوت مبحوح:
_هل قبض عليك؟ ام جئت لذلك الجحيم من تلقاء نفسك
رد طه عليه بعد صمت:
من تلقاء نفسي.... لم يكن لدي خيار آخر...كانوا سيقبضون على عاجلا ام آجلا
ضحك ذلك الشاب ساخرا مما قاله طه ثم أكمل:
_مسكين ايها الغريب...لقد كنت مثلك...انا ايضا جئت من تلقاء نفسي...كنت اظن انني سأخرج من هنا سليما معافى وابدأ حياة جديدة.... ولكن يبدو انني كنت متوهما قليلا! هنا لا تفرقة بين من قبض عليه ومن جاء من تلقاء نفسه.... هم يعتبروننا هنا مجرد حيوانات مصابة بوباء ويجب ان تعيش وتدفن في ذلك المكان...لا يحق لها ان تخرج للعامة!
يختلقون لك اي حجة كي يزيدوا من فترة الحبس في هذا المكان.... سيسلبون منك الرغبة في العيش ببطيء
كان كلام ذلك الأحمق كالجمر الذي يحرق قلب طه...لا يمكن ان يكون ذلك الغبي صادقا فيما يقول...هو يعلم انه لن يخرج من هنا بسهولة ولكن هناك من يخرج من هنا وإن كانوا قِلة...عليه ان يتمسك بذلك الأمل مهما كان ضئيلا ولا يترك نفسه لظلمات اليأس الذي غرق فيها ذلك الأخرق الجالس بجانبه
نظر طه لذلك الشخص الجالس بجانبه قائلا بحزم:
_استمع اليّ...سوف اخرج من هنا وأنت ستبقي في ذلك المكان الذي سميته بسجن لأنك تراه سجنا...سأخرج لأن هناك من ينتظرني في الخارج...سأخرج من اجل عائلتي ومن اجل حياتي التي لن تنتهي هنا!!
ضحك ذلك الشاب مجددا ولكن هذه المرة بصوت اعلي وأكثر استفزازا.... ثم اقترب منه وهمس في اذنيه قائلا:
بالتوفيق ايها ال "غريب" ثم ابتعد عنه مكملا في سخريته الزائدة عن الحد! يرمقه بنظرات متحدية ساخرة كأنه يقول له:
"سأنتظرك حتى تفشل!" لكنه لن يفشل! لن يسمح لنفسه بذلك.... فهو غريب وسيظل غريبا عن ذلك المكان...فهو لم يخلق ليقضي بقية عمره في هذه الغرف القاتمة

© Mohamed Hassan,
книга «"ألف ميل"».
Коментарі