"فاقد الأمل لا يعطيه"
"هلاوس"
"آسفة فأنا اريد شخصاً نظيفاً"
"أهواك"
"ذكريات مؤلمة"
"وداع"
"ذبول"
"هروب"
"كم هي قاسية تلك الحياة"
"رد الجميل"
"شرود"
"صِدام"
"خوف"
"لقاء"
"الغريب"
"اسيل"
"احلاهما مر"
"ملاك"
"مواجهة"
"ألم"
"اعتراف"
"أمل"
"برد"
"صداقة"
"النهاية"
"هروب"
انطلق عبد القادر بسيارته لا يدري أين يذهب... فقط يترك الطريق يأخذه الى أي مكان... يستمتع فقط بالهواء المنعش والطريق الهادئ الجميل... قام بتشغيل المذياع واختار إذاعة تبث الأغاني القديمة...

لحسن الحظ كان يروق لثلاثتهم ذلك النوع من الأغاني... أخذ عبد القادر يدندن بصوت ليس بالسيء مع مطربته العزيزة "فيروز" كان ينغمس في إيقاع الموسيقي الهادئ الذي يجعله في مزاج جيد... كان عبد القادر يكبر عن طه وآسر ببضع سنوات...

فلقد شارف علي إتمام الثلاثين من عمره...لديه أيضا نفس المؤهل "دبلوم تجارة" يعمل في مصنع تطريز صغير بالقرب من منزله... أدرك أن الزواج ليس قرائه الفاتحة في الصالون والهدايا والجمل المليئة بالحب والأيام السعيدة فقط.... تم رفضه عدة مرات لكن هذا لم يؤثر عليه في شيء... فقط لأنه يفضل "زواج الصالونات" أكثر....

لا يريد أن يربط قلبه بفتاة لأنه يعلم أنه ليس فتى أحلام لأي فتاة... ولا يريد قلبا مجروحا أكثر مما هو عليه الآن... فهو يحمل الكثير!

نظر آسر مبتسما إلى وجه طه العابس...قد طلب منه إغلاق النافذة لكن آسر رفض... فذلك الهواء يشعره بتحسن...
مال آسر بجسده مستندا على النافذة أخرج رأسه ناظرا الى أعلي... إلى تلك السماء السوداء الفاتنة... يأخذ نفسا عميقا من ذلك الهواء البارد... تلك الرائحة الجميلة... رائحة الهدوء... رائحة الليل...

أدخل رأسه من النافذة وقام بإغلاقها من أجل طه... لترجع البسمة على وجهه مجددا...لا يريد من تلك الرحلة ان تنتهي.... لا يريد من ذلك المسار أن ينتهي... لا يريد أن ينفذ وقود السيارة....

لا يريد أن يعود لبيته مجددا... يتمنى أن يتوقف الزمن به هنا... حيث لا يفكر في شيء... يغطي ذلك المنظر البديع والجو الهادئ على كل تفكيره.... أو على الأقل أن يطول ذلك الموقف... لكي يكون لدية القدرة على المواصلة...
يريد الهرب من كل شيء الآن.... يريد ان يتجرد من مشاعره... من ذكرياته السيئة.... همومه ومشاكله صعبة الحل.... يريد أن يشعر أنه لا يزال شابا لم تنهكه الحياة... لم تذبل روحه بعد... لا يزال يتمتع بشيء من الحياة...لم ينته أمره... ليس بعد
أغمض عينيه ببطيء يحاول تذكر موقفا مشابها... لطالما كان يحب أن يخرج رأسه من السيارة...يتركها للهواء المنعش كي يشعره بأنه حي!

كان يجلس في مؤخرة سيارة والده القديمة... ينظر إلى ذلك الطريق وتلك الأشجار على الجانبين... يستمتع بمشاهدتها تمر أمام عينيه بسرعة.... ينصت إلى أصوات أوراقها التي يحركها الهواء البارد...

كانت حياة مسالمة...لم تكن خالية من الهموم والمشاكل ولكن كانت...هادئة!! كان على الأقل كان طفلا طبيعيا...يتمتع بالقليل من التفكير الناضج الذي "يسبق سنه" مثلما كانت تقول له جدته...على عكس باقي الأطفال لم يكن يريد ان يكبر أكثر...لم يرد ان يصبح شابا...بل كان خائفا... قد لاحظ ذلك وهو لا يزال طفلا أنه كلما تقدم بالعمر كلما زادت مشاكله.... يبدو أنه كان يعلم منذ صغره أنه لن يتأقلم مع ذلك العالم عندما يكبر

قطع عبد القادر شرود آسر قائلا:
إذا هل اتصلت بك تلك الفتاة؟!
حينها نظر آسر لطه بغيظ فقال عبد القادر ضاحكا:
لا تظلمه يا صديقي...أنا من سألته أولا عن الذي اوصلكم البارحة.... قال لي أنه لا يتذكر الكثير لكنه يذكر أنها كانت فتاة من اللواتي كن في الحانة....

رد آسر: هي ليست مثلهم...ليست فتاة ليل
ابتسم عبد القادر عندما شاهد تعابير وجه آسر وهو يتحدث...كان على الأقل وجهه يوحي بالقليل من المشاعر التي قد ماتت عنده لفترة ليست بقصيرة...

إذا قل لي كيف جعلتها توصلك الى السكن؟؟ هل هددتها بالقتل ام ماذا؟؟
ابتسم آسر وهو ينظر إلى وجه عبد القادر الشغوف للسمع. يبدو انه لا مفر من أن يسرد تلك القصة عليه...

تنهد آسر وبدأ الحكي قائلا:
بعد وصولي إلى الحانة دخلت شبه مغمى على لا أدري بأي شيء حولي سوي حاجتي للكوكايين أو أي شيء يقلل ذلك العذاب الذي في جسدي...لكني رأيتها! كانت تختلف عن اولئك الذين معها...كانت مرتبكة قليلا تحاول الانخراط في ذلك الجمع الذي حولها...لكن لمَ عساها تفعل ذلك؟ لماذا تريد دخلت ذلك المكان! أكثر ما يؤلمني هو أن أرى أشخاصا جدد يدخلون تلك الدوامة التي لا سبيل للخروج منها!

هنا اختفت الابتسامة التي كانت علي طه وعبد القادر قليلا...لكنهم يشعرون بما يقول...هذا صحيح لماذا كل هؤلاء الأشخاص أغبياء مثلهم؟؟ لمَ لا يكونان الغبيان الوحيدان في هذا الكوكب!! علي الأقل لن يروا بأعينهم أحدا يتألم مثلما يتألمون الآن...

أكمل آسر في حزن:
كان كل ما لاحظته لا يتعدى الثانيتان...سرعان ما التفتت الى ذلك الشيء الذي جئت من أجله...جلست على الأرض لا أفكر في شيء غير إذابة ذلك الكوكايين وغرس المحلول في عروقي لكي أهدأ قليلا...

قمت بتجهيز الحقنة وسحبت المحلول وغرسته في جسدي...وانتهي معه ذلك العذاب الذي كنت اشعر به في جميع أشلائي...أرجعت ظهري الى الوراء وأنا أفكر في ما قالته لي حبيبتي...كل كلمة قالتها لي كانت صادقة...شعرت أنني أحتاج بعض الوقت وحدي فدخلت الى الشرفة ونظرت الى تلك الفتاة مجددا...هي لا تشبههم...ليست فتاة ليل...ليست مدمنة حتي...انها...ملاك!!

أغلقت الباب خلفي وعقلي لا يتوقف عن تكرار آخر مقابلة بيني وبينها...كم كانت قاسية تلك الكلمات!! كم كان قاسيا ذلك اليوم

شردت للحظات ولكن أفقت علي صوت فتاة تصرخ بالداخل!! كنت أعرف أنها لن تجد من ينقذها...كلنا فقد جثث هامدة في ذلك المكان...أما أنا فقد جعلتني الدموع أكثر تركيزا...

على الأقل كنت أشعر بجسدي...فتحت باب الشرفة لأجد شخصا يقترب من تلك الفتاة ويحاول لمسها...لم يدر في بالي شيء غير أن اتجه نحوه وأضربه بكل ما اوتيت من قوة. كنت في حالة يرثى لها وأردت ان أفرغ غضبي في شيء ما...ضربته عدة مرات حتى طرحته أرضا بعدها انتبهت لما فعلته فسحبت طه بقوة وخرجت من المكان بسرعة قبل أن يلاحظ الحراس شيء

حملت طه علي كتفي وهرعت به الى الخارج لا أعرف الى أين أذهب...لكنها قد تبعتني لتشكرني على ما فعلته...عرضت على توصيلي فوافقت لأن طه كان شبه فاقد للوعي

كان آسر يحكي بالتفاصيل كأنه يريد تذكر ذلك المشهد مجددا...أخيرا قد فعل شيء يريد أن يتذكره دائما...لم يفعل ذلك لنفسه أو لرغباته...انما قد ساعدها لأن هذا ما كان يجب أن يفعله...أخيرا قد رأى ابتسامة شكر وتقبل لشخصه على وجه تلك الفتاة...لم تنظر له نظرة المدمن القذر... نظرة قد اعتاد ان يراها في أعين الجميع.... هو الآن انسان لديه مشاعر تحركه مثل البقية

لا يهتم الآن لما سيحصل له من قبل ذلك المعتوه الذي ضربه في الحانة....
هو يعرف أنه لن يهدأ له بال حتى يأتي به راكعا تحت قدميه متضررا مثلما فعل به...هؤلاء الأشخاص لا تنسي ولا تسامح...هو يعرفهم جيدا...فهو لم يعاشر غيرهم!!


© Mohamed Hassan,
книга «"ألف ميل"».
"كم هي قاسية تلك الحياة"
Коментарі