"فاقد الأمل لا يعطيه"
"هلاوس"
"آسفة فأنا اريد شخصاً نظيفاً"
"أهواك"
"ذكريات مؤلمة"
"وداع"
"ذبول"
"هروب"
"كم هي قاسية تلك الحياة"
"رد الجميل"
"شرود"
"صِدام"
"خوف"
"لقاء"
"الغريب"
"اسيل"
"احلاهما مر"
"ملاك"
"مواجهة"
"ألم"
"اعتراف"
"أمل"
"برد"
"صداقة"
"النهاية"
"خوف"
جلس طه في الخلف صامتا ينظر الى جميع ارجاء المكان في هدوء...يحاول أن يكيف نفسه على منزله الجديد وكيف يبدو...ينظر الى الطابق العلوي في قلق...هناك حيث يقطن من هم على شاكلته...بالتأكيد ظروفهم مختلفة...لكنها قد ساقتهم الى نفس المكان...لا فرق هنا بين من قبض عليه في زقاق او "غرزة" ومن قبض عليه في قصر

ينصت الى ما يقوله الطبيب عن حالته...كان يؤكد على ان طه قد جاء بإرادته وأنه شاب صالح يريد فقط ان ينجو بنفسه
أخبرهم أنه يعاني من سرطان في الدماغ لذلك يجب ان يحظى بعناية مخصصة وأنه سوف يزوره مرتين في الأسبوع ليتطمأن على حالته...وضرورة أخذه لجرعات الكيماوي ...وأن عائلته في مكان ما خارج مصر وهو لا يعلم شيئا عنهم غير أنهم يرسلون له المال الوفير!

كان هذا ما قاله طه عن عائلته للطبيب...الافضل أن يتركهم علي ذكري أبنهم طه...الولد الصالح فخر عائلته! يتمني فقط ان ينجو من ذلك...

من كل تلك الأمور التي أقحم نفسه فيها...وأيضا تلك التي لا دخل له بها...يعد نفسه انه سوف يصلح الامر مع عائلته.... لن يخفي عنهم شيئا بعد الآن...لكن لا يريد ان يرونه هكذا...بهذا الوضع المذري...

يريد فقط من الوضع ان يتحسن قليلا كي يستطيع ان يرفع عينه إليهم...أن يوجهاهم بحقيقته الموحشة...يجعلهم يفهمون ان طه الذي في مخيلتهم ما هو إلا سراب جميل لشيء قبيح! ولكن ليس الآن...هو غير مستعد للمواجهة...فإما ان يتحسن الوضع قليلا او يتركهم يعيشون على ذكراه الحسنة الغير موجودة


*****


تفاجأ آسر بملك تتصل به عدة مرات...لقد نسي ذلك الأمر! سحقا لقد حدث ذلك بسرعة...أحداث كثيرة لا يتحملها شخص في بضع ساعات قليلة.... الهاتف يرن وآسر لا يريد الرد عليها...لا يريد خوض اي حوار مع اي شخص الآن.... يريد فقط أن يصمت الكون لدقائق...لا مزيد من الأحداث الجديدة المتعبة...يكفيه ما مر به إلى الآن...قام بإغلاق الهاتف كي يصمت ذلك الصوت الغبي...أشعل سيجارا بيد مرتعشة وقام بتدخينها في ضجر...شغل المذياع على موسيقي كلاسيكية هادئة عسى أن تهدئ من روعه...ولكن ما من فائدة!

ه

ناك شيء ناقص...هناك شيء خاطئ.... لا يشغل باله سوي طه وما يفعله الآن وكيف سيكون مصيره؟؟

هل هذه هي النهاية يا صديقي؟ هل كل ذلك بسبب حماقتي الزائدة ورفضي للخضوع لعلاج او حتى لتقليل الجرعة!! كان بوسعنا ان نحتوي الأمر لكننا لم نقدر. أو بالأحرى أنا لم اساعدك...لم أقدم لك يد العون يا صديقي حين احتاجتني

أخذ نفسا آخر من السيجار ودخل الشرفة وهو يضرب الحائط بيده حتى تورمت...كيف له ان يكون صديقا بهذا السوء! كيف لم يدرك أن صديقه في حاجة اليه...أفكار متضاربة تتجمع في عقله الآن...فهو حتى لم يشفي من تأثير نقص المخدر في جسده...لقد أصبح القميص الذي يرتديه غارقا في العرق...كما أن ضربات قلبه مضطربة وشعور بالحزن يستولي عليه بالكامل...لم يأبه لكل ذلك! كل ما كان يفكر فيه هو كيف سيكون حال طه الآن

  *****

أما عبد القادر فقد كان في الحانة كالعادة محاط بزجاجات الخمر والجعة...ينظر للكأس الذي استقر في يده متوسلا إياه أن يساعده في نسيان تلك الملاك الطاهر التي قد زينت حياته لفترة قصيرة...لم يستطع الحفاظ عليها...خانها أكثر من مرة!
ليس لأنه يكرهها...الأمر أعقد من ذلك بكثير... لقد عشقها من كل قلبه...ولكن فقط لأنه لا يستحقها! فالشيطان لا يمكنه أن يظفر بملاك ابدا...لا يمكنه أن يتحمل ضوئها

هي ايضا احبته...وجدت فيه بواقي انسان صالح...شخص شهم قد يموت لأجلها...دافع عنها في الكثير من المرات! لكن صفاته الحسنة لم تكن تكفي...قد كانت تمثل ابرة في كومة من القش... او بالأحرى في كومة من الخمر! وعدت نفسها أنها سوف تخلص له وتتحمل عيوبه...لكنها لم تقدر...وهو لا يلومها على ذلك...قد صانت نفسها عن كل رجل آخر وهو لم يتوقف عن الخيانة!

لم تطلب منه حتى الزواج لأنها تتفهم أنه لا يمكنه ان يفتح بيتا بهذا الشكل...لكنها رأت فيه الأمل الذي لم يره هو في نفسه...كانت نوره في الظلمات...قلبه النابض الحبيس في هيكله المتحلل الذي قد أكله الخمر والنساء...لم يبقى منه شيء سوي القليل من المشاعر التي تفهم معني الحب والتصرف كشبه انسان! وها قد رحل ذلك النور من حياته! قلبه النابض قد توقف تاركا ورائه انسان بلا هدف...بلا روح وبلا مشاعر!

قطعت حبل افكاره فتاة تقترب منه كثيرا بحيث تراها تلك العين السكيرة...قال لها ببرود: لست في مزاج جيد اليوم يا فتاة...

"كان يعلم أنها ليست بفتاة ليل...لكنه قال تلك الكلمة عن قصد ليستفزها..."
لا يعلم من هي! ولكنها بالتأكيد تعلم من هو

لم تعر الفتاة اي اهتمام لما قاله ذلك السكير السفيه وقالت بصوت حازم قليلا:

_اين آسر؟
حينها اتسعت عين عبد القادر ونظر لها نظرة متفحصة ثم قال:

_اووه حسنا حسنا لا بد وأنك ملك! لم أكن أعلم ان ذوق آسر بهذا الجمال

حاولت ملك ان تخفي مشاعر الغيظ التي تعتريها من ذلك المعتوه الذي تكلمه ثم قالت:

_اتعلم أين هو الآن؟؟ اين يسكن! كيف لي أن أصل اليه

_على مهل يا فتاة كيف لي أن أجاوب على كل تلك الأسئلة! ثم سكت قليلا وتكلم بشيء من الجدية:
هو الآن في بيتي عرضت عليه الاقامة في منزلي بعد أن فر هاربا من رجل معتوه كان يريد قتله لأنه ساعد فتاة...لا أتذكر أسم الفتاة... نظر لها ثم ابتسم بسخرية وأكمل:

لحظة لحظة!! انه انت...ماذا تريدين منه الآن؟؟ ضرب شخص آخر من أجلك لينتهي به المطاف مقتولا!!
كان عبد القادر يتكلم بتلك الطريقة لكي يخرج أسوء ما عندها...يريد ان يعلم من تلك الفتاة! اهي حقا ملاك ايضا جاءت بالخطأ الى ذلك المكان؟! أم أنها شخص جالب للمتاعب وتتظاهر بالطيبة

لكنه قد تفاجئ بعلامات الندم والحزن تظهر جلية على وجهها البريء...كانت ستبدأ في تقديم بعض الأعذار التي لن تفيده في شيء! على الأقل علم أنها فعلا فتاة صادقة... وهذا كل ما يهمه

قاطعها قائلا ببرود مفتعل:
_مهلا ايها الملاك أنا لا أحب البكاء والقصص الحزينة...هيا بنا سوف اوصلك الى حيث يسكن آسر

قام من على كرسي البار متثاقلا ثم نظر لها متسائلا:
_على أية حال...كيف علمتِ أنني صديق لآسر؟!

وقتها ابتسمت ملك لأنها وجدت سبيلا لرد تلك الإهانات إليه دفعة واحدة...قالت ببرود تقلد طريقته المصطنعة:
_ذلك اليوم عندما تبعت آسر خارج الحانة سمعته ينعت أحدهم يسمى عبد القادر بالسكير الأحمق...دخلت إلى الحانة وسألت عن شخص له نفس تلك المواصفات فدلوني عليك!

حينها أطلق عبد القادر عدة ضحكات عالية على طريقة تلك الفتاة الحادة ثم أكمل طريقه بخطى متثاقلة إلى السيارة ولم يعلق

كان آسر في الشرفة حينما لمح سيارة عبد القد تقترب...لا يمكنه المكوث في ذلك البيت أكثر بدون طه...انه في حالة يرثى لها ولا يريد أن يتكلم في ذلك الموضوع...بالتأكيد عبد القادر سوف يسأل عن طه وسيضطر آسر حينها أن يقص عليه تلك القصة المقيتة...مهلا!!

هناك شخص معه في السيارة...أنها فتاة! ألن يكف ذلك الأحمق عن جلب تلك الفتيات الى هنا! سوف يلفت النظر الى ذلك البيت ويتعرض للكثير من المشاكل...ولكن لحظة انها ليست فتاة ليل...بل...ملك!

ظهر الارتباك والتوتر على وجه آسر حينما شاهدها! ظهرت علامات الغيظ على وجه آسر وقال في نفسه صارخا
فيم كان يفكر ذلك الأحمق حينما قام بجلبها الى هنا؟!

لم يكن يدري ماذا يفعل! يقابلها ويتظاهر بأن شيئا لم يكن؟! هو بارع في ذلك ولكن ليس هذه المرة!! أخذ نفسا عميقا وقام بترك الأحداث تحصل! فهو ليس لديه القدرة على اسكات ذلك الكون المضجر

صعد عبد القادر على السلم وتبعته ملك...هي تعلم أنه شخص سيء بما فيه الكفاية...ولكنها تثق به ولا تعلم لماذا
فتح عبد القادر الباب ليتفاجأ بآسر يقول بصوت خفيض متهكم:
_أيها الأبله! فيم كنت تفكر عندما احضرتها الى هنا! هذا ليس المكان ولا الوقت المناسب لذلك!

ابتسم عبد القادر قائلا:
_مهلا مهلا يا صديقي لقد قلت لها ان تنتظرك في الخارج لكنها أصرت على أن تزورك في بيتك الجديد...

رد آسر سريعا بصوت خفيض خشية أن تسمعهما:
_حسنا حسنا ولكن لا تفتح فمك بكلمة...فقط وافقني في كل ما اقول وسوف اشرح لك لاحقا
قام آسر بدفع عبد القادر من أمام الباب حينما شاهدها تصعد أمامه...لم يتوقع أن يكون هادئ هكذا حين يراها...نعم يظهر عليه علامات القلق ولكن لا بأس يمكنه تولي الأمر...

نظرت اليه ملك لا تدري ماذا تقول. هي تعلم أنها أخطأت عندما جاءت هكذا بدون موعد...ولكنه عندما اغلق الهاتف لم تستطع التوقف عن التفكير في رؤيته

نظرت الى قميصه الغارق في العرق والي وجهه الشاحب كثيرا عن العادة...وجهه يفضح كل شيء وهو يعلم ذلك...هي الآن تعلم ان هناك شيئا قد حدث وسوف تسأل عنه...

قالت بصوت قلق:
_لماذا اغلقت هاتفك؟! ولم يبدو وجهك شاحبا لهذه الدرجة! ماذا حدث؟!
لم يرد آسر علي تساؤلاتها الملحة فقط ابتعد عن الباب كي تدخل...لم يعرض عليها حتى الدخول فقط ابتعد عن الباب وجلس على كرسي قريب واضعا يده على وجهه لا يدري ماذا يقول...كم هي صعبة الحقيقة... كم تؤلم!
سمع آسر صوت عبد القادر من داخل غرفتهما يقول متسائلا:
أين ذلك الفتى طه علي اي حال!

حينها انتفض جسد آسر وفقد السيطرة على نفسه أكثر...مما جعل ملك تقلق وتتساءل في فضول غريب:
_ماذا حدث لطه يا آسر!
اقتربت منه وأبعدت يده المرتجفة عن وجهه وأمسكت بها لتسكن كانت يدها دافئة ناعمة لكنها لن تجدي نفعاً

قام من على الكرسي مفلتا يدها قائلا بصوت هادئ لا يخلو من نبرة حزن وغضب:
طه!! قد حجز في مصحة لعلاج الإدمان. وكل ذلك...كل ذلك لأنني لم أكن صديقا جيدا....

أكمل وهو يشعل سيجارة وينفث دخانها بأنفاس متقطعة:
طه؟ طه يعاني من سرطان الدماغ! صديقي الوحيد يتألم وأنا لا أستطيع فعل شيء لمنع هذا...
أصابته حالة تشنج أخرى من كثرة الضغط! كان سيصدم رأسه في الحائط لكن عبد القادر قام بمنعه ممسكا اياه محاولا تهدئته ووضعه على كرسي كي يهدأ

أمر ملك بجلب زجاجة من الخمر التي على الطاولة وقام بسكبها على جسده لتتبدل رائحة عرقه برائحة أكثر قبحاً وهي رائحة الخمر

ولكن على الأقل الطريقة قد نجحت وآسر بالفعل استعاد وعيه وافاق مما هو فيه...قام بأخذ عدة انفاس عميقة من سيجارته وبالفعل قد هدأ ولكنه لم يتكلم قط

© Mohamed Hassan,
книга «"ألف ميل"».
Коментарі