"فاقد الأمل لا يعطيه"
"هلاوس"
"آسفة فأنا اريد شخصاً نظيفاً"
"أهواك"
"ذكريات مؤلمة"
"وداع"
"ذبول"
"هروب"
"كم هي قاسية تلك الحياة"
"رد الجميل"
"شرود"
"صِدام"
"خوف"
"لقاء"
"الغريب"
"اسيل"
"احلاهما مر"
"ملاك"
"مواجهة"
"ألم"
"اعتراف"
"أمل"
"برد"
"صداقة"
"النهاية"
"شرود"
خرج آسر من المنزل خائفا لا يدري اين يذهب لا يعلم ايضا سبب خوفه الغريب ذاك...اهو بسبب ذلك المخدر؟؟ام انه يخشى مواجهة ما قاله عنه صديقه طه!! ضربات قلبه المضطربة واصوات انفاسه الصاخبة لا تساعده على التركيز... يظل يتذكر نظرات طه الغاضبة وكلامه القاسي عليه...كل ما يريده الآن هو بعض الكوكايين او اي شيء يذهب عقله...فهو لم يعد يتحمله بعد الآن!!

أكمل في مشيه شاردا في نظرات الناس المستنكرة له وبعض الأطفال الخائفين منه...عرق غزير يتصبب منه كأنه يجري منذ ساعات!! وعينان ضيقتان يحاوطهما السواد من كل مكان!

لا يلومهم على خوفهم واستنكارهم له...هو ايضا يكره نفسه بشدة...لا يوجد كوكايين! فلا يوجد سوي شخص يشبه الأموات يسير على قدمين...جلس على رصيف إحدى الشوارع المجاورة يستريح...لم يبتعد كثيرا حتى الآن ولم يشأ أن يفعل...فقط يريد بعض الوقت بمفرده...بدون طه او عبد القادر...بدون مخدر...يريد ان يكتشف ماهية نفسه....

أصبح يتجول في الشوارع بلا هدف...كأنه يبحث عن شيء قد فقده.... لم يلحظ انه ابتعد كثيرا عن المنزل...قام بالجلوس على إحدى المقاهي لشرب الشاي ومشاهدة مباريات الكرة كما كان يفعل وهو صغير! لم يكن متحمسا لفعل ذلك او حتى راضٍ عنه...لكن هذه هي الوسيلة الوحيدة لتضييع الوقت...عسى ان يعود لطبيعته قريبا دون الحاجة الى ذلك المخدر.... لم يكن يفكر في الاقلاع عن تعاطيه...فهو بالنسبة له امر مرعب!!

ذلك المخدر مثل مسكن لآلام شخص قد كسرت جميع اطرافه مرة واحدة! فإذا توقف عن تعاطيه سيعود ذلك الألم ثانية ولكن ليس في اطرافه.... انما في روحه...وهذه الروح لن تُشفى ثانية فقد فات الأوان على ذلك!
فكر كثيرا في العودة الى بيت عبد القادر ومواجهة طه والاعتذار...

هو واثق ان طه لن يمانع في مصالحته! خاصة انه يعلم جيدا ان ما حدث كان بسبب نقص المخدر ليس إلا...ولكن هل معني ذلك انهما كانا يخدران مشاعرهما ايضا؟! هل حقا يخفيان مشاعر الكره تجاه بعضهما البعض! قد انقلبا على بعضهما فقط لأنهما لم يستطيعا أخذ الجرعة ليوم واحد! كانا يظنان ان صداقتهما هي الشيء الوحيد الصادق في حياتهما.... حتى تلك كانت كذبة!!

غسل طه وجهه ببعض الماء البارد عسى أن يرده الى وعييه قليلا...مشى بخطى متهالكة الى غرفته وعلى وجهه الكثير من تعابير الحزن كان يشعر بالأسي على ما قاله عن آسر...لا يدري حقا هل هذا ما يشعر به تجاهه أم أنه فقط بعض الهراء الصادر في لحظة غضب.... ولكن لما الغضب؟!

لمَ أصبح ضيق الخلق هكذا؟! هل هذا بسبب نقص المخدر فعلا أم هذا بسبب ما سمعه ذلك الصباح! يشعر أن كل شيء أصبح بلا معني في نظره الآن!
كانت هذه الزيارة الثانية للطبيب المشرف علي حالته...ولكنه بدل أن يسمع منه خبرا سارا يريح صدره...سمع منه ما أتعسه وأحرق قلبه أكثر...

دخل الى الغرفة مهموما وأغلق الباب عليه...قام بإطفاء الأنوار وخلع ملابسه بالكامل تاركا فقط ما يستر عورته...قام بالجلوس على السرير ولف نفسه بالغطاء كي يمتص ذلك العرق المتصبب من جسده بالكامل...بالرغم من كل ذلك العرق الذي يخرج من جسده...إلا أن جسده يظل باردا.... شاحبا كجسد الأموات!!

حاوط نفسه بالغطاء ونام كالجنين في بطن أمه...خائفا مما سيحدث بعد ذلك...حينها كان قد ذهب عبد القادر الى الحانة...مما جعل طه مرتاحا لأن لا أحد يراه في تلك الحالة المزرية...وفي نفس الوقت خائفا لأنه لا يوجد أحد بجواره الآن...هو فقط من يواجه ظلماته بنفسه...هو وحده مع تلك الأفكار المرعبة...فقط هو...لطالما كان كذلك!

لم يرد النوم ولم يفكر في ذلك...فقط يريد بعض الهدوء! هذا غريب أليس كذلك؟! بالرغم من كل تلك المحاولات لتهدئة المكان.... لكنه لا يزال يصرخ بداخله! يستغيث طلبا للمساعدة.... ضعيف! لا يقوى على المقاومة! كان عليه أن يتوقف عن تعاطي ذلك المخدر عندما حذره الطبيب من ذلك...

هدده بأنه سيبلغ عن حالته تلك إن لم يتوقف عن تعاطي المخدر.... ولكنه لم يستمع الى النصيحة...او بالأصح التهديد! يبدو أنه قد فات الأوان ولم يعد هنالك وقت...لابد وأن ذلك الطبيب اللعين قد أبلغ عنه بالفعل...

عليه أن يعترف لآسر بكل شيء! على الأقل لايزال صديقه ويهتم لأمره وما سيحصل له! يشعر بالخوف الشديد والارتجاف كلما فكر في ذلك الموضوع.... أولا قد خسر مستقبله بهروبه من السكن ومن الجامعة.... والآن!! قد خسر حياته بأكملها...

ستزول ملامحه أكثر مما هو عليه بسبب تأثير الأدوية والعقاقير...الأمر واقع لا محالة...سيجدونه مهما حاول الاختباء.... إنها فقط مسألة وقت! عليه أن يسلم نفسه الآن.... فلم يعد لديه شيء يخسره... هو هالك لا محالة! عسى أن يخرج من تلك الدوامة ويبدأ من جديد...ببقايا انسان!
 

****


لم يستطع آسر المكوث لفترة أكثر من ذلك! عليه العودة الى البيت الآن...ألم بطنه الغريب ذاك قد عاد ثانية كما انه اكتفى من الهرب...ولكن كيف سيواجه طه وتلك النظرة القاسية التي كانت على وجهه لا تفارق خياله....

رجع آسر الى منزل عبد القادر منهكا من كثرة المشي...غير واع لما يفعله...لا يزال نقص المخدر يؤثر على جسده.... لكنه اعتاد على الأمر! فتح الباب برفق ليري كل أنوار الشقة مطفأة.... ورائحة النبيذ الرديء تفوح منها....كان يعلم أن عبد القادر سيذهب إلى الحانة ولكن لم يكن يعلم أنه سيتأخر لهذا الوقت...

ذهب مباشرة إلى الحمام ليتقيأ من جديد! قد قلل هذا من شعوره بالغثيان والدوار قليلا! ولكنه لم يستعد وعيه الكامل بعد.... خرج من الحمام وذهب إلى غرفة طه مترددا قليلا لكنه يعلم أنه يجب أن يعتذر.... كان يعتقد أن هذا كل ما يشغل بال صديقه طه وما يحزنه...كان يريد أن يعيد إليه البسمة من جديد....

تلك البسمة التي طالما اعتادها من صديقه مهما كثرت مشاكله! لم يكن يعلم أنه يتألم الآن بسبب شيء آخر.... شيء لا دخل له به.... وليس باستطاعته اصلاحه!

فتح الباب ببطيء ليجد طه متكوما داخل الغطاء على السرير.... ترك نور الغرفة مطفأ كي لا يزعجه أكثر...امسك آسر بكتف طه المرتجف وبدأ بالاعتذار ببعض الجمل...لم يكن يعلم سبب بكاء طه وحزنه لهذه الدرجة فقط أكمل في اعتذاراته وطه لا يتكلم...حتى انتهي آسر من الحديث....

قال طه حينها بصوت خفيض متقطع:
_آسر.... أنا اعاني من سرطان في الدماغ

وسكت! وصمت كل شيء للحظات.... كان آسر يحاول فيها استيعاب ما يقوله ذلك الأحمق! هل ما سمعه هذا حقيقيا...أم أن هذه إحدى الهلاوس التي أصبحت تصاحبه من قلة المخدر...لم يستطع تمالك نفسه.... نزع الغطاء عن طه وأمسك برأسه

ومزيج من الصدمة والخوف يتملكه...صرخ فيه قائلا:
_ارجوك قل لي أنك لم تقل شيئا وما سمعته كان بسبب نقص المخدر!

نظر طه الى وجه آسر الغارق في العرق! وقال بصوت هادئ غريب:
ما سمعته صحيح يا آسر...

ثم ضحك مستهزئا وأكمل:
_ان لم أمت من المخدرات...سأموت من السرطان يا صديقي...
قام بنزع يدي آسر من على وجهه وهو لا يزال يضحك مما يقول...ضحكا هستيريا لا سبب له سوي الضغط الفظيع عليه...لم يعد يستطيع السيطرة على انفعالاته....

قلت هذه الضحكات تدريجيا وقل معها احمرار وجهه ثم أكمل بهدوء وهو يفرك في عينيه ببرود:
_سوف أذهب لأسلم نفسي إلى المصحة...فقد علم الطبيب المشرف علي حالتي انني مدمن.... ولابد أنهم يبحثون عني الآن!


سأذهب إليهم لتوفير بعض المجهود!! لقد اتخذت قراري يا صديقي ولن أرجع فيه! فقط أردتك أن تعلم....

© Mohamed Hassan,
книга «"ألف ميل"».
Коментарі