CH3||بِدء التنفيذ
بيون بيكهيون (الملك)
بَطَل:
العنقاء|| The King's Return
"بِدء التنفيذ"
إنتصف الليل، والقصر أهلهُ نيّام إلا حرس المُناورة الليليّة يقومون بمُهمتِهُم بحراسةِ القصر بمرافقِه شَتّى.
كان الوزير جيون يسير قُرب حَرَمِه الخاص، إنَّهُ الوزير الوحيد الذي يسكُن في القصر المَلَكي؛ وذلك لقُربُه الوطيد بالملك على الصعيدين الشخصي والرَّسمي.
الأرق يسرق منه النوم في الأيام الأخيرة، فأصبح يُسامر الليالي، ويسهر معها وحيدًا وتفكيره المُرهِق حول ما يحدث بالخفاء عنه وعن الملك.
وبعد الذي حدث اليوم بدأ يَشُك بأمرِ الأمير تشانيول، أنه متواطئ في جريمة ما، أو أنَّه يقود حركة تَمِس العائلة الملكة وحُرمتِها بسوء.
وبينما جونغكوك هكذا يُفكِّر أمام دارِه؛ إنطلق ناحيته سهم، ولأنه سريع البديهة تحاشاه ببراعة، ثم حينما إلتفت رأى السهم قد أنغرز بالعامود الخشبي خلفه، وعليه ورقة كما لو أنّها رِسالة.
إنتزعها من على السهم وقرأ ما فيها.
"إن كنتَ تُريد أن تعلم ما يُحاك ضِدَّ الملك تعال إلى مَدخل الغاب وحدك"
جونغكوك ضَمًّ الورقة بيده وراح ينظر من حيثُ آتى السهم، لكن لا أحد.
حَمَل سيفه وخرج من القصر دون أن يُمهِل نفسه الوقت ليُفكر بخطورة ما يذهب إليه بقدميه، لطالما كان جونغكوك من هذا النوع، مُغامر، ويبحث عن الحقيقة ولو كانت بين فَكّي أسد.
خرج وحده مُتجرِّدًا من ثيابه النبيلة والنَّفيسة، بل كان يرتدي زيًا أسود اللون، ويضع اللِّثام على وجهه؛ كي لا يتعرف عليه أحد من الناس.
وما إن أصبح في مدخلِ الغاب؛ ورُغمَ حذره الشديد حيال خطواته؛ لم يدري أنَّهُ داس في فِخاخ شبكةِ صيد، رفعتهُ وعَلَّقتهُ بجذعِ شجرة، فصاح بغضب يقول.
"كيف تجرؤون أن تخدعوا وزير الدولة الأول أيها الأوغاد؟!"
ظهرت هيريم بصُحبةِ سيهون وجونغ إن، كانت تضع يداها على خصرِها، وذقنها عالٍ تنظر إلى الرجل العالق في المصيدة.
"نعتذر حضرة الوزير، لكن لا يمكن أن تصل إلى مكاننا وأنتَ واعٍ، نَم الآن وعندما تستيقظ سنتحدث"
راح يُعافر في الشبكة ويحاول قطعها بسيفه، لكنّها من جلد ثخين يَصعُب قطعه، ثم فجأة شعر بأحدهم يُلقي عليه سائلًا رائحته نفّاثة، فأخذ يسعل ويسعل وفجأة سكنت حركته.
أمر جونغ إن بعضًا من الرِّجال يقول.
"خُذوه إلى المَقَر، وضعوه في فراشٍ وَثير، لكن شددوا الحِراسة عليه، ووثِّقوه"
إنحنى له بعض الرجال ثم انصرفوا لتنفيذ أمره، ثم سيهون إلتفت إلى هيريم وقال.
"ما أخبار القصر المَلكيّ؟!"
"الحراسة عليه مُشدَّدة، لا تقلق!"
أومئ لها وابتسم بخفّة.
"عمل جيد!"
إبتسمت له، ثم ربتت على كتفه بينما تَمُر عبره إلى حِصانها، صعدت ظهر حصانها، واقتربت من أخيها تقول.
"هيا أخي!"
أومئ لها، ثم سار إلى حصانه حتى صعده، وسارت الثلاث أحصنة في المُقدِّمة خلفهم عَربة ينام عليها الوزير الأول جيون.
وصلوا به إلى مَقرَّهم في قلب الكهف، وما إن وَلجوه؛ أشارت هيريم إلى الرجال الذين يحملون الوزير.
"اعتنوا به"
"أمرُكِ سيدتي!"
نظرت هيريم في أرجاء الكهف بحثًا عن تايهيونغ، وما إن رأته أشارت له.
"اتبعني"
كان يجلس أسفل مصباح زيتيّ، ونهض بعدما أشارت له ليتبعها.
دخل من بعدها إلى حُجرة الإجتماعات، جلست هيريم في مكانها، وأشارت له أن يجلس قِبالتِها ففعل.
كان ينظر إلى وجهها فيما يَدعَك أنامله ببعضها البعض بتوتر.
"تايهيونغ؟"
"نعم سيدتي"
"أنتَ ستنضم لنا في عملية القصر الملكي، أتفهم؟!"
أومئ لها، وقد أخفض رأسه يتنهد، أمالت برأسها ناحيته تستقطبه فيما تستنكر.
"أنتَ لا تسدي لنا معروفًا، مُشاركتكَ في هذهِ المُهِمّة هي دينك لنا، مُقابل إنقاذك أنت وأُختك"
رفع رأسه إليها وأومئ.
"أنا أعلم سيدتي"
"جيد"
إرتخت على كُرسيها وقالت.
"أعلم أن لديكَ مهارات قِتاليّة، ولكن أنوي تطوريها حتى تتناسب وطبيعة هذه المهمة الخطيرة، لذا ستلتحق بالمُتدربين لدينا، تفهم؟!"
أومئ فنهضت تقول.
"جيد، والآن يُمكنك أن تُغادر وترتاح سيد كيم"
..............
في الصَّباح؛ كان للملكِ مجلس عليه أن ينعقِد برئاستِه، الجميع تواجد في البلاط المَلكي بإنتظار الملك من وزراء وأيادي عُليا والأمير تشانيول، ولاحظ الجميع أنَّ الوزير الأول جيون لم يحضُر بعد رغم أنّهُ لم يُسبَق له أن تَخلًّف عن إجتماعات البلاط الملكي.
كان الأمير تشانيول يقف قُرب العرش والجميع مشغولون عنه بإستغابةِ الوزير جيون، كأنَّهُ صديق الملك المُقرَّب والوحيد، ويحق له ما لا يحق لغيره؛ لذا لن يُعاقب على تقصيره في أداء مَهامِه الموكلة إليه.
تشانيول كان ينظر إلى العرشِ فقط ولا يُعطي سمعًا لأي جَلبة يحدثونها أركان المجلس، هذا العرش كم يبغى أن يصعده لأنه الأَولى به، أولى به من طفلٍ صغير ما زال يحتاج مُرافقًا إلى الحِمَّام، وأولى من الملك برأسه؛ فهو من يستطيع إدارة المملكة بالقوّة والجَبروت، ولن يتمكن خائن من الإنضمام إلى بلاطه الملكي، كما بلاط الملك بيون الذي كُلُّه خَوَنة له؛ وهو أولهم.
صعد إحدى الوزراء المواليين للأمير تشانيول إليه، وهو الوزير الذي تولّى مُهِمَّة إغتيال الوزير جيون، ثم همس قُرب سمع الأمير قَلِقًا.
"نحن لم نقتُل الوزير جيون بعد، ولكنه اختفى من القصرِ بأكمله، أخشى أنه إكتشف شيء عنّا، وراح يبحث عن المزيد؛ ليعلمه"
نظر له الأمير وقد عَرَّج حاجبيه بأستياء.
"حينها لن أتردد في نحرِ عُنقك، حَرِّك رجالًا بالخفاء ليبحثوا عنه، وأينما يجدوه آمرهم أن يقتلوه!"
إنحنى الوزير للأمير بجذعه ونبس.
"أمرُ سموَّك، سأفعل فورما ينفضُّ المَجلِس اليوم!"
"جلالة الملك بيون بيكهيون حَضر البلاط المَلكي"
وقف الجميع وانحنوا برؤوسهم ما إن بلغهم صوت رسول البوابة بصوتهِ الجَهور، إنبلجت البوّابة ودخل الملك ببهاءه وسُلطانه كما العادة، يرتدي زيّهُ الملكي، ويضع تاجًا مُذهَّبًا على رأسه، وخلفه تسير حاشيته.
إعتلى عرشه وما زال الجميع يخفضون رؤوسهم عنه حتى جلس عليه وبسط كفّيه على فخذيه، ثم أشار لهم أن يرتاحوا فرفعوا رؤوسهم.
ضيَّق الملك عينيه، ثم عرَّج حاجبيه بحثًا عن الوزير جيون، فهو عادةً ما يقف على يمينه في أولِ البلاط، لكنه الآن لا يراه.
"أين الوزير جيون؟!"
أخذ الوزراء يرمقون بعضهم البعض في جهل، فلقد ظَنّوا أنه الملك من أذِنَ له بالتَّغيُّب عن المجلس، حتى ضرب الملك العرش بيده ووقف يصيح.
"قُلتُ أين هو؟!"
وقف الأمير تشانيول عن مقعده، الذي يقع في أسفل العرش عن يُسراه، ونظر إلى الملك يقول.
"جلالتُكَ؛ الوزير جيون لم يظهر اليوم، ربما خرج من القصرِ لتأدية غرضًا ما"
جلس الملك على عرشه مُستنفرًا، ثم أمر إحدى الحرس بأن يذهب إلى حرم الوزير بحثًا عنه، إنَّه لا يُشكِّك بجونغكوك أبدًا، ولكنه يخشى عليه من كيدِ الأعداء المُتخفّين في مجلسه، لكن الحارس عاد خالي الوفاض.
تنهد الملك، ثم أشار للوزير الثاني في الترتيب بعد جيون أن يتحدث بقضيّة اليوم.
"مولاي، غوريو ترفُض أن تبعث لنا حِصَّتنا من المال، والفضّة، والعبيد، حتى أنها لم تبعث جاريات لخدمتك سيدي"
أومئ وبان عليه من نبرته وملامحه الهادئة أن القضيّة لم تستثِره.
"هل لديكَ قضيّة أُخرى لتتحدَّث عنها؟!"
"لا، مولاي"
فتسآل الملك جامعًا ورفع صوته.
"هل لدى أي حد منكم قضية تستحق أن أطبع عليها ختمي الملكي اليوم؟!"
جميعهم أخفضوا رؤوسهم، فتحدث الملك وقد بدى عليه الغضب.
"هل عقدتُم هذا الإجتماع لأجل أن نتحدَّث عن غوريو فقط؟!"
تهكّم ساخرًا، ووقف يعقد يديه خلف ظهره يقول.
"هُناك ما هو أولى من هذه القضيّة التافهة لِنُناقِشُها، وبما أننا وصلنا إليها بالفعل؛ فأنا أعلن أن يوان لن تأخذ أي جِزية من غوريو؛ سواء كانت مال، فِضَّة، أو عبيد"
أشار لكاتبه أن يأتي بالصَّك، وطبع عليه ختم الملك، الذي يعفي غوريو من دفع الجزيّة، وهذا ما إستثار غضب واستنكار كل من في المجلس، ولكن أحد لم يجرؤ أن ينبس بحرف إلا الأمير تشانيول؛ فقد وقف يقول.
"جلالتك؛ نحن يجب أن نُبقي غوريو تحت السيطرة، تبقى ولاية لنا عبر دفع الجزية، هكذا يبقى ملكها خاضع لنا، ولا يعصي لنا أمرًا"
رفع بيكهيون حاجبًا ونبس بإستنكار.
"هل تحاول أن تُعلِّمني كيف أحكم الأمبرطورية وأنا الإمبراطور؟!"
اخفض الأمير رأسه واعتذر، حينها وجّه بيكهيون كلامه للجميع.
"أنا لستُ ديكتاتورًا، أنا أحاول أن أحمي شعبي، وأُقدِّم لهم حياة جيدة، وأن أُبقي ولاياتي حليفاتٌ لي، لن ينقلبنَ ضدّي لو فعل الجميع ذلك!"
رمقه تشانيول؛ يرفع شِدقه باسم الثغر بطلائع تشبّعت سُخرية، وهمس لنفسه.
"سترى بعينك أن لا أحد سيعاونك لو انقلبتُ أنا عليك جلالة الملك المُعظَّم!"
...
فَضَّ الملك المجلس في بلاطه الملكي، وغادره يقصد حرم الوزير جيون، وما إن وصل جمع حرسه، سيدات بلاطه، ومحظيّاته، خادماته، وغِلمانه، ليُحقق بأمر إختفاءه على نِطاقٍ أوسع.
كان جميع من في الحرم يقفون أمام الملك بصف أُفُقي؛ يخفضون رؤوسهم أمام المَولى.
"متى كانت آخر مرّة رأيتُم بها الوزير جيون؟!"
تحدَّث إحدى الحرس.
"مولاي؛ الأمس ليلًا رأيتُه يخرج من القصر؛ وهو يرتدي زيّ الحرس الجُدُد، كما رأيتَهُ يَعقِد على وجهه لِثامًا"
إقترب الملك من الحارس الذي قَدَّم إفادته وقال.
"هل أنتَ مُتأكد أن ذلك كان الوزير جيون؟!"
"مُتأكِّد مولاي"
غادر الملك حرم الوزير الأول، وسار إلى حرمه، وهناك جلس في إحدى الترّاسات وحيدًا، فلقد منع حاشيته عن اللحاق به، وامتنع عن قبول خدماتهم.
أين ذهب جونغكوك؟!
هذا فقط ما كان يُفكِّر به؛ خصوصًا أنه يدري أن جونغكوك شُجاع جدًا ومُغامر جدًا، قد يذهب للموت بقدمه وهو يعلم؛ فقط ليُلبّي لنفسهِ رغبة.
أين ذهب جونغكوك؟!
قد يكون خرج لتَّقصي عن أمرٍ سمع به، أو خرج للإستقصاء عن الحقائق من أفواه الناس، أو أنه خرج ليُخاطر بحياته مُقابل أن يحمي الملك وعرشه.
أين ذهب جونغكوك؟!
لن يُشكِّك به ولو رآه في عينه يخونه، لكن بما أنه الملك تعلَّم أن لا يثق بأحد ثِقة عمياء، فالقلوب مُصفَّدة، لا يعلم ما بها سوى أصحابها.
أين ذهب جونغكوك؟!
مهما جال وصال، ومهما ابتعد بتفكيره واقترب، ضَلَّ هذا السؤال ينخر دماغه، ويشوش تفكيره عن أي قضية أُخرى.
تنهد يُدلِّك صِدغيه بأنامله النحيفة؛ ثم أشار للرجل الذي يحمل إليه العرائض أن يأتي بها، عليه تأديه واجبه مهما كانت ظروف.
عريضة يُطالب فيها رافعها أن يقوم الملك بتولية من يقومون بتحقيق موسَّع لتبرئة اسم كيم سي ري، وهو رجُلًا نبيل اتُهم بالخيانة ظُلمًا وأُعدَم.
تأتيه مثل هذه العريضة كثيرًا، وعادةً ما يخبره الوزير جيون أن مثل هذه العريضة شأنها للمحكمة وليس شأن الملك، لكن هذه المرة الوزير ليس برفقته بينما يَطَّلِع على العرائض؛ لذا طبع عليها خِتمه ليتم بِدء تنفيذ التحقيق.
ثم عريضة أخرى يطالب بها رافعوها، وهم عدد من تُجّار العاصمة، يطالبون بالقبض على عصابة المُتمرِّدين لأنهم ينهبونهم.
خَتم على هذه أيضًا، لأن هؤلاء المُتمرِّدون قد تخطّوا الحدود في العصيان والتمرُّد، وبما أنهم أشاوس؛ فليتحمَّلوا قبضته التي من حديد عليهم، ثم لم يختم على أي من الأُخريات بعدها.
............................
كان الوزير جيون في فراشِه الوَثير ما زال نائمًا، فقد أمَرت القائدة هيريم أن يضعوه رِجالها في أفضلِ حُجرة في المَقر وأكثرهُنَّ تَرَفًا، وذلك ما انتهى بهِ الوزير جيون بالفعل.
إستفاق على ظُلمة وإنارة خفيفة تَأتي من بعض الشموع على الصولجان البعيد نسبيًا عنه بمسافةِ أمان، ضيَّق عينيه، وتحسَّس رأسِهِ في ألم قبل أن يقعد على الفِراش، يشعر أنه نام لأزيد من يوم، ولكثرِة ما نام يشعر بالإرهاق الشديد والصُداع يلتهم رأسه.
تذكر رويدًا رويدًا الأحداث، التي صارت قبل أن ينام، فأدرك أنه لم يَنَم بل أفقدوه وعيه مجموعة من المُلثَّمين، وفي هذه اللحظة من الإستيعاب؛ أدرك جونغكوك أن هؤلاء لا يُمكِن أن يكونوا سوى مجموعة من الخونة يتعاضدون بيد الأمير ضد الملك وحُلفاءه، أو هُم المُتمرِّدين الذي يلاحقهم مُذُّ سنين، فلا أحد خارج هاتين الفئتين يجرؤ على مثل هذا الفعل الشنيع.
نهض عن فراشه، وأطفئ الشمع من على الصولجان، ثم أفرغه وحمله؛ كسلاحٍ مؤقَّت ريثما يتمكّن من أحدهم ويستَلَّ سيفه.
وصل بحذر وخطوات كتومة إلى مَدخل الحُجرة، الذي يضعون عليه قِطعة قُماش دهماء وحَسب.
أبعدها سريعًا، وضرب رأس إحدى الحارسين بالصولجان قبل أن يقدر ان يتحرَّك الأخير للدفاع عن نفسه، استل سيفه سريعًا، وأراد أن يشرخ به صدر الآخر؛ لولا أنه تَصدّى لهُ سريعًا وصاح.
"الوزير استيقظ!"
ثم سُرعان ما تكاثروا الرِّجال بالسّاحة، لكن أحدهم لم يرفع سيفه لصدِّ سيف جونغكوك سوى الرَّجُل، الذي أقدم على مُهاجمته أولًا.
"من أنتم؟!"
صاح جونغكزك بغضب فيما يرفع السيف ناحيتهم لتصدّي أي هجوم، لكن أحد لم يُجيبه مٌذُّ الوهلة الاولى حتى شَقَّ صفوف الرِّجال ثلاثةِ أشخاص، رَجُلين فارعي الطول متناقضي اللون والسِّنحة تتوسطهم إمرأة حسناء ذات قامة متواضعة، وهي من تحدَّثت باسم الجميع.
"فلتهدأ حضرة الوزير، فكما ترى؛ لا أحد ينوي أن يَضُركَ في شيء"
نظر لها لبضع لحظات قبل أن يتسآل.
"وما الضمانة على كلامكِ؟!"
فغرت ما بين ذراعيها ونبست بنبرة هادئة مُسالمة.
"نِمتَ لاثنتا عشرة ساعة، كُنا نستطيع قتلكَ خلالها لو ترى، ولو كُنّا نحمل عليكَ الضغينة؛ لعاملناكَ كأسير لدينا، لما كنتَ ستستيقظ في فراشٍ وثير ودافئ سيدي"
إنحنت له ففعل من بعدها الجميع إبداءً للإحترام، أخفض جونغكوك السيف ووقف بإستقامة فقد شعر بالأمان، ثم بعدما إزدرئ جوفه الذي جَفَّ قال.
"من أنتُم وما الذي تعرفونه دونًا عنّا بشأنِ الملك؟!"
أقامت هيريم جذعها ففعل من بعدها أخويها والرجال أجميعن، تَبسَّمَت وهمست.
"بالتأكيد أنت الآن جائع، دعنا نتحدث بينما نحصل على إفطارِنا"
نظر لهم جونغكوك بعينٍ شكّاكة فنبس سيهون.
"لا تقلق سيدي، سنتذوق الطعام أمامكَ لو أردتَ"
"تذوّقه أنت، لن أُمثِّل دور كبش الفداء، هذا لا يليق بي كما تعلم"
سيهون رمق أخاه بعينٍ حارّة ونبس.
"أصمت أنت!"
أشارت هيريم للوزير تقول.
"تفضَّل سيدي من هُنا"
إحتفظ جونغكوك بالسّيف، وسار رِفقةِ الفتاة المُسترجلة كما يرى، ضمَّت أربعتهم طاولة طويلة، جلس عليها الأخوة الثلاث متجاورين، وقِبالتهم الوزير وحيد.
نظر جونغكوك للرجل الشاحب بينهم، وقد إلتقم من كل صحن لُقمة من الصينيّة أمامه، ثم سحب الصينيّة التي أمام جونغكوك وبادلها بصينيّته، ثم نظر إليه يقول.
" إن إطمئن قلبك لا تجوِّع نفسك، كُل طعامكَ رجاءً سيدي"
حمل الوزير عيدانه، وراح يتناول الطعام بهدوء؛ والذي إستطاب له كثيرًا، فاليد التي أعدَّته ماهرة بلا شك.
بعدما إنتهوا من الطعام؛ دخلن بعض النسوة لحمل الصحون خارجًا، وأُخرى كانت تحمل قدح الشاي وبعض الأكواب على صينيّة، وضعتها على الطاولة وغادرت مع النسوة، تلك كانت جاهي.
رفع الوزير ذراعيه يتّكِز بهما على الطاولة ثم قال.
"الآن، اجيبوا عن سؤالي، من أنتم؟!"
نظر الثلاثة في بعضهم، ثم كلا الشّابين أومئ للفتاة التي تتوسّطهما فقالت.
"نحنُ جماعة المتمردون كما تعترفون بنا حضرة الوزير"
إرتخى الوزير بظهره على الكرسي رغمًا عن أعصابه المشدودة، والموقف العصيب الذي هو عالقٌ فيه.
"وتملكون الجُرأة أن تخطفوني وتقدِّموا بين يدي رسالة مكذوبة؟!
ألستم خائفين بعدما رأيتُ وجوهكم؟!"
كان ينظر لهم الوزير عاقد حاجبيه ومستاء إلى أقصاه، ولكن هيريم على عكسه كانت ذات مزاج ليّن وتحدَّثت.
"نحنُ إختطفناك لإنقاذك، وما قدَّمنا لك رسالة مكذوبة"
ضرب جونغكوك الطاولة بينهما بعصبيّة ونَبَس.
"ما الذي تحاولين قوله أنتِ يا امرأة!"
وقف جونغ إن بعصبيّة.
"لا تتحدث مع أُختي بهذهِ الطريقة أيها الوزير الأحمق!"
شَدَّت هيريم ثياب جونغ إن ليصمت، لكنه إنتزع نفسه منها، وبرر نفسه بعصبيّة يقول.
"ألا تَرينه كيف يتحدث؟!
بدلًا أن يشكرنا لإنقاذ حياته يُقدِم على إهانتِنا، وفوق ذلك يظن أن لهُ اليد العُليا في مَقرِّنا، نحنُ الأسياد هُنا وليس هو"
وقف سيهون يقصد أخوه وقال بملامح صمّاء.
"إن كُنتَ ستستمر في عبثك اخرج!"
رفع جونغ إن يده نحو أخيه وقال يرفع حاجبيه.
"أتُريد صفعة قبل ذلك؟!"
وقفت هيريم ثم جذبت أخويها من أكتافهم ليجلسوا، تنهدت بينما كلاهما يتبادلا العُنف بأعينهما، تنهدت هيريم وقصدت الوزير في حديثها.
"أنتَ لا تنوي تصديقنا، لكننا نملك كُل الدلائل التي تُثبِت صِحّة كلامنا"
نهضت هيريم لتقوم بفتح خَزنة حديديّة راكنة في إحدى زوايا الحُجرة الفسيحة، حملت منها صندوق وعادت، قدمته للوزير ثم قالت.
"يمكنك الإطلاع على محتواه، ثم أنت ستصدقنا بلا شك"
فتح الوزير جونغكوك الصندوق الخشبي ونظر في محتواه، أوراق، عرائض، بعض الرسائل، وكتاب.
رفع بصره لهم وقال.
"وما الذي يثبت لي أن هذا ليس من تدبيركم؟!"
أجابه جونغ إن.
"ختم الأمير تشانيول عليه، لذا كُفَّ عن التشكيك بنا يا رجل!"
"أمهلوني بعض الوقت"
أومأت هيريم ونهضت يتبعها سيهون، وجونغ إن الذي نهض عندما صفعت ظهره، فهو ينوي أن يبقى جالسًا يرمق الوزير بوقاحة هكذا.
وقف يتذمّر بينما يتبعها.
"لا تضربيني، أنا أخوكِ الكبير، ألا يوجد إحترام للكِبار؟!"
خرج ثلاثتهم وبقيَّ جونغكوك عالقًا مع هذا الصندوق لأزيد من ثلاث ساعات وهو يدرس محتواه، وما كان يخرج من صدمة إلا ليدخل في إخرى.
إنها جرائم كثيرة مُرتكبها الأمير تشانيول، رشاوي للوزراء، ولذوي المَحظيّات ذوات الرُّتَب العاليّة في الحرم الملكي، كذلك للحُكّام، ورؤساء الشُرطة، وكِبار التُّجار، والكثير من قادة الجيش.
كما وجد جرائم قتل بحق الكثير من النبلاء الذين عصوا أن يثوروا ضد الملك، فقتلهم واتهمهم بالخيانة وباع أُسرَهم، مُعظم الاسماء ليست غريبة عليه، لقد رُفِعَ بهم عرائض للملك.
وخُطط مُستقبلية لإغتيال عدد كبير من قادة آخرين للجيش، بعض التُّجار الكِبار، حُكّام، ووزراء، واسمه ضمن القائمة.
يبدو أنه يقدم من بصفه ويقتل من بصف الملك.
أغلق الصندوق بعدما قرأ كل ما فيه ودرسه جيدًا، لا يمكن أن يكون هذا مغشوشًا، فهذا ختم الأمير على الأوراق، والتي تتميز بجودتها العالية، التي لا تتوفر للناس العاديين حتى لو كانوا ذوي شأن كبير في البلاد.
تلحَّف جونغكوك بالإرتباك، وراح يجيء ويذهب في ضيق، فلقد ضاق صدره وانشغل باله، والخوف يأكل صلابته.
لا يخشى على نفسه، بل يخشى على الوطن وحاميه، يوان إمبروطوية المَغول الصينيّن، لا يُمكِن أن تُهزَم هذه المملكة العظيمة على يد هؤلاء السُفهاء.
ما العمل الآن؟!
.....
حَمَلت جاهي الطعام لها ولأخيها المُنهَك بالتدريبات المدنيّة؛ تحضيرًا للمُهِمة المجبور على تأديتها، كما حال الكثير من المُتدرِّبين معه.
ما إن رأى تايهيونغ أخته قادمة إليه حتى عَلَّق السيف بخصره، وتقدم منها مُترهِّل الكتفين، استفردا بالتلّة قُرب فوهة الكهف لتناول الطعام.
نظرت جاهي إلى أخيها يلتقم اللُقم بجوع شديد، وقد كسى الأسى والأستياء ملامحها لأجله.
"تبدو مُتعبًا، هل أنت بخير؟!"
نظر لها تايهيونغ وتمهَّل في علكِ الطعام بين أضراسه.
"بخير، تعلمين أنّي شَرِه"
تنهدت، واستقبلت من يده لقمة إلى فاهها، رُغم المَشقّة التي يتكبدها، حبّات العرق تلمع على جبينه، ومخائله الفاخرة مُغبرّة؛ وكأن كل دهور التشرُّد مرّت عليه، جروح على يديه، وفي وجهه، وعلى سائرِ أركان جسده، لكنه رغم ذلك ما زال قادرًا أن يبتسم في وجهها كأحمق.
مسحت على وجنته تزيل آثار الفحم عنه تقول.
"تحمَّل قليلًا بعد، ما إن ندفع ديننا لهم سنغادر معًا ونبني لنا حياة جديدة وآمنة، لا أظن أن الأمر سيطول، فلقد أقدموا على خطف الوزير جيون بالفعل!"
أومئ تايهيونغ وقال.
"أعلم، رأيتهم يدخلونه"
ربَّتت جاهي على كتفِ أخيها واسترسل كلاهما بإلتقام اللُقم لسدِّ جوعهما.
هيريم كانت تُراقبهم من بعيد دون أن يشعروا، أنهما يشعرانها بالحنين لتلك الأيام السالفة رغم العناء والمشقّة التي تكبدتها في ذلك الوقت.
آتى سيهون إلى جانبها فيما يشتم جونغ إن العابث، ثم أحاط كتفّي أخته بذراعه يقول.
"ماذا تظنين أن الوزير سيفعل؟!"
"سيتحالف معنا بلا شك"
رمقها يرفع حاجبًا من إستنتاجها بعيد المنال، الذي بدت واثقة من صِحَّتِه.
"وما الضمانة؟!"
نظرت إلى أخيها بزاوية عالية حتى طال بصرها وجهه، ثم قالت تبتسم إبتسامة إنتصار.
"إنَّهُ مُغامِر مجنون، قد يفعل أي شيء في سبيل الملك، ولو كان عبر سلوك أعوج كالتّعاون معنا"
أومئ سيهون يبرم شفتيه فيما يفكّر بكلامها، هذا الوزير مُغامِر بلا شك حقًا، وإلا لما أتى بنفسه مُلبّيًا الدعوة في الرسالة، التي وصلته عبر سهمٍ جارح من طرفٍ مجهول.
"أتمنّى أن يحدث ذلك حقًا"
..........
كانت الأميرة رايناه؛ أُخت جلالة الملك؛ تَقِف ليلًا وبالخفاء قُرب أساور الحرم، الذي لا يُسمَح لها بتجاوِزه بأمر من زوجها؛ الأمير تشانيول.
كانت قد أرسَلت خادمتها المُخلِصة مُتسلِّلة وبسريّة تامّة إلى حرم الملكة ناري؛ لتُبلِّغُها بنوايا زوجها الأمير تشانيول بما يتعلَّق بالأميرة بيكهي، لأخذ الحيطة والحذر فيما يتعلَّق بهذا الأمر.
فهي تتحمل أذيّة زوجها؛ بما أنه لا فِرار لها منه إلا بالموت، لكنها ستفعل ما تستطيع عليه، لأجل ابنة أخيها وسعادتِها وسلامتِها.
لكنها شهقت، وارتعدت أوصالها عندما رأت زوجها تشانيول يَشُق الظلام بجسده، يحمل بيده سيفًا يُقطِّر دماءً وبيده الأُخرى يحمل رأس خادمتها المذبوحة من شعرها.
سقطت رايناه أرضًا لهول ما تراه، ثم صرخت بهستيريّة، ونهضت مفزوعة حينما ألقى برأس خادِمتها في حِجرها.
راحت تركض الأميرة بين أسواره وهي عالقة في حالة هيستيريّة من الخوف، وهو يتبعها أينما ذهبت بينما يحمل سيفه، يُطاردها بخطوات خاملة وهي تركض في الدائرة نفسها بفزع.
"أخبرتُكِ ألف مَرَّة أنَّكِ لن تقدرين عليّ"
ضرب الشجرة بسيفه فسقط منها غُصن، وما زال يتبعها وما زالت تصرخ بفزع، لكن صوت صياحه طَغى.
"هل تُريدين أن أُنهيكِ كما فعلتُ بها؟!"
................
يُتبَع...
الفصل الثالث "بِدء التنفيذ"
الرواية التاريخيّة "العَنقاء"
..........................
سلاااااااااااام
طبعًا خلوني أكون واضحة بخصوص شغلتين:
1.الرواية فيها أكثر من قصّة حُب، لكن حاليًا في قضايا أهم من الحُب.
2. ما رح أتهاون مع الشرط، ما تحقق ما في بارت.
الفصل القادم بعد 80 فوت و كومنت.
1.رأيكم بالوزير جونغكوك؟ حادثة إختطافه؟ إصطدامه بالواقع؟ هل هو شجاع مغامر أم أحمق برأيكم؟!
2. رأيكم بالملك وردة فعله على إختفاء الوزير جيون؟! ما الذي سيفعله؟
3. رأيكم بالثُلاثي؟ تعاملهم مع جونغكوك؟ وما الخطوة التالية؟
4.رأيكم بتشانيول؟ تعامله القاسي مع رايناه؟ ما الذي سيفعله بها؟!
5.رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟!
دُمتُم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
بَطَل:
العنقاء|| The King's Return
"بِدء التنفيذ"
إنتصف الليل، والقصر أهلهُ نيّام إلا حرس المُناورة الليليّة يقومون بمُهمتِهُم بحراسةِ القصر بمرافقِه شَتّى.
كان الوزير جيون يسير قُرب حَرَمِه الخاص، إنَّهُ الوزير الوحيد الذي يسكُن في القصر المَلَكي؛ وذلك لقُربُه الوطيد بالملك على الصعيدين الشخصي والرَّسمي.
الأرق يسرق منه النوم في الأيام الأخيرة، فأصبح يُسامر الليالي، ويسهر معها وحيدًا وتفكيره المُرهِق حول ما يحدث بالخفاء عنه وعن الملك.
وبعد الذي حدث اليوم بدأ يَشُك بأمرِ الأمير تشانيول، أنه متواطئ في جريمة ما، أو أنَّه يقود حركة تَمِس العائلة الملكة وحُرمتِها بسوء.
وبينما جونغكوك هكذا يُفكِّر أمام دارِه؛ إنطلق ناحيته سهم، ولأنه سريع البديهة تحاشاه ببراعة، ثم حينما إلتفت رأى السهم قد أنغرز بالعامود الخشبي خلفه، وعليه ورقة كما لو أنّها رِسالة.
إنتزعها من على السهم وقرأ ما فيها.
"إن كنتَ تُريد أن تعلم ما يُحاك ضِدَّ الملك تعال إلى مَدخل الغاب وحدك"
جونغكوك ضَمًّ الورقة بيده وراح ينظر من حيثُ آتى السهم، لكن لا أحد.
حَمَل سيفه وخرج من القصر دون أن يُمهِل نفسه الوقت ليُفكر بخطورة ما يذهب إليه بقدميه، لطالما كان جونغكوك من هذا النوع، مُغامر، ويبحث عن الحقيقة ولو كانت بين فَكّي أسد.
خرج وحده مُتجرِّدًا من ثيابه النبيلة والنَّفيسة، بل كان يرتدي زيًا أسود اللون، ويضع اللِّثام على وجهه؛ كي لا يتعرف عليه أحد من الناس.
وما إن أصبح في مدخلِ الغاب؛ ورُغمَ حذره الشديد حيال خطواته؛ لم يدري أنَّهُ داس في فِخاخ شبكةِ صيد، رفعتهُ وعَلَّقتهُ بجذعِ شجرة، فصاح بغضب يقول.
"كيف تجرؤون أن تخدعوا وزير الدولة الأول أيها الأوغاد؟!"
ظهرت هيريم بصُحبةِ سيهون وجونغ إن، كانت تضع يداها على خصرِها، وذقنها عالٍ تنظر إلى الرجل العالق في المصيدة.
"نعتذر حضرة الوزير، لكن لا يمكن أن تصل إلى مكاننا وأنتَ واعٍ، نَم الآن وعندما تستيقظ سنتحدث"
راح يُعافر في الشبكة ويحاول قطعها بسيفه، لكنّها من جلد ثخين يَصعُب قطعه، ثم فجأة شعر بأحدهم يُلقي عليه سائلًا رائحته نفّاثة، فأخذ يسعل ويسعل وفجأة سكنت حركته.
أمر جونغ إن بعضًا من الرِّجال يقول.
"خُذوه إلى المَقَر، وضعوه في فراشٍ وَثير، لكن شددوا الحِراسة عليه، ووثِّقوه"
إنحنى له بعض الرجال ثم انصرفوا لتنفيذ أمره، ثم سيهون إلتفت إلى هيريم وقال.
"ما أخبار القصر المَلكيّ؟!"
"الحراسة عليه مُشدَّدة، لا تقلق!"
أومئ لها وابتسم بخفّة.
"عمل جيد!"
إبتسمت له، ثم ربتت على كتفه بينما تَمُر عبره إلى حِصانها، صعدت ظهر حصانها، واقتربت من أخيها تقول.
"هيا أخي!"
أومئ لها، ثم سار إلى حصانه حتى صعده، وسارت الثلاث أحصنة في المُقدِّمة خلفهم عَربة ينام عليها الوزير الأول جيون.
وصلوا به إلى مَقرَّهم في قلب الكهف، وما إن وَلجوه؛ أشارت هيريم إلى الرجال الذين يحملون الوزير.
"اعتنوا به"
"أمرُكِ سيدتي!"
نظرت هيريم في أرجاء الكهف بحثًا عن تايهيونغ، وما إن رأته أشارت له.
"اتبعني"
كان يجلس أسفل مصباح زيتيّ، ونهض بعدما أشارت له ليتبعها.
دخل من بعدها إلى حُجرة الإجتماعات، جلست هيريم في مكانها، وأشارت له أن يجلس قِبالتِها ففعل.
كان ينظر إلى وجهها فيما يَدعَك أنامله ببعضها البعض بتوتر.
"تايهيونغ؟"
"نعم سيدتي"
"أنتَ ستنضم لنا في عملية القصر الملكي، أتفهم؟!"
أومئ لها، وقد أخفض رأسه يتنهد، أمالت برأسها ناحيته تستقطبه فيما تستنكر.
"أنتَ لا تسدي لنا معروفًا، مُشاركتكَ في هذهِ المُهِمّة هي دينك لنا، مُقابل إنقاذك أنت وأُختك"
رفع رأسه إليها وأومئ.
"أنا أعلم سيدتي"
"جيد"
إرتخت على كُرسيها وقالت.
"أعلم أن لديكَ مهارات قِتاليّة، ولكن أنوي تطوريها حتى تتناسب وطبيعة هذه المهمة الخطيرة، لذا ستلتحق بالمُتدربين لدينا، تفهم؟!"
أومئ فنهضت تقول.
"جيد، والآن يُمكنك أن تُغادر وترتاح سيد كيم"
..............
في الصَّباح؛ كان للملكِ مجلس عليه أن ينعقِد برئاستِه، الجميع تواجد في البلاط المَلكي بإنتظار الملك من وزراء وأيادي عُليا والأمير تشانيول، ولاحظ الجميع أنَّ الوزير الأول جيون لم يحضُر بعد رغم أنّهُ لم يُسبَق له أن تَخلًّف عن إجتماعات البلاط الملكي.
كان الأمير تشانيول يقف قُرب العرش والجميع مشغولون عنه بإستغابةِ الوزير جيون، كأنَّهُ صديق الملك المُقرَّب والوحيد، ويحق له ما لا يحق لغيره؛ لذا لن يُعاقب على تقصيره في أداء مَهامِه الموكلة إليه.
تشانيول كان ينظر إلى العرشِ فقط ولا يُعطي سمعًا لأي جَلبة يحدثونها أركان المجلس، هذا العرش كم يبغى أن يصعده لأنه الأَولى به، أولى به من طفلٍ صغير ما زال يحتاج مُرافقًا إلى الحِمَّام، وأولى من الملك برأسه؛ فهو من يستطيع إدارة المملكة بالقوّة والجَبروت، ولن يتمكن خائن من الإنضمام إلى بلاطه الملكي، كما بلاط الملك بيون الذي كُلُّه خَوَنة له؛ وهو أولهم.
صعد إحدى الوزراء المواليين للأمير تشانيول إليه، وهو الوزير الذي تولّى مُهِمَّة إغتيال الوزير جيون، ثم همس قُرب سمع الأمير قَلِقًا.
"نحن لم نقتُل الوزير جيون بعد، ولكنه اختفى من القصرِ بأكمله، أخشى أنه إكتشف شيء عنّا، وراح يبحث عن المزيد؛ ليعلمه"
نظر له الأمير وقد عَرَّج حاجبيه بأستياء.
"حينها لن أتردد في نحرِ عُنقك، حَرِّك رجالًا بالخفاء ليبحثوا عنه، وأينما يجدوه آمرهم أن يقتلوه!"
إنحنى الوزير للأمير بجذعه ونبس.
"أمرُ سموَّك، سأفعل فورما ينفضُّ المَجلِس اليوم!"
"جلالة الملك بيون بيكهيون حَضر البلاط المَلكي"
وقف الجميع وانحنوا برؤوسهم ما إن بلغهم صوت رسول البوابة بصوتهِ الجَهور، إنبلجت البوّابة ودخل الملك ببهاءه وسُلطانه كما العادة، يرتدي زيّهُ الملكي، ويضع تاجًا مُذهَّبًا على رأسه، وخلفه تسير حاشيته.
إعتلى عرشه وما زال الجميع يخفضون رؤوسهم عنه حتى جلس عليه وبسط كفّيه على فخذيه، ثم أشار لهم أن يرتاحوا فرفعوا رؤوسهم.
ضيَّق الملك عينيه، ثم عرَّج حاجبيه بحثًا عن الوزير جيون، فهو عادةً ما يقف على يمينه في أولِ البلاط، لكنه الآن لا يراه.
"أين الوزير جيون؟!"
أخذ الوزراء يرمقون بعضهم البعض في جهل، فلقد ظَنّوا أنه الملك من أذِنَ له بالتَّغيُّب عن المجلس، حتى ضرب الملك العرش بيده ووقف يصيح.
"قُلتُ أين هو؟!"
وقف الأمير تشانيول عن مقعده، الذي يقع في أسفل العرش عن يُسراه، ونظر إلى الملك يقول.
"جلالتُكَ؛ الوزير جيون لم يظهر اليوم، ربما خرج من القصرِ لتأدية غرضًا ما"
جلس الملك على عرشه مُستنفرًا، ثم أمر إحدى الحرس بأن يذهب إلى حرم الوزير بحثًا عنه، إنَّه لا يُشكِّك بجونغكوك أبدًا، ولكنه يخشى عليه من كيدِ الأعداء المُتخفّين في مجلسه، لكن الحارس عاد خالي الوفاض.
تنهد الملك، ثم أشار للوزير الثاني في الترتيب بعد جيون أن يتحدث بقضيّة اليوم.
"مولاي، غوريو ترفُض أن تبعث لنا حِصَّتنا من المال، والفضّة، والعبيد، حتى أنها لم تبعث جاريات لخدمتك سيدي"
أومئ وبان عليه من نبرته وملامحه الهادئة أن القضيّة لم تستثِره.
"هل لديكَ قضيّة أُخرى لتتحدَّث عنها؟!"
"لا، مولاي"
فتسآل الملك جامعًا ورفع صوته.
"هل لدى أي حد منكم قضية تستحق أن أطبع عليها ختمي الملكي اليوم؟!"
جميعهم أخفضوا رؤوسهم، فتحدث الملك وقد بدى عليه الغضب.
"هل عقدتُم هذا الإجتماع لأجل أن نتحدَّث عن غوريو فقط؟!"
تهكّم ساخرًا، ووقف يعقد يديه خلف ظهره يقول.
"هُناك ما هو أولى من هذه القضيّة التافهة لِنُناقِشُها، وبما أننا وصلنا إليها بالفعل؛ فأنا أعلن أن يوان لن تأخذ أي جِزية من غوريو؛ سواء كانت مال، فِضَّة، أو عبيد"
أشار لكاتبه أن يأتي بالصَّك، وطبع عليه ختم الملك، الذي يعفي غوريو من دفع الجزيّة، وهذا ما إستثار غضب واستنكار كل من في المجلس، ولكن أحد لم يجرؤ أن ينبس بحرف إلا الأمير تشانيول؛ فقد وقف يقول.
"جلالتك؛ نحن يجب أن نُبقي غوريو تحت السيطرة، تبقى ولاية لنا عبر دفع الجزية، هكذا يبقى ملكها خاضع لنا، ولا يعصي لنا أمرًا"
رفع بيكهيون حاجبًا ونبس بإستنكار.
"هل تحاول أن تُعلِّمني كيف أحكم الأمبرطورية وأنا الإمبراطور؟!"
اخفض الأمير رأسه واعتذر، حينها وجّه بيكهيون كلامه للجميع.
"أنا لستُ ديكتاتورًا، أنا أحاول أن أحمي شعبي، وأُقدِّم لهم حياة جيدة، وأن أُبقي ولاياتي حليفاتٌ لي، لن ينقلبنَ ضدّي لو فعل الجميع ذلك!"
رمقه تشانيول؛ يرفع شِدقه باسم الثغر بطلائع تشبّعت سُخرية، وهمس لنفسه.
"سترى بعينك أن لا أحد سيعاونك لو انقلبتُ أنا عليك جلالة الملك المُعظَّم!"
...
فَضَّ الملك المجلس في بلاطه الملكي، وغادره يقصد حرم الوزير جيون، وما إن وصل جمع حرسه، سيدات بلاطه، ومحظيّاته، خادماته، وغِلمانه، ليُحقق بأمر إختفاءه على نِطاقٍ أوسع.
كان جميع من في الحرم يقفون أمام الملك بصف أُفُقي؛ يخفضون رؤوسهم أمام المَولى.
"متى كانت آخر مرّة رأيتُم بها الوزير جيون؟!"
تحدَّث إحدى الحرس.
"مولاي؛ الأمس ليلًا رأيتُه يخرج من القصر؛ وهو يرتدي زيّ الحرس الجُدُد، كما رأيتَهُ يَعقِد على وجهه لِثامًا"
إقترب الملك من الحارس الذي قَدَّم إفادته وقال.
"هل أنتَ مُتأكد أن ذلك كان الوزير جيون؟!"
"مُتأكِّد مولاي"
غادر الملك حرم الوزير الأول، وسار إلى حرمه، وهناك جلس في إحدى الترّاسات وحيدًا، فلقد منع حاشيته عن اللحاق به، وامتنع عن قبول خدماتهم.
أين ذهب جونغكوك؟!
هذا فقط ما كان يُفكِّر به؛ خصوصًا أنه يدري أن جونغكوك شُجاع جدًا ومُغامر جدًا، قد يذهب للموت بقدمه وهو يعلم؛ فقط ليُلبّي لنفسهِ رغبة.
أين ذهب جونغكوك؟!
قد يكون خرج لتَّقصي عن أمرٍ سمع به، أو خرج للإستقصاء عن الحقائق من أفواه الناس، أو أنه خرج ليُخاطر بحياته مُقابل أن يحمي الملك وعرشه.
أين ذهب جونغكوك؟!
لن يُشكِّك به ولو رآه في عينه يخونه، لكن بما أنه الملك تعلَّم أن لا يثق بأحد ثِقة عمياء، فالقلوب مُصفَّدة، لا يعلم ما بها سوى أصحابها.
أين ذهب جونغكوك؟!
مهما جال وصال، ومهما ابتعد بتفكيره واقترب، ضَلَّ هذا السؤال ينخر دماغه، ويشوش تفكيره عن أي قضية أُخرى.
تنهد يُدلِّك صِدغيه بأنامله النحيفة؛ ثم أشار للرجل الذي يحمل إليه العرائض أن يأتي بها، عليه تأديه واجبه مهما كانت ظروف.
عريضة يُطالب فيها رافعها أن يقوم الملك بتولية من يقومون بتحقيق موسَّع لتبرئة اسم كيم سي ري، وهو رجُلًا نبيل اتُهم بالخيانة ظُلمًا وأُعدَم.
تأتيه مثل هذه العريضة كثيرًا، وعادةً ما يخبره الوزير جيون أن مثل هذه العريضة شأنها للمحكمة وليس شأن الملك، لكن هذه المرة الوزير ليس برفقته بينما يَطَّلِع على العرائض؛ لذا طبع عليها خِتمه ليتم بِدء تنفيذ التحقيق.
ثم عريضة أخرى يطالب بها رافعوها، وهم عدد من تُجّار العاصمة، يطالبون بالقبض على عصابة المُتمرِّدين لأنهم ينهبونهم.
خَتم على هذه أيضًا، لأن هؤلاء المُتمرِّدون قد تخطّوا الحدود في العصيان والتمرُّد، وبما أنهم أشاوس؛ فليتحمَّلوا قبضته التي من حديد عليهم، ثم لم يختم على أي من الأُخريات بعدها.
............................
كان الوزير جيون في فراشِه الوَثير ما زال نائمًا، فقد أمَرت القائدة هيريم أن يضعوه رِجالها في أفضلِ حُجرة في المَقر وأكثرهُنَّ تَرَفًا، وذلك ما انتهى بهِ الوزير جيون بالفعل.
إستفاق على ظُلمة وإنارة خفيفة تَأتي من بعض الشموع على الصولجان البعيد نسبيًا عنه بمسافةِ أمان، ضيَّق عينيه، وتحسَّس رأسِهِ في ألم قبل أن يقعد على الفِراش، يشعر أنه نام لأزيد من يوم، ولكثرِة ما نام يشعر بالإرهاق الشديد والصُداع يلتهم رأسه.
تذكر رويدًا رويدًا الأحداث، التي صارت قبل أن ينام، فأدرك أنه لم يَنَم بل أفقدوه وعيه مجموعة من المُلثَّمين، وفي هذه اللحظة من الإستيعاب؛ أدرك جونغكوك أن هؤلاء لا يُمكِن أن يكونوا سوى مجموعة من الخونة يتعاضدون بيد الأمير ضد الملك وحُلفاءه، أو هُم المُتمرِّدين الذي يلاحقهم مُذُّ سنين، فلا أحد خارج هاتين الفئتين يجرؤ على مثل هذا الفعل الشنيع.
نهض عن فراشه، وأطفئ الشمع من على الصولجان، ثم أفرغه وحمله؛ كسلاحٍ مؤقَّت ريثما يتمكّن من أحدهم ويستَلَّ سيفه.
وصل بحذر وخطوات كتومة إلى مَدخل الحُجرة، الذي يضعون عليه قِطعة قُماش دهماء وحَسب.
أبعدها سريعًا، وضرب رأس إحدى الحارسين بالصولجان قبل أن يقدر ان يتحرَّك الأخير للدفاع عن نفسه، استل سيفه سريعًا، وأراد أن يشرخ به صدر الآخر؛ لولا أنه تَصدّى لهُ سريعًا وصاح.
"الوزير استيقظ!"
ثم سُرعان ما تكاثروا الرِّجال بالسّاحة، لكن أحدهم لم يرفع سيفه لصدِّ سيف جونغكوك سوى الرَّجُل، الذي أقدم على مُهاجمته أولًا.
"من أنتم؟!"
صاح جونغكزك بغضب فيما يرفع السيف ناحيتهم لتصدّي أي هجوم، لكن أحد لم يُجيبه مٌذُّ الوهلة الاولى حتى شَقَّ صفوف الرِّجال ثلاثةِ أشخاص، رَجُلين فارعي الطول متناقضي اللون والسِّنحة تتوسطهم إمرأة حسناء ذات قامة متواضعة، وهي من تحدَّثت باسم الجميع.
"فلتهدأ حضرة الوزير، فكما ترى؛ لا أحد ينوي أن يَضُركَ في شيء"
نظر لها لبضع لحظات قبل أن يتسآل.
"وما الضمانة على كلامكِ؟!"
فغرت ما بين ذراعيها ونبست بنبرة هادئة مُسالمة.
"نِمتَ لاثنتا عشرة ساعة، كُنا نستطيع قتلكَ خلالها لو ترى، ولو كُنّا نحمل عليكَ الضغينة؛ لعاملناكَ كأسير لدينا، لما كنتَ ستستيقظ في فراشٍ وثير ودافئ سيدي"
إنحنت له ففعل من بعدها الجميع إبداءً للإحترام، أخفض جونغكوك السيف ووقف بإستقامة فقد شعر بالأمان، ثم بعدما إزدرئ جوفه الذي جَفَّ قال.
"من أنتُم وما الذي تعرفونه دونًا عنّا بشأنِ الملك؟!"
أقامت هيريم جذعها ففعل من بعدها أخويها والرجال أجميعن، تَبسَّمَت وهمست.
"بالتأكيد أنت الآن جائع، دعنا نتحدث بينما نحصل على إفطارِنا"
نظر لهم جونغكوك بعينٍ شكّاكة فنبس سيهون.
"لا تقلق سيدي، سنتذوق الطعام أمامكَ لو أردتَ"
"تذوّقه أنت، لن أُمثِّل دور كبش الفداء، هذا لا يليق بي كما تعلم"
سيهون رمق أخاه بعينٍ حارّة ونبس.
"أصمت أنت!"
أشارت هيريم للوزير تقول.
"تفضَّل سيدي من هُنا"
إحتفظ جونغكوك بالسّيف، وسار رِفقةِ الفتاة المُسترجلة كما يرى، ضمَّت أربعتهم طاولة طويلة، جلس عليها الأخوة الثلاث متجاورين، وقِبالتهم الوزير وحيد.
نظر جونغكوك للرجل الشاحب بينهم، وقد إلتقم من كل صحن لُقمة من الصينيّة أمامه، ثم سحب الصينيّة التي أمام جونغكوك وبادلها بصينيّته، ثم نظر إليه يقول.
" إن إطمئن قلبك لا تجوِّع نفسك، كُل طعامكَ رجاءً سيدي"
حمل الوزير عيدانه، وراح يتناول الطعام بهدوء؛ والذي إستطاب له كثيرًا، فاليد التي أعدَّته ماهرة بلا شك.
بعدما إنتهوا من الطعام؛ دخلن بعض النسوة لحمل الصحون خارجًا، وأُخرى كانت تحمل قدح الشاي وبعض الأكواب على صينيّة، وضعتها على الطاولة وغادرت مع النسوة، تلك كانت جاهي.
رفع الوزير ذراعيه يتّكِز بهما على الطاولة ثم قال.
"الآن، اجيبوا عن سؤالي، من أنتم؟!"
نظر الثلاثة في بعضهم، ثم كلا الشّابين أومئ للفتاة التي تتوسّطهما فقالت.
"نحنُ جماعة المتمردون كما تعترفون بنا حضرة الوزير"
إرتخى الوزير بظهره على الكرسي رغمًا عن أعصابه المشدودة، والموقف العصيب الذي هو عالقٌ فيه.
"وتملكون الجُرأة أن تخطفوني وتقدِّموا بين يدي رسالة مكذوبة؟!
ألستم خائفين بعدما رأيتُ وجوهكم؟!"
كان ينظر لهم الوزير عاقد حاجبيه ومستاء إلى أقصاه، ولكن هيريم على عكسه كانت ذات مزاج ليّن وتحدَّثت.
"نحنُ إختطفناك لإنقاذك، وما قدَّمنا لك رسالة مكذوبة"
ضرب جونغكوك الطاولة بينهما بعصبيّة ونَبَس.
"ما الذي تحاولين قوله أنتِ يا امرأة!"
وقف جونغ إن بعصبيّة.
"لا تتحدث مع أُختي بهذهِ الطريقة أيها الوزير الأحمق!"
شَدَّت هيريم ثياب جونغ إن ليصمت، لكنه إنتزع نفسه منها، وبرر نفسه بعصبيّة يقول.
"ألا تَرينه كيف يتحدث؟!
بدلًا أن يشكرنا لإنقاذ حياته يُقدِم على إهانتِنا، وفوق ذلك يظن أن لهُ اليد العُليا في مَقرِّنا، نحنُ الأسياد هُنا وليس هو"
وقف سيهون يقصد أخوه وقال بملامح صمّاء.
"إن كُنتَ ستستمر في عبثك اخرج!"
رفع جونغ إن يده نحو أخيه وقال يرفع حاجبيه.
"أتُريد صفعة قبل ذلك؟!"
وقفت هيريم ثم جذبت أخويها من أكتافهم ليجلسوا، تنهدت بينما كلاهما يتبادلا العُنف بأعينهما، تنهدت هيريم وقصدت الوزير في حديثها.
"أنتَ لا تنوي تصديقنا، لكننا نملك كُل الدلائل التي تُثبِت صِحّة كلامنا"
نهضت هيريم لتقوم بفتح خَزنة حديديّة راكنة في إحدى زوايا الحُجرة الفسيحة، حملت منها صندوق وعادت، قدمته للوزير ثم قالت.
"يمكنك الإطلاع على محتواه، ثم أنت ستصدقنا بلا شك"
فتح الوزير جونغكوك الصندوق الخشبي ونظر في محتواه، أوراق، عرائض، بعض الرسائل، وكتاب.
رفع بصره لهم وقال.
"وما الذي يثبت لي أن هذا ليس من تدبيركم؟!"
أجابه جونغ إن.
"ختم الأمير تشانيول عليه، لذا كُفَّ عن التشكيك بنا يا رجل!"
"أمهلوني بعض الوقت"
أومأت هيريم ونهضت يتبعها سيهون، وجونغ إن الذي نهض عندما صفعت ظهره، فهو ينوي أن يبقى جالسًا يرمق الوزير بوقاحة هكذا.
وقف يتذمّر بينما يتبعها.
"لا تضربيني، أنا أخوكِ الكبير، ألا يوجد إحترام للكِبار؟!"
خرج ثلاثتهم وبقيَّ جونغكوك عالقًا مع هذا الصندوق لأزيد من ثلاث ساعات وهو يدرس محتواه، وما كان يخرج من صدمة إلا ليدخل في إخرى.
إنها جرائم كثيرة مُرتكبها الأمير تشانيول، رشاوي للوزراء، ولذوي المَحظيّات ذوات الرُّتَب العاليّة في الحرم الملكي، كذلك للحُكّام، ورؤساء الشُرطة، وكِبار التُّجار، والكثير من قادة الجيش.
كما وجد جرائم قتل بحق الكثير من النبلاء الذين عصوا أن يثوروا ضد الملك، فقتلهم واتهمهم بالخيانة وباع أُسرَهم، مُعظم الاسماء ليست غريبة عليه، لقد رُفِعَ بهم عرائض للملك.
وخُطط مُستقبلية لإغتيال عدد كبير من قادة آخرين للجيش، بعض التُّجار الكِبار، حُكّام، ووزراء، واسمه ضمن القائمة.
يبدو أنه يقدم من بصفه ويقتل من بصف الملك.
أغلق الصندوق بعدما قرأ كل ما فيه ودرسه جيدًا، لا يمكن أن يكون هذا مغشوشًا، فهذا ختم الأمير على الأوراق، والتي تتميز بجودتها العالية، التي لا تتوفر للناس العاديين حتى لو كانوا ذوي شأن كبير في البلاد.
تلحَّف جونغكوك بالإرتباك، وراح يجيء ويذهب في ضيق، فلقد ضاق صدره وانشغل باله، والخوف يأكل صلابته.
لا يخشى على نفسه، بل يخشى على الوطن وحاميه، يوان إمبروطوية المَغول الصينيّن، لا يُمكِن أن تُهزَم هذه المملكة العظيمة على يد هؤلاء السُفهاء.
ما العمل الآن؟!
.....
حَمَلت جاهي الطعام لها ولأخيها المُنهَك بالتدريبات المدنيّة؛ تحضيرًا للمُهِمة المجبور على تأديتها، كما حال الكثير من المُتدرِّبين معه.
ما إن رأى تايهيونغ أخته قادمة إليه حتى عَلَّق السيف بخصره، وتقدم منها مُترهِّل الكتفين، استفردا بالتلّة قُرب فوهة الكهف لتناول الطعام.
نظرت جاهي إلى أخيها يلتقم اللُقم بجوع شديد، وقد كسى الأسى والأستياء ملامحها لأجله.
"تبدو مُتعبًا، هل أنت بخير؟!"
نظر لها تايهيونغ وتمهَّل في علكِ الطعام بين أضراسه.
"بخير، تعلمين أنّي شَرِه"
تنهدت، واستقبلت من يده لقمة إلى فاهها، رُغم المَشقّة التي يتكبدها، حبّات العرق تلمع على جبينه، ومخائله الفاخرة مُغبرّة؛ وكأن كل دهور التشرُّد مرّت عليه، جروح على يديه، وفي وجهه، وعلى سائرِ أركان جسده، لكنه رغم ذلك ما زال قادرًا أن يبتسم في وجهها كأحمق.
مسحت على وجنته تزيل آثار الفحم عنه تقول.
"تحمَّل قليلًا بعد، ما إن ندفع ديننا لهم سنغادر معًا ونبني لنا حياة جديدة وآمنة، لا أظن أن الأمر سيطول، فلقد أقدموا على خطف الوزير جيون بالفعل!"
أومئ تايهيونغ وقال.
"أعلم، رأيتهم يدخلونه"
ربَّتت جاهي على كتفِ أخيها واسترسل كلاهما بإلتقام اللُقم لسدِّ جوعهما.
هيريم كانت تُراقبهم من بعيد دون أن يشعروا، أنهما يشعرانها بالحنين لتلك الأيام السالفة رغم العناء والمشقّة التي تكبدتها في ذلك الوقت.
آتى سيهون إلى جانبها فيما يشتم جونغ إن العابث، ثم أحاط كتفّي أخته بذراعه يقول.
"ماذا تظنين أن الوزير سيفعل؟!"
"سيتحالف معنا بلا شك"
رمقها يرفع حاجبًا من إستنتاجها بعيد المنال، الذي بدت واثقة من صِحَّتِه.
"وما الضمانة؟!"
نظرت إلى أخيها بزاوية عالية حتى طال بصرها وجهه، ثم قالت تبتسم إبتسامة إنتصار.
"إنَّهُ مُغامِر مجنون، قد يفعل أي شيء في سبيل الملك، ولو كان عبر سلوك أعوج كالتّعاون معنا"
أومئ سيهون يبرم شفتيه فيما يفكّر بكلامها، هذا الوزير مُغامِر بلا شك حقًا، وإلا لما أتى بنفسه مُلبّيًا الدعوة في الرسالة، التي وصلته عبر سهمٍ جارح من طرفٍ مجهول.
"أتمنّى أن يحدث ذلك حقًا"
..........
كانت الأميرة رايناه؛ أُخت جلالة الملك؛ تَقِف ليلًا وبالخفاء قُرب أساور الحرم، الذي لا يُسمَح لها بتجاوِزه بأمر من زوجها؛ الأمير تشانيول.
كانت قد أرسَلت خادمتها المُخلِصة مُتسلِّلة وبسريّة تامّة إلى حرم الملكة ناري؛ لتُبلِّغُها بنوايا زوجها الأمير تشانيول بما يتعلَّق بالأميرة بيكهي، لأخذ الحيطة والحذر فيما يتعلَّق بهذا الأمر.
فهي تتحمل أذيّة زوجها؛ بما أنه لا فِرار لها منه إلا بالموت، لكنها ستفعل ما تستطيع عليه، لأجل ابنة أخيها وسعادتِها وسلامتِها.
لكنها شهقت، وارتعدت أوصالها عندما رأت زوجها تشانيول يَشُق الظلام بجسده، يحمل بيده سيفًا يُقطِّر دماءً وبيده الأُخرى يحمل رأس خادمتها المذبوحة من شعرها.
سقطت رايناه أرضًا لهول ما تراه، ثم صرخت بهستيريّة، ونهضت مفزوعة حينما ألقى برأس خادِمتها في حِجرها.
راحت تركض الأميرة بين أسواره وهي عالقة في حالة هيستيريّة من الخوف، وهو يتبعها أينما ذهبت بينما يحمل سيفه، يُطاردها بخطوات خاملة وهي تركض في الدائرة نفسها بفزع.
"أخبرتُكِ ألف مَرَّة أنَّكِ لن تقدرين عليّ"
ضرب الشجرة بسيفه فسقط منها غُصن، وما زال يتبعها وما زالت تصرخ بفزع، لكن صوت صياحه طَغى.
"هل تُريدين أن أُنهيكِ كما فعلتُ بها؟!"
................
يُتبَع...
الفصل الثالث "بِدء التنفيذ"
الرواية التاريخيّة "العَنقاء"
..........................
سلاااااااااااام
طبعًا خلوني أكون واضحة بخصوص شغلتين:
1.الرواية فيها أكثر من قصّة حُب، لكن حاليًا في قضايا أهم من الحُب.
2. ما رح أتهاون مع الشرط، ما تحقق ما في بارت.
الفصل القادم بعد 80 فوت و كومنت.
1.رأيكم بالوزير جونغكوك؟ حادثة إختطافه؟ إصطدامه بالواقع؟ هل هو شجاع مغامر أم أحمق برأيكم؟!
2. رأيكم بالملك وردة فعله على إختفاء الوزير جيون؟! ما الذي سيفعله؟
3. رأيكم بالثُلاثي؟ تعاملهم مع جونغكوك؟ وما الخطوة التالية؟
4.رأيكم بتشانيول؟ تعامله القاسي مع رايناه؟ ما الذي سيفعله بها؟!
5.رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟!
دُمتُم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
Коментарі