CH18|| القلوب تبكي
العنقاء||The Emperor's Return
"قلوب تبكي"
...
الحق أنَّ المُلك زائل؛ وإلا كيف آل الحال بالإمبراطور العظيم لإمبراطورية الشرق الأعظم أن يطلب العون من ممالك صغيرة كانت تحت سيطرته ومُلك يده؟!
الحياة فعلًا وثّابة، توثِب بين الأمصِرة والحاضر، تقلب طاولات القدر، وتقتل التوقعات، ثم تجلس فوقها.
وفي هذهِ اللحظة؛ لم يشعُر بيكهيون أنَّهُ بخير لقاء الخُطّة السياسيّة التي وضِعت، سيضع إعتباره الشخصي ومكانته الملكيّة جانبًا، وينشغل بالتَّفكير بِبناته وزوجته ، اللواتي سيؤدين المُهِمَّة السياسيّة عنه؛ إذ هُنَّ سيُغادرن لنُصرتِه وهو سيبقى هنا؛ لأنَّ حياته أهم من حيواتهن في أعين الشعب، ولكن ليس في عينه هو.
كان يقف بيكهيون على شُرفةِ القاعة، ينظر إلى الخارج فيما هو شارد، الحياة تَدُب فيما حوله ولا تَدُب فيه؛ رغم أنَّها رفضت التَّخلّي عنه حينما سمحت لها الفرصة؛ بل إحتفظت به وما قتلته.
"مولاي؛ أنتَ بخير؟!"
زفر بيكهيون أنفاسه، وأقام عوده، الذي إنحنى على سياج الشُّرفة دون أن يَعي على ذلك، أتت هيريم لتَقف بجانبه بينما تترك بينهما مسافة مُعتبرة.
"إذًا؟"
نظر لها فاتبعت.
"ماذا قرَّرتَ جلالتك؟ هل ستأذن لهم بالرحيل أم لا؟
الجميع بإنتظار أن يسمع قرارك للتَّحرُّك"
تنهد بيكهيون ولم يرد بما سألت، بل سألها ردًّا.
"لو كُنتِ مكاني ماذا كنتِ ستفعلي؟"
تنهَّدت هيريم وحرَّكت كتفاها بجهل.
"أستطيع أن أفدي روحي لأجلِ مصلحة الجماعة؛ ولكن لا أفديها بجونغ إن وسيهون، لكن أنا لستُ ملكة، وحياتي أو موتي لن تُشكِّل فارق عند أحد سوى هذين الرجلين، لكن موقفك يختلف عني، أدري أن أرواح أطفالك أعز عليك من روحك، ولكن روحك أعزَّ علينا من أي روح؛ لذا لا أدري حقًا ماذا أقول لك"
أومئ بيكهيون وتنهد مُجدَّدًا، لا يستطيع أن يُضحي بحياة إبنتيه لأجل إستعادة عرشه، يفضِّل أن يبقى ميّتًا بأعين الناس بدلًا من ذلك.
إلتفتت هيريم إليه وهمست بنبرة مُبتهجة.
"لكن مولاي لا تقلق، أضمن لك أن سيهون وجونغ إن قادران أن يحميا بناتك وزوجتك جيدًا، وأما بالنِّسبة لوزيرك؛ فجلالتُك تعرف قُدراته أفضل منّي"
لبث صاحب الجلالة في صمت يفكر بعمق، أومئ مُزفِرًا، ثم برح مكانه ليستفرد بنفسه، يُريد ألا يشعر بالضغط فيما يتَّخذ القرار.
راقبت هيريم أثره المُغادر وريحه، الذي يتبعه، وعِطره فيما تُلبِّس ثغرها إبتسامة ضيّقة، تتفهمه وتُحب أنَّهُ لا يفدي بناته بمُلكِه، عادةً ما تعمي السُّلطة أصحابها عن سِواها؛ ولكن لم تفعل معه، لكن حِس الواجب في النهاية سيدفعه لأن يوافق.
...
في البلاط الملكي؛ كان تشانيول يترفَّع على العرش، وأمامه يصطفّون الوزراء؛ لمُناقشة بعض القضايا، فيما وزيره الأول بارك جيمين يعلو بضع درجات نحو العرش.
"جلالتُك؛ تحتج بعض الممالك المجاورة؛ بسبب إغلاقنا للحدود، ورفض حركة التجارة، ودخول القوى العاملة الأجنبية إلى أرضنا، ماذا ترانا فاعلين؟"
أجاب الملك إحدى وزراءه، وأشار لوزيره أن يأتي بإلتماسٍ آخر.
"لا شيء، من أراد أن يعترض فليفعل، مملكتي وأنا حُر بها"
فتح الوزير الأول بارك إحدى الإلتماسات، وقرأها على مسامع صاحب الجلالة ووزرائه المُمتثلين أمامه.
"نحن المزارعون نشكو شُح الماء، فليساعدنا صاحب الجلالة على فتح الآبار؛ لإرواء مزروعاتنا وتوفير المؤن اللازمة للشعب"
أومئ تشانيول.
"قوموا بحفر آبار في أي منطقة تعاني من شُح المياه"
"أمرُك مولاي!"
بعدما إنتهى الإجتماع في البلاط الملكي؛ خرج تشانيول إلى بلاطه الخاص؛ ليقرأ بعض الإلتماسات ويُقرِّر بشأنها، تلك الأقل أهمية من أن تُعرَض في البلاط الملكي.
وعند المَغيب؛ تسلَّل إلى خارج القصر برفقة عونه الوفي بارك جيمين، لتشانيول مقرًّا بعيد عن القصر، يجتمع فيه مع رجاله، الذين يأدون له أعمالًا لا ينفع أن يكتشفونها الذين يدخلون القصر ويعملون فيه.
كان يجلس على كرسي خشبي إلى طاولة خشبيّة يعلوها شمعدان، وقِبالته يقف بعض الرجال، الذي تعلو وجوههم الغَبرة والعِبرة والعَبَرة، ويقفون مُخفضي اللِحى.
"ماذا حدث معكم؟!"
أجاب أحدهم بخوف دون أن يرفع رأسه.
"مولاي، بينما نحن نُراقب جماعة القمر الدموي رأتنا قائدتهم، لاحقتنا برجالها، وأودت معظم رجالنا إلى الموت، ونحنُ فقط النّاجون من قبضتِها"
إرتفع حاجب تشانيول عن ناصيته مشدوهًا.
"إمرأة؟!"
أخفضوا رؤوسهم فيما يتلبسهم شعورهم بالخزي، فلو كان الذي قاتلهم رَجُل لما أحسَّوا بالخزي إطلاقًا؛ لكنَّها مُجرَّد إمرأة، ضرب تشانيول الطاولة بقبضتيه ووقف يصرخ بهم.
"أتقول لي الآن أنَّ إمرأة قتلت رجالي، ووحدكم من نجيتم من قبضتِها؟!"
انحنوا جميعًا إلى مولاهم يتوسَّلون.
"نحنُ نستحق الموت على يدك مولاي!"
سحب تشانيول السيف من على خصره، وتقدَّم منهم بغضب، ثم وضع السيف على أعناقهم يقول.
"أنتُم مُحقّين، تستحقون الموت على يدي!"
ورغم إرتعاش أجسادهم وخوفهم الشديد من حُسام مولاهم؛ لكن لم يُحرِّك أحدهم طرفًا، وحينما أراد تشانيول أن يُنزل السيف على رقابهم فيفصلها عن أكتافهم صرخ أحدهم بهلع.
"لكنَّنا رأينا الملك بيكهيون معه مولاي!"
رفع تشانيول السيف عن رقابهم، وتحرَّك حتى واجه الرجل، الذي تكلَّم للتو.
"ماذا تقول؟!"
إزدرئ الرجل جوفه وأجاب.
"مولاي؛ لقد رأينا الملك بيكهيون معها، تحت حمايتها، لم تَكُ بعدد قليل من الرجال بل بعددٍ عظيم، والملك بيكهيون لم يكن وحده، معه الوزير جونغكوك، وملكته راهي، وأطفاله الخمس جميعًا"
في تلك اللحظة؛ شعر تشانيول بالخطر، وأن مُلكه مُهدَّد، فالملك الأحق بالعرش ما زال حيًا، وهو بالتأكيد سيأتي يومًا ما ليطلب عرشه، أفلت تشانيول السيف، ثم قبض على تلابيب الرَّجُل بخشونة يقول.
"هل أنتَ مُتأكد مِمّا تقول؟!"
أومئ له الرجل فيما يُخفض رأسه عن مولاه.
"نعم مولاي، مُتأكِّد!"
دفع حينها تشانيول بالرجل بعيدًا عنه، وصرخ.
"احضروا لي هذه العاهرة فورًا!"
إنحنوا له جميعًا وصرخوا بصوت واحد.
"أمرُ جلالتك!"
إنصرفوا من وجهه جميعًا، ثم تشانيول تهاوى على الطاولة بقبضتيه، إن عاد بيكهيون سينتهي هذا الحُلم الجميل، يعلم أنَّهُ لن يعود أمير، بل سيقتله، ويسلب منه رايناه.
ضرب تشانيول بقبضتيه بعصبيّة على الطاولة وهو يصرخ.
"سأقتله!"
تقدَّم الوزير من مولاه، وقف قُربه ثم قال.
"مولاي؛ أقتله قبل أن يقتلك، علينا أن نعلم أين يختبئ ثم نباغته والذي يختبئ خلف ظهورهم، نُبيدهم جميعًا مرَّة واحدة"
نظر تشانيول نحو وزيره، الوزير الاول جيمين هو رجل خبيث رغم شكله الوديع، ولهذا السبب تحديدًا إختاره تشانيول وزيرًا له، وأقرب حاشيته إليه.
فبينما تشانيول يغلي من الداخل، ويثور، ويصرخ، ويحطم، كان جيمين يقف بهدوء وبرود؛ وكأنَّهُ لم يسمع خبر جليل، بل فقط أخذ يُفكِّر بما عليه فعله مع هذهِ المشكلة.
"مولاي؛ أنتَ كُنتَ على دراية أن الملك بيكهيون ما زال حيًّا، كنت تحتاج إثبات على ذلك فقط، لذلك لا أرجو منك ردة الفعل هذه إطلاقًا.
نحن علينا أن نُفكِّر بحل بدلًا من توقع المصير لو عاد ليطالب بعرشه، بدلًا من ذلك دعنا نقوم بقتله بما أن الناس يظنونه ميتًا على آية حال، لن تكون هناك جريمة أو خيانة لو فعلنا، لا يجب أن ننتظره حتى يعود، حينها سنتورط حتى لو قتلناه، سندخل في حرب خاسرة لو إنتظرنا عودته"
تنهد تشانيول، ثم مسح على وجهه بكفيه، عاد ليجلس على كرسيه، ثم أشار لوزيره أن يجلس قبالته.
"إذًا ماذا علينا أن نفعل حضرة الوزير؟!"
تبسَّم شِدق الوزير الأول بارك قبل أن يعرِض على المولى خُطَّته.
....
قاربت الشمس على المَغيب وصاحب الجلالة لم يقرر بعد، هل يترك النساء يذهبن أم يُبقيهن؟!
الجميع يرى أنَّهُ في حيرة ولا يقدِر أن يُقرِّر، ووزيره -وهو أقرب الناس إليه- قد لاحظ ذلك مُذُّ وقت، لقد أراد من جلالته أن يفكر على إنفراد، ويأخذ القرار الذي يَصُب في مصلحةِ الجميع، ولكن طالما الملك في حيرة شعر أنَّهُ عليه التدخل لأجلِ صالح الملك.
كان بيكهيون في الجناح الذي خصَّصوه له في هذا المقر الجديد، جناح جيد المساحة يتشاركه مع زوجته راهي.
لكنَّهُ لم يمكث فيه؛ بل فضَّل السَّير وما زال يُفكِّر، يشعر بأنه يتخذ أكثر قرارته حزمًا وأهميّة طيلة العشرين عامًا الذي صنع فيها القرار وحده.
"يا صاحب الجلالة!"
توقف بيكهيون عن السير وإلتفت، وإذ به وزيره جونغكوك يقف على بعد ثلاثة أذرع منه، إنحنى للمولى فورما إلتفت ثم إستأذن.
"أتسمح لي أن أُرافق جلالتك؟"
أشار له بيده بيكهيون، فاقترب جونغكوك وسار بِقُربه، سار كلاهما متجاورين بصمت، أراد أن يقرأ جونغكوك كم التَّردُد الذي تكتبه ملامح المولى، فعلم أنَّه في غاية التردد والتوتر.
"مولاي؛ يبدو أنَّكَ ما زِلت في حيرة من أمرِك"
أومئ بيكهيون متنهدًا فيما يرفع ذقنه وينظر نحو الأُفق.
"نعم يا جونغكوك، وكثيرًا جدًّا أيضًا!"
"جلالتُك؛ أيُّهما أولى مسؤوليتك كملك أم مسؤوليتك كأب؟"
نظر بيكهيون إلى صاحبه وهمس مُستثقلًا الإجابة.
"أنتَ تعلم الإجابة، فلِمَ تسألني؟"
"لأُذكرك بها"
نظر له بيكهيون مجددًا وزفر بضيق.
"لكنهن بناتي وزوجتي، لا يسعني أن أُضحي بهن للموت، أستطيع أن أضحي بنفسي لأجل الشعب ولكن ليس بأطفالي وإمرأتي"
تبسَّم جونغكوك وأومئ، يتفهَّم صاحب الجلالة ولو لم يكن زوج أو أب بعد.
"مولاي، جنودنا بالجيش أبناء من؟"
أخفض بيكهيون ذقنه وتنهد.
"أعلم أعلم ولكن ما زال يصعب علي"
توقف جونغكوك عن السير حينما توقف بيكهيون، وإلتفت بجذعه ليُقابله ثم اتبع.
"مولاي، أتفهم قلقك لكن بناتك لسن ذاهبات إلى الموت، أنا سأحمي التي سترافقني أيًّا كانت، وذلك ينطبق على القائدان جونغ إن وسيهون، لقد أخرجونا من قلب القصر، ألن ينجحوا في مثل هذه المهمة؟!"
تنهَّد صاحب الجلالة ونبس في ضيق.
"اجمع القادة غدًا والأميرات والملكة في إجتماع غدًا صباحًا"
تبسَّم جونغكوك، وتحرك لتنفيذ أوامر الملك بعدما إنحنى له، فأخيرًا يتحركون بجدية لإستعادة العرش.
...................
في القصر الملكي ليلًا؛ كان الملك تشانيول في جناحِه وحده بإنتظار أن تأتي محظيَّتِه، لقد كان ينتظر وبيده قدح كحول، راوده السُّكر بعض الشيء، لكنَّهُ واعي كفايّة لينتهك هذه الفتاة الليلة ويُهلكها.
أعلن رجل البوابة أن المحظيّة أتت، فسمح لها تشانيول بالدخول، وما إن دخلت حتى رمى تشانيول بالقدح أرضًا ووقف يقول.
"اخلعي ثيابك فورًا!"
الفتاة المسكينة دهشت، أيكون الملك عادةً بمثل هذا التسرع، هكذا تخلع ثيابها وبنفسها وبلا أي مقدمات؟!
إرتبكت الفتاة، والخجل منعها أن تنفذ ما امرها به، ولكنه عندما صرخ بوجهها إنتفضت وسارعت بتنفيذ أمره.
وقفت أمامه عارية، وهو يجلس على كُرسيه ينظر لها بعين تملؤها الشهوة، ويقضم شفتاه بخفة، تملك جسدًا مثيرًا للرغبة... لا ينكر.
أمسك بمعصمِها ثم جذبها لتجلس في حُضنه، رفع يده واحتضن بها وجنتها، إزدرئت الفتاة جوفها، وأخفضت بصرها عن وجهه الوسيم فيما هو ينظر لها بعين تتمعَّن وملامح ثملة من الخمر والشهوة معًا.
رفع بأصابعه خصل شعرها عن أذنها، ثم همس لها فيما شفتيه تلمس أذنها.
"والآن يا صغيرة، اخلعي عني عباءتي"
نظرت في عينيه وإزدرئت جوفها، لكنه حينما أشار لها أن تنفذ حرَّكت يداها بتوتر، وشرعت بفكِّ عباءته عن جسده.
أمسك بيديها ومررها فوق صدره الممشوق، كانت أطراف أصابعها تنشز كلما لمست جلده، وذلك جعله يبتسم ويسألها.
"هل أُعجبك؟"
لم تجبه، بل فقط أخفضت رأسها، وهو لم يرى مشكلة في ذلك، هي في النهاية إمرأة، والخجل في طبع النساء ولو كن محظيات.
حملها على ذراعيه وفرشها فوق فراشه ثم إفترشها، إبتدأ في تقليمها وتلقينها رويدً رويدًا، لم يرد أن يكون رومانسيًا، ولكن فكر أن يفعل ذلك لربما هذه المرة جسده لا يُخيب آماله.
لكنَّه خاب مجدَّدًا، حاول مع الفتاة، وحاول وحاول لكن عبثا لا يفلح، لدرجة أنه جعلها تبكي من خوفها منه، فلم يكف عن الصراخ بها وضربها كلما أخفق.
في النهاية؛ كانت تتكوَّم أسفله في رعب منه، وهو يحاصرها بين قدميه والغضب يأكله، تبكي... هذا كل ما يمكن أن يُسمَع.
أمسك بيدها بقسوة وأقعدها على الفراش فشهقت وأخفضت بصرها عنه، ثم تشانيول رفع بوجهها سبابته يهدد.
"اسمعي جيدًا ما سأقوله، إن علم أحد ما حدث بيننا الليلة سأقتلك، تفهمين؟"
أومأت له سريعًا.
"أفهم مولاي، أفهم!"
أشار لها بعينيه نحو الباب وأمرها.
"غادري!"
نهضت بصعوبة تجمع أشلائها من أسفله وخرجت تعرج، صحيح أنه لم يُفلِح، لكنها لم تخرج عذراء، فلا يقول عنه أحد شيء إن فحصوها.
إستقام تشانيول عن مكانه فيما يمسك بشعره ويشده، لا يُصدِّق ما يحدث معه إطلاقًا، كيف ذلك؟!
ولقد إعتاد دومًا أن يكون أفضل، ويمكنه أن يزور اكثر من جوف واحد في الليلة ذاتها!
ثمَّة شيء يحدث معه بلا شك!
عقد تشانيول حاجبيه، وأخذ يفكر، من قد يكون المُشتبه به؟!
لقد تخلَّص من أعوان الملك بيكهيون جميعًا وأبعد من لم يقتلهم، فيستحيل أن يروا له طيفًا، لكن شخص واحد تركه قريب منه، همس بخفوت.
"رايناه!"
رايناه... ومن غيرها؟
ليست من أنصار الملك بيكهيون فحسب بل إنَّها شقيقته، لطالما كانت علاقتهما سيئة، ولم يصدق يومًا أنها قد تسامحه لأجل ما فعله بأخيها، لكنها فعلت!
ثمَّة أمرًا مُريب يحدُث ها هنا!
ضرب تشانيول ما فوق الطاولة وصرخ بعصبيّة مُفرِطة.
"رايناه!"
خرج مُسرعًا من جناحه، وصرخ في حاشيته ألا يتبعونه، ثم أسرع إلى جناحها، فرغم أن الوقت متأخر لكنه لا يهتم، هو المولى هنا والجميع تحت إمرته وطوع كلمته، ورايناه أولهم.
أعلن خبر وصوله قبل أن يسمح لسيدات البلاط أن يُعلمنها بخبر وصوله، إقتحم عليها جناحها، واقترب من السرير الذي تنام عليه سريعًا، رفع عنها الغطاء، وأمسك بيدها لتقعد فنهضت مفزوعة، واستهلكت بضع ثوانِ لتُدرِك ما يحدُث حولها وهو يصرخ في وجهها.
"ما الذي فعلتِه بي؟!"
"تشانيول؟!"
همست بإستنكار، فأمسك بوجهها بكلتي يديه يصيح.
"مولاكِ تفهمين؟!
مولاكِ!"
لفَّت أناملها النحيفة فوق معصميه تومئ.
"مولاي... مولاي ما بك؟!"
هسهس فيما يصر على أسنانه.
"أنتِ ماذا تفعلين بي؟"
إزدرئت جوفها ونفت برأسها.
"لم أفعل شيء!"
رفع يده يريد أن يضربها بها كي تعترف، لكنَّها صرخت به بقوة؛ ليس خوفًا وإنما غضبًا، فترك يده معلقة بالهواء وهو يسمعها تنهره مشدوهًا.
"أيّاك!
هذه العين إن أبكيتها ألمًا أو خوفًا منك أقسم أنَّها لن تنظر إليك بحُب مُجدَّدًا ولو طمستها!
ليس كل ما يحدث معك أنا مسؤولة عنه، أنا مجرد إمرأة لا يمكنها أن تخرج عن طوعك وتفعل بك شيئًا حسبما تقول.
أنت تعرفني جيدًا، لا أُصدِّق أنَّكَ تَشُك أنَّني فعلتُ لك شيئًا قد يلحق بك الضُّر!"
نفى برأسه يهمس.
"لا، أنا لا أعرفك، لا أعرف عنكِ شيئًا!"
نهض عنها مُنهزِمًا، منحها ظهره فيما يتخصَّر، ثم همس.
"لو علمت أنَّ لكِ يد بعجزي ليلًا لن أتوانى عن مُعاقبتكِ عقابًا عسيرًا يا رايناه!"
غادر ورايناه قعدت تمسك قلبها، كانت تعلم أنَّهُ سيشك بها، ولكن هذا ليس مُهِمًا طالما لا يملك دليلًا أنَّها حقًا فعلت... لكنَّها لا تُنكِر؛ لقد خافت منه كثيرًا.
وتشانيول ليلتها لم ينم، بل ظلَّ مُستيقظًا يُفكِّر فيما يحصل له، عند هذا الأمر يتعرض الرجل للنقضِ في رجولته، وهو رجل بل أرجل الرجال، لكنه لا يجد تفسيرًا لما يحدث معه.
....
في الصباح التّالي؛ بأمرٍ من صاحبِ الجلالة إجتمع قادة المُتمرِّدون، الوزير جيون، الملكة راهي، والأميرتان بيكهي وجيهان، وأخيرًا على رأسِ الطاولة مقعد المولى.
كان آخر الواصلين إلى القاعة، القادة والوزير بإنتظار سماع قراره، بينما الثلاث نساء لا يدرين لم أمر الملك بإحضارهن إلى هنا.
حينما دخل وقف الجميع لينحنوا له، ثم جلسوا بعدما فعل، لم تَكُ ملامحه مُشرقة بل كظيمة ولكن جادّة، عقد أصابعه فوق الطاولة وقرَّر.
"سأسمح لإقتراحكم أن يمضي لكن بشروط"
النساء من عائلته لا يفهمن ما الذي يتحدَّث عنه الملك، بينما البقيّة بترقُّب لما سيقولونه.
نظر بيكهيون نحو وزيره يأمره.
"الوزير جيون جونغكوك!"
إنحنى جونغكوك برأسِه قليلًا يقول.
"طوع أمرك مولاي!"
اتبع الملك فيما ينظر إلى صاحبه بنظراتٍ ثاقِبة.
"أريد منك أن تتزوج ابنتي وإلا ما سمحتُ لك أن تأخذها معك"
نظرن بناته إليه بدهشة، وجيهان إمتلأت عيناها بالدموع تنفي برأسِها؛ فعي بالفعل تتوقع وبشدة أن تكون المعنيّة وخصوصًا بعدما حدث مؤخرًا.
"أبي!"
نظر بيكهيون إلى إبنته ثم إلى وزيره وصاحبه، الذي ابتلع لسانه دهشة، حتى هيريم نظرت إلى صاحب الجلالة مشدوهة، لا يُعقل أنَّهُ يقصد جيهان، لن يقوم بتزويجها رُغمًا عنها فقط لأن مشاعرها تركض خلف أخيها.
تسآلت هيريم بدهشة.
"مولاي؛ أيُّ بناتك تقصد؟"
نظر بيكهيون إلى ابنته المعنية ونبس.
"جيهان"
سُرعان ما إنتفضت إبنته الصغيرة من مكانها تبكي وتتوسله.
"لا أبي! أرجوكَ لا... لا تفعل بي هكذا أتوسَّل إليك!"
ضرب على الطاولة بقبضته وصرخ بها.
"اخرسي! ما أقوله سيسر على رقبتكِ ورُغمًا عنكِ!"
تراجعت عن مكانها فيما تبكي بهستيرية.
"اقطع رقبتي ولكنني لن أتزوج من رَجُل لا أريده، لقد وعدتني منذ أن تفتَّحت زهوري ألا تُجبرني على رجل وتٌقيدني في زواج لا أريده!"
زفر بيكهيون أنفاسه بقوّة ونبس.
"ما زلتُ مُصر أن ما أريده سيحدث"
صرخت به وهي تبكي.
"أنت هكذا تظلمني!"
سُرعان ما نهض بيكهيون وأراد أن يصل إليها، لكنها تراجعت سريعًا هربًا منه، ولِحُسن الحظ أن الوزير جونغكوك وقف أمامه يتمسَّك به.
"مولاي، الأميرة ما زالت صغيرة، تنفعل مثل أي فتاة في عمرها، أنت في عينها والدها ولست الملك، أرجوك إهدأ!"
تنهد بيكهيون فيما ينظر لها تختبئ بين يدي راهي، كان يرمقها بغضب ثم صرخ بها.
"اغرُبي عن وجهي!"
سُرعان ما خرجت من القاعة وهي تبكي، أرادت أن تتبعها راهي ولكن الملك أمرها بعصبيّة.
"عودي إلى مكانك أنتِ!"
إنتفضت من إرتفاع صوته، ولكنها عادت كما أمر، هيريم كانت ترمقه بأستياء، لا تصدق أنَّه يجبر إبنته على زواج لا تريده فقط كي يُبقيها بعيدة عن شقيقها!
في كل الظروف؛ جونغ إن لن ينظر لها كما أخبرته سابقًا، هو لا يسبب التعاسة لفلذَّة كبده فقط بل لوزيره.
جونغكوك... لطالما رأت في عينيه مثل نوع الحُب الذي تملكه مُذُّ سنين، حُب مأسور بين الضلوع ومجهول، لكنَّها تعرف نَسب هذا الحُب في عينيه؛ لكنَّها إطلاقًا لم تتحدَّث أو تُشعره بشيء.
خسارة على هذا الشعور الجميل أن يبقى مأسورًا في لُبِّ ضِلعٍ أعوج، مهما حاول إقامته ضلَّ أعوج ليحتضن هذا الحُب بجذعِه.
نظرت إلى صاحب الحُب المأسور، لم يعترض... وكيف يعترض وهو مأمور؟!
لا يحق له أن يقول نعم أو لا فوق كلمة الملك، فقط كان ينظر نحو كفّيه فوق الطاولة، ملامحه تبكي وتقول لا، ولسانه صامت أخرس لا يقول شيء؛ فالواجب أولى من الحُب.
"ابنتي الأميرة جيهان ستتزوج الوزير جونغكوك وتذهب معه، ابنتي الأميرة بيكهي ستذهب مع القائد جونغ إن يرافقه تشا أونو، والملكة ستذهب مع القائد سيهون شريطة أن تُرافقه زوجته"
مُذُّ البداية وجونغ إن وسيهون لا يتكلمان ويراقبان كل شيء بهدوء، لكن بعدما إنتهى الملك من حديثه، تراجع جونغ إن يسند ظهره على الكرسي فيما يرفع قدمًا فوق الأخرى.
"هل تخشى جلالتك أن أجوع فآكل إبنتُك على الطريق، لذا تضع تشا أونو جاسوسًا لكَ علي؟!"
نظر له الملك ونبس.
"نعم!"
ضحك جونغ إن بسخرية وقال.
"رُبَّما يأكلها معي حينها"
ضرب بيكهيون بقبضتيه على الطاولة ووقف بعصبيّة يقول.
"هل تعي ما الذي تقوله أنت!"
وقف جونغ إن ساخرًا مبسمه.
"لا أصدق أنَّك تثق بتشا أونو الذي تسبَّب بموتِ زوجتك ولا تثق بي!
على كل حال؛ أنا لا أهتم لو أمرت بجلب ألف جاسوس علي، فلو وضعت بيني وبين ابنتك ألف حاجز ولو أقفلت علينا باب غرفة واحدة لن يُحدِث هذا تغييرًا بالنِّسبةِ إلي.
أنا لن أنظر إلى ابنتك ولو كانت أفتك النساء فتنة في كل البلاد، لأنَّها إبنتك؛ أميرة.
سأذهب لآمرهم بالتجهيز، سنخرُج مساءً"
خرج جونغ إن يترك خلفه صمت، وقعت عين بيكهيون على هيريم فرآها تنظر إلى وتبتسم من شدقٍ واحد؛ وكأنها تقول.
"أرأيت؟! أخبرتُك أنَّهُ لن ينظر إلى ابنتك!"
ثم خرجت يتبعها القائد سيهون، الذي لا تعجبه قلة ثقة الملك ولكنَّه يتفهمه، فالآن قد أصبح زوج وبات يفهم ماذا تعني غيرة الزوج على زوجته.
خرجت بيكهي دون أن تنبس بحرف، فهي معترضة عمّا يفعله والدها، ولكنَّها لا يسعها أن تقول له لا؛ حالها كحال الوزير الذي لا يبدو عليه أنَّهُ يرغب في هذا الزواج لسببٍ تجهله.
وهكذا بقيَ الوزير وحده والملك، تنهد بيكهيون بأستياء، فلا أحد يتفهمه أو يفهم ما يدور في عقله، ولا يبدو أن أحد يريد أن يتفهم أسبابه.
نظر نحو جونغكوك الذي يُخفض رأسه منذ وقت.
"جونغكوك؟"
رفع المعني رأسه ونظر إلى مولاه يقول.
"مولاي"
"أعلم أنَّها أنانيّة أن أفرض عليكَ ابنتي، لكنَّني لا أملك من هو أفضل منك لآمن إبنتي عنده"
أومئ جونغكوك بتفهم ونبس.
"لا عليك مولاي، أتفهمك!"
تبسَّم بيكهيون ثم نهض يسير نحو الخارج وفيما يمر رجونغكوك ربَّت على كتفه، ثم حينما بقيَّ جونغكوك وحيدًا مع نفسه تنهَّد بِعُمق ووضع رأسه على الطاولة... الكثير من الأحلام تكسَّرت داخله ومشاعر تحطَّمت، وقلب يبكي وينزف... ليس هذا ما أراده.
.....
دخل الملك الجديد إلى بلاطِه الملكي، كانت الوشوشة بين الوزراء كثيرة، ولكن عندما دخل لبث الجميع في صمت، ولم ينطق لسان أحد بحرف، بل إنحنوا في صمت، لا يدركون أن بارك جيمين يقف بينهم، ويراهم في عين تترقَّب، ويسمعهم بأُذن تسرق الكلمات من أفواههم مهما كانت خافتة.
بعدما جلس تشانيول على العرش؛ صعد الوزير الأول بارك بضع درجات إليه، وفتح أول إلتماس صادر عن خزينة الدولة يشكون نفاذها، ثم جمع الوزير الأول يديه أسفل معدته ونبس.
"مولاي هذا خطر، نفاذ الخزينة لا يبشر بالخير، أقترح عليك أن تفرض الضرائب، فالشعب بالكاد يدفع شيئًا حسب سياسات الملك الأسبق"
أومئ تشانيول يوافق وزيره وقال.
"افرض على شعب ضرائب دخل وسكن أعلى، افرض ضريبة على التُّجار، واطرد الموظفين الحكوميين الفائضين عن الحاجة"
إنحنى الوزير له.
"أمرُ جلالتك!
وإلتماس آخر من التُّجار الأجانب على الحدود يريدون توريد بضائعم لنا، حتى أن بعض الممالك بعثت لك برقيات؛ كي تسمح لحركة التجارة أن تمر بالبلاد وتعبرها"
"قلتُ لا يمكن!"
تنهَّد الوزير الأول جيمين وأومئ، صحيح أن تشانيول قائد عسكري مُذهل، لكنَّه سياسي أحمق، الغرور يأخذه كليًا في عِزَّتِه، يظن أن الأرض ومن عليها ملكه، وسيبقون مُخفضي رؤوسهم إلى الأبد.
"هل وصلت الجزية من غوريو؟!"
"ليس بعد"
وقف تشانيول بغضب وأمر.
"ابعث لهم تهديد، إن لم تكن الجزية في القصر خلال أسبوع سأهدم قصر الملك فوق رأسه!"
ثم خرج من القاعة دون أن يستمع لبقيّة الإلتماسات، ثمَّةَ شيء يُنغِص عليه وهذا واضح.
تبعه الوزير جيمين بعد وهلة، فوجده يقف قُربَ البُحيرة شاردًا.
"مولاي، أيحدث معك شيء؟!"
لم يجبه مولاه فتنهد الوزير ثم نبس.
"هناك بعض الأقاويل التي تنتشر عنك في القصر وقريبًا خارج القصر"
إلتفت تشانيول إلى وزيره.
"بخصوصِ ماذا؟"
"يَخُص محظيّاتك"
دُهش تشانيول، لقد حذَّرهن بصراحة، ولا يمكن أن تكون الثرثرة عليه في المجالس أغلى عليهن من حياتهن.
"ماذا؟!"
أومئ الوزير وكاد أن يُتبِع، لكن تشانيول أسرع في المُغادرة إلى حرمه، لا يبدو أن اليوم سيمر على خير.
دخل إلى جناحه، وبعث غِلمانه ليحضرن المحظيتين فيما ينتظر على نار، فاليوم يرغب حقًا بأن يُنفِّس عن غضبه بأحد.
دخلن المحظيتان وهن تبكيان فيما الغلمان يسحبوهن رُغمًا عنهن إلى مولاهن، رموا بهن أرضًا قرب قدمي الملك، ثم تشانيول تقدَّم منهن وجلس على قدميه فيما يرفع ذقنيهن إليه وهمس.
"ألم أقل أنَّ ما حدث بيننا يبقى بيننا يا عزيزاتي؟"
إنخفضن كِلتاهن عند قدميه يتوسلنه.
"مولاي أقسم أنَّني لم أقول شيء!"
همست إحداهن والثانية اتبعت من بعدِها.
"ولا أنا، صدقني يا مولاي لم أقول شيئًا لأحد!"
صرخ بهن بقسوة وبغضب.
"كاذبات! كل من في القصر يعلم ما حدث، وأنا سأريكن ما أنا فاعل بكن!"
أخذن يبكين عند قدميه ويتوسلنه لكن بلا نفع، قلبه صخر لا يُشفق.
"أيُّها الخصي، اجعل أقوى الجلادين يجلدوهن مائة جلدة بلا رحمة ولا يهم إن عشن أو متن بعد ذلك!"
"أمرك مولاي!"
إنحنى الخصي لمولاه ثم تحرك برفقة زملائه لتنفيذ أمر صاحب الجلالة، الذي مهما بدى قاسيًا وظالمًا وجب تنفيذه.
سحبوا الفتاتان وهن يصرخن ويستنجدن بالملك هباءً إلى مصير مجهول، قد يكون آخره الموت.
وهكذا بعدما بقي تشانيول وحده في الجناح أخذ يحطم فيه ويصرخ بغضب، ماذا سيقولون الناس عنه؟! لا يقدر على جسد محظيّة؟!
رايناه بالخارج رأت الفتاتان تُجران إلى غرف التعذيب في القصر، وعلى عكس سلوك أي زوجة ملكية قد تذهب وتطمئن على زوجها وتُطبطِب عليه؛ لم تدخل وكانت تعلم ما الحدث القادم على الطريق.
فهذه بالنهاية خطة هي وضعتها الهدف منها أن تنقلب الطبقة النبيلة ضد الملك، وهذا على وشك أن يحدث... أدت دورها في هذه المهمة الآن دور جونغداي وايشينغ.
ستراقب كل شيء كما يفعل الجميع بعين منذهلة، وتصفق لنفسها بينها وبينها، فلقد أحسنت عملًا.
.......
بعث تشانيول بالمحظيتين لتلقّي العِقاب، وهو خرج في دمٍ يَغلي إلى جناح ملكته، إقتحم الجناح كما فعل الليلة الفائتة قبل أن يسمح لسيدة البلاط أن تُعلِم الملكة بأنَّهُ آتى.
إقتحم عليها الجناح فوجدها تجلس خلف طاولتِها تقوم بتطريز قِطعة قُماش، وضعت القطعة حالما دخل ووقفت لتنحني له.
"مولاي"
أمسك بعِضدِها وجذبها إليه فشهقت بخوف، إذ عَضَّت أنامله بقسوة على ذراعيها، وقرَّبها منه كثيرًا حتى ألصقها بصدرِه، ثم نبس حازمة حاسمة.
"الليلة سآتي إليكِ، ولن تختاري لي أيَّة محظيّة إطلاقًا، مُذُّ اليوم ودائمًا سآتي إليكِ كُلَّ ليلة، هل كلامي مفهوم؟"
أومأت فيما معالمها تَضُجُّ ألمًا، ثم أفلتها وسار يمنحها ظهره فيما يتخصَّر، فكَّرت رايناه بماذا يتوجَّب عليها أن تفعله الآن، ووجدت أنَّهُ من الأفضل البقاء قُربه؛ كي لا يَصُب عليها جام غضبه لاحقًا.
إقتربت منه، ثم وقفت خلفه، وعانقت خصره، نشز جسده الضخم بين ذراعيها فابتسمت، لها تأثير مجنون عليه.
نظر تشانيول نحو أصابعها المُتشابكة فوق معدته، وشعر بصدرِها يلمس ظهره، ورأسها مُرتاح عليه، فتنهَّد بِعُمق وهمس.
"أنتِ ماذا تفعلين بي؟!"
همست له.
"صدِّقني لا شيء، أنا أُحبُك وأنتَ تُحبني، وكل رعشة، ورجفة، ونبضة هي ثمن لهذا الحُب"
زفر أنفاسًا ثقيلة، ثم أمسك بيديها يرفعهما ناحية شفتيه ليُقبِّلهما، ثم إلتفت إليها، كانت تبتسم إليه وتعانق خصره.
قرَّبها إليه وطبع قُبلة على رأسها ثم همس.
"أُريد أن تلدي لي طفلًا... فتاة صبي لا فرق، المُهم أن تكوني أُمَّه"
إرتبكت معالم رايناه، وإبتسامتها إنحسرت؛ فضيَّق تشانيول مَحجريه عليها، وقبض حاجبيه ينبس.
"هل لديكِ أي إعتراض؟!"
تبسَّمت مُجدَّدًا ونفت برأسِها تقول.
"بالطبعِ لا، أنا فقط تفاجئت من طلبك المُفاجئ!"
ما زال يشعر بالشَّك، ولكي تُزيل هذا الشَّك، الذي يراوده، تبسَّمت إبتسامة عريضة، ووخزت صدره بذقنها؛ تنظر إليه بمعالم مُبتهجة.
"أنا أريده صبيًّا، يَرثُ وجهك الوسيم وجسدكَ الضخم هذا"
ضحك بِخفَّة وأومئ.
"أتمنى أن تُنجبي تشانيول صغير أو رايناه صغيرة، سأكون مسرورًا بكلتا الحالتين!"
وفيما لا تزال تبتسم له؛ إنخفض بجذعه قليلًا حتى يُدركها، أمسك بوجهها ثم أماله ليطبع على شفتيها قُبلة شغوفة، وحينما بادلته تبسَّم وعانقها بين ذراعيه.
وإن كان يَشُك بها لا يقدر إلا أن يُحبها...
...
عند المَغيب؛ كانت جيهان تجلس قِبالة المرآة فيما تتولّى بعضُ النِّساء تجهيزها للرَجُل الذي سيُصبح زوجها في غضونِ بضعِ ساعة فقط.
كانت تبكي وهُنَّ يُلبسنها وتبكي وهُنَّ يُسرِّحن شعرها، وتبكي فلم يقدرن أن يضعن لها مساحيق التجميل.
دخلت راهي مُذُّ وهلة ونظرت إلى الأميرة التعيسة عبر المرآة تقول بأسف.
"لستُ أرضى عليكِ ما يحدُث معكِ؛ لكنَّني عاجزة عن فعل شيء صدِّقيني، لقد حدَّثتُه وحاولتُ ثنيه عن قراره، لكنَّكِ تعلمين كم أنَّ أباكِ رَجُلٌ عنيد"
لم ترُد بشيء جيهان؛ فهي حتى لا تعلم إن كانت زوجة أبيها صادقة أم لا، وعلى آيةِ حال؛ هذا لن يُشكِّل فرقًا، فلو إجتمعت أُمَّة اليوان لثنيهِ عن قراره لن ينثني عنه طالما هو مُقتنع فيه، ويراهُ القرار الصَّحيح.
دخلت إحدى النِّساء تستعجلهن؛ فالجميع بإنتظار الأميرة لِبدء مراسيم الزواج، فيما الأميرة جيهان تجلس بإستسلام وبؤس لما يحدث لها بالفعل.
طبطبن بعض النِّسوة على كتفها قُبيلَ مُغادرتِهن، وبقيت جيهان وحدها تنظر إلى المرآة بملامحه التعيسة تلك، لا يُمكنها أن تكون أتعس مِمَّا هي عليه بالفعل؟!
أيستحق شعورها بالحُب تجاه رَجُل ليس من طينتها كل هذا العِقاب من والدها؟! ألا يكفي أنَّهُ نبذ شعورها وفرض عليها أن تنسى؟ ألا يكفي أنَّ الرَّجُل الذي تُريدُه لن يكون لها ألبتَّة؟!
لكن لا يسعها فعل شيء، لا يمكنها رفض أوامر والدها، ما يقوله دومًا سيمضي، ليس لأنَّهُ الملك بل لأنَّهُ والدها.
وقفت ثم وضعت خِمارها الأحمر على وجهها، ليس ليُخفي جمالًا كما العادة بل ليُخفي دموعًا، وبينما تخرج إستوقفها شيء.
خرجت الأميرة لتتزوَّج رغم أنَّها لا تُريد أن تتزوج، لكن ليس كل ما يُريده المرء يدركه مع الأسف، خرجت إلى حديقة المَقر حيث يجتمعون لتزويجها من الوزير جيون.
فهو حاله كحالها، لا يريد لهذا الزواج أن يتم لكن ليس بوسعه قول لا، كان يجلس على كرسي العريس وقِبالته كرسي شاغر لأجلها، فيما يجلس والدها في مقدمة صفِّ الحاضرين.
آتى الكاهن ليقدم لهما مراسيم الزواج، لم تنظر إلى جونغكوك وجونغكوك لم ينظر إليها، فقط هذا الزواج تم لأجلِ إرضاء صاحب الجلالة وحسب.
بعدما إنتهى الكاهن من أداء الطقوس نهض بيكهيون إليهما، تقدَّم من جونغكوك أولًا وعانقه يقول.
"مُبارك لك وشُكرًا لك!"
تبسَّم له جونغكوك مُجبرًا وربَّتَ على ظهرِ مولاه الذي أصبح حماه، أفلته بيكهيون ثم قصد إبنته لكنَّها تراجعت ترفض أن يُعانقها، بل فقط إنحنت له بصفته الملك وغادرت.
الجميع كان يرمقها بإستغراب فيما تُغادر، ولكن والدها لم يغضب ولا حتى قال شيء بل فقط عاد إلى وزيره الذي بات صهره وربَّتَ على كتفيه، لا يصدق أنَّ إبنته قد طارت من عُشُّه بالفعل.
لم يكن هناك أي مراسم للإحتفال، فكيف يحتفلوا بزواج تمَّ بهذهِ السُّرعة والعروس قد ذهبت أيضًا، لا يُمكن.
وهكذا بعدما إنتهت مراسم الزفاف نهض القادة الأشقاء للتحضير للمغادرة بالفعل، وبينما يفعلون قصد بيكهيون حُجرة إبنته التي تزوَّجت للتو، حينما دخل إلتفتت ووضعت خمارها على وجهها فنبس.
"ألا تُريدي أن أراكِ وأنتِ عروس؟"
تنهَّد ثم أومئ.
"أتفهمك، لكن افهميني أنتِ أيضًا، أنا إخترتُ لكِ الأفضل، رَجُلٌ صالح ومن طينتك، لا يمكن أن يكون هناك رجل أفضل من جونغكوك لابنتي، لا الآن ولا في الماضي ولا في المستقبل"
اقترب منها، أراد أن يعانقها لمرة واحدة فقط قبل أن تُغادر مع زوجها، ولكنَّها رفضت بفرارِها منه، أنكس بصره قليلًا وتنهد.
"حسنًا كما تُريدي، ولكن عندما تعودي ستعلمي أنَّ ما فعلته لأجلكِ هو الخيار الصواب"
خرج بيكهيون من حُجرة إبنته وخرج ليطمئن على راهي قبل أن تُغادر، كانت تركع أرضًا وتضم الأمير لي جون بين يديها وتبكي.
"كُن بخير، ولا تعصي أوامر والدك، ولا تُتعِب القائدة هيريم، حسنًا؟!"
أومئ لها الطفل فيما يبكي وقال.
"أمي لا تتركيني لفترة طويلة، عودي بأقربِ وقت ممكن"
تبسَّمت فيما تمسح دموعه.
"سأعود قريبًا لكن أنتَ لا تبكي علي، حسنًا؟"
أومئ لها الطفل مُجدَّدًا فطبعت على وجنته قُبلة ثم نهضت حينما رأت الملك يقف منذ وهلة قُرب الباب دون أن يقول شيء.
إنحنت له فيما هو يزلف منها، ثم بيكهيون أمسك بكلتا يديها بين يديه وهمس.
"آسف لجعلكِ تمُرين بمثل هذه الظروف وتؤدي مهام خطيرة عني"
تبسَّمت راهي ونفت برأسِها تقول.
"لا مولاي، سأكون بخير وأعود بأخبارٍ طيّبة، أنت فقط كُن بخير وفكِّر بإستعادة مُلكك، نحن سوف نكون بخير بكل تأكيد مولاي"
رفع يده إلى وجهها وطبع قبلة على جبهتها، ثم قرَّبها منه ليعانقها بين يديه، وفيما يربت على ظهرها قال.
"كوني بخير"
أومأت له فيما تبتسم ثم رافقته إلى الخارج، بقيَ له أن يودع بيكهي التي تقف قُرب الهودج الخاص بها خارجًا، حالما رآها شرع ذراعيه لأجلها، فابتسمت وركضت إليه.
"سأشتاق لكَ أبتاه!"
همس وهو يبتسم.
"وأنا سأشتاق لكِ طفلتي!"
عانقها بقوَّة ثم همس لها بأذنها.
"تعلمين أين تضربي الرجل إن لم تقدري عليه، صحيح؟!"
ضحكت بيكهي وهمست.
"أبي، القائد جونغ إن رَجُلٌ جيد، لن يؤذيني، لا تقلق"
ربَّتَ على ظهرها وهمس.
"تحسُّبًا فقط يا صغيرتي"
وأما هيريم؛ فكانت لا تظهر بين جسدين ضخمين داخل عناق شديد وهي تبكي.
كان جونغ إن يضحك وسيهون يعانقها بذراعيه.
"أرأيتِ؟! تُحبينني تُحبينني! لا أهون عليكِ!"
رمق سيهون شقيقه بأستياء وهمس.
"كُفَّ عن المُزاح الآن، ألا تراها مُنهارة بالفعل؟!"
هيريم رفعت رأسها عن صدر شقيقها ورمقت أخيها الأسمر بنظراتٍ غاضبة تقول.
"لستُ أبكي عليك، على سيهون فقط، أنت لا تعود!"
نقر أنفها المُحمر بسبَّابته وهمس ضاحكًا.
"كاذبة!"
فأخذت تبكي أكثر وعانقت حصره بذراعيها، صحيح أنَّهُ مُستفز وروح الدُّعابة عنده مزعجة، لكنَّهُ يبقى شقيقها الثمين، عانقها جونغ إن بقوة فيما يهمس.
"اوه! صغيرتي الثمينة لا تبكي!"
رفعت رأسها عن صدره ورمقت كلاهما ودموعها تنهمر.
"لا تتوقفا عن مراسلتي، وكونا بخير مهما كان الثمن، حياتكم أغلى من هذه المهمة"
مسح لها سيهون دموعها وهمس فيما يبتسم إبتسامة ضيّقة.
"لا تخافي، نحنُ سنكون بخير بلا شك"
أومأت لهما ثم أخذت تلوح لهما فيما يصعدان الأحصنة، وها هي المسيرة تُغادر، والجميع يضع فوق كل حصان قطعة من روحه.
إستمرَّت في النظر إليهم حتى اختفوا، وبلا أن تحس كان بيكهيون يقف بجانبها بالفعل، هي غاضبة منه لذا لن تتحدَّث إليه.
دخلت تتركه خلفها وهو لاحظ سلوكها المُنفر ناحيته لكنَّهُ لم يقل شيء للآن، كان عليه تهدئة روع أطفاله الثلاث الذي لم يبقى لهم أحد سواه.
.......................................
يُتبَع...
"قلوب تبكي"
العنقاء|| The King's Return
14th/July/2021
........................
الفصل القادم بعد 100فوت و 200كومنت.
1.رأيكم ببيكهيون؟! قراره بشأن ابنته؟
2.رأيكم بتشانيول؟! ماذا سيفعل بشأن بيكهيون؟ وبشأن مشاكله الليليّة؟ وبشأن رايناه؟
3.رأيكم بالوزير جيمين؟ ونظرته إلى تشانيول؟
4.رأيكم بجونغ إن ورده على الملك؟
5.رأيكم بجونغكوك؟ من التي يحبها؟
6.رأيكم برايناه؟ وما تفعله ضد تشانيول؟!
7.رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤Love❤
Коментарі