CH4||كرامة الملك
بيون بيكهيون (الإمبراطور)
بطل:
العنقاء||The King's Return
"كرامة الملك"
...
"هل تُريدينَ أن أُنهيكِ كما فعلتُ بِها؟!"
إرتعدت أوصال رايناه حينما وصلت حدود الجُدران المَنيعة التي تحبسها، بينما كان تشانيول يأتيها من خلفها.
لم تَكُ لِتفعل أي شيء الآن سوى أن تلتفت إليه قبل أن يصلها، وتجثو على رُكبتيها تتوسله الغُفران، لأنه سيُعذِّبُها دون أن يُزهِق روحها.
"أنا آسفة تشانيول، أنا حقًا آسفة، لن أعصي لكَ أمرًا مُجددًا، فقط اعفُ عني أرجوك!"
جلس القُرفُصاء أمامه، وضَحكَ سِنّه بِمَلعنة، رفع ذقنها له حتى استوت نظراته المُتجبِّرة في عينيها المُرتعبتين.
"أميرتي لا يُمكن أن تَعصيني مُجددًا، صحيح؟!"
حرَّكت رأسها بإيجاب، لكنها أنَّت، وأغمضت عيناها؛ تمتعض ألمًا عندما إزدادت يده قَسوة على ذقنِها.
"لأنَّك لو عصيتني وحسب سأترك لكِ علامة سيئة جدًا على عُنقِك"
قرّبها منه بقسوة، فشهقت بخفّة، وتدافعت الدموع؛ لتظفر بحُريتها خارج جفونها المُنسدِلة.
"علامة سيئة من سيفي حبيبتي"
إقترب أكثر حتى لامست شفتاه أُذنها، وهو يهمس لها.
"وأنا أُحبُّ عُنقِك، وأُحب أن أُزيّنُهُ بِشفاهي، لذا لا تجبريني أن أشوهه لكِ، تفهمين؟"
أومأت، فأفلت ذقنها، وتحسس بأنامله خطَّ فكِّها المَصقول، ثم نبس يبتسم.
"تعلمين ماذا؟
أشتهيكِ"
بان نابيه لِسِعة بَسمته حينما أصبحت تبكي بأثير، العذاب النَّفسي أفضل من العذاب الجسدي، أن تخشى لقاء الموت أصعب من أن تلقاهُ فعلًا.
وإمرأتُه الأولى هي الأميرة المُبجَّلة الأولى لإمبروطورية اليوان العظيمة، ابنة الملك الراحل، وأُختَ الملك الحالي، وعمَّة ولي العهد، كذلك إمرأة أمير يوان الوحيد... لذا لا يصح أن تتأذّى جسديًّا علنًا.
رفعها من عِضدها حتى وقفت على ساقيها، ودفع بها أمامه فتهاوت بخطوات تفتقر للتوازن.
"امشي أمامي إلى جناحي حبيبتي، فيبدو أن الليلة لن أدعكِ تنامين"
رايناه سارت مُجبرة لتُلبّي رغبات زوجها، وبخنوعٍ سبقتهُ إلى جناحه بخطواتٍ مُتخاذِلة، وما إن إنغلقت عليهما الأبواب؛ ألقى الأمير بسيفه كذا بدرعِه جانبًا وأتاها.
تعمّد ألا يمسح أثر الدماء عن يده، ولوَّث به وجهها الحَسَن عن عمد، ليُسبب لها فزعًا ما بعده فزع، فرَّغته بنحيبٍ يُمزِّق الأفئدة، إلا أن فؤاده هو يتغذّى على الأذيّة هذه.
جرّدها من عباءتِها الملكيّة، ثم الرِّداء الذي يكون أسفله، وما بقيت أمامه إلا بِفُستانها الداخلي، وهو من قماش ناعم وخفيف باللون الأبيض.
وفيما يقف بظهرها، وهو يسمع نحيبها، ويرى شهقاتِها القاسية تُمزِّق صدرها، لم يهتم، وفقط رطَّب عُنقها الطويل، الذي يُحبُّه، بشفتيه الجارِحة، قبض على خصرها بذراعه الصَلِدة، ودفع بها بخشونة إلى رِضاب سريرهِ الواسع، ليرتكب على جسدها جريمة؛ لا يعترف بها قانون ولا مُجتمع.
فالمرأة مُلكٌ لزوجها، إن شاء عزّها وإن شاء ذلّها، إن شاء ضربها، إغتصبها، حبسها... لأنها ببساطة مُلكيته الخاصّة، التي هو حُر أن يفعل بها ما شاء.
الإختلاف مع رايناه صغير، وهو أنها أميرة اليوان؛ أي لو أنّ ظِفرها تأذّى تنشب حربًا؛ يموت فيها مئات الآلاف من الرجال، لذا لا يمكنه أن يلحق بها الأذى، الذي يمكن مُلاحظته، العذاب النفسيّ الذي يمارسه عليها يترك نُدَب في القلب، والقلب لا يُرى؛ إذًا لا بأس طالما هي مِلكه.
ضمَّت الغطاء على جسدها، الذي تعرّى عن سِتره، وبكت، بكت دون أن تزعجه بِبُكائها، لقد تألَّمت لأنه يؤلم كرامتها، فنّان في أذيّتها بطريقة لا يُمكن أن يُحاسبه فيها أحد.
أما تشانيول؛ فبعدما استجمع أنفاسه ابتسم، إنها تمنحه شعورًا لا يحسّه مع أي إمرأة غيرها، فرغم أن محظيّاته أكرم منها عليه، ويفعلنَ من أجله ما يشاء ليرضى، بل يتشاجرنَ لأجل ليلة معه.
لكن... لطالما منحته رايناه أفضل شعور عندما يكون معها؛ سواء إن رَضيت أو أُجبِرَت، كم يُحب أن ينظر في عينيها العسليّة وهي بين يديه!
يشعر بخوفها منه ورغبتها الخجولة فيه.
لا يدري إن كان شعوره صائبًا أم لا، لكن هذا ما يشعر به معها.
....................
مَرَّت ثلاثةِ أيّام بِلياليها؛ وما زال الوزير الأول جونغكوك يُفكِّر دون أن يُدلي بِقراره الحاسم حول ما يظنُّهُ بجماعةِ المُتمرِّدين هؤلاء.
كان يقف خارج فوهة الكهف فيما يعقد يديه خلف ظهره؛ ينظر إلى المُتدرِّبين من الرِّجال اليافعين وحتى الأطفال؛ وهم يتدربون على فنون القتال القاسيّة.
أتت هيريم، وتوقَّفت بُعد مِتر عن الوزير جونغكوك من خلفه، وعندما أحسَّ بها تقف خلفه، وتنظر إلى ما ينظر إليه؛ تسآل.
"ما الغرض من تدريب هؤلاء؟"
أجابتهُ بإقتضاب.
"تجنيدهم لدينا"
إلتفت لها جونغكوك مُستاء السِّنحة، ونبس.
"ولِمَ تُأسِّسون جيشًا؟!"
تنهدت هيريم، فنبرته معها لا تتحسَّن، وأشارت بيدها حول المكان لتقول.
"انظر في المكان رجاءً أولًا وستحصل على إجابتِك"
لكنه لم يحرِّك بصره؛ ليتقفّى إشارتِها أبدًا، وينظر في أسبابها، إنَّهُ رجُلٌ عَنيد... لذا إختارت أن تتحدث عن أسبابها عِوضًا عن ذلك.
"هذا الكهف خلفك، بِه أكثر من ألفِ نفسٍ بشريّة، منهم الأطفال والنساء، من سيحمي كل هؤلاء؟"
تنهدت واقتربت؛ لتقف في حدوده، واتبعت تنظر في شفق المغيب.
"هؤلاء الرجال إما مُنتسبون لنا أو رجالًا أنقذناهم وعليهم دفع دينهم لنا بتأدية مهمة لصالحنا.
وأما الأطفال؛ فهُم أبناء جنودنا وجُندياتنا، هُم مُستقبلنا أيضًا؛ إذ نُرتِّب الزيجات بين مُنتسبينا رجالًا ونساءً، ونُزوِّج من جمعهم الحُب"
تهكّم جونغكوك ضاحكًا.
" هل تُفكري بتأسيس دولة لكم؟"
نفت برأسها، وإلتفتت لتنظر في عيني الوزير ذي المزاج الساخر.
"نحن نحاول أن ننجو ونعيش بكرامة فقط"
نظر في هاتين العينين الكامدتين، إنهما من نجمِ الدُّجى، تلمعان رغم العتمة... يرى فيهما وجع لكن عصيان وقوّة، عجيبة هذهِ المرأة، لم يرى مثيلًا لها أبدًا.
وفيما هو شارد بعينيها الغاويتين؛ تبسَّمت شفتاها، ونبست فيما تتراجع عنه بخطوات.
"حضرة الوزير؛ لا تُحاوِل حصر قوّاتنا، فهذا المكان ليس مَقرِّنا الرئيس، وليس فرعنا الوحيد، وألف شخص عدد ضئيل في جيشي"
منحته ظهرها وعادت إلى الكهف، وهو في أوجّ صدمته من تقديرها؛ وما إستطاع أن يقيس مدى قوتهم أبدًا، لكن مهما كانوا أقوياء؛ لا بُدَّ أن جيش اليوان أقوى بكثير منهم.
فالجيش يقع في بِضع مئات الآلاف، ولهم عُدة مُذهلة تكفي لتسيطر على كل حدودهم المُمتدَّة على رُقعةِ آسيا وتحميها كُلها، ويستحيل على مجموعة من المُتمردين مهما كثروا أن يتفوَّقوا على قُدرات الجيش، لكنهم بالفعل يشكلون فوضى ولغط داخل البلاد، وسيطهم ذائع من قلب العاصمة وحتى أطراف البلاد.
إلتفت، فرأى الشاب الأسمر جونغ إن يرمقه بغيظ من بعيد، والوزير جيون حقًا لا يدري من أين يأتي هذا الرجل بالبأسِ والجُرءة لينظر له بإزدراءٍ هكذا.
خرج من خلف الأسمر أخوه الشاحب، فربّت على كتفه ودخل الأسمر، وأما الشاحب فنظر إلى الوزير جيون وانحنى له، شتّان ما بين الأخوين.
فالأسمر وقح ودومًا منهُ غاضب، والشاحب مُحترَم وذا رزانة وأخلاق عالية.
تقدم الشاب الشاحب حتى وقف في موضع أُختُهُ سابقًا.
"حضرة الوزير، أتحتاج شيئًا؟!"
نظر له جونغكوك وهمس.
"لدي بعض الاسئلة، أستُجيب عليها؟"
"بما يسعني سيدي، تفضَّل"
"لِمَ تساعدون الملك؟"
تنهد سيهون ونظر في الأُفُق الذي أظلم.
"لدينا أسباب كثيرة... إن رغبت أن تسمع سببًا عاديًّا؛ فذلك لأننا من اليوان، نحن أبنائها ولو غضبت علينا وأزدرئتنا.
وإن رغبت أن تسمع سببًا مشوِّقًا؛ فذلك لأن ثمّة دَين برِقابِنا للملك، ونبغي ردَّه له ريثما يحتاجه."
"وهل لي أن أعلم ما هو هذا الدَّين؟"
تَبسَّم سيهون ونفى برأسه يقول.
"ستعلم حينما يحين الموعد... ليس الآن سيدي"
رمقه جونغكوك بنظراتٍ يحاول فيها قرائته، لكن تلك الملامح لا تتكلم، فسيهون شحيح التعابير، دومًا ما تكون ملامحه جامدة.
لذا الوزير جيون لا يدري إن كان هذا الدَّين، الذي للملك عليهم، دين ينفعه أو يضرُّه، تنهد جونغكوك ثم استطرد.
"حسنًا، اخبرني ما الذي ستفعلونه الآن"
نظر له سيهون وهمس.
"إنها الأميرة بيكهي الآن"
عقد جونغكوك حاجبيه يقول.
"ولِمَ الأميرة؟"
"الأمير تشانيول يسعى خلفها بالخفاء"
تنهد جونغكوك وأزدرئ جوفه، بالطبع الامير الثُعبان لن يهدأ له بال حتى يحصل على ما يُريد، وهو بكُلِّ وضوح يُريد الأميرة بيكهي له.
"اخبرني المزيد"
.........................
في إجتماع رِجال المحكمة؛ الملك لم يحضُر بعد، والوزير جونغكوك لا أثر له، وذلك ما يجعل الوزراء ناقمون عليه، والأمير تشانيول سعيد نوعًا ما، فلا يمكن تفسير إختفاء الوزير إلا بموته.
فالذي قتله وفّر عليه جُهد إغتياله، وتلفيق تُهمة، وإخفاء الأدلّة، لقد إستاء في البداية وغضب غضبًا شديدًا، لكنه الآن مُرتاح البال، فلا يوجد الوزير الأول جيون ليُنغِص عليه معيشته.
اليوم الأمير تشانيول يدري ما الذي سيقوله في إجتماع المحكمة.
"جلالة الإمبراطور المُعظَّم وصل بلاط المحكَمة!"
وقف الجميع بما فيهم الأمير، واخفضوا رؤوسهم لإستقبال الملك، الذي قطع الطريق بينهم حتى صعد إلى عرشه، وجلس عليه بهيبة ووقار، ثم أشار لهم أن يرتاحوا على مقاعدهم.
جلس كُلٌ في مجلسه إلا إن الأمير تشانيول بقيَ واقفًا؛ لأنه يخطط أن يُحدد مِحور حديث اليوم؛ الوزير الأول جيون جونغكوك.
"مولاي؛ أظن أنَّهُ علينا أن نُقرر بشأنِ الوزير الأول جيون جونغكوك"
نظر له الملك بيون ونبس.
"وماذا بشأنه سمو الأمير؟"
"مولاي؛ أرى أنَّه من الأفضل لو تحسم قرارك بشأن مُعاقبته على الخيانة التي ارتكبها، والتَّهرُّب من مسؤولياتِه الموكلة إليه، فلا أرى من الصحيح ألا يُصدَر بحقِّهِ عِقابًا، ولا أرى أيضًا أنَّه من الصحيح أن يبقى مَحلَّه شاغرًا فارغًا هكذا"
أشار الملك للأمير أن يجلس بعدما أنهى كلامه، ثم توجَّه بحديثِه للعامّة جميعًا.
"لا نملك دليل قاطع يقول أن الوزير جيون خائن أو مُتهرِّب من مَهامِه الملكيّة، الوزير جيون مفقود، وحتى أجده سيبقى مكانه فارغًا هكذا، وينوب عنه الوزير الثاني في البلاط؛ الوزير كيم جونغداي"
إنحنى الوزير المعني برأسه لجلالة الملك؛ تسلُّمًا لمهامه الإضافيّة.
"أمرُ جلالتك!"
أومئ الملك، ثم نظر لابن عمّه الأمير وقال.
"دعونا لا نستبق الأحداث، وننتظر الأخبار في صبر، حسنٌ يا تشانيول؟"
انحنى الأمير لجلالته ونبس رغم عدم رضاه.
"أمرُكَ مولاي"
تنهد الملك ثم قال.
"القضيّة التاليّة"
تحدث الوزير الثاني المدعو جونغداي قائًلا.
"مولاي، أصبح ذكرى مولد ولي العهد الصغير قريبٌ جدًا، هل نبدأ بالتحضير لحفله؟"
سُرعان ما تعبئ وجه الملك بالفرح، وشفتاه تزيّنت بإبتسامة هادئة.
"بالطبع، خَصِّص مليون قطعة ذهبيّة لتوزَّع على الناس في ذكرى مولده، واشتري ألف طُن من الحرير، وألفًا من التوابل، وألفًا من العطور والبخور، وألفًا من الشاي؛ لتوزيعهم على النّاس بهذهِ المُناسبة العظيمة"
"أمرُكَ مولاي!"
ودَّ الأمير تشانيول أن يضحك مِلئ شدقيه لما يسمعه، فلن يحين على الملك وقتًا ليحتفل به بمولد خليفته الصغير، فلا يدري أحد من يموت إلى ذلك اليوم.
وأما آلاف الأطنان هذه؛ فستدُر عليه أموال طائلة ما أن يبيعها في السوق الغربيّة، فبني الأصفر يعشقون هذه المُنتجات، ويتهافتون عليها مهما كانت غالية.
لكنه الآن سيكتفي بمُراقبة كُل شيء وهو يضحك، لأن القادم لا محالة مُلك يده، وبيمينه سينفض السُلطة من يد هذا الملك ويستلمها عنه، فيكفيه عشرون عامًا مُذُّ تولي مهمام العرش، الآن قد حان الوقت ليتنازل عنه لمن هو أكثر كفاءة منه.
بعد إنتهاء الإجتماع، وبعد أن غادر الملك بلاطه الملكيّ؛ إقترب إحدى الوزراء المواليين للأمير تشانيول منه، وهمس له قُرب أُذنِه يُخبره.
"مولاي؛ الليلة ستكون لديكَ الأميرة بيكهي"
استرخى الأمير على مقعده، وبزغت إبتسامة على شفتيه، لقد حان الوقت ليضم تلك الصغيرة بين زِنديه، ويكسب من خلالها الكثير من الإنتصارات.
إبتداءً بإنتصارٍ سريري معها، وانتهاءً بإنتصار السُلطة، والحصول على العرش، والتاج، والختم الملكي.
...........................
خرج الملك بيكهيون من بلاطه الملكي؛ وسار في القصر بشرود يُفكر بما عليه أن يفعله، فالأمير تشانيول يبسط ذِراعه أكثر في غياب الوزير جيون، ويفرد عضلات تَمرُّده في البلاط الملكيّ أكثر.
سار حتى بلغ حرمه في شرود، وهناك وجد إبنته الأميرة جيهان تجلس قُرب بُحيرة البَجع وحدها، أشار لحاشيته ألا يتبعونه، ثم سار ناحية ابنته.
"صغيرتي جيهان!"
إلتفتت جيهان برأسها إلى ناحية الصوت، ثم سُرعان ما أستقامت وانحنت لوالدِها، اقترب منها، وتمسّك بكتفيها يقول بإبتسامة خافِتة.
"أباكِ مُتعب، هل يمكن أن تساعدني ابنتي قليلًا؟"
إنحنت له برأسها، وهمست.
"بالطبع أبي"
أحاط كتفيها بذراعه، وجعلها تسير معه نحو الترّاس قُرب الجِسر، الذي يعلو البُحيرة.
"كيف تسير دراسة ابنتي الثمينة؟"
تبسَّمت جيهان ونبست.
"بخير أبتاه، إنّى أدرس بجد"
أومئ، وربّت على شعرها، وما إن وصل بها إلى الترّاس، جعلها تجلس، ثم حَطَّ رأسه على ساقيها، ووضع على وجهه القماش الزائد عن حاجته من كُمِّه، وتنهد.
مَر الصمت بصُحبة دقائق وفيرة، وأخيرًا جيهان تحدثت بما يدور في خاطرها.
"أبي؟"
"هممم؟"
نبست بتوتر.
"هل يمكن أن أسألك سؤالًا؟"
همس بنبرٍ واسِن.
"افعلي صغيرتي"
قضمت شفتاها قبل أن تسترسل بالحديث، لكنّها فعلت أخيرًا تستجمع بأسها وشجاعتها.
"لقد سمعتُ أن عَمَّتي رايناه قد تزوجت بخالي تشانيول وهي بعُمري، أهذا صحيح؟"
"نعم"
"لِمَ أبي تزوجت باكرًا؟"
رفع بيكهيون يده عن وجهه، ونظر في وجه ابنته الجميلة يقول.
"لأن جدًّكِ هكذا أراد"
رفعت حاجبًا في قلق وتسآلت.
"هل ستزوجنا هكذا أيضًا؟!"
"لا"
رفع بيكهيون يده، ليربت بها على وجنة طفلته قائلًا.
"بناتي ما زِلنَ صغيرات، أنتِ وبيكهي أغلى ما أملك، لذا لا يمكن أن أُسلمكنَّ للرِّجال وأنتُنَّ بهذا العُمر الصغير.
أولًا يجب أن تتعلمن، وتُتقنَّ بعض المهارات المُهمة، ثم عندما تصبحن ناضجات؛ يمكنكنّ الزواج، والخروج من عُشّي إلى أعشاشكُنَّ الخاصّة"
تبسّمت جيهان ونبست.
"شكرًا لك أبي؛ لأنّك لا تُفرِّط بنا كما فعل جدّي بعمّتي"
تبسّم بيكهيون، ونقر أرنبة أنفها بسبابته يقول.
"صغيرتي الجميلة، لا يُمكن أن أُفرِّط بكِ"
جيهان تبسَّمت، وشعرت بصدرها ينشرح، الضيق، الذي أحسَّت به مع والدها سابقًا، قد اختفى، تشعر الآن أنها منه أقرب، وتُحبُه كثيرًا.
فهو ولو كان أبًا صارم، ويرهقها في الدروس والفروض، لكنها الآن تفهم، خصوصًا بعدما شهدت الحياة البائسة، التي تعيشها عمَّتِها رِفقة خالها، وكيف أن والدتها الأمبرطورة تحشو كلامًا كثيرًا في رأس أخيها؛ لتحرِّضَهُ على عمَّتِها الأميرة.
"أبي؟"
"هممم؟"
توترت جيهان مُجددًا.
"لِمَ لا تزور عَمَّتي رايناه؟"
"لأنه لا يجوز أن يدخل رَجُل حَرم رَجُل آخر"
"ولكنكَ الملك!"
نظر لها والدها وهمس.
"وإن كنتُ صغيرتي، فغير عمَّتِك لديه نساء كُثر، ولا أحب أن أرى نساء رجل غيري"
شعرت جيهان بالأستياء فاستنكرت.
"أهذا يعني أنَّك لن تذهب إطلاقًا لزيارتها؟"
"كلا، يمكنني أن أدعوها إلى هنا، لكنها دومًا ما ترفض دعوتي"
تنهدت جيهان، ونظرت لأبيها بإصرار تقول.
"أبي، هي لا تملك سواك، أرجوك لا تتركها هكذا!"
نظر بيكهيون إلى ابنته ونبس، فلقد أحسَّ أن هُنالك أمرًا يحدث مع أخته وهو لا يدري.
"يبدو أن هناك أمرًا مُقلِق، أعمَّتُكِ بخير؟"
قضمت جيهان شفتاها وأخفضت رأسها، ثم نفت.
"لا أظن أنّها بخير يا أبي"
سُرعان ما قعد بيكهيون عن حجر ابنته، وأمر رسوله أن يذهب لحرم الأمير، ويستدعي أخته ليراها حالًا؛ بتشديد أنه لا يُمكنها الرفض.
جيهان أحسَّت بالراحة لما فعلته، وإن كانت ستتعرض للعقاب لاحقًا على يد والدتها الملكة، لكنها حقًا أرادت مُساعدة عمَّتِها المسكينة بما تستطيع، وخصوصًا أنها تعلم كم أن خالها غليظ وصعب.
........................
نظرت جيهان إلى والدها الذي نَفَره الغضب، ووَلجَ سريعًا إلى قلب حرمه، قصد جناح ملكته الثانية، أُخت الأمير تشانيول وابنةِ عَمِّه.
تنحّى الغِلمان عن أبوابها، كذا سيدات البلاط، ثم بيكهيون ولج دون أن يمنحها الفرصة لتتحضَّر لحضوره، وجدها تجلس أمام مرآتها، وتُرطِّب شفتاها بمُستحضرات التجميل الخاصّة بها.
لكنها فورما رأته وقفت وانحنت، كذلك بزغت إبتسامة على شفتيها، فيبدو أن هذه الليلة ليست للملكة الأولى، بل للملكة ذات العظم المُقدَّس.
"مولاي، أهلًا بِكَ، لقد إشتقتُ لأن تَحِل ضيفًا لدي"
ما إلتفت لها بدايةً، فقد إلتفت للخدم وأشار لهم أن يُفارِقوا؛ فسوف يختلي بزوجته الآن، فانسحب الجميع بعدما إنحنوا.
حينها إلتفت لها، فرآى نابيها يضحكان لفرطِ سعادتها بحضوره عندها، أتت لتقف خلفه، ثم نزعت عن كتفيه عباءته ذات التطاريز الذهبيّة.
"يبدو أن مولاي إشتاق لي"
تعبئات شفتاه بِسُخرية، تبقى تلك أحلامها الخاصّة، التي لن يتحقق أبدًا، القلب لا يمكنه أن يُحب إمرأتين في الآن، وهو يُحِب ناري فقط.
قبض على عضدها، واجتذبها بخشونة حتى أسقطها على سريرها الرَّحِب، فشهقت وقد خافت لوهلة، لكنه عندما إعتلاها تبسَّمت، وهو ردَّ لها تلك الإبتسامة، لكنها لم تَكُ عن وِد.
رفع أنامله ليسير بها على صِدغها، بلوغًا خط فكّها، ثم عُنِقها بينما يتحدث.
"أنتِ مَلكتي الثانية، وأميرة يوان قبل ذلك، زوجتي، وأُم ابنتي، وابنة عمّي... أُخت تشانيول"
ضيّق بأنامله على عُنقها، فاتسعت عيناها وجِلة وتمسَّكت بيده، فلقد تبدَّلت نظراته المُبهمة وراح البُغض والغضب في عينيه يسفك ثباتها، ويُزعزِعها، لأن بيكهيون يُخيف إن غَضِب، والكلام، الذي يقوله، يُطبِّقه ويوفيه، وإن كان قد خرج منه في لحظةِ غضب.
"عندما تأتي رايناه، سأجعل الطبيبة الملكيّة تكشِف عليها، وكُل علامة تعنيف على جسدها لِقائها عشر على جسدك"
"لكن... أنا... أنا ما ذنبي؟!"
أنَّت عندما شدد الوِثاق على عُنقها.
"لأنكِ من تُحرِّضين أخاكِ على أُختي، وكما فعل أخاكِ بأُختي سأفعل بكِ... وأنتِ تعلمين جيدًا أنّي لا أتهاون في تنفيذ كلامي"
أفلتها، ونهض عنها، ليحمل عباءته يلبسها فيما يخرج من جناحها، قعدت الملكة تاي هان على فراشها بينما تتمسك بِعُنقها، وتذرف دموعًا خائفة.
إزدرئت جوفها، وراحت تبحث في دفاتر عقلها عن هوية المُخبِر، الذي أفشى عنها لزوجها الملك، لكنها لا تتحدث عن رايناه أمام أحد سوى أخوها تشانيول بنفسه وابنتها جيهان.
أُيعقل أنَّها جيهان؟!
يُعقل... لأن جيهان تُحِب عمَّتها كثيرًا، ولطالما تدخلت لتهوين نفس خالها تشانيول على عمَّتِها، لطالما أمرتها والدتها ألا تتدخل، لكنها لا تنفك تفعل، وفي آخرِ مرّة عوقِبَت.
ربما يكون هذا إنتقامها منها عبر أبيها، نهضت تاي هان عن الفراش وصرخت.
"جيهان!"
لكن إحدى سيدات البلاط اللّاتي يعملن في خدمتها أجابتها من خلف الباب تقول.
"مولاتي، لقد أصطحب جلالة الملك الأميرة معه، وأمر بحبسِك في جناحك، نحنُ آسفون!"
قلبت الطاولة تصرخ بغضب.
"اللعنة!"
خلخلت أصابعها بين خُصلِ شعرها، وشدَّت على أطرافه لفرط غيظها، ثم إنخرطت في البُكاء مجددًا، لأنها تدري أنها ستتلقى عِقابًا شديدًا.
..................
الملك بيكهيون كان يسير بين أروِقة حرمه؛ مُمسكًا بيد أميرته الصغيرة جيهان حتى وصل حرم الملكة الأولى، وترك لديها جيهان تقضي وقتها مع الاميرة بيكهي، وبقي عند ناري بإنتظار رايناه.
وقفت الملكة ناري خلف زوجها، وراحت تُمسِّد له كتفيه تقول.
"خفِّف عنك... ما بِك؟!"
كظم الملك غيظه بتنهيدة، ثم همس مُستاءً.
"هل أخبرتِ الطبيبة الخاصّة بكِ أن تأتي؟"
"نعم، إنها في الخارج بإنتظارِ أمرك، لكن ما الأمر؟"
وقف عن المقعد ونبس.
"سترين"
"جلالة الملك؛ الأميرة رايناه أصبحت هُنا"
دخلت سيدة البلاط تُعلم مولاها بهذا فأمرها.
"أدخليها"
إنحنت السيدة وغادرت، ثم دخلت من بعدها الأميرة رايناه، إنحنت للجلالة الملك، ثم تقدَّمت من أخيها يُزيَّن ثغرها إبتسامة ضئيلة.
"أخي"
أجتذبها بيكهيون بلا كلام ودسَّها بين ذراعيه، راح يُقبِّل رأسها، وهي تلقت هذا الحُب بهدوء وحب كما تفعل دائمًا.
هكذا هي رايناه؛ إمرأة جميلة، ناعمة، وهادئة، وفوق ذلك صبور وكتوم... إنها أرق من أن تتحمل يد الأمير تشانيول، وهو المُحارِب الاول في جيشه، لو هَوَت عليها.
إنها ضئيلة جدًا ورقيقة جدًا، لا تتحمل الألم وتبكي سريعًا، لكنها أبدًا لن تفشي بزوجها أبدًا، ستمتدحه ولو كان يستحق الذَّم، ستُحبه أمام الناس وإن كانت لا تفعل بينها وبينها.
رفعها عن صدره، وتحسس وجنتها بإبهامه يقول.
"لقد اشتقتُ لكِ كثيرًا، لِمَ ترفضين دعوتي دومًا؟!"
أخفضت رأسها عنه، وقضمت شِفاهها بتوتر، لم يُسبق لها ان رفضت دعوة من أخيها، لطالما كان زوجها يفعل دون أن يعود إليها وإلى ما تُريده بالفعل.
لكنها لن تقول، وستتحمل اللوم فُرادى.
"أنا آسفة أخي!"
تنهد بيكهيون، فهي لن تشكو كما توقع.
"ناري، بماذا تُزيلي مساحيق التجميل عن وجهكِ؟"
توترت معالم رايناه، وبيكهيون رمقها بعينيه مُستاءً، ناري التي استغربت سؤاله أحضرت له ما طلب.
تناول قطعة القُطن الصغيرة المُبللة، ومسح بها وجه أخته مراعيًا خِفة يده كي لا يوجعها، لكن ملامحها إنقبضت بالفعل وتألَّمت.
قضمت ناري على شفتاها بأسف، ورايناه اخفضت رأسها تبكي بالفعل، أما بيكهيون فلفرط عصبيته ركل الكرسي الذي كان يجلس عليه فتكسَّرت أقدامه وشهقن المرأتين بخوف.
إلتفت بيكهيون لأخته ونبس بخشونة.
"الآن ستدخل الطبيبة وتفحص كل أنش بجسدك!"
رفعت رايناه رأسها، تبغي الرفض لولا أنه صاح بها، فانتفضت وأخفضت رأسها مجددًا.
"لكن...!"
"لا تجرؤي أن تعترضي!"
جلس بعيدًا، ونادى على الطبيبة بصوتِهِ الجهور كي تحضر، إنسدلت الستائر حول السرير، ورُغمًا عن رايناه خضعت لفحصٍ شامل، فيما الملك يجلس بعيدًا يمنح ظهره للناحية التي تتضمن السرير.
"مولاي!"
وقفت الطبيبة أمامه تجمع كفّيها أسفل معدتها، وتُخفض رأسها.
"تحدَّثي!"
"الأميرة رايناه ليست بخير، هُناك رُضوض وكدمات تنتشر على جِذعها، جسدها ضعيف بالفعل"
لم يُبدي رد فعل خشن، فهذا ما توقعه، لكنه أمر.
"اذهبي وعُدّي كم عليها علامة تعنيف وابلغيني"
"ماذا؟!.... أمرُك مولاي!"
إنصرفت الطبيبة لتفعل ما أُمِرَت به، وأما بيكهيون فتوعَّد بالعقاب الشديد لكل من يأذي أُخته الوحيدة.
...
رايناه أخذت تبكي بعدما غادر بيكهيون الحَرم في كُنف الملكة ناري التي أحسَّت بالشفقة عليها والحُزن.
"ما كان على أخي أن يعلم، أنا بخير مع غضب زوجي وتعنُّته... لا يُمكن أن أتحرر من قيوده على آية حال، لذا سأتلقى غضبًا من زوجي نِكالًا بأخي وغضبه، وعلي أن أتحمل المزيد الآن، والناس سوف ينبذوني، ويدعوني بالأميرة الناشز"
تنهدت ناري لا تجد كلمات تواسي فيها الأميرة رايناه، لكن الأميرة اتبعت شكواها في نبرة تتألم.
"أنا له مُذُّ أن كنتُ في المَهد، تزوجني وأنا فتاة صغيرة ما تجاوزت الخمسة عشر ربيعًا من عُمري، وطيلة العشر سنين هذه دفعت شبابي وسعادتي له لقاء أن أحافظ على اسمي نظيفًا.... ما زلتُ في الخامسة والعشرين لكنّي أشعر أن روحي هرمة!"
...........................
الفَصل الرَّابِع "كرامة المَلِك"
الرواية التاريخيّة "العَنقاء"
.....................
سلاااااااااام
تأخر الفصل عليكم...I'm sorry
طبعًا خليني اوضحلكم شي مهم... مملكة يوان الي بحكمها بيكهيون بالرواية هي مملكة حقيقيّة، وهي مو كورية، هي صينية مغولية، بوقتها اليوان حكمت الصين حاليًا وشبه جزيرة كوريا ، منغوليا، وروسيا.
غوريو هي كوريا الجنوبية حاليًا وكانت تابعة ليوان، كمان في مملكة سيلا وكمان مملكة مش عارفة اسمها.
يعني أغلب الألقاب واسماء المناطق حقيقية، الاحداث ترجع ل700 سنة قبل اليوم، القرن الرابع عشر.
المهم الفصل القادم بعد 80 فوت و80كومنت.
1.رأيكم بِ:
تشانيول؟
الطريقة الي بيعامل فيها رايناه؟
ماذا ستكون ردة فعله عندما يعلم بأن الملك إكتشف أنه يمارس عليها العنف الجسدي والنفسي؟
تحريضه للملك ضد جونغكوك؟
هل سينجح في إختطاف بيكهي والحصول عليها؟
جونغكوك؟
نظرته لهيريم؟
ما الذي سيفعله بشأن المتمردين؟
سيهون؟
ماذا سيفعل بشأن الأميرة بيكهي؟
وما هو الدَين الذي للملك عليه؟
بيكهيون؟
تمسكه بثقته في جونغكوك؟
ردة فعله على ما يحدث مع رايناه؟
تعامله مع جيهان؟
جيهان؟
إخبارها لوالدها بما تعرفه؟
تاي هان؟
ماذا سيفعل بها بيكهيون؟
ماذا ستفعل بجيهان؟
رايناه؟
ماذا سيحصل لها؟
رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟
دُمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
بطل:
العنقاء||The King's Return
"كرامة الملك"
...
"هل تُريدينَ أن أُنهيكِ كما فعلتُ بِها؟!"
إرتعدت أوصال رايناه حينما وصلت حدود الجُدران المَنيعة التي تحبسها، بينما كان تشانيول يأتيها من خلفها.
لم تَكُ لِتفعل أي شيء الآن سوى أن تلتفت إليه قبل أن يصلها، وتجثو على رُكبتيها تتوسله الغُفران، لأنه سيُعذِّبُها دون أن يُزهِق روحها.
"أنا آسفة تشانيول، أنا حقًا آسفة، لن أعصي لكَ أمرًا مُجددًا، فقط اعفُ عني أرجوك!"
جلس القُرفُصاء أمامه، وضَحكَ سِنّه بِمَلعنة، رفع ذقنها له حتى استوت نظراته المُتجبِّرة في عينيها المُرتعبتين.
"أميرتي لا يُمكن أن تَعصيني مُجددًا، صحيح؟!"
حرَّكت رأسها بإيجاب، لكنها أنَّت، وأغمضت عيناها؛ تمتعض ألمًا عندما إزدادت يده قَسوة على ذقنِها.
"لأنَّك لو عصيتني وحسب سأترك لكِ علامة سيئة جدًا على عُنقِك"
قرّبها منه بقسوة، فشهقت بخفّة، وتدافعت الدموع؛ لتظفر بحُريتها خارج جفونها المُنسدِلة.
"علامة سيئة من سيفي حبيبتي"
إقترب أكثر حتى لامست شفتاه أُذنها، وهو يهمس لها.
"وأنا أُحبُّ عُنقِك، وأُحب أن أُزيّنُهُ بِشفاهي، لذا لا تجبريني أن أشوهه لكِ، تفهمين؟"
أومأت، فأفلت ذقنها، وتحسس بأنامله خطَّ فكِّها المَصقول، ثم نبس يبتسم.
"تعلمين ماذا؟
أشتهيكِ"
بان نابيه لِسِعة بَسمته حينما أصبحت تبكي بأثير، العذاب النَّفسي أفضل من العذاب الجسدي، أن تخشى لقاء الموت أصعب من أن تلقاهُ فعلًا.
وإمرأتُه الأولى هي الأميرة المُبجَّلة الأولى لإمبروطورية اليوان العظيمة، ابنة الملك الراحل، وأُختَ الملك الحالي، وعمَّة ولي العهد، كذلك إمرأة أمير يوان الوحيد... لذا لا يصح أن تتأذّى جسديًّا علنًا.
رفعها من عِضدها حتى وقفت على ساقيها، ودفع بها أمامه فتهاوت بخطوات تفتقر للتوازن.
"امشي أمامي إلى جناحي حبيبتي، فيبدو أن الليلة لن أدعكِ تنامين"
رايناه سارت مُجبرة لتُلبّي رغبات زوجها، وبخنوعٍ سبقتهُ إلى جناحه بخطواتٍ مُتخاذِلة، وما إن إنغلقت عليهما الأبواب؛ ألقى الأمير بسيفه كذا بدرعِه جانبًا وأتاها.
تعمّد ألا يمسح أثر الدماء عن يده، ولوَّث به وجهها الحَسَن عن عمد، ليُسبب لها فزعًا ما بعده فزع، فرَّغته بنحيبٍ يُمزِّق الأفئدة، إلا أن فؤاده هو يتغذّى على الأذيّة هذه.
جرّدها من عباءتِها الملكيّة، ثم الرِّداء الذي يكون أسفله، وما بقيت أمامه إلا بِفُستانها الداخلي، وهو من قماش ناعم وخفيف باللون الأبيض.
وفيما يقف بظهرها، وهو يسمع نحيبها، ويرى شهقاتِها القاسية تُمزِّق صدرها، لم يهتم، وفقط رطَّب عُنقها الطويل، الذي يُحبُّه، بشفتيه الجارِحة، قبض على خصرها بذراعه الصَلِدة، ودفع بها بخشونة إلى رِضاب سريرهِ الواسع، ليرتكب على جسدها جريمة؛ لا يعترف بها قانون ولا مُجتمع.
فالمرأة مُلكٌ لزوجها، إن شاء عزّها وإن شاء ذلّها، إن شاء ضربها، إغتصبها، حبسها... لأنها ببساطة مُلكيته الخاصّة، التي هو حُر أن يفعل بها ما شاء.
الإختلاف مع رايناه صغير، وهو أنها أميرة اليوان؛ أي لو أنّ ظِفرها تأذّى تنشب حربًا؛ يموت فيها مئات الآلاف من الرجال، لذا لا يمكنه أن يلحق بها الأذى، الذي يمكن مُلاحظته، العذاب النفسيّ الذي يمارسه عليها يترك نُدَب في القلب، والقلب لا يُرى؛ إذًا لا بأس طالما هي مِلكه.
ضمَّت الغطاء على جسدها، الذي تعرّى عن سِتره، وبكت، بكت دون أن تزعجه بِبُكائها، لقد تألَّمت لأنه يؤلم كرامتها، فنّان في أذيّتها بطريقة لا يُمكن أن يُحاسبه فيها أحد.
أما تشانيول؛ فبعدما استجمع أنفاسه ابتسم، إنها تمنحه شعورًا لا يحسّه مع أي إمرأة غيرها، فرغم أن محظيّاته أكرم منها عليه، ويفعلنَ من أجله ما يشاء ليرضى، بل يتشاجرنَ لأجل ليلة معه.
لكن... لطالما منحته رايناه أفضل شعور عندما يكون معها؛ سواء إن رَضيت أو أُجبِرَت، كم يُحب أن ينظر في عينيها العسليّة وهي بين يديه!
يشعر بخوفها منه ورغبتها الخجولة فيه.
لا يدري إن كان شعوره صائبًا أم لا، لكن هذا ما يشعر به معها.
....................
مَرَّت ثلاثةِ أيّام بِلياليها؛ وما زال الوزير الأول جونغكوك يُفكِّر دون أن يُدلي بِقراره الحاسم حول ما يظنُّهُ بجماعةِ المُتمرِّدين هؤلاء.
كان يقف خارج فوهة الكهف فيما يعقد يديه خلف ظهره؛ ينظر إلى المُتدرِّبين من الرِّجال اليافعين وحتى الأطفال؛ وهم يتدربون على فنون القتال القاسيّة.
أتت هيريم، وتوقَّفت بُعد مِتر عن الوزير جونغكوك من خلفه، وعندما أحسَّ بها تقف خلفه، وتنظر إلى ما ينظر إليه؛ تسآل.
"ما الغرض من تدريب هؤلاء؟"
أجابتهُ بإقتضاب.
"تجنيدهم لدينا"
إلتفت لها جونغكوك مُستاء السِّنحة، ونبس.
"ولِمَ تُأسِّسون جيشًا؟!"
تنهدت هيريم، فنبرته معها لا تتحسَّن، وأشارت بيدها حول المكان لتقول.
"انظر في المكان رجاءً أولًا وستحصل على إجابتِك"
لكنه لم يحرِّك بصره؛ ليتقفّى إشارتِها أبدًا، وينظر في أسبابها، إنَّهُ رجُلٌ عَنيد... لذا إختارت أن تتحدث عن أسبابها عِوضًا عن ذلك.
"هذا الكهف خلفك، بِه أكثر من ألفِ نفسٍ بشريّة، منهم الأطفال والنساء، من سيحمي كل هؤلاء؟"
تنهدت واقتربت؛ لتقف في حدوده، واتبعت تنظر في شفق المغيب.
"هؤلاء الرجال إما مُنتسبون لنا أو رجالًا أنقذناهم وعليهم دفع دينهم لنا بتأدية مهمة لصالحنا.
وأما الأطفال؛ فهُم أبناء جنودنا وجُندياتنا، هُم مُستقبلنا أيضًا؛ إذ نُرتِّب الزيجات بين مُنتسبينا رجالًا ونساءً، ونُزوِّج من جمعهم الحُب"
تهكّم جونغكوك ضاحكًا.
" هل تُفكري بتأسيس دولة لكم؟"
نفت برأسها، وإلتفتت لتنظر في عيني الوزير ذي المزاج الساخر.
"نحن نحاول أن ننجو ونعيش بكرامة فقط"
نظر في هاتين العينين الكامدتين، إنهما من نجمِ الدُّجى، تلمعان رغم العتمة... يرى فيهما وجع لكن عصيان وقوّة، عجيبة هذهِ المرأة، لم يرى مثيلًا لها أبدًا.
وفيما هو شارد بعينيها الغاويتين؛ تبسَّمت شفتاها، ونبست فيما تتراجع عنه بخطوات.
"حضرة الوزير؛ لا تُحاوِل حصر قوّاتنا، فهذا المكان ليس مَقرِّنا الرئيس، وليس فرعنا الوحيد، وألف شخص عدد ضئيل في جيشي"
منحته ظهرها وعادت إلى الكهف، وهو في أوجّ صدمته من تقديرها؛ وما إستطاع أن يقيس مدى قوتهم أبدًا، لكن مهما كانوا أقوياء؛ لا بُدَّ أن جيش اليوان أقوى بكثير منهم.
فالجيش يقع في بِضع مئات الآلاف، ولهم عُدة مُذهلة تكفي لتسيطر على كل حدودهم المُمتدَّة على رُقعةِ آسيا وتحميها كُلها، ويستحيل على مجموعة من المُتمردين مهما كثروا أن يتفوَّقوا على قُدرات الجيش، لكنهم بالفعل يشكلون فوضى ولغط داخل البلاد، وسيطهم ذائع من قلب العاصمة وحتى أطراف البلاد.
إلتفت، فرأى الشاب الأسمر جونغ إن يرمقه بغيظ من بعيد، والوزير جيون حقًا لا يدري من أين يأتي هذا الرجل بالبأسِ والجُرءة لينظر له بإزدراءٍ هكذا.
خرج من خلف الأسمر أخوه الشاحب، فربّت على كتفه ودخل الأسمر، وأما الشاحب فنظر إلى الوزير جيون وانحنى له، شتّان ما بين الأخوين.
فالأسمر وقح ودومًا منهُ غاضب، والشاحب مُحترَم وذا رزانة وأخلاق عالية.
تقدم الشاب الشاحب حتى وقف في موضع أُختُهُ سابقًا.
"حضرة الوزير، أتحتاج شيئًا؟!"
نظر له جونغكوك وهمس.
"لدي بعض الاسئلة، أستُجيب عليها؟"
"بما يسعني سيدي، تفضَّل"
"لِمَ تساعدون الملك؟"
تنهد سيهون ونظر في الأُفُق الذي أظلم.
"لدينا أسباب كثيرة... إن رغبت أن تسمع سببًا عاديًّا؛ فذلك لأننا من اليوان، نحن أبنائها ولو غضبت علينا وأزدرئتنا.
وإن رغبت أن تسمع سببًا مشوِّقًا؛ فذلك لأن ثمّة دَين برِقابِنا للملك، ونبغي ردَّه له ريثما يحتاجه."
"وهل لي أن أعلم ما هو هذا الدَّين؟"
تَبسَّم سيهون ونفى برأسه يقول.
"ستعلم حينما يحين الموعد... ليس الآن سيدي"
رمقه جونغكوك بنظراتٍ يحاول فيها قرائته، لكن تلك الملامح لا تتكلم، فسيهون شحيح التعابير، دومًا ما تكون ملامحه جامدة.
لذا الوزير جيون لا يدري إن كان هذا الدَّين، الذي للملك عليهم، دين ينفعه أو يضرُّه، تنهد جونغكوك ثم استطرد.
"حسنًا، اخبرني ما الذي ستفعلونه الآن"
نظر له سيهون وهمس.
"إنها الأميرة بيكهي الآن"
عقد جونغكوك حاجبيه يقول.
"ولِمَ الأميرة؟"
"الأمير تشانيول يسعى خلفها بالخفاء"
تنهد جونغكوك وأزدرئ جوفه، بالطبع الامير الثُعبان لن يهدأ له بال حتى يحصل على ما يُريد، وهو بكُلِّ وضوح يُريد الأميرة بيكهي له.
"اخبرني المزيد"
.........................
في إجتماع رِجال المحكمة؛ الملك لم يحضُر بعد، والوزير جونغكوك لا أثر له، وذلك ما يجعل الوزراء ناقمون عليه، والأمير تشانيول سعيد نوعًا ما، فلا يمكن تفسير إختفاء الوزير إلا بموته.
فالذي قتله وفّر عليه جُهد إغتياله، وتلفيق تُهمة، وإخفاء الأدلّة، لقد إستاء في البداية وغضب غضبًا شديدًا، لكنه الآن مُرتاح البال، فلا يوجد الوزير الأول جيون ليُنغِص عليه معيشته.
اليوم الأمير تشانيول يدري ما الذي سيقوله في إجتماع المحكمة.
"جلالة الإمبراطور المُعظَّم وصل بلاط المحكَمة!"
وقف الجميع بما فيهم الأمير، واخفضوا رؤوسهم لإستقبال الملك، الذي قطع الطريق بينهم حتى صعد إلى عرشه، وجلس عليه بهيبة ووقار، ثم أشار لهم أن يرتاحوا على مقاعدهم.
جلس كُلٌ في مجلسه إلا إن الأمير تشانيول بقيَ واقفًا؛ لأنه يخطط أن يُحدد مِحور حديث اليوم؛ الوزير الأول جيون جونغكوك.
"مولاي؛ أظن أنَّهُ علينا أن نُقرر بشأنِ الوزير الأول جيون جونغكوك"
نظر له الملك بيون ونبس.
"وماذا بشأنه سمو الأمير؟"
"مولاي؛ أرى أنَّه من الأفضل لو تحسم قرارك بشأن مُعاقبته على الخيانة التي ارتكبها، والتَّهرُّب من مسؤولياتِه الموكلة إليه، فلا أرى من الصحيح ألا يُصدَر بحقِّهِ عِقابًا، ولا أرى أيضًا أنَّه من الصحيح أن يبقى مَحلَّه شاغرًا فارغًا هكذا"
أشار الملك للأمير أن يجلس بعدما أنهى كلامه، ثم توجَّه بحديثِه للعامّة جميعًا.
"لا نملك دليل قاطع يقول أن الوزير جيون خائن أو مُتهرِّب من مَهامِه الملكيّة، الوزير جيون مفقود، وحتى أجده سيبقى مكانه فارغًا هكذا، وينوب عنه الوزير الثاني في البلاط؛ الوزير كيم جونغداي"
إنحنى الوزير المعني برأسه لجلالة الملك؛ تسلُّمًا لمهامه الإضافيّة.
"أمرُ جلالتك!"
أومئ الملك، ثم نظر لابن عمّه الأمير وقال.
"دعونا لا نستبق الأحداث، وننتظر الأخبار في صبر، حسنٌ يا تشانيول؟"
انحنى الأمير لجلالته ونبس رغم عدم رضاه.
"أمرُكَ مولاي"
تنهد الملك ثم قال.
"القضيّة التاليّة"
تحدث الوزير الثاني المدعو جونغداي قائًلا.
"مولاي، أصبح ذكرى مولد ولي العهد الصغير قريبٌ جدًا، هل نبدأ بالتحضير لحفله؟"
سُرعان ما تعبئ وجه الملك بالفرح، وشفتاه تزيّنت بإبتسامة هادئة.
"بالطبع، خَصِّص مليون قطعة ذهبيّة لتوزَّع على الناس في ذكرى مولده، واشتري ألف طُن من الحرير، وألفًا من التوابل، وألفًا من العطور والبخور، وألفًا من الشاي؛ لتوزيعهم على النّاس بهذهِ المُناسبة العظيمة"
"أمرُكَ مولاي!"
ودَّ الأمير تشانيول أن يضحك مِلئ شدقيه لما يسمعه، فلن يحين على الملك وقتًا ليحتفل به بمولد خليفته الصغير، فلا يدري أحد من يموت إلى ذلك اليوم.
وأما آلاف الأطنان هذه؛ فستدُر عليه أموال طائلة ما أن يبيعها في السوق الغربيّة، فبني الأصفر يعشقون هذه المُنتجات، ويتهافتون عليها مهما كانت غالية.
لكنه الآن سيكتفي بمُراقبة كُل شيء وهو يضحك، لأن القادم لا محالة مُلك يده، وبيمينه سينفض السُلطة من يد هذا الملك ويستلمها عنه، فيكفيه عشرون عامًا مُذُّ تولي مهمام العرش، الآن قد حان الوقت ليتنازل عنه لمن هو أكثر كفاءة منه.
بعد إنتهاء الإجتماع، وبعد أن غادر الملك بلاطه الملكيّ؛ إقترب إحدى الوزراء المواليين للأمير تشانيول منه، وهمس له قُرب أُذنِه يُخبره.
"مولاي؛ الليلة ستكون لديكَ الأميرة بيكهي"
استرخى الأمير على مقعده، وبزغت إبتسامة على شفتيه، لقد حان الوقت ليضم تلك الصغيرة بين زِنديه، ويكسب من خلالها الكثير من الإنتصارات.
إبتداءً بإنتصارٍ سريري معها، وانتهاءً بإنتصار السُلطة، والحصول على العرش، والتاج، والختم الملكي.
...........................
خرج الملك بيكهيون من بلاطه الملكي؛ وسار في القصر بشرود يُفكر بما عليه أن يفعله، فالأمير تشانيول يبسط ذِراعه أكثر في غياب الوزير جيون، ويفرد عضلات تَمرُّده في البلاط الملكيّ أكثر.
سار حتى بلغ حرمه في شرود، وهناك وجد إبنته الأميرة جيهان تجلس قُرب بُحيرة البَجع وحدها، أشار لحاشيته ألا يتبعونه، ثم سار ناحية ابنته.
"صغيرتي جيهان!"
إلتفتت جيهان برأسها إلى ناحية الصوت، ثم سُرعان ما أستقامت وانحنت لوالدِها، اقترب منها، وتمسّك بكتفيها يقول بإبتسامة خافِتة.
"أباكِ مُتعب، هل يمكن أن تساعدني ابنتي قليلًا؟"
إنحنت له برأسها، وهمست.
"بالطبع أبي"
أحاط كتفيها بذراعه، وجعلها تسير معه نحو الترّاس قُرب الجِسر، الذي يعلو البُحيرة.
"كيف تسير دراسة ابنتي الثمينة؟"
تبسَّمت جيهان ونبست.
"بخير أبتاه، إنّى أدرس بجد"
أومئ، وربّت على شعرها، وما إن وصل بها إلى الترّاس، جعلها تجلس، ثم حَطَّ رأسه على ساقيها، ووضع على وجهه القماش الزائد عن حاجته من كُمِّه، وتنهد.
مَر الصمت بصُحبة دقائق وفيرة، وأخيرًا جيهان تحدثت بما يدور في خاطرها.
"أبي؟"
"هممم؟"
نبست بتوتر.
"هل يمكن أن أسألك سؤالًا؟"
همس بنبرٍ واسِن.
"افعلي صغيرتي"
قضمت شفتاها قبل أن تسترسل بالحديث، لكنّها فعلت أخيرًا تستجمع بأسها وشجاعتها.
"لقد سمعتُ أن عَمَّتي رايناه قد تزوجت بخالي تشانيول وهي بعُمري، أهذا صحيح؟"
"نعم"
"لِمَ أبي تزوجت باكرًا؟"
رفع بيكهيون يده عن وجهه، ونظر في وجه ابنته الجميلة يقول.
"لأن جدًّكِ هكذا أراد"
رفعت حاجبًا في قلق وتسآلت.
"هل ستزوجنا هكذا أيضًا؟!"
"لا"
رفع بيكهيون يده، ليربت بها على وجنة طفلته قائلًا.
"بناتي ما زِلنَ صغيرات، أنتِ وبيكهي أغلى ما أملك، لذا لا يمكن أن أُسلمكنَّ للرِّجال وأنتُنَّ بهذا العُمر الصغير.
أولًا يجب أن تتعلمن، وتُتقنَّ بعض المهارات المُهمة، ثم عندما تصبحن ناضجات؛ يمكنكنّ الزواج، والخروج من عُشّي إلى أعشاشكُنَّ الخاصّة"
تبسّمت جيهان ونبست.
"شكرًا لك أبي؛ لأنّك لا تُفرِّط بنا كما فعل جدّي بعمّتي"
تبسّم بيكهيون، ونقر أرنبة أنفها بسبابته يقول.
"صغيرتي الجميلة، لا يُمكن أن أُفرِّط بكِ"
جيهان تبسَّمت، وشعرت بصدرها ينشرح، الضيق، الذي أحسَّت به مع والدها سابقًا، قد اختفى، تشعر الآن أنها منه أقرب، وتُحبُه كثيرًا.
فهو ولو كان أبًا صارم، ويرهقها في الدروس والفروض، لكنها الآن تفهم، خصوصًا بعدما شهدت الحياة البائسة، التي تعيشها عمَّتِها رِفقة خالها، وكيف أن والدتها الأمبرطورة تحشو كلامًا كثيرًا في رأس أخيها؛ لتحرِّضَهُ على عمَّتِها الأميرة.
"أبي؟"
"هممم؟"
توترت جيهان مُجددًا.
"لِمَ لا تزور عَمَّتي رايناه؟"
"لأنه لا يجوز أن يدخل رَجُل حَرم رَجُل آخر"
"ولكنكَ الملك!"
نظر لها والدها وهمس.
"وإن كنتُ صغيرتي، فغير عمَّتِك لديه نساء كُثر، ولا أحب أن أرى نساء رجل غيري"
شعرت جيهان بالأستياء فاستنكرت.
"أهذا يعني أنَّك لن تذهب إطلاقًا لزيارتها؟"
"كلا، يمكنني أن أدعوها إلى هنا، لكنها دومًا ما ترفض دعوتي"
تنهدت جيهان، ونظرت لأبيها بإصرار تقول.
"أبي، هي لا تملك سواك، أرجوك لا تتركها هكذا!"
نظر بيكهيون إلى ابنته ونبس، فلقد أحسَّ أن هُنالك أمرًا يحدث مع أخته وهو لا يدري.
"يبدو أن هناك أمرًا مُقلِق، أعمَّتُكِ بخير؟"
قضمت جيهان شفتاها وأخفضت رأسها، ثم نفت.
"لا أظن أنّها بخير يا أبي"
سُرعان ما قعد بيكهيون عن حجر ابنته، وأمر رسوله أن يذهب لحرم الأمير، ويستدعي أخته ليراها حالًا؛ بتشديد أنه لا يُمكنها الرفض.
جيهان أحسَّت بالراحة لما فعلته، وإن كانت ستتعرض للعقاب لاحقًا على يد والدتها الملكة، لكنها حقًا أرادت مُساعدة عمَّتِها المسكينة بما تستطيع، وخصوصًا أنها تعلم كم أن خالها غليظ وصعب.
........................
نظرت جيهان إلى والدها الذي نَفَره الغضب، ووَلجَ سريعًا إلى قلب حرمه، قصد جناح ملكته الثانية، أُخت الأمير تشانيول وابنةِ عَمِّه.
تنحّى الغِلمان عن أبوابها، كذا سيدات البلاط، ثم بيكهيون ولج دون أن يمنحها الفرصة لتتحضَّر لحضوره، وجدها تجلس أمام مرآتها، وتُرطِّب شفتاها بمُستحضرات التجميل الخاصّة بها.
لكنها فورما رأته وقفت وانحنت، كذلك بزغت إبتسامة على شفتيها، فيبدو أن هذه الليلة ليست للملكة الأولى، بل للملكة ذات العظم المُقدَّس.
"مولاي، أهلًا بِكَ، لقد إشتقتُ لأن تَحِل ضيفًا لدي"
ما إلتفت لها بدايةً، فقد إلتفت للخدم وأشار لهم أن يُفارِقوا؛ فسوف يختلي بزوجته الآن، فانسحب الجميع بعدما إنحنوا.
حينها إلتفت لها، فرآى نابيها يضحكان لفرطِ سعادتها بحضوره عندها، أتت لتقف خلفه، ثم نزعت عن كتفيه عباءته ذات التطاريز الذهبيّة.
"يبدو أن مولاي إشتاق لي"
تعبئات شفتاه بِسُخرية، تبقى تلك أحلامها الخاصّة، التي لن يتحقق أبدًا، القلب لا يمكنه أن يُحب إمرأتين في الآن، وهو يُحِب ناري فقط.
قبض على عضدها، واجتذبها بخشونة حتى أسقطها على سريرها الرَّحِب، فشهقت وقد خافت لوهلة، لكنه عندما إعتلاها تبسَّمت، وهو ردَّ لها تلك الإبتسامة، لكنها لم تَكُ عن وِد.
رفع أنامله ليسير بها على صِدغها، بلوغًا خط فكّها، ثم عُنِقها بينما يتحدث.
"أنتِ مَلكتي الثانية، وأميرة يوان قبل ذلك، زوجتي، وأُم ابنتي، وابنة عمّي... أُخت تشانيول"
ضيّق بأنامله على عُنقها، فاتسعت عيناها وجِلة وتمسَّكت بيده، فلقد تبدَّلت نظراته المُبهمة وراح البُغض والغضب في عينيه يسفك ثباتها، ويُزعزِعها، لأن بيكهيون يُخيف إن غَضِب، والكلام، الذي يقوله، يُطبِّقه ويوفيه، وإن كان قد خرج منه في لحظةِ غضب.
"عندما تأتي رايناه، سأجعل الطبيبة الملكيّة تكشِف عليها، وكُل علامة تعنيف على جسدها لِقائها عشر على جسدك"
"لكن... أنا... أنا ما ذنبي؟!"
أنَّت عندما شدد الوِثاق على عُنقها.
"لأنكِ من تُحرِّضين أخاكِ على أُختي، وكما فعل أخاكِ بأُختي سأفعل بكِ... وأنتِ تعلمين جيدًا أنّي لا أتهاون في تنفيذ كلامي"
أفلتها، ونهض عنها، ليحمل عباءته يلبسها فيما يخرج من جناحها، قعدت الملكة تاي هان على فراشها بينما تتمسك بِعُنقها، وتذرف دموعًا خائفة.
إزدرئت جوفها، وراحت تبحث في دفاتر عقلها عن هوية المُخبِر، الذي أفشى عنها لزوجها الملك، لكنها لا تتحدث عن رايناه أمام أحد سوى أخوها تشانيول بنفسه وابنتها جيهان.
أُيعقل أنَّها جيهان؟!
يُعقل... لأن جيهان تُحِب عمَّتها كثيرًا، ولطالما تدخلت لتهوين نفس خالها تشانيول على عمَّتِها، لطالما أمرتها والدتها ألا تتدخل، لكنها لا تنفك تفعل، وفي آخرِ مرّة عوقِبَت.
ربما يكون هذا إنتقامها منها عبر أبيها، نهضت تاي هان عن الفراش وصرخت.
"جيهان!"
لكن إحدى سيدات البلاط اللّاتي يعملن في خدمتها أجابتها من خلف الباب تقول.
"مولاتي، لقد أصطحب جلالة الملك الأميرة معه، وأمر بحبسِك في جناحك، نحنُ آسفون!"
قلبت الطاولة تصرخ بغضب.
"اللعنة!"
خلخلت أصابعها بين خُصلِ شعرها، وشدَّت على أطرافه لفرط غيظها، ثم إنخرطت في البُكاء مجددًا، لأنها تدري أنها ستتلقى عِقابًا شديدًا.
..................
الملك بيكهيون كان يسير بين أروِقة حرمه؛ مُمسكًا بيد أميرته الصغيرة جيهان حتى وصل حرم الملكة الأولى، وترك لديها جيهان تقضي وقتها مع الاميرة بيكهي، وبقي عند ناري بإنتظار رايناه.
وقفت الملكة ناري خلف زوجها، وراحت تُمسِّد له كتفيه تقول.
"خفِّف عنك... ما بِك؟!"
كظم الملك غيظه بتنهيدة، ثم همس مُستاءً.
"هل أخبرتِ الطبيبة الخاصّة بكِ أن تأتي؟"
"نعم، إنها في الخارج بإنتظارِ أمرك، لكن ما الأمر؟"
وقف عن المقعد ونبس.
"سترين"
"جلالة الملك؛ الأميرة رايناه أصبحت هُنا"
دخلت سيدة البلاط تُعلم مولاها بهذا فأمرها.
"أدخليها"
إنحنت السيدة وغادرت، ثم دخلت من بعدها الأميرة رايناه، إنحنت للجلالة الملك، ثم تقدَّمت من أخيها يُزيَّن ثغرها إبتسامة ضئيلة.
"أخي"
أجتذبها بيكهيون بلا كلام ودسَّها بين ذراعيه، راح يُقبِّل رأسها، وهي تلقت هذا الحُب بهدوء وحب كما تفعل دائمًا.
هكذا هي رايناه؛ إمرأة جميلة، ناعمة، وهادئة، وفوق ذلك صبور وكتوم... إنها أرق من أن تتحمل يد الأمير تشانيول، وهو المُحارِب الاول في جيشه، لو هَوَت عليها.
إنها ضئيلة جدًا ورقيقة جدًا، لا تتحمل الألم وتبكي سريعًا، لكنها أبدًا لن تفشي بزوجها أبدًا، ستمتدحه ولو كان يستحق الذَّم، ستُحبه أمام الناس وإن كانت لا تفعل بينها وبينها.
رفعها عن صدره، وتحسس وجنتها بإبهامه يقول.
"لقد اشتقتُ لكِ كثيرًا، لِمَ ترفضين دعوتي دومًا؟!"
أخفضت رأسها عنه، وقضمت شِفاهها بتوتر، لم يُسبق لها ان رفضت دعوة من أخيها، لطالما كان زوجها يفعل دون أن يعود إليها وإلى ما تُريده بالفعل.
لكنها لن تقول، وستتحمل اللوم فُرادى.
"أنا آسفة أخي!"
تنهد بيكهيون، فهي لن تشكو كما توقع.
"ناري، بماذا تُزيلي مساحيق التجميل عن وجهكِ؟"
توترت معالم رايناه، وبيكهيون رمقها بعينيه مُستاءً، ناري التي استغربت سؤاله أحضرت له ما طلب.
تناول قطعة القُطن الصغيرة المُبللة، ومسح بها وجه أخته مراعيًا خِفة يده كي لا يوجعها، لكن ملامحها إنقبضت بالفعل وتألَّمت.
قضمت ناري على شفتاها بأسف، ورايناه اخفضت رأسها تبكي بالفعل، أما بيكهيون فلفرط عصبيته ركل الكرسي الذي كان يجلس عليه فتكسَّرت أقدامه وشهقن المرأتين بخوف.
إلتفت بيكهيون لأخته ونبس بخشونة.
"الآن ستدخل الطبيبة وتفحص كل أنش بجسدك!"
رفعت رايناه رأسها، تبغي الرفض لولا أنه صاح بها، فانتفضت وأخفضت رأسها مجددًا.
"لكن...!"
"لا تجرؤي أن تعترضي!"
جلس بعيدًا، ونادى على الطبيبة بصوتِهِ الجهور كي تحضر، إنسدلت الستائر حول السرير، ورُغمًا عن رايناه خضعت لفحصٍ شامل، فيما الملك يجلس بعيدًا يمنح ظهره للناحية التي تتضمن السرير.
"مولاي!"
وقفت الطبيبة أمامه تجمع كفّيها أسفل معدتها، وتُخفض رأسها.
"تحدَّثي!"
"الأميرة رايناه ليست بخير، هُناك رُضوض وكدمات تنتشر على جِذعها، جسدها ضعيف بالفعل"
لم يُبدي رد فعل خشن، فهذا ما توقعه، لكنه أمر.
"اذهبي وعُدّي كم عليها علامة تعنيف وابلغيني"
"ماذا؟!.... أمرُك مولاي!"
إنصرفت الطبيبة لتفعل ما أُمِرَت به، وأما بيكهيون فتوعَّد بالعقاب الشديد لكل من يأذي أُخته الوحيدة.
...
رايناه أخذت تبكي بعدما غادر بيكهيون الحَرم في كُنف الملكة ناري التي أحسَّت بالشفقة عليها والحُزن.
"ما كان على أخي أن يعلم، أنا بخير مع غضب زوجي وتعنُّته... لا يُمكن أن أتحرر من قيوده على آية حال، لذا سأتلقى غضبًا من زوجي نِكالًا بأخي وغضبه، وعلي أن أتحمل المزيد الآن، والناس سوف ينبذوني، ويدعوني بالأميرة الناشز"
تنهدت ناري لا تجد كلمات تواسي فيها الأميرة رايناه، لكن الأميرة اتبعت شكواها في نبرة تتألم.
"أنا له مُذُّ أن كنتُ في المَهد، تزوجني وأنا فتاة صغيرة ما تجاوزت الخمسة عشر ربيعًا من عُمري، وطيلة العشر سنين هذه دفعت شبابي وسعادتي له لقاء أن أحافظ على اسمي نظيفًا.... ما زلتُ في الخامسة والعشرين لكنّي أشعر أن روحي هرمة!"
...........................
الفَصل الرَّابِع "كرامة المَلِك"
الرواية التاريخيّة "العَنقاء"
.....................
سلاااااااااام
تأخر الفصل عليكم...I'm sorry
طبعًا خليني اوضحلكم شي مهم... مملكة يوان الي بحكمها بيكهيون بالرواية هي مملكة حقيقيّة، وهي مو كورية، هي صينية مغولية، بوقتها اليوان حكمت الصين حاليًا وشبه جزيرة كوريا ، منغوليا، وروسيا.
غوريو هي كوريا الجنوبية حاليًا وكانت تابعة ليوان، كمان في مملكة سيلا وكمان مملكة مش عارفة اسمها.
يعني أغلب الألقاب واسماء المناطق حقيقية، الاحداث ترجع ل700 سنة قبل اليوم، القرن الرابع عشر.
المهم الفصل القادم بعد 80 فوت و80كومنت.
1.رأيكم بِ:
تشانيول؟
الطريقة الي بيعامل فيها رايناه؟
ماذا ستكون ردة فعله عندما يعلم بأن الملك إكتشف أنه يمارس عليها العنف الجسدي والنفسي؟
تحريضه للملك ضد جونغكوك؟
هل سينجح في إختطاف بيكهي والحصول عليها؟
جونغكوك؟
نظرته لهيريم؟
ما الذي سيفعله بشأن المتمردين؟
سيهون؟
ماذا سيفعل بشأن الأميرة بيكهي؟
وما هو الدَين الذي للملك عليه؟
بيكهيون؟
تمسكه بثقته في جونغكوك؟
ردة فعله على ما يحدث مع رايناه؟
تعامله مع جيهان؟
جيهان؟
إخبارها لوالدها بما تعرفه؟
تاي هان؟
ماذا سيفعل بها بيكهيون؟
ماذا ستفعل بجيهان؟
رايناه؟
ماذا سيحصل لها؟
رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟
دُمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
Коментарі