CH1||سياسة التَّمرُّد
الملك بيون بيكهيون
بَطل:
العنقاء|| The King's Return
"سياسة التًّمرُّد"
في قاعِ ليلةِ مُدلَهِمّة والسماءُ كامِدة؛ أمام دار المَحظيّات؛ هُناك شجرة تجاوز عُمرها العشرات من السِّنين، لكنها عاريّة من ثوبها الأخضر؛ بما أنه ربيع.
يَلتفُّ حول الشَّجرة حَبلًا، وبالحبلِ مُقيَّدة فتاة، على جَبهتِها جرحٌ داميًّا، وعلى جسدها ثوبها الداخليّ فقط، وقد تَجرَّدت دون رغبتها من زيّ الهانبوك، الذي كان يسترها، ويُظهر أصلها النبيل.
كانت تبكي لكن صامدة، ترجو أن يبعث الرّب لها من ينقذها، ولا تهلك على شجرة العار -كما يدعونها-، أو تدخل هذهِ الدّار المُدنَّسة؛ فيتدنَّس جسدها بعدما تَدنَّس اسم عائلتها.
وهُناك فوق التَّل يقف ثلاثة أشخاص، الأوسط قصير، والذين يحاذيانه فارعي الطول، ثلاثتهم مُلثَّمين، يحملون حِبالهم وعُصيَّهُم في أجيادهم.
كان الأوسط يضرب بعصاه في راحته بينما يُحدِّث شُركاءه.
"صيدٌ جديد! علينا أخذه يا شباب!"
الشّابين بجانبه أومئا موافقين.
نَزَل ثلاثتهم عن التلَّة بخفةِ وحذر، واقتربوا من شجرةِ العار، التي لطالما رَبطوا عليها الفتيات الآبيات أن يكُنَّ محظيّات، يَبعن أجسادهنّ، ويتعلمن الفنون الخليعة، وصَبّ الخمر في كؤوس الرِّجال.
أحاط الثلاثة الشجرة، ودقَّ قصير القامة ذراع الفتاة التي غَفت بأصابعه فأستفاقت، وما إن رأت هاتِه العينين المُسبلتين خلف اللِّثام شهقت، لكن سُرعان ما كتم قصير القامة على فاهها وقال.
"إلزمي الصَّمت!
إن أردتِ أن نَنقذكِ من هذا المكان سنفك قيودك ونأخذكِ معنا، وإلا ابقي هُنا"
سُرعان ما نَفت الفتاة برأسها، وقالت.
"ما دُمتَ لن أُقدِّم جسدي، فأنا مُستعدة أن أفعل أي شيء، لكن انقذوني أرجوكم!"
أشار قصير القامة إلى رفيقيه فارعي الطول، فَكَّ قيودها الأول، والثاني حملها على كتفه، وركض الثلاثة بفردٍ جديد ينظم إلى مجموعتهم بحرصٍ وَحَذر.
وَلجوا الغابة إلا أن القصير استوقف سيرهم، وفيما ينظر حوله قال.
"لحظة! أحدهم يتبعنا!"
سُرعان ما خرج رِجال كُثر من خلفِ الهِضاب والتِلال، لكن القصير ابتسمت عيناه من خلف اللِّثام ونبس.
"نجحت الخُطة، فلنحظى ببعضِ المرح!"
أخرج الثلاثة سيوفهم، وأما الذي يحمل الفتاة على كتفه، فوضعها أسفل جِذع شجرة، وخلع سُترته ليضعها عليها.
عينان حادّة كنصل السيف الذي يحمله بيده، قلبها ينبض بجنون، لا شك أنه الخوف من حرارة هذهِ اللحظة، لكن تلك العينان جميلتان؛ مُهيبتان، وتشعرانِها بالآمان.
خرجت صرخة من ثغر الفتاة عندما اندلعت حرب سيوف وأسهم، فلقد خرج من العدم رجال يدعمون الثلاثة الذين أنقذوها، وكان قِتالًا حاميَّ الوَطيس أسفر عن مَقتل المجموعة الصغيرة من الرجال المُلثَّمين التي باغتتهم.
حملها الرجل عينه على كتفه، وجرى الجميع بين شجر الغاب الكثيف حتّى وصلوا ثغرًا لهم في قعرِ كهف.
حطّها الرجل أرضًا، ونادى إحداهنّ من الداخل، ظنَّت أنها المرأة الوحيدة هُنا، لكن ذلك لم يَكُ صحيحًا هُناك الكثير من النِّساء هُنا.
خلع الرجل ذا العينين الحادّة لِثامه، فرأت وجهًا مِثل البدر مُنير مُهيب ووسيم، تكاد لفرط وسامته أن تتأمله بلا إنقطاع، وها هي تفعل.
له شعر أسود كما الليل، يترامى على كتفيه ويصل حتى حدود صدرِه، تترامى بعض الخُصَل كغُرّة على جبهته وصدغيه، شاحب البشرة، جميل الوجه، طويل الجذع، ومفتول الجسد.
وحينما تحدث صوته المُفعم بعُمقٍ خلّاب، وحِدة وخشونة بالغة الرجولة، أذاب شِعاب الخوف في صدرها، وشعرت بالأمن والإمتنان.
"أنتِ هُنا بخير يا آنسة، سيقدمنَّ لكِ النِّساء هُنا الطعام، وثياب جديدة، وفراشٍ وثير، ومياه لتغتسلي، ارتاحي اليوم، وغدًا نتكلَّم"
تمسَّكت بمعصمه قبل أن ينهض، فنظر إلى موضع يدها، حينها سحبتها بحرج ونبست.
"شُكرًا لك!"
تبسَّم لها وأومئ، ثم نهض على عُقبيه، وابتعد عنها يلحق الشابين، الذي ظهر من البداية معهما حينما حررها من شجرةِ العار.
.....
في اليوم الموالي؛ وبعدما إرتاحت الفتاة؛ إذ ما قَصَّرنَ النِّسوة بِخدمتها، وَلجت إلى غُرفة ضِمن الكهف العظيم، لم تَظن أن هذا المكان يتضمَّن كهف عظيم بهذا الحجم، يستعمره مجموعة تجهل من هُم، ويستخدمونه كمَقر لهم.
أما الغُرفة التي وَلجتها فتتضمن طاول خشبية طويلة تنطوي على عشر كراسٍ، وما حولها يقع صولجان مُضيء ومصابيح تَعمل على الزيت مُعلّقة على الجدران.
كانت تجلس وحدها في الحُجرة حتى دَخل الثلاثة رِجال من الأمس بلا ألثمتهم، دخل الرجل الشاب ذا العينين الحادّة، ثم شاب أسمر ذا شعر بُندُقي يتبعه.
كذلك هذا الرجل الشاب مُعتبر الطول لكنه أقل طولًا من الشاحب بقليل، ملامحه وسيمة بطريقة مُثيرة، جسده ممشوق وبشرته سمراء صافية.
ثم دخل قصير القامة، لكنه ما كان قصير بالفعل، بل هي أساءت الظن، إنها إمرأة تتقلد ثياب الرِجال القِتالية المُعتِمة، تحمل على ظهرها سِهامًا، وعلى خصرِها سيف، وعلى صدرها دِرعًا.
كانت تنتعل نَعل رِجال، تلبس كالرِّجال، لكن هذا الوجه الذي يُقطّر أنوثة رغم قسوة حياة الكهف، وصوتها الذي تدفّق إلى سمعها كرنّات ناعمة؛ أعلمها أن هذا القصير هو إمرأة مُعتدلة الطول.
ربضت بين الرجلين وقِبالة الفتاة الوحيدة.
"أنا كيم هيريم، وهذان أخوايّ، سيهون وجونغ إن"
أومأت الفتاة برأسها تنظر بين الثلاثة، إلا أن التي تُدعى هيريم أشارت إلى الرجل، الذي يحرس باب الحُجرة، فأتى ووضع بيدها ورقة ثم عاد إلى مَكانه.
جعلت هيريم تفتح الورقة، وبعدما قرأتها طوتها وأعطتها لأخيها الأسمر، الذي وضع الورقة بدوره في خزانة صغيرة ضمن الغرفة، عليها قُفل.
شابكت هيريم أصابعها فوق الطاولة واتبعت القول.
"آنسة كيم جاهي، إبنة النبيل كيم سي ري، والدكِ اتهم بالخيانة العُظمى، لذا تم قتله وكل أفراد عائلتك من الشيوخ، سُبيّ البقيّة، أنتِ إلى بيت المحظيّات وأخوكِ أصبح عبدًا يعمل بصِناعة السُفن؛ أليس كذلك؟!"
أومأت جاهي فيما تقطر عيناها دموع، وتعض على أصابعها براحتها بكبرياء.
"سنجد أخاكِ"
تفتَّحت أسارير الفتاة إلا أن رفعت هيريم سبّابتها تشترط.
"بشرط... أن يبقى كِلاكما هُنا، وتعملان معنا"
سُرعان ما أومأت الفتاة برأسها تقول.
"لا بأس معي بأي شيء... انقذوا أخي رجاءً"
أحنى سيهون جِذعه مُقتربًا من الطاولة، عقد كفّيه فوق الطاولة، وبأعين حادّة بطبيعتها وحاجبين مُنقبضين أعلم الفتاة.
"سيخرج أحدنا اليوم، ويحضر أخاكِ أينما كان مكانه، لكن عليكِ أن تعلمي من نحن أولًا، فلا أتكبد عَناء إحضاره فناءً"
"حسنًا من أنتم؟!"
الشاب الأسمر من تحدث هذه المرة، لكنه كان واثقًا مُغترًّا، له مزاج ساخر عكس أخيه الشاب ذا المزاج الحاد والحازم.
إذ إرتفع شِدقه بإبتسامة فيما يرمُقها بمُتعة، يبدو أن يَجد مُتعته بهذا المكان، عبر حياة الإثارة والجِبال التي يعيشها.
"نحن مجموعة من الهاربين، يقولون عنّا مُتمرِّدين، مُخرِّبين، أو حتى قَتلة، الآن نحن نمنحكِ الحُرّية بتصديق ما تشائين، نحن أم الناس، وعلى أساس ما تصدِّقينه سنُقرر إن كُنا سنُحضِر أخاكِ أم لا."
الفتاة بدت متوترة، لذا أخذت نفسًا عميقًا وأومأت، هي لا تملك الخيار كما يقول بأن تَثق أو لا تَثق، لن تُضيّع فرصة ان تستعيد أخيها حتى لو كان الأمر على رِهان.
"أحضروا أخي، وسنعمل لديكم فيما شئتم طالما العمل معكم سيحفظ لنا أعراضنا وكرامتنا"
سيهون قال مُحذِّرًا فيما يرفع حاجبه.
"قد لا يحفظ لكم حياتكم"
أومأت جاهي تتنهد، وقالت فيما تُخفِض رأسها إلى أصابعها في حِجرها.
"لا بأس، حِفظ الكرامة والعِرض أهم من حفظ الحياة، هكذا علّمنا أبي، تروح الحياة فِداء لنظافة اسمنا، وإلا ما اختلفنا عن الحيوانات بشيء"
برم جونغ إن شفتيه، ثم أومئ ينهض بعزيمة، فنهض من بعده إخوته، إذ قال لهم.
"سأذهب لإحضار أخيها، لن أُطيل عليكم الغياب"
ربَّتت هيريم على كتفه وقالت.
"سنكون على أهب الإستعداد إن طرأ شيء، لا تنسى أن تبعث لنا إشارتك"
"حسنًا"
ربّت سيهون على كتفه ثم خرج الثلاثة معًا، وبقيت هذه الفتاة وحدها تتخبط بين الإيمان بهم والكُفر.
أنهم مُشهوري السُمعة، الكل يخاف منهم والحكومة لا تجرؤ أن تقترب منهم، فهم ليسوا بضعة رجال، بل هم بأعداد هائلة، لم يقدر أحد على عَدِّهم جميعًا، مُنظمة من المُتمرِّدين محكوم عليهم بالإعدام غيابيًا.
فيما لا أحد يعلم سبب نشأة هذه المنظمة، ولا ما يفعلونه، لكنهم مشهورين بأعمالهم التخريبية، سِرقاتهم وقتلهم لبعض النُبلاء وبعض الناس من العامّة، لكن رغم ذلك ستثق بهم لقاء روح أخوها الثمينة.
وضعت رأسها على الطاولة تتنهد وهمست.
"أرجو أن يوفوا بوعدهم وأستعيد أخي"
................
خَرج جونغ إن كما يتوجَّب عليه وضِمن الخُطة التي وضِعَت لأن الوضع خَطِر كفاية، والخوض بالبحر ليس هيّن أبدًا.
تلثَّم جونغ إن مع بضعة من رجاله وذهبوا إلى المَرفأ؛ حيث يتم بناء السُّفن، تنكّر على أنه واحد من العُمّال المُشرفون على العبيد، وبحث بين العبيد على العبد الذي وصل حديثًا.
من أوصاف هذا الشاب وجهه المُفدّى؛ إذ لم يسخى أحد أن يقتله لحلاوة ملامحه؛ كما لو أنه مُبارك من الفردوس، أو أن الملائكة قَبَّلت وجنتيه، حتى أن الفضول ساورَ نفس جونغ إن؛ ليرى هذا العَبد صاحب الوجه الجميل.
حَصل على اسمه، وراح يسأل العبيد عنه، فأشاروا له أنه مَحبوس بعدما ضُرِب ضربًا مُبرحًا، فلقد عصى سيده، ورفض أن يُنعَت بالعَبد.
ولِحَظِّ هذا الفتى؛ فإن جونغ إن يُحب أن يخوض في مِثل هذا الغِمار، لذا لم يتردد أن يخوض في معركة لتحرير هذا الفتّى، حتى لو استلزمه الأمر قتل السجّانين والأسياد هُنا.
فالغاية تُبرر الوسيلة...
هَجم برجاله على السجّانين، ثم بعدما إنتصر عليهم، وتولّى رِجاله مَهمّة تكفيف أفواههم؛ فكّ جونغ إن الأصفاد عن الفتّى، وسحبه معه سريعًا إلى الخارج.
إلا أنه لسوء الحظ؛ وصل عدد كبير من الرجال كدعمٍ ضِد المجهولون، الذين ولجوا قعر السفينة.
فكَّ الفتى نفسه من يد جونغ إن وقال.
"اعطني سيفًا، سأُقاتل معكم!"
إرتفع حاجب جونغ إن، وأنارت إبتسامته شفتيه يقول.
"يُعجبني صوتكَ يا فتى!"
ألَحَّ الفتى في طلبه.
"لستُ فتيًّا إلى الحد الذي تتخليه، قد أكون في عُمرِكَ بالفعل، اعطني سيفًا"
اخرج جونغ إن سيفًا من على خصره وأعطاه أياه يقول.
"أُقاتل عادة باثنين، ولكن هاك سيفي الثمين، أرني قُدراتك!"
ظهر جونغ إن بظهر الفتى، كذلك بقيّة الرِجال، وإبتدأ قِتال حامٍ بين الطرفين هدفه النجاة، ولكن الطرف المُعادي كُثر، وكُلَّما قلّوا أتى فوج جديد منهم، لذا حِفاظًا على طاقةِ الرِّجال أمر جونغ إن بالإنسحاب.
هربوا بين أزِّقة السفينة، ورموا بأنفسهم في البحر قبل أن تتصيدهم الأسهم التي تتطاير في الهواء وتنغرس في المياه.
وبينما الجميع يسبح في عُمق مُتخطّين السهام؛ أشار جونغ إن إلى الميناء القريب، وأن يتبعوا الشُعلة الظاهرة على السطح حتى يبلغونها.
نفذت الأنفاس تحت المياه، وقرر جميع الرِجال -بلا تقرير- أن يصعدوا إلى السطح؛ لإشباع صدورهم.
إلتفت جونغ إن حوله بحثًا عن الفتى، وما إن أراد أن يغطس، ليرى إلى أين البحر إبتلعه، حتى ظهر الفتى يتنفس بقوة، وسُرعان ما بَرر إزاء نظرات جونغ إن الساخطة.
"لي طاقة تَحمُّل عالية"
تنهد جونغ إن بإستياء، وأشار للفتى أن يتَّبع الشُعلة كما البقيّة، هُناك حيث كانت تنتظر هيريم مُلثَّمة بفرسها مع ثُلَّة من الرِجال.
خرج الرِّجال جميعًا من المياه، وهيريم ترجّلت عن ظهر فرسها، واقتربت من أخيها تقول.
"أنتَ بخير؟!"
جونغ إن تبسَّم وربَّت على رأسها يقول.
"بخير صغيرتي!"
أبعدت يده عنها بأستياء فاسترسل بالضحك، فهو يعلم أنها تكره أن يناديها بهذا اللقب، الذي يُقلل من هيبتها وواجهتها أمام الرجال، لكنه مُصِر أن يُثير سَخطها عليه، حينها صعدت على ظهر فرسها تقول.
"أين الفتى؟"
فظهر الفتى من خلف الرجال يرفع يده بلطافة قائلًا.
" ها أنا!"
مَدَّت يدها له، وأعانته ليصعد الفرس معها، أصبح على فرسها يجلس خلفها، ويشتم رائحة زهرة الكرز التي تفوح من عُنقها.
أنه ليس الموقف المُناسب قط، لكن؛ كيف لفتاة ترتدي ثياب الرجال أن يكون لها هذا الصوت الجميل، والوجه الناعم، وتلك الرائحة الأُنثويّة؟!
تحمحم مُحرجًا من تفكيره، وهي حرَّكت الفَرس تَحكي لأخيها.
"أنا سآخذ الفتى، وأنتَ اتبعني، سنجد سيهون ينتظرنا في مدخل الغاب، فلنعطه إشارة قبل أن نمضي"
حينها انطلق من قفص يحمل إحدى الرجال حمام زاجل يحمل معه رسالة لسيهون.
سارت المسيرة بحذر وهدوء بعيدًا عن الطُّرق الرئيسة، كانت هيريم تتمسَّك باللِّجام، والفتى خلفها يتمسّك بأطراف ثيابها، حينها بنبرة هادئة أمرته.
"احِط خصري بذراعيكَ، وتمسّك بي جيدًا دون أن يروح تفكيركَ بعيدًا، لأنني حينها لن أترككَ تبقى رجلًا، سأُفضِّل أن أخصيك!"
شعر بالحرج الشديد والخوف أيضًا، أطاعها إذ تمسَّك بخصريها بذراعيه ونبس.
"لستُ أفكر بطريقة غير سويّة آنستي"
وَصَلت الجماعة مَدخل الغاب، ثم بحراسةٍ مُشدَّدة من سيهون ورجاله؛ وصلوا ثغر الكهف بأمان.
هُناكَ حيث رأت جاهي، التي تنتظر على نار، أخاها يجلس خلف القائدة هيريم، كما يدعونها هنا.
هَرعت إلى الفرس الذي يركبه، وهو ما إن رآها إمتلئت عيناه بالدموع، ترجّل عن الفرس قبل أن يُشَدَّ لِجامه، وركض إلى أُخته التي تتهواى أرضًا، وهي تَفجَّ ذراعيها لتضمه فيهما.
"عزيزي تايهيونغ!"
ضمّها أخوها أخيرًا، وأقام عودها يحتضنها بين زِنديه بقوّة، بكت بين يديه وبكى بين يديها.
سيهون تأثر فأشاح ببصره عنهما ومضى إلى الداخل، وهيريم أدمعت عيناها، ثم مسحت دموعها وهي تشتم نفسها قبل أن تتبع أخيها، وجونغ إن كان يحتضن كفيه إلى صدره ويبتسم إبتسامة واسعة.
لقد رأوا مثل هذه اللهفة كثيرًا في عيون من سبقوا هؤلاء الشقيقين بالوصول إلى هنا، لكن كل مرة مثل أول مرة، لأنهم يذكِّرونهم بأنفسهم في حِقبة قديمة من الزمن.
ترجّل جونغ إن عن حصانه، واقترب من الشقيقين يقول.
"النِّسوة هنا سيقدمنَ لك الطعام والشراب، بعض الأدوية، مياه لتغتسل، وفراش وثير، ارتح اليوم وسنجتمع غدًا"
نظر جونغ إن إلى جاهي وأخبرها.
"اشرحي لأخيكِ الوضع هنا قبل أن نجتمع"
أومأت جاهي، ثم انصرف جونغ إن ليُدير شؤونه فيما الشقيقان يحظيان بوقتٍ خاص معًا.
...................
في اليوم الموالي؛ وفي ذات الحُجرة التي تُضيء بصولجان يقبع خلف مكان جلوس القادة الثلاث، وبمصابيح زيتيّة مُعلّقة قُربَ الجُدران، وعلى ذات الطاولة؛ إجتمع الشقيقان بإنتظار القادة الثلاث.
وَلجوا بعد وقت ولم يطل إنتظار الشقيقان، جاهي أخبرت تايهيونغ عمّا تعمله، وكلاهما لا بشعران بالإرتياح الآن، لأن هُناك كلام دائر بين المُنظَمّين الجُدد حول صعوبة المُهِمّة التي ستُعلن عنها القيادة قريبًا.
قيل أنها تتعلق بالقصر الملكي بالفعل، والشقيقان هنا يخشيان أنها مهمة لأغتيال الملك، فضمن ممالك جوسون جميعًا؛ مَلكهم الأقوى، ويَحكم أقوى مملكة في جوسون، يوان العظيمة.
لذا الشقيقان يفكران لو أن تخمينهم صحيح؛ فالموت مصيرهم لا مَفر.
أغلقوا بابًا على تخميناتهم عندما ضربت هيريم بكفها على الطاولة تقول.
"هل أنتم هُنا؟!"
نظر كلاهما في بعضهما ثم هزّا رأسيهما بإيجاب، حينها تراخت هيريم على مقعدها، ثم عقدت ساعديها إلى صدرها تقول.
"الآن أنتم كلاكما هُنا، مُقابل الأمن، والتموين، والمأوى عليكم أن تعملوا معنا، إن انضممتم لنا سنسعى إلى تخليص حقوقكم الماديّة من سارقينها، كذلك سنثبت براءة والديكما وألا يمكنكما المُغادرة بعد المُهمّة الأولى"
تايهيونغ تمسّك بيد أخته ونبس.
"سأنضم أنا، لكن لا تُشركوا أختي في أمور خطيرة، وتضع حياتها على المحك"
هيريم أجابته ترفع حاجبًا.
"للنساء لدينا عمل عليهنّ القيام به، وللرجال عملهم"
أشارت إلى جاهي بسبّابتها، ثم أشارت عليه.
"هي ستنضّم إلى النساء، وأنت ستنضّم لنا، لذا كلاكما إستعدا للتدريب لأجل المُهِمّة الأولى، ستبدأ تدريباتكم غدًا"
تايهيونغ بنبرة منخفضة ومُهذَّبة سأل.
"هل يمكن أن أعلم ما هي المُهِمة الأولى؟"
هيريم أومأت برأسها تُجيب.
"هناك مُخطط إنقلاب دائر في القصر الملكي، والملك غافل عنه، نحن نسعى أن نحفظ حياته"
تايهيونغ استنكر بشدة.
"إنقلاب ضد الملك، ونحن بمُهِمّة لحفظ حياته، حقًا؟!"
سيهون عاقدًا حاجبيه تسآل.
"ولِمَ أنت مُتفاجئ؟!"
"ظننتُ أننا في مهمة لإغتياله!"
ضربت هيريم بعصبية سطح الطاولة براحتها ونبست.
"ولِمَ نقتُل ملكًا صالِحًا؟!"
تكسَّرت ملامح تايهيونغ بالأستياء وقال.
"لِمَ علينا أن نحفظ حياة ملك لا يهتم لحياتنا، ويغظَّ بصره عن الظُّلم الدائر بين الناس والإتهامات الباطلة؟!"
سيهون أجابه بنبرة هادئة شحيحة المشاعر.
"لا تحمل في نفسك ضغائن شخصيّة ضد الملك، عمل التنقيب عن الخونة ليس عمله مباشرةً."
إرتفع شدق هيريم بإبتسامة ساخرة تقول.
"نحن محكوم علينا بالإعدام شنقًا، وخِتم الملك على وثيقة الحُكم، رغم ذلك سنضع حياتنا على المحك لإنقاذه... فمن أنت لتعترض؟"
كانت ترمق تايهيونغ بحاجبين عاليين، فتنهد واخفض رأسه يقول.
"لا أريد أن أشارك معكم في هذه المُهِمّة"
هيريم حرّكت كتفيها تُجيبه.
"للأسف لا خيار لك بالإنضمام أو عدمه، المُهِمة الأولى هي دَين تردونه لنا، نحن أنقذناكم أنتم عليكم أن تنفذوا لأجلنا مهمة، وما إن تتكلَّل مهمتنا بالنجاح يمكنكم المُغادرة إلى الأبد أو البقاء إلى الأبد"
وقفت هيريم تضع السيف على خصرها وقالت.
"لم يدخل أحد إلى هنا وفَضَّل الخروج على البقاء لدينا، فكِّروا بحكمة بينما تتجهزوا للمُهِمّة الأولى"
خرجت هيريم وحدها، ثم نهض سيهون بعدها يُخبرَهُم.
"لا تحاولوا القيام بشيء غبي كالهروب، لن تخطوا خارج الكهف أحياء، الفِخاخ في المنطقة كثيرة، وتعمدنا أن نجعلها فتّاكة"
غادر سيهون كذلك بعدما بثّ الرعب في نفس تايهيونغ وجاهي، إلا أن جونغ إن أشار إلى وجه تايهونغ وقال.
"أنتَ لست وسيمًا كما وصفوك!"
تنهدت جاهي وتمسَّكت بيد أخيها تُبرر.
"سترى وجهه عندما تطيب جروحه وكدماته، أنه أخي المُفدى بوسامته وطلّته البهيّة!"
شدَّ تايهيونغ على يد أخته؛ كي تكف عن مدح خِلقتِه المُشوّهة حاليًا، أما جونغ إن فبرم شفتيه بأستياء ونهض يقول.
"حسنًا، هنيئًا لكِ بأخيكِ ذا الوجه المُفدى أيتها الآنسة المجنونة!"
........
وأما حيثُ المَلِك؛
فالقصر رَبيعيّ مُزهِر وفَخم جدًا، كان الملك يسير في جولةٍ صباحيّة في أنحاء القصر، يخلفه ثُلّة من خَدَمه، كذلك زِندِه الأيمن الوزير الشاب جيون جونغكوك.
"مولاي؟"
همهم الملك الذي يتقدمه في المَسير، فاتبع.
"سمعتُ أن الأمير تشانيول قد نَجح بضم مملكة سيلا إلينا"
أومئ الملك يقول.
"بعث لي أنه عائد إلى القصر، رِحلته ستستغرق عِدةِ أيام"
همهمَ الوزير فيما يشعر بالأرتياب والقلق، فبعضِ الأمور لا تسير كما يَجِب، والملك هنا لا يعرف شيء، كذلك الوزير جيون ليس مُتأكدًا من شكوكه، لكنه فَضَّل أن يُخبر الملك بشكوكه على أن تبقى عالقة في نفسه، فهما صديقان مُقرَّبان، لا بأس لو أخبره بصفته صديقه، لا ملك ووزيره.
"جلالتك، أُيمكننا أن نتحدث على إنفراد؟"
إلتفت الملك له وقال.
"بالطبع، فلنفعل"
أشار الملك إلى موكبه ألا يتبعونه، ثم سار بوزيره حتى الترّاس القريب، جلس الملك في مكانه، وجلس وزيره قِبالته.
"أخبرني، ما هي المُشكلة؟"
أخفض الوزير بصره إلى راحتيه التي يفركهما ببعض، فعلم بيكهيون أن صديقه متوتر، فهذهِ عادته عندما يَشعُر بالتوتّر.
"أريد أن نتحدث بصفتنا صديقان"
أومئ بيكهيون فاتبع جونغكوك قائلًا.
"أشعرُ أن هُناك أمرًا يُحاك بالخفاءِ عنّا، ولا أدري ما هو"
بيكهيون أجابه.
"أمرًا يُحاك ضِدنا؟!"
أومئ جونغكوك فاسترسل بيكهيون فيما يعقد حاجبيه.
"مثلَ ماذا؟"
تنهد جونغكوك يُجيب.
"لا أدري بالضبط ما هو، لكنّي أشُك بخيانة عُظمى"
أسهب بيكهيون في التفكير بصمت، أعداءه كُثر، أكثر من أصدقاءه، والخَونة كُثر، والمُتخفّينَ في بلاطه باسم الولاء له وهُم خونة لا يمكنه حصرهم، لذا الخيانة قد تأتيه من أي مكان.
"ابحث في الأمر، وأؤمر بتشديد الحراسة على القصر والعاصمة"
"أمرُك مولاي"
"أبي!"
إلتفت بيكهيون كذلك جونغكوك ناحية صوت الطفل الذي يصرخ ببكاء، بيكهيون ضحك فيما صغيره يقفز عليه؛ ليختبئ في كُنفه عن مُربّيته وبعض الخادمات.
أشار لهنّ الملك بأن ينصرفن، وضلَّ الصبي يختبئ في كُنف والده حتى إبتعدنَ النِّسوة، رَفع الصبيّ عن رأسه تاجه الصغير ورماه بسخط أرضًا، وعاد ليختبئ في حُضن والده قائلًا.
"أبي أنا لا أريد أن أصبح ملكًا، لِمَ تجبروني؟!"
إرتفع حاجب بيكهيون مُستمتعًا، ورفع طفله عن صدره يقول.
"لَكنَّكَ نَجلي الأكبر، وعليك أن تكون ولي العهد لهذهِ الأُمّة"
اعترض الطفل يقول.
"لِمَ لا تكون بيكهي ولي العهد، أو جيهان، هُنَّ أكبر مني سنًا!"
ضحك جونغكوك كذلك بيكهيون، ليشاكس أنف ولده بسبّابته يقول.
"لكن هُنَّ إناث رقيقات، لا يصلح أن يَكن خليفاتي، أنتَ خليفتي بما أنكَ رجل"
ترامى الطفل على زِند أبيه ونبس مُتحسِّرًا.
"يا ليتني أُنثى!"
ضحك جونغكوك وربّت على رأس الصغير، لكنه عندما رأى الملكة الأُم تقترِب رفع يده عن رأس الصغير، ووقف لينحني لها، لكن الملكة تجاوزته ببرود، واقتربت من الملك تقول.
"جلالتك، عليَّ أن آخذ سموّ ولي العهد ليحضر دروسه"
غرق الأمير الصغير بكُنف أبيه رافضًا، حينها قال بيكهيون.
"اليوم الأمير لي جون في عُطلة"
"لكن مولاي..."
رفع بيكهيون بصره إلى زوجته الثالثة، ورمقها بعينٍ حاسمة فأنحنت له وغادرت، لأنها تدري لو تكلم الآن لن يَحلَّ على رأسها خيرًا أبدًا.
قفز الأمير لي جاي بحضن أبيه فيما يهتف.
" يحيا الملك!"
للملك خمسة أطفال من ثلاث ملكات، إذ يَحق للملك أن يتزوج بسبعةِ نساء يسميهنّ ملكات؛ لحفظ نسل العِظام المُقدَّسة، وبإثنا عشر محظيّة من الآنسات بنات العائلات المرموقة؛ لتوثيق العلاقات بين الملك وحُلفائه، كذلك يستطيع أن يحصل على عدد لا محدود من المحظيات، اللواتي هُنَّ هدايا، عبيد، أو أسيرات حرب.
لكن الملك بيكهيون رُزِقَ بمولودٍ ذكر واحد، وبقية أطفاله من الإناث، وذلك ما جعله يرفع ابنه الوحيد إلى العرش بصفتِهِ ولي العهد.
لكن هذا ما أسرَّ الأمير تشانيول ابن عم الملك وأخ زوجته، وزوج أخته، فقد طمع بهذا المنصب للمزيد من السُلطة السياسية، لكن الملك جرَّده منها وسلمها لطفلٍ صغير ما زال يبكي ويُبلل فِراشه.
ومن هُنا أتى غضب الأمير والجينرال الاول في المملكة.
.....................
يُتبَع...
الفصل الأول "سياسة التَّمرُّد"
الرواية التاريخيّة "العنقاء||The King's Return"
.......................
سلاااااااااااااام
أخيرًا روايتي الحلوة أبصرت الضوء👏👏👏
طبعًا كما سبق وذكرت أنه الفكرة الرئيسة للرواية لملكة الواتباد كامي، لكن ما ممكن تحسوا أنها محروقة عليكم أو تتوقعوا الأحداث، لأنو فكرة كامي معجونة بألف فكرة ثانية من تأليفي... سو دونت ووري.
الرواية بطولة بيكهيون طبعًا، لكن الشخصيات، العلاقات، والأحداث زخمة جدًا، كما أن الرواية تتناول معلومات وأحداث حقيقيّة.
مملكة يوان مش ضمن كوريا حاليًا، هي ضمن الصين، وهي مملكة صينيّة مغوليّة، لكنهم كانت ضمن ممالك جوسون وكلهم يحكوا لغة وحدة إلي هي الكوريّة.
طبعًا ادعموا الرواية، وامنحوها الكثيييييير من الحُب لأنها تستحق، تصويت، تعليق، وخبروا أصحابكم المُهتمّين.♥️
الفصل القادم بعد 80فوت و80كومنت.
1.رأيكم بشخصية البطلة هيريم؟
2.رأيكم بشخصيات سيهون وجونغ إن المُتناقضة -سيهون الجاد نيني المرح-؟
3.رأيكم بشخصيات الشقيقان تايهيونغ وجاهي؟
4.شخصية الملك الفخم بيكهيون ووزيره جونغكوك؟
5.رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للفصل القادم؟
دُمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
بَطل:
العنقاء|| The King's Return
"سياسة التًّمرُّد"
في قاعِ ليلةِ مُدلَهِمّة والسماءُ كامِدة؛ أمام دار المَحظيّات؛ هُناك شجرة تجاوز عُمرها العشرات من السِّنين، لكنها عاريّة من ثوبها الأخضر؛ بما أنه ربيع.
يَلتفُّ حول الشَّجرة حَبلًا، وبالحبلِ مُقيَّدة فتاة، على جَبهتِها جرحٌ داميًّا، وعلى جسدها ثوبها الداخليّ فقط، وقد تَجرَّدت دون رغبتها من زيّ الهانبوك، الذي كان يسترها، ويُظهر أصلها النبيل.
كانت تبكي لكن صامدة، ترجو أن يبعث الرّب لها من ينقذها، ولا تهلك على شجرة العار -كما يدعونها-، أو تدخل هذهِ الدّار المُدنَّسة؛ فيتدنَّس جسدها بعدما تَدنَّس اسم عائلتها.
وهُناك فوق التَّل يقف ثلاثة أشخاص، الأوسط قصير، والذين يحاذيانه فارعي الطول، ثلاثتهم مُلثَّمين، يحملون حِبالهم وعُصيَّهُم في أجيادهم.
كان الأوسط يضرب بعصاه في راحته بينما يُحدِّث شُركاءه.
"صيدٌ جديد! علينا أخذه يا شباب!"
الشّابين بجانبه أومئا موافقين.
نَزَل ثلاثتهم عن التلَّة بخفةِ وحذر، واقتربوا من شجرةِ العار، التي لطالما رَبطوا عليها الفتيات الآبيات أن يكُنَّ محظيّات، يَبعن أجسادهنّ، ويتعلمن الفنون الخليعة، وصَبّ الخمر في كؤوس الرِّجال.
أحاط الثلاثة الشجرة، ودقَّ قصير القامة ذراع الفتاة التي غَفت بأصابعه فأستفاقت، وما إن رأت هاتِه العينين المُسبلتين خلف اللِّثام شهقت، لكن سُرعان ما كتم قصير القامة على فاهها وقال.
"إلزمي الصَّمت!
إن أردتِ أن نَنقذكِ من هذا المكان سنفك قيودك ونأخذكِ معنا، وإلا ابقي هُنا"
سُرعان ما نَفت الفتاة برأسها، وقالت.
"ما دُمتَ لن أُقدِّم جسدي، فأنا مُستعدة أن أفعل أي شيء، لكن انقذوني أرجوكم!"
أشار قصير القامة إلى رفيقيه فارعي الطول، فَكَّ قيودها الأول، والثاني حملها على كتفه، وركض الثلاثة بفردٍ جديد ينظم إلى مجموعتهم بحرصٍ وَحَذر.
وَلجوا الغابة إلا أن القصير استوقف سيرهم، وفيما ينظر حوله قال.
"لحظة! أحدهم يتبعنا!"
سُرعان ما خرج رِجال كُثر من خلفِ الهِضاب والتِلال، لكن القصير ابتسمت عيناه من خلف اللِّثام ونبس.
"نجحت الخُطة، فلنحظى ببعضِ المرح!"
أخرج الثلاثة سيوفهم، وأما الذي يحمل الفتاة على كتفه، فوضعها أسفل جِذع شجرة، وخلع سُترته ليضعها عليها.
عينان حادّة كنصل السيف الذي يحمله بيده، قلبها ينبض بجنون، لا شك أنه الخوف من حرارة هذهِ اللحظة، لكن تلك العينان جميلتان؛ مُهيبتان، وتشعرانِها بالآمان.
خرجت صرخة من ثغر الفتاة عندما اندلعت حرب سيوف وأسهم، فلقد خرج من العدم رجال يدعمون الثلاثة الذين أنقذوها، وكان قِتالًا حاميَّ الوَطيس أسفر عن مَقتل المجموعة الصغيرة من الرجال المُلثَّمين التي باغتتهم.
حملها الرجل عينه على كتفه، وجرى الجميع بين شجر الغاب الكثيف حتّى وصلوا ثغرًا لهم في قعرِ كهف.
حطّها الرجل أرضًا، ونادى إحداهنّ من الداخل، ظنَّت أنها المرأة الوحيدة هُنا، لكن ذلك لم يَكُ صحيحًا هُناك الكثير من النِّساء هُنا.
خلع الرجل ذا العينين الحادّة لِثامه، فرأت وجهًا مِثل البدر مُنير مُهيب ووسيم، تكاد لفرط وسامته أن تتأمله بلا إنقطاع، وها هي تفعل.
له شعر أسود كما الليل، يترامى على كتفيه ويصل حتى حدود صدرِه، تترامى بعض الخُصَل كغُرّة على جبهته وصدغيه، شاحب البشرة، جميل الوجه، طويل الجذع، ومفتول الجسد.
وحينما تحدث صوته المُفعم بعُمقٍ خلّاب، وحِدة وخشونة بالغة الرجولة، أذاب شِعاب الخوف في صدرها، وشعرت بالأمن والإمتنان.
"أنتِ هُنا بخير يا آنسة، سيقدمنَّ لكِ النِّساء هُنا الطعام، وثياب جديدة، وفراشٍ وثير، ومياه لتغتسلي، ارتاحي اليوم، وغدًا نتكلَّم"
تمسَّكت بمعصمه قبل أن ينهض، فنظر إلى موضع يدها، حينها سحبتها بحرج ونبست.
"شُكرًا لك!"
تبسَّم لها وأومئ، ثم نهض على عُقبيه، وابتعد عنها يلحق الشابين، الذي ظهر من البداية معهما حينما حررها من شجرةِ العار.
.....
في اليوم الموالي؛ وبعدما إرتاحت الفتاة؛ إذ ما قَصَّرنَ النِّسوة بِخدمتها، وَلجت إلى غُرفة ضِمن الكهف العظيم، لم تَظن أن هذا المكان يتضمَّن كهف عظيم بهذا الحجم، يستعمره مجموعة تجهل من هُم، ويستخدمونه كمَقر لهم.
أما الغُرفة التي وَلجتها فتتضمن طاول خشبية طويلة تنطوي على عشر كراسٍ، وما حولها يقع صولجان مُضيء ومصابيح تَعمل على الزيت مُعلّقة على الجدران.
كانت تجلس وحدها في الحُجرة حتى دَخل الثلاثة رِجال من الأمس بلا ألثمتهم، دخل الرجل الشاب ذا العينين الحادّة، ثم شاب أسمر ذا شعر بُندُقي يتبعه.
كذلك هذا الرجل الشاب مُعتبر الطول لكنه أقل طولًا من الشاحب بقليل، ملامحه وسيمة بطريقة مُثيرة، جسده ممشوق وبشرته سمراء صافية.
ثم دخل قصير القامة، لكنه ما كان قصير بالفعل، بل هي أساءت الظن، إنها إمرأة تتقلد ثياب الرِجال القِتالية المُعتِمة، تحمل على ظهرها سِهامًا، وعلى خصرِها سيف، وعلى صدرها دِرعًا.
كانت تنتعل نَعل رِجال، تلبس كالرِّجال، لكن هذا الوجه الذي يُقطّر أنوثة رغم قسوة حياة الكهف، وصوتها الذي تدفّق إلى سمعها كرنّات ناعمة؛ أعلمها أن هذا القصير هو إمرأة مُعتدلة الطول.
ربضت بين الرجلين وقِبالة الفتاة الوحيدة.
"أنا كيم هيريم، وهذان أخوايّ، سيهون وجونغ إن"
أومأت الفتاة برأسها تنظر بين الثلاثة، إلا أن التي تُدعى هيريم أشارت إلى الرجل، الذي يحرس باب الحُجرة، فأتى ووضع بيدها ورقة ثم عاد إلى مَكانه.
جعلت هيريم تفتح الورقة، وبعدما قرأتها طوتها وأعطتها لأخيها الأسمر، الذي وضع الورقة بدوره في خزانة صغيرة ضمن الغرفة، عليها قُفل.
شابكت هيريم أصابعها فوق الطاولة واتبعت القول.
"آنسة كيم جاهي، إبنة النبيل كيم سي ري، والدكِ اتهم بالخيانة العُظمى، لذا تم قتله وكل أفراد عائلتك من الشيوخ، سُبيّ البقيّة، أنتِ إلى بيت المحظيّات وأخوكِ أصبح عبدًا يعمل بصِناعة السُفن؛ أليس كذلك؟!"
أومأت جاهي فيما تقطر عيناها دموع، وتعض على أصابعها براحتها بكبرياء.
"سنجد أخاكِ"
تفتَّحت أسارير الفتاة إلا أن رفعت هيريم سبّابتها تشترط.
"بشرط... أن يبقى كِلاكما هُنا، وتعملان معنا"
سُرعان ما أومأت الفتاة برأسها تقول.
"لا بأس معي بأي شيء... انقذوا أخي رجاءً"
أحنى سيهون جِذعه مُقتربًا من الطاولة، عقد كفّيه فوق الطاولة، وبأعين حادّة بطبيعتها وحاجبين مُنقبضين أعلم الفتاة.
"سيخرج أحدنا اليوم، ويحضر أخاكِ أينما كان مكانه، لكن عليكِ أن تعلمي من نحن أولًا، فلا أتكبد عَناء إحضاره فناءً"
"حسنًا من أنتم؟!"
الشاب الأسمر من تحدث هذه المرة، لكنه كان واثقًا مُغترًّا، له مزاج ساخر عكس أخيه الشاب ذا المزاج الحاد والحازم.
إذ إرتفع شِدقه بإبتسامة فيما يرمُقها بمُتعة، يبدو أن يَجد مُتعته بهذا المكان، عبر حياة الإثارة والجِبال التي يعيشها.
"نحن مجموعة من الهاربين، يقولون عنّا مُتمرِّدين، مُخرِّبين، أو حتى قَتلة، الآن نحن نمنحكِ الحُرّية بتصديق ما تشائين، نحن أم الناس، وعلى أساس ما تصدِّقينه سنُقرر إن كُنا سنُحضِر أخاكِ أم لا."
الفتاة بدت متوترة، لذا أخذت نفسًا عميقًا وأومأت، هي لا تملك الخيار كما يقول بأن تَثق أو لا تَثق، لن تُضيّع فرصة ان تستعيد أخيها حتى لو كان الأمر على رِهان.
"أحضروا أخي، وسنعمل لديكم فيما شئتم طالما العمل معكم سيحفظ لنا أعراضنا وكرامتنا"
سيهون قال مُحذِّرًا فيما يرفع حاجبه.
"قد لا يحفظ لكم حياتكم"
أومأت جاهي تتنهد، وقالت فيما تُخفِض رأسها إلى أصابعها في حِجرها.
"لا بأس، حِفظ الكرامة والعِرض أهم من حفظ الحياة، هكذا علّمنا أبي، تروح الحياة فِداء لنظافة اسمنا، وإلا ما اختلفنا عن الحيوانات بشيء"
برم جونغ إن شفتيه، ثم أومئ ينهض بعزيمة، فنهض من بعده إخوته، إذ قال لهم.
"سأذهب لإحضار أخيها، لن أُطيل عليكم الغياب"
ربَّتت هيريم على كتفه وقالت.
"سنكون على أهب الإستعداد إن طرأ شيء، لا تنسى أن تبعث لنا إشارتك"
"حسنًا"
ربّت سيهون على كتفه ثم خرج الثلاثة معًا، وبقيت هذه الفتاة وحدها تتخبط بين الإيمان بهم والكُفر.
أنهم مُشهوري السُمعة، الكل يخاف منهم والحكومة لا تجرؤ أن تقترب منهم، فهم ليسوا بضعة رجال، بل هم بأعداد هائلة، لم يقدر أحد على عَدِّهم جميعًا، مُنظمة من المُتمرِّدين محكوم عليهم بالإعدام غيابيًا.
فيما لا أحد يعلم سبب نشأة هذه المنظمة، ولا ما يفعلونه، لكنهم مشهورين بأعمالهم التخريبية، سِرقاتهم وقتلهم لبعض النُبلاء وبعض الناس من العامّة، لكن رغم ذلك ستثق بهم لقاء روح أخوها الثمينة.
وضعت رأسها على الطاولة تتنهد وهمست.
"أرجو أن يوفوا بوعدهم وأستعيد أخي"
................
خَرج جونغ إن كما يتوجَّب عليه وضِمن الخُطة التي وضِعَت لأن الوضع خَطِر كفاية، والخوض بالبحر ليس هيّن أبدًا.
تلثَّم جونغ إن مع بضعة من رجاله وذهبوا إلى المَرفأ؛ حيث يتم بناء السُّفن، تنكّر على أنه واحد من العُمّال المُشرفون على العبيد، وبحث بين العبيد على العبد الذي وصل حديثًا.
من أوصاف هذا الشاب وجهه المُفدّى؛ إذ لم يسخى أحد أن يقتله لحلاوة ملامحه؛ كما لو أنه مُبارك من الفردوس، أو أن الملائكة قَبَّلت وجنتيه، حتى أن الفضول ساورَ نفس جونغ إن؛ ليرى هذا العَبد صاحب الوجه الجميل.
حَصل على اسمه، وراح يسأل العبيد عنه، فأشاروا له أنه مَحبوس بعدما ضُرِب ضربًا مُبرحًا، فلقد عصى سيده، ورفض أن يُنعَت بالعَبد.
ولِحَظِّ هذا الفتى؛ فإن جونغ إن يُحب أن يخوض في مِثل هذا الغِمار، لذا لم يتردد أن يخوض في معركة لتحرير هذا الفتّى، حتى لو استلزمه الأمر قتل السجّانين والأسياد هُنا.
فالغاية تُبرر الوسيلة...
هَجم برجاله على السجّانين، ثم بعدما إنتصر عليهم، وتولّى رِجاله مَهمّة تكفيف أفواههم؛ فكّ جونغ إن الأصفاد عن الفتّى، وسحبه معه سريعًا إلى الخارج.
إلا أنه لسوء الحظ؛ وصل عدد كبير من الرجال كدعمٍ ضِد المجهولون، الذين ولجوا قعر السفينة.
فكَّ الفتى نفسه من يد جونغ إن وقال.
"اعطني سيفًا، سأُقاتل معكم!"
إرتفع حاجب جونغ إن، وأنارت إبتسامته شفتيه يقول.
"يُعجبني صوتكَ يا فتى!"
ألَحَّ الفتى في طلبه.
"لستُ فتيًّا إلى الحد الذي تتخليه، قد أكون في عُمرِكَ بالفعل، اعطني سيفًا"
اخرج جونغ إن سيفًا من على خصره وأعطاه أياه يقول.
"أُقاتل عادة باثنين، ولكن هاك سيفي الثمين، أرني قُدراتك!"
ظهر جونغ إن بظهر الفتى، كذلك بقيّة الرِجال، وإبتدأ قِتال حامٍ بين الطرفين هدفه النجاة، ولكن الطرف المُعادي كُثر، وكُلَّما قلّوا أتى فوج جديد منهم، لذا حِفاظًا على طاقةِ الرِّجال أمر جونغ إن بالإنسحاب.
هربوا بين أزِّقة السفينة، ورموا بأنفسهم في البحر قبل أن تتصيدهم الأسهم التي تتطاير في الهواء وتنغرس في المياه.
وبينما الجميع يسبح في عُمق مُتخطّين السهام؛ أشار جونغ إن إلى الميناء القريب، وأن يتبعوا الشُعلة الظاهرة على السطح حتى يبلغونها.
نفذت الأنفاس تحت المياه، وقرر جميع الرِجال -بلا تقرير- أن يصعدوا إلى السطح؛ لإشباع صدورهم.
إلتفت جونغ إن حوله بحثًا عن الفتى، وما إن أراد أن يغطس، ليرى إلى أين البحر إبتلعه، حتى ظهر الفتى يتنفس بقوة، وسُرعان ما بَرر إزاء نظرات جونغ إن الساخطة.
"لي طاقة تَحمُّل عالية"
تنهد جونغ إن بإستياء، وأشار للفتى أن يتَّبع الشُعلة كما البقيّة، هُناك حيث كانت تنتظر هيريم مُلثَّمة بفرسها مع ثُلَّة من الرِجال.
خرج الرِّجال جميعًا من المياه، وهيريم ترجّلت عن ظهر فرسها، واقتربت من أخيها تقول.
"أنتَ بخير؟!"
جونغ إن تبسَّم وربَّت على رأسها يقول.
"بخير صغيرتي!"
أبعدت يده عنها بأستياء فاسترسل بالضحك، فهو يعلم أنها تكره أن يناديها بهذا اللقب، الذي يُقلل من هيبتها وواجهتها أمام الرجال، لكنه مُصِر أن يُثير سَخطها عليه، حينها صعدت على ظهر فرسها تقول.
"أين الفتى؟"
فظهر الفتى من خلف الرجال يرفع يده بلطافة قائلًا.
" ها أنا!"
مَدَّت يدها له، وأعانته ليصعد الفرس معها، أصبح على فرسها يجلس خلفها، ويشتم رائحة زهرة الكرز التي تفوح من عُنقها.
أنه ليس الموقف المُناسب قط، لكن؛ كيف لفتاة ترتدي ثياب الرجال أن يكون لها هذا الصوت الجميل، والوجه الناعم، وتلك الرائحة الأُنثويّة؟!
تحمحم مُحرجًا من تفكيره، وهي حرَّكت الفَرس تَحكي لأخيها.
"أنا سآخذ الفتى، وأنتَ اتبعني، سنجد سيهون ينتظرنا في مدخل الغاب، فلنعطه إشارة قبل أن نمضي"
حينها انطلق من قفص يحمل إحدى الرجال حمام زاجل يحمل معه رسالة لسيهون.
سارت المسيرة بحذر وهدوء بعيدًا عن الطُّرق الرئيسة، كانت هيريم تتمسَّك باللِّجام، والفتى خلفها يتمسّك بأطراف ثيابها، حينها بنبرة هادئة أمرته.
"احِط خصري بذراعيكَ، وتمسّك بي جيدًا دون أن يروح تفكيركَ بعيدًا، لأنني حينها لن أترككَ تبقى رجلًا، سأُفضِّل أن أخصيك!"
شعر بالحرج الشديد والخوف أيضًا، أطاعها إذ تمسَّك بخصريها بذراعيه ونبس.
"لستُ أفكر بطريقة غير سويّة آنستي"
وَصَلت الجماعة مَدخل الغاب، ثم بحراسةٍ مُشدَّدة من سيهون ورجاله؛ وصلوا ثغر الكهف بأمان.
هُناكَ حيث رأت جاهي، التي تنتظر على نار، أخاها يجلس خلف القائدة هيريم، كما يدعونها هنا.
هَرعت إلى الفرس الذي يركبه، وهو ما إن رآها إمتلئت عيناه بالدموع، ترجّل عن الفرس قبل أن يُشَدَّ لِجامه، وركض إلى أُخته التي تتهواى أرضًا، وهي تَفجَّ ذراعيها لتضمه فيهما.
"عزيزي تايهيونغ!"
ضمّها أخوها أخيرًا، وأقام عودها يحتضنها بين زِنديه بقوّة، بكت بين يديه وبكى بين يديها.
سيهون تأثر فأشاح ببصره عنهما ومضى إلى الداخل، وهيريم أدمعت عيناها، ثم مسحت دموعها وهي تشتم نفسها قبل أن تتبع أخيها، وجونغ إن كان يحتضن كفيه إلى صدره ويبتسم إبتسامة واسعة.
لقد رأوا مثل هذه اللهفة كثيرًا في عيون من سبقوا هؤلاء الشقيقين بالوصول إلى هنا، لكن كل مرة مثل أول مرة، لأنهم يذكِّرونهم بأنفسهم في حِقبة قديمة من الزمن.
ترجّل جونغ إن عن حصانه، واقترب من الشقيقين يقول.
"النِّسوة هنا سيقدمنَ لك الطعام والشراب، بعض الأدوية، مياه لتغتسل، وفراش وثير، ارتح اليوم وسنجتمع غدًا"
نظر جونغ إن إلى جاهي وأخبرها.
"اشرحي لأخيكِ الوضع هنا قبل أن نجتمع"
أومأت جاهي، ثم انصرف جونغ إن ليُدير شؤونه فيما الشقيقان يحظيان بوقتٍ خاص معًا.
...................
في اليوم الموالي؛ وفي ذات الحُجرة التي تُضيء بصولجان يقبع خلف مكان جلوس القادة الثلاث، وبمصابيح زيتيّة مُعلّقة قُربَ الجُدران، وعلى ذات الطاولة؛ إجتمع الشقيقان بإنتظار القادة الثلاث.
وَلجوا بعد وقت ولم يطل إنتظار الشقيقان، جاهي أخبرت تايهيونغ عمّا تعمله، وكلاهما لا بشعران بالإرتياح الآن، لأن هُناك كلام دائر بين المُنظَمّين الجُدد حول صعوبة المُهِمّة التي ستُعلن عنها القيادة قريبًا.
قيل أنها تتعلق بالقصر الملكي بالفعل، والشقيقان هنا يخشيان أنها مهمة لأغتيال الملك، فضمن ممالك جوسون جميعًا؛ مَلكهم الأقوى، ويَحكم أقوى مملكة في جوسون، يوان العظيمة.
لذا الشقيقان يفكران لو أن تخمينهم صحيح؛ فالموت مصيرهم لا مَفر.
أغلقوا بابًا على تخميناتهم عندما ضربت هيريم بكفها على الطاولة تقول.
"هل أنتم هُنا؟!"
نظر كلاهما في بعضهما ثم هزّا رأسيهما بإيجاب، حينها تراخت هيريم على مقعدها، ثم عقدت ساعديها إلى صدرها تقول.
"الآن أنتم كلاكما هُنا، مُقابل الأمن، والتموين، والمأوى عليكم أن تعملوا معنا، إن انضممتم لنا سنسعى إلى تخليص حقوقكم الماديّة من سارقينها، كذلك سنثبت براءة والديكما وألا يمكنكما المُغادرة بعد المُهمّة الأولى"
تايهيونغ تمسّك بيد أخته ونبس.
"سأنضم أنا، لكن لا تُشركوا أختي في أمور خطيرة، وتضع حياتها على المحك"
هيريم أجابته ترفع حاجبًا.
"للنساء لدينا عمل عليهنّ القيام به، وللرجال عملهم"
أشارت إلى جاهي بسبّابتها، ثم أشارت عليه.
"هي ستنضّم إلى النساء، وأنت ستنضّم لنا، لذا كلاكما إستعدا للتدريب لأجل المُهِمّة الأولى، ستبدأ تدريباتكم غدًا"
تايهيونغ بنبرة منخفضة ومُهذَّبة سأل.
"هل يمكن أن أعلم ما هي المُهِمة الأولى؟"
هيريم أومأت برأسها تُجيب.
"هناك مُخطط إنقلاب دائر في القصر الملكي، والملك غافل عنه، نحن نسعى أن نحفظ حياته"
تايهيونغ استنكر بشدة.
"إنقلاب ضد الملك، ونحن بمُهِمّة لحفظ حياته، حقًا؟!"
سيهون عاقدًا حاجبيه تسآل.
"ولِمَ أنت مُتفاجئ؟!"
"ظننتُ أننا في مهمة لإغتياله!"
ضربت هيريم بعصبية سطح الطاولة براحتها ونبست.
"ولِمَ نقتُل ملكًا صالِحًا؟!"
تكسَّرت ملامح تايهيونغ بالأستياء وقال.
"لِمَ علينا أن نحفظ حياة ملك لا يهتم لحياتنا، ويغظَّ بصره عن الظُّلم الدائر بين الناس والإتهامات الباطلة؟!"
سيهون أجابه بنبرة هادئة شحيحة المشاعر.
"لا تحمل في نفسك ضغائن شخصيّة ضد الملك، عمل التنقيب عن الخونة ليس عمله مباشرةً."
إرتفع شدق هيريم بإبتسامة ساخرة تقول.
"نحن محكوم علينا بالإعدام شنقًا، وخِتم الملك على وثيقة الحُكم، رغم ذلك سنضع حياتنا على المحك لإنقاذه... فمن أنت لتعترض؟"
كانت ترمق تايهيونغ بحاجبين عاليين، فتنهد واخفض رأسه يقول.
"لا أريد أن أشارك معكم في هذه المُهِمّة"
هيريم حرّكت كتفيها تُجيبه.
"للأسف لا خيار لك بالإنضمام أو عدمه، المُهِمة الأولى هي دَين تردونه لنا، نحن أنقذناكم أنتم عليكم أن تنفذوا لأجلنا مهمة، وما إن تتكلَّل مهمتنا بالنجاح يمكنكم المُغادرة إلى الأبد أو البقاء إلى الأبد"
وقفت هيريم تضع السيف على خصرها وقالت.
"لم يدخل أحد إلى هنا وفَضَّل الخروج على البقاء لدينا، فكِّروا بحكمة بينما تتجهزوا للمُهِمّة الأولى"
خرجت هيريم وحدها، ثم نهض سيهون بعدها يُخبرَهُم.
"لا تحاولوا القيام بشيء غبي كالهروب، لن تخطوا خارج الكهف أحياء، الفِخاخ في المنطقة كثيرة، وتعمدنا أن نجعلها فتّاكة"
غادر سيهون كذلك بعدما بثّ الرعب في نفس تايهيونغ وجاهي، إلا أن جونغ إن أشار إلى وجه تايهونغ وقال.
"أنتَ لست وسيمًا كما وصفوك!"
تنهدت جاهي وتمسَّكت بيد أخيها تُبرر.
"سترى وجهه عندما تطيب جروحه وكدماته، أنه أخي المُفدى بوسامته وطلّته البهيّة!"
شدَّ تايهيونغ على يد أخته؛ كي تكف عن مدح خِلقتِه المُشوّهة حاليًا، أما جونغ إن فبرم شفتيه بأستياء ونهض يقول.
"حسنًا، هنيئًا لكِ بأخيكِ ذا الوجه المُفدى أيتها الآنسة المجنونة!"
........
وأما حيثُ المَلِك؛
فالقصر رَبيعيّ مُزهِر وفَخم جدًا، كان الملك يسير في جولةٍ صباحيّة في أنحاء القصر، يخلفه ثُلّة من خَدَمه، كذلك زِندِه الأيمن الوزير الشاب جيون جونغكوك.
"مولاي؟"
همهم الملك الذي يتقدمه في المَسير، فاتبع.
"سمعتُ أن الأمير تشانيول قد نَجح بضم مملكة سيلا إلينا"
أومئ الملك يقول.
"بعث لي أنه عائد إلى القصر، رِحلته ستستغرق عِدةِ أيام"
همهمَ الوزير فيما يشعر بالأرتياب والقلق، فبعضِ الأمور لا تسير كما يَجِب، والملك هنا لا يعرف شيء، كذلك الوزير جيون ليس مُتأكدًا من شكوكه، لكنه فَضَّل أن يُخبر الملك بشكوكه على أن تبقى عالقة في نفسه، فهما صديقان مُقرَّبان، لا بأس لو أخبره بصفته صديقه، لا ملك ووزيره.
"جلالتك، أُيمكننا أن نتحدث على إنفراد؟"
إلتفت الملك له وقال.
"بالطبع، فلنفعل"
أشار الملك إلى موكبه ألا يتبعونه، ثم سار بوزيره حتى الترّاس القريب، جلس الملك في مكانه، وجلس وزيره قِبالته.
"أخبرني، ما هي المُشكلة؟"
أخفض الوزير بصره إلى راحتيه التي يفركهما ببعض، فعلم بيكهيون أن صديقه متوتر، فهذهِ عادته عندما يَشعُر بالتوتّر.
"أريد أن نتحدث بصفتنا صديقان"
أومئ بيكهيون فاتبع جونغكوك قائلًا.
"أشعرُ أن هُناك أمرًا يُحاك بالخفاءِ عنّا، ولا أدري ما هو"
بيكهيون أجابه.
"أمرًا يُحاك ضِدنا؟!"
أومئ جونغكوك فاسترسل بيكهيون فيما يعقد حاجبيه.
"مثلَ ماذا؟"
تنهد جونغكوك يُجيب.
"لا أدري بالضبط ما هو، لكنّي أشُك بخيانة عُظمى"
أسهب بيكهيون في التفكير بصمت، أعداءه كُثر، أكثر من أصدقاءه، والخَونة كُثر، والمُتخفّينَ في بلاطه باسم الولاء له وهُم خونة لا يمكنه حصرهم، لذا الخيانة قد تأتيه من أي مكان.
"ابحث في الأمر، وأؤمر بتشديد الحراسة على القصر والعاصمة"
"أمرُك مولاي"
"أبي!"
إلتفت بيكهيون كذلك جونغكوك ناحية صوت الطفل الذي يصرخ ببكاء، بيكهيون ضحك فيما صغيره يقفز عليه؛ ليختبئ في كُنفه عن مُربّيته وبعض الخادمات.
أشار لهنّ الملك بأن ينصرفن، وضلَّ الصبي يختبئ في كُنف والده حتى إبتعدنَ النِّسوة، رَفع الصبيّ عن رأسه تاجه الصغير ورماه بسخط أرضًا، وعاد ليختبئ في حُضن والده قائلًا.
"أبي أنا لا أريد أن أصبح ملكًا، لِمَ تجبروني؟!"
إرتفع حاجب بيكهيون مُستمتعًا، ورفع طفله عن صدره يقول.
"لَكنَّكَ نَجلي الأكبر، وعليك أن تكون ولي العهد لهذهِ الأُمّة"
اعترض الطفل يقول.
"لِمَ لا تكون بيكهي ولي العهد، أو جيهان، هُنَّ أكبر مني سنًا!"
ضحك جونغكوك كذلك بيكهيون، ليشاكس أنف ولده بسبّابته يقول.
"لكن هُنَّ إناث رقيقات، لا يصلح أن يَكن خليفاتي، أنتَ خليفتي بما أنكَ رجل"
ترامى الطفل على زِند أبيه ونبس مُتحسِّرًا.
"يا ليتني أُنثى!"
ضحك جونغكوك وربّت على رأس الصغير، لكنه عندما رأى الملكة الأُم تقترِب رفع يده عن رأس الصغير، ووقف لينحني لها، لكن الملكة تجاوزته ببرود، واقتربت من الملك تقول.
"جلالتك، عليَّ أن آخذ سموّ ولي العهد ليحضر دروسه"
غرق الأمير الصغير بكُنف أبيه رافضًا، حينها قال بيكهيون.
"اليوم الأمير لي جون في عُطلة"
"لكن مولاي..."
رفع بيكهيون بصره إلى زوجته الثالثة، ورمقها بعينٍ حاسمة فأنحنت له وغادرت، لأنها تدري لو تكلم الآن لن يَحلَّ على رأسها خيرًا أبدًا.
قفز الأمير لي جاي بحضن أبيه فيما يهتف.
" يحيا الملك!"
للملك خمسة أطفال من ثلاث ملكات، إذ يَحق للملك أن يتزوج بسبعةِ نساء يسميهنّ ملكات؛ لحفظ نسل العِظام المُقدَّسة، وبإثنا عشر محظيّة من الآنسات بنات العائلات المرموقة؛ لتوثيق العلاقات بين الملك وحُلفائه، كذلك يستطيع أن يحصل على عدد لا محدود من المحظيات، اللواتي هُنَّ هدايا، عبيد، أو أسيرات حرب.
لكن الملك بيكهيون رُزِقَ بمولودٍ ذكر واحد، وبقية أطفاله من الإناث، وذلك ما جعله يرفع ابنه الوحيد إلى العرش بصفتِهِ ولي العهد.
لكن هذا ما أسرَّ الأمير تشانيول ابن عم الملك وأخ زوجته، وزوج أخته، فقد طمع بهذا المنصب للمزيد من السُلطة السياسية، لكن الملك جرَّده منها وسلمها لطفلٍ صغير ما زال يبكي ويُبلل فِراشه.
ومن هُنا أتى غضب الأمير والجينرال الاول في المملكة.
.....................
يُتبَع...
الفصل الأول "سياسة التَّمرُّد"
الرواية التاريخيّة "العنقاء||The King's Return"
.......................
سلاااااااااااااام
أخيرًا روايتي الحلوة أبصرت الضوء👏👏👏
طبعًا كما سبق وذكرت أنه الفكرة الرئيسة للرواية لملكة الواتباد كامي، لكن ما ممكن تحسوا أنها محروقة عليكم أو تتوقعوا الأحداث، لأنو فكرة كامي معجونة بألف فكرة ثانية من تأليفي... سو دونت ووري.
الرواية بطولة بيكهيون طبعًا، لكن الشخصيات، العلاقات، والأحداث زخمة جدًا، كما أن الرواية تتناول معلومات وأحداث حقيقيّة.
مملكة يوان مش ضمن كوريا حاليًا، هي ضمن الصين، وهي مملكة صينيّة مغوليّة، لكنهم كانت ضمن ممالك جوسون وكلهم يحكوا لغة وحدة إلي هي الكوريّة.
طبعًا ادعموا الرواية، وامنحوها الكثيييييير من الحُب لأنها تستحق، تصويت، تعليق، وخبروا أصحابكم المُهتمّين.♥️
الفصل القادم بعد 80فوت و80كومنت.
1.رأيكم بشخصية البطلة هيريم؟
2.رأيكم بشخصيات سيهون وجونغ إن المُتناقضة -سيهون الجاد نيني المرح-؟
3.رأيكم بشخصيات الشقيقان تايهيونغ وجاهي؟
4.شخصية الملك الفخم بيكهيون ووزيره جونغكوك؟
5.رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للفصل القادم؟
دُمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
Коментарі