ما قبل الإحتراق
CH1||سياسة التَّمرُّد
CH2||الملك أيضًا أب
CH3||بِدء التنفيذ
CH4||كرامة الملك
CH5||تأثير الفراش
CH6||اسم الملك
CH7||الإمبراطور
CH8||نِصف قمر دموي
CH9||على حافة الهاوية
CH10||العرش يهتز
CH11||عصر من الظلام
CH12||قلبي يتمزَّق
CH13||جِراحُ المَلِك
CH14||العنقاء إحترق
CH15||شرانق عواطف
CH16||إبنة الكهوف
CH17|| الحب في سيماءه
CH18|| القلوب تبكي
CH19||الحيرة والحب
CH20|| المُفارقات
CH21|| البطلة
CH22||سيّدة التَّفرُّد
CH23||شُعلات حُب وحرب
CH24||كش ملك
CH25||خيبة
CH26||الحُب والحرب
CH27||ساعة الحِساب
CH28||عجز
CH29|| مُنكسرة الفؤاد
CH30||زمهرير
CH20|| المُفارقات
بيون بيكهيون (إمبراطور إمبراطورية اليوان الصينيّة المَغوليّة)

بطل:

العنقاء|| The King's Return

"المُفارقات"

...

لم يَكُ جونغكوك يدري كيف يتصرَّف بعدما حصل، مشاعرٌ شَتّى تَغمُرُه، سعيد وبنفسِ الوقت تعيس، خائف وغاضب، ولا يدري كيف يتصرَّف.

لطالما أراد بيكهي أن تكون إمرأته؛ لكنَّهُ أبدًا لم يَجرؤ أن يطلب ذلك من الملك، لم يَجِد نفسه يستحق الأميرة، ولا هو في مقامِ الملك ليُصاهره.

لوهلة؛ لِثُلَّة من اللحظاتِ فقط؛ ظنَّ أن حُلمه البعيد أصبح في منالِه، حينما قال الملك أنَّهُ سيزوِّجهُ الأميرة سُعِد لبضعِ لحظات حتى قال أنَّ الأميرة، التي سيُزوجها أياه الملك، ليست الأميرة، التي أرادها.

شعر أنَّ كُلَّ أحلامه وطموحاته تحطَّمت في محضِ لحظة، شعر باليأس والبؤس والأسف؛ لكنَّهُ لم يعترض على أوامر الملك، لا يجد نفسه أهلًا لذلك.

وسابقًا حينما رأى الأميرة، التي لطالما تمنّاها، في خيمته، وبطريقة ما؛ باتَ واضحًا أنَّها زوجتِه؛ غمرتهُ اللحظة، وأنستهُ نفسه، وأفقدتهُ رجاحتِه؛ لم يكن سعيدًا في حياته كما كان في تلك اللحظة.

قبَّلها كما تخيَّل تمامًا، ولكنَّ الشعور، الذي راوده في تلك اللحظة، فاق أي شعور تخيَّله، لقد كان ألذ من كُلِّ الخيال جمعًا، وأجمل واقع يعيشه طوال حياته.

لكن... ماذا يفعل الآن؟!

أيُعيدها ويثبت ولاءه للملك وإن كان الثمن حياتها، أم يُبقيها معه يحميها ولو كان الثمن لاحقًا حياته؛ ماذا يفعل؟!
لا يدري.

طَلَعَ الصُّبح وهو يجلس فوق صخرة قريبة من الخيمة، لم تغمض له عين إطلاقًا، يُفكِّر ويُفكِّر ويُفكِّر ولم يتوصَّل إلى أي حل بعد، ما زال لا يدري ماذا عليه أن يفعل.

بدأت الحركة بين الناس في قافلتِه، فسوف يجهزون الطعام ثم يكملوا رحلتهم؛ لكن إحدى النساء أتت مُسرِعة إليه ووجهها مُصفَر.

"سيدي الوزير!"

وقف جونغكوك يعقد معالمه في قلق.

"ما بالك؟!"

إزدرئت المرأة جوفها في قلق ثم ردَّت.

"الأميرة ليست في خيمتها، ولا أجدها في أي مكانٍ آخر!"

"ماذا؟!"

أومأت السيدة ثم جونغكوك ركض نحو الخيمة يُفتِشها فيما تتبعهُ المرأة، وبالفعل هي هربت، وقف في الخيمة يتخصَّر بيد والأخرى شدَّ بها شعره بعصبيّة.

لِمَ هربت؟!
ألأنَّهُ رفض طلبها بالأمس أم لأنَّها تخاف أن يُعيدها لأبيها فيقتُلها؟!

"اللعنة!"

أخرج سيفه المُعلَّق على خصرِه، وخرج من الخيمة يهتف بالرِّجال.

"أيُّها الرِّجال؛ الأميرة هربت وعلينا أن نَجِدها سريعًا، عليها أن تعود سالمة بلا أن يَمسِّها أيُّ ضُر مهما كلَّفنا الأمر؛ مفهوم؟!"

هتفوا جميعًا بصوتٍ واحد.

"مفهوم!"

"قسِّموا أنفسكم لثمانيّة فرق وكل فرقة تذهب بإتجاه، والنِّساء إستمررن فيما تفعلنه، علينا الإنطلاق فورما نجدها"

"مفهوم سيدي!"

هتفن النِّساء والكل إنتشرَ نحو عمله، وأما جونغكوك فصعِدَ صهوة حِصانه ثم انطلق به بحثًا عن الأميرة.

الأحراشُ كثيفة تتخبّأ بينها حيوانات مُخيفة، لا يدري كيف إمرأة تعوَّدت على الدلال أن تتجرأ وتهرب إلى هذه الأحراش المُرهِبة.

لا يدري متى خرجت فلا يدري كم إبتعدت، ولكن يرجو ألا تكون قد إبتعدت كثيرًا.

فجأة سمع صوت صرخةٍ أُنثويّة من خلفِه فتتبَّعها، وإذ بها الأميرة بيكهي يكاد يُهاجمها دُبٌ صغير.

سُرعان ما أطلق عليه جونغكوك سهمًا من كِنانتِه فأصابه، وانخفض يُمسِك بعضدِ بيكهي يساعدها على النهوض، وما إن وقفت رفعها من خصرها وأجلسها على الحِصان أمامه.

كانت ترتجف بين يديه وتبكي، ثيابها قد إتسخت وشعرها أصبح فوضويًّا؛ ولكن رُغمَ الحالة المُقلِقة والمُشفِقة التي هي عليها؛ جونغكوك لم يتحدَّث إليها ولو بِحرف، ولم يُكلِّف نفسه عناء السؤال عنها؛ فهذا سلوكٌ صبياني ومُستهتِر لا يصدُر عن أميرة إطلاقًا.

عاد بها إلى موقع التخييم، ترجًّلَ أوَّلًا ثم حملها من خصرِها فيما تستند على كتفيه حتى أصبحت آمنة على الأرض.

نظرت في عينيه بذنبٍ وخوف، تدري أنَّ ما فعلتهُ لم يَكُن صحيحًا؛ لكنَّها أرادت أن تضغط عليه بقدرِ ما تستطيع؛ ليحتفظ بها ويُحقِّق مطالبها.

لكنَّهُ لم يمنحها الإهتمام، الذي تتوسَّلهُ عيناها، ولم يوجِّه لها ولو كلمة مهما كانت، لم تلتقي عيونهما حتى، بل جونغكوك أشاح عنها وأدبر دون أن ينبس بحرف، لا حاجة له أن يوبخها، تعلم جيدًا أنَّها مُخطئة.

أتتها إحدى السيدات وأخذتها إلى خيمتها؛ فالرحلة لن تتوقَّف على هذا الحد، هُم خرجوا بِمهمَّة وعليهم تنفيذها مهما حصل.

بدَّلت ثيابها وتناولت الطعام، ثم صعدت هودجها فالمسيرة سوف تنطلق قريبًا.

تحرَّكَ هودجها أخيرًا بعد إنتظار دام لساعة، كان الهودج في المُقدِّمة؛ يتقدَّمهُ بِضعةَ فُرسان يقودهم جونغكوك.

لكن بيكهي فكًّرت أن الأمور لن تنتهي إلى هذا الحد، ستضغط عليه بطريقة ما مُجدَّدًا حتى يُحقِّق مَطلبها ويسمح لها أن تكون زوجته.

...

وعلى غِرار ما يحدث مع بيكهي وجونغكوك؛ فجونغ إن بدى مُصِرًّا أن تعود الأميرة جيهان إلى مَقرِّ الجماعة، وليُقرِّر والدها ما سيفعله بشأنِها مهما كان؛ هو لن يتحمَّل المسؤوليّة أبدًا حتى لو قرَّرَ الملك أن يقتُل إبنته، فرُغمَ أنَّهُ يستبعِد هذا الإحتمال لكنَّهُ ليس من شأنِه.

كان جونغ إن يُجهِّز موكِبًا ضيّقًا للأميرة كي تعود إلى المَقر، ثم نادى على أونو فأتاه.

"اسمع أيُّها الفتى"

إنحنى له أونو.

"تفضَّل سيدي القائد!"

"أنتَ ستتولّى مهمة إرجاع الأميرة إلى المَقر عند والدها، وستتحمَّل تبعات ذلك، إن تأذَّت سيقتُلكَ أبوها؛ تفهم؟!"

إزدرئ أونو رمقه وأشار إلى نفسِه بخوفٍ يقول؛ فهذهِ مسؤوليّة عظيمة وهو لا يقدر أن يتولّاها.

"لكن لِمَ أنا سيّدي؟!"

تبسَّم سِنُ جونغ إن ساخرًا وقال.

"ألستَ الذي أمَّنكَ الملك على إبنتِه؟!

إذًا أنتَ المسؤول عنها، هذهِ ليست مسؤوليَّتي!"

شعر أونو بأنَّهُ ليس حملًا لهذهِ المسؤوليّة الكبيرة على عاتِقه، كيف سيحمي إبنة الملك وهو لا يقدر على حمايةِ نفسه حتى؟!

أراد أن يحتَج؛ ولكن جونغ إن رفع كفَّه يرفض الإستماع له ويرفض أن يعترض، ثم أدبر.

تنهد أونو ووجد نفسه مُحاصرًا بين أوامر الملك وأوامر القائد، بين القائد، الذي يأمره بالعودة، والملك، الذي أوكل إليه مُهِمَّة تجسُّس.

إكتمل الموكب وأصبح جاهزًا للتحرُّك، ولكن الأميرة جيهان ترفض الصعود في هودجها حتى أن إحدى النساء ذهبت تشكوها للقائد، حينها نظر لها من فوق حِصانه واقترب منها، حيثُ تجلس على الأرض.

"استمعي؛ نحنُ ذاهبين بِكُل الأحوال ومُغادرين، ولا يُهمني لو بقيتِ هُنا وحدكِ!"

كانت تجلس أرضًا وترفع قدميها إلى صدرها وتبكي، ثم حينما تحدَّث هكذا رفعت عيناها إليه، عيناها حمراوتان كالجمر، لم تشعر بمثلِ هذه الإهانة طيلة عُمرِها.

لطالما كانت أميرة أوامرها مُجابة، والجميع يستمع إليها، لكنَّها الآن تشعر وكأنَّها عِبئ ومُجرَّد حُثالة لا أهميّة لها.

تحرَّكت قافلة جونغ إن وهو يَقودها دون أن ينظر خلفه إليها، كانت ترمُق موكبه ودموعها تنساب بلا حسيس، عيناها حمراوتان لكثرةِ ما بكت، وهو لم يَهتم؛ هي لم تُحِب هذا الرَّجُل أبدًا.

إقترب منها أونو بعدما رآها في تلك الحالة اليائسة والسيئة، إنحنى لها ونبس.

"مولاتي!"

لم تُحرِّك ساكنًا ولم تُجِبه فقرَّرَ أن يتصرَّف كما تُملي عليه أحاسيسه؛ لذا إنحنى يجلس على قدميه قُربِها فرفعت حينها رأسها إليه، مدَّ لها يده ونبس.

"مولاتي؛ إشتري كرامتك وبيعي حُبَّكِ، أنتِ أولى بنفسكِ بكِ!"

تكاثرت دموعها وازدادت فابتسم وقرَّبَ يده منها؛ يحُثَّها على التَّمسُّك به.

"لا بأس لو بكيتِ سموَّكِ، البُكاء يغسل النفس من الداخل"

وضعت يدها بيده واستقامت، فانحنى لها وساعدها لتُدرِك الموكب، وقبل أن تصعد الهودج قال.

"نحنُ سنتبعهم، لا يمكنهم إكمال المَهمَّة دونك، أنتِ أهم شخصيّة في القافلة، ولا يمكنهم إثبات صِدقهم دون تواجدك، لا تقلقي؛ لن نعود للمولى!"

مسحت دموعها وهمست.

"أخشى أن يرفض القائد وجودي"

"ولو رفض؛ أنتِ الأميرة وعليكِ أن تفرضي نفسكِ عليه وعلى كُل من يستهين بكِ، أنتِ لستِ تحت سُلطة القائد؛ تذكَّري ذلك مولاتي!"

أومأت الأميرة لأونو؛ حينها تبسَّم وقال.

"من فضلكِ اجعلي الرجال يتبعونهم؛ فهُم لن يستمعوا إلي وسيستمعون إليكِ"

أومأت أن حسنًا ثم تقدَّمت من الرِّجال تقول.

"نحن سنتبع القائد جونغ إن"

إعترض أحدهم وقال.

"ولكنَّنا نحمل أمرًا منه بأن نُعيدكِ إلى المقر سموًّكِ"

قبضت حاجبيها في أستياء وبانت عليها الحِدّة؛ إذ قالت.

"وهل يبدو لكم أنَّني هنا كمالة عدد؟!

لن تكتمل المُهِمة ولن يصدق أحد قائدكم إن ما كنتُ معه، أنا دليلكم في هذهِ المُهِمّة؛ فكيف تتخلّوا عني؟!"

اخفض الرجال رؤوسهم بإرتباك؛ هي مُحِقَّة، ولكنهم في نفسِ الوقت يملكون أوامر صارمة بإرجاعها إلى المَقر؛ تنهدت حينما قرأت عليهم الحيرة واتبعت.

"لا يحتاج الأمر لكلِ هذا التفكير، أنا الأميرة وأوامري تسير، رضى من رضى وأبى من أبى؛ تفهمون؟!"

تبادل الرِّجال نظراتٍ مُرتبكة، ثم اخفضوا رؤوسهم في طاعة.

"أمرُكِ سموّك!"

نفثت أنفاسها بتكتم في راحة، تزفر توترًا وخوفًا، لم يُسبق لها أن كانت في موضع إلقاء أوامر وتسيير مسيرة كبيرة كهذهِ.

صعدت في هودجها ثم تقدَّم حصان أونو هودجها يهتف.

"علينا أن نلحق بهم بِسُرعة!"

تنهَّدت جيهان فيما تنظر للخارج، هذه المرة عليها أن تواجه القائدة بِصفتِها أميرة وليس فتاة معلولة بِالحُب.

...

بعدما قام تشانيول بجلدِ المحظيَّتين؛ اللتين كانتا في خلوة معه لِليلتين مُتتاليَّتين بدأت تنتشر الأقاويل أكثر، وبدأت تنتشِر الشائعات بين أفراد الشعب كالنّار في الهشيم.

الجميع يتحدَّث أن الملك ضعيف جنسيًّا؛ أي أنَّهُ ليس رَجُلًا، والأسوء من ذلك أنَّهُ لن ينجِب للمملكة وريث، وهذا سيجعل العهد الذي يتبعه مليء بالحروب والصراعات؛ فالجميع سيحاول السيطرة على السُّلطة، ولن تكون الضحيّة لعجزِه سوى أبناء الشعب.

وتلك الأقاويل كانت جُزء جونغداي وايشينغ من الخُطَّة، فدور الملكة رايناه أن تضع له في شرابِه الكحولي دواءً يجعله عاجز جنسيًّا لبعضِ الوقت، ودور جونغداي وايشينغ أن ينشروا الشائعات.

والدور الموكَّل إلى المحظيات -دون علمهن- أنهن سيتحملن العذاب، وسيكونن الوسيلة التي تَنزع العلاقة بين الملك والطبقة النبيلة؛ وهكذا تتخلَّى عنهُ أهم طبقة في المُجتمع، وذلك بالتأكيد سيُضعف موقفه، وسيُسهِّل نزعه عن مكانِه لاحقًا.

ليلًا؛ إلتقت رايناه بجونغداي وايشينغ سِرًّا، وأخبرتهم أنَّ ما أرادته حدث، إذ كانت تترأس طاولة خشبيّة وعلى جنبيها يجلسان الرجلين.

تحدَّثت بقوّة وملامحها قاسية، هذهِ القسوة أتت بعد الكثير من المُعاناة، الضعف، والخسارة؛ إذ أجابت جونغداي حينما سألها.

"كيف خطرت لكِ هذهِ الفِكرة مولاتي؟!
أقصد هذه فكرة عبقريّة لتحريض الطبقة النبيلة على الملك تشانيول!"

"أنا أعرف زوجي عِزَّ المعرفة أيُّها الوزير، وأعرف ما الذي يجعله يفقد عقله؛ لأنَّهُ دومًا ما تفاخر بفحولتِه وقُدراتِه الجنسيّة.

كان يجمع محظيّات أكثر من الملك، وعلى عكسِ الملك؛ يبيت مع جميعهن.

بالنِّسبةِ له المحظيّات نوعًا من الرفاهية، وليس آصرة سياسيّة، يسعى ليتمتع بهن جميعًا دون أن يكرمهن، على عكس أخي؛ لقد مَلَكَ الكثير من المحظيات، وأكرمهن جميعًا، وعاملهن بعدل رغم أنَّهُ لم يرى وجوه مُعظمهن."

وافق الرَّجُلان بإيمائة، حينها نهضت رايناه عن الطاولة تنفث نفسًا وقالت.

"على الناس، الذين نصروا تشانيول على أخي، أن يعلموا أن تشانيول لا يَصلُح كحاكم، وأنَّ الملك، الذي باعوه، هو من حكمهم بالطريقة الأفضل ولو كان مُخطئًا في بعضِ الأمور، لطالما حاول الإصلاح"

"معكِ حق مولاتي!"

إلتفتت رايناه لهما وأمرت.

"عليكما أن تقوموا بدوركم في المُهِمَّة على أكملِ وجه، أيُ خطأ قد يضع رِقابنا على المِقصَلة!"

إنحنى كلاهما لها بطاعة.

"أمرُكِ مولاتي!"

أومأت رايناه، ثم وضعت عباءتها على رأسها وغادرت.

حينما وصلت إلى الجناح وجدت تشانيول فيه، يجلس على طاولةِ الطعام بإنتظارِها، يشرب الخمر ويبدو أنَّهُ ثَمِل.

شهقت حالما رأته وشعرت بحرارة عظيمة تنتشر في جسدِها وتحرُقه.

"تشانيول؛ ماذا تفعل هنا في مُنتصفِ الليل؟!"

رفع عيناه إليها وهمس في غضب.

"مولاكِ للمرة الألف!"

صرخ ورماها بقدحِ الشراب، وهي تحاشته بشهقة.

نهض من مكانه واقترب منها، كانت تتراجع عنه؛ لكن إلى أين ستهرُب، لا مفر منه أبدًا.

أمسكَ بِخُصلِ شعرها وشدَّها بقوّة فصرخت وتمسَّكت بكتفيه تقول في رعبة.

"ما بالك؟! لِمَ تُهاجمني؟!"

"أين كُنتِ؟!"

إزدرئت جوفها في خوف، ماذا تقول؟!
لم تحسِب حسابًا لهذا الموقف.

إجتذبها من شعرِها بقوة وارتفع صُراخه على صُراخها.

"أين كُنتِ يا رايناه؟!"

دارت عيناها في محجريها تحاول تأليف كذبة حتى إبتدعت.

"كنتُ أجلس على التِرّاس فوق البُحيرة"

إنخفضت نبرة صوتِه قليلًا وقال.

"وماذا كنتِ تفعلين هناك؟!"

إزدرئت جوفها وتضاربت أنفاسها فيما تُجيبه.

"لا شيء مُهِم صدِّقني؛ كنتُ أُراقب البَط فقط!"

أفلت شعرها وأخذ يضحك، نظرت إليه مرعوبة من سلوكِه هذا، لم يسبق له أن كان بهذا الجنون معها إطلاقًا.

إلتفت لها وقد هدأت ضحكاته.

"وهل تُظنّي أنّي أُصدِّق هذهِ التُّرَّهات حقًا؟!"

إزدرئت جوفها في قلق وأومأت، ثم تحدثت تتوسَّل.

"تشانيول عزيزي؛ وماذا سأكون أفعل إذًا؟!
أنت تعلم أن ليس بيدي حيلة على شيء، ولا أفهم لِمَ دومًا تَشُكَ بي!"

إستنكر.

"عزيزيك؟!"

دنا منها فيما يومئ، وحينما أدركها جعل رأسها بين راحتيه وجعل جبهتِه ضِدَّ جبهتِها.

"نعم؛ أنا عزيزيك وحبيبك وزوجك وكل شيء؛ ألستُ كذلك؟!"

أومأت له فيما تُمسِك بتلابيب قميصه.

"أنتَ كل شيء بالنِّسبةِ لي، وأنا أُحبُكَ جيّدًا!"

تبسَّم وأومئ، ثم دفع بها نحو السرير، وبينما ترمقهُ بفزع صعدها، وكبَّل يديها على الفراشها يُثبِّتها.

نظرت إليه وهي تبكي وقالت.

"أرجوكَ لا تتصرَّف معي هكذا، أنا زوجتك وحبيبتك!"

"أنتِ فعلًا حبيبتي وزوجتي؛ ولهذا السبب بالتحديد أُريد أن يكون لي وريث لعرش المملكة منكِ، أُريد أن تُنجبي لي صبيًّا يا رايناه؛ تفهمين؟!"

لم تقل شيئًا، ولكنَّهُ لم يهتم، ودنا إلى أُذنها ثم همس فيها.

"ولا تظني أنني لن أقدر أن أسقي زهوركِ هذهِ المرَّة، أنا لم أشرب من الخمر، الذي وضعتِ به الدواء يا ملكتي!"

تطلَّعت إليهِ مشدوهة وهو ضحك.

"أيُ دواء؟! ما الذي تتحدَّث عنه؟!"

تبسَّم ثغره ورفع يده ليتحسَّس نبضاتِ قلبها المجنونة، أشار إلى قلبها وقال.

"هذا يقول ما الذي أتحدث عنه، كوني شاكرة أنَّني أُحِبُكِ وإلا لغزى السيف عُنقك بدلًا من شفتيّ"

طبع على رقبتها قُبلة ثم ارتفع ليهمس بأذنها.

"لكنني سأحرص أن يقطع السيف رِقاب معاونيكِ فورما أعرفهم يا حبيبتي!"

أغمضت عيناها حينما شعرت بقبضتيه تُمزِّقان الثوب؛ لقد ملكت أملًا أنها تستطيع جعل كل شيء في موقعِه الصحيح ولو كان الثمن حياتها؛ لكنَّها واثقة أن ما فعلته سيأتي بِأُكله.


...



في الصباح الباكِر؛ خرج تشانيول من جناحِ زوجتِه الملكة رايناه. صحيح أنَّهُ رآها وهي في أضعفِ حالتِها؛ ولكن ذلك لم يُشفي غليله قط. يدري جيدًا كيف يُعاقبها، إنَّها أكثر ما تكرهُه أن تتعرَّض للإهانة في فراشِه، وهو يتعمَّد هذا الأسلوب ليُعاقبها؛ إنَّهُ أفضل من ضربِها بكثير.

لقد تركها تبكي خلفه، ورُغمَ ذلك لم تعترف أنَّها الجانيّة، ولم ترضى أن تعترف على أحد من معاونيها مهما ضغط عليها، عليه أن يعترف أنَّها أصبحت أقوى من ذي قبل.

حينما كان في جناحهِ يُفكِّر بِعُمق كيف يعجز بدنيًا بهذهِ الطريقة المُحرِجة عَلِمَ أنَّ ثمَّةَ أحد يُحيكُ عليه مكيدة، الغرضُ منها تشويه سُمعته، وتخويف الشعب بشأنِ الوريث.

ورُغمَ أنَّهُ فكَّرَ كثيرًا وعميقًا لم يحزر من ذا الذي قد يجرؤ أن يفعل به شيئًا كهذا سوى رايناه؛ فلو مَلَكَ في القصرِ ألف عَدو، وحدها من قد تتجرّأ وتُقدِم على هذا الفعل؛ لأنَّها تعرف جيدًا أنَّهُ لن يقوم بقتلِها مهما فعلت به.

لقد طلب من الحُكماء والمُحقِّقين فحصَ كل شيء يقع بين أيديهم في جناحه؛ لأنَّ السبب الذي يجعله عاجزًا هو بالتأكيد يقطُن في جناحِه.

بَلَغَهُ أنَّ الخمر في غُرفتِه يحوي مادةً لا تُسِم ولا تترُك أثرًا في الجسم على المدى البعيد، لكنَّها تُسبِّب العجز لوقتٍ قدَّرَهُ الحُكماء بليلة.

تستَّرَ على الأمر، رغم أنَّ بِهِ غضب قادر أن يقطع أية رقبة؛ ولكنَّهُ سيطر على إنفعاله. الأقاويل عن عجزِه والمخاوف من إنعدام فُرصة لولادة وريث شرعي لعرشِ المملكة إنتشرَ بين الناس وكَثُرَت الأقاويل؛ ورُغمَ أنَّ كُلَّ ذلك يسيء في سيرتِه؛ لكنَّهُ لم يتكلَّم؛ فهذهِ المُجرِمة بالذّات لا يُمكنه مُعاقبتها كما ينص القانون، سيُعاقبها بِطُرقِه الخاصّة.

لقد ظنَّ أنَّها فعلًا نَسَت الماضي، وبدأت معه حياة جديدة؛ لكنَّهُ كان مخدوع. رايناه لن تنسى أبدًا أن تشانيول لطالما كان زوجًا قاسيًّا عليها، والأدهى من ذلك؛ أنَّهُ قاتِل أخاها وعائلته جمعاء.

لقد ساورتهُ السعادة وسوَّرتهُ وصوَّرته. لقد ظنَّ حقًا أنَّهُ سيعيش معها هنيًّا، رَضيًّا، ومُرتاح البال؛ لكن كل قُبلة، كُل لمسة، وكُل همسة كانت مُجرَّد كذبة.

هدفها الوحيد من كُلِّ حُبها المُزيَّف ووِدَّها الكذّاب أن توقع به وتنتقم لأخيها منه، ولقد نجحت في ذلك؛ لكنَّهُ رُغمَ ذلك سيتفهَّمها، سيعاقبها ولكن ستبقى الملكة على عرشِ المملكة وبين الناس؛ لكن بينه وبينها لن ينسى أنَّها غدرته، وطعنتهُ في ظهرِه، خانته، وكسرت ثِقتَه بها، وشوَّهت صورتَها في عينيه.

سيتفهَّمها؛ لأنَّهُ لطالما كان سيئًا معها؛ ولأنَّهُ قتل أخاها وأباد عائلتَها بِرمَّتَها؛ إذ هي وهو وأختُه الملكة الأرملة تاي هان من بقيَ حيًا من العائلة المَغوليّة الحاكمة فقط، لقد قتل الجميع فورما تسلَّم السُّلطة والعرش.

لن يسمح لأحد أن يُشكِّل تهديدًا خطيرًا عليه كائنًا من يكون. رايناه وحدها من قد تكون خطرًا عليه؛ ولكنَّه لا يستطيع التَّخلُّص منها.

ورُغمَ ذلك؛ منحها وأياه فرصة حينما باغت جناحها ليلًا؛ فلو رآها تنام في جناحِها كما أيّ شخص طبيعي لا يُحيك مَكيدة بالخفاء سيُصدِّق أنَّها ليست المُذنِبة في حقه؛ ولكنَّهُ ذهب ولم يجدها كما أي شخص لا يكون بريء.

جلس على طاولتِها في غمٍ وهَم، بؤسٍ ويأس، غضبٍ وخذلان... راودته كل تلك المشاعر في ذاك الحين، وعيناه عبَّرت عن تلك المشاعر شتّى، تُريد عيناه أن تبكي، ولكن إنفَتُهُ الرُّجوليّة تمنعه؛ ولذلك إحمرَّت كُلَّما حبست، كما الجَمر وهو حجر تنحبس فيه النار حتى ينفجر بنفسِه؛ ولكنَّهُ إنفجرَ فيها بدلًا من ذلك، إنَّها تستحق أن ينفجر بها.

توجَّه للبلاط المَلكي لأجلِ إجتماع الوزراء والمسؤولين الكِبار به رُغمَ حالتُهُ المُترديّة -والتي تنعكس على شكلِه-. جونغداي نظر إليهِ في تمعُّن، واكتشف بلا قول أنَّ أمر الملكة رايناه قد كُشِف.

صعد جلالته إلى عرشِه، وجلس عليه بإنفةِ الزُّعماء وكِبرهم، ثم أشار إلى وزيرِه الأول بارك جيمين أن يُعلِن عن بدئ إجتماع البلاط.

أشار الوزير جيمين -وهو يقف على الدرجات التي تُدرِك العرش- للجميع بأن يبدأو مُلامساتهم. وكان البادئ في التَّقرُّب من العرش كبير النُبلاء؛ إذ بانَ عليهِ الغضب وهو يتكلَّم.

"جلالة الملك، لقد عَلِمنا أنَّكَ عاقبتَ محظيَّتين من بناتِنا على غيرِ وجهِ حق."

نظر الوزير جيمين إلى الملك في إنزعاج يتكتَّم عليهِ غصبًا؛ لطالما هذا الملك تصرَّف كما لو أنَّهُ ليس ملكًا. وأما تشانيول فقال في وقار.

"أعترفُ بذلك، لقد أسأتُ لمحظيَّتين نبيلتين على غير وجه حِق. هُناك مؤامرة تُحاك ضِدي في القصر، هدفها: الإنقاصُ من قيمتي، والتشهيرُ بي، ونشرُ الخوف بين الناس بشأنِ العهد القادم.

لقد ظننتُ أن الفتاتان مُتورِّطتان؛ ولكنَّني أسأتُ الحُكم. وأودُّ الآن أن أقِف واحني رأسي لكم جميعًا مُعتذِرًا عمّا بدرَ مني؛ ولكنَّني لا أستطيع أن أفعل؛ كرامةً لعرشي، وتاجي، وسيفي."

نظر كبير النُبلاء بوالدي الفتاتين؛ فحرَّكا رأسيهما في رفض، حينها إلتفتَ كبيرهم إلى الملك بعدما تنهَّد؛ يعذرهم ويرى أنَّ الحق معهم لوما قَبِلوا إعتذاره؛ فبناتهم كبرنَ على العِز والرفاهيّة، لم يجرؤ أحد أن يرفع في وجوهِهن أصبع، وهم لن يعذروا الملك أبدًا.

"مولاي، نحنُ نُريد إستعادة بناتنا إلينا"

إرتفع حاجب تشانيول في سخط ووقف، فوقف الجميع على وقفتِه. هبطَ الدرجات وهو يَضُم يداه خلف ظهره حتى أدركَ كبير النُبلاء، ثم نبس بتحدٍ.

"وماذا لو رفضت؟"

تطلَّعَ إليهِ الكبير بقوَّة وقال.

"أنتَ خسرتَ دعمنا بِكُل الأحوال، الإحتفاظ بِبناتِنا لن يُغير في هذا الأمر شيء؛ ولكنَّهُ قد يَنشب عنه شيئًا أكبر."

ضحك تشانيول في سُخريّة، أهوَ الملك ويتعرَّض للتهديد. لم يكن يحسب شيئًا في هذهِ اللحظة سوى عِزَّة نفسه وعرشِه فقط.

صعد نحو عرشه وجلس عليه دون أن يهتزَّ طرفه، ثم أعلن بصوتِه العميق والجهور.

"المرأة، التي تدخل قَصري كائنةً من تكون، هي مَلكي، وأنا أفعل بها ما أشاء، أعِزَّها أو أذِّلها هذا أمرٌ راجع إليّ. وأنتم افعلوا ما شئتُم، حاربوني إن إستطعتُم؛ أنا لن أُسلِّمكُم أيَّ إمرأة من نِسائي!"

ثم حمل نفسه عن عرشِه وخرج بينما الجميع يخفض رأسِه تبجيلًا له؛ فلو كان ظالم مُغتر يبقى الملك، ولا يمكن إساءة التصرُّف معه.

الجميع بدأ يلحظ إختلاف السلوك بين الملك تشانيول والملك بيكهيون. لم يَكُ الملك بيكهيون يتصرَّف بمثلِ هذهِ الطريقة، لقد كان صارمًا وفي بعضِ الأحيان قاسيًّا في تطبيق أحكامِه، كما أن خُصوصيّاته ومكانتِه كملك تقع خلف الخط الأحمر؛ لا يُمكنهم تجاوزه؛ لكنَّهُ كان يتصرَّف بمكرٍ ودهاء لا بعزٍّ فارغ وغرور أحمق وظالم... لم يَكُ كذلك أبدًا.

لم يسبق لإمرأة من نسائه أن إشتكت منه، رُغم أن نسائه كُنَّ كُثُر أكثر من نِساء الملك تشانيول. كان يكرمهن جميعًا ويحترمهن رغم أنَّهُ لا يعرف معظمهن ولم يزورهن.

لم يشتكي الناس من أحكامه أبدًا، كان دومًا يأخذ بالنصيحة ويستمع للمشورى، لم يَكُ ذلك يؤذي كبريائه المَلكي؛ دومًا ما كان يسعى للأفضل من أجلِ شعبه.

الناس كانت تشتكي من جماعة المُتمرّدين فقط، والكثير من النُّبلاء كانوا يسقطوا دون وجهِ حق ولسببٍ مجهول وعلى يد مجهولة، صحيح أنَّ هُناك فقر بالبلاد لكنَّهُ لم يَكُ مُتقع كما الآن.

الناس ثارت عليه وأيَّدوا صفَّ الملك تشانيول حينما إنتشرت شائعات تطعن بشرفِ الملك وشرفِ إبنته، ولكن رُبَّما موت الملكة ناري أمامهم أيقظهم قليلًا، والآن هُم متيقِّظون أنهم وقفوا ضمن الصَّفِّ الخطأ.

تشانيول خرج بعد ذلك إلى قاعتِه الملكيّة الخاصَّة، إلى هُناك لحق به الوزير الأول جيمين يوضِّح فيما يقف على مَقرِبة من مجلِس الملك.

"مولاي، اسمح لي أن أقول لكَ أنَّكَ أخطأتَ التصرُّف اليوم."

رمق الملك وزيره في غضب.

"وماذا كان الصواب؟! أن أُسلمهم بناتهم؟!
الآن أنا أملك ضغطًا عليهم، لو سلمتهم بناتهم لن أملك رقابهم بعد الآن."

تنهد جيمين والتزم الصمت؛ فالحقيقة؛ أنَّهم يملكون الدّافع ليؤيّدوا أي ثورة عليه أكثر مِمّا تحفُّظه على بناتهم يُشكِّل ضغطًا عليهم، لكنَّهُ لن يقول أبدًا. فليبقى هذا الملك يسبح في تعظيمه لنفسِه وجهلِه في السياسة.

بعد ذلك، دخل رَجُل يعرفه الوزير جيمين بعدما إلتقى بهِ هُنا من قبل، والرَّجُل تحدَّث بعدما أذِنَ لهُ الملك.

"مولاي الملك، لقد بلغتنا أخبار أن قائدة جماعة القمر الدموي تَجول السوق برفقةِ رَجُل من أتباعِها.

تقول أن جماعتها لم تقتُل الملك بيكهيون وأنَّهُ رُبَّما يكون حي، وتُشير إليكَ بأصابع الإتهام لو كان فعلًا ميّتًا؛ فماذا ترانا فاعلون؟!
نحنُ طوعَ أوامرك يا صاحب الجلالة."

وقف تشانيول عن مجلِسه مُستنفِرًا، ونبس بنبرةٍ حاقدة وعيناه تشتعلُ غضبًا؛ فغروره الذكوري لم يقبل الهزيمة على يد إمرأة صغيرة.

"أُريدها حيّة مهما كان الثمن!"

إنحنى الرَّجُل لِمولاه قبل أن يُدبِر مُسرِعًا.

"أمرُكَ مولاي!"

غادر الرَّجُل وإلتفتَ جيمين لسؤال الملك.

"مولاي، لِمَ تُريدها حيّة؟!"

تقدَّم تشانيول من وزيرِه وعيناهُ تلمعُ في حِقد.

"لأنَّها تحمي بيكهيون وزوجته راهي وأطفاله الخمسة جميعًا. سآخذ جيهان، واقتُل البقيّة، واقتُلها هي وكل فرد مُنظَم لجماعتهِم. سأمسحهم عن الوجود!"

تريَّث جيمين في صبر ولم يُتبِع بقولِ شيء؛ فلا فائدة من قولِ أي شيء الآن.



...



مُذُّ أن أنقذت هذهِ الجماعة روح الملك وهو في شك في فهمِه لهم، وما زال الوقت يكشف له أنَّهُ لطالما كان على خطأ بشأنِهم، وبيكهيون حقًا يرغب في التَّثبُّت منهم ومعرفتهم على وجهِ حق، وهذا يسلتزمه أن يكشفوا له وجههم الحقيقي.

إذ بعدما توقَّفت عند إحدى الأكشاكِ قالت.

"إن لم يكن ما تفعلينه مع التُّجار سِرقة؛ ماذا يكون إذًا؟!"

إبتسمت هيريم وردَّت.

"شراكة"

"وكيف ذلك؟!"

توقفت عن السير وإلتفتت إلى بيكهيون تقول.

"لا تسألني مولاي، هذه أسرار الجماعة، التي لا يُمكِن إفشائها لأي أحد، وللأسف هذا القانون يشملك!"

لم يَصُر على المعرفة واكتفى بإحترام قوانينهم مبدئيًّا والسير معها، لقد وكَّل من يكشف له خباياهم؛ ولهذا السبب تحديدًا بعثه؛ أونو، وليس لأي سبب قد لفَّقهُ أمامهم.

كانت تسير هيريم بإنفة في السوق، تخرج من بدنها هيبة تُفزع الجميع؛ فلو نظرت في عينِ رَجُل سيخفض عينه سريعًا.

كانت تسير وسيفها بيدها عليه علامة القمر الدموي، ولا حاجة للكشفِ عن وجهها حقًا، الجميع يعلم أنَّها قائدة المُتمرِّدين بالفعل.

وبيكهيون كان يسير بجانبها، لا يُميزه أحد ولكنَّهُ للمرة الأولى ينخرط بشعبه ويتعرَّف على مخاوفهم عن قُرب؛ وخوفهم الأكبر بدى أنَّها المرأة التي تُرافقه.

توقفت هيريم عند إحدى العربات، إتكات عليها وسألت صاحبها، الذي إنحنى لها.

"ما الأخبار؟! هل أنتُم سعيدون بملككم الجديد؟!"

أخفض الرجل رأسه في خوف فيما يجمع كفّيه أسفل معدتِه وقال.

"في البداية كُنّا شاكرين لكم؛ لكنَّنا الآن نعيش في ضيق؛ فالملك الجديد قد أسعدنا لبضعةِ شهور ثم بدأ حُكم الجبابِرة يتسلَّط علينا.

إنَّهُ يمنع حركة التجارة ووفود العُمال بين داخل المملكة وخارجها، كما أنَّهُ فرض علينا ضرائب جديدة، وطرد الكثير من الموظفين الحكوميين، والبقيّة يتقاضوا نصف أجرهم فقط."

همهمت هيريم ونظرت نحو بيكهيون، الذي يرى كم أن تشانيول لا يصلح كحاكم، ليس كل من تمنَّى العرش إستحقه، العرش يحتاج كفاءة وليس صِلة قرابة بالملك وحسب، ثم هيريم أعادت بصرها نحو التاجر.

"وأنتَ لِمَ تشكرنا؟!"

رفع الرجل رأسه بتردُّد نحو هيريم وقال.

"لأنَّكم قتلتم الملك بيكهيون، لم نَكُ ندري أنَّهُ حاكم جيّد إلا بعدما حكمنا ملك جديد"

أخذت هيريم حبة تفاح من على بسطتِه، ووضعتها بيد بيكهيون ثم تناولت أخرى وألقت يانغ واحد مقابلهما، قضمت من التُفّاحة ثم قالت.

"ومن قال لكَ أنَّنا قتلنا الملك؟!"

"ها!"

نبس الرجل في دهشة واتبع.

"أليست هذه الحقيقة؟!"

ضربت هيريم رأس الرجل بالتُفاحة وقالت.

"ألا تدرون أنَّنا نستعرض حينما نقتُل؟!

حينما نقتُل نبيلًا أو مسؤولًا نُعلِّق رأسه في السوق، ماذا لو كان الملك؟!

أنقتُله ونخفي جُثَّته؟!
هذا مُهين بحقِّه أيها الغبي!"

إرتبك الرجل وأخذ يتمتم.

"ماذا تعنين يا سيدتي؟!"

"لم نقتُل أحد أيُّها الغبي!"

رفعت يدها وتحسَّست صلعته تقول.

"ثم نحنُ مع حُكم الملك بيكهيون، لِمَ سنقتله؟!
هذه العقول يملأها التِبن؛ أليس كذلك؟!"

سُرعان ما أومئ الرجل وهو يُخفض رأسه.

"نعم سيدتي!"

طبطبت على رأسه قبل أن تنسحب وهمست.

"أحسنت!"

أشارت للملك أن يسير معها وفعل، ثم بعدما ابتعدت عن التاجر قالت.

"هكذا نكون زعزعنا الأمن الداخلي"

كانت عينا بيكهيون مُتربِّصة على الطريق، وفقط عيناه ظاهرة من أسفل اللِثام الأسود.

"وكيف أنتِ مُتأكِّدة أيَّتُها القائدة؟!"

"هذا التاجر ثرثار جدًا، حينما أود نشر خبر في السوق يكفي أن أقول له، ثم لا ينتشر في السوق فقط بل وبالعالم أجمع!"

همهم بيكهيون من أسفل اللِّثام واتبع سيره مع القائدة، كان ينظر في أحوال الناس بِدِقّة، ويتفقَّد كيف يعيشون، لا يدري لِمَ لم يَكُ يخرج متنكِّرًا من قبل؛ لكشفَ حقيقة كل شيء والمكيدة التي كانت تُحاك عليه دون علمه.

وفجأة وبينما كلاهما يسير في السوق ويتفقَّد أحوال المملكة، أمسك بيكهيون بعِضدِ هيريم وأرجعها إلى الخلف سريعًا، سقطت بين يديه ولولا كتفيه حينما تمسَّكت به لسقطت أرضًا، والسهم الذي إنطلق ناحيتها أصاب إحدى الأكشاك، وسقط أرضًا دون أن يؤذي أحد؛ لكن الصراخ عبّأ السوق وتصاعد في السماء والناس يهربون.

أخرج بيكهيون سيفه من غِمده وبيدِه الأُخرى أمسك بيد هيريم، وسحبها لتركض معه رغم أنها لم تستجمِع شتاتها بعد.

"هيا اسرعي!"

نظرت خلفها تحاول معرفة من يترصدها، لكنَّهُ نهاها واجتذبها مُسرعًا.

"دعكِ من كُل هذا واركضي الآن!"

طاوعته هيريم، وركضت بأقصى سُرعتها مع الملك بيكهيون رغم أنّها لم تدري مِمّن تهرب ولِمَ، لم يسبق لها أن هربت مع أحد؛ لأنها لم تخشى شيئًا يومًا ما؛ لكنّها اليوم تملك مخاوف تتعلَّق بالملك بيكهيون، إن تأذى لن تكون بخير إطلاقًا وإن لم يمسَّها سوء.

أخذ كلاهما يركض بأقصى سُرعتهما في الطُرقات التُرابيّة، كان بيكهيون يقود الطريق ويسحبها في إتجاهات لا يعرفها، فكَّر بأنَّهُ لا بأس لو يَتوه؛ فلاحقًا ستشرده على الطريق الصحيح.

لكنَّها قالت بينما يركضان.

"أقصد هذا الطريق من المُفترَق، وستجد بعده عدد من رجالنا بإتتظارنا"

سحبها نحو ما أشارت إليه وركض بِصُحبتِها؛ لكنَّها فجأة سقطت أرضًا، وحينما إلتفتَ لها مُستغرِبًا سقوطها من يده صرخت عليه.

"اذهب من هنا، لن أُسامح نفسي لو تأذّيت!"

نظر بيكهيون نحو السهم الذي إخترق قدمها وأسقطها في رهبة، لم تَكُ أول شخص مُصاب يراه في عينيه، لكنَّهُ أول مُصاب لا يقدِر على إسعافه؛ لأنَّهُ باتَ ضعيفًا؛ ما عاد الملك العظيم الذي إعتاد أن يكون عليه.

إرتبك وجثى قُربها يحاول مُساعدتها؛ فصرخت بهِ بقوَّة فيما تدفعه بما تستطيع.

"أخبرتُك أن تذهب أرجوك، سأكون بخير أعدك، ولكنني لن أكون بخير لو تأذَّيت، أرجوك اذهب!"

نفى برأسِه لا يستمع إليها واقترب منها يحملها على ذراعيه، ورفض أن يستمع إليها ويتركها وحدها، لكنَّها لم تسكت وحاولت أن تجعله يتركها ها هنا ويغادر حتى إنتشر به الغضب وصاح بها.

"اخرسي! لا أريد أن أسمع حرفًا واحدًا حتى!"

ركض بها بِسُرعة وبدأوا يسمعوا ضوضاء من خلفهما، فُرسان، وخيول، ورجال.

وفيما بيكهيون يركض وهو يحمل على ذراعيه جسد هيريم، الذي بات هزيلًا، سقط فجأة أرضًا وهي أصبحت أسفل بدنه.

تمسَّكت بكتفيه وبقلق قالت.

"ماذا حدث؟! هل أُصِبت؟!"

وكانت ملامحه الموجوعة وآهاتِه المكتومة خيرُ إجابة على ما تُريد معرفتِه نفت برأسها وتمسَّكت بوجنتيه بهلع تقول.

"اذهب أرجوك ودعني هنا!"

صرخ بها بينما يحاول حملها.

"كُفّي عن التفكير بي كملك وفكِّري بي كشخص عادي، وتسابقي معي لننجو!"

نفت برأسها وقد طفرت الدموع بعينيها تقول.

"ليس هكذا؛ أنتَ لن تكون رَجُلًا عاديًّا أبدًا بالنِّسبةِ لي، أنا أُحِبُك!"

"ها؟!"

تمخضت دموعها وارتخى جسدها على آخره، ثم رَجتهُ قائلة.

"أتوسَّل لكَ اذهب يا بيكهيون!"

ركض إليهما رجل واحد من بعيد وهو هَلِع؛ وهو رَجُل من رِجالها.

"سيدتي؛ الرجال ذهبوا لمناوشة الرجال الذين يتبعونكم، ولا يوجد أحد هنا سِواي؛ ماذا أفعل؟!"

نظرت إلى بيكهيون وقالت.

"خُذ الملك من هنا واذهب، لا تقلق علي، سآتي خلفكم!"

"لكن سيدتي!"

"اذهب!"

إزدرئ جوفه في إرتباك، وهي أومأت له، فرفع بيكهيون على ظهرِه فيما بيكهيون يرفض الذهاب وحده.

"لن أذهب معكَ دونها، خُذ القائدة أولًا!"

إلتفَّت هيريم حينما سمعت دوس الحشائش يوشك منها، فصرخت بالرجل.

"قلت لك خذه واذهب!"

حينها لم يملك الرجل خيارًا آخر سوى أن يترك قائدته تواجه الموت والأسر ويطيع أمرها بإنقاذ الملك فقط.

تنهدت براحة حينما إختفى بيكهيون خلف الهضبة وهو لم يكن قد كفَّ عن النظر إليها وعيناه تبكي قهرًا.

تنهدت براحة وسحبت جسدها عن الأرض لتتخفَّى خلف إحدى الأشجار، أخرجت السكين الذي تربطه على كاحلها عادةً، وحملت سيفها بيدِها الأُخرى.

عادت ذاكرتِها لما قبل عشر سنين، حينما بدأ الإخوة الثلاث بتأسيس الجماعة، كانوا صِغارًا في العمر، هي في الخامسة عشر وجونغ إن وسيهون في العشرين.

لقد كانوا صِغار في السِّن ولكن قد أشاب البؤس رؤوسهم، وجرَّدهم من طفولتهم، وقتها صعدوا إحدى الكهوف، وفيه ضمَّوا الكفوف وقطعوا العهود.

"نحن لن نظلم أحد، وسنرد للمظلومين حقوقهم.

نحن لن نسرق أحد، وسنسترد لكل ضعيف ماله وثورته.

نحن لن نقتل أحد، وسنثأر لكل نفسٍ قُتِلَت.

نحن سنتمرَّد على كل فاسد وظالم ونُنهيه.

نحن سنحمي الملك بيكهيون بأرواحنا، نحن سنحمي المملكة والشعب والملك عارض من عارض ووافق من وافق.

نحنُ سنموت واقفون!"

همست لنفسها فيما تُراقبهم يقتربون من موقعها.

"أنا سأموت واقفة!"

هذا إحدى العهود الذي تَلته بينها وبين أخويها.

مزَّقت جُزءًا من قميصها ولفَّت به جُرح قدمها، صحيح موقفها سيكون أضعف قِبالة كل هؤلاء الرِّجال؛ ولكنَّها لن تستسلم للأسر؛ الموتُ أولى.

خرجت من مخبئها بحذر، وسارت حتى أدركت الهضبة تنوي الفرار فيما تتفقد كل الإتجاهات التي تسير بها.

"ها هي القائدة، امسكوا بها!"

إلتفتت هيريم نحو جنود القصر، الذين تكاثروا حولها، رفعت سيفها كذلك سكيّنها لمُقاتلتهم، الجميع سخر من موقفها الضعيف؛ إمرأة وحيدة وواحدة ومجروحة ستكون نِدًا لعشرين رَجُلًا أقوياء؛ هذا مستحيل.

كانت تعلم أن إنتصارها عليهم لُعبة خاسرة؛ لكنَّها ما زالت ستُقاتلهم لآخر نفس، مسحت على وجنتِها بيدها، التي تحمل السكين، وقالت.

"لا تُضيّع الوقت في السُّخريّة مني وقاتلني هيا!"

أشهرت بسيفها وبدأت تُهاجمهم واحد تِلوَ الآخر، كانوا كُثر وأقوياء وهي وحدها وضعيفة، ولكنها بذلت كل جهدها في مُقاتلتهم؛ فالخسارة إهانة ومذلّة.

هاجمت أول واحد بادر في مُهاجمتها مُختالًا بقوة بدنه، لا يدري أن المُقاتلة التي أمامه تمتلك الكثير من المهارات القتاليّة، التي يمكنها نحر عُنق أي رجل مهما كان قويًّا.

باغتته بطعنة في صدرِه فيما هو يتهاون في مُقاتلتِها ويتهاون بِقُدراتِها الشخصيّة، تبسَّمت فيما تقع جُثَّتِه أرضًا، ثم أشارت لهم بالإقتراب فانكبوا عليها دُفعةً واحدة، تَصُد سيف هذا، وتطعن هذا، وتشرخ بدن هذا، وتُقاتل هذا.

"اه!"

وأحدهم إغتالها من ظهرِها بِشَرخ، تشتَّتَ تركيزها وتكاثرت السيوف على رقبتِها، قتلت عشرة رجال وبقي عشرة، ولولا أنهم مأمورين بجلبها حيّة لاستغلوا الفُرصة ونحروا عُنقها ثأرًا لرِفاقهم، الذين قتلتهم الآن وسابقًا.

تشوًّش بصرها ورفعت السكين تود غرسه في قلبها؛ تموت ولا تُأسَر، ولكن أحدهم سحب السكين من يدها يصرخ بها ألا تفعل، بدأ يتشتت وعيها وجثت أرضًا، وآخر ما سمعته قبل أن تسقط على وجهها كان.

"لم أدري أن قائدتهم محاربة قويّة لهذهِ الدرجة!"

سارت دمعة على صدغها وتذكرت العهد؛ أن تموت واقفة، لكنَّها أخلفت به، وماتت ذليلة ومهزومة في معركة بين أقدام الأعداء.

........................................

يُتبَع...

"المُفارقات"

العنقاء|| The King's Return

20th/Aug/2021

............................

الفصل القادم بعد 100 فوت وكومنت.

بلش الوضع يسخن👏👏

طبعًا المُقرَّر في البداية السحقية أنو تكون الرواية لعشرين فصل بس، ولكن الآن ممكن توصل لأربعين فصل، تتجاوزهم أو لا ما بعرف.

اه وطبعا كل المشاهد الي سبقت مشهد بيك-ريم عبارة عن فلاش باك

وضع الكوبل الرئيسي بضحك، أول مرة شافوا فيها بعض بيكهيون ضرب هيريم بالسهم، ولما اعترفتلوا كانوا الاثنين منصابين وعلى حافة الموت.

ميرسي الشرير رجع😈


1.رأيكم ببيكهي؟! هروبها من جونغكوك؟

2.رأيكم بهيريم؟! مقاتلتها لآخر نفس وحمايتها للملك؟

3.رأيكم بجيهان؟! الفرق بين حالتها كأميرة وحالتها كعاشقة؟

4.رأيكم بأونو؟ تشجيعه للأميرة؟

5.رأيكم بجونغ إن؟ وقمعه للأميرة؟!

6. رأيكم بتشانيول؟ إكتشافه للحقيقة وردة فعله؟ موقفه كملك أمام النبلاء؟

7.رأيكم بجيمين؟

8.رأيكم برايناه؟ وماذا سيحدث لها؟!

9.رأيكم بالفصل ككل وتوقعاتكم للفصل القادم؟

دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤

© Mercy Ariana Park,
книга «العنقاء/ The King's Return».
Коментарі