ما قبل الإحتراق
CH1||سياسة التَّمرُّد
CH2||الملك أيضًا أب
CH3||بِدء التنفيذ
CH4||كرامة الملك
CH5||تأثير الفراش
CH6||اسم الملك
CH7||الإمبراطور
CH8||نِصف قمر دموي
CH9||على حافة الهاوية
CH10||العرش يهتز
CH11||عصر من الظلام
CH12||قلبي يتمزَّق
CH13||جِراحُ المَلِك
CH14||العنقاء إحترق
CH15||شرانق عواطف
CH16||إبنة الكهوف
CH17|| الحب في سيماءه
CH18|| القلوب تبكي
CH19||الحيرة والحب
CH20|| المُفارقات
CH21|| البطلة
CH22||سيّدة التَّفرُّد
CH23||شُعلات حُب وحرب
CH24||كش ملك
CH25||خيبة
CH26||الحُب والحرب
CH27||ساعة الحِساب
CH28||عجز
CH29|| مُنكسرة الفؤاد
CH30||زمهرير
CH25||خيبة
بيون بيكهيون (إمبراطور اليوان المَغوليّة الصينيّة)

بطل:

العنقاء|| The Emperor's Return

"خيبة"

...

خبر وصول القائد جونغ إن إلى المقرِ أخيرًا آثار حفيظة المُجنَّدين، وثارت فوضى إحتفاليّة تسبق وصوله بقليل؛ خرج الملك على صخبِها؛ وإذ يرى الإخوة سيهون وهيريم يقفان بإنتظارِ وصولِ السريّة.

- ما الذي يحصل؟

أجابتهُ هيريم فيما تبتسم.

- لقد وصل القائد جونغ إن.

تحفَّظَ الملك على فرطِ حماسه بجوفِه؛ فقطعة من قلبه تكاد تصل، وما بقي في قلبه إلا قطعة واحدة ناقصة وستترمَّم قريبًا حينما يرى بناته بأمان عنده.

وصل هزيج الموكب إلى أسماعهم قبل أن يترآى لهم الموكِب نفسه من خلفِ الهضبة، كان جونغ إن يعلو حصانه، وخلفه هودج الأميرة في مقدمةِ المَسير.

إقترب بيكهيون ولم يشعر بنفسِه حينما فعل، إنَّما قادته لهفتهُ الأبويّة إلى غديرِها، وجعلته يرضخ إلى شوقه، ويتوق لرؤية إبنته الصبيّة؛ لتُطفئ عطش شِغاب قلبه اللهوف.

توقَّف جونغ إن، ثم ترجَّل من فوق حصانه، إنحنى لصاحبِ الجلالة، ثم نظر إلى شقيقه سيهون، وشقيقته التي تُخفي بدنها خلفه، وفقط يظهر منها وجهها البَشوش.

أسرع جونغ إن إلى شقيقه يعانقه بخشونة الرجال المُعتادة، وطبطب على ظهرهِ بخشونة يقول.

- لقد عُدتَّ قبلي؛ وذلك ريَّحَ قلبي؛ لستُ مُضطَّرًّا أن أنتظركَ بلهفة!

سيهون ربَّتَ على ظهرِ شقيقه الأصغر، وأزفر إبتسامة، تلتها ترانيمه الهادئة.

- أهلًا بعودتك سالمًا!

تفرَّقَ الشقيقان، ثم جونغ إن نظر نحو شقيقته، التي تتخفّى ببدنِ سيهون؛ وما ظنَّ في الأمرِ أكثر من مُجرَّد شقاوة ودلال آخر العنقود.

سحبها من ذراعها بلطف حتى تمثل أمامه، ويتسنّى له مُعانقتها بشوق، ولكن ما إن رأى ذلك العُكاز حتى انحسرت إبتسامته ثم اختفت.

- ما الذي حدث لكِ؟

إبتسمت تُحاول التخفيف عنه وقالت.

- ليست شيئًا مُهِمًّا، إصابة عرضيّة فقط، ليست وكأنَّها المرة الأولى، التي أُصاب بها.

تنهَّد جونغ إن بأستياء، ورفع سبّابته نحو وجهها يقول في تنبيه وهو يرفع حاجبًا يَدُل على مدى جدّيَّته.

- أُريد أن أعلم كل التفاصيل منكِ!

أومأت له وهي تبتسم.

-حسنًا!

تنهَّدَ جونغ إن وضمَّ شقيقته بين ذراعيه يقول.

- المُهم أنَّكِ بخير!

إبتسمت ومرَّرت يداها على ظهره بحنيّة، حسنًا... هو لم يخطر على باله أن إصابتها شديدة، وإنَّهُ تحتَّم عليها طيلة حياتها أن تلزم هذه العصا؛ فليبقى الآن جاهلًا في الأمر؛ فتداعيات الحرب أهم.

- أين ابنتي؟

نبس بيكهيون حينما تأخَّرت إبنته الأميرة من التَّرجُّل من هودجِها، حينها جونغ إن إلتفت إليه وقال.

- لقد سارت أمورنا كما يجب، لقد تصرَّفت الأميرة في بلاط الملك، الذي قصدناه كما يجب، الآن سأحضرها... رُبَّما غفت أثناء الطريق الطويل.

أومئ له بيكهيون وربَّت على كتف جونغ إن قبل أن يقول.

- سأحضر ابنتي بنفسي!

تقدَّم الملك من هودج الأميرة فيما جونغ إن وقف بين أخته وأخيه وقال.

- يا للمُصيبة!

إمتعض وجهي الشقيقان الغافلان؛ وسيهون بادر بالسؤال.

- عن أيّ مُصيبة تتحدَّث؟

وجونغ إن لم يُماطل في إخبارهم.

- الأميرة، التي برفقتي، جيهان وليست بيكهي. بيكهي تزوَّجت الوزير جونغكوك وذهبت معه دون أن يُدرك حتى.

صاح الأثنان معًا.

- ماذا؟!

تنهَّد جونغ إن وقال مُمتعِضًا بِهَم.

- لم أكُ أعلم أنَّ التي برفقتي جيهان وليست بيكهي.

ثم استرسل.

- ما إن يفتح الهودج ويرى وجه الأميرة ستثور حربًا!

والإخوة الثلاثة راقبوا الملك وقد أدرك الهودج، وأزاح السِّتارة، كانت الأميرة تلبس خمارها الأحمر الملكي، ولم يقدر أن يُميّز بيكهيون أيُّ بناته هي؛ لقد ظنَّها بيكهي فحسب.

مدَّ لها يده وقال بينما إبتسامة رقيقة ترفع شدقيه.

- أهلًا يا صغيرتي، تمسَّكي بيدي وترجَّلي.

تردَّدت الأميرة أن تفعل، لكنَّها تمسَّكت بيدِه في النهاية، لا يُمكنها أن تجعل الملك ينتظر كثيرًا. هبطت على الأرض معه بأمان، وقبل أن يتسنّى له أن يرى وجهها إختبأت في كنفه الحامي تُعانقه بحرارة؛ تحتمي منه وتشتاق إليه.

عانقها بِلُطف وابتسم، ثم جعل يُمرِّر يده على رأسها بعاطفة أبويّة وهمس لها.

- ما كان عليكِ يا صغيرتي أن تتكبَّدي هذا العناء لأجلي، أنتِ وأُختكِ جيهان فخري، الذي لا يُمكن أن يُخفض رأسي أبدًا؛ بل سيرفعه دومًا.

كلماته تلك، التي نبس بها لها، جعلت عيناها تحرقها، وبدأت تشعر بالغضب من نفسها لأنَّها تهرَّبت من قراره، ففعلتِها تلك ستجعل رأسه مُنحنيًا، لا هي ولا أُختها سيكُن مصدر فخر له، بل عاره؛ الذي لا يُغسَل إلا بالدماء.

سمع صوت شهقتها الباكيّة، فابتعد عنها يَضُم حاجبيه في أستياء، لا يُريد أن يسمع صوت البكاء يصدر من أطفاله أبدًا، أراد أن ينزع خِمارها ويُكفكِف دموعها؛ ولكنَّها تفلَّتت منه إلى الدَّاخل تتصرَّف بغرابة.

- ما بها؟

همس لنفسه وهو يراها تُدبر مُسرعة وكأنَّها لا ترغب في لقائه، كان ليتفهَّم لو فعلت جيهان؛ لكن بيكهي!

لم يخطر على باله أنَّها جيهان أبدًا.

كاد أن يتبعها لولا أنَّ هيريم وقفت في طريقه، وقالت بنبرةٍ ثابتة.

- دعها ترتاح الآن، ودعنا نجتمع مع أخي ونعلم كيف نُسيّر الخُطَّة، الأمير تشانيول يحشد جيوشه بالفعل.

تنهَّد بيكهيون بعدما تواربت خلف الجُدران، ثم نظر إلى هيريم وأومئ، حينها تنهَّدت براحة فيما تتبعه إلى قاعة الإجتماعات برفقةِ أخويها؛ وأثناء الطريق تكلَّمَ جونغ إن.

- هل سنُبقيه جاهلًا بالحقيقة؟!

تمتم سيهون.

- لا؛ حينها سيتهمك بأنَّ لك يد في القِصَّة، سنضع الخُطة ونبدأ في تنفيذها، ثم نخبره، وليفعل ما يراه مُناسبًا؛ هي إبنته لن يقتُلها ولكنَّك لا تَخُصُّه؛ قد يقتُلك!

تمسَّكت هيريم بيد جونغ إن بقلق، لكنَّهُ زفر بإهمال.

- لا داعي للقلق؛ ليس وكأنَّني سأخفض له رقبتي ليقطعها، وهو لا يطولها ليقطعها!

ضربه سيهون بقبضتِه على ذراعه بخفَّة يقول.

- ليس وقتُ مُزاحك!

دخل الملك إلى قاعةِ الإجتماعات يليه القادة الثلاث، ترأسَّ جلستهم، ثم شابك أنامله فوق الطاولة وبملامح جادَّة لا تتعكَّر قال.

- إذًا الآن نجح القائد سيهون بمحاصرة حدود الشمال، والقائد جونغ إن بمحاصرة حدود الجنوب، حدود الشرق بحريّة؛ بعثنا كتائب لتُسيطر عليها مُذُّ إنطلاقتكم، وبقيَ أن يصل الوزير الأول جيون جونغكوك، ويُبشِّرنا أنَّهُ نجح في مُحاصرة الحدود الغربية، ما إن يَصل سنُحاصر العاصمة؛ وسنبدأ بالتَّسلسُل إلى القصر، علينا ألا ننسى أنَّ تشانيول قائد الجيش، وأنَّ هزيمته قد تستهلكنا.

والجميع كان يعلم ذلك، ولكن تحذير الملك قد كان لِزام، ولا تَغُرَّهم أعدادهم الكثيرة؛ فخبرة تشانيول في الحرب تخضع أكبر الجيوش له؛ ولكن لا أحد يعرف قصر الملك بقدرِه.

الآن وقد وضِعَت خُطةَ الحرب، وحان وقت أن يعلم الملك حقيقة الأميرة قبل أن يكتشف حقيقة الأميرة بنفسه، كان عليهم إخباره وإلا لام جونغ إن واتَّهمه.

إذ حينما أراد النهوض عن الطاولة؛ لِتفقُّد أمر إبنته؛ إستوقفه سيهون حينما قال.

-جلالتك؛ عليكَ أن تعلم بأمر قبل أن تذهب.

تراجع بيكهيون، وجلس حيثُ كان؛ ورغم أنَّهُ يتحرَّق شوقًا للقاءِ إبنتِه إلا أنَّهُ فضَّل البقاء والإستماع إليهم.

أومئ يأذن لهم بالحديث؛ ورُغم أنَّ جونغ إن قَلِق -ليس على نفسِه بل على الأميرة- إلا أنَّهُ سمح لشقيقه أن يتحدَّث.

- الأمر يتعلَّق بسموِ الأميرات بيكهي وجيهان.

وذلك ما أقلق صاحب السمو؛ فقد نظر إلى القادة بتلهُّف وكأنَّما أمور الدُّنيا توقَّفت لصالح هذهِ القِصَّة.

-ما الأمر مع بناتي؟

نبرته القَلِقة ونظراته السقيمة جعلت هيريم تُخفِض رأسها مهمومة، وجونغ إن قبض على يده؛ لأنَّهُ لا يريد للأميرة، التي لم تَنم مُذُّ سلكوا طريق العودة؛ لشدةِ خوفها، أن تتضرَّر.

لقد رأها كل يوم وهي تبكي، وتُخبر السيدات أنَّها خائفة مِمّا قد يفعله والدها، وهو بدورِه لم يَكُ بإستطاعته التخفيف عنها؛ فهو ليس مُقترنًا بها بأي طريقة، وليس ذنبه أنَّها تُحبه وخالفت أوامر والده لتلحق به.

الزواج من الأميرة أمرًا يُشرِّف أي أحد؛ ولكنَّهُ ليس مُتشرِّفًا، لن يرتبط بإمرأة تعلوه مكانة، عليها أن تكون من طينته... هذا فقط.

وسيهون تولّى مَهمَّة إخبار الملك؛ بما أنَّهُ يُصِر أن يعلم، يجب أن يبقى شقيقه بخير... هذا أهم لديه من غضبِ الملك من إبنته.

- في الحقيقة؛ عليكَ أن تعلم بأن أخي لا شأن له بما فعلنه الأميرات، وأرى أنَّهُ من الأفضل أن تذهب الآن إلى ابنتك الأميرة، وتعلم منها بنفسك؛ فرُبَّما ما علمناه للِتَّو ليس القِصَّة كاملة؛ فقط تذكَّر أنَّ أخي لا شأن له.

وبيكهيون لم يستمع إلى كل ما قاله سيهون، بل فورما أحس أن هُناك مُصيبة فادحة أفتعلنها بناته؛ ذهب مُسرعًا إلى ابنته الأميرة، ومهما كان الأمر ومهما قالوا؛ لن يُصدِّق سوى الفتاة، التي ربّاها بنفسه، ولقنها الأدب، والعلم، والأخلاق النبيلة.

قصد غُرفة بيكهي وجيهان؛ وهناك وجد إبنته تُعطي الباب ظهرها وتبكي فيما زالت تستتر بخِمارها الأحمر؛ لكنَّها حينما شعرت به يفتح الباب بإندافاع سارت ببدنها رعشة؛ الآن قد حان الوقت، الذي تواجه به نتيجة أفعالها.

هي طيلة الرِّحلة لم تكسب من القائد جونغ إن أي شعور ولا حتى شفقته، ولم تكسب أي شيء سوى أنَّها نفذت من هذا الزواج، وسقطت أختها فيه بدلًا منها.

اقترب بيكهيون من ابنته وهو يظنها بيكهي حتى أنَّهُ وضع يده على كتفها، ونبس باسمها بلُطف؛ لعلَّ ثقتها به يتغلَّب على خوفها منه.

لا يُنكِر أنَّهُ وجب على الجميع أن يخشونه وإلا سيكون بأختيارهم أن يطيعونه أو يعصونه، وهو يمقُت العصيان. حتى مع أفراد عائلته يتوجب عليه أن يكون قاسٍ حينما يلزم ومُرهِبًا؛ كي يتذكرونه حينما يسلوكن سلوكًا لا يليق بمقامهم العريق.

- بيكهي؛ قالوا لي أن هُناك مُشكلة؛ فقدمتُ لأسمع منكِ؛ لذا إلتفتي إلي واخبريني؛ ما المُشكلة؟

استغرقت جيهان بعض الوقت لتلتفت؛ فالتَّردُّد والخوف يُكبِّلناها وهي أضعف من أن تتحمَّل غضب والدها؛ هو الوحيد الذي لا يمكنها صدَّه؛ بغضِّ النظر عن كونِه الملك؛ ولكنَّهُ أيضًا والداها، وهذا بالطبعِ أهم بكثير.

جلست أرضًا على قدميها أمامه فيما كان يفعل كذلك، أمسك بيكهيون بخمارها ليرفعه ويتسنّى له رؤيتها؛ حينها أغمضت عيناها وقبضت يداها تنتظر سماع رد فعله؛ التي ستكون قاسيّة بالتأكيد.

وبيكهيون كان يبتسم حتى رأى وجه جيهان يختبئ خلف الخِمار الأحمر الملكي، سقطت إبتسامته فورًا وقبض حاجبيه في عُجمة.

- جيهان؟

سُرعان ما انحدرت الدموع من عينيها، وقف بيكهيون وبه عُجمة، ثم خيبة، ثم غضب، دعك وجهه بيديه وهو يسير في مكانه مُضطربًا؛ لا يدري كيف حصل هذا وما الذي حصل تحديدًا؛ لكنَّهُ يستطيع أن يحزر بأنَّ مُصيبة قد وقعت، ردة فعل جيهان والطريقة التي تكلَّموا بها القادة لا تُنبِّئ بالخير.

جيهان رفعت وجهها إليه وتوسَّلت.

- أبي؛ أرجوك أن تفهمني وتُسامحني، أنا آسفة لأني خالفتُ أوامرك!

نظر لها بيكهيون، وبدى وجهه في غاية البرود؛ الآن لا تعلم إن كان غاضبًا بقدرِ ما هو خائبًا أو حتى مُتفاجئًا.

- كيف أنتِ هنا وليست أُختك؟

أخفضت رأسها بأسف واستهلك سكوتها صبره، حينها اقترب منها يجلس القُرفُصاء قُربها؛ نشزا كتفيها بخوف إثر قُربه المُفاجئ، أمسك بذقنها ورفع وجهها إليه فيما زال هادئًا؛ لم تَهِب به عاصفة بعد.

-تحدَّثي ما دُمتُ أتحدَّث بِلُطف!

إزدرئت جوفها وكومة من دموعها، ثم قالت وهي تنظر إلى معالمه الخريفيّة؛ هادئ بشكلٍ مُريب.

-أبي؛ أنا لم أتزوَّج بالوزير جونغكوك؛ تبادلتُ وبيكهي، هي تزوجت من الوزير وذهبت معه، وأنا ذهبت مع القائد جونغ إن.

ثم رفعت كفّيها بتوسُّل واتبعت.

-ولكن صدِّقني أرجوك؛ الوزير جونغكوك لم يدري أنَّنا تبادلنا؛ ولا حتى القائد جونغ إن. لقد قُمنا بذلك بأنفُسنا، ولم يُشاركنا أحد هذا الأمر.

لبث بيكهيون في صمتٍ مُخيف وهو ينظر في زاوية لا تحتويها، زاوية فارغة كما عقله الآن، ثم بعدما تناول الصمت لُقيمات من الوقت همس في صوتٍ كالهسيس؛ يُخيف رغم خفوته.

- لو قُلتِ أنَّ للرَجُلين يد بالأمر لكُنتِ خفَّفتِ عني؛ لوجدتُ من أقطع رقبته على الأقل؛ الآن ماذا سأفعل؟!

أمسك فجأةً بشعرِها، وشدَّه بِقوَّة للخلفِ يصرخ عليها وكأنَّما الآن انفجر، وهي صرخت صرخة بالتأكيد كل من في المَقر سمعها، لم يَكُ الأمر مؤلمًا بقدرِ ما هو مُخيفًا.

-الآن هل أقطع رقبتكِ أنتِ وأُختك؟

قالت باكيّة.

-أبي؛ أنا لم أُردِه، وسيكون الموت أهون علي من أن تُزوِّجني رَجُلًا وأنا أُحِبُ آخر، أرجوكَ تفهَّمني!

صرخت بِقوَّة حينما أسقط على صفحةِ وجهها صفعة أسقطتها أرضًا، هيريم كانت تَقِف خلف الباب وكذلك جونغ إن؛ لكنَّهُ أبعد موضعًا. وهي لم تستطِع أن تبقى في محلِّها ساكنة، وتسمح لبيكهيون أن يؤذي إبنته؛ فهو الآن ليس ملكًا بل مُجرَّد أب غاضب ومُنكسِر.

اقتحمت الغُرفة على الأبِ وابنتِه؛ ووجدت بيكهيون يقبض على عِضدها، ويرفعها عن الأرضِ فيما يصرخ بها بغضب.

-هل أنا مزحة بالنِّسبةِ لكِ ولها؟
هل تَظُنّي لأنَّكُن بناتي سأستسلم للأمرِ الواقع؟!
أنا سأُعاقبكن أشدَّ عِقاب.

كاد أن ينزل عليها غضبه؛ ولكن سُرعان ما جرت إليهما هيريم، وتخلَّت عن عُكّازها، دفعت بجيهان بعيدًا عن يد والداها، وأصبحت حائلًا بينهما؛ وذلك أدى أن تتلقّى الضربة بدلًا من جيهان دون أن يقصد بيكهيون فعل ذلك؛ فيده قد كانت تُدرك إبنته بالفعل.

إحتمت جيهان بظهرِ القائدة من والدها، الذي لرُبَّما لوما تدخَّلت هيريم قد يُلحق بها ضررًا كبيرًا؛ فيما هيريم حاولت أن تتمسَّك بذراعيه، ولم تأبه بالضربة التي أصابتها.

- أرجوك إهدأ يا صاحب الجلالة؛ هي ابنتك في النهاية وبالتأكيد تملك تبرير يشفع لها؛ أرجوك إستمع لها!

صرخ بيكهيون وقد فقد سيطرته تمامًا.

-إلى ماذا استمع؟
أنَّ بناتي ألحقن العار بي، هل تعلمين ما ديَّةُ العار؟
الدَّم يا هيريم الدَّم!

هيريم تتفهَّم موقفه كأب الآن وقد طُعن بشرفه، وهو ملك أيضًا؛ يقتضي مثل هذا السلوك قطع رِقاب؛ لأنَّهُ خيانة عُظمى وانتهاك عرض الملك.

ورُغم ذلك؛ لن تقبل هيريم على الأميرات الأذيّة؛ إذ حينما انبعثت يده بغية تناول ابنته من خلفِ ظهر هيريم عطَّلته تُحاول أن تتمسَّك بِه بكُل جُهدِها؛ وصاحت على الأميرة بقلق.

-اذهبي إلى جاهي، اذهبي!

-دعيني!

صرخ بيكهيون وهو يتفلَّت من هيريم؛ وحالما أعطاها ظهره تشبَّثت به من الخلف تُعيق حركته ونبست.

- لا يُمكنكَ أن تؤذي إبنتك يا بيكهيون، عليكَ أن تهدأ رجاءً!

ما استطاعت أن تُسيطر عليه؛ إذ إنفلتَ خارجًا يقصد اللحاق بإبنتِه وهيريم لحقت به أيضًا؛ لكنَّهُ كان يقف في عصبيّة وحيرة في الرِّواق؛ لم يرى إبنته، وأخذ يُنادي بعصبيّة عليها؛ كي تَمثل أمامه؛ ولكن خوفها منه قد منعها أن تُطيعه، وهربت إلى مَخدع القائد سيهون.

وهيريم كانت تِقف خلفه على مَقرَبة منه بيأس تنظر نحو بيكهيون، الذي لا يهدأ، حينها أدركها إحدى رِجالها، وهمس لها.

- الوزير جونغكوك قد وصل الآن!

تنهَّدت هيريم بثقل.

- يا إلهي!

فيبدو أنَّ اليوم سيكون طويل للغاية.

بيكهيون خرج من المَقر حينما بلغه الخبر الجديد، أدرك البوّابة ووقف بإنتظارِ أن يصل وزيره برِفقةِ إبنته، وهما سيتحمَّلان غضبه أكثر؛ خصوصًا لو كانت ظنونه في مكانها.

بدأ يرى الفوج يقترب من خلفِ الهضبة؛ يستطيع أن يرى الوزير جونغكوك يقودهم على حِصانه الأدهم وخلفه الهودج، الذي يحمل الأميرة بيكهي.

كان يقف بيكهيون مُتخصِّرًا في غضب، ثم نبس إلى هيريم، التي تَقِف خلفه.

- انتظرهما في الدّاخل، واخبريهما أنَّ لا داعي للمراوغة!

- أمرُ جلالتك!

أخفضت هيريم رأسها له بطاعة؛ حينها الملك ولج إلى قلبِ المقر، ولم ينتظرهما في الخارج؛ فضَّل أن يكون لقاءه بهما خاص جدًّا.

وقف في قاعة الإجتماعات وهو يُعطي ظهره إلى الباب ويتخصَّر بغضب، مثل قمة برُكان تغلي؛ تُنذِر بإنفجار.

وحينما شعر بأحدهم يدخل، ثم ينغلق الباب بِلُطف أدار رأسه.

- تحت أمر مولاي!

كان ذلك صوت جونغكوك، إلتفت بيكهيون؛ وإذ به جونغكوك فعلًا يقف وبِقُربه تقف إبنته الأميرة بيكهي؛ تُخفي وجهها بالخِمار الملكي.

نظر لها بيكهيون لمحضِ ثانية فأخفضت رأسها، الآن يُدرك لِمَ لم تنزع خِمارها؛ لأنَّها ارتكبت مُصيبة، ثم نظر بيكهيون إلى جونغكوك واقترب منه فيما يُشابك يداه خلف ظهره؛ كانت معالم الملك بكماء؛ لا تتكلَّم.

- هل أُبارك لك الزواج من ابنتي بيكهي أم أقتُلك وأيّاها؟!

تراجعت بيكهي خطوة بذهول. في الخارج؛ لم يخبروها أنَّ والدها يعلم الحقيقة كاملة. وجونغكوك سُرعان ما ركع أمام المولى وقال.

- سأتحمَّل أي عقاب تأمُر بهِ مولاي؛ لكنَّني وحدي من يتحمَّل المسؤوليّة. أنا أُحِب الأميرة بيكهي، ولم أُرِد الزواج من الأميرة جيهان؛ لذا هدَّدتُ الأميرتين، وأجبرتُهما على أن تتبادلان. أنا المُخطئ مولاي، ووحدي أتحمَّل الذنب، ومن العدل أن أُعاقب وحدي!

أمسك بيكهيون بثيابِ الوزير في عصبيّة، وأقامه فيما ينهره بغضبٍ شديد، ويصرُخ به.

- هل تظُنَّني أحمق، أتتجرَّأ وتكذب علي؟!

إنهارت بيكهي باكيّة، لم تتَّفق مع جونغكوك على تأليفِ قِصَّة، الآن بعد الذي قاله عرَّض حياته للخطر لأجلها، قد يموت ليحميها من عِقاب والدها الذي لن يصل للموت، رفعت الخِمار عن وجهها، ثم زلفت من والدها ترجوه.

- أبي؛ أنا المُخطئة، أقسم أنَّهُ لم يَكُ يعلم شيئًا!

دفع بيكهيون بجونغكوك أرضًا، والأخير لم ينبس بحرف، لقد قرَّرَ مُسبقًا أن يتحمَّل غضب الملك مهما بدى صعبًا وعسيرًا بِفَم مُغلَق، في النهاية؛ لا يُمكنه إلا أن يُخفض رأسه للملك.

بيكهيون ما إن أفلت جونغكوك أنتزع الخِمار بخشونة عن بيكهي، ثم أمسك بعِضدِها بقسوة، واجتذبها إليه يقول بلا تصديق.

- هل أنتِ حقًا تجرّأتِ وتدخَّلتِ في أوامري، وتزوَّجتِ على هواكِ أيضًا؟!

أخفضت رأسها وهي تشهق وتبكي.

- أنا آسفة يا أبي؛ أنا حقًا آسفة!

نهض جونغكوك، واقترب من بيكهيون، أمسك بيد بيكهي وسحبها لتقف خلفه.

- كيف تجرؤ؟

صرخ به بيكهيون بغضب، وجونغكوك أخفض رأسه يقول.

- مولاي؛ أنا آسف. لقد أصبحت الأميرة مسؤوليتي، لا يُمكن أن أراها تتأذَّى حتى لو كُنتَ والداها وجلالة الملك؛ لا يُمكنني!

إرتفع حاجب بيكهيون بسخط ونبس.

- حقًّا؟!

أخرج سيفه من غمدِه، ورفعه إلى رقبةِ جونغكوك؛ وذلك ما جعل بيكهي تشهق بقلق وتسد فاهها بيديها بلا تصديق، لطالما كان جونغكوك صديق والدها الوحيد؛ لكنَّهُ يبدو أنَّهُ قادر على التفريط به.

- امنعني إذًا إن إستطعت!

أمسك بذراع إبنته من خلف جونغكوك وسحبها خارجًا، جونغكوك وقف بمكانِه غضبان وآسفًا؛ لا يمكنه الوقوف في وجه الملك؛ وهو أيضًا أبًا غاضبًا.

- أيَّتُها الطبيبة!

كان يسحب إبنته خلفه ويصرخ حتى أدرك العيادة، دفع ببيكهي داخلها، ثم دخل وأغلق الباب خلفه يقول.

- افحصيها؛ إن كانت ما تزال عذراء أم لا!

تفاجئت الطبيبة من أمر الملك، ونظرت نحو الأميرة، التي تبكي أرضًا، ثم قالت بقلق.

- مولاي؛ من الصعب حقًا أن أتأكد من هذا الأمر، بعض الفتيات لا يوجد لديهن غشاء بكارة!

اقترب من الطبيبة بسخط، وقال مُهسهِسًا.

- لا أهتم لما تقولينه؛ أخبرتُكِ أن تتأكَّدي من عُذريتها حالًا!

إزدرئت الطبيبة جوفها بعدما أخفضت رأسها بطاعة للملك، وهو إنفلت خارجًا.

- أمرُكَ مولاي!

اقتربت الطبيبة مُشفقة عل الأميرة وساعدتها في النهوض، ثم الأميرة وهي تبكي قالت.

- لا داعي لأن تفحصيني؛ لستُ عذراء.

تطلَّعت الطبيبة إلى الأميرة بقلق؛ ثم تنهدت بأسف تقول.

- ما زِلتُ بحاجة أن أتأكد!

بيكهيون كان يقف خارجًا وأعصابه مُنفلِتة، يكاد من فرطِ الغضب أن ينفجر، لم يتوقع أن يجلبن بناته العار له.

قرَّرَ المِتمرِّدون ألا يتدخلوا بشؤون الملك الخاصّة، حتى أنَّ سيهون حثَّ هيريم ألا تتدخَّل ولكنها لن تستمع إليه بالطبع؛ سيهون لا يعلم، وربما تكون ردة فعله أخشن من الملك على بناته لو علم؛ لكن الملك باتَ يَخُصَّها.

اقتربت من خلفه، ونادت عليه بلطف.

- مولاي!

إلتفت لها، كانت عيناه حمراء ولكن معالمه باردة.

- أين جيهان يا هيريم؟

أجابته بهدوء.

- في مكانٍ آمن.

زفر بنفادِ صبر ونبس مومئًا.

- احضريها وإلا لا تلوميني لو اقتحمتُ غرفة أخيكِ!

أرادت أن تعترض لكنَّهُ قاطعها.

- لكن...!

- اذهبي حالًا!

وما كان لهيريم خيارًا آخر سوى أن تُطيع المولى، ولكنَّها سوف تُحاول حماية الأميرة رُغم أنَّها تشُك في ذلك؛ فمن ذا الذي يستطيع الوقوف في وجه الملك؟!

ذهبت هيريم إلى غُرفة شقيقها سيهون حيثُ تكون إبنة الملك في غُرفتِه مع زوجته.

طرقت هيريم الباب مرَّتين حتى دخلت إلى الغُرفة، ووجدت الأميرة جيهان في أحضانِ جاهي؛ وما تزال تبكي.

اقتربت منهما مُتردِّدة وقالت.

-يا سمو الأميرة؛ الملك أمرني بجلبكِ إليه وإلا اقتحم حُرمة أخي؛ وذلك قد يُسبب لنا مشاكل لا نهاية لها.

سُرعان ما نهضت جيهان تنفي برأسها رُغم الخوف، وتقدَّمت نحو هيريم تقول.

-لا؛ أنا لا أُريد أن أُسبِّب مشاكل لأحد!

أومأت هيريم وخرجت تتبعها جيهان، كانت تَتبعها رُغم أنَّها تود أن تهرُب بعيدًا؛ ولكنَّها لا تستطيع أن تتجاهل والدها؛ مهما فعل وكيفما عاقبها تستحق.

وصلت إليه وهي تُخفِض رأسها وتقف خلف هيريم فيما تجمع كفّيها أسفل معدتِها؛ وفقط سمعتهُ يأمُرها بِجفاء.

- اذهبي إلى غُرفتي حالًا!

إنحنت له بطاعة ونبست.

-أمرُكَ أبي!

وتحرَّكت كيفما أمرها أبوها رُغمَّ أنَّ ذلك ليس بشارة خير؛ قد يُعاقبها عِقابًا عسيرًا، وفيما بيكهيون يقف خلف باب العيادة وينتظر الطبيبة خرجت، انحنت له ثم أخبرته ببِصرٍ مُنخفِض.

-مولاي؛ الأميرة ليست عذراء!

شهقت هيريم وبيكهيون من ثقلِ المُصيبة إنحنى ظهره، وتمسَّك برُكبتيه، خسارته لعرشه لم توجعه كما أوجعته خيانة إبنته ووزيره. هذه عقابها في قانون المملكة الموت، ولو أراد التخفيف فعليه جلدهم حتى تبرأ جلودهم عن لحمهم.

تُهمة المساس بعرضِ الملك خطيرة، في القانون؛ الملك يستطيع أن يأخذ أي فتاة أعجبته، ولا يكون بذلك قد تجاوز أي قانون؛ ولكن لا أحد يستطيع أن يأخذ منه أيُ فتاة تَخُصُّه لوما كان ذلك بإذنه... تكون العاقِبة الموت.

حالما رفع رأسه أبصرت هيريم بين جفونه القاسية دموعًا محبوسة، كبريائه وإنفتِه سجّانيها؛ لكنَّ غضبه حُر، ولن يردعه أحد.

دخل إلى الغُرفة بعصبيّة، وما استطاعت سماعه هيريم هو بُكاء الأميرة بيكهي، ثم توسلاتها وصرخاتها.

لم يلبث في الداخل دقيقة، وإلا وهو يسحبها خارجها من شعرها، كان خدَّها شديد الإحمرار، وثوبها من عند كتفها مُمزَّق.

- أرجوك يا أبي سامحني، أرجوك أنا آسفة!

لكنَّهُ كان كما لو لم يكُن واعيًّا، سحبها إلى غُرفته ودخل واغلق الباب، فقط هو وبناته بالدّاخل.

آتى جونغكوك يركض كذلك جونغ إن، قلبه لم يطاوعه أن يبقى خارج الإطار، كانت هيريم تقف بعجز أمام باب غُرفته.

-ماذا سيفعل بالأميرات؟

تسآل جونغ إن بقلق، ولكن هيريم نفت برأسها بعجز وهي تتنهَّد.

-لا أدري؛ حقًا لا أدري!

رأت هيريم في عيون جونغكوك الدموع، ولكن أيًّا من كبريائه ومكانته لم يمنعانه من إظهار ضعفه وعجزه في هذه اللحظة، بكى وجثى قُرب الباب، وتكلَّم في صوت يسمعه الملك؛ توسله.

-أرجوكَ يا مولاي لا تَضُرَّهن، أنا المُخطئ؛ أنا سأتحمَّل الذنب؛ أرجوك يا مولاي عاقبني أنا!

بيكهيون في الداخل كان يسمع توسُّلات جونغكوك، وكان هو يتنفَّس بغضب وعيناه جمرتين مُشتعلتين وثائر على آخره؛ الأُختان كانتا تتعانقان؛ وكأنما تحتميان ببعضهما رُغم العجز.

نظر إليهن ونبس في صوتٍ مُخيف.

- وزير لدي يتوسَّل إلي لأجلِ بناتي!

ثم اقترب منهن وانحنى على رُكبتيه فتعانقن بشِدَّة وهُنَّ يُبصِرنه بخوف؛ ولكنَّهُ هسهس.

- أتعلمن ما عِقاب تعريض عِرض الملك إلى الهَتك؟

لم تَجب أيًا منهن، ولكنَّهُن يعرفن الجواب بالفعل، وهو مُتأكِّد أنَّهُنَّ يعلمن. نهض على أشُدَّه وأدرك دولابه، حيث يقع بجوارِه كِنانة السِّهام، سحب منها أغلظ سهم مصنوع من الخشب، ثم ضربه ضد فخذه بقوَّة لينكسر رأسه؛ فيُصبِح أشبه بعصا.

حينها كلتاهن أصبحن يبكين بشدَّة ويصرخن.

-أبي أتوسَّل إليك لا تضربنا، نتوسَّلُ إليك!

جُنَّ جنون جونغكوك حينما سمع بذلك فوقف وأصبح يضرب على الباب بقوَّة ويصرخ.

-أرجوكَ يا مولاي لا تؤذيهن، سأدفع الثمن أنا، أضربني أنا بدلًا عنهن.

سمع صياح بيكهيون من الداخل.

- إن تجرّأت ودخلت أنتَ أو غيرك سأقطع رأسك ورؤوسهن معك!

إقترب من بناته، اللاتي يحتمين ببعضهن أرضًا، ورفع العصا فيما يقول.

-لا تظُنّي أنتِ وهي لأنَّكُنَّ بناتي؛ بنات الملك وأميرات؛ تستطِعن فعل أي شيء ترغبن فيه، وتنفُذن دون عقاب.

أنا لن تأخذني الرحمة بكن إطلاقًا، ومهما أوجعني قلبي عليكن لن أستمع له، ستتعاقبن مثل أي ساقطتين جلبن لاسمِ الملك والمملكة كُلَّها العار!

ثم أنزل عليهن العصا بقسوة، ورنَّ صُراخهن بأرجاء المَقرِّ كُلِّها، العِقاب في القانون مائة جلدة، ولكنَّهُ توقَّف عند العشرين، تحجَّج لنفسه بأن يده أوجعته، ولكنَّ في الحقيقة قلبه ينزف؛ والضربة قبل أن تضرب أديم واحدة منهن كانت تضربه.

كُنَّ يبكين، ويصرخن، ويتوسَّلن، حتى حاولن الهرب ومُعرقلتِه؛ لكن كل ذلك لم يُفلح.

رمى العصا جانبًا وهو يتنفَّس بصعوبة، وهن أرضًا مُحمرّات ومُدميّات يبكين بصعوبة وصوت آهاتهن خرم أُذنيه.

إزدرئ الغصَّة العالقة في حلقه، ثم هسهس مُهدَّدًا.

-ستبقي أنتِ وهي هنا، ممنوع أن تخرجن، وممنوع أن يدخل عليكن أحد، ممنوع أن تُعالَجن، ولا تأكلن، ولا تشربن، ولا حتى تنامن... لم ينتهي العِقاب بعد.

حينما فتح بيكهيون الباب؛ إستطاع جونغكوك لمح بيكهي أرضًا على بطنها وحالتها مُزرية، تبكي بشِدة وجسدها مُمزَّق كما ثيابها.

وذلك قبل أن يمسك الملك برداءه، ويسحبه بقوَّة معه خارجًا، وجونغكوك طاوع الملك، لن يَصُدَّ يده أبدًا ولو أراد قطع رأسه.

توقَّف بيكهيون حينما دخل به إلى إحدى غرف التحقيق، حينها ركع جونغكوك أمامه وأخفض رأسه يقول.

- لو أردتَ أن تقتُلني فسمعًا وطاعة يا مولاي؛ لن أُخالف لك أمرًا.

أخفض بيكهيون نفسه، وجلس القُرفصاء أمامه، وضع قبضته على كتف جونغكوك، وشدَّ بقوَّة لدرجة أنَّ الوزير أغلق عينيه لشدةِ الألم.

- لِمَ دومًا على الخيانة أن تأتيني من أقرب الناس إليَّ يا جونغكوك، بِمن أثق حينما تخونني أنت، وأنت أكثر من أثق به؛ بمن أثق؟!

لم يخشى جونغكوك أن يُظهر ضعفه أمام المولى إذ قال.

- لطالما كان ولائي لك وسيبقى حتى لو قتلتني الآن سأرضى؛ يمكنني أن أتحكَّم بخوفي من الموت وأُبقي رقبتي مُنحنيّة لسيفك، وسأُطيعك لو عذَّبتني، حتى لو قلت لي أن أقتل نفسي سأفعل... لكن أنا لم أستطِع أن أتحكَّم بصوتِ قلبي؛ أنا آسف يا جلالتك!

أغمض بيكهيون عينيه مُزفِرًا بعُمق، ثم همس.

-اخبرني الحقيقة كاملة الآن، ولا تكذب، لو فعلت سأقتل فلذَّة كبدي أمامك، تحدَّث!

تنشَّق جونغكوك بصعوبة وقصَّ على المولى.

- في الحقيقة؛ أنا مُعجَب بالأميرة بيكهي مُذُّ أن إلتقينا هنا، لكنَّني أقسم بحياتك أنَّ لا عيني ولا يدي ولا حتى قلبي مال إليها بطريقة سيئة، كنتُ وما زِلتُ أُحِبها بطريقة نظيفة.

قاطعه بيكهيون بغضب.

- تُحبها بطريقة نظيفة وعادت إمرأة لِرَجُل؛ لو كنتَ صادقًا كنتُ لألتمس لك العُذر!

وقف بيكهيون؛ لكن جونغكوك رفع رأسه سريعًا وقال.

- أنا مُخطئ، أنا أعلم... لم أستطِع مُقاومتها؛ استحق العقاب، لكن اغفر لها أرجوك!

صرخ بيكهيون عليه.

- لا تُملي علي ما أفعله ببناتي!

أخفض جونغكوك رأسه وسمع جلالته.

-أمامك خياران؛ الأول أن أُطلقكما، ويعيش كل واحد منكما في بؤس للأبد، وتحتفظا بمكانتكما؛ تبقى أنت وزير، وهي أميرة.

الثاني؛ أن أُبقي على زواجكما، ولكن أجردكما من الألقاب الملكية والساميّة، ومن الثروة، والعائلة، ومن الوطن.

تعيشان في منفى مع الفلاحين، وتعيشا حياتكما مثلكما مثل الطبقة الكادحة ، ولا أعرف لكما أرضًا، ولا تعرفون لي وجهة.

بلا تردُّد ورُبَّما بأنانيّة جونغكوك إختار.

-نبقى معًا.

تضاحك بيكهيون بغضب، هو يُحبها حقًا، لقد تخلّى عن كل شيء لأجلها، ولكنَّهُ بأنانيّة جرَّدها من كُل شيء كذلك، وبيكهيون الآن يُدرِك هذا الحُب الآن، خرج بيكهيون فيما يأمر السجّان.

-اجلدوه مائة جلدة واتركوه في السجن حتى آمُر بإخراجه؛ احرصوا ألا يموت.

قبض جونغكوك يده وأخفض رأسه، لا بأس؛ سيتحمَّل ذلك، لقد توقع الأكثر حتى.

خرج بيكهيون إلى ساحةِ المقر مُترهل الكتفين، ثم جلس أعلى صخرة كبيرة، كل ما فعله لم يُخفِّف عنه شيء، ما زال يحترق في غضبه.

الآن لا يدري ماذا يفعل؛ لأنَّ ما حدث لم يَكُ متوقعًا؛ بناته، اللاتي كان أول من حملهن، هُنَّ من كسرن ظهره، والرَّجُل الوحيد الذي اعتبره صديقه وقرَّبه منه هو الذي خانه.

ما زال لا يُصدِّق، لا يُصدِّق أنَّهُ تعرَّض لخيبة كاسرة للظهر مِمَّن كان يؤمِّنهم على حياته، ولا يشك بمثقال ذرَّة من وفائهم له.

الآن قد تعلَّم الدَّرس القاسي؛ ألا يَثق بأحد، وألا يتساهل مع أحد كائنًا من يكون... سيقتل قلبه لو إحتاج.

هيريم راقبتهُ من بعيد، ولم تذهب إليه ولا عنه، ولم تقترب منه أيضًا، هيئته المُنكسرة كانت واضحة، كانت تعلم أنَّهُ بحاجة لبعضِ الوقتِ وحده.

ستُخفِّف عنه؛ لكن حينما تستطيع أن تُخفِّف عنه، الآن فقط ستكتفي من مُراقبته من بعيد؛ كي تتأكَّد أنَّهُ لن ينهار. تعلم كم هو ملك ذكي ومُحارب قوي، ولكنَّها لا تعلم كم يكون أبًا ثابتًا وكم يكون أبًا مجروحًا.

.

..

في القصر؛ التحضير للحرب ضد المُتمرِّدين تسير على قدمٍ وساق، والملك تشانيول بنفسِه يُدير الخُطّة الحربيّة؛ خُططهُ الحربيّة لم تفشل أبدًا؛ فقبل أن يكون ملك هو قائد الجيش الأول؛ الأمير الجينرال تشانيول، الآن بات ملك ولكن بقي قائد الجيش؛ لذلك هو ليس خصمًا يُمكن الإستهانة بقُدراته الحربيّة أبدًا.

قد لا يكون مُناسبًا للعرش، ولكنَّ لا أحب أفضل منه في قيادة الجيش، وبالتأكيد جماعة القمر الدموي يعلمون ذلك، أن لهم عدوًا صعب جدًا التفوق عليه.

ليس مستحيل فقط لأنَّ بيكهيون يقودهم، وهو قد قاد حروب كثيرة في زمانه، وقائد الجيش الأعلى.

ستبدأ الخُطة الليلة، وسيبدأ الجيش بالتَّحرُّك هذه الليلة، وحقيقة أنَّ مشكلة الملك أتت في هذا الوقت ليست من صالح بيكهيون والمتمردين أبدًا؛ لأن تشانيول يستغل الظروف، لا يُراعيها ولو كان ذلك دون وعي.

كان يسير ضمن كوكبة من رموز الجيش إلى مُفترق؛ حيث قصر النساء، حيث لا يمكنهم الدخول.

-احرصوا ألا يكتشفوا حركاتنا حتى صباح الغد على الأقل.

اخفضوا رؤوسهم له بطاعة قبل أن يعودوا أدراجهم.

- أمرُ مولاي الملك!

أومئ لهم وهم يغادرون من أمامه، حسنة أخرى لصالحه أن قيادته للجيش للسنوات جلبت له وفائهم؛ لا يمكن أن يخونوه تحت أي ظرف، وهو يعلم أن الولاء أهم من العتاد؛ وهو يملك الأمرين.

الوزراء، كِبار البلاط، وحتّى العائلة... جميعهم قد يخونوه؛ ولكنَّ عهد أركان الجيش بالولاء مكتوب بالدَّم.

يعلم تشانيول أنَّ البيادق كما البنادق لا وفاء لهم؛ لكنَّ القطيع يحكمه ذئبًا واحد، وما يخرج عن القطيع ما يكون إلا دَرَن؛ وجب إستئصاله.

الآن؛ وبهذهِ الليلة الأخيرة قبل القيامة؛ قرَّرَ أن يبيتَ في أكثر حُضن يُحبُّه رُغم أنَّهُ حُضن غدَّار ووعِر؛ في حُضنِ الملكة رايناه. فالمُحارب ولو كان مُرتاح لِخُطَّته لا يُمكنه أن يضمن النَّصر حتى يسقط الملك.

ففي لُعبةِ الشطرنج؛ قد تتحرَّك البيادق بِحكمة لحماية الملك، ولكن حينما تَصِل البيادق إلى رقبته لا تدرك أنَّ جرَّدت رقبتك من الحماية، وهي التي تعرَّضت للقطع في النهاية؛ قد تخسر حينما تظن أنَّكَ الفائز، وساحةُ الحرب مثل رُقعة الشطرنج؛ غدّارة، وماكرة، والأهم تقف في صفِّ الأذكى؛ لا الأقوى.

أعلن حرسُ بوّابة الجناح أنَّ الملك قد وصل؛ ثم تشانيول دخل إلى زوجتِه الملكة؛ فوجدها مُضجعة في فراشها وجهها أصفر، وحينما أحسَّن بدخوله حاولت النهوض؛ ولكنَّها كانت أضعف من أن تقدر أن تسند بدنها.

هرع لها مُسرعًا، وترك خلفه كل غضبه وأستيائه منها، فما زالت خيوط قلبه بيدِها تحت حُكمها، وما زال لا يقدر على الفُراق، والإبتعاد، والجوى، واللهفة.

ما زالت رايناه، وستبقى حتى يموت نُقطة ضعفِه الوحيدة، وقلبه الحُر من ضلوعه، ستبقى دومًا حبيبتُه والمرأة الوحيدة في قلبه مهما نصبت مخالبًا في ظهره، ومهما رفعت سيوفًا نحو عُنقه، ستبقى حُبُّهُ العقيم المُضِر؛ ورغم معرفته بذلك؛ لا يستطيع التَّخلّي عنها.

أسند بدنها الضعيف إلى بدنه المُشتد، جعل رأسها على صدره، وذراعها وتَّدا بدنها به، ثم همس بقلق.

- ما بكِ مُتعبة؟ هل أتت الطبيبة لرؤيتك؟

نفت بصعوبة وهي تتنفَّس بغلظة.

- لا

سُرعان ما نادى تشانيول الحرس، وأمرهم بإحضار الطبيبة لفحصها، ثم حملها بِلُطف على ذراعيه، ومدَّها على السرير، ثم دثَّرها بالأغطيّة.

اقترب ليجلس بجوارِها، ويده أخذت تُبعد خُصل شعرها عن وجهها، نظر إلى وجهها المُصفَّر بقلق وهمس.

- كم مَر مُذُّ أن رأيتُكِ آخر مرَّة؟!
دَهر؛ لا أدري بِكم تُقدرينها أنتِ.

مهما فتنني حُبّي ووسوس لي لأركض إليكِ كنتُ أمتنع بالكاد، وأتذكَّر أنَّ سهمكِ الغادر ما زال مُنغرِسًا في ظهري.

أعلم أنّي لا أعني لكِ شيئًا، لكنَّكِ تعنين كُل شيء بالنِّسبةِ لي.

حتى أنَّكِ رُبَّما تُرديني ميّتًا الآن، ورُغم أنَّ ذلك قد يتحقَّقَ غدًا أو بالأيّام المواليّة القريبة؛ لكنَّني إخترتُ أن أقضي ليلتي الأخيرة في كُنفك رُغم أنَّهُ كالأشواك، ورُغمَّ أنَّني قد أكون وجبة دسمة لشماتتِك.

أردتُ منكِ أن تتذكَّريني لو مُت، لا تنسيني حتى لو كُنتِ تكرهيني؛ ما زِلتُ زوجكِ في النِّهاية، وأنتِ عالقة معي إلى الأبد سواء كنتُ حيًّا أو ميّتًا.

وصلت الطبيبة لِتفقُّد حال الملكة، وتشانيول نهض من قُربِها ووقف بعيدًا فيما إنسدلت الستائر لفحصِ الملكة.

دقائق وظهرت الطبيبة، وعلى وجهها إبتسامة مُتملِّقة، اقتربت من الملك القَلِق وبشَّرته بالبُشرى، الذي ينتظرها مُذُّ ردحٍ طويل من الزَّمن.

- جلالةُ الملكة رايناه حامل، مُبارك جلالتك!

إرتفع حاجبا تشانيول بتفاجئ، ثم قهقه من فرطِ الفرحة، وبلا أن يُفكِّر خلع إحدى خواتمه ووضعه بيد الطبيبة يقول.

-مُتأكِّدة مِمّا تقولينه؟!

أومأت الطبيبة فيما لم يسبق لها أن رأت الملك تشانيول سعيد إلى هذه الدرجة بحياته كلها؛ كما لم يرَاه أحد.

- نعم مولاي؛ مُتأكِّدة. جلالة الملكة في شهرها الثّالث بالفعل!

ضحك تشانيول بسعادة مُفرطة وهرع إلى رايناه، رفعها بين ذراعيه وعانقها بِشِدَّة فيما قد زحفت دمعة سعيدة إلى عينيه.

- شُكرًا لكِ؛ حقًّا شُكرًا لكِ!

ورايناه لم تستطِع أن تُحرِّك ساكنًا، فقط الدموع سارت على وجنتيها، لا تدري إن كانت بائسة أم آنسة.

إبتعد تشانيول قليلًا وطبع قُبلة على جبهتها، ثم أمر الجميع بالمُغادرة وإطفاء الأضواء؛ تمدَّد بِقُربِ زوجته، جعل ذراعه أسفل رأسها، واقترب منها يقول في سعادة.

- حافظي على ابني حتى لو لم أُعد، هذا طلبي الأخير!

أومأت له؛ فمسح دموعها بإبهاميه وهمس لها.

- لا تبكي؛ أعدُكِ أنّي لن أقتُل أخاكِ، أنتِ قدمتِ لابني حياة، وأنا سأُقدِّم لأخيكِ حياة، أنا سأرُدَّ لكِ المعروف كما يَجب.

رفعت رايناه بصرها إليه، وقالت بصدق، لم تَكُ هذهِ المرَّة تخدعه.

- لا بأس لو خسرت العرش؛ لكن لا تموت. تذكَّر أنَّني وابنك خلفك، ننتظرك!

صحيح أنَّها غاضبة منه، ورُبَّما تكرهه، كادت له ولا تُريدُه أن يبقى الملك؛ ولكنَّها لا تُريدُه أن يموت أبدًا... لا تُريد أن ينتهي هكذا وإن كان يستحق.

............................

يُتبَع...

"خيبة"

العنقاء||The Emperor's Return

30th/Oct/2021

.......................

سلام❤

-وقفة لإستقبال البندورة والبيض من الجمهور-🧘‍♀️

كم لبثنا؟!🌚

بالله ما حد يلومني الحق على فينشينزو كاسانو أخذ عقلي... آخخخ واقعة في الحُب لأخمصي😍

أوكيه؛ رغم عدم مرور أزمة الحُب في سونغ جونغ كي؛ لكن رح أرجع للتحديثات الأسبوعيّة قدر الإمكان.

بس أحتاج دعمكم ومُساندتكم ليدفعني كلما أحبطت، واتذكر أنو في ناس لسة بتحب أشاركها أفكاري.

اه وحبيت أخبركم... الرواية مش رومانسيّة بحتة، الرومانسيّة مجرد إطار، لسة الصراعات القادمة كثيرة جدًا ومعقدة، أنا لسة ماشية على مهل.

خصوصًا الصراعات بين بيكهيون وهيريم؛ لهيك لا تتوقعوا أن خزاناتكم العاطفية ح تتملى على الأخير.

الفصل القادم بعد 150 فوت و200 كومنت.

١. رأيكم ببيكهيون؟

2. جونغكوك؟

3.جيهان؟

4. بيكهي؟

5. هيريم؟

6. سيهون؟

7. جونغ إن؟

8. تشانيول؟

9. رايناه؟

10. توقعاتكم للحرب؟ ولعلاقة بيكهيون ببناته وصديقه الوحيد؟

11. رأيكم بالفصل ككل و توقعاتكم للقادم؟

دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤

© Mercy Ariana Park,
книга «العنقاء/ The King's Return».
CH26||الحُب والحرب
Коментарі