"فاقد الأمل لا يعطيه"
"هلاوس"
"آسفة فأنا اريد شخصاً نظيفاً"
"أهواك"
"ذكريات مؤلمة"
"وداع"
"ذبول"
"هروب"
"كم هي قاسية تلك الحياة"
"رد الجميل"
"شرود"
"صِدام"
"خوف"
"لقاء"
"الغريب"
"اسيل"
"احلاهما مر"
"ملاك"
"مواجهة"
"ألم"
"اعتراف"
"أمل"
"برد"
"صداقة"
"النهاية"
"برد"
ارجوك يا عبد القادر لا تكن قاسيا معها مجددا...لقد كانت تحبك كثيرا!
بقي عبد القادر يفكر في تلك الجملة طوال الطريق...يسير هائما تائها في الطريق يحدث نفسه
هل حقا كان قاسيا معها إلى هذا الحد؟! هل كان الطرف الأناني في تلك العلاقة!
بعد كل ما فعله...لقد كبت حبه بداخله وتركها تبتعد عنه...تسرح بعيدا عن ذلك الشخص عديم المشاعر...هل كان أنانيا في ذلك أيضا؟!
لا لم يكن كذلك! لقد تركها تعيش مقابل أن يموت هو من الداخل...ضحى بحبه لأجلها
كان من الأفضل له في ذلك الوقت ان يبتعد... يمضي ولا ينظر للخلف... لا يذرف الدموع ولا يتردد فيما يفعله... فذلك هو الصواب...
لم تكن المسافة قريبة ولا الوقت يسمح بالسير على الأقدام... جرى بأسرع ما يمكن للمستشفى التي يتواجد بها آسر وأخذ سيارته وانطلق بدون تفكير... كان يعلم أن آسر سيبيت في المستشفى لذا لن يحتاج إلى السيارة
مضي في طريقه راكبا سيارته بسرعة مبالغ فيها... يتمني من الوقت أن يبطئ قليلا... يتمني من تلك الأفكار في عقله أن تصمت... كل تلك التساؤلات... كل تلك القرارات التي ندم عليها... لا يريد التفكير في كل ذلك... يريد فقط التفكير في أسيل.... داعيا ربه باكيا أن تعود الأمور كما كانت... أن تعود إليه وهو لن يخذلها أبدا ثانية... نظر إلى المقعد بجانبه يتخيلها جالسة هنا... في سيارته... مكان تلك الزجاجات كريهة الرائحة التي تملأ المكان... لم يتبقى سوي القليل... صوت عقرب ساعته يكاد يصيبه بالجنون... صوت ضربات قلبه عالي كمن يطرق على الباب منتظرا من أحد أن يخرجه... ان يفتح له ويدخل بعض النور الى ذلك المكان الموحش المظلم...
وانتهي الوقت وهو لم يكد يصل إلى منتصف المسافة... جميع تلك الأحداث ترجع إلى ذاكرته بسرعة كأنها الشيء الوحيد الباقي منها.. مجرد ذكريات مخلدة في عقله وقلبه... أول نظرة... أول لقاء... أول ابتسامة شاردة... أول إعجاب أول خلاف وأسف أول عناق بعد اشتياق... وأول حب حقيقي!
داس بقدمه على البنزين ليبلغ آخر سرعته ودموعه تملأ وجهه الحزين الآسف...
وأخيرا قد وصل! لقد كانت هناك... تخرج بسرعة من المستشفى بثوبها الأبيض مختبئة من المطر واضعة يدها حول جسدها تشعر بالبرد... إنها كما هي... شعرها الأسود الطويل يداها الناعمتان بيضاء كالثلج... يتذكر تلك اليدين التي كانت تلامس وجهه في رقة ودلال وجهها الجميل وابتسامتها العريضة الطفولية... عينيها المغمضتان حين تضحك... كل تلك التفاصيل لا يزال يتذكرها إلى الآن!
أوقف السيارة فورا ونزل منها متجها إليها... لا يهمه ملابسه التي اتسخت من الشتاء... لا يهمه برودة الطقس وصعوبة الرؤية... المهم أنه شاهدها مجددا
صاح بأعلى صوته "أسيل" والدموع تتساقط من وجهه كالطفل الصغير الذي ينادي على أمه.. نادى أَكثر من مرة حتى توقفت هي! لقد كان يعلم أنها ستتعرف على صوته!
اقترب منها أكثر وهو لا يدري ماذا يقول لها... فقط يريد النظر إلى وجهها مجددا
حينها التفتت هي إليه ونظرت في عينه المليئة بالدموع:
_عبد القادر! ما الذي أتى بك الى هنا؟! من قال لك عن هذا المكان؟!
لم يجيبها عبد القادر عن تلك الأسئلة... فقط ظل ينظر إليها ويبتسم باكيا ثم قال:
_كنت أعتقد أنني لن أراكِ مجددا... كنت أعتقد أنني خسرتك إلى الأبد... لكن ها أنت ذا هنا الآن!
ظهرت الدموع ثانية في عيني عبد القادر وهو يقول بحرقة:
_آسف على كل ما بدر مني يا أسيل... آسف على كل كلمة آذيت مشاعرك بها... آسف لأنني لم أكن الطرف الجيد رغم كل ما فعلتِه لأجلي... أعلم أنكِ لن تسامحيني على ذلك... لكن أقسم لكِ أن ما كل ما قلته في ذلك اليوم كان مجرد كذب... قلته فقط كي انقذكِ مني... لم أشأ أن أجعلك تقاسي أكثر من ذلك...مع شخص مثلي عبد لشهوته لا يعلم كيف يحترم من يحب... كيف يغير من نفسه من أجله
لم أكن أستحقك يا أسيل... كنت بالنسبة لي كالنجوم التي أنظر لها في السماء ولا أتخيل نفسي بجانبها... لقد كنت غبيا عديم المشاعر أفعل كل ما يحلو لي كذبت في كل شيء ما عدى حبي لكِ... كل ما قلته كان مجرد هراء لا أزال أندم عليه حتى الآن... دست علي مشاعري وما أكنه لك من حب كي أجعلك حرة طليقة... فعلت ذلك لأنني أحببتك بصدق...أحببت أن تكوني سعيدة أحببت أن أري الابتسامة علي وجهك التي اختفت مع الوقت طول تلك الفترة التي أمضيناها نحارب من أجل استمرار علاقتنا... فعلت ذلك لكي أكون راضٍ عن نفسي... لكنني لم أرضَ ولم استطع نسيانك وتخيلك مع شخص آخر غيري.. أسيل أنا أحبك... لقد تغيرت بالفعل من أجلك... من أجل أن أستحقك... سأصحح كل ما بدر مني... لن أؤذي مشاعرك مجددا... لن أنشغل بزجاجات الخمر عنك... لن أذق طعمها مجددا...
كان يستمع إلى صوتها وهي تقول بألم شديد... "توقف يا عبد القادر... ارجوك توقف... لا أستطيع سماع تلك الكلمات مجددا... أرجوك أصمت..."
ولكنه لا يتوقف عن الكلام ودموع الندم لا تفارق عينه... "أسيل أرجوك أعطيني فقط فرصة واحدة أخري... سأصلح كل ذلك..
سنكون مع بعضنا مجددا... سنسهر معا لنعد النجوم سأجعلك تمشين في المطر دون خوف سأعلمك قيادة السيارة... سأبحث عن عمل براتب مجزي ولن تكوني في حاجة إلى أي شخص غيري"
حينها صاحت أسيل في وجهه وقالت:
_استيقظ من تلك الأحلام يا عبد القادر... لم نعد اولئك الشابان ذوي الأفق الضيق والأحلام الجميلة ذات النهايات السعيدة التي تجمعنا سويا ... لم نعد نعُدّ النجوم في الليل... لم أعد أريدك أن تعلمني القيادة لم أعد في حاجة إليك... لقد حطمت قلبي... انت فقط شخص أناني وضعيف! لم تستطع أن تتخلي عما كنت تفعله فقررت أن تضحي بي لكي يرتاح قلبك... كنت دائما حملا ثقيلا عليك فأردت أن ترمي بي بدل أن تواجه نفسك بضعفها...كنت أتحمل كل ذلك... كل ما كنت تفعله بي... عدم اهتمامك... برودك... انحرافك المبالغ فيه ورائحة الخمر الكريهة التي تفوح من فمك طوال الوقت... تحملت كل ذلك من أجل أنني كنت أعلم أنك تحبني... لكني لن أغفر لك أن ترمي بي وتوهم نفسك أن ذلك كان من مصلحتنا... حتى ولو كان فأنت لم تفكر فيه إلا من ناحيتك وأنا أعلم ذلك تماما.. لقد فات الأوان يا عبد القادر على الرجوع امضي في طريقك وإنساني... لطالما كنت بارعا في هذا الأمر... اتركني هنا! لن أكذب عليك وأقول إنني لم أفكر بك مطلقا بعد ما فعلته بي... لم أذق طعم النوم ولم أستطع نسيانك... لكنني أفضل أن أدوس على قلبي مجددا على أن أرجع إليك... انت لا تحبني... هيا اذهب وأمضي الليل مع فتيات الليل واشرب الخمر كما تفعل دائما
علي قدر ما كانت تلك الكلمات كالجمر على صدره إلا أنه يعلم أنه يستحق كل ذلك... كل كلمة قالتها كانت صحيحة... نعم لقد فعل ذلك من أجله هو... من أجل أن يزيح ذلك الحمل الثقيل من عليه... لكنه يحبها! كل ما قالته صحيح عدى كلمة “أنت لا تحبني"
اقترب عبد القادر منها وضمها إلى صدره! لا يبالي بما تقول ولا يبالي بيديها التي تدفعانه بقوة... فهو يعلم أنها لا تزال أسيل التي أحبها... ضمها بين ذراعيه في اشتياق وحنان ليس من عادته أن يفعل ذلك معها... ليس من عادته أن يظهر ذلك الجانب من شخصيته الى أي أحد!
قال في أذنها ساخرا من تلك الكلمة:
_لا أحبك؟! كيف لا أحبك! كيف ذلك وأنا لم أستطع النوم دون التفكير فيما فعلته... لمجرد أنني آذيتك بتلك الكلمات الغبية أصبحت تائها طوال تلك السنين لا أستطيع كبت شعوري بالندم... كرهت الخمر وفتيات الليل... كرهت كل شيء أغضبك... كرهت نفسي وعجرفتي وأنانيتي... لقد واجهت نفسي يا أسيل ولكن بعد رحيلك... لم أدرك مدي أهميتك إلا عندما ابعدتك عني... وأنا أعترف أنني فعلت ذلك لنفسي وليس لك... لكنني تغيرت! تلقائيا أصبحت أترك الخمر وأبدأ في التفكير بك... لقد كنت البديل لي عن الخمر عندما أحتاج إلى الخروج عن الواقع وكآبته... أدركت كم كنت قذرا وقتها... كنت أفعل ذلك لأنني لم أكن أريد أن أعترف بحبي لك... لم أكن أريد الاعتراف بأنك استطعت أخذ قلبي وعقلي... كنت أريد أن اثبت لنفسي أنك لا تعنين لي أي شيء وأنا بين أحضان تلك العاهرات! ولكنك تعنين لي كل شيء... أنت تعلمين جيدا أنني لن أقول تلك الكلمات لو كنت نفس ذلك الشخص عديم المشاعر الذي كنته... تعلمين أنني تغيرت... تعلمين أنني أحبك... تعلمين أنك لازلت تحبينني... تعلمين كل شيء! اغفري لي أرجوك... لطالما كنت تفعلين ذلك... لطالما كنت أُما لي قبل أن تكوني حبيبتي! انت تعلمين كم هو صعب علي أن آتي إليك وأعترف بكل ذلك... تعلمين أيضا أنني لا أكذب...أنا لم أعد أيضا ذلك الشاب الأحمق الذي يريدك لبعض الوقت! أريدك الآن وغدا... اريد رؤية وجهك كل صباح... اريد رؤيتك قبل نومي... أريد رؤيتك طوال الوقت
لتتحول تلك الأيدي التي تدفعانه إلى أيدي تحتويانه وتحتضنه! "لقد تأخرت كثيرا يا عبد القادر... تأخرت يا حبيبي.... لا تعلم كم من الوقت انتظرت لأستمع إلى تلك الكمات"
نعم إنها تعلمه جيدا... تعلم تماما كم كان صعبا عليه أن يعترف لها بحبه هكذا
لم يقل لها مثل تلك الكلمات من قبل ولم تكن تصدق أنه سيقوله في يوم من الأيام! لم تكن تصدق أن ذلك الجماد القاسي سيظهر ذلك الحنان إليها رغم كل ما قالته عنه... نعم لقد تغير حقا... لم تعد تشم رائحة الخمر في أنفاسه ولا فمه الثقيل الذي لا يقوى على الكلام... لأول مرة تراه في وعيه لا يؤثر عليه شيء
أخيرا أصبحت تشعر بالدفيء في المطر... أخيرا لم تعد ترتجف من البرد! أخيرا أصبح لقطرات المطر صوتا رائعا يخلد تلك اللحظة الجميلة... لطالما كانت تنتظرها
© Mohamed Hassan,
книга «"ألف ميل"».
Коментарі