"فاقد الأمل لا يعطيه"
"هلاوس"
"آسفة فأنا اريد شخصاً نظيفاً"
"أهواك"
"ذكريات مؤلمة"
"وداع"
"ذبول"
"هروب"
"كم هي قاسية تلك الحياة"
"رد الجميل"
"شرود"
"صِدام"
"خوف"
"لقاء"
"الغريب"
"اسيل"
"احلاهما مر"
"ملاك"
"مواجهة"
"ألم"
"اعتراف"
"أمل"
"برد"
"صداقة"
"النهاية"
"آسفة فأنا اريد شخصاً نظيفاً"
غادر آسر أرضية المحاضرة ومشى في ذلك الممر الطويل المؤدي إلى تلك السلالم القديمة البالية...

انتظر صديقه طه قليلا ثم قاموا بالسير سويا...

في العادة يكون آسر مرِحا بعد انتهاء اليوم الدراسي..

لكنه كان صامتا هذه المرة...لم يقل شيئا منذ خرجا...لم ينظر في وجهه حتى...أهذا بسبب ألم بطنه الغريب ذاك؟!

أم أن هناك شيء آخر يشغله...

أيعقل أنه لا يزال يفكر في ذلك الموقف إلى الآن؟!

يا لها من قاسية تلك الفتاة...فهي لا تعرفه على حقيقته مثل ما يعرفه هو...هو يعلم انه تحت كل ذلك الكم من القذارة...هناك قلب حنون يحتاج إلى من يراه بداخله فقط

نظر طه إليه وإلى نظراته الشاردة حول الجدران...حاول أن يفتح معه أي حوار لكنه يظل صامتا
فلت بلسانه في أحد المرات وهو يقول:
هي لا تستحقك يا صديقي...فهي لم تستطع ان ترى الجزء الجيد بداخلك...لم تستطع ان تتقبلك

نظر آسر له والدموع تملأ عينيه...لم يقل أي كلمة لكن عينه كانت تحكي الكثير...كانت ترجوه أن يصمت

استسلم طه لتلك الدموع الحائرة ومضى صامتا هو الآخر.
خطوات قليلة ثقيلة تفصلهم عن السكن الآن...شعورهما واحد...نفس الاضطراب في ضربات القلب...فهم يعرفون ماذا سيفعلون بعد أن يستيقظوا

إحساس غبي غير مفهوم!
مثل موج يجرف البَحار في الطريق الخاطئ...آماله وأحلامه في ناحية...والموج يجرفه في الناحية الأخرى

في كل يوم يشيبون أكثر...لكن طريق الرجوع صعب...الأسهل لهم أن يكملوا...

وصلا إلى غرفتهم في السكن الجامعي بعد وقت أكثر من المعتاد
دخل طه أولا وقام بإلقاء نفسه على الكرسي الذي يقابل الباب مباشرة...قام بإغماض عينيه قليلا متمنياً أن تتوقف تلك الرعشة في عينيه...لكنها لم تتوقف

لم يستطع أن يغمض عينيه جيدا لكن على الأقل هو يعلم انه سيحصل على بعض الراحة
نظر نظرة عابرة على آسر ليجده كما توقع عاريا لا يكسو إلا عورته والعرق الغزير يخرج من جميع أنحاء جسده...هو هكذا دائما قبل أن يأخذ جرعة الكوكايين المعتادة...

لا يستطيع أن ينتظر إلى المساء...يشعر أن روحه تتمزق الآن...ناهيك عن الشعور بالبرد رغم غزارة العرق وألم البطن المميت!

أما طه فكان لديه قدرة على التحمل أكثر بكثير من آسر...فقد حدد لنفسه مقدارا معينا نادرا ما يتعداه

هو فقط يريد الراحة الآن...يريد لجفن عينه ان يهدأ قليلا
استلقى آسر على السرير عاريا تقريبا...يدع غطاء السرير يمتص ذلك الكم من العرق الذي يفرزه
قام بإحاطة نفسه بالغطاء عله يعثر على بعض الدفيء
مضت عدة ساعات على الإثنين لم يذوقا فيهم طعم الراحة..

بدأت حبات العرق تظهر على جسد طه أيضا...زادت رعشة الإثنين وإحساسهما بالبرد القارص
عذاب شديد يحتاج إلى الدواء في أسرع وقت!
نظر طه إلى الساعة محدثا آسر:
_إنها الثامنة مساءً. يمكننا الذهاب الآن يبدو أن البقية قد وصلوا

كان آسر في هذا الوقت مُلقى على السرير يتظاهر بأنه نائم...لم ينم ولم يفكر حتى في النوم...ظل يتخيل نفسه يتعاطى ما شاء من الكوكايين...بعدها يصبح أشبه بالإنسان العادي لبعض الوقت...وقتها تكف أنفه عن الرشح وتنتظم ضربات قلبه...ويغيب عقله عن واقعه القبيح مؤقتا

خرج الاثنان من السكن متسللين مثل كل مرة بخطوات حذرة بطيئة حتى وصلوا إلى بوابة السكن...انتظروا حتى يتأكدوا من أن ذلك الحارس ليس موجودا... بعدها اندفعوا إلى البوابة بسرعة وقاموا ثم قفزوا من عليها واحدا تلو الآخر...

جروا بخطى سريعة حتى تجاوزا المبنى ثم بدأوا في المشي حتى موقف السيارات الذي كان يبعد ثلاث دقائق من المبنى الجامعي...عادة ما يكون الجو هادئ في تلك المنطقة...انتظروا هناك قليلا ليجدا سيارة "فيات" سوداء ذات طابع قديم تتجه نحوهم
قاموا بالسير ناحية السيارة ليخرج منها شاب أسمر اللون تبين أنه يكبرهما بقليل

"عبد القادر"
تعرفوا عليه في الحانة التي تعلو ال "غرزة" بطابق واحد

لم يكن يتعاطى المخدرات معهم...بل كان يسكر في الحانة حتى الصباح...كان الوسيلة المثلى للوصول إلى هناك بسرعة...لذا من الرائع أن يصادقوه

قام طه بمصافحة عبد القادر وإلقاء السلام عليه...أما آسر فقد ركب في السيارة ممدداً جسده على الكراسي الخلفية غير واعٍ بأي شيء
ضحك عبد القادر ضحكة خفيفة مما فعله آسر ثم قام بركوب السيارة ومعه طه في المقعد المقابل له...

كان ذوق عبد القادر في الأغاني قديما لكنه كان يروق لآسر جدا... لطالما كان يحب تلك الأغنية التي يشغلها "عبد القادر"
فقد كان يستمع إلى أغنية عبد الحليم "أهواك"...كان يشغل تلك الأغنية كما طلب منه آسر ذات كلما جاء لتوصيلهما إلى ال "غرزة"

كانت تخفف الألم عن الإثنين قليلا...على الأقل تشغل بالهم قليلا عن حاجتهم لذلك المخدر اللعين

كان طه يتمايل مع كلمات الأغنية ويغنى معه بصوت هادئ...أما عن آسر فقد كانت تساعده تلك الأغنية في النوم...أو بمعنى أصح في التظاهر بالنوم

كانت انفا الإثنين لا تكفا عن الرشح...كما أن أنفاسهم تظل مكتومة...من الصعب عليهم التنفس بشكل طبيعي

هو عذاب لا دواء منه سوى سم يضعونه بأنفسهم في أجسادهم..

وصل ثلاثتهم إلى تلك العمارة المشبوهة...نزل عبد القادر من السيارة وتبعه طه بعد أن انتهت الأغنية...

أما عن آسر فقد كان أول من نزل من السيارة...لم يلقي بالا لأي شيء...فقط قام بنزول السلم الذي قد امتلأ بفتيات الليل وبعض الشباب الذي برفقتهم...كان الأمر يشبه كثيرا الحانات التي في الأفلام...تلك الأضواء الساطعة في كل مكان...

وجميع الجدران قد غطيت باللون الوردي الفاقع

صعد آسر واضعا عينه إلى الأسفل لكيلا تصيبه تلك الأضواء الساطعة بالغثيان...حتى وصل إلى الغرفة... كانت الغرفة في نهاية الممر الفسيح الذي يخيل لك للمرة الأولى انه لا نهاية له...حيلة ماكرة لكي تظل تلك الغرفة مخفية عن بقية الزوار
مشى في ذلك الممر الطويل الذي تقل نسبة الإضاءة فيه تدريجياً

حتى اقترب من ذلك الباب الأحمر الكبير حيث وقف أمامه حارس ضخم البنيان قاسي الملامح يسد الباب بجسده الضخم
أفرغ ما في جيبه إلى ذلك الحارس ليسمح له بالدخول ويشير في برود إلى طاولة قد تم تجهيزها ب الكوكايين وبعض الماء لإذابة الكوكايين
لم ينتظر حتى طه أن يأتي...فقد قام بإذابة الكوكايين مع الماء وتسخينه على ملعقة قد تحول لونها الفضي البراق إلى لون أسود من كثرة الاستعمال  ثم قام بسحب المحلول في حقنة وحقنها داخل جسده...ليتسرب ذلك المحلول داخل عروقه مضيعا إحساسه بالألم
رجع آسر في راحة إلى الوراء وأغمض عينيه قليلا تاركا ذلك المخدر يقوم بعمله...وقتها صمت كل شيء...لا مزيد من الذكريات المقززة...لا مزيد من ارتجاف جفونه واضطراب أعصابه...فقط أراد أن يجعل كل شيء يصمت ولو لدقائق معدودة!
لم يلحظ حتى دخول طه الذي قام بالجلوس بجانبه...
لم يكن طه يحب أخذ ذلك المخدر في وريده لأنه يسبب مشاكل كبيرة لديه...لذا فضل أن يبدر ذلك المسحوق على ورقة ويشكله على هيئة أسطر ليستنشق الواحدة تلو الأخرى

كانت أنفه ترتجف من اللذة كما أنها توقفت عن الرشح...قام بتجفيف حبات العرق التي كانت تحاوط جسده بالكامل في أحد المفارش ونظر إلى باقي من في ال "غرزة" كان يتألم عندما ينظر إلى أوجه جديدة تدخل تلك الغرفة...يتذكر نفسه في أول يوم له في تلك الغرفة القذرة!

لكن لا وقت للتذكر الآن...سيدع ذلك الأمر لوقت آخر..
أشارت بعض من فتيات الليل إلى طه الذي رد بابتسامة مفادها أن يأتين ليجلسوا معه...لا يعلم هل هو فعلا يريد تلك الفتيات أم أن هذا بسبب مفعول المخدر

ذهبت فتاتان من أصل أربع إلى طاولة طه وآسر

جلست الفتاة بجانب آسر الذي كان فعلا نائما وأحاطته بيدها تريد معانقته...لكن آسر قد أفاق من نومه ودفعها بشدة ونظر في غضب إلى طه الذي كان مشغولا مع فتاته فلم يعِره أي اهتمام...
قام من تلك الطاولة تاركاً تلك الفتاة مندهشة مما يفعله...

لم يكن آسر ميالا إلى تلك الفتيات...فقط كان يريد قصة حب نظيفة خالية من أي قذارة!
بالرغم من كل تلك المخدرات التي أخذها إلا أنها لن تنسيه تلك الكلمة من تلك الفتاة عندما صارحها بحبه لها
"آسفة فأنا أريد شخصا نظيفا"
تلك الكلمة قد حطمته من الداخل أكثر مما هو محطم
لم يستطع أن يرد عليها بأي كلمة...فهو ليس إلا إنسان قذر عبد لشهوته
بالرغم من كل محاولاته في تغيير نفسه لشخص أفضل...إلا أنه يظل قذرا
© Mohamed Hassan,
книга «"ألف ميل"».
Коментарі