"فاقد الأمل لا يعطيه"
"هلاوس"
"آسفة فأنا اريد شخصاً نظيفاً"
"أهواك"
"ذكريات مؤلمة"
"وداع"
"ذبول"
"هروب"
"كم هي قاسية تلك الحياة"
"رد الجميل"
"شرود"
"صِدام"
"خوف"
"لقاء"
"الغريب"
"اسيل"
"احلاهما مر"
"ملاك"
"مواجهة"
"ألم"
"اعتراف"
"أمل"
"برد"
"صداقة"
"النهاية"
"ذكريات مؤلمة"
بدأت الموسيقي وبدأ معها جسد آسر في التمايل يمينا ويسارا وهو يدندن تلك الأغنية التي يمقتها...كان يحاول تقليد صوت المغني لكن ثقل فمه وعدم وعيه لم يساعدانه في ذلك...لكنه لم يأبه لبشاعة صوته ولا لحركاته الغبية...فقط استمتع بكل كلمة في الأغنية...

كان يتذكر حبه الوحيد...فتاته الفاتنة...يتخيلها في كل مكان وفي كل وقت...يتصور أن رفضها له ولشخصه كان مجرد خيال...مجرد كابوس مقيت قد لوث تلك الأحلام الجميلة...

دمعت عينه عندما قالها عبد الحليم عدة مرات
"اهواك واتمني لو أنساك.."

زادت تمايلات راسه والدموع تتساقط على وجهه...لا يبدو عليه الحزن...ولا اثار البكاء
فقط دموع تسقط على جسد متهالك وعقل فاقد للوعي

لم تكن ملك تدري ماذا تفعل...فقط تركته يفعل ما يشاء دون ان تقطع عليه حبل افكاره الحزين ذاك
تتأمله بنظرات خاطفة فتجد وجها جامدا تضيف اليه تلك الدموع شيء من الحياة...
كل ما يفعله هو التمايل برأسه مع تلك الاغنية والبكاء
انتهت الأغنية وسكن جسده وتوقفت عينه عن البكاء ليعود الى طبيعته مجددا...مسح دموعه من على وجهه واعتذر لملك عما فعله...

لم تتكلم قط! فقط ظلت تنظر إليه تلك النظرات التي تحمل تساؤلات كثيرة لا تقدر على قولها
هو من أغمض عينيه واعاد رأسه للخلف ثم بدأ في التفسير:
"كانت هذه اغنية حبيبتي المفضلة...كان لها ذوق غريب في اختيار الأغاني...كنت ومازلت أكره تلك الأغنية...احببت تلك الموسيقي القديمة الراكدة من أجلها...كانت تعني لي كل شيء...احبتني!
صارحتها بكل شيء...أنني أعاني من نوبات صرع حادة
وعدتني بأنها لن تتركني مهما حدث لي...مهما تغير شكلي...مهما تغيرت صفاتي ما دمت أحبها
"لكن واضح انها لم تكن تعي ما تقول!"
كانت جمله المقتضبة تلك كافية بأن تفهم ملك تقريبا كل شيء...أرادت ان تسمع بقية القصة...لكنها للأسف قد وصلت للسكن الجامعي!

شكرها آسر بصوت منهك قليلا ثم خرج من السيارة ذاهبا الى الباب الخلفي ليساعد طه علي النهوض...
قالت بصوت خجول:
أيمكنني أن آخذ رقم هاتفك؟!
ابتسم آسر ناظرا لها ثم قال مازحا:
تريديني أن أضرب شخصا آخر؟!
ضحكت ملك بصوت حاولت أن تخفضه ثم قالت متصنعة الجدية:
هل ستعطيني إياه أم لا؟!

قال آسر باسما:
بالتأكيد... فأنا لا اعطي رقم هاتفي لفتاة جميلة كل يوم
ابتسمت ملك ابتسامة طفولية قد جعلت آسر يبتسم هو الآخر رغم كل ما حدث له...
ودع تلك الملاك التي قابلها ثم مضى في طريقه حاملا طه على كتفه
همس في أذنيه ساخرا:
لا بأس يا صديقي...لن تبكي وحدك الليلة!

مضى في طريقه الى بوابة السكن تدور بباله كل تلك القصص البائسة...بتفاصيل أكثر وألم أكثر وأكثر
توقف آسر عند البوابة الحديدية وقام بإنزال "طه" على الأرض مؤقتا...كان طه في حالة يرثى لها...يبدو أنه قد أفرط في المخدر هذه المرة على غير عادته!
يهذي بكلمات غير مفهومة...صوت بكائه العالي يشوش على تلك الكلمات
تحرك آسر حول البوابة حتى وصل الى مكتب خشبي قديم...استعمله في الصعود على البوابة وقفز الى الجانب الآخر ليستطيع الدخول

لم يكن يعرف ماذا يفعل الآن...ذلك الباب اللعين مقفل ولا يستطيع فتح البوابة...من المفترض أن يقفز طه معه هو الآخر...لكنه لن يقدر على فعل ذلك وهو في تلك الحالة...أخذ آسر يجول في المكان لا يعرف ماذا يفعل...يسترق النظر الى غرفة الحارس كي يرى أهو مستيقظ أم لا ليستطيع سرقة المفاتيح منه
كان الباب مغلقا ولم يقدر على رؤية شيء...لذا لم يجد خيارا سوى أن يدخل مباشرة آملا أن يكون ذلك الحارس نائما...
أقترب آسر من الباب ثم قام بفتحه ببطيء...وجد الحارس مستلقيا على ذلك السرير المهترئ! تاركا صوت التلفاز الصغير يحجب صوت شخيره الفظيع ذاك

كان المفتاح موضوعا على الطاولة الصغيرة بجانب السرير...أخذ آسر المفتاح بسرعة وخرج ببطيء ليفتح البوابة لصديقه "طه" الذي كان لا يزال يهذي الى الآن!
أدخل طه من البوابة ثم قام بغلقها بإحكام ثانية وأعاد المفتاح الى مكانه دون شعور الحارس
حمل آسر طه مجددا قائلا في تذمر:
_اعدك انه في المرة القادمة سوف تسرق المفتاح لتدخلني

فقط يحاول أن يخفي حقيقة شعوره بالقليل من النكات...لكنها لا تجدي نفعا! لقد زال مفعول المخدر بسرعة هذه المرة...هو الآن لا يستطيع تحمل الألم أكثر...لكنه يجب ان يمضي...لا يزال يضغط على نفسه بقسوة لتجاوز ذلك
كان يتمني ان يكون طه في وعيه ليتحدث معه قليلا...لكنه سيمضي الليل بطوله وحيدا هذه المرة
استلقى على سريره شاردا في تلك الذكريات مرة اخرى...لا مجال للهرب منها...صورتها لا تفارق خياله
أشعل سيجارة وهو يسأل نفسه ذات الأسئلة كل مرة

ماذا فعل لكل ذلك؟ ليس ذنبه انه كان مصابا بالصرع! ليس ذنبه ان العلاج الطبيعي لم ينجح...لم يعطي مفعولا
هل سيبكي مجددا الآن؟! لم يكره نفسه لهذه الدرجة؟!
ينظر الى آثار الإبر المغروزة في ذراعه بألم شديد يكاد صوت بكائه يوقظ "طه" الذي كان أمامه نائما كالجثة الهامدة!
كان عليه ان يزود الجرعة هذه المرة...أخذ نفسا آخر من السيجار ونفثه لأعلى ليتطاير الدخان في ارجاء المكان
قام من على سريره متجها الى الشرفة...لا يعي ماذا يفعل...يأمل أن يهدئ هذا من روعه كما كان يفعل صغيرا

كانت شرفة صغيرة مملوءة بأغراض قديمة وكثير من الأتربة في كل مكان...لكنها على الأقل تطل على منظر السماء الجميل ونسمات الجو العليلة...قام بخلع قميصه ليصبح نصف عاري...كان الهواء يجعل جسده يرتجف من البرد...لكنه لم يأبه لذلك...يريد أن يصفي ذهنه فحسب...ويبدو أن الطريقة قد نجحت!
أخذ نفسا آخر من تلك السيجار وأغمض عينيه بقوة منتشيا في تلك اللحظة.... جسده يرتجف قليلا لكن نفسه منتظم...نبضات قلبه البطيئة قليلا تشعره بالهدوء التام...هو يعلم أن تلك اللحظة لن تدوم.
"لكنه يستمتع بتلك اللحظات الفانية"

أسند يده على سور تلك الشرفة القصير.... ونظر لأسفل بعين تكاد تكون مغلقة.... الجو ساكن كما يحب...لا يوجد أحد في ساحة السكن هو فقط من يتألم في تلك الشرفة...هو فقط من يبكي مستسلما لمشاعره...ليس هناك أحد بجانبه
أخرج هاتفه المحمول وقام بتشغيل تلك الأغنية التي يمقتها بشدة.... يمقت لحظات سماعه لها...لكنه يجد المتعة في ذلك...إنها الأغنية الوحيدة التي تذكره بها
أخذ يغني مع عبد الحليم بصوت لا يخلو من البكاء والحزن...بنفس الطريقة التي غنى بها في سيارة "ملك" تلك الفتاة التي اعترف لها بأشياء كثيرة في أول مقابلة لهما...كان يريد أي شخص ليحكي له...شخص يراه طبيعيا...ليس وحشا أنانيا لا يشعر مثلما يظنه البعض

كان يردد كل حرف في تلك الأغنية...كل كلمة تذكره بمشهد معها...يتذكر وعودها له وأنها لن تتخلي عنه طالما أنه مازال يحبها...فقط لمَ قالت ذلك؟! لماذا وعدت بشيء لم تقدر على الوفاء به...لمَ عليه أن يتألم في كل شيء يقوم به
انتهت الأغنية كما توقفت دموعه عن السقوط.... أكمل سيجارته في ضيق وخرج من الشرفة هائما غير واعٍ بأي شيء...
دخل الى الحمام ووضع إصبعه في فمه ليتقيأ ثانية.... هذه الحركة تخفف من ألم بطنه الغريب ذاك.... هذه المرة نظر في المرآة التي كان يتجنب النظر اليها لفترة قد طالت...نظر الى وجهه الشاحب مثل وجه الأموات وعينيه السوداويتين التي بالكاد يمكنه فتحها...

يبين لصديقه أنه لا يأبه...لكنه في الحقيقة يتألم لما هو فيه الآن...خرج من الحمام آملا أن ينال قسطا من الراحة بعد هذا اليوم المقيت


"آملا أن يسامح نفسه على ما فعله وما سوف يفعله مجددا ومجددا"


© Mohamed Hassan,
книга «"ألف ميل"».
Коментарі