"فاقد الأمل لا يعطيه"
"هلاوس"
"آسفة فأنا اريد شخصاً نظيفاً"
"أهواك"
"ذكريات مؤلمة"
"وداع"
"ذبول"
"هروب"
"كم هي قاسية تلك الحياة"
"رد الجميل"
"شرود"
"صِدام"
"خوف"
"لقاء"
"الغريب"
"اسيل"
"احلاهما مر"
"ملاك"
"مواجهة"
"ألم"
"اعتراف"
"أمل"
"برد"
"صداقة"
"النهاية"
"اسيل"
نفس الموقف.... نفس المكان! نفس الوجوه.... ولكن هذه المرة هو فقط يشاهد! يقف مكتوف اليدين تاركا ذلك المشهد الفظيع يتكرر أمامه... يدرك تماما انه يحلم... ولكنه يريد ان يكمل هذا الكابوس لآخره.... يريد ان يتذكر ما حدث ليتألم أكثر.... ليشعر!

الشموع الثلاثة الحمراء التي تعلو طاولة تملؤها زجاجات الخمر من ناحيته وعصير العنب الأحمر المثلج من ناحيتها... لحظات طويلة من الصمت تحبس الأنفاس قبل ان تنظر في عينيه مباشرة بنظرة لوم وتقول بنبرة صوت متهكمة:
_من كانت في سريرك هذه المرة!!

بالرغم من انه كان يحلم إلا أنه شعر بنفس الوخز في قلبه الذي شعر به حين سألته في تلك المرة.... كان ينظر لها بعين باردة ووجه خامل اثقلته زجاجات الخمر.... ولكنه كان يحترق من الداخل!! يعلم انه قد اقترف خطأ لا غفران له... يعلم انها النهاية....

هو لا يستحقها، عليه ان يتركها تذهب! كان يجب ان يرد عليها ردا قاسيا... ردا يجعلها تعتقد انه فعلا لا يريدها! علي الأقل سيرتاح لأنه أطلقها من سجنه المليء بالخمر وملذاته الشخصية.... هو لا يستحق شخصا نظيفا في حياته...بل بالعكس كلما كثر هؤلاء الأشخاص في حياته... كلما شعر بالذنب أكثر لأنه لم يستطع ان يعطيهم ما يستحقونه... لم يستطع ان يكون الصديق او الحبيب المثالي....

كبت كل أحاسيسه في تلك اللحظة وتجنب النظر في عينيها.... داس على قلبه ومشاعره تجاهها وقال تلك الجملة الغبية التي جعلتها تتأكد أنها النهاية.... ان هذا الشخص لم يعد انسانا... قال بصوت منخفض وأعصاب هادئة:
_انت مجرد فتاة ليل بالنسبة لي... لا تفرقين شيئا عن التي كانت بين ذراعي البارحة!

وصمت كل شيء بعدها! لا يستمع الآن سوى لأنين قلبه الباكي وعقله الذي سيظل يذكره بذلك المشهد طول حياته.... "اسيل" ملاكه الطاهر قد غادر قفصه وحلَّق بعيدا.... تركه ليعيش بدل أن يتحول الى كتلة من لحم وعظم ليس لديها أي مشاعر

هنا فقط ترك نفسه يصحو من ذلك الكابوس... فهو لا يقدر أن يكمل ذلك! ولكن السؤال الأهم... لماذا الآن؟! لماذا تعود له تلك الذكريات بقوة بعد ان اعتقد انه بالفعل نسي كل شيء... لم تكن كل ذكرياته معها بذلك السوء....

بل بالعكس لقد كانت من أحسن اللحظات التي عاشها على الإطلاق... لكن شعوره بالذنب كان يطغو على كل فرحة كان يشعر بها بجوارها...
استسلم "عبد القادر" وقام بفتح عينيه آملا ان لا يحلم بشيء كهذا مجددا.... نطر الى اركان الغرفة ليجد آسر بجوار الباب ينظر له صامتا.... حينها أدرك عبد القادر انه نادى اسمها وهو يحلم

اقترب آسر من عبد القادر عندما أدرك أنه استيقظ ثم قال بصوت ضاحك:
_من أسيل تلك؟ اوقعت في حب فتاة من اللواتي كنت تأتي بهم إلى هنا ام ماذا؟!

حينها غضب عبد القادر وصرخ في وجهه قائلا:
ليست فتاة ليل أيها الأحمق ولا تقل شيئا كهذا عليها مرة أخرى!

ابتسم آسر ابتسامة باردة وقال:
_كنت اعلم ولكن اردت ان اختبر مدي حبك لها... يبدو أنك واقع يا صديقي

رد عبد القادر بغلظة وهو يبعد غطاء السرير من عليه:
اصمت... فقط اصمت لا اريد الحديث في هذا الموضوع ارجوك

اختفت الابتسامة من على وجه آسر ونظر في عينيه متفهما ما يشعر به الآن ثم خرج من الغرفة تاركا عبد القادر يمر بذلك الشعور وحده

خرج آسر الى الشرفة واخرج سيجارا من جيبه ليدخنها.... كان يفكر فيما حدث البارحة! وحقيقة ما يشعر به الآن... هل حقا يشعر بالذنب وتأنيب الضمير بسبب أنه قد أخذ تلك الجرعة مجددا؟
هو يعلم انه لم يكن ليستطيع كبت نفسه أكثر من ذلك.... يعلم انه لن يتوقف عن تعاطي المخدر بإرادته.... علي الأقل ليس الآن! ولكن احساس الحرية رائع فعلا.... احساس بالهدوء بالرغم كل ما كان يقاسيه من اعراض انسحاب الكوكايين من جسده....
كان يفكر ايضا في طه وموعد الزيارة الأولى له.... من المفترض ان تكون يوم الاربعاء واليوم لا يزال الاثنين.... لم يُمضي سوى ليلة واحدة بدونه!! هو يعلم انه سيتأقلم عاجلا ام آجلا.... ولكن يا لطه المسكين هو الآن في تلك المصحة الأشبه بالسجن وحيدا
****
كان المنظر كالآتي:
نفس الاجسام الهامدة التي تضم اقدامها الى صدرها في خوف وتعب.... رائحة العرق التي تفوح من جميع اجسامهم تعطي شعورا بالغثيان والدوار..... كانوا ينتظرون الممرض ليفتح الباب ويأخذ شخصا ما الى غرفة أخرى... من المؤكد أنهم يتعاطون العلاج هناك
كان من يذهب يعود الى نفس مكانه بنفس الطريقة ولكنه يكون أكثر خمولا بكثير من ذي قبل وعلى ذراعه علامة لسن إبرة غليظ محفور فيه...
لم يكن طه يفهم طبيعة ذلك المكان او سر المعاملة الوحشية تلك.... هل هذه هي نظرة المجتمع لهم؟! هل فعلا لا يريدون امثاله ان يروا النور مجددا وان يخرجوا من ذلك السجن!! ام اولئك الحمقى هم من يرتكبون افعالا دنيئة تجبر الممرض علي معاملتهم هكذا!
مجددا يدخل الممرض الى الغرفة ومعه من أخذه من الغرفة آخر مرة.... هو الآن يتجه نحوه! يبدو أنه لا فرار من تلك الجرعة
قام الممرض بشده لكي يقف على قدمه وأمسك به وخرج من الغرفة.... لا يري شيئا سوي ذلك الممرض الذي يجره وممر ابيض طويل لا نهاية له.... تلك الأضواء الساطعة قد جعلته يشعر بالدوار ولا يعي ما يفعل.... لا يشعر بأي شيء.... فقط يترك جسده لذلك الممرض الذي يجره من مكان الى مكان آخر.... انعطف الممرض يمينا ليجد طه بابا أبيض لا يختلف كثيرا عن بقية الأبواب ولكن هناك مصباح أحمر يعلو الباب يضيء وينطفئ بطريقة مرعبة.... في الواقع كان كل شيء مرعبا ليس فقط ذلك المصباح....
قام الممرض بفتح الباب وإدخال طه.... غرفة فارغة ليس بها سوى سرير مليء بالأصفاد لكي يثبت من ينام عليه وبالقرب منه يقف طبيب ممسك بتلك الحقنة اللعينة...كانت حقنة غريبة كبيرة الحجم بشكل مبالغ فيه... لم ينتظر الممرض طه وتأملاته في الحقنة... قام بدفعه بقوة الى السرير حيث قاما هو والطبيب بتكبيله بتلك الأصفاد حتى لا يتحرك...وطه يصرخ فيهم قائلا:
_لماذا تفعلون هذا؟ لماذا تعاملونني هكذا؟! لقد جئت من تلقاء نفسي واقسم انني سأتعاون معكم لن تجدوا مني اي مقاومة!

لم يجد طه ردا على كل ما قاله... كأنهم ماكينات تقوم بعملها فقط لا تلتفت إلى مشاعر من يجلس أمامهم... قال طه باستسلام:
على الأقل اريد ان اعرف ما تحتويه تلك الحقنة؟
حينها ضحك الطبيب ضحكة استهزاء ثم قال ساخرا:
_هذه الحقنة هي تذكرتك المجانية للنوم!
وقام بغرسها بقوة في ذراع طه لتتزايد ضربات قلبه إلى حد الجنون ويشعر بألم فظيع وصرخات في عقله لا تتوقف
ولكن فجأة صمت كل شيء اخيرا.... لا يستمع الآن سوي لصوت انفاسه المرتعدة وصورة مهزوزة أمامه.... يغمض عينيه ببطيء شديد حتى أصبح لا يري شيئا... لا يزال يشعر بالألم الفظيع في ذراعه مكان الحقنة لكنه لا يقوى على الصراخ من كثرة الألم... الصورة تغيب تدريجيا حتى تتحول إلى ظلام دامس... لا يزال يستمع الى همهمات ذلك الطبيب وهو يتحدث الى الممرض قائلا:
لا تخف انها فقط أول مرة... سيكون واعيا وقادرا على المشي في المرات القادمة
© Mohamed Hassan,
книга «"ألف ميل"».
"احلاهما مر"
Коментарі