CH22||سيّدة التَّفرُّد
بيون بيكهيون (الملك المغولي الصيني لمملكة يوان)
بطل:
العنقاء|| The Emperor's Return
"سيّدَة التَّفرُّد"
...
تبسَّمَ الملك تشانيول بعد قولِه الأخير، ولم يضع إعتبارًا لحاشيتِه من الوزراء وكِبار الدولة، الذين يقفون خلفه، فلقد رأى وجهًا كالبدرِ بنورِه ومثل أول طلعة صُبح بصفائه، جميلة بطريقة بريئة، رغم أنَّها لا تعرف من البراءة شي.
والآن هو رأى هذا الوجه ذا الجمال البريء، يريد أن تفتنه أشياءها الأُخَر؛ إذ تجاهل الجميع حينما إقترب من المُتمرِّدة الحسناء، وخلعَ عن رأسِها قُبعتِها، التي تتموَّه بها، فتنسدِل خُصلات شعرها حالكة السواد ذات الطول مثل خيوط الحرير على ظهرها وكتفيها بكثافة؛ فصفَّر مُعجبًا.
وعلى عكسِ ما تكون ردُّ فعل الفتيات في مكانها، لم تخجل، ولم تَخف، ولا حتى تغضب من تحرُّشه بها، ما دام لن يقدر أن يُثمر فلن تآبه به. أخفضت هيريم سيفها، واستندت عليه تقول فيما تتكلَّف عناء رفعِ رأسها حتى تُدرك وجهه ذا القسمات المفتونة.
"عليكَ أن تكون شاكرًا أيُّها الأمير لأنَّني لستُ من سيقتُلك وإلا كُنتَ الآن تُرثى!"
إرتفع حاجبه بشراسة وقال.
"وهل تَجرؤي حتى؟!"
نظرت في عينيه الساخرة -وكأنَّهُ لا يُصدِّق أنَّها حقًا تتحدّاه- واتبعت بثبات.
"وهل هذا سؤال تسألهُ لِقائدة البَرابِرة التي أسقت سيفها دماءً نبيلة؟!"
قهقه تشانيول وتراجع عنها خطوة، ليس لأن شجاعتها هزَّته؛ فالشجاعة تُصبح توسُّلات، ورجوات، وصرخات في غُرف التعذيب، التي حتمًا سَتمُر بها هذهِ البَربَريّة، لكنَّهُ تراجع لِتملأ عيناه هيئتَها بِسفالة.
"لِنقُل أنَّكِ تستطيعي أن تقتُليني أيَّتُها البَربَريّة؛ ألا تدرين بأنني الملك وما عدتُ أميرًا؟!"
العرقُ يتصبَّب من جبهةِ هيريم، وبالكادِ تستطيع الوقوف، ولكنَّها كانت تنظر لِعدو المولى بِشراسةِ المُتمرِّدين جميعًا، وردَّت عليه.
"لا يُمكن تنصيب مَلكًا جديد والملك الأسبق ما زال حيًّا؛ أوليس؟!"
تعالت الشهقات والتمتمات من خلفِ تشانيول، وهو إنقبض وجهه في غضب، واقترب منها الخطوة، التي تراجعها مُسبقًا، فاتبعت قبل أن يؤتي بحركة ضِدَّها.
"ومع الأسف؛ فإنَّ مُهِمَّة قتلك ليست لي، بل سيقوم بها الملك، الذي سرقت عرشه منه، ولفَّقتَ قِصَّة هزليّة لإغتياله؛ الملك بيكهيون!"
وبِجُرءة اتبعت، لا تخاف نتائج هذا القول؛ فلقد دسَّت بين صفوفهم الركيكة الفِتنة، ولم يتبقّى سوى تفتيتهم بعد تشتُّتَهُم.
"لم يَمُت أحد منهم أبدًا، جميعهم في حمايتي، الملك، الأمراء الخمس، الملكة راهي، والوزير الأول جونغكوك. ولرُبَّما تذكر الفتى، الذي حرس زِنزانتك، ومن خلاله دسست في جناحِ الملكة ناري أدِلّة مُلفَّقة تُدين تورطها بمقتل الملك، الذي لم يُقتل أبدًا، الفتى عندي!"
وجد نفسه تشانيول مُحاصرًا بِزاويّة ضيّقة لا يُمكنه الهرب منها، ولم يجد طريقة يُنفِّس بها عن غضبه سوى أن يُنزل على وجهِ هيريم صفعة قاسيّة، ولكنَّها زادته غضبًا حينما إستطاعت أن تتجنَّب صفعته، وصدَّت يده عليه.
"أيّاك! لا تدري أنَّني لا أقع!"
إرتفع حاجب تشانيول بِغضبٍ وعُجمة، لم يرى بمثلِ هذا الجبروت بِأُنثى قط.
"حقًا؟! لكنَّكِ وقعتِ بين يدي!"
"غدرًا، رِجالك غدّارون وجُبناء، لا أستغرب ذلك ما دُمتَ قائدهم!"
أمسكَ بشعرِها، وهذه المرة لم تستطِع أن تتفاداه، واجتذبها من شعرها إليه بِعُنفٍ شديد يجعل أي إمرأة في مكانها تصرخ من شِدَّةِ الألم، لكن وجهها لم يتمخَّض بالألمِ حتى، بل فقط بالكثير من الغضب، وكذلك اصطدمت مخائل جسدها بمخائله، وتشانيول بدَّدَ بسخط، فلقد تسبَّبت له بالفِتنة.
"حسنًا أيَّتُها المُتمرِّدة، لن أسمح لكِ أن تقعي حتى لو أردتِ!"
تبسَّم فيما يشعر ببدنها يلمس بدنه، إبتسامته ونظراته كانت قذرة للغاية، دون كلام تُفشي لها عن نواياه كانت تعرفُها.
أمرَ رِجاله وهو ينظر في عينيها الشهيّة بثورتِهما، ويده تتلمَّس خصرها، الذي يستغرب دِقَّةِ ميلتِه رُغم الثياب، فكيف سيكون دونها، بالتأكيد أكثر دِقَّة.
"خذوها إلى غُرف التعذيب، اربطو يديها في السقف وضعوا تحت قدميها أنصال من حديد، فلا تستطيع أن تقف عليها ولا تقع، تبقى مُعلَّقة طيلةِ الليل تحمل جسدها على يديها مهما بلغت المشقَّة، ولو نَجت فيكون لنا في الغد لقاءً آخر يا عزيزتي!"
تلمَّس بإبهامه شفتيها، ولكنَّها إبتعدت عنه ترمقه بغضب فيما تعقد حاجبيها وعيناها حادَّة، تبسَّمت فجأة بوجهه، تُثير حفيظته.
"الأمرُ لن ينتهي أبدًا سواء قتلتَني أو أبقيتَ على حياتي، أنا لستُ وحدي، يقفُ في ظهري جيش أظنُّهُ يستطيع الصمود أمام جيشك!"
حاول الرجال أن يسحبونها لتنفيذ أوامر الملك حينما لم يَجد شيئًا يرُد به، توقَّع أن ترجوه وتتأسَّف، تتوسَّلهُ الغُفران، لكن أيًّا من هذا لم يحدث، بل هدَّدته.
ولكنَّها دفعت بأيديهم عنها وهسهست في سخط.
"اليد التي تلمسني سأقطعها، سأسير وحدي!"
تراجع عنها الرجال، وسارت بِعِزِّها وكرامتها إلى أي مكانٍ سيأخذونها إليه، لن تسمح لهم أن يدوسوا عِزَّها حتى لو كان تُساق لتَّعذيب فعلًا.
"ألا تخاف هذه؟!"
نبس تشانيول بغرابة فيما يتتبَّع أثرها الذي يختفي مع الحرس، حينها ردَّ عليه جيمين وهو ينظر إليها بعينٍ مُشفِقة.
"كلا يا سيّدي، أمثالها لا يعرفون الخوف!"
لكنَّها في الواقع كانت خائفة، هي مثلها مثل أي شخص لا يتخلّى عن حياته، ولا يهون عليها جسدها، ولكنَّها لا تُذِل نفسها لتحمي حياتها أو جسدها من الوجع والأذيّة.
الموتُ أرحم في الواقع...
...
ادخلوا هيريم الزِنزانة، كانت مُخيفة ومُظلِمة، لكنَّها كبيرة. تقعُ في سِرداب تحت الأرض، عيناها إلتقطت الكثير من أدوات التعذيب المُعلَّقة على الحائط، وأخرى على طاولات من الخشب العتيق.
دَقَّ قلبِها بِخوف، لكن لم يَكُ بمقدورِها فعل شيء، دفع بها أحدهم من ظهرِها إلى الداخل، كادت أن تسقط لولا أنَّها توازنت باللحظة الأخيرة، وملامحها تخثَّرت بالألم فجُرح ظهرها ما زال غائرًا، وبسببِ هذهِ الدفعة إزداد إيلامًا، وبالفعلِ تشعُر بالدَّم يسيل منه.
إلتفتت إلى الذي دفعها، ونظرت في وجهه تقول.
"سأتذكَّر وجهك جيّدًا!"
ضحك بإستهزاء وقال.
"لو خرجتِ من هنا افعلي بي ما تشائي، اغليني بالمياه حتى، لكنَّني سأغليكِ أوَّلًا!"
تبسَّمَ سِنُّها ونبست.
"تذكَّر كلامكَ هذا دومًا، لأنَّهُ سيكون واقعًا في يومًا ما ليس بعيد الأجل، أعدُك!"
إبتعد الرَّجُل لإنَّهُ خاف منها، وحملها رَجُلان آخران إلى طاولة، وأحدهم ربط يداها بالسقف، ثم وضعوا فوق الطاولة، التي تقف عليها، قِطعةِ خشب عريضة تنغرس بها أنصالٌ حديديّة بارزة، لو وطأتها قدما هيريم ستتمزَّقان بلا شك، إنتهوا من تعليقها وخرجوا تُصارع بين الموت والبقاء هكذا.
لا تستطيع أن تسند قدميها على شيء، ولا تستطيع أن تفردهما، عليها أن تُبقيهما مطويتان نحو بطنها ومُعلَّقتان بالهواء معها طيلة الليل، ولا تَظُن أنها ستسطيع الصمود.
مَرَّ بعض الوقت، ما زالت صامدة لكن آصرة صمودها تتفكَّك، كانت تتخيّل مشاهد بشعة، ماذا لو إنحلَّ الحبل الذي يربطونها به؟!
ستقع وستنغرز كل هذه الأنصال بجسدِها، وتقتُلها بشكلٍ بشع.
ماذا لو لم تستطِع حمل نفسها أكثر؟!
حينها ستخترق هذهِ الأنصال العِظام في قدميها، سوف لن تكون قادرة على خطي خطوة واحدة طيلة عُمرها؛ قد تُشَل.
خائفة جدًا، بدنها يرتجف ورأسها مُنخفض، تنظر نحو هذه الأنصال المُرعِبة، كانت تدعو في داخلها أن تتيسَّر طريقة تجعلها تتحرَّر، ألا تجعل الموت يُلاقيها... كانت خائفة من الموت بطريقة بشعة، لا من الموت نفسه.
لكنَّها رُغم الخوف، الذي يَهُشُّها من الداخل، لم تتوسَّل أو تتأسَّف كما تمنّى الملك وظن، لقد صمدت، ولم يخرج من فاهِها صوتٌ واحد.
فجأةً؛ سمعت صوت بوابة الزِّنزانة يُفتَح، رفعت رأسها إليه فترى رَجُلًا مُتدثِّرًا بعباءة سوداء بِقُلنسوة طويلة تُغطّي رأسه، وتُخفي كل معالم وجهه، فقط سمعت صوته حينما أمَرَ الحَرَس بالذهاب، وأخبرهم أنَّهُ سيتولَّى حِراستِها بدلًا منهم.
غادروا جميعهم وبقيَ معها في الزِنزانة، كان واقفًا قريبًا منها، لا تدري إن كان يستطيع رؤيتها لكنَّها لا تستطيع رؤية وجهه، ورُغم ذلك؛ لم يستعمرها الفضول لمعرفتِه قط، رُبَّما بعثه الملك ليُطرَب سمعه بصرخاتها ورجواتها؛ فتحدَّثت بصوتٍ مُرهق.
"لا تُتعِب نفسك، لن أصرُخ، ولن أرجوكَ المغفرة، ولن أتوسَّلُك لحياتي."
"مِمَّ خُلِقتِ أنتِ؟"
كان سؤاله مُستغرِبًا وغاضبًا في ذات الوقت، لم تفهم مقصده حتى اتبع.
"كيف لفتاة مثلكِ بهذا الحجم الضئيل والبدن الرقيق أن تُحارب دولة بأكملها؟ بل أنتِ كيف تستطيعي الصمود الآن؟"
تبسَّم ثغرها وردَّت.
"من الجيّد أن تثق بنفسك، ولكن لا تستخِف بأعدائك؛ قد تُفاجئك قُدراتهم."
دافع عن نفسِه.
"لستِ عدوَّتي!"
نظرت ناحيته تستغرب ذلك، فاتبع وهو ينهض.
"سأُبرهن لكِ ذلك!"
أزال من تحت قدميها الأنصال، وبتلك اللحظة شعرت بالحُريّة حينما مدَّت قدميها أخيرًا، ولاقين أرضًا تقف عليها؛ الطاولة.
صعد إلى الطاولة، وفكَّ يديها، كان مُتحضِّرًا لِتسقُط بين يديه، ولكنَّها لم تفعل، بل توازنت دون أن تستند عليه حتى، ونزلت عن الطاولة وحدها، ثم وقفت تسأله.
"لِمَ تُحرِّرني؟! هل هذه لُعبة أخرى؟"
"صدِّقي ما شئتِ، لا يُمكنني إثبات حُسن نواياي لكِ، ولكن لو كنتُ مكانك لفضَّلتُ أخذ قِسطًا من الراحة على إنهاك نفسي بالأسئلة الكثيرة."
وهيريم شعرت أن هذا الرَّجُل الغريب مُحِق، تمدَّدت على الأرض وقبل أن تغفو قالت.
"لا تحاول أن تتحرَّش بي، نومي خفيف جدًا، سأشعر بكَ لو تحرَّكت من مكانك حتى، أياك؛ لأنَّني سأقتلع أطرافك حينها؛ كما أنَّ بظهري أخوين، سيقتلونك!"
تبسَّمَ من تحتِ الرِّداء، تُهدِّده وهي في مثلِ هذهِ الحالة البائسة، وحينما غَفت حقًا نزع القلنسوة من على رأسه، وأركن رأسه ضِدَّ الحائط يتنهَّد.
"لقد جُنِنتَ يا جيمين بكل تأكيد، ماذا سيحدث لو كُشفت أنا؟!"
رُغم خوفه؛ جيمين لم يكن نادمًا على إنقاذ هيريم، وحراستها حتى الصُّبح وهي تنام هكذا، إنها مريضة، وما زالت إصابتها جديدة، لا يمكنه أن يراها تتعذَّب ولو كانت سليمة، فما بالك بكل هذه الجروح والإصابات؟!
في الصباح؛ حينما آتى الحرس من البارحة حذَّرهم جيمين.
"أياكم أن يعلم أحد أنَّني قضيتُ الليلة في الزِنزانة أو حتى ظهرت، تعلمون؛ حينها لن أموت وحدي!"
اخفضوا رؤوسهم في طاعة.
"أوامر سيدي الوزير مُطاعة!"
أومئ لهم واتبع.
"قدِّموا لها الطعام والشراب سِرًّا، أياكم أن يعلم الملك بشيء!"
رفع جيمين سبّابته بوجهِ الرَّجُلين يُحذِّرهما، ثم انسلَّ خارجًا بهدوء، الآن يمكنه أن يذهب ويحصل على قسطٍ من الراحة دون أن يوجعه ضميره عليها.
...
عودةً إلى المَقر؛ حيثُ يجتمع تايهيونغ بالرٍّجال في المَقر في قاعةِ الإجتماعات حول الطاولة، هو يترأسهم وهم يجتمعون حوله، ويضع الخُطّة لإقتحامِ القصر، وإسترداد القائدة.
"هناك سِتُّ مداخل للقصر، من كُلِّ مدخل تَدخل فئة مُعيّنة من الناس، ونحن سندخل عبر الأسوار القريبة من المَدخل، الذي حوله الحركة قليلة؛ المدخل الرابع"
كان يعمل تايهيونغ على تقسيم الرِّجال لمجموعات، وتنصيب قائد على كل مجموعة، وسَن الخُطط لِتَّسلُّل إلى القصر حينما فجأة دخل الملك إليهم، فتنحّى تايهيونغ عن المقعد الرئيس لِصالحه، لولا أنَّ بيكهيون أشار له أن يبقى جالسًا، ثم أسند يديه على الطاولة من الطرفِ الآخر ينظر إلى الرِّجال بثبات وقوَّة.
"سبعُ مداخل، السابع فقط أنا أعرفه"
الملك تكلَّمَ بذلك والجميع إلتفتَ إليه، يبغون معرفة هذا المدخل، فسيكون من الآمن الدخول عبره إلى القصر.
"أخبرنا عنه يا صاحب الجلالة، ذلك سيُفيدنا كثيرًا!"
قال تايهيونغ، لكن بيكهيون نفى.
"لن تستطيعوا الدخول عبره وحدكم، إن ذهبتُ معكم دللتُكم عليه، وإن تزمَّتُّم بإلزامي هذا المكان هنا، فلن تستطيعوا الخروج منه أبدًا!"
تنهد تايهيونغ وفيما يُقطِّب ملامحه إعترض.
"عفوًا يا صاحب الجلالة، لكن أن تذهب معنا أمرٌ مُستحيل، نحنُ لا نستطيع أن نُخاطِر بحياتك"
ضرب بيكهيون على سطح الطاولة بقبضتِه، وهتف بسخط.
"لقد حفظتُ هذا الكلام!
أنا مَلك القصر، لن يعلم أي منكم خريطته أفضل مني، إما أن تشركوني بِخُطَّتِكُم أو سأذهب وحدي!"
تقدَّمَ تايهيونغ من الملك، وانحنى له بإحترام يقول.
"أنا آسف!"
تنهَّد بيكهيون، ثم أومئ، نظر فيهم جميعًا، ثم غادر. وبعد ذلك تايهيونغ إلتفت إلى رجاله يقول.
"عزِّزوا الحِراسة على غُرفتَه، لا تسمحوا له بالخروج أبدًا، ولا تَدعونه يغيب عن أعيُنكم!"
وافقوه جميعًا، الملك مُتهوِّر إن كان غاضبًا، لا يُفكِّر حينها بشكلٍ سليم.
...
سيهون كانت رِحلته تَسير على ما يُرام، الشمسُ غَرُبت وهو كان يجلس فوق صخرة قريبة من خيمته، الملكة راهي لا تُشكِّل عِبأً عليه، كُلَ الأمور تسير على ما يُرام.
كان ينظر إلى القمر النِّصف مُكتمِل، تبسَّم حينما شعر بجاهي خلفه حينما إمتدَّت يداها لِتُمسِّد كتفيه وقال.
"القمر نِصف فقط، يُشبِه الآن رمز الجماعة"
تبسَّمت جاهي واستمرَّت في تدليك كتفيه، وذلك نشر الراحة في بدنه وأرخى نفسهُ عليها.
"أنتَ تتعب كثيرًا في هذهِ الأوِنّة، أنتَ حقًا بطل، أتمنّى أن ننتهي ونعود قريبًا للمَقر، لا أُحِب أن أراكَ مُنهك"
أمسك بيدها التي على كتفه، واجتذبها لتجلِس بجانبه، وضع يده فوق رأسها، وأخذ يُمرِّرها على شعرها يقول.
"أدري أنَّكِ مُتعبة معي، هانت... في الغد سنكون في بلاط ملك المَغول الهندي"
نَفَت هيريم برأسِها وقالت تبتسم.
"أنا لستُ مُتعبة معك، أنتَ مصدر عوني وسعادتي، لا تعلم كم أُحِبُك... أنا فقط خائفة عليك عزيزي!"
تبسَّمَ سيهون واجتذب جاهي من قَفا عُنقها إليه، وباليد الأُخرى تمسَّك في وجهها، اجتذبها وغاص في تقبيل شفتاها، إرتعش بدن جاهي كما لو كانت أول قُبلة، كما لو أنَّهُ لم يَمُر أي وقت، كما لو أنَّها هذه أول قُبلة.
تمسَّكت بكتفيه حينما تبسَّم فيما يُقبِّلُها، وأخذت تَرُد له القُبلة بمثيلتها، ما زالت تخجل منه، ولكنَّها أصبحت تُظهر حُبها له أفضل.
إنَّهُ رَجُلًا جيّد، زوجًا رائع، همَّهُ أن يهتمَّ بها ويُحافِظ عليها، هو ثمين والعلاقة التي تربطها به ثمينة، يمكنها أن تُضحي بنفسها لأجله لأنه يستحق ولأنها محظوظة به.
همست له حينما أسند جبهتها إلى جبهته.
"أُحبك كثيرًا يا سيدي، لا تَدري كم!"
إبهامه أخذ يُمسِّد وجنتها وهو يقول.
"لا تُناديني سيدي، أنا لستُ سيدك"
"لا أستطيع!"
إبتعد قليلًا وهو يبتسم، ثم أومئ يقول.
"حسنًا نادِني بما ترتاحي له، لا شيء سيُغيّر حقيقة أنَّكِ زوجتي!"
تبسَّمت، ثم إندسَّت بين ذراعيه تُعانقه، وتشتم رائحة عِطره، التي لا تُغيرها الظروف، ذلك العطر الذي خُلِق معه، لطالما شعرت أنَّ بدنهُ مُعطَّر.
...
كانت هيريم ما تزال عالقة بزِنزانتِها، والحرس قد أبلغوا الملك أنها نَجَت، لكنَّهُ لم يؤتي بحركة بعد، لا تعرف إلامَ يُخطِّط، ولا تُخطِّط أن تفعل.
كانت تجلس على الأرض بهدوء مُستندة على الحائط خلفها وجُرحها ينزف، جُرح قدمِها وجرح ظهرها، تتألَّم ولا تتكلَّم، بالتأكيد هي لن تطلب العون من أحد إطلاقًا، ولن تتوسَّلهم ليخفِّفوا عنها الألم.
جبهتها تتعرَّق، ووجهها يتمخَّض بالألم، لكنَّها ما زالت ثابته، فعلى حسبِ قولها؛ ستموت واقفة.
سمعت صوت أصفاد الزِنزانة تُفتَح، لكنَّها لم تُكلِّف نفسها عناء الإلتفات إلى الزائر، شعرت بأحدهم يجلس مُقرفِصًا قُربها ويد لمست كتفها، فإلتفتت وإذا بهِ وجهًا مألوفًا.
عقدت هيريم حاجبيها بغرابة -استغربت شعورها بالأُلفة لهذا الوجه- ونبست.
"من أنتِ؟!"
أجاب الحارس مُحذِّرًا.
"تحدَّثي مع جلالة الملكة رايناه بأدب واعتدلي!"
اتسعت عينا هيريم ثم ابتسمت تقول.
"لهذا أشعر أنَّكِ مألوفة، تُشبهين الملك بيكهيون كثيرًا!"
كانت عينا رايناه مثل هلالين حزينين يملؤهما اليأس، ولكنَّها ابتهجت حينما قالت هيريم ذاك، وإمتلأت عيناها بالدموع.
"هل حقًا أخي حي؟!"
أومأت هيريم، فأمسكت رايناه بيديها، ووضعت جبهتها فوقهما تبكي.
"وهو بخير أيضًا، لا تقلقي يا مولاتي!"
رفعت رايناه رأسها ونفت برأسها تقول.
"لا تقولي مولاتي، أنا لستُ سوى إمرأة ضعيفة وجبانة لم أستطِع حماية أخي من مكائد زوجي!"
نفت هيريم وقالت بصوتِها الضعيف.
"لا تُسيئي الظن بنفسكِ مولاتي، أبلغني إخوتي أنَّكِ تحاولين نفض الأمير عن العرش"
وفيما رايناه تبكي وتنظر في عيني هيريم، التي رغم إصابتها وصوتها الضعيف لم تبكي، لقد صدق القول أنَّها مِثل الحجر، مهما خُدِش يبقى حجرًا لا يُغلَب.
"لكنني فشلت، لم أستطع التغلُّب عليه"
تمسَّكت هيريم بيديها واتبعت تُطمئنها.
"بلى فعلتِ، لقد قلبتِ فئة النُبلاء ضِدَّه، وهذا كافٍ. لقد قُمتِ بنصف المُهِمَّة عنّا، الآن احرصي أن تعيشي بسلام، واتركي الباقي علينا، نحن سننتزع العرش من أسفله، ونردُّه إلى صاحبه الشرعي."
مسحت رايناه دموعها وأومأت تقول بإبتسامة بائسة.
"شُكرًا لكِ، حقًا شُكرًا لكِ!"
أومأت لها هيريم بإبتسامتِها الذابلة، حينها إلتفتت رايناه إلى الحرس وقالت.
"اخرجوها من هنا، وضعوها في غُرفة جيّدة، احضروا لها الطبيب، وقدِّموا لها الطعام والشراب!"
تمسَّكت هيريم بيد رايناه تنفي.
"لا يا سموكِ، أنا فقط أحتاج أن أخرج من هنا، يتوجَّب علي العودة إلى جماعتي!"
"لا يمكنكِ الذهاب إلى أي مكان"
إلتفتت هيريم كذلك رايناه ناحية تشانيول، الذي ولج الزِنزانة، وقفت رايناه وركضت إليه تلمس بيديها صدره، وقالت تتوسَّله.
"أرجوكَ يا تشانيول، اخرجها من هنا وأعدكَ أنَّني لن أقوم بفعلِ أمر يُغضبُك مُجدَّدًا، أرجوك يا تشانيول!"
لكنَّهُ ما استمع إلى زوجتِه، التي ما زال غاضب منها، ودفع بها عنه فسقطت أرضًا.
"ابتعدي عني!"
إقترب من هيريم، التي تجلس أرضًا وترمقه بنظراتٍ غاضبة، جلس القُرفصاء قُربها، وقرَّب يده ليرفع بها خُصلات شعرها عن وجهها، لكنَّها أشاحت بوجهها بعيدًا عن يده فابتسم وقال.
"لو رَجوتَني أنتِ سأترُككِ تذهبين، فقط توسَّليني!"
نظرت إليه، وارتفع حاجبها عن ناصيتِها، ثم ضحكت تقول.
"لن أفعل ولو بأحلامك!"
أومئ لها مُهدِّدًا، وأشار إلى نفسِه بإستغراب.
"هل أنتِ تتحدّين سُلطتي؟!"
"نحن نحترم الأُمراء وسُلطاتهم، لذا أنا لا أتحدّاك."
ضحك بإستنكار.
"أمير؟!"
لبثت في صمت فاتبع مُقتربًا منها خطوة.
"حسنًا، ما دُمت بنظركِ أميرًا وتحترميني وسُلطتي، كيف ستقتُليني؟!"
نظرت في عينيه الغاضبة وقالت.
"لستُ أنا من سيقتلك، جلالة الملك إن أراد قتلك، وإن أراد نفاك، وإن أراد سامحك... هذا ليس شأني"
أمال رأسه ينظر في وجهها الحَسن.
"وما دليلكِ أنَّ الملك حي؟!"
تبسَّم سِنها وقرأت التوتر في عينيه.
"أنت تعلم جيدًا أنَّهُ حي، لستَ بحاجة إلى دليل؛ أليس كذلك يا سمو الأمير؟!"
شدَّ على أسنانه بسخط، بدأ يشعر بالتهديد، أيُعقل أن بيكهيون حقًا تواطئ مع هولاء البرابرة المَردة ليسترد مكانه؟!
كان خائفًا من المُستقبل المجهول، إحتمال أنَّهُ سيخسر في الحرب يُرعبه، شدَّ يده وصفع بها وجه هيريم بقوَّة، فصرخت رايناه، وهيريم وقعت أرضًا والدماء تخرج من شفتيها.
هلعت إليه رايناه وهي تُمسك بكتفيه، بينما هو أمسك بشعرِ هيريم ليُجلسها من جديد.
"أرجوك يا مولاي، أرجوك لا تؤذِها، اتركها!"
تبسَّم تشانيول إبتسامة مريضة وقال لزوجته قبل أن يدفعها مُجدَّدًا عنه.
"لا، أنا سأعلمها درسًا وأُعلمك يا رايناه!"
أمسك بشعرِ هيريم، ونهض يُجبرها على النهوض معه، ثم سحبها معه خارج الزِنزانة فيما رايناه تتبعه وترجوه أن يتركها، هيريم لم تنبس بحرف، وللأسف لا تقدر أن تُقاومه حتى، فكانت طوع يده.
إستمرَّ في سحبها في باحات القصر وساحاته، والجميع يتوقف وينظر إلى الملك يسحب البربرية هكذا، لم يسبق لملك أن تصرَّفَ بهذهِ الدونيّة ضد أحد ولو كان رَجُل، الملوك لا يجرّون الأسرة، هناك من يأتي بهم له، ولكن تشانيول لا يَكُف عن الحط من شأنِه في نفوس الناس.
"جهِّزوا الماء المَغلي!"
صرخ تشانيول يأمر رجاله، وتحرَّك ثُلَّة منهم لتحقيق مطلبِه، هيريم إتسعت عيناها وأخذ قلبها يضرب بين ضلوعها بقوة، الموت هكذا مُخيف... مُخيف جدًا لدرجةِ أنَّها لا تُريد أن تموت.
صعد بها وهو مستمر بسحبها من شعرِها إلى الطابق الثاني من القصر، ومن أسفلها وضعوا قِدرًا كبيرًا ملاؤه بالماء، واشعلوا أسفله النار.
قرَّب تشانيول هيريم منه بسحبِها من شعرِها، ونبس في أُذنها.
"إما أن تتوسَّلي أو أرميكِ بالماء، هذه فُرصتكِ الأخيرة، معكِ وقت حتى يغلي الماء!"
جثت رايناه عند قدميه تتوسَّله.
"أتوسَّلُك يا تشانيول لا تفعل! أرجوك يا مولاي!"
لم يهتم برايناه، ونظره ظلَّ مُركَّزًا على البربرية، التي إمتلأت عيناها بالدموع وحينما سَّدت نافذتيها، كي لا ترى موتها، اقترب وهمس بأذنها.
"قولي أرجوك وستعيشي!"
لم تَقُل شيء، وبالفعل بدأت تصعد الأبخرة من القدر الذي يغلي، دفعها نحو الحافة فشهقت ويدها -بلا أن تشعر- تمسَّكت بعباءتِه.
فتحت عيناها على مِصراعيها، لو جعلها تفلت عباءته ستقع بالقدرِ بلا شك، كان يبتسم بإنتصار وكأن تمسكها به يُماثل توسُّلًا يرغب بسماعه من شفتيها، همس بأُذنها.
"قوليها وستنجين!"
فجأةً؛ شعرت بيد تُمسِك يدها، وتسحبها بقوّة ناحيتها؛ فتقع بين يدي رَجُل مُلثَّم إلتفَّت يداه حولها بِشدَّة.
تنشَّقت هيريم نفسًا من الحياة، لكنَّها لا تُصدِّق حقًا وانسابت الدموع من عينيها أكثر، أما زالت حيّة تتنفَّس الهواء حقًا والآن هي في حضنِ رَجُل غريب آمنة؟!
نظرت إلى المُلثَّم، عرفتهُ من عينيه الحادّة والغاضبة، وهي مُتأكِّدة أنَّها لا يُمكن أن تكون مُخطئة.
"جلالتُك!"
تفاجئ تشانيول من قولِ البربرية، ونظر إلى الرَّجُل المُلثَّم كذلك رايناه، التي لا تُصدِّق ما تراه، وإن لم تَكُ ترى الوجه، هذه هيئة بيكهيون وعيناه، حينها تكلَّمَ من أسفلِ اللِّثام بغضب، وعيناه الظاهرة منه فقط تؤازِرُه.
"تذكَّر أنَّ لكَ حِساب كبير معي، سأقتُلك يا تشانيول!"
ضبط تشانيول إنفعاله، وذلك الشعور المقيت الذي راوده؛ الشعور بالتهديد، ثم ضحك سِنَّه وقال.
"إن خرجتَ من هُنا حيًّا افعل!"
أمسك بيكهيون برأسِ هيريم وانحنى معها أرضًا يهمس.
"سنرى!"
فأصبحت السِّهام تنزل فوق الرؤوس كالمطر المُنهمر، تعالت الصرخات، والحرس يهتفون.
"احموا الملك!"
أثناء آنشغال الناس بهطول الأسهم سحب بيكهيون المُلثَّم يد هيريم خلفه، وركض بها بعيدًا عن الوغى، صاح تشانيول وهو يراهما يهربان.
"واللعنة!"
حمل سيفه فيما مجموعة من الحرس يحمونه، وتتبَّع خُطى بيكهيون والبربريّة، ولكنهما فجأة إختفيا ولم يجد لهما أثرًا، ضرب قدمه بالأرض بسخط وصرخ.
"واللعنة أين ذهبا؟!"
ثم صاح بالحرس.
"أغلقوا مداخل القصر سريعًا، واعثروا عليهما حالًا!"
تحرَّكَ الحرس لتنفيذ أوامره، رغم أنَّهم يتساقطون مع السِّهام، التي لا تتوقَّف عن السقوط بهم.
وبيكهيون كان مُستمر بسحبِ هيريم معه، قبضته تتمسَّك بحِرص بِعضدِها، ويده الأُخرى تحملُ سيفًا.
مرَّت بالرِّواق القريب مجموعة من الحرس وهم يركضون، فأسرع بيكهيون بسحبِ هيريم، صدمها بالحائط برِفق ووضع يده على فمها، فيما سبّابته على شفتيه يُشير لها بالسكوت.
أنفاس هيريم ضائقة، ما زال قلبها ينبض مرعوبًا مِمّا كاد أن يحدُث، والآن قلبها ينبض مسحورًا مِمّا يحدث.
كانت تنظر في عينيه العميقة، وترى من خلالهما إنعكاسًا لِنفسها؛ إنعكاسًا جميلًا لنفسها، أهكذا تراها عيناه؟
أمسك بيدها مُجدَّدًا، وسحبها معه بحذر مُتخفّيًّا بعونِ الأعمدة، فيما خطواته سريعة ويحني قامته، كي لا تلتقطَهُ العيون المُعاديّة.
أدرك بها حديقة القصر، وهناك رأته ينحي لفتحٍ بابٍ يُخفيه الزرع، ثم إلتفتَ لها.
"تثقين بي، أوليس؟"
أومأت له، فأمسك بها من خصرها، إرتعش بدنها ويداها إتكأت على منكبيه العريضين، وضعها بيكهيون بآمان في الداخل، ثم أغلق عليها الباب وابتعد.
شهقت بقوَّة وهي تنظر إلى الباب الذي أصبح يعلو رأسها.
"أين ذهب؟!"
تمسَّكت بصدرِها تحديدًا من الجِهة اليُسرى حيثُ ينبض قلبها بجنون، أولًا خوفًا عن نفسها، ثم حُبًّا فيه، والآن خوفًا عليه.
وأما بيكهيون؛ فخرج ليُعطي إشارة لتايهيونغ أنَّهُ مُغادر، ثم دخل إلى النفق، ما إن رأته هيريم ابتسمت وتنهَّدت براحة.
"لقد أخفتني عليك!"
تبسَّم بيكهيون وربَّت على وجنتها يهمس.
"لا خوف علي"
ثم أمسك بيد هيريم، يدها إرتعشت، إتسعت إبتسامته فيما هي تُخفض رأسها، أول مرّة يراها خجولة هكذا.
"هيّا؟"
أومأت له، ثم إشتدَّت يدها تمسُّكًا به وسارت معه.
وهكذا بالفعل بيكهيون كان في النَّفق، الذي لا يعرفه أحد سِواه، النَّفق الذي يبتدأ بقلبِ القصر وينتهي بخارج القصر.
وبينما يسيران هيريم لم تستطِع الصمود أكثر، أفلتت يده وسقطت أرضًا وهي تتنفَّس بقوَّة.
"هيريم!"
إقترب منها بيكهيون قلِقًا، وانحنى قُربها يقول.
"تماسكي يا هيريم، لن أسمح للموت أن يختطفكِ مني!"
حملها على ذراعيه واتبع طريقه، كان رأسها على صدرِه يتَّكئ، حينها همست بصوتٍ ضعيف.
"ما كان عليكَ أن تُخاطر بنفسكَ لأجلي، كيف تركوك تأتي؟! سأعاقبهم!"
وبَّخها بِحدَّة.
"اصمتي فقط، أنا لا أنتظر إذنًا من أحد لأفعل شيئًا، صحيح أنَّني أبدو مُتهوِّرًا، ولكنني أُخطِّط جيّدًا، وإلا كيف كنتُ الملك؟!"
تكبَّدت هيريم عناء الإبتسام بصعوبة وهمست.
"أعلم أنَّكَ ذكي وقوي، ولكن ما زال علي أن أُبقيكَ سالمًا، ولا أُعرِّضُكَ لأي مُخاطرة مهما كان الثمن، أنا آسفة لأنَّكَ تعرَّضت للخطر بسببي، كان عليكَ أن تتركني أموت ولا تُخاطر بنفسك أبدًا!"
تنهَّد بيكهيون، ورفعها بين يديه أقرب إليه وقال.
"ذكريني أن أضربكِ حينما تُشفين؛ لأنَّكِ تُزعجيني جدًا!"
مازحته.
"هل تَضرب النساء يا مولاي؟"
"أضرب الشقيّات فقط"
نظرت إليه وقالت.
"من ضربت؟"
"زوجتي تاي هان، وابنتي جيهان"
أخفضت رأسها وتمتمت.
"ما زِلتُ غاضبة منك لما فعلته بجيهان"
نبس بهدوء.
"سنتفاهم في ذلك لاحقًا!"
خرج بيكهيون من المدخل بعدما تأكد أنَّ لا أحد يتبعه، قصد حِصانه بحذر، وضعها عليه ثم صعد خلفها، وجعله ينطلق.
أثناء الطريق؛ وبينما بيكهيون يتوخّى الحذر من فِخاخ الأعداء وغدرهم، سمع هصيل أحصنة فتوقف.
تلفَّت وإذ به يرى رجالًا من حرس القصر يتبعونه.
"ها هو المُلثَّم والبربَريّة!"
ضرب بيكهيون لِجام الحِصان بيد، وأحاط بالأخرى بطن هيريم يتمسَّك بها بقوَّة، وانطلق يندس بين الأحراش المُضلِّلة عسى ألا يستطيعوا إقتفاء أثره.
"أقصد هذا الطريق يا مولاي، ضلِّلهم عن المقر!"
أشارت له هيريم إلى أين يتَّجه وهو أطاعها، جعل حصانه يجري بأسرع ما لديه، ولم يقدر أحد عن اللحاق به، حينها تكلَّمت هيريم.
"أقصد الكهوف هنا، سيقومون بتمشيط المنطقة، ولو استمررنا سيحاوطوننا!"
بإستغرابٍ نبس وهو يُطيع ما تقول.
"كيف تعرفين كل ذلك؟!"
بصعوبة قالت.
"لقد تشابكتُ معهم كثيرًا في عهدك!"
"شقيّة ومشاغبة!"
قصد إحدى الكهوف المخفيّة عن العيان، ترجَّل عن الحِصان، ربطه عند إحدى الصخور، وحمل هيريم عنه، قصد إحدى الرُّقع المُرتفعة وجلس بها فيما هي بحِجره.
كان يتَّكئ على الحائط خلفه، وهي يضعها بين قدميه ورأسها على صدره، حاولت النهوض تقول.
"لا يجوز جلالتك!"
لكنَّهُ تمسَّكَ بها برفض يقول.
"فقط اصمتي وارتاحي الآن، نامي قليلًا!"
رفعها عليه قليلًا، فأصبح رأسها على كتفه، ووجها يندَّس في عُنقه، شعرت بالخجل ووجنتاها تلوَّنت.
"ألا بأس بذلك حقًا يا مولاي؟!"
"نعم، فقط ارتاخي قليلًا!"
أخذت يده تمسح على شعرها كما لو أنَّها هدهدة للنوم يده الأخرى تلتف حولها، وجسده يُدفئها، قلبها مثل الطبل يَدُق بجنون، أفكارها مُتشتِّتة، حتى أنَّها نست أنَّها كادت أن تُغلى بالماء قبل حين.
كانت خائفة جدًا، وعلى قدرِ خوفها الآن تشعر بالطمأنينة تلتحفُ بدنها، بيد أن وجودها بين يدي الرَّجُل الوحيد، الذي ينبض قلبها لأجله لا يُساعد، كيف تنام وهي بين يدي مَعشوقها، ليس مَلِكها وحسب؟!
وبيكهيون لم يَكُ أفضل حالًا، حينما رآها هكذا تقف على حدودِ فوهة الموت، وتتمسَّك بخيطِ نجاة ضعيف تبخَّر كُلَّ حذره، وانطلق لها كما ينطلق السهم من القوس.
شعر أنَّهُ بيد لحظة قد يخسر كل شيء، لقد إعتبرها في تلك اللحظة المشؤومة كل شيء، لم يقدر أن يُفكِّر بشيء، فقط رؤية دموع الخوف على وجهِها جلجلته، وجعلته يُسلِّم كل حذره وإنتباهه، وفي المُقابل يُنقذها، في تلك اللحظة كانت هيريم أثمن من كل شيء؛ حتى حياته.
تفقَّدها بعد مُضيَّ الوقت؛ لقد نامت نومًا عميقًا، تبسَّم ومرَّر أنامله الرفيعة على شعرها يهمس.
"كيف تنامين ونحن بهذه الوضعية، لهذه الدرجة أنتِ مُتعبة؟!"
إقترب بحذر وطبع على رأسِها قُبلة، تلك كانت أول مرة تلمس شفتاه جلدها، ولا يتمنى أن تكون الأخيرة.
لم يَشعر بالإبتسامة، التي تُزيّن ثغره، وهو ينظر في وجهها، الذي لم يتغلَّب الإرهاق البائن في قسماته على الحُسن، ما زالت جميلة كما لو أنَّها الليلة عَروس.
مرَّر أطراف بنانه على قسماتِ وجهها، وانتهى بحالِ إبهامه يقف على شِفَّتِها السُفلى، لِمَ أصبح ريقه أكثر أنسيابيّة؟!
يشعر بالإشتهاء ناحيتها، يرغب بجسدِها، بروحها، بنفسها، وأن تصبح ملكه بكل الطُرق المُمكنة، والغير مُمكِنة، والأعراف.
يشتهي الآن شفتيها كما لو أنهما عين ماء وجدها صُدفة قُبيل الهلاك في قلبِ صحراء قاحلة، لم يَشعُر أنَّهُ مُحتاج من قبل لِمرأة إلى هذا الحد، وهذا ليس لأنّها مُجرَّد إمرأة بل لأنها هيريم بحدِّ ذاتِها فقط.
لكنَّهُ لن يسرق منها القُبلات، قد يفعل وهي واعية وتَعي سِرقته، ليس وهي غافية لا تشعر بشيء.
لمس بإبهامه شفتيه، ثم لمس به شفتيها كما لو أنَّهُ يطبع قُبلة غير مباشرة؛ حركات مُقتبسة من الخَصي وسيدات البلاط في القصر.
ضحك لتفاهةِ أفكاره في مثلِ هذا الوقت المُتأجِّج، لا يفهم كيف ينسى أنَّهُ الملك، ويركض خلف رغبته بها كما لو أنَّهُ رَجُل عادي تُثقِلُه فقط الرغبات.
إحتضنها بقوَّة بين يديه، واسند وجنته فوق رأسها، ثم أغمض عينيه وهو يبتسم، لقد شعر وكأنَّهُ عاد للفردوس، التي طُرد منها مُذُّ وقتٍ طويل، لقد شعرَ بأهميَّتها في حياته حينما غادرتها، حينها فقط عرف أنَّهُ مُعتاد عليها، ولا يُمكنهُ أن يعيش من بعدِها أو دونها دون أن يؤرِّقه غيابها، لقد إكتشف أنَّها بالنِّسبةِ له مُهِمّة كأهمية العرش والمُلك، هو الذي لم يُسبَق له أن قاس أهميّة أحد بأثمن ما يملك؛ العرش.
خرج من أفكارها ومن إستكشفاته لمشاعره حينما سمع تأوهًا يخرج من بين شفتيها رُغم أنَّها نائمة، أدرك أنَّها تتألَّم والوضع جدّي حقًا.
رفعها عنه قليلًا، وطَبطَبَ على وجنتِها يحاول إيقاظها.
"هيريم أستيقظي، هيريم أين تتألمي؟! هيريم!"
لكنَّها لا تُجيب مهما حاول معها، عَلِمَ أنَّها ليست نائمة، بل فاقدة الوعي. رفعها بيكهيون بحذر عنه، ووضعها على الأرض، جعلها تنام على بطنِها، وبلا تَردُّد شقَّ قميصها.
كشَّر حاجبيه وأنقبضت يداه حينما رأى جُرحها، فبدَّدَ بأستياء وغضب.
"سأُقطِّع أيديهم!"
الجُرح في ظهرها غائر، سيترك به نُدبة للأبد، كذلك حينما تفقَّد قدمها الوضع ليس أحسن، لقد رآها تعرج بالفعل عليها.
خلع قميصه عن بدنه ووضعه عليها، ثم خرج من الكهف يبحث عن شيء يداويها به، وجد قطعة خشب فأخذها، واشعل بها النار، ثم سار بين الأحراش يحاول أن يبحث عن شيئًا يُساعده لِمداوتِها، لكنَّهُ لا يجد.
شعر باليأس وعاد إلى الكهف، الذي تركها فيه، أثناء طريق عودته كان يتفقَّد أحوال المنطقة، من المُفترض أن يبدأ تايهيونغ بالبحثِ عنهما فورما يتخلَّص من حرسِ القصر.
حينما وصل إلى الكهف كانت تُهلوس بكلامٍ لا يفهمه، تفحَّص جبينها، إنَّها ساخنة جدًا، من الجيد أن الحصان مربوط عليه قِربة ماء، أحضرها وسكب على وجهها قليلًا.
إرتعشت وأخذت تهذي.
"أشعر بالبرد!"
نظر بيكهيون نحو الأخشاب، التي أتى بها، نهض واستمرَّ في حكِّها حتى إشتعلت، ثم حملها هيريم وهو يلف عليها قميصه وأجلسها قريبًا من النار.
كاد أن ينهض ليتمدَّد بجانبها، لكنَّها تمسَّكت بيدِه تهمس.
"لا تتركني!"
رفع يده إلى وجهها، وهمس لها.
"لن أتركك أبدًا... لا الآن ولا لاحقًا"
جعله رأسها على ذراعه ودسَّها في حُضنِه، أحاط بدنها بذراعيه وساقه؛ لعلَّها تدفئ. هكذا واستمر في النظرِ إلى وجهها، ورفع خُصلِها عنه وهو يتأمل التفاصيل؛ شفتيها تحديدًا.
إزدرئ جوفه ورغبته مثل شيطان وسواس توسوس له أن يسرق منها القُبل، لكنَّه زفر أنفاسه، وأخفض رأسها إلى ترائبه، يدسها عند عُنقه وهو يتمتم.
"لن أفعل أبدًا!"
عانقها هكذا بقوَّة وغفى معها، ورغم أنه ينام على أرضٍ يابسة في قلبِ كهفٍ بارد ومُظلِم، كذلك إصابته في ظهره التي تنخر راحته وتستمر في إيلامه، كل هذه الأشياء تجعلها ليلة صعبة، ولكن بوجود المرأة الوحيدة التي رَغِبَ بها طيلة حياته بين يديه، هكذا في حُضنه وتحتمي به، أصبحت النار عليه سلامًا، والألم لا شيء يُذكر.
في الصباح الباكر؛ أستيقظ على أصوات الحيوانات في الخارج وسطوع الشمس في قلبِ الكهف.
فتح عيناه مُستاءً، ولكنَّهُ سُرعان ما ابتسم حينما رأى هيريم بين يديه، يبدو أنَّها أستيقظت مُذُّ مُدَّة، ولكنَّها لم تتحرَّك ليبقى نائمًا ولا تُزعجه.
كان خدّاها يشتعلان، إنها تنام في حُضن الملك وجلده يلمس جلدها، هذا إحدى أحلام المُراهقة، التي كانت تراه فيها.
"كيف أصبحتِ؟"
"بخير"
نبست وهي تُخفض بصرها نحو صدره المُضمَّد.
"ماذا عنك؟ هل أنتَ بخير؟"
وضع أنامله أسفل ذقنها ورفع وجهها إليه، ثم نفى مُبتسِمًا.
"لا، لا أظنني بخير!"
عقدت حاجبيها بخوف، ورفعت يدها تتحسَّس حرارة جبينه.
"لِمَ؟ هل تتألَّم؟"
أمسك بيدها، التي تتحسَّس وجهه بدافع القلق، ووضعها عند شفتيه، إزدرئت جوفها وهي تترقَّب ما سيفعله، فتفاجئت به يطبع قُبلة على يدها.
سُرعان ما سحبت يدها من يده وشهقت تقعد.
"لا يا مولاي! لا يجوز أن تُقبِّل يدي!"
قعد بعدما فعلت، وجعل يده خلف عُنقها، قرَّبها منه فالتقت جبهته بجبهتها، شهقت مُجدَّدا واتَّسعت عيناها، فيما بيكهيون تبسَّمَ إبتسامة ساحرة سلبتها رُشدها.
مال برأسه قليلًا بصددِ أن يقطُف فاكهة لذيذة بغضِّ النظر إن كانت حلالًا عليه أم حرامًا، الحُب لا يُميّز.
هيريم رفعت يداها ووضعتها على كتفيه تهمس.
"جلالتك!"
"صه!"
همس بذلك واقترب منها فابتعدت قليلًا، تبسَّم واقترب مُجدَّدًا فابتعدت، حينها تمسَّك بعضديها بقوَّة، واجتذبها إليه فشهقت.
تبسَّم وهو يشعر بإرتعاشها بين يديه، نظر في معالم وجهها الفاتن، والآن لمسة الخجل في ربوعِه تسحره.
"لا يمكنني الصمود أكثر يا هيريم!"
لم تَقُل شيء، فقط أنفاسها ثقيلة ونبضاتها مُتزاخمة، ووعيها ركيك.
أغمضت عيناها وأفرجت أنينًا إنكتم نِصفه في فمِه حينما باغتها بِقُبلة، وضع قُبلة واحدة على شفتيها وانفصل عنها؛ لينظر إلى وجهها الذي تشعَّب بالأنوثة والإغراء الفاتن.
ثم اقترب مُجدَّدًا فتجهزت بكتمِ أنفاسها وإغلاق عيناها، ضحك بِخفَّة وطبع قُبلة ثانية كانت أعمق من الأولى وأطول، لكنَّها ما زالت ليست كافية.
لم يأخذ فاصلًا وطبع الثالثة، تلك التي تعمَّق بها ووصلها بِقُبلات أُخرى كثيرة يلتقط من كل زواية من شفتيها فاكهة، إستطابت له وما أراد التوقف.
تمسَّكَ بخصرها وشعرها بيديها تتمسَّك بعُنقه، والآن حينما قبَّلها ردَّتها له بمعرفتِها الشحيحة، تبسَّم وانفصل عنها يهمس.
"لا تعرفي كيف تُقبِّلين"
همست وهي تقبض يديها على كتفيه، تشعر بالخجل.
"أحاول أن أُقلِّدَك"
تبسَّم ومال قُرب شفتيها مُجدَّدًا يهمس لها بنبرةٍ مُغريّة.
"سأُعلِّمُكِ جيّدًا إذًا!"
أغلقت عيناها مُجدَّدًا حينما باغت ثغرها بِقُبلات مُتتابعة وكثيرة، كانت عميقة وشرسة، أسنانه إستولت على شِفَّتِها السُفلى فأنَّت، ثم رضاها بِقُبلة لطيفة، لكنَّهُ سُرعان ما أستعاد شراستِه، واستخدم لِسانه حتى.
شعرت هيريم أن على يديه إنفتحت لها بوابة جديدة عن العالم، كانت تُحبه بنقاء كما يُناسب عقلها البريئ، وبدنها الذي لم يتزيَّن بفُستان إلا نادرًا، ولكن على يديه إكتشفت جُزءً من أنوثتها، من نفسِها التي لم تَكُ تعرفها، لأول مرة تعرف رغباتِها، وأنَّها حقًا ترغب به جسديًا وليس وجدانيًّا فقط، بيكهيون تحديدًا ولا أحد غيره.
"مولاي!"
همست بتلك بصعوبة وهو همهم، لسانه حينما يندَّس بثغرِها يجعل إبرًا توخزها، لم تقل شيئًا بعدها، وفهم ما تشعر به، تستغرب هذه المشاعر التي تراودها، تستغرب أن جسدها يمنحها هذا الشعور.
لم تَكُ تدري أنَّ القُبل من شخصٍ تُحبه لذيذة.
"أُحِب أنَّكِ نقيّة، وأنني من سيُفسدُك!"
........................
يُتبَع...
"سيّدَة التَّفرُّد"
العنقاء|| The Emperor's Return
16th/Sep/2021
.......................
سلااااااااام
الفصل القادم بعد 150 فوت و200 كومنت.
1.رأيكم بهيريم؟! شجاعتها ومواجهتها لتشانيول؟!
2.تشانيول؟ إفتنانه بهيريم؟!
3.رأيكم بجيمين؟ ما دافعه؟
4.رأيكم بريناه؟ لقاءها بهيريم؟ وتوسلاتها لتشانيول لنجوة هيريم؟
5.رأيكم ببيكهيون؟ إنقاذه لهيريم؟ تقربه منها بشكل رومانسي؟
6.رأيكم بتايهيونغ؟!
7.رأيكم بسيهون وجاهي؟!
8.رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤
بطل:
العنقاء|| The Emperor's Return
"سيّدَة التَّفرُّد"
...
تبسَّمَ الملك تشانيول بعد قولِه الأخير، ولم يضع إعتبارًا لحاشيتِه من الوزراء وكِبار الدولة، الذين يقفون خلفه، فلقد رأى وجهًا كالبدرِ بنورِه ومثل أول طلعة صُبح بصفائه، جميلة بطريقة بريئة، رغم أنَّها لا تعرف من البراءة شي.
والآن هو رأى هذا الوجه ذا الجمال البريء، يريد أن تفتنه أشياءها الأُخَر؛ إذ تجاهل الجميع حينما إقترب من المُتمرِّدة الحسناء، وخلعَ عن رأسِها قُبعتِها، التي تتموَّه بها، فتنسدِل خُصلات شعرها حالكة السواد ذات الطول مثل خيوط الحرير على ظهرها وكتفيها بكثافة؛ فصفَّر مُعجبًا.
وعلى عكسِ ما تكون ردُّ فعل الفتيات في مكانها، لم تخجل، ولم تَخف، ولا حتى تغضب من تحرُّشه بها، ما دام لن يقدر أن يُثمر فلن تآبه به. أخفضت هيريم سيفها، واستندت عليه تقول فيما تتكلَّف عناء رفعِ رأسها حتى تُدرك وجهه ذا القسمات المفتونة.
"عليكَ أن تكون شاكرًا أيُّها الأمير لأنَّني لستُ من سيقتُلك وإلا كُنتَ الآن تُرثى!"
إرتفع حاجبه بشراسة وقال.
"وهل تَجرؤي حتى؟!"
نظرت في عينيه الساخرة -وكأنَّهُ لا يُصدِّق أنَّها حقًا تتحدّاه- واتبعت بثبات.
"وهل هذا سؤال تسألهُ لِقائدة البَرابِرة التي أسقت سيفها دماءً نبيلة؟!"
قهقه تشانيول وتراجع عنها خطوة، ليس لأن شجاعتها هزَّته؛ فالشجاعة تُصبح توسُّلات، ورجوات، وصرخات في غُرف التعذيب، التي حتمًا سَتمُر بها هذهِ البَربَريّة، لكنَّهُ تراجع لِتملأ عيناه هيئتَها بِسفالة.
"لِنقُل أنَّكِ تستطيعي أن تقتُليني أيَّتُها البَربَريّة؛ ألا تدرين بأنني الملك وما عدتُ أميرًا؟!"
العرقُ يتصبَّب من جبهةِ هيريم، وبالكادِ تستطيع الوقوف، ولكنَّها كانت تنظر لِعدو المولى بِشراسةِ المُتمرِّدين جميعًا، وردَّت عليه.
"لا يُمكن تنصيب مَلكًا جديد والملك الأسبق ما زال حيًّا؛ أوليس؟!"
تعالت الشهقات والتمتمات من خلفِ تشانيول، وهو إنقبض وجهه في غضب، واقترب منها الخطوة، التي تراجعها مُسبقًا، فاتبعت قبل أن يؤتي بحركة ضِدَّها.
"ومع الأسف؛ فإنَّ مُهِمَّة قتلك ليست لي، بل سيقوم بها الملك، الذي سرقت عرشه منه، ولفَّقتَ قِصَّة هزليّة لإغتياله؛ الملك بيكهيون!"
وبِجُرءة اتبعت، لا تخاف نتائج هذا القول؛ فلقد دسَّت بين صفوفهم الركيكة الفِتنة، ولم يتبقّى سوى تفتيتهم بعد تشتُّتَهُم.
"لم يَمُت أحد منهم أبدًا، جميعهم في حمايتي، الملك، الأمراء الخمس، الملكة راهي، والوزير الأول جونغكوك. ولرُبَّما تذكر الفتى، الذي حرس زِنزانتك، ومن خلاله دسست في جناحِ الملكة ناري أدِلّة مُلفَّقة تُدين تورطها بمقتل الملك، الذي لم يُقتل أبدًا، الفتى عندي!"
وجد نفسه تشانيول مُحاصرًا بِزاويّة ضيّقة لا يُمكنه الهرب منها، ولم يجد طريقة يُنفِّس بها عن غضبه سوى أن يُنزل على وجهِ هيريم صفعة قاسيّة، ولكنَّها زادته غضبًا حينما إستطاعت أن تتجنَّب صفعته، وصدَّت يده عليه.
"أيّاك! لا تدري أنَّني لا أقع!"
إرتفع حاجب تشانيول بِغضبٍ وعُجمة، لم يرى بمثلِ هذا الجبروت بِأُنثى قط.
"حقًا؟! لكنَّكِ وقعتِ بين يدي!"
"غدرًا، رِجالك غدّارون وجُبناء، لا أستغرب ذلك ما دُمتَ قائدهم!"
أمسكَ بشعرِها، وهذه المرة لم تستطِع أن تتفاداه، واجتذبها من شعرها إليه بِعُنفٍ شديد يجعل أي إمرأة في مكانها تصرخ من شِدَّةِ الألم، لكن وجهها لم يتمخَّض بالألمِ حتى، بل فقط بالكثير من الغضب، وكذلك اصطدمت مخائل جسدها بمخائله، وتشانيول بدَّدَ بسخط، فلقد تسبَّبت له بالفِتنة.
"حسنًا أيَّتُها المُتمرِّدة، لن أسمح لكِ أن تقعي حتى لو أردتِ!"
تبسَّم فيما يشعر ببدنها يلمس بدنه، إبتسامته ونظراته كانت قذرة للغاية، دون كلام تُفشي لها عن نواياه كانت تعرفُها.
أمرَ رِجاله وهو ينظر في عينيها الشهيّة بثورتِهما، ويده تتلمَّس خصرها، الذي يستغرب دِقَّةِ ميلتِه رُغم الثياب، فكيف سيكون دونها، بالتأكيد أكثر دِقَّة.
"خذوها إلى غُرف التعذيب، اربطو يديها في السقف وضعوا تحت قدميها أنصال من حديد، فلا تستطيع أن تقف عليها ولا تقع، تبقى مُعلَّقة طيلةِ الليل تحمل جسدها على يديها مهما بلغت المشقَّة، ولو نَجت فيكون لنا في الغد لقاءً آخر يا عزيزتي!"
تلمَّس بإبهامه شفتيها، ولكنَّها إبتعدت عنه ترمقه بغضب فيما تعقد حاجبيها وعيناها حادَّة، تبسَّمت فجأة بوجهه، تُثير حفيظته.
"الأمرُ لن ينتهي أبدًا سواء قتلتَني أو أبقيتَ على حياتي، أنا لستُ وحدي، يقفُ في ظهري جيش أظنُّهُ يستطيع الصمود أمام جيشك!"
حاول الرجال أن يسحبونها لتنفيذ أوامر الملك حينما لم يَجد شيئًا يرُد به، توقَّع أن ترجوه وتتأسَّف، تتوسَّلهُ الغُفران، لكن أيًّا من هذا لم يحدث، بل هدَّدته.
ولكنَّها دفعت بأيديهم عنها وهسهست في سخط.
"اليد التي تلمسني سأقطعها، سأسير وحدي!"
تراجع عنها الرجال، وسارت بِعِزِّها وكرامتها إلى أي مكانٍ سيأخذونها إليه، لن تسمح لهم أن يدوسوا عِزَّها حتى لو كان تُساق لتَّعذيب فعلًا.
"ألا تخاف هذه؟!"
نبس تشانيول بغرابة فيما يتتبَّع أثرها الذي يختفي مع الحرس، حينها ردَّ عليه جيمين وهو ينظر إليها بعينٍ مُشفِقة.
"كلا يا سيّدي، أمثالها لا يعرفون الخوف!"
لكنَّها في الواقع كانت خائفة، هي مثلها مثل أي شخص لا يتخلّى عن حياته، ولا يهون عليها جسدها، ولكنَّها لا تُذِل نفسها لتحمي حياتها أو جسدها من الوجع والأذيّة.
الموتُ أرحم في الواقع...
...
ادخلوا هيريم الزِنزانة، كانت مُخيفة ومُظلِمة، لكنَّها كبيرة. تقعُ في سِرداب تحت الأرض، عيناها إلتقطت الكثير من أدوات التعذيب المُعلَّقة على الحائط، وأخرى على طاولات من الخشب العتيق.
دَقَّ قلبِها بِخوف، لكن لم يَكُ بمقدورِها فعل شيء، دفع بها أحدهم من ظهرِها إلى الداخل، كادت أن تسقط لولا أنَّها توازنت باللحظة الأخيرة، وملامحها تخثَّرت بالألم فجُرح ظهرها ما زال غائرًا، وبسببِ هذهِ الدفعة إزداد إيلامًا، وبالفعلِ تشعُر بالدَّم يسيل منه.
إلتفتت إلى الذي دفعها، ونظرت في وجهه تقول.
"سأتذكَّر وجهك جيّدًا!"
ضحك بإستهزاء وقال.
"لو خرجتِ من هنا افعلي بي ما تشائي، اغليني بالمياه حتى، لكنَّني سأغليكِ أوَّلًا!"
تبسَّمَ سِنُّها ونبست.
"تذكَّر كلامكَ هذا دومًا، لأنَّهُ سيكون واقعًا في يومًا ما ليس بعيد الأجل، أعدُك!"
إبتعد الرَّجُل لإنَّهُ خاف منها، وحملها رَجُلان آخران إلى طاولة، وأحدهم ربط يداها بالسقف، ثم وضعوا فوق الطاولة، التي تقف عليها، قِطعةِ خشب عريضة تنغرس بها أنصالٌ حديديّة بارزة، لو وطأتها قدما هيريم ستتمزَّقان بلا شك، إنتهوا من تعليقها وخرجوا تُصارع بين الموت والبقاء هكذا.
لا تستطيع أن تسند قدميها على شيء، ولا تستطيع أن تفردهما، عليها أن تُبقيهما مطويتان نحو بطنها ومُعلَّقتان بالهواء معها طيلة الليل، ولا تَظُن أنها ستسطيع الصمود.
مَرَّ بعض الوقت، ما زالت صامدة لكن آصرة صمودها تتفكَّك، كانت تتخيّل مشاهد بشعة، ماذا لو إنحلَّ الحبل الذي يربطونها به؟!
ستقع وستنغرز كل هذه الأنصال بجسدِها، وتقتُلها بشكلٍ بشع.
ماذا لو لم تستطِع حمل نفسها أكثر؟!
حينها ستخترق هذهِ الأنصال العِظام في قدميها، سوف لن تكون قادرة على خطي خطوة واحدة طيلة عُمرها؛ قد تُشَل.
خائفة جدًا، بدنها يرتجف ورأسها مُنخفض، تنظر نحو هذه الأنصال المُرعِبة، كانت تدعو في داخلها أن تتيسَّر طريقة تجعلها تتحرَّر، ألا تجعل الموت يُلاقيها... كانت خائفة من الموت بطريقة بشعة، لا من الموت نفسه.
لكنَّها رُغم الخوف، الذي يَهُشُّها من الداخل، لم تتوسَّل أو تتأسَّف كما تمنّى الملك وظن، لقد صمدت، ولم يخرج من فاهِها صوتٌ واحد.
فجأةً؛ سمعت صوت بوابة الزِّنزانة يُفتَح، رفعت رأسها إليه فترى رَجُلًا مُتدثِّرًا بعباءة سوداء بِقُلنسوة طويلة تُغطّي رأسه، وتُخفي كل معالم وجهه، فقط سمعت صوته حينما أمَرَ الحَرَس بالذهاب، وأخبرهم أنَّهُ سيتولَّى حِراستِها بدلًا منهم.
غادروا جميعهم وبقيَ معها في الزِنزانة، كان واقفًا قريبًا منها، لا تدري إن كان يستطيع رؤيتها لكنَّها لا تستطيع رؤية وجهه، ورُغم ذلك؛ لم يستعمرها الفضول لمعرفتِه قط، رُبَّما بعثه الملك ليُطرَب سمعه بصرخاتها ورجواتها؛ فتحدَّثت بصوتٍ مُرهق.
"لا تُتعِب نفسك، لن أصرُخ، ولن أرجوكَ المغفرة، ولن أتوسَّلُك لحياتي."
"مِمَّ خُلِقتِ أنتِ؟"
كان سؤاله مُستغرِبًا وغاضبًا في ذات الوقت، لم تفهم مقصده حتى اتبع.
"كيف لفتاة مثلكِ بهذا الحجم الضئيل والبدن الرقيق أن تُحارب دولة بأكملها؟ بل أنتِ كيف تستطيعي الصمود الآن؟"
تبسَّم ثغرها وردَّت.
"من الجيّد أن تثق بنفسك، ولكن لا تستخِف بأعدائك؛ قد تُفاجئك قُدراتهم."
دافع عن نفسِه.
"لستِ عدوَّتي!"
نظرت ناحيته تستغرب ذلك، فاتبع وهو ينهض.
"سأُبرهن لكِ ذلك!"
أزال من تحت قدميها الأنصال، وبتلك اللحظة شعرت بالحُريّة حينما مدَّت قدميها أخيرًا، ولاقين أرضًا تقف عليها؛ الطاولة.
صعد إلى الطاولة، وفكَّ يديها، كان مُتحضِّرًا لِتسقُط بين يديه، ولكنَّها لم تفعل، بل توازنت دون أن تستند عليه حتى، ونزلت عن الطاولة وحدها، ثم وقفت تسأله.
"لِمَ تُحرِّرني؟! هل هذه لُعبة أخرى؟"
"صدِّقي ما شئتِ، لا يُمكنني إثبات حُسن نواياي لكِ، ولكن لو كنتُ مكانك لفضَّلتُ أخذ قِسطًا من الراحة على إنهاك نفسي بالأسئلة الكثيرة."
وهيريم شعرت أن هذا الرَّجُل الغريب مُحِق، تمدَّدت على الأرض وقبل أن تغفو قالت.
"لا تحاول أن تتحرَّش بي، نومي خفيف جدًا، سأشعر بكَ لو تحرَّكت من مكانك حتى، أياك؛ لأنَّني سأقتلع أطرافك حينها؛ كما أنَّ بظهري أخوين، سيقتلونك!"
تبسَّمَ من تحتِ الرِّداء، تُهدِّده وهي في مثلِ هذهِ الحالة البائسة، وحينما غَفت حقًا نزع القلنسوة من على رأسه، وأركن رأسه ضِدَّ الحائط يتنهَّد.
"لقد جُنِنتَ يا جيمين بكل تأكيد، ماذا سيحدث لو كُشفت أنا؟!"
رُغم خوفه؛ جيمين لم يكن نادمًا على إنقاذ هيريم، وحراستها حتى الصُّبح وهي تنام هكذا، إنها مريضة، وما زالت إصابتها جديدة، لا يمكنه أن يراها تتعذَّب ولو كانت سليمة، فما بالك بكل هذه الجروح والإصابات؟!
في الصباح؛ حينما آتى الحرس من البارحة حذَّرهم جيمين.
"أياكم أن يعلم أحد أنَّني قضيتُ الليلة في الزِنزانة أو حتى ظهرت، تعلمون؛ حينها لن أموت وحدي!"
اخفضوا رؤوسهم في طاعة.
"أوامر سيدي الوزير مُطاعة!"
أومئ لهم واتبع.
"قدِّموا لها الطعام والشراب سِرًّا، أياكم أن يعلم الملك بشيء!"
رفع جيمين سبّابته بوجهِ الرَّجُلين يُحذِّرهما، ثم انسلَّ خارجًا بهدوء، الآن يمكنه أن يذهب ويحصل على قسطٍ من الراحة دون أن يوجعه ضميره عليها.
...
عودةً إلى المَقر؛ حيثُ يجتمع تايهيونغ بالرٍّجال في المَقر في قاعةِ الإجتماعات حول الطاولة، هو يترأسهم وهم يجتمعون حوله، ويضع الخُطّة لإقتحامِ القصر، وإسترداد القائدة.
"هناك سِتُّ مداخل للقصر، من كُلِّ مدخل تَدخل فئة مُعيّنة من الناس، ونحن سندخل عبر الأسوار القريبة من المَدخل، الذي حوله الحركة قليلة؛ المدخل الرابع"
كان يعمل تايهيونغ على تقسيم الرِّجال لمجموعات، وتنصيب قائد على كل مجموعة، وسَن الخُطط لِتَّسلُّل إلى القصر حينما فجأة دخل الملك إليهم، فتنحّى تايهيونغ عن المقعد الرئيس لِصالحه، لولا أنَّ بيكهيون أشار له أن يبقى جالسًا، ثم أسند يديه على الطاولة من الطرفِ الآخر ينظر إلى الرِّجال بثبات وقوَّة.
"سبعُ مداخل، السابع فقط أنا أعرفه"
الملك تكلَّمَ بذلك والجميع إلتفتَ إليه، يبغون معرفة هذا المدخل، فسيكون من الآمن الدخول عبره إلى القصر.
"أخبرنا عنه يا صاحب الجلالة، ذلك سيُفيدنا كثيرًا!"
قال تايهيونغ، لكن بيكهيون نفى.
"لن تستطيعوا الدخول عبره وحدكم، إن ذهبتُ معكم دللتُكم عليه، وإن تزمَّتُّم بإلزامي هذا المكان هنا، فلن تستطيعوا الخروج منه أبدًا!"
تنهد تايهيونغ وفيما يُقطِّب ملامحه إعترض.
"عفوًا يا صاحب الجلالة، لكن أن تذهب معنا أمرٌ مُستحيل، نحنُ لا نستطيع أن نُخاطِر بحياتك"
ضرب بيكهيون على سطح الطاولة بقبضتِه، وهتف بسخط.
"لقد حفظتُ هذا الكلام!
أنا مَلك القصر، لن يعلم أي منكم خريطته أفضل مني، إما أن تشركوني بِخُطَّتِكُم أو سأذهب وحدي!"
تقدَّمَ تايهيونغ من الملك، وانحنى له بإحترام يقول.
"أنا آسف!"
تنهَّد بيكهيون، ثم أومئ، نظر فيهم جميعًا، ثم غادر. وبعد ذلك تايهيونغ إلتفت إلى رجاله يقول.
"عزِّزوا الحِراسة على غُرفتَه، لا تسمحوا له بالخروج أبدًا، ولا تَدعونه يغيب عن أعيُنكم!"
وافقوه جميعًا، الملك مُتهوِّر إن كان غاضبًا، لا يُفكِّر حينها بشكلٍ سليم.
...
سيهون كانت رِحلته تَسير على ما يُرام، الشمسُ غَرُبت وهو كان يجلس فوق صخرة قريبة من خيمته، الملكة راهي لا تُشكِّل عِبأً عليه، كُلَ الأمور تسير على ما يُرام.
كان ينظر إلى القمر النِّصف مُكتمِل، تبسَّم حينما شعر بجاهي خلفه حينما إمتدَّت يداها لِتُمسِّد كتفيه وقال.
"القمر نِصف فقط، يُشبِه الآن رمز الجماعة"
تبسَّمت جاهي واستمرَّت في تدليك كتفيه، وذلك نشر الراحة في بدنه وأرخى نفسهُ عليها.
"أنتَ تتعب كثيرًا في هذهِ الأوِنّة، أنتَ حقًا بطل، أتمنّى أن ننتهي ونعود قريبًا للمَقر، لا أُحِب أن أراكَ مُنهك"
أمسك بيدها التي على كتفه، واجتذبها لتجلِس بجانبه، وضع يده فوق رأسها، وأخذ يُمرِّرها على شعرها يقول.
"أدري أنَّكِ مُتعبة معي، هانت... في الغد سنكون في بلاط ملك المَغول الهندي"
نَفَت هيريم برأسِها وقالت تبتسم.
"أنا لستُ مُتعبة معك، أنتَ مصدر عوني وسعادتي، لا تعلم كم أُحِبُك... أنا فقط خائفة عليك عزيزي!"
تبسَّمَ سيهون واجتذب جاهي من قَفا عُنقها إليه، وباليد الأُخرى تمسَّك في وجهها، اجتذبها وغاص في تقبيل شفتاها، إرتعش بدن جاهي كما لو كانت أول قُبلة، كما لو أنَّهُ لم يَمُر أي وقت، كما لو أنَّها هذه أول قُبلة.
تمسَّكت بكتفيه حينما تبسَّم فيما يُقبِّلُها، وأخذت تَرُد له القُبلة بمثيلتها، ما زالت تخجل منه، ولكنَّها أصبحت تُظهر حُبها له أفضل.
إنَّهُ رَجُلًا جيّد، زوجًا رائع، همَّهُ أن يهتمَّ بها ويُحافِظ عليها، هو ثمين والعلاقة التي تربطها به ثمينة، يمكنها أن تُضحي بنفسها لأجله لأنه يستحق ولأنها محظوظة به.
همست له حينما أسند جبهتها إلى جبهته.
"أُحبك كثيرًا يا سيدي، لا تَدري كم!"
إبهامه أخذ يُمسِّد وجنتها وهو يقول.
"لا تُناديني سيدي، أنا لستُ سيدك"
"لا أستطيع!"
إبتعد قليلًا وهو يبتسم، ثم أومئ يقول.
"حسنًا نادِني بما ترتاحي له، لا شيء سيُغيّر حقيقة أنَّكِ زوجتي!"
تبسَّمت، ثم إندسَّت بين ذراعيه تُعانقه، وتشتم رائحة عِطره، التي لا تُغيرها الظروف، ذلك العطر الذي خُلِق معه، لطالما شعرت أنَّ بدنهُ مُعطَّر.
...
كانت هيريم ما تزال عالقة بزِنزانتِها، والحرس قد أبلغوا الملك أنها نَجَت، لكنَّهُ لم يؤتي بحركة بعد، لا تعرف إلامَ يُخطِّط، ولا تُخطِّط أن تفعل.
كانت تجلس على الأرض بهدوء مُستندة على الحائط خلفها وجُرحها ينزف، جُرح قدمِها وجرح ظهرها، تتألَّم ولا تتكلَّم، بالتأكيد هي لن تطلب العون من أحد إطلاقًا، ولن تتوسَّلهم ليخفِّفوا عنها الألم.
جبهتها تتعرَّق، ووجهها يتمخَّض بالألم، لكنَّها ما زالت ثابته، فعلى حسبِ قولها؛ ستموت واقفة.
سمعت صوت أصفاد الزِنزانة تُفتَح، لكنَّها لم تُكلِّف نفسها عناء الإلتفات إلى الزائر، شعرت بأحدهم يجلس مُقرفِصًا قُربها ويد لمست كتفها، فإلتفتت وإذا بهِ وجهًا مألوفًا.
عقدت هيريم حاجبيها بغرابة -استغربت شعورها بالأُلفة لهذا الوجه- ونبست.
"من أنتِ؟!"
أجاب الحارس مُحذِّرًا.
"تحدَّثي مع جلالة الملكة رايناه بأدب واعتدلي!"
اتسعت عينا هيريم ثم ابتسمت تقول.
"لهذا أشعر أنَّكِ مألوفة، تُشبهين الملك بيكهيون كثيرًا!"
كانت عينا رايناه مثل هلالين حزينين يملؤهما اليأس، ولكنَّها ابتهجت حينما قالت هيريم ذاك، وإمتلأت عيناها بالدموع.
"هل حقًا أخي حي؟!"
أومأت هيريم، فأمسكت رايناه بيديها، ووضعت جبهتها فوقهما تبكي.
"وهو بخير أيضًا، لا تقلقي يا مولاتي!"
رفعت رايناه رأسها ونفت برأسها تقول.
"لا تقولي مولاتي، أنا لستُ سوى إمرأة ضعيفة وجبانة لم أستطِع حماية أخي من مكائد زوجي!"
نفت هيريم وقالت بصوتِها الضعيف.
"لا تُسيئي الظن بنفسكِ مولاتي، أبلغني إخوتي أنَّكِ تحاولين نفض الأمير عن العرش"
وفيما رايناه تبكي وتنظر في عيني هيريم، التي رغم إصابتها وصوتها الضعيف لم تبكي، لقد صدق القول أنَّها مِثل الحجر، مهما خُدِش يبقى حجرًا لا يُغلَب.
"لكنني فشلت، لم أستطع التغلُّب عليه"
تمسَّكت هيريم بيديها واتبعت تُطمئنها.
"بلى فعلتِ، لقد قلبتِ فئة النُبلاء ضِدَّه، وهذا كافٍ. لقد قُمتِ بنصف المُهِمَّة عنّا، الآن احرصي أن تعيشي بسلام، واتركي الباقي علينا، نحن سننتزع العرش من أسفله، ونردُّه إلى صاحبه الشرعي."
مسحت رايناه دموعها وأومأت تقول بإبتسامة بائسة.
"شُكرًا لكِ، حقًا شُكرًا لكِ!"
أومأت لها هيريم بإبتسامتِها الذابلة، حينها إلتفتت رايناه إلى الحرس وقالت.
"اخرجوها من هنا، وضعوها في غُرفة جيّدة، احضروا لها الطبيب، وقدِّموا لها الطعام والشراب!"
تمسَّكت هيريم بيد رايناه تنفي.
"لا يا سموكِ، أنا فقط أحتاج أن أخرج من هنا، يتوجَّب علي العودة إلى جماعتي!"
"لا يمكنكِ الذهاب إلى أي مكان"
إلتفتت هيريم كذلك رايناه ناحية تشانيول، الذي ولج الزِنزانة، وقفت رايناه وركضت إليه تلمس بيديها صدره، وقالت تتوسَّله.
"أرجوكَ يا تشانيول، اخرجها من هنا وأعدكَ أنَّني لن أقوم بفعلِ أمر يُغضبُك مُجدَّدًا، أرجوك يا تشانيول!"
لكنَّهُ ما استمع إلى زوجتِه، التي ما زال غاضب منها، ودفع بها عنه فسقطت أرضًا.
"ابتعدي عني!"
إقترب من هيريم، التي تجلس أرضًا وترمقه بنظراتٍ غاضبة، جلس القُرفصاء قُربها، وقرَّب يده ليرفع بها خُصلات شعرها عن وجهها، لكنَّها أشاحت بوجهها بعيدًا عن يده فابتسم وقال.
"لو رَجوتَني أنتِ سأترُككِ تذهبين، فقط توسَّليني!"
نظرت إليه، وارتفع حاجبها عن ناصيتِها، ثم ضحكت تقول.
"لن أفعل ولو بأحلامك!"
أومئ لها مُهدِّدًا، وأشار إلى نفسِه بإستغراب.
"هل أنتِ تتحدّين سُلطتي؟!"
"نحن نحترم الأُمراء وسُلطاتهم، لذا أنا لا أتحدّاك."
ضحك بإستنكار.
"أمير؟!"
لبثت في صمت فاتبع مُقتربًا منها خطوة.
"حسنًا، ما دُمت بنظركِ أميرًا وتحترميني وسُلطتي، كيف ستقتُليني؟!"
نظرت في عينيه الغاضبة وقالت.
"لستُ أنا من سيقتلك، جلالة الملك إن أراد قتلك، وإن أراد نفاك، وإن أراد سامحك... هذا ليس شأني"
أمال رأسه ينظر في وجهها الحَسن.
"وما دليلكِ أنَّ الملك حي؟!"
تبسَّم سِنها وقرأت التوتر في عينيه.
"أنت تعلم جيدًا أنَّهُ حي، لستَ بحاجة إلى دليل؛ أليس كذلك يا سمو الأمير؟!"
شدَّ على أسنانه بسخط، بدأ يشعر بالتهديد، أيُعقل أن بيكهيون حقًا تواطئ مع هولاء البرابرة المَردة ليسترد مكانه؟!
كان خائفًا من المُستقبل المجهول، إحتمال أنَّهُ سيخسر في الحرب يُرعبه، شدَّ يده وصفع بها وجه هيريم بقوَّة، فصرخت رايناه، وهيريم وقعت أرضًا والدماء تخرج من شفتيها.
هلعت إليه رايناه وهي تُمسك بكتفيه، بينما هو أمسك بشعرِ هيريم ليُجلسها من جديد.
"أرجوك يا مولاي، أرجوك لا تؤذِها، اتركها!"
تبسَّم تشانيول إبتسامة مريضة وقال لزوجته قبل أن يدفعها مُجدَّدًا عنه.
"لا، أنا سأعلمها درسًا وأُعلمك يا رايناه!"
أمسك بشعرِ هيريم، ونهض يُجبرها على النهوض معه، ثم سحبها معه خارج الزِنزانة فيما رايناه تتبعه وترجوه أن يتركها، هيريم لم تنبس بحرف، وللأسف لا تقدر أن تُقاومه حتى، فكانت طوع يده.
إستمرَّ في سحبها في باحات القصر وساحاته، والجميع يتوقف وينظر إلى الملك يسحب البربرية هكذا، لم يسبق لملك أن تصرَّفَ بهذهِ الدونيّة ضد أحد ولو كان رَجُل، الملوك لا يجرّون الأسرة، هناك من يأتي بهم له، ولكن تشانيول لا يَكُف عن الحط من شأنِه في نفوس الناس.
"جهِّزوا الماء المَغلي!"
صرخ تشانيول يأمر رجاله، وتحرَّك ثُلَّة منهم لتحقيق مطلبِه، هيريم إتسعت عيناها وأخذ قلبها يضرب بين ضلوعها بقوة، الموت هكذا مُخيف... مُخيف جدًا لدرجةِ أنَّها لا تُريد أن تموت.
صعد بها وهو مستمر بسحبها من شعرِها إلى الطابق الثاني من القصر، ومن أسفلها وضعوا قِدرًا كبيرًا ملاؤه بالماء، واشعلوا أسفله النار.
قرَّب تشانيول هيريم منه بسحبِها من شعرِها، ونبس في أُذنها.
"إما أن تتوسَّلي أو أرميكِ بالماء، هذه فُرصتكِ الأخيرة، معكِ وقت حتى يغلي الماء!"
جثت رايناه عند قدميه تتوسَّله.
"أتوسَّلُك يا تشانيول لا تفعل! أرجوك يا مولاي!"
لم يهتم برايناه، ونظره ظلَّ مُركَّزًا على البربرية، التي إمتلأت عيناها بالدموع وحينما سَّدت نافذتيها، كي لا ترى موتها، اقترب وهمس بأذنها.
"قولي أرجوك وستعيشي!"
لم تَقُل شيء، وبالفعل بدأت تصعد الأبخرة من القدر الذي يغلي، دفعها نحو الحافة فشهقت ويدها -بلا أن تشعر- تمسَّكت بعباءتِه.
فتحت عيناها على مِصراعيها، لو جعلها تفلت عباءته ستقع بالقدرِ بلا شك، كان يبتسم بإنتصار وكأن تمسكها به يُماثل توسُّلًا يرغب بسماعه من شفتيها، همس بأُذنها.
"قوليها وستنجين!"
فجأةً؛ شعرت بيد تُمسِك يدها، وتسحبها بقوّة ناحيتها؛ فتقع بين يدي رَجُل مُلثَّم إلتفَّت يداه حولها بِشدَّة.
تنشَّقت هيريم نفسًا من الحياة، لكنَّها لا تُصدِّق حقًا وانسابت الدموع من عينيها أكثر، أما زالت حيّة تتنفَّس الهواء حقًا والآن هي في حضنِ رَجُل غريب آمنة؟!
نظرت إلى المُلثَّم، عرفتهُ من عينيه الحادّة والغاضبة، وهي مُتأكِّدة أنَّها لا يُمكن أن تكون مُخطئة.
"جلالتُك!"
تفاجئ تشانيول من قولِ البربرية، ونظر إلى الرَّجُل المُلثَّم كذلك رايناه، التي لا تُصدِّق ما تراه، وإن لم تَكُ ترى الوجه، هذه هيئة بيكهيون وعيناه، حينها تكلَّمَ من أسفلِ اللِّثام بغضب، وعيناه الظاهرة منه فقط تؤازِرُه.
"تذكَّر أنَّ لكَ حِساب كبير معي، سأقتُلك يا تشانيول!"
ضبط تشانيول إنفعاله، وذلك الشعور المقيت الذي راوده؛ الشعور بالتهديد، ثم ضحك سِنَّه وقال.
"إن خرجتَ من هُنا حيًّا افعل!"
أمسك بيكهيون برأسِ هيريم وانحنى معها أرضًا يهمس.
"سنرى!"
فأصبحت السِّهام تنزل فوق الرؤوس كالمطر المُنهمر، تعالت الصرخات، والحرس يهتفون.
"احموا الملك!"
أثناء آنشغال الناس بهطول الأسهم سحب بيكهيون المُلثَّم يد هيريم خلفه، وركض بها بعيدًا عن الوغى، صاح تشانيول وهو يراهما يهربان.
"واللعنة!"
حمل سيفه فيما مجموعة من الحرس يحمونه، وتتبَّع خُطى بيكهيون والبربريّة، ولكنهما فجأة إختفيا ولم يجد لهما أثرًا، ضرب قدمه بالأرض بسخط وصرخ.
"واللعنة أين ذهبا؟!"
ثم صاح بالحرس.
"أغلقوا مداخل القصر سريعًا، واعثروا عليهما حالًا!"
تحرَّكَ الحرس لتنفيذ أوامره، رغم أنَّهم يتساقطون مع السِّهام، التي لا تتوقَّف عن السقوط بهم.
وبيكهيون كان مُستمر بسحبِ هيريم معه، قبضته تتمسَّك بحِرص بِعضدِها، ويده الأُخرى تحملُ سيفًا.
مرَّت بالرِّواق القريب مجموعة من الحرس وهم يركضون، فأسرع بيكهيون بسحبِ هيريم، صدمها بالحائط برِفق ووضع يده على فمها، فيما سبّابته على شفتيه يُشير لها بالسكوت.
أنفاس هيريم ضائقة، ما زال قلبها ينبض مرعوبًا مِمّا كاد أن يحدُث، والآن قلبها ينبض مسحورًا مِمّا يحدث.
كانت تنظر في عينيه العميقة، وترى من خلالهما إنعكاسًا لِنفسها؛ إنعكاسًا جميلًا لنفسها، أهكذا تراها عيناه؟
أمسك بيدها مُجدَّدًا، وسحبها معه بحذر مُتخفّيًّا بعونِ الأعمدة، فيما خطواته سريعة ويحني قامته، كي لا تلتقطَهُ العيون المُعاديّة.
أدرك بها حديقة القصر، وهناك رأته ينحي لفتحٍ بابٍ يُخفيه الزرع، ثم إلتفتَ لها.
"تثقين بي، أوليس؟"
أومأت له، فأمسك بها من خصرها، إرتعش بدنها ويداها إتكأت على منكبيه العريضين، وضعها بيكهيون بآمان في الداخل، ثم أغلق عليها الباب وابتعد.
شهقت بقوَّة وهي تنظر إلى الباب الذي أصبح يعلو رأسها.
"أين ذهب؟!"
تمسَّكت بصدرِها تحديدًا من الجِهة اليُسرى حيثُ ينبض قلبها بجنون، أولًا خوفًا عن نفسها، ثم حُبًّا فيه، والآن خوفًا عليه.
وأما بيكهيون؛ فخرج ليُعطي إشارة لتايهيونغ أنَّهُ مُغادر، ثم دخل إلى النفق، ما إن رأته هيريم ابتسمت وتنهَّدت براحة.
"لقد أخفتني عليك!"
تبسَّم بيكهيون وربَّت على وجنتها يهمس.
"لا خوف علي"
ثم أمسك بيد هيريم، يدها إرتعشت، إتسعت إبتسامته فيما هي تُخفض رأسها، أول مرّة يراها خجولة هكذا.
"هيّا؟"
أومأت له، ثم إشتدَّت يدها تمسُّكًا به وسارت معه.
وهكذا بالفعل بيكهيون كان في النَّفق، الذي لا يعرفه أحد سِواه، النَّفق الذي يبتدأ بقلبِ القصر وينتهي بخارج القصر.
وبينما يسيران هيريم لم تستطِع الصمود أكثر، أفلتت يده وسقطت أرضًا وهي تتنفَّس بقوَّة.
"هيريم!"
إقترب منها بيكهيون قلِقًا، وانحنى قُربها يقول.
"تماسكي يا هيريم، لن أسمح للموت أن يختطفكِ مني!"
حملها على ذراعيه واتبع طريقه، كان رأسها على صدرِه يتَّكئ، حينها همست بصوتٍ ضعيف.
"ما كان عليكَ أن تُخاطر بنفسكَ لأجلي، كيف تركوك تأتي؟! سأعاقبهم!"
وبَّخها بِحدَّة.
"اصمتي فقط، أنا لا أنتظر إذنًا من أحد لأفعل شيئًا، صحيح أنَّني أبدو مُتهوِّرًا، ولكنني أُخطِّط جيّدًا، وإلا كيف كنتُ الملك؟!"
تكبَّدت هيريم عناء الإبتسام بصعوبة وهمست.
"أعلم أنَّكَ ذكي وقوي، ولكن ما زال علي أن أُبقيكَ سالمًا، ولا أُعرِّضُكَ لأي مُخاطرة مهما كان الثمن، أنا آسفة لأنَّكَ تعرَّضت للخطر بسببي، كان عليكَ أن تتركني أموت ولا تُخاطر بنفسك أبدًا!"
تنهَّد بيكهيون، ورفعها بين يديه أقرب إليه وقال.
"ذكريني أن أضربكِ حينما تُشفين؛ لأنَّكِ تُزعجيني جدًا!"
مازحته.
"هل تَضرب النساء يا مولاي؟"
"أضرب الشقيّات فقط"
نظرت إليه وقالت.
"من ضربت؟"
"زوجتي تاي هان، وابنتي جيهان"
أخفضت رأسها وتمتمت.
"ما زِلتُ غاضبة منك لما فعلته بجيهان"
نبس بهدوء.
"سنتفاهم في ذلك لاحقًا!"
خرج بيكهيون من المدخل بعدما تأكد أنَّ لا أحد يتبعه، قصد حِصانه بحذر، وضعها عليه ثم صعد خلفها، وجعله ينطلق.
أثناء الطريق؛ وبينما بيكهيون يتوخّى الحذر من فِخاخ الأعداء وغدرهم، سمع هصيل أحصنة فتوقف.
تلفَّت وإذ به يرى رجالًا من حرس القصر يتبعونه.
"ها هو المُلثَّم والبربَريّة!"
ضرب بيكهيون لِجام الحِصان بيد، وأحاط بالأخرى بطن هيريم يتمسَّك بها بقوَّة، وانطلق يندس بين الأحراش المُضلِّلة عسى ألا يستطيعوا إقتفاء أثره.
"أقصد هذا الطريق يا مولاي، ضلِّلهم عن المقر!"
أشارت له هيريم إلى أين يتَّجه وهو أطاعها، جعل حصانه يجري بأسرع ما لديه، ولم يقدر أحد عن اللحاق به، حينها تكلَّمت هيريم.
"أقصد الكهوف هنا، سيقومون بتمشيط المنطقة، ولو استمررنا سيحاوطوننا!"
بإستغرابٍ نبس وهو يُطيع ما تقول.
"كيف تعرفين كل ذلك؟!"
بصعوبة قالت.
"لقد تشابكتُ معهم كثيرًا في عهدك!"
"شقيّة ومشاغبة!"
قصد إحدى الكهوف المخفيّة عن العيان، ترجَّل عن الحِصان، ربطه عند إحدى الصخور، وحمل هيريم عنه، قصد إحدى الرُّقع المُرتفعة وجلس بها فيما هي بحِجره.
كان يتَّكئ على الحائط خلفه، وهي يضعها بين قدميه ورأسها على صدره، حاولت النهوض تقول.
"لا يجوز جلالتك!"
لكنَّهُ تمسَّكَ بها برفض يقول.
"فقط اصمتي وارتاحي الآن، نامي قليلًا!"
رفعها عليه قليلًا، فأصبح رأسها على كتفه، ووجها يندَّس في عُنقه، شعرت بالخجل ووجنتاها تلوَّنت.
"ألا بأس بذلك حقًا يا مولاي؟!"
"نعم، فقط ارتاخي قليلًا!"
أخذت يده تمسح على شعرها كما لو أنَّها هدهدة للنوم يده الأخرى تلتف حولها، وجسده يُدفئها، قلبها مثل الطبل يَدُق بجنون، أفكارها مُتشتِّتة، حتى أنَّها نست أنَّها كادت أن تُغلى بالماء قبل حين.
كانت خائفة جدًا، وعلى قدرِ خوفها الآن تشعر بالطمأنينة تلتحفُ بدنها، بيد أن وجودها بين يدي الرَّجُل الوحيد، الذي ينبض قلبها لأجله لا يُساعد، كيف تنام وهي بين يدي مَعشوقها، ليس مَلِكها وحسب؟!
وبيكهيون لم يَكُ أفضل حالًا، حينما رآها هكذا تقف على حدودِ فوهة الموت، وتتمسَّك بخيطِ نجاة ضعيف تبخَّر كُلَّ حذره، وانطلق لها كما ينطلق السهم من القوس.
شعر أنَّهُ بيد لحظة قد يخسر كل شيء، لقد إعتبرها في تلك اللحظة المشؤومة كل شيء، لم يقدر أن يُفكِّر بشيء، فقط رؤية دموع الخوف على وجهِها جلجلته، وجعلته يُسلِّم كل حذره وإنتباهه، وفي المُقابل يُنقذها، في تلك اللحظة كانت هيريم أثمن من كل شيء؛ حتى حياته.
تفقَّدها بعد مُضيَّ الوقت؛ لقد نامت نومًا عميقًا، تبسَّم ومرَّر أنامله الرفيعة على شعرها يهمس.
"كيف تنامين ونحن بهذه الوضعية، لهذه الدرجة أنتِ مُتعبة؟!"
إقترب بحذر وطبع على رأسِها قُبلة، تلك كانت أول مرة تلمس شفتاه جلدها، ولا يتمنى أن تكون الأخيرة.
لم يَشعر بالإبتسامة، التي تُزيّن ثغره، وهو ينظر في وجهها، الذي لم يتغلَّب الإرهاق البائن في قسماته على الحُسن، ما زالت جميلة كما لو أنَّها الليلة عَروس.
مرَّر أطراف بنانه على قسماتِ وجهها، وانتهى بحالِ إبهامه يقف على شِفَّتِها السُفلى، لِمَ أصبح ريقه أكثر أنسيابيّة؟!
يشعر بالإشتهاء ناحيتها، يرغب بجسدِها، بروحها، بنفسها، وأن تصبح ملكه بكل الطُرق المُمكنة، والغير مُمكِنة، والأعراف.
يشتهي الآن شفتيها كما لو أنهما عين ماء وجدها صُدفة قُبيل الهلاك في قلبِ صحراء قاحلة، لم يَشعُر أنَّهُ مُحتاج من قبل لِمرأة إلى هذا الحد، وهذا ليس لأنّها مُجرَّد إمرأة بل لأنها هيريم بحدِّ ذاتِها فقط.
لكنَّهُ لن يسرق منها القُبلات، قد يفعل وهي واعية وتَعي سِرقته، ليس وهي غافية لا تشعر بشيء.
لمس بإبهامه شفتيه، ثم لمس به شفتيها كما لو أنَّهُ يطبع قُبلة غير مباشرة؛ حركات مُقتبسة من الخَصي وسيدات البلاط في القصر.
ضحك لتفاهةِ أفكاره في مثلِ هذا الوقت المُتأجِّج، لا يفهم كيف ينسى أنَّهُ الملك، ويركض خلف رغبته بها كما لو أنَّهُ رَجُل عادي تُثقِلُه فقط الرغبات.
إحتضنها بقوَّة بين يديه، واسند وجنته فوق رأسها، ثم أغمض عينيه وهو يبتسم، لقد شعر وكأنَّهُ عاد للفردوس، التي طُرد منها مُذُّ وقتٍ طويل، لقد شعرَ بأهميَّتها في حياته حينما غادرتها، حينها فقط عرف أنَّهُ مُعتاد عليها، ولا يُمكنهُ أن يعيش من بعدِها أو دونها دون أن يؤرِّقه غيابها، لقد إكتشف أنَّها بالنِّسبةِ له مُهِمّة كأهمية العرش والمُلك، هو الذي لم يُسبَق له أن قاس أهميّة أحد بأثمن ما يملك؛ العرش.
خرج من أفكارها ومن إستكشفاته لمشاعره حينما سمع تأوهًا يخرج من بين شفتيها رُغم أنَّها نائمة، أدرك أنَّها تتألَّم والوضع جدّي حقًا.
رفعها عنه قليلًا، وطَبطَبَ على وجنتِها يحاول إيقاظها.
"هيريم أستيقظي، هيريم أين تتألمي؟! هيريم!"
لكنَّها لا تُجيب مهما حاول معها، عَلِمَ أنَّها ليست نائمة، بل فاقدة الوعي. رفعها بيكهيون بحذر عنه، ووضعها على الأرض، جعلها تنام على بطنِها، وبلا تَردُّد شقَّ قميصها.
كشَّر حاجبيه وأنقبضت يداه حينما رأى جُرحها، فبدَّدَ بأستياء وغضب.
"سأُقطِّع أيديهم!"
الجُرح في ظهرها غائر، سيترك به نُدبة للأبد، كذلك حينما تفقَّد قدمها الوضع ليس أحسن، لقد رآها تعرج بالفعل عليها.
خلع قميصه عن بدنه ووضعه عليها، ثم خرج من الكهف يبحث عن شيء يداويها به، وجد قطعة خشب فأخذها، واشعل بها النار، ثم سار بين الأحراش يحاول أن يبحث عن شيئًا يُساعده لِمداوتِها، لكنَّهُ لا يجد.
شعر باليأس وعاد إلى الكهف، الذي تركها فيه، أثناء طريق عودته كان يتفقَّد أحوال المنطقة، من المُفترض أن يبدأ تايهيونغ بالبحثِ عنهما فورما يتخلَّص من حرسِ القصر.
حينما وصل إلى الكهف كانت تُهلوس بكلامٍ لا يفهمه، تفحَّص جبينها، إنَّها ساخنة جدًا، من الجيد أن الحصان مربوط عليه قِربة ماء، أحضرها وسكب على وجهها قليلًا.
إرتعشت وأخذت تهذي.
"أشعر بالبرد!"
نظر بيكهيون نحو الأخشاب، التي أتى بها، نهض واستمرَّ في حكِّها حتى إشتعلت، ثم حملها هيريم وهو يلف عليها قميصه وأجلسها قريبًا من النار.
كاد أن ينهض ليتمدَّد بجانبها، لكنَّها تمسَّكت بيدِه تهمس.
"لا تتركني!"
رفع يده إلى وجهها، وهمس لها.
"لن أتركك أبدًا... لا الآن ولا لاحقًا"
جعله رأسها على ذراعه ودسَّها في حُضنِه، أحاط بدنها بذراعيه وساقه؛ لعلَّها تدفئ. هكذا واستمر في النظرِ إلى وجهها، ورفع خُصلِها عنه وهو يتأمل التفاصيل؛ شفتيها تحديدًا.
إزدرئ جوفه ورغبته مثل شيطان وسواس توسوس له أن يسرق منها القُبل، لكنَّه زفر أنفاسه، وأخفض رأسها إلى ترائبه، يدسها عند عُنقه وهو يتمتم.
"لن أفعل أبدًا!"
عانقها هكذا بقوَّة وغفى معها، ورغم أنه ينام على أرضٍ يابسة في قلبِ كهفٍ بارد ومُظلِم، كذلك إصابته في ظهره التي تنخر راحته وتستمر في إيلامه، كل هذه الأشياء تجعلها ليلة صعبة، ولكن بوجود المرأة الوحيدة التي رَغِبَ بها طيلة حياته بين يديه، هكذا في حُضنه وتحتمي به، أصبحت النار عليه سلامًا، والألم لا شيء يُذكر.
في الصباح الباكر؛ أستيقظ على أصوات الحيوانات في الخارج وسطوع الشمس في قلبِ الكهف.
فتح عيناه مُستاءً، ولكنَّهُ سُرعان ما ابتسم حينما رأى هيريم بين يديه، يبدو أنَّها أستيقظت مُذُّ مُدَّة، ولكنَّها لم تتحرَّك ليبقى نائمًا ولا تُزعجه.
كان خدّاها يشتعلان، إنها تنام في حُضن الملك وجلده يلمس جلدها، هذا إحدى أحلام المُراهقة، التي كانت تراه فيها.
"كيف أصبحتِ؟"
"بخير"
نبست وهي تُخفض بصرها نحو صدره المُضمَّد.
"ماذا عنك؟ هل أنتَ بخير؟"
وضع أنامله أسفل ذقنها ورفع وجهها إليه، ثم نفى مُبتسِمًا.
"لا، لا أظنني بخير!"
عقدت حاجبيها بخوف، ورفعت يدها تتحسَّس حرارة جبينه.
"لِمَ؟ هل تتألَّم؟"
أمسك بيدها، التي تتحسَّس وجهه بدافع القلق، ووضعها عند شفتيه، إزدرئت جوفها وهي تترقَّب ما سيفعله، فتفاجئت به يطبع قُبلة على يدها.
سُرعان ما سحبت يدها من يده وشهقت تقعد.
"لا يا مولاي! لا يجوز أن تُقبِّل يدي!"
قعد بعدما فعلت، وجعل يده خلف عُنقها، قرَّبها منه فالتقت جبهته بجبهتها، شهقت مُجدَّدا واتَّسعت عيناها، فيما بيكهيون تبسَّمَ إبتسامة ساحرة سلبتها رُشدها.
مال برأسه قليلًا بصددِ أن يقطُف فاكهة لذيذة بغضِّ النظر إن كانت حلالًا عليه أم حرامًا، الحُب لا يُميّز.
هيريم رفعت يداها ووضعتها على كتفيه تهمس.
"جلالتك!"
"صه!"
همس بذلك واقترب منها فابتعدت قليلًا، تبسَّم واقترب مُجدَّدًا فابتعدت، حينها تمسَّك بعضديها بقوَّة، واجتذبها إليه فشهقت.
تبسَّم وهو يشعر بإرتعاشها بين يديه، نظر في معالم وجهها الفاتن، والآن لمسة الخجل في ربوعِه تسحره.
"لا يمكنني الصمود أكثر يا هيريم!"
لم تَقُل شيء، فقط أنفاسها ثقيلة ونبضاتها مُتزاخمة، ووعيها ركيك.
أغمضت عيناها وأفرجت أنينًا إنكتم نِصفه في فمِه حينما باغتها بِقُبلة، وضع قُبلة واحدة على شفتيها وانفصل عنها؛ لينظر إلى وجهها الذي تشعَّب بالأنوثة والإغراء الفاتن.
ثم اقترب مُجدَّدًا فتجهزت بكتمِ أنفاسها وإغلاق عيناها، ضحك بِخفَّة وطبع قُبلة ثانية كانت أعمق من الأولى وأطول، لكنَّها ما زالت ليست كافية.
لم يأخذ فاصلًا وطبع الثالثة، تلك التي تعمَّق بها ووصلها بِقُبلات أُخرى كثيرة يلتقط من كل زواية من شفتيها فاكهة، إستطابت له وما أراد التوقف.
تمسَّكَ بخصرها وشعرها بيديها تتمسَّك بعُنقه، والآن حينما قبَّلها ردَّتها له بمعرفتِها الشحيحة، تبسَّم وانفصل عنها يهمس.
"لا تعرفي كيف تُقبِّلين"
همست وهي تقبض يديها على كتفيه، تشعر بالخجل.
"أحاول أن أُقلِّدَك"
تبسَّم ومال قُرب شفتيها مُجدَّدًا يهمس لها بنبرةٍ مُغريّة.
"سأُعلِّمُكِ جيّدًا إذًا!"
أغلقت عيناها مُجدَّدًا حينما باغت ثغرها بِقُبلات مُتتابعة وكثيرة، كانت عميقة وشرسة، أسنانه إستولت على شِفَّتِها السُفلى فأنَّت، ثم رضاها بِقُبلة لطيفة، لكنَّهُ سُرعان ما أستعاد شراستِه، واستخدم لِسانه حتى.
شعرت هيريم أن على يديه إنفتحت لها بوابة جديدة عن العالم، كانت تُحبه بنقاء كما يُناسب عقلها البريئ، وبدنها الذي لم يتزيَّن بفُستان إلا نادرًا، ولكن على يديه إكتشفت جُزءً من أنوثتها، من نفسِها التي لم تَكُ تعرفها، لأول مرة تعرف رغباتِها، وأنَّها حقًا ترغب به جسديًا وليس وجدانيًّا فقط، بيكهيون تحديدًا ولا أحد غيره.
"مولاي!"
همست بتلك بصعوبة وهو همهم، لسانه حينما يندَّس بثغرِها يجعل إبرًا توخزها، لم تقل شيئًا بعدها، وفهم ما تشعر به، تستغرب هذه المشاعر التي تراودها، تستغرب أن جسدها يمنحها هذا الشعور.
لم تَكُ تدري أنَّ القُبل من شخصٍ تُحبه لذيذة.
"أُحِب أنَّكِ نقيّة، وأنني من سيُفسدُك!"
........................
يُتبَع...
"سيّدَة التَّفرُّد"
العنقاء|| The Emperor's Return
16th/Sep/2021
.......................
سلااااااااام
الفصل القادم بعد 150 فوت و200 كومنت.
1.رأيكم بهيريم؟! شجاعتها ومواجهتها لتشانيول؟!
2.تشانيول؟ إفتنانه بهيريم؟!
3.رأيكم بجيمين؟ ما دافعه؟
4.رأيكم بريناه؟ لقاءها بهيريم؟ وتوسلاتها لتشانيول لنجوة هيريم؟
5.رأيكم ببيكهيون؟ إنقاذه لهيريم؟ تقربه منها بشكل رومانسي؟
6.رأيكم بتايهيونغ؟!
7.رأيكم بسيهون وجاهي؟!
8.رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤
Коментарі