ما قبل الإحتراق
CH1||سياسة التَّمرُّد
CH2||الملك أيضًا أب
CH3||بِدء التنفيذ
CH4||كرامة الملك
CH5||تأثير الفراش
CH6||اسم الملك
CH7||الإمبراطور
CH8||نِصف قمر دموي
CH9||على حافة الهاوية
CH10||العرش يهتز
CH11||عصر من الظلام
CH12||قلبي يتمزَّق
CH13||جِراحُ المَلِك
CH14||العنقاء إحترق
CH15||شرانق عواطف
CH16||إبنة الكهوف
CH17|| الحب في سيماءه
CH18|| القلوب تبكي
CH19||الحيرة والحب
CH20|| المُفارقات
CH21|| البطلة
CH22||سيّدة التَّفرُّد
CH23||شُعلات حُب وحرب
CH24||كش ملك
CH25||خيبة
CH26||الحُب والحرب
CH27||ساعة الحِساب
CH28||عجز
CH29|| مُنكسرة الفؤاد
CH30||زمهرير
CH12||قلبي يتمزَّق
بيون بيكهيون (الإمبراطور)

بطل:

العنقاء|| The Emperor's Return

"قلبي يتمزَّق"

....

في وقتٍ سابق...

كان تشانيول يسيرُ بعلياء في محاربِ القصر الملكي الفسيح، يتطلَّع إلى أركان القصر بطمع فيما هو يقطع طريقه مُتَّجِهًا إلى الزِّنزانة، التي تُحتَجز بها الإمبراطورة المخلوعة ناري، فهذا القصر بِكُلِّ أركانه وناسه سيغدو مِلكه، ويكون الآمر النّاهي فيه.

كانت ناري تجلس بزِنزانتِها فيما ترتدي رِداءً أبيض وشعرها مسدول؛ حِدادًا على روحِ الإمبراطور الرّاحِل -كما يزعمون-، ونكايةً على تجريدها من عرشِها ومكانتَها الملكيّة.

رفعت وجهها النَّدي والمُرهَق حينما سمعت طرقًا على قُضبان الزِّنزانة بعصا حديديّة، نظرت في هذا الوجه المُبتسِم بتشفّي، تنهَّدت وأسندت رأسها على القُضبان خلفها تهمس.

"لِمَ أتيت إلى هنا؟! ما الذي تُريده منّي أيضًا؟!"

بإبتسامة واسعة أجابها

"تَسُرَّني رؤيتكِ على هذهِ الحالة الوضيعة عزيزتي ناري"

أقامت عُنقها ورمقته بغضبٍ تقول.

"إلزم حدودكَ معي!

وإن كانت خُططك التّآمُريّة نجحت في خلعي عن عرشي، ما زِلتُ أنا زوجة ابن عمِّك، الذي تربيت وكبرت معه، كُن أكثر إحترامًا نحو زوجة المولى!"

أومئ لها يبرم شفتيه، وإنحنى برأسه عدة مرات هازئًا.

"عُذرًا يا زوجة ابن عمي، يبدو أنَّكِ نسيتِ أنَّكِ من قتله!"

رمقتهُ بغيظ واتبعت.

"إن لم يكونوا الناس على علم، فأنا وأنت نعلم؛ أن لو الإمبراطور قُتِل فأنتَ من قتله، لستُ أنا"

أومئ برأسِه عِدّة مرّات يبتسم.

"نعم نعم... أنا من قتلته ولفَّق لكِ هذهِ التُّهمة، كيف ستثبتين ذلك؟!"

أشاحت عنه بغيظ وهو وقف واتبع.

"سأتأكد من أن أقتُلكِ أولًا، ثم سأقتل الملك الهارب فورما أجده"

سُرعان ما نظرت إليه وبانت على شفتيها إبتسامة.

"إذًا الإمبراطور لم يَمُت... وسأخبرك أنَّهُ لن يموت، أنتَ لن تقدر عليه"

ركل قُضبان الزِّنزانة بغضبٍ شديد، أكثر ما يكره سماعه أن يُشكك أحد في قُدرتِه، أن يتهمهُ أحد بالعجز، دار حول نفسه بغضب شديد، ثم إلتفت لها يمسح على وجهه بغضب.

"لم آتي إلى هنا لأُناقشكِ بقناعتكِ عنّي أو عن براءتك من التُّهم الموجَّهة إليكِ... أنا قادم إليكِ لِأُخبرك مُسبقًا أنّي الآن ذاهب إلى البلاط الملكي؛ لأكون الملك وأقطع لكِ عُنقك"

إستهزأت بإبتسامة ونبست.

"أُقتلني... حتى لو قتلتني فأنّي أعلم أنني تركتُ ورائي العنقاء، لو أحرقته سيتكوَّن من رماده، وسيأتي ليقتلك!"

أومئ برأسِه عِدَّة مرّات قبل أن ينسحب.

"سنرى بشأنِ ذلك أيَّتُها الملكة المخلوعة!"

غادر الأمير تشانيول بعد ذلك، وبقيت ناري وحدها في هذهِ الزِّنزانة المُعتِمة والبارِدة، رفعت ساقيها إلى صدرِها، ووضعت رأسها على رُكبتيها.

لا تنكر... ولو ما كان يظهر عليها الخوف، لكنَّها من الدّاخل ترتجف خوفًا، قلبها يكاد يتوقف مُسبقًا لِشدَّة خوفها، دائمًا ما يكون الموت مُرتبط بالمُلك، دائمًا ما كان هناك إحتمال أن تموت مقتولة لأنّها الملكة، الآن تشعر بالإختناق، لأن التَّوقُّع أصبح واقع.

لكنَّها حتى لو ماتت، تريد شيئًا واحد فقط... وهو ألّا يموت بيكهيون، تُريده أن يعود، ويستعيد عرشه، ويثأر لروحها التي سُلِبَت ظُلمًا، ويسترِد مُلكه.

.....................

ولج الأمير الثُّعبان تشانيول إلى البلاط الملكي، ووقف الوزراء جميعًا إجلالًا له حتى الوزير الأول كيم جونغداي فعل رُغمًا عنه.

إستعلى الأمير تشانيول الدرجات القليلة نحو العرش، ثم وقف هناك يلتفت للجميع، ثم قال بصوتِه الجَهور.

"لقد أتيتُ لِأُناقِش معكم عقوبة الملكة المخلوعة ناري والمُرتزقين المتواطئين معها في عميلة إغتيال جلالة الإمبراطور الرّاحِل بيكهيون"

تقدَّم الوزير الأول كيم جونغداي خطوة وتحدَّث.

"الجميع يعلم كم أن العلاقة التي بين الإمبراطور والإمبراطورة قويّة... أظن أنَّ هذهِ الأدلّة مُلفَّقة لِتُطيح بالإمبراطورة فحسب"

وقف في مُعارضته وزير أشيب في صفِّ الأمير.

"وما الدليل على كلامك؟!

نحنُ معنا أدلة دامغة وصحيحة تُدين الإمبراطورة المخلوعة، ولقد عرضناها على لجنة المُحققين الملكيين ليروا في صِحتها، وإلا لما عرضناها من البداية في البلاط الملكي أيُّها الوزير"

تنهد جونغداي وأخفض رأسه، لا يملك أن يفعل أي شيء لصالح الملكة، لا يقدر أن ينقذها بعد الآن.

نظر الأمير تشانيول إلى الوزير الأول، وبما أنَّهُ لا يملك شيئًا يقوله اتبع.

"بما أنني أنوب عن الملك، وأنا الرجل الوحيد الباقي من ضِلع الملوك فأنني أنوب عنه بالحُكم الآن، وأقرر بأن عقوبة الملكة المخلوعة ناري هي الإعدام رشقًا بالسِّهام أمام الشعب؛ ليتخذوها الجميع عبرة لهم؛ كي لا يجرؤ أحد مُجددًا أن يتواطئ على روح الملك"

نظر الوزير الأول للأمير تشانيول والغضب يبزغ من بين جفنيه، فيما الأمير يُتبِع.

"وأما المُرتزقة، الذين أتمّوا المُهمة، فأحكم عليهم بالإعدام غليًّا في الماء، كذلك هذهِ العقوبة تُطبَّق بحق المتمردين المدعوّين بجماعة القمر الدموي، لتتفيذهم عملية إغتيال الملك، وافرض جائزة لمن يوشي بهم"

ثم نظر الأمير تشانيول إلى الوزير كيم جونغداي، واتبع.

"وأما الوزير الأول كيم جونغداي وقائد الحرس الملكي جانغ ايشينغ؛ فآمر بتخفيض رُتبهم، ليصبح كيم جونغداي وزير من الدرجة الثالثة، وجانغ ايشينغ إحدى الحرس العاديين، لكن عليهم أولًا أن يعتكفا في المعبد أربعين يومًا تكفيرًا لذنوبهما بالوقوف إلى صف الملكة المخلوعة"

إنحنى الجميع برؤوسهم للأمير تنفيذًا لأوامر، حتى جونغداي وايشينغ فعلا، فبمثلِ هذا الموقف لن يتمكنا من فعل شيء سوى التمسُّك بالحياة كي يستطيعا أن يفعلا شيئًا ما لاحقًا.

نظر الأمير الثُّعبان تشانيول إلى كُل هذهِ الرِّقاب التي إنحنت لأجله، وأمتلأ صدرِه بالفخرِ مُجدَّدًا، هذا ما أراده من البداية وما وصل إليه، الآن هو كل شيء في هذه الإمبراطوريّة العظيمة.

"سيتم تنفيذ حُكم الإعدام عصر اليوم... استعدوا لذلك في ساحة السوق القريب من القصر"

"أمرُك مولاي"

هبط الأمير عن الدرجات، وقطع البلاط الملكي فيما الجميع ينحني له بإجلال حتى خرج من القاعة.

........................

وأما عِندَ المُتمرِّدين؛ فبعدما طلب الملك من هيريم أن تذهب به إلى السوق تناولوا الطعام، ثم لعدم جذبِ الأنظار؛ قررت هيريم أن تخرج وحدها مع الملك، وفِرق الحرس لأجلِ الملك، التي يقودوها القائدان سيهون وجونغ إن، تبقى بعيدة ومُتنبِّهة لأي خطرٍ مُحدِق بجلالته.

فخروج الملك من وكر الجماعة يعني التَّأهُب الكامل لأي ظرف قد يطرأ لهم، لذلك عليهم أن يكونوا حريصين جدًا، ويحموا الملك بكل قُدراتهم.

فيما تسير هيريم والملك يسير أمامها قال.

"أمشي بجانبي لا خلفي، ستجعلين النّاس يشكون بأمرنا"

"أمرُكَ مولاي"

هرولت خطوتين حتى أدركته وسارت بجانبه، حينها نظر لها وإلى هيئتِها الضئيلة مُقارنة به.

"كيف لفتاة بهذا الحجم أن تكون قائدة جماعة المُتمرِّدين؟!"

أجابته بخيلاء.

"لا تستخف بقُدراتي مولاي، يمكنني هزم عشرة رِجال أقوياء مرة واحدة"

برم شفتيه وأومئ.

"إذًا أنا بأمان معكِ!"

"بالطَّبع مولاي!"

قهقه بِخفّة، لم يستطع أن يكبت رغبته بالضحك أبدًا، فضحك بِخفّة حتى بانت نواجذه، وأما هيريم؛ فنظرت في هذهِ الإبتسامة المُقدَّسة، واستمعت إلى رنّاتِ ضحكته بآذن مُصغية.

إنَّها ألذ ضِحكة سمعتها طيلة حياتها.

وفيما يسيران بهدوء هكذا يقطعان الأحراش؛ بيكهيون تحدَّث دون أن ينظر إليها، بل هو ينظر أمامه بعلياء تُناسِب مقامه الرَّفيع.

"ألستِ من أصبتُه في ذلك اليوم؟ ظننتُكِ رَجُلًا قصير القامة!"

تبسَّمت هيريم وأجابته دون أن تنظُر إليه، ففي حضرتِه الكُل يخفض رأسه.

"لطالما أخطأ الناس الظَّن بي، وظنوني رَجُلًا قصير القامة... من اللامُعتاد أن تقود إمرأة فيلق من المُجرمين بِعُرفِ الحكومة"

توقَّف بيكهيون عن السير وإلتفتَ لها مُستنكِرًا.

"بِعُرفِ الحكومة؟! وهل أدانتكُم الحكومة ظُلمًا أم أنَّكُم ترفضون أن تعترفوا بذنوبكم؟!"

لم تُلقي هيريم بالًا لنبرة التوبيخ الصّادرة عنه ونبست.

"خطأنا الوحيد أننا ولدنا من رحم العِزّة والكرامة، ومن تلِده الكرامة لا يُعاشِر الذُّل"

نظر لها بيكهيون لوهلة بصمت، وجهٌ بريء، صوتٌ ناعم، وجسدٌ ضئيل، وشخصيّة مُتمرِّدة تفوق هذه الصفات الأُنثوية.

إستأنف سيره فقلَّدته، وبينما يسيران بيكهيون قال.

"لو كنتُ أعرف أنَّكِ إمرأة لما ضربتُك"

"لا بأس مولاي، لقد سامحتُك بالفعل"

توقَّف بيكهيون عن السير وإلتفتَ لها، ثم رفع في وجهها سبّابته يقول بنبرةٍ هادئة لا غيظ فيها ولا غضب.

"أنتِ لا تملكين رفاهية مُسامحتي أم لا أيَّتُها البربريّة!"

توقَّفت هيريم عن السير ورمقت ظهره المُنتصب برفعة بغضب، لكن غضبها لم يطول؛ إذ إلتفت ناحيتها يستعجلها بالسير، فركضت له حتّى أدركته، وسارت بجوارِه دون أن تَعي أنَّها تبتسم إبتسامة عريضة.

هيريم؛ المُتمرِّدة الحسناء المحكومة بالإعدام الغيابي بأمرٍ من جلالة الملك تسير بجوار بيكهيون؛ الملك الذي أمر بإعدامها... الحياة فعلًا مليئة بالمُفاجآت.

أدرك كلاهما السوق، وهيريم كالملك وضعت لِثامًا على وجهها فتسآل.

"لِمَ تضعي لِثامًا على وجهكِ؟"

"النّاسُ هُنا تعرفني، وهُم بالفعل يشكون بجماعتي أنَّنا أقدمنا على خطفك؛ لذا ليس من الآمن أن أكشف عن وجهي"

أومئ بيكهيون مُتفهِّمًا عُذرها، واتبع السير معها بين الحشود ولجَّة السوق، لكن هيريم توقفت عن المَسير حينما أدركت إحدى الدكاكين، الذي يجتمع بها بعض الرِّجال بغرضِ الثرثرة بسيرة الملك، وهي شُغلهم الشّاغل بالفترة المُنصرِمة.

توقفت هيريم قُرب الدُّكان، وتحاشت عن النَّظِر فيما تسترق لهم السمع؛ كذلك بيكهيون كان ينصت لثرثرتهم.

"لقد كنتُ أُخبركم أنَّ الملك عوده رفيع، ها هي زوجته التي يُحبُّها حُبًا عظيمًا دبَّرت مكيدة لقتله وكل أبنائه، هي حتى لم تُبقي على حياة ولي العهد"

"الملك يستحق، لطالما تصرَّفَ بِجُبن داخل القصر وخارجه، هربت إبنته مع صديقه ولم يفعل أي شيء، فقط يكتفي بالجلوس على عرشه وأكل أموالنا، فيما الأمير تشانيول يقود الجيوش، ويحمي البِلاد، ويَحِل الأزمات السياسيّة"

"بالتّأكيد الآن بعد وفاة الملك بيكهيون سيصبح الأمير تشانيول هو الملك"

"أنا مُتأكد أن الأحداث الأخيرة ستصُب في مصلحةِ الشعب"

إلتفتت هيريم إلى المولى تتحرّى عن ردة فعله عمّا سمع من أقاويل دائرة ومُعتادة في السوق بدكاكينه وحوانيته وحاناته؛ فوجدته يَشد على قبضتِه بقوّة وفكه مرصوص، حينها بتردد وضعت هيريم يدها على عِضده، وأبعدته عن البوابة فيما تهمس.

"مولاي هذا هو الكلام الدائر بالسّوق، وأظن أنَّهُ ليس عليكَ أن تستمع إلى المزيد"

أبعد يدها عنه بغضب، وأراد أن يدخل الدُّكان؛ليُعلِّم هؤلاء الثرثارون درسًا في التعامل مع سيرة مولاهم؛ لكنَّها تمسَّكت بذراعيه تحاول منعه فيما تتوسَّله وتترجّاه.

"مولاي رجاءً إهدأ!
إن أنتَ أظهرت نفسك قد يقتلونك، ولا أقدر على حمايتك، جنود الأمير تشانيول مُنتشرين في كُلِّ مكان، ويبحثون عنك ليقتلونك... أنا أرجوك أن تهدأ كي ننجو!"

تنهَّد الإمبراطور بعُمق ثم إرتخى قليلًا، لكنَّهُ إنسحب بشخونة من المكان، وهيريم لا تملك إلا أن تتبعه أينما يذهب، للمرة الأولى تجد نفسها تابعة وليست قائدة، لكن لا بأس طالما أنَّهُ الملك.

ومن هنا وهناك سمع الملك أحاديث مُختلفة تُدين كفاءته، وشرفه، وإستحقاقه للعرش.

لقد كان غاضبًا على آخره؛ لكنَّهُ لم ينبس بحرف، فقط استمع وصدق ما قالته هذه الفتاة بجواره وعلم أنَّ الأمير تشانيول قد نجح بتشويه صورته في عيون شعبه.

فعلًا جولة واحدة في السوق أثبتت له أنَّ شعبه خلعوه عن عرشهم مُذُّ أن كان يجلس عليه، وفيما يتجولان بالسوق نادى المُنادي الموكَّل من القصر بالنّاس.

"تجمَّعوا في ساحةِ السوق؛ لتشهدوا جميعًا إعدام الخائنة المخلوعة ناري، بعدما أقدمت على خيانة جلالة الملك الأسبق بيكهيون، وأغتياله، وكل الأُمراء، والملكة الأُم راهي"

كان للنِداء وقعٌ صاخب على إستيعاب الملك، ولم يجد نفسه إلا وهو يركض نحو منصَّة الإعدام، حيثُ تجمَّعَ الكثير من الناس هناك، الذين يدينون الملكة ناري بمقتل المولى بيكهيون.

لكن كل هذا ظُلمًا وإتهامًا جائر؛ هدفه التخلُّص من المولى بيكهيون، وكل أتباعه، وكل من هو وفيًّا له.

ركض بيكهيون نحو المَنصَّة، وهيريم فيما تركض خلفه صفَّرت بصفّارتها المُعلَّقة برقبتها؛ تُعلن عن حالة طوارئ تصل إلى سيهون وجونغ إن، ثم ركضت بأقصى سُرعتها خلف الملك؛ تُحاول إيقافه عمّا سيقدم عليه، لأنَّ ما سيقدم عليه في مثلِ هذه اللحظة هو التَّهور بعينه.

ظهرت الملكة ناري ترتدي ثوبًا أبيض خاص بالمحكوم عليهم بعقوبةِ الإعدام من المقامِ الرَّفيع من الناس.

بدت معالمها ذابلة، وعيناها مُبتلّة، وطلائعها مُحمرّة، الإرهاق سرق الرونق من وجهها، والخوف يُكبِّل قدميها عن التَّقدُّم؛ فتجِد رَجُلان غِلاظ الجُثّة من الحرس يدفعونها بغِلظة، وجسدها الرَّقيق يتهاوى مع كُلِّ دفعة.

كانت تسير إلى الموت بقدميها على هذهِ الحال، ومن أسوار القصر يظهر الأمير تشانيول يرتدي زي الأُمراء الفاخر فيما يُعلِّق سيفه على خصرِه؛ مِثلَ الأمير والقائد العسكري الذي هو عليه.

والملك بيكهيون بين العامّة عاجزًا عن فعل أي شيء ليُساعدها، كان يركض إلى المَنصّة بجنون، ولا يتردد في أن يصعد المنصة ويكشف عن وجهه؛ ولو كانت النتيجة سهمًا في قلبه بدلًا منها.

لكن هيريم منعته، إذ تشبَّثت بخصرِه، تُسوره بين ذراعيه، وتتشبَّث في الارض على مقدرتها وتتوسله.

"أرجوك لا تتهور، أرجوك سيقتلونك!"

تفلَّت منها وصرخ فيها بقوّة.

"دعيني! أراهم يقتلون إمرأتي ولا أفعل شيء؟!"

ركض إلى المنصّة لكن هيريم تشبَّثت بساقيه بقوّة تتوسله.

"لا تقتل نفسك أرجوك يا مولاي!"

دفع بها عن قدمه يصيح بغلظة.

"إبتعدي عني!"

وفجأة؛ حينما أُمِرَ حامل السهم أن يُطلق على الملكة أُصيب هو بدلًا منها بسهمٍ غليظ، وظهر فارس مُلثَّم مُتَّشِح بالسواد على حِصانه يحملُ سيفًا، وخلفه فُرسان آخرون يحملون السِّهام، ويطلقون على كل من تعدّى على طريق الفارس الأول.

خطف الفارس ذاك الملكة، إذ رفعها بذراعه من خصرها ووضعها على حِصانه، ورمى سهمًا على منصَّةِ الإعدام يحمل علمًا؛ علم جماعة المُتمرّدين؛ جماعة القمر الدموي.

الأمير تشانيول إغتاظ على آخره من هؤلاء المُتمرِّدين، الذين لا يكفّوا عن تدمير خُططِه دومًا.

وهذهِ المرّة؛ هو مُصِر ألا يفسدوا خُطَّتُه، لا هُم ولا غيرهم، إذ خطف القوس والسهم المُغمَّس بالسُّم من يد الرّامي، صوَّبه ناحية ناري وأطلقه، فأنغرس في صدرِها وارتد جسدها بقوة على الفارس خلفها، ولولا أنّ الفارس قوي البُنية لسقط كلاهما معًا من على ظهر الحِصان، لكنَّ الفارس تمسَّك بخصرِها، وهرب بها يتبعونه فُرسان آخرون.

وقفت هيريم عن الأرضِ سريعًا، وتمسَّكت بذراع الملك.

"إنَّهُ سيهون... هيا بِنا إليهم مولاي!"

إجتذبته من ذراعه، والإثنان ركضا خارج التَّجمُّع حتى وصلا حدود الغاب، كان بإنتظارهُما بعضِ الرِّجال والأحصِنة، إمتطى كُلٌّ منهما حِصانه وانطلقوا إلى المَقر، حيثُ ستكون ناري.

نظرت هيريم إلى بيكهيون فيما تمتطي حِصانها، جبهته تتعرَّق، عيناه ثائرة، ومعالمه مُحتَّدة على آخرها؛ لا شك أنَّهُ يُحبُّها كثيرًا.

..........................

وأما في المَقر؛ فلقد كان الوزير جونغكوك بِرِفقة القائد كيونغسو يأخذان جولة تفقُّديّة حول المَقر بينما أطفال الملك الخمس خارج مَطلَع الكهف، الصِّغار يلعبون وعين الملكة راهي عليهم بينما بيكهي وجيهان تسيران قريبًا.

"لا يُعجبني أن أبي خرج ليرى الناس في السوق، بالتأكيد هُم يتكلَّمون عليه بالمُنكر، ويمتدحون خالي"

ربَّتت بيكهي على كتفِ أُختها ونبست.

"لا تقلقي على أبي، هو رجل قوي، ما زال عليه أن يستعيد مُلكُه لذا سيَمُر بصعوباتٍ شائكة أكثر، ثِقي بي... هكذا تجعلينه أقوى"

نظرت جيهان نحو بوابة الكهف؛ هُناك حيثُ يمتطي جونغ إن فَرسه في حالةِ تأهُّب، إذ كان يضع لِثامًا على وجهه يُبرز جمال عينيه الساحرتين بينما يُعلِّق سيفًا على خصره، بدى مُهيبًا برداءه الأسود، ومُغريًا تطيب للعين النظر إليه.

"بيكهي، من هذا؟!"

إلتفتت بيكهي تنظر إلى حيثُ تُشير جيهان، وإذ به جونغ إن، تبسَّمت بيكهي وقالت.

"هذا القائد جونغ إن، لمظهرهِ هيبة، هو فارس ومُحارب شُجاع، لكن لديهِ شخصيّة سخيفة لا أُطيقها"

همهمت جيهان بشرود بينما تنظر إليه، فوكزتها بيكهي.

"ماذا؟! أيُعجبك؟!"

سُرعان ما ضربتها جيهان على كتفها بمعالم قد تعبّأن بالخجل، وبيكهي ضحكت.

"ماذا تقولين؟!

أنا أميرة وهو مُجرَّد مُتمرِّد بربري!"

وضعت بيكهي يدها على فم جيهان تُسكتها وقالت.

"أيَّتُها المجنونة، لا تقولي أمامه مثل هذا الكلام، هو تحديدًا لن يسكت"

برمت جيهان شفتيها ونبست.

"وماذا سيفعل؟!"

إقتربت بيكهي وهمست لها بأُذنِها.

"قد يقول لكِ كلامًا فاحِشًا"

حينها شهقت جيهان تَسُد فاهها بيدها وقالت.

"أمجنونة أنتِ؟!

حينها سأٌخبر أبي أن يدق عُنقه"

بيكهي ضحكت.

"يا ابنة أبيكِ المُدلَّلة، أنتِ وأبوكِ بحمايته الآن!"

تأفأفت جيهان تُبرز شفتيها، وبلا تدابير وقعت عينها بعينه، فابتسم من شِدق وغارت عينه بإثارة، وغمز لها بالأُخرى، فشهقت بقوّة واشتكت منه لأُختها.

"لقد غمز لي!"

"لقد أخبرتُكِ أنَّهُ وقح"

ضحكت بيكهي على أُختها، ولكن فجأة رُمي سهم بإتجاه القائد الأسمر جونغ إن، وهو سهم من جماعته، حمل السهم بيده ثم صاح بالفُرسان يمتطي جواده.

"إنَّها إشارة من مَدخلِ الغابة!"

إنطلق جونغ إن خلفه فُرسان كُثر، بيكهي ركضت إلى تلك البُقعة حيث وقف الوزير الأول جونغكوك، وقائد المَقر كيونغسو في حالة من التّأهُّب.

جيهان ركضت خلف أُختها لا تفهم ما يحدث.

"ما الذي يحدث؟!"

تنهَّد جونغكوك ومنح الأميرة الإجابة.

"تلك الإشارة تعني أن أمرًا ما لا يسير على ما يُرام معهم"

سُرعان ما تمسَّكت جيهان بشقيقتها بفزع تقول.

"يا إلهي... أبي!"

ربَّتت عليها بيكهي ورغم شعورها بالقلق إلا أنّها طمأنت أُختها.

"أبي بخير... سيكون بخير، أنا واثقة!"

وهكذا وقف الجميع بإنتظار وصول الفُرسان وعودة الملك، ولم يرتح لأي منهم بال فيما ينتظرون، الأميرتان بيكهي وجيهان والملكة راهي؛ الجميع بالإنتظار.

وبعد طولِ إنتظار؛ أخيرًا أصبحوا يسمعون صهيل الأحصِنة قادمة من قلبِ الغاب وتُدركهُم.

تأهبَ الجميع؛ وإذ بالملكة ناري تنزف على حِصان القائد سيهون، هرع الجميع إليها، وحملها جونغكوك من على الحِصان، وانطلق بها إلى الدّاخِل.

"أُمي!"

همست بيكهي فيما تضع يدها على فمِها بدهشة وبالفعلِ هي تبكي، فأُمِّها مُصابة إصابةً بليغة، ركضت بيكهي خلف جونغكوك إلى قلبِ الكهف، كذلك التؤامان تبكيان على أُمهما، لكن الملكة راهي تصرَّفت سريعًا، وأخذت الأطفال بعيدًا.

"احضروا الطبيب!"

صرخ جونغكوك بتلك، وولج بها إلى العيادة، وضعها على الفراش وهلع الأطباء لمُعالجتها، وأمّا في الخارج؛ فتقِف بيكهي وهي مُنهارة وتبكي بحرقة فيما جيهان تتمسَّك بها وتُحاول تهدئتِها، لكن لا نفع.

الأطباء بالدّاخل يحاولون إنقاذ حياة الملكة، وفي الخارج الجميع بإنتظار الأخبار على أحرِّ من الجمر.

وقف سيهون وخلع لِثامه فيما يتنفَّس بقوّة، حينها سأله جونغ إن.

"ما الذي حدث؟!"

تنهَّد سيهون بإرهاق وأجابه.

"لقد أمر الأمير تشانيول بإعدامِها، وحينما فررتُ بها من على منصَّةِ الإعدام الأمير تشانيول أطلق نحوها سهمًا"

جيهان صاحت.

"خالي من فعل؟!"

إلتفتَ سيهون للفتاة الصغيرة ذات المعالم المذهولة، فأومئ لها.

في تلكَ الأثناء وصل الملك بيكهيون أخيرًا خلفه القائدة هيريم، كان يسير على عجلة ويصيح بإنفعال؛ لِكثرةِ قلقه.

"أين ناري؟!"

أشارت له بيكهي إلى الداخل، لكن القائد كيونغسو إعترض طريقه.

"لا يُمكنكَ الدخول مولاي، إن دخلتَ لن يستطيع الطاقم الطبّي فعل شيء لصالحها، لا تُعيق عملهم مولاي، تحلّى بالصَّبرِ رجاءً!"

تنهد بيكهيون وأومئ، ثم تراجع عن الباب وإلتفت حوله فيما يتخصَّر، عيناه مُحمرّة لأنه يحبس دموعه، ويداه التي على خصره ترتجف.

"أبي!"

نظر بيكهيون نحو إبنته المُنهارة في البُكاء، فأشار لها أن تأتيه، ودسَّها بين ذراعيه، وبيكهي بكت على كتفه كثيرًا فيما يداه تُعانقها لتهدئتها رغم أنَّهُ بحاجة من يهدئه.

نظرت هيريم إليه ونبست.

"لا تقلق مولاي، بالتّأكيد جلالتها ستكون بخير!"

أومئ وأسند وجنته على رأس إبنته فيما يده تمسح على رأسها.

"بالتأكيد، ناري ستكون بخير!"

هكذا حتى خرج الطبيب تعلوه ملامح مُتأسِّفة، وفيما الجميع ينظر له تحدَّث.

"للأسفِ السهم مغموس بالسُّم، وهذا السُّم لا ترياق معروف له، قد تلفظ نفسها الأخير في أي لحظة"

إنهارت بيكهي تصرخ وتصيح وجيهان تحاول تهدئتها، لكن بيكهيون دفع بالطبيب عن طريقه، ودخل إلى العيادة، فوجدها تتمدد على ظهرها في حالة مُزرية، لكنَّها حينما رأته إبتسمت وهمست.

"لقد كنتُ أعلم أنَّك حي!"

تقدَّم منها، وجلس بجوارها، ثم رفع يدها بين يديه، وطبع عليها قُبلة، ثم سقطت دمعة من عينيه على يدها.

"أنا لم أستطِع حمايتك!"

إزدرئت جوفها ثم تحدَّثت بصعوبة.

"لا تفكر هكذا مولاي، أنتَ لستَ مُذنِبًا!"

وضع جبهته فوق أيديهم وهمس.

"أنا آسف!"
رفعت يدها بصعوبة لتمسح دموعه.

"لا تبكي، لا بأس... لقد كانت حياة سعيدة، لو خُيرتُ أن أولد لهذهِ الحياة مجددًا لأخترتك مُجددًا، لا بأس أن أعيش حياة قصيرة طالما أنني قضيتُها بسعادة معك"

إحتضن وجنتها براحته، لكنه سحبها برفق حينما دخلت بيكهي ومعها بايان ولايان، إبتسمت ناري بصعوبة وتذمَّرت برفق.

"لا تبكوا، لا أريد أن تكون آخر لحظاتي معكم حزينة!"

عانقنها بناتها الثلاث وبيكهي تمسَّكت بيدها بقوة فيما تبكي، وحينما إشتد الألم على ناري تأوهت وبصقت دماءً من شفتيها، فصرخ بيكهيون يستدعي الطبيب، لكن ناري شَدَّت يدها عليه وقالت.

"أرجوك انظر إليّ!"

نظر لها وقد دخل الطبيب خلفه الوزير والقادة الأربعة، تبسَّمت ناري بصعوبة فيما تنظر لهم، ثم نظرت إلى بيكهيون مُجدَّدًا وهمست له.

"أرى أن بظهرك الكثير من الناس المستعدين أن يفدونك بروحهم، إستغلهم واستعد عرشك مهما كلَّفكَ الأمر من تضحيات، لا يُمكن أن تخسر... هذا سيكون إنتقامي، أرجوك إنتقم لي هكذا مولاي!"

شهقت بقوّة ولوت ظهرها، وقبل أن تشهق شهقتها الأخيرة همست.

"بيكهيون أنا أُحبُك!"

.........................................

يُتبَع...

الفصل الثاني عشر "قلبي يتمزَّق"
الرواية التاريخيّة "العنقاء|| The Emperor's Return"

19th/Apr/2021

.........................

سلاااااااااااام

بارت حزين بائس... يلا نبكي😭😭😭💔

الفصل القادم بعد 100فوت و 100كومنت.

1.رأيكم بناري؟!

مواجهتها لتشانيول؟!

شجاعتها في مواجهة الموت؟!

2.رأيكم بتشانيول؟

حُكمه على ناري؟ والمتمردين؟ وجونغداي وايشينغ؟

3.هل سيقدران جونغداي وايشينغ أن يفعلا شيئًا لصالح الملك؟

4.رأيكم ببيكهيون؟

كلامه مع هيريم؟

ردة فعله على إصابة ناري؟!

5.كلمة أخيرة لناري؟

6. رأيكم بالفصل ككل و توقعاتكم للقادم؟!


دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤

© Mercy Ariana Park,
книга «العنقاء/ The King's Return».
CH13||جِراحُ المَلِك
Коментарі