ما قبل الإحتراق
CH1||سياسة التَّمرُّد
CH2||الملك أيضًا أب
CH3||بِدء التنفيذ
CH4||كرامة الملك
CH5||تأثير الفراش
CH6||اسم الملك
CH7||الإمبراطور
CH8||نِصف قمر دموي
CH9||على حافة الهاوية
CH10||العرش يهتز
CH11||عصر من الظلام
CH12||قلبي يتمزَّق
CH13||جِراحُ المَلِك
CH14||العنقاء إحترق
CH15||شرانق عواطف
CH16||إبنة الكهوف
CH17|| الحب في سيماءه
CH18|| القلوب تبكي
CH19||الحيرة والحب
CH20|| المُفارقات
CH21|| البطلة
CH22||سيّدة التَّفرُّد
CH23||شُعلات حُب وحرب
CH24||كش ملك
CH25||خيبة
CH26||الحُب والحرب
CH27||ساعة الحِساب
CH28||عجز
CH29|| مُنكسرة الفؤاد
CH30||زمهرير
CH21|| البطلة








بيون بيكهيون
(الملك الإمبراطور المَغولي الصيني على مملكة يوان الصينيّة المغوليّة) 

بطل:

العنقاء|| The King's Return

"البطلة"

...

أحيانًا نخافُ حصول شيء مُعيَّن في المُستقبل، نُرجِّح حدوثه وفكرة أنَّهُ لرُبَّما يحدُث تُرعِبُنا، لقد كنتُ خائفة دومًا مِمّا قد يحصلُ لي لو وقعتُ بيد الأمير تشانيول واتباعه، ها أنا وقعت ولكن الخوف لا يتربص بي... أنا لا أخاف شيء أبدًا.

لقد إكتشفتُ أنَّ بي قوَّة عظيمة، ليست نابعة من مركزي كقائدة لجماعة مَهولة من المُتمرِّدين الخارجين عن القانون المحكومين بالإعدام غيبًا، دمي مسفوكة ولكنَّني لستُ خائفة الآن.

جسدي ضعيف مكلوم ومجروح، لقد إستطاعوا عليَّ غدرًا، فأنا نِدًا لهم جميعًا ما دمتُ لا أملك أي خوف في نفسي، ما دمتُ أملك هدفًا في تمرُّدي على حُكمِهم، ما دمتُ أملك المهارة والصبر الذي لا يمتلكونه.

فأنا بالنهاية هيريم قائدة جماعة القمر الدموي، معروفٌ عنّي أنّي بربريّة مُجرِمة ومُتمرِّدة هاربة من وجهِ القانون الذي لا عدالة فيه، مسفوكٌ دمي، محكوم عليَّ بالإعدام غليًّا بالمياه، ولكنني أجدُ نفسي لا أخاف من كل هذا لأن لا مكان لذرَّةِ ندم في جوفي.

...

وصلَ رِجال الملك تشانيول إلى القصر يحملون معهم رهينةَ هذهِ المعركة، فيما انطلق قائدهم إلى تشانيول يُبلِّغُه.

إذ دخل إلى بلاط الملك الخاص، العاهل تشانيول يجلس على طاولته بينما وزيره الأول جيمين يقف على مقرُبة منه ويشرح لها تفاصيل المُلاماسات، التي تُرفع إلى مكتبِه.

ولج حارس البوّابة يُعلِم مولاه ورأسهُ مُطأطأ فيما يحمل بيدِه سيفه.

"مولاي؛ قائد الكتيبة الخاصّة يبغي الدخول!"

أبعد تشانيول من أمامه المُلامسات وأومئ لحارسه.

"آذن له بالدخول"

"أمرُ مولاي"

إنحنى الحارس لمولاه، ثم خرج يأذن لقائد الكتيبة بالدخول، الوزير جيمين نظر إلى الملك بعينٍ مُستائة، هكذا هو؛ يركض خلف الشرور وينسى مُحاباة الشعب، يُريد حكم الناس بقوّة السلاح، لا بما يُقدمه لهم، هو بالفعل لا يقدم لهم بل يأخذ منهم وحسب.

ولج قائد الكتيبة وانحنى للمولى ثم قال ورأسه مُنخفضًا ويحمل بيدِه سيفه.

"مولاي، لقد تشابكنا مع قائدة المُتمرِّدين وقبضنا عليها"

وقف تشانيول بحماسة وحمل سيفه، لكن القائد عرَّض على حماس الملك.

"ولكنَّها يا مولاي أُصيبت إصابة بالغة في ظهرِها وقدمِها، وتحتاج للرعاية الصحيّة وإلا سوف تموت!"

ضرب تشانيول طاولته بعصبيّة وصاح في وجه الرجل.

"ما الهُراء الذي تتفوَّه به؟! هل كنتُ أنا أنتظر العدم؟! اخرج من هنا!"

إنحنى القائد بخوف للملك ثم خرج، تلفَّت حينها تشانيول إلى جيمين وهو غاضب، وبعد تنهيدة قصد بها تهدئة نفسه قال له.

"اشرف على علاج المُتمرِّدة، ووافِني بأخبارها أوّلًا بأول!"

إنحى له جيمين قبل أن يُغادر.

"أمرُكَ مولاي!"

خرج جيمين من بلاط الملك الخاص وبقيَ تشانيول فيه وحده يَدُب فيه الحماس، أخيرًا أصبحت الحسناء المُتمرِّدة في قبضتِه، إنها مشهورة بهذا اللقب بين الناس، رأى تَمرُّدها الآن يرغب في رؤية حُسنها، هل تستحق أن تُنعَت بالحسناء حتى؟!

خرج جيمين إلى المستوصف لرؤية كيف تسير الأمور مع هذه الأسيرة الجديدة، حالما دخل دلّوه عليها، رأى جسدًا صغيرًا وناعمًا تلبسهُ ثياب الرجال الخشنة، تنام على بطنِها وقميصها مشقوق وكل ظهرها مكشوف كذلك قدمها، يحاوطونها عدد لا بأس به من الحُكماء لمُعالجتِها.

اقترب جيمين وعيناه آسية، بصدق لا يروقه ما يراه، هل ذهب عشرون رَجُلًا أشداء وعُظماء البُنية ليُحاربوا فتاة واحدة ضئيلة الحجم كهذه؟! ألهذهِ الدرجة هذه الفتاة المسكينة خطيرة؟!

تنهد وسع رأتيه ثم نظر نحو الحُكماء يُزيح بصره عنها.

"كيف هي حالتها؟!"

إنحنى له الطبيب ثم أعلمه.

"الجُرح في قدمها قد يُسبب لها عاهة أبديّة، الإصابة في ظهرها تُشكِّل خطر على حياتها، قد تنجو وقد لا تنجو!"

تنهد جيمين ملئ صدره، ثم أومئ وهو ينظر لها تنام هكذا ولا تشعر بأي شيء يحدُث من حولها، هي لو رأت حالتها الآن لفضلت أن تموت على أن تكون ضعيفة على هذا السرير، أن يكون جسدها مكشوف على السرير هكذا، وكل هؤلاء الرجال ينبشون بجسدِها بِحُريّة.

ربَّتَ جيمين على كتفِ الطبيب قبل أن يُغادِر قائلًا.

"اهتم بها، ولا يُسمح لأي أحد أن يدخل إليها، اخبروني بمُستجدات حالتِها على الدوام، وحينما تفيق ابلغوني!"

إنحنى له الطبيب قائلًا.

"أمرُكَ سيدي!"

غادر جيمين من عندها وهو يُفكِّر، ربما ستنجو من قبضةِ الموت الآن، ولكنَّهُ يخشى ألا تنجو من قبضةِ تشانيول لاحقًا.

بالنِّسبةِ لجيمين؛ فهو لا يُطيق أن يرى إمرأة تتعذَّب أو تُأسر أو تُعاقب حتى لو كان الأمر على وجهِ حق.

هذهِ الفتاة لا تختلف عن أفراد الشعب إلا بالشجاعة، فهي شُجاعة كفايّة لتتمرَّد علنًا على أنظمةِ الدولة الظالمة وحُكمها الجائر، بينما بقية الناس معرضون ولكنهم لا يجرؤون أن يتكلَّموا.

قاطع طريقه الملك مع حاشيته، فأوقفه تشانيول للسؤال.

"كيف حالتها أيُّها الوزير؟!"

"سيئة للغاية مولاي، قد تموت"

رفع تشانيول سيفه وضربه بالأرض بقوّة وقال فيما عيناه تقدح غضبًا وحِقدًا.

"إن ماتت سأقتل هؤلاء الحمقى، لأنَّني لم أستفِد شيء بالحصول عليها ميّتة!"

...

لَحِظَ جونغ إن في الصباح أن هودج الأميرة متوقِف قريبًا من خيمة لم يراها منصوبة البارحة، بل لم يأمُر بنصبِ مثلِها.

قطب حاجبيه في إستغراب وأنزعاج، ثم أشار لإحدى رِجاله، الذي يتولّى الحِراسة أن يأتي إليه، فأدركه الرَجُل قائلًا.

"تفضَّل سيدي القائد!"

أشار جونغ إن إلى الخيمة الغريبة وسأله.

"لِمن تِلك الخيمة؟!"

نظر الرجل إلى ما ينظر إليه قائده ثم قال مُتخوِّفًا.

"في الحقيقة؛ الأميرة عادت بفيلقها، وأمرت أن ننصُب لها الخيمة"

إلتفَّ جونغ إن إلى الرَّجُل بغضب واتبع.

"ولكنَّني أمرت أن تعود إلى المَقر!"

أخفض الرجل رأسهُ مومئً.

"نعم سيدي؛ لكنَّها قالت أنَّكَ قائد علينا لا عليها، وليست من صلحياتِك أن تُملي عليها الأوامر"

رمق القائد المُجنَّد بإنزعاج، فكاد أن ينحني له الأخير مُتأسِّفًا لولا أنَّ جونغ إن منعه وربَّت على كتفه لينصرف.

قصد جونغ إن خيمة الأميرة، ورأى أونو يقف قريبًا من خيمتها لِحراستِها. حينها إنطلق إليه تشانيول والغضب يفوح من نفسه وعينيه؛ فهذا الرجل الصغير الحقير تجرَّأ وعصى كلمة القائد، إذ أمسك بتلابيب ثيابه وخنقه بها فيما يتحدَّث بعصبيّة مُفرِطة.

"أتجرؤ أيُّها البغيض أن تُخالف أوامري، وتعود بالأميرة إلى هنا، من سمح لك؟!"

"أنا فعلت!"

كان صوتها حازِمًا قويًّا ومُختلِفًا عن الأمس، فالأمس كانت تتحدَّث معه وتقف أمامه فتاة صغيرة تُحبه، الآن تقف أمامه إبنة الملك، الأميرة بِسُلطتِها وعِزِّها وجاهِها.

أدركتهما الأميرة ووقفت قريبة منهما تتحدَّث إلى القائد وهو يخنق الرَّجُل، الذي ذكرها بمكانتها وسُلطتها.

"أفلته، أنا أمرت أن نعود!"

صَرَّ جونغ إن على أسنانه بغضب وهو يُزيد قوة قبضتيه على عُنقِ أونو حتى إحمرَّ وجه الأخير، فصرخت به.

"قُلتُ لكَ أفلِته، هذا أمر من الأميرة!"

أفلته جونغ إن، ليس لأن الأميرة أمرت بل لأنَّهُ لا ينوي أن يقتل أحد. كان أونو يتنفَّس بصعوبة ويسعل فيما يتمسَّك برقبتِه. نظرت إليه الأميرة واتبعت في نبرة ليّنة رُغم ملامحها الحادة، التي لو لمسها قد تجرحه.

"اذهب وارتح ريثما نسير"

إنحنى لها أونو قبل أن يُغادِر.

"أمرُكِ سموَّكِ!"

إقتربت جيهان من جونغ إن حتى وقفت قِبالته، كانت تقف برزان وثبات، ليست وكأنَّها تقف في حضرةِ البربري الذي تعشقه، تطلُّعاتها إليه حادة كما يتطلَّع إليها، ولكن الفارق أنَّهُ يميل أن يهزئ أكثر؛ إذ قال رافعًا حاجبه موضِّحًا.

"لم أتركه لأن الأميرة أمرت بل تركته لأني لا أريد قتل أحد. أنا لا يأمرني أحد أيَّتُها الأميرة، أن آمر لا أؤمَر!"

قطبت حاجبيها بإنزعاج فاتبعت.

"ألستَ صينيًا مَغولي، إذًا أمري سارٍ عليك!"

ضحك جونغ إن يهزأ من حُجتها ونفى مُتبعًا.

"لا يا سمو الأميرة، أنا مُتمرِّد بربري، مُجرم محكوم بالإعدام غيبًا، وهارب من حُكمكِ؛ لذا ما تقولينه ليس ساريًا علي، أنا أتمرَّد على كل الأوامر، تعودتُ على إلقاء الأوامر، لا تنفيذها!"

لم تُجادله فيما يقول؛ لأن للأسف كلامه صحيح، لقد وقعت في حُبِ البربري المُتمرِّد وهي تُدرِك ذلك، لكنَّهُ لم تُحب فيه كل تلك الصفات، بل إنَّها رأت له قلبًا نظيفًا نقيًّا لطيفًا مع الجميع إلّاها؛ لذا رغبت بسؤاله سؤال.

"ما دمتَ خارجًا عن طوعِ الملك ومملكته، لِمَ أنقذتَ أبي وتذهب في هذه الرحلة لمُساعدتِه في إستعادة عرشه رُغمَ أنَّهُ من حكم عليكَ بالإعدام؟!"

إقترب منها وتخصَّر يهزأ.

"صحيح أن والدكِ بغيض ولئيم معنا، ولكنني أحبه، وأنوي أن أتزوج منه حينما يعود إلى عرشِه، وأصبح ملكته المُفضَّلة!"

في موقفٍ كهذا؛ حاولت جيهان أن تُبدي غضبها من سُخريته، لكنَّها إنفجرت ضاحكة.

"حسنًا جيد، أرجو لك التوفيق بأن تصبح زوجة أبي!"

قلَّدها في سُخرية قبل أن ينصرِف.

"انننن..."

همست بإستغراب وهي تبتسم.

"ما هذا السلوك؟!"

وبعدما سار تذكَّر قول أمرًا فإلتفت لها.

"اه صحيح! لولا أنني لا أستطيع أن أُتمِم المهمة دونك لأعدتكِ يا سمو الأميرة رغمًا عن سُلطتكِ ومكانتكِ التي لا تهمني، احظي ببعضِ الراحة قبل أن ننطلق!"

أومأت له ثم ضربت قبضة في الهواء وقفزت بِخفَّة.

"أخيرًا!"

لكن سُرعان ما خيَّمَ الغم على معالمِ وجهها وتذكَّرت شقيقتها، يا تُرى ما الذي يحدث لها الآن، وكيف كانت ردة فعل الوزير الأول جونغكوك حينما رأى أنَّها عروسِه وليست جيهان.

جيهان كانت خائفة وقلِقة على أُختها، وترجو ألا يكون جونغكوك قد تزمَّت وأرجعها إلى المَقر، لأن حينها ستحصُل مُصيبة بِكُلِ تأكيد، الأب بيكهيون لن يجعل الأمر يمضي على خير ويتقبَّل الواقع.

تنهدت جيهان وولجت خيمتها وتذكرت تلك الليلة جيدًا، يوم كانت في حُجرتِها في المَقر وهي تلبس ثياب العروس بشكلٍ بائس، كانت تبكي ولا تُصدِّق أن والدها قد قطَّعَ أحلامها ورغباتها في تلك الطريقة، التي تقطع حِبال وصالها مع السعادة والحياة حتى.

حينها دخلت إليها بيكهي، وبالطريقة التي دخلت شعرت جيهان أن أُختها تُخطِّط لشيءٍ ما؛ إذ كانت تتخفَّى وتتحرَّى لو أحد رآها، وما إن آمنت على نفسها دخلت تستعجل أختها قائلة.

"انهضي سريعًا ودعينا نُبدِّل ثيابنا، أنتِ إرتدي ثيابي، وأنا سأرتدي ثيابك!"

وقفت جيهان سريعًا يعلوها الخوف والهلع.

"لا مستحيل؛ ما الذي تفعلينه؟!
أبي سيقتُلنا لو عَلِم!"

تنهدت بيكهي وزلفت من أختها حتى تمسَّكت بكتفي شقيقتها تقول وقد بانت عليها الثقة فيما تقول.

"أبي لن يؤذينا، نحنُ في النهاية بناتُه، وهو لن يقدر أن يُفرِّط بنا. صحيح أنَّهُ سيغضب وربما يضربنا ويحبسنا، لكنَّهُ لن يقتلنا، دعينا لا نُفكِر بنوبةِ غضبه الآن، وافعلي ما أُمليه عليك!"

تمسَّكت بيكهي بثوب جيهان تخلعه عنها، لكن جيهان تراجعت وهي تنفي برأسها وتبكي.

"لا يمكن، ما زِلتُ لا أستطيع أن أفعل ذلك، لِمَ قد ترغبين بأخذِ مكاني؟! لِمَ قد تتزوَّجي الوزير بدلًا مني!"

تنهدت بيكهي واقتربت من أختها تشرح لها على إستعجال.

"لأنَّ بقلبكِ البربري، أنتِ لن تُحبي الوزير أبدًا ولن تتحمَّلي عبأ الزواج منه. بينما أنا لم يندس بقلبي أي رجل، وللوزير فرصة معي أن أعيش معه دونما أفكر برجل غيره، زواجكِ ليس ظُلمًا لكِ وحسب بل وظُلمًا للوزير؛ لذا سآخذ مكانك!"

أسرعت في تجريد أختها من فستانها بينما الأخيرة تتحدث.

"لكن يا بيكهي ل...."

"لا لكن، فقط نفِّذي ما أقوله، وأنا سأتحمل النتيجة لاحقًا أعدك!"

جرَّدتها من ثيابها ولبستها، تبادلن الثياب ثم بيكهي دفعت بجيهان للخارج تقول.

"اذهبي واجلسي في الهودج حتى آتي إليكِ، وخذي هذا الخِمار، تظاهري أنَّكِ العروس لو آتى أبي ليودعك!"

أخذت جيهان الشال الأحمر، وذهبت لتجلس في هودجها حتى تنطلق القافلة بينما بيكهي ذهبت وتزوجت بالوزير بدلًا منها.

وهكذا تمَّت الأمور، صحيح أن جيهان تمسَّكت بموقفها الرافض لتضحية بيكهي، لكنها لم تستطع ألا تفكر بنفسها بتلك المرة، لمرة واحدة؛ أرادت أن تصل لشيء أرادته، وهي أرادت هذا البربري ولم ترى أن والدها الملك له الحق في مثل هذه المسألة، التي تخص حياتها بشكلٍ خاص، حتى لو كان العُرف والعادة وكل الناس معه، هي لا تستطيع أن تستيقظ بِحُضنِ رجل لا تحبه.

...

وأما عند بيكهي؛ فلقد سارت المسيرة بعدما أرجعها جونغكوك، واستمرَّت في السير حتى توقفت في مكان المُخيَّم وبدأ الرجال في نصب الخيم والنساء في تحضير الطعام.

مُذُّ أن أنقذها من مخالب الدب الصغير وأعادها معه لم ينظر إليها حتى أو يتكلَّم معها، لكن ماذا تفعل؟!

يجب أن يتزوجها وإلا سيكون الطلاق جائزًا حين العودة، لا تريد أن يُطلِّقها جونغكوك، فذلك سيُلحق العار بها وبأختها للأبد، كما أنه سيفرض عليهما للأبد أن يعشن بلا رجل، بوِحدة حتى الموت؛ لذا وجب أن تُقنِع جونغكوك أن يتزوج بها جسديًّا ولو لمرة واحدة وإلا سيكون مصيرها وهذا الزواج الهلاك بلا شك.

إنتصبت خيمتها وخيام الجميع، ثم طلبت بيكهي من إحدى السيدات اللواتي يبقين معها لخدمتها أن تُنادي جونغكوك، فذهبت تقبل ذلك.

كانت خائفة الأميرة ألا يقبل جونغكوك أن يأتي لها بعد الذي فعلته، لكن ظنونها تكسَّرت حينما سمعته يتحمحم قُرب بوابة الخيمة.

"تفضّل!"

قالت تأذن له بالدخول وأشارت للنساء أن يتركوهما لوحدهما. كان يسير في هيبته وعلياءه المُعتاد فيما يضم كفيّه خلف ظهره، بدى مُنزعجًا من حواجبه المُقطبة وشفتاه المرصوصة في ضيق.

"ماذا تُريدين يا سمو الأميرة؟"

أجابت دون أن تحيد عنه أو ترتبك حتى.

"أريدك أن تتزوَّجني"

تنهد جومغكوك في ضيق وإلتفت ليُدبر، ولكن رجاءها إستوقفه.

"أرجوكَ تزوج بي يا جونغكوك، أنتَ تعلم جيدًا ماذا سيكون مصيري ومصير هذا الزواج لو لم تُتمِمه!"

إلتفت لها جونغكوك مُهذِّبًا إنفعاله وتنهَّد.

"كان عليكِ أن تُفكِّري بمصير هذا الزواج قبل أن تتزوَّجي بي!"

واستدار ليخرج، لكنَّها ألقت قدح الماء عليه فأصاب صِدغه، وهي صرخت به.

"وما كان سيكون مصير زواجك من أختي بينما هي تحُب القائد البربري وأنتَ تُحبني؟! سيكون مصيره أسوء من هذا الزواج!"

إلتفت لها وصِدغه يُنقِّط دماءً، لم يمسحه بل تركها ترى أثر إعتدائها عليه، واقترب منها مُشتدًّا على آخره، يُحبها ولا ينكر، ولكن لا يمكن لهذا الحُب أن يكون نقطة ضعفه أمامها، لقد تعوَّد أن يكون حُبه لها مصدر قوّته، ويريد أن يحتفظ بهذهِ العادة.

أمسك بمرفقيها واجتذبها إلى ما بين يديه، لكنَّها شهقت وهي ترى دماءه تنساب من على صدغه بغزارة، لم تَكُ تقصد أن تُصيبه إلى هذه الدرجة، فنبست وعيناها تملأها الدموع قبل أن يقول أي شيء.

"أنا آسفة!"

وجونغكوك استطرد لا يأبه بإصابته، ولا بالدم الذي ينسكب من فتقِ رأسه، ولا بإعتذارها وملامحها المُتأسِّفة.

"استمعي إلي جيدًا يا سمو الأميرة؛ لو نفَّذتُ طلبكِ معناه أنَّني آذن لنفسي أن أخون جلالة الملك وما أنا بخائن، هذا ما يعنيه الأمر لي!"

دموع بيكهي تمشي على خدّيها بلا حسيس، وكأنَّ من الداخل تخدَّرت فما عادت الدموع تؤلم، أومأت برأسها فأفلتها وتراجع، لكنَّها قالت بينما ينظر إلى معالمها البائسة، والتي بالمناسبة يكرهها جدًا، يكره أن يرى للحزن مكانًا في عينيها، لكنَّهُ هذه المرّة لا يستطيع أن يفعل شيء.

"حينما نعود إلى المقر ويكتشف أبي الأمر سيعرضني على طبيبة لتفحصني، ولو تبيَّن أنَّكَ لم تتزوَّج بي سيُطلقني منك، وكِلانا سيعيش وحده بلا مؤنس للأبد، فأنا تزوجت وتطلَّقت، وأنت تزوجت ابنة الملك. هل هذهِ الأحداث البائسة أفضل لكَ من أن تتزوجني وتتحمَّل غضب أبي قليلًا حتى تفوز بحبك؟!"

جونغكوك يتفهَّم الموقف جدًا، ويفهم تبعات أي خيار يختاره، لو كان الأمر يقتصر على مواجهة غضب الملك والظفر بحبه لما كان هذا موقفه، لكنَّهُ لا يتحمل أن يرى في عيني الملك إتهامًا بالخيانة ولو ما لفظه لسانه.

"ما زِلتُ على موقفي يا سمو الأميرة، لن يحدث أي مما ببالك بيننا"

خلعت عباءتها الملكيّة وقذفته بها تصرخ بغضب وتبكي.

"اللعنة عليك!"

ثم بدأت وأمام عينيه تخلع ثوبها أمامه، فتحدَّث بإنفعالٍ وقلق.

"ما الذي تفعلينه؟!"

صرخت وهي تستمر بخلعِ ملابسها؛ لذا إلتفت يمنحها ظهره وصاح بها.

"توقفي أيَّتُها المجنونة!"

ردَّت على صُراخه بِصُراخ.

"لن أتوقَّف، وسأفعل ذلك بنفسي وسأقول أنَّكَ من فعلتها!"

حرَّك رأسه يمينًا ناحيتها مذهولًا.

"هل أنتِ جادّة فيما تقولينه؟!"

سمع شهقتها، ثم سمع تهديدها الجريء، الذي لا يصدر عن فتاة تربَّت على يد الملك.

"أقسم سأفعل ذلك بنفسي والآن لو لم تفعل أنت يا جونغكوك!"

إلتفت لها، وسُرعان ما أخفض رأسه فهي لا ترتدي شيئًا، لكنها اقتربت منه وقالت.

"اجعلني إمرأتك وإلا سأجعل من نفسي إمرأة والآن يا جونغكوك!"

لا يستطيع؛ ما عاد يستطيع... مُقاومته تتحلَّل، كيف أن تكون حُب حياته أمامه وهي حلاله وتعرض عليه نفسها ويمتنع، ما عاد يقدر.

قلبه يدق كما لو أنه طبل، وارتفعت حرارة بدنه كما لو أنَّهُ يقف تحت عِز شمس الظهيرة ويحترق، نبس بنبرة مُرهقة مُرهفة تزداد ضُعفًا كلما تكالبت عليه رغبته بها.

"ابتعدي عني، ولا تدعيني آراكِ أبدًا بجواري!"

تبسَّمت وسقطت دمعة أخرى من عينيها، الآن بات ضعيفًا، يمكنها أن تنتصر على مقاومته المُتهالكة؛ إذ حملت يديه إلى خصرها فشعرت بهما ترتجفان، واقتربت منه ثم أطبقت شفتيها على شفتيه، وقبَّلته قُبلة واحدة جعلته يَشق أنفاسها ويُطارحها الحُب فيما يرفع راياته إستسلامًا لِرغبتِه بها ورغبتها بكسرِ ظهر والدها.

تبسَّمت أثناء تلك القُبلة، التي أخذ يقودها بشغفٍ وعُنف، ويداه تخنق خصريها، تشدُّهما إليه، يلصقها ببدنه.

رفعت يداها إلى كتفه، وأحاطت عنقه الشاهق بيديها، ثم شعرت به يدفعها إلى الخلف فطاوعته وهو مُستمر بتقبيل شفتيها، تلك الشفتان من الجِنان لطالما حلم بأسرهما بين قواطعه.

إستمرَّ بدفعها حتى سقطت على السرير وجعل نفسه فوقها، إرتفع عنها ينظر إلى وجهها، الذي يتورَّد، ثم شدَّ لِجام ستائر السرير، فانسدلت وأحاطت بهما، تسترهما وتُدفئهما.

نظر إلى شفتيها المُلتهبتين؛ فلقد كانت شفتاه قاسية وشغوفة، همس فيما ينظر إلى وجهها.

"لن تندمي في الصباح؟!"

نفت برأسها؛ فاتبع.

"ولكنَّني سأندم!"

نفت برأسِها حينما شعرت أن غشاوة الحُب تنجلي من عينيه، فاجتذبته من عُنقه وراحت تطبع على وجهِه قُبل مُتفرِّقة حتى تخدَّر بدنه من جديد فيما يداها مشغولة بتجريده من ثيابه.

أنَّ في رغبة وهي تطبع القُبل على خطِّ فكَّه الحاد وعلى رقبتِه ذات الطول والجمال وهي تُمسك بذقنه بين أصابعها.

"هل تتصرَّف أميرة في الليلة الأولى مع زوجها هكذا؟! تُعذِّبه!"

رفعت رأسها إليه وأسندته على الوسادة تقول وهي تتنفَّس بنهم.

"ظُنَّ بي ما شئت سيدي الوزير، ولكن لا يمكن أن أتركك تُفلت من بين يدي الآن!"

إنغمس في تقبيل شفتيها مُجدَّدًا، شعر أنَّهُ عبدًا لرغباته، لكن رغباته متينة جدًا ولا تقدر قبضة صموده على الفتكِ بها، يدري جيدًا أنها تستغله، وهي لا تُمطره بالحُب لأنَّها تُحبه أبدًا، ولكنَّهُ ما زال لا يقدر أن ينتصر لكرامته، الآن عود كرامته نحيف هزيل، لو قبَّلته قُبلة أخرى سينقطع.

ولكن بما أنَّهُ إستسلم بالفعل، لا يقدر أن يفوِّت هذه الليلة أبدًا، إنَّهُ عاجز كل العجز أمامها، أمام يداها، وجمالها، وقُبلاتها، وجسدها الذي يطوق أن يُقبِّل كل أنشًا فيه.

"آه!"

تألمت حينما شدَّ شعرها ببعضِ الغِلظة إلى الوراء وأخذ يطبع قُبل رطبة وحالكة اللون على طول رقبتها حتى خط فكَّها وإلى عظمتي الترقوة.

كان مُفعمًا شغوفًا مجنونًا بها في هذا الوقت، لم تدري إن كان يتصرَّف معها بقسوة، لأنَّهُ يُحبها بشدَّة وحُبه يجعله يسلك هذا السلوك دون حذر أو وعي، أو أنه يُعاقبها عبر الحُب.

أغمضت عيناها بقوَّة وقبضت على شراشف السرير أسفلها بين أصابعها، ثم تقوَّس ظهرها وهي يستمر في طبع قُبل على طول جذعها بلا أن يكون لطيفًا، بيد وشفتان خشنة لا تعرف كيف ترحم؛ بدى وكأنه رجل آخر لا تعرفه أبدًا.

طبع على حدود حوضها قُبلة أخيرة، ثم صعدها مُجدَّدًا حتى أدرك رأسها وقال، بدى غاضبًا وبنفس الوقت لا يستطيع أن يبتعد.

"هذا ما أردتِه، تحمَّلي الوجع حتى لو لم يَكُ بإمكانكِ تحمّله يا إمرأتي!"

إزدرئت جوفها وهي تراه يتجرَّد من بقيّة ثيابه، الآن هي خائفة بشدة والخوف جليًا على وجهها، ثم حينما أخذ موقعه وأخذها؛ تمسَّكت بكتفيه بقوة، وأغمضت عيناها بقوَّة؛ تحاول أن تتحمَّل الألم، وهي تضغط على أسنانها بشدَّة؛ كي لا تصدر منها صرخة، لكنها لم تستطع، وفور ما فتحت فمها لتصرخ سدَّهُ بثغره وجعل صرختها تتحرَّر في جوفه.

كان ينظر في عينيها وهو يتحرَّك من عليها بهدوء وخِفة، لقد نالت منه الرأفة حينما رأى عيناها تملؤها الدموع وتنساب تلك الدموع على صدغيها بهدوء، همس وهو يتنفَّس بقوَّة.

"هل هذه دموع الندم، أم الوجع، أم الشهوة؟"

إجتذبته من كتفيه إليها أقرب وخبأت وجهها عند عُنقه ونبست، تبكي وتئن.

"لستُ نادمة ولن أندم، أنتَ أجمل ذنبًا إرتكبته!"

أحاطت كتفيه وهي تتمسَّك به بقوَّة، دموعها لا تتوقَّف وهو لا يتوقَّف وشفتاها لم تتوقَّف عن أطراب سمعه بتنهداتها، أنّاتها، وحتى آهاتِها.

بعض الوقت وخمدت الثورة بعدما إلتهبت، وطرح جونغكوك بدنه عليها يفتقد بعض قواه، فلقد مارس عليها كمًا هائلًا من القوّة، بدنه يتعرَّق وأنفاسه ثقيلة، كذلك هي، ووزنه الذي يطرحه عليها لا يُساعدها ألبتة، ولكنَّها لم تعترض بحرف.

تُمرِر يداها على ظهره وتُربِّت عليه، لم تود أن تُشعره أن غرضها منه إنتهى، لقد بات زوجها وحقه عليها أن تحترمه وترأف بمشاعره.

إستعاد جونغكوك نفسه وأنفاسه وحيله بعد دقائق قليلة، رفع رأسه الذي كان مُرتاحًا على صدرها، بصدق لا يود أن ينزع نفسه من بين أحضانها أبدًا، ولكن كرامته الآن استيقظت وبدأ يساوره الذنب والندم.

نظر في وجهها، فوجدها مُتعبة ومُنهكة أكثر منه، فلقد مارس عليها طورًا من الحب الشغوف، الذي تقصَّد أن يكون مؤلمًا في بعضِ الأحيان.

رفع نفسه ليطبع قُبلة على جبينها ثم همس بنبرة بدت جافّة.

"مُبارك لكِ؛ لقد أصبحتِ زوجتي وإمرأتي يا سمو الأميرة!"

ثم نهض عنها، وفيما يرتدي ثيابه قعدت على السرير تسأله.

"هل ستذهب؟!"

أومئ فيما يضع عباءته.

"ألم ينتهي غرضكِ مني بعد؟"

تنهَّدت وأرادت النهوض، ولكنَّهُ منعها حينما أشار لها بيده أن تبقى محلها قائلًا.

"لا أحتاج عطفك ولا مُجاملتك يا سمو الأميرة، ابقي في مكانك رجاءً!"

تماسكت بالكاد واستنكرت.

"جونغكوك؛ لقد أصبحتُ زوجتك، لا تتصرَّف معي هكذا رجاءً!"

أومئ مُخفضًا رأسه.

"حاضر؛ أوامر أخرى يا سمو الأميرة؟!"

حمل سيفه وخرج فيما تلمع دمعة بين جفنيه وهو يسمع آخر ما تقوله.

"جونغكوك أرجوك إبقى!"

لكنَّهُ غادر، وغشاوة الحُب التي أنامته بين أحضانها تمزَّقت واندثرت في الهواء شأنها شأن أي نزوة عابرة.

تحرَّكَ جونغكوك وجلس على الصخرة القريبة من خيمتها، وضع وجهه بين يديه فيما وجهه أصبح أحمر كذلك عيناه، لقد سلَّم نفسه ليديها ولرغبته، لقد كانت دافئة جميلة وشعر بأن حضنها حنون، لكنه أخطأ. الآن الملك لن يرأف به، لن ينظر له كعاشق، بل كخائن خان الملك وهتك عِرضه.

ذهب إلى خيمته ليستحم، وعيناه في تلك الليلة لم تنم أبدًا، ظلَّت التفاصيل الدقيقة عالقة بذهنه، تجعله يخسر قوَّته.

طلع الصُبح وعينه لم تغفى، ثم أمر بأن تُكمل القافلة مسيرتها، وعلى عكس كل صباح لم يذهب لرؤية الأميرة التي باتت زوجته بكل الطرق المسنونة.

كان يقود المسيرة وهو يعلو حصانه، وخلفه هودج الأميرة، الذي لم يُنعم عليه ولو بنظرة. فبالنسبةِ له؛ ما عاد يستطيع أن يمنح هذا الشعور أي فضل، الحب في صدره لها نقمة وليست نعمة، وإلا لما تورَّط في لحظة ضعف بجريمة خيانة عُظمى وهتك عرض الملك.

حُبها نِقمة بلا شك.

...

وأما في المقر؛ فلم تَكُ إصابة الملك هيّنة  بل إستلزمته أن يلبث في الفراش إلى وقتٍ غير معلوم لم يستفق خلاله ولا مرة.

لقد مرَّت ثلاثة أيام بالفعل، والأطباء في قنوط يحاوطونه، فحِبال الأمل بدأت تتقطَّع ووحده الإله من قد يُساعده في وضعه هذا.

ليلًا كان إحدى الأطباء المُجنَّدين في الجماعة يسهر على راحة الملك وصِحَّته، ويُراقب لو كان يتحسَّن أم لا.

وأما الملك؛ فلقد حرَّكَ أصابعه بعشوائية، ثم تعرَّج جفناه كما لو أنَّهُ يرى كابوس، وهو بالفعل يرى كابوس؛ كابوس واقعي للغاية.

كان يرى نفسه مربوط إلى قارعتين من الخشب الثقيل مُتعارضتين مصلوب عليها، وأمامه يرى هيريم مربوطة على كرسي يفسخون ساقيها وهي تصرخ بشدَّة، فيما تشانيول يقف بينهما ويضحك.

كانت تصرخ وعيناه تملؤها دموع القهر وتتوسَّله كما لو أنَّهُ يملك القُدرة على فكِّها من هذا العذاب.

"أرجوكَ يا بيكهيون ساعدني، أرجوكَ يا مولاي!"

كان عاجزًا ضعيفًا ومقهورًا؛ فهو لم يستطع أن يُحرِّر إمرأة تقود جماعة من المؤمنين به.

أخذ يهذي وهو يحرِّك رأسه يمينًا يسارًا، جبهته تنقط عرقًا ووجهه مُقتضب وقبضتاه مقبوضتين.

"سأُحررك، أنا آسف ولكنّي سأُحرِّرك!"

ثم تداخل صوت آخر لرجل لا يعرفه في سمعه وشعر بيد تُربِّت على كتفه بخفَّة، ذلك الصوت جعل هيريم تبتعد وصوت صراخها يبتعد ثم شيئًا فشيئًا كل شيء تلاشى، وأصبح نورًا يندس بين عينيه يُضايقه ووجهًا لرجل لا يعرفه أمامه.

"مولاي، استفق يا مولاي، إنَّهُ مُجرَّد كابوس!"

لكنَّهُ بدى كابوسًا واقعي أكثر، بصعوبة تحدَّث وهو بدأ يشعر بالألم ينخر ظهره.

"أين أنا؟!"

نبس الطبيب في نبرة خافتة.

"أنتَ في المقر يا مولاي، وأرجوك لا تتحرَّك، بظهرك إصابة بالغة!"

دفع بيكهيون بيد الطبيب عنه وحاول النهوض، لكن الآهات تصدَّعت من شفتيه، والألم ضخَّته عيناه وسائر أركانه.

إرتبك الطبيب وحاول تثبيت الملك.

"يا مولاي أرجوكَ أبقى، أنتَ لستَ بخير!"

كان ينام بيكهيون على بطنه، ولكنه أصرَّ على النهوض بعون ذراعيه، التي ما زالت قويّة رغم أصابة جسده البليغة.

"قلت لك ابتعد عني قبل أن تبتلعك نوبة غضبي!"

رفع حاجبه وكذلك سبّابته في وجه الطبيب بعدما قعد بصعوبة على الفراش.

"لن أكون مسؤولًا عن موتك حينها؛ فلقد حذَّرتك!"

تنهد الطبيب وتراجع عن الملك؛ فهو بالنهاية الملك ولا يجرؤ أحد على إعتراض طريقه ولو كان طبيبه الذي أنقذه  من يد الموت.

نهض بيكهيون رُغمًا عن أنفِ ألمه، وحمل سيفه وعتاد قِتاله المُعلَّقة على حائطه في غُرفته الملكيّة، أراد الخروج لكن الطبيب إعترض طريقه يقول.

"مولاي أرجوك إبقى!"

صرخ بيكهيون حتى تفتَّقت أوداجه، وشرخ الباب بسيفه بأقوى ما يستطيع، لم يَكُ بحالة تحتمل التفاوض.

"ابتعد عن وجهي! أتُريد أن ترى قائدتكَ تموت!"

إبتعد الرَّجُل عن الباب، يسمح للملك أن يخرج وأن ينفجر غضبه على أي من سيعترض طريقه، ففي الحقيقة؛ لا يهون عليه الملك، ولكن القائدة لا تهون عليه أكثر.

خرج بيكهيون من غُرفته لا يحتمل كلمة، وأي لسان يبغي أن يقول له "لا" فإن سيفه بيده ولا يهتم بأي رقبة قد يقطعها.

ركض إحدى الحُرّاس إلى قائد الحرس -تايهيونغ- ليخبره أن الملك ينتفض، ويبغي الخروج من المَقر؛ فأسرع تايهيونغ ليمنع الملك؛ فلو كان في طيات نفسه لا يهتم لحياة الملك أو موته، ولكن هيريم ضحَّت بنفسها لتحميه، وهو لن يسمح لمثلِ هذه التضحيّة أن تذهب هباءً مهما كان الثمن.

"إلى أين جلالتك؟!"

قطع تايهيونغ طريق الملك عند البوابة حينما وقف أمامه، يسأله هذا السؤال الذي لا ينتظر له جوابًا، بل وكأنما يقول "عُد إلى غرفتك".

رفع الملك بيكهيون حاجبه في أستياء في وجه رئيس الحرس هذا، وقال فيما يصر على أسنانه وكأنه بين أسنانه يلوك عدوًا.

"بما أنَّكَ تعلم أنَّني صاحب الجلالة فاعلم مع من تتكلم واغرب عن وجهي!"

دفع بيكهيون تايهيونغ عن طريقه، وتايهيونغ قال قبل أن تلمس يد الملك البوابة.

"أنتَ صاحب الجلالة المخلوع أو الميت في نظرِ الناس!"

صاح بيكهيون في غضب وأخرج حُسامه من غِمده يضعه على رقبةِ تايهيونغ، بينما تايهيونغ لم يُحرِّك منه إنشًا؛ بل وقف ينظر إلى الملك الذي يبغي قتله ولا يبدو عليه القلق.

"تايهيونغ، إلزم حدَّك!"

تحدَّث تايهيونغ بنبرةٍ هادئة ومُتَّزِنة.

"أنا أعرف حدودي جيدًا، وحمايتك ومنعك من الخروج أمرًا ضمن صلاحيّاتي. أنتَ بالنسبة للناس أجمعين الملك المتوفّى الذي يَرثونه، لو خرجت الآن وحصل لك شيء لا أحد سيعترف بك وستضيع كل الجهود هباءً. ابقى أنتَ هنا يا صاحب الجلالة ونحنُ سنحضر قائدتنا."

إشتدَّ عزمُ بيكهيون لردعِ تايهيونغ عن طريقه، إذ نبس بغيظ.

"إبتعد عن طريقي قبل أن أغدو سيفًا، لو نظرتَ إليَّ شرختك!"

تنهَّد تايهيونغ وتراجع عن الملك، لا ليُفسِح له كما ظن، بل لينحني مُعتذرًا مُقدَّمًا عن سلوكه. إستغرب بيكهيون هذا السلوك، الذي لا يسير وتوقعاتِه؛ فرفع سيفه مُتأهِّبًا لأي هجوم من الرَّجُل الذي يعتذر مُقدَّمًا.

"أنا آسف يا صاحب الجلالة!"

"إعتذارك لن يكون مقبول وستدفع ثمن سلوكك لو تجرَّأت وسلكتَ سلوكًا يمنعني!"

رفع تايهيونغ سيفه بوجه الملك فيما يُتمتِم بإعتذارٍ آخر.

"أنا آسف، ولكنَّكَ لو أصررتَ على الخروج يتوجَّب عليكَ قتل كُل رجل يلبث في هذا المكان لحمايتك!"

تلفَّت بيكهيون حوله مغصوصًا، لا يحسب إحتمالية فوزه من خسارته، لا ينوي قطع اليد التي مدَّت له المُساعدة، ولكنَّهُ من بين كل هؤلاء لن يستطيع أن يتسلَّل.

وضع سيفه بغمدِه والتفَّ راجعًا إلى قعرِ المَقر، يتفهَّم خوفهم عليه، ولكنَّهم لا يتفهمون خوفه على قائدتهم، التي هي بين الأعداء الآن لو ما زالت حيّة.

تنهَّد تايهيونغ براحة حينما رجع الملك إلى حُجرته، ثم أمر رَجُلًا يقف إلى يمينه في نُقطة حراسته.

"لا تُرسل خبرًا للقائدين سيهون وجونغ إن أن القائدة مأسورة، وانقل على لساني أمرًا بالإجتماع اليوم في مجلس الحرس، علينا أن نُنظِّم مُهِمَّة لإقتلاعِ القائدة من بينهم واسترجاعها إلينا"

أومئ المُجنَّد لقائده وتحرَّك لتنفيذ المهام الموكلة إليه، تلفَّت تايهيونغ ونظر نحو القمر يقول بعدما تنفَّس بِهم.

"يا تُرى كيف حالُكِ الآن يا هيريم؟! هل أنتِ بخير؟! تتألَّمي أو تتعذَّبي!" 

أخفض رأسه والهَم يثقله، بعدما خسرت الجماعة القائدة أصبح هو القائد بدلًا منها، اجمع المُجنَّدين على أختياره رغم أنَّ منهم كُثُر أقدم منه، ولكنَّهُ ذكي بشكلٍ مُلفِت وماهر بإستخدام السيف سواء كان بيدِه أو بفمِه.

ولكن بيكهيون لم يعود أدراجه لأنَّ نائب القائدة أو القائد المؤقَّت وقف أمامه، فلو كان قائد فهو الملك، بل عاد لحفظِ الوِد الذي لا يرغب في التفريط به، على هذه الجماعة من أصغر جُندي فيها لقادتِها أن يثقوا به حتى يحصل على ما يُريده منهم؛ ثِقتهم وأسرارهم.

ولكنَّه بيكهيون لم يُخطِّط للسكوت، لقد قرَّرَ أن يقترف مُخاطرة كبيرة، مُجازفة تلوذ به إلى الخيط الفاصل بين الموت والحياة؛ لإنقاذِ هيريم مهما كلَّفَ الأمر.

وأما عند هيريم؛ فلقد إنقضت الأيام وهي في غيبوبة لا تستفيق، ولكنَّها تُعطي إشارت تجعل الأطباء في ترقُّب لموعد إستيقاظها.

وفي ذات صباح؛ تصبَّحت هيريم على شعورٍ سيء فور أستيقاظها لأولِ مرَّة، أصفاد تُكبِّل يديها وقدميها على سريرٍ أبيض ضيّق، لو كانت حُرَّة وتحرَّكت عليه ستقع؛ مربوطة وهي تنام على ظهرها، وعلى يمينها رَجُلًا صغير بالسن يرتدي ثيابًا خاصّة بالأطباء الملكيين ويغفو على الكرسي.

شدَّت على ضروسها تمنع فاهها أن يصدر صوت وجعها، ثم نظرت إلى هذا الرَّجُل الغافي، شعورها بالأصفاد حول قدميها جعلها لا تؤتي بحركة دون أن تكون محسوبة.

فكَّرت قليلًا بأمرٍ تفعله، ثم حينما خطرت على بالها فكرة نفَّذتها؛ عضَّت على شفتيها بقوَّة وأغمضت عيناها بشدَّة؛ كي تتحمَّل الألم الذي تُسببه لنفسِها، وما إن شعرت بالدماء تخرج من شفتيها حتى لعقتها ثم بصقتها وأخذت تتأوَّه وتسعل حتى إستفاق الرَّجُل وهبَّ لإسعافها في قلق وتوتر.

"ما بكِ؟! من أين تأتي هذه الدماء؟!"

حاولت أن تتحدَّث بصعوبة كما لو أنَّها تُحتضر.

"بطني... أكاد أموت رجاءً!"

أومئ في هلع، وأخذ يفك أصفادها ليسعه فحص معدتها، وما إن أصبحت أطرافها حُرة حتى باغتته بنهوضها كما لو أنَّها لبوة ماكرة.

كتمت فاهه بيدها وأخذت سكين صغير وضعته على رقبته فيما تهمس له قُرب أُذنه.

"السكين يلتصق بِحُنجرتك، لو حرَّكتها لتتحدَّث ستنقطع للأسف، تفهم؟!"

كان ينتفَّس على وتيرة سريعة، ولا يجرؤ أن يُحرِّك إنشًا واحدًا، لطالما تصوَّر أنَّ قائدة المُتمرِّدين إمرأة خشنة ذات بدن عظيم لِتُرهب الرجال، لكنَّها في الحقيقة مُجرَّد إمرأة صغيرة وجميلة، بدنها صغيرة ومعالم وجهها حسنة، ففهم حقًا أنهم من نعتوها بالمتمردة الحسناء لم يبالغوا.

ولكن كيف تنشب عليه بهذه المهارة رغم إصابتها؟! الآن فقط تفهم لِمَ فتاة بهذا الحجم تكون القائدة، لأن القيادة ليست بعظمة البدن وخشونة الملامح، بل بدهاء العقل والتمرُّس في المهارات سواء كانت جسديّة أو ذهنيَّة.

"اخلع ثيابك!"

سمعها تهمس في أُذنه ولم يجرؤ في الحقيقة أن يُخالف لها أمرًا؛ لذا أطاعها.

خلع ثيابه، ثم هي تناولت ثيابه، ورمت عليه رِدائها الخارجي.

"ألبسه!"

حمل الرداء بين يديه وأخذ يبكي، أسيكون درعها البشري؟!

"لكنَّهُ صغير يا سيّدتي!"

تنهَّدت واتبعت.

"لا تخف، هم لن يقتلوك لأنَّهم لا يفكرون بقتلي قبل التحقيق معي، وأعي أنَّكَ مُجرَّد طبيب مُتدرِّب هنا، ولا أفكر أن أضحي بك لأنقذ نفسي؛ لذا لا تخف منهم الآن وخَف مني؛ لأنَّكَ لو ما نفذت ما آمُركَ به سأقتلك أنا، تعلم أنَّني قاتلة؛ صحيح؟!"

أومئ لها سريعًا وهو يبكي، ثم أشارت له أن ينام حيث كانت فأطاع دون أن يقول كلمة، ربطت يديه وقدميه ثم رفعت عليه الغطاء، ولم تنسى أن تفرد شعره على جانب وجهه وكتفه، كي لا تكون هيئته الرجولية واضحة أكثر من اللازم.

وقف قُرب السرير قبل أن تُدبر.

"قُل لي ما اسمك؟"

أجابها وهو يبكي.

"سوكجين سيدتي"

همهمت واتبعت.

"ستكون بخير سوكجين، أعدك"

خرجت من عنده دون أن تُسرف في طمأنته، ليس لأنه لا يستحق بل لأنها لا تملك الوقت، وإلا فهو يستحق مثله مثل أي شخص يلعب دور بيدق صغير على رُقعة الشطرنج الخاصَّة بالملكين؛ بيكهيون وتشانيول.

وقفت قُرب باب العيادة بحذر، ثم خرجت وهي تُطأطئ رأسها وترتدي ثياب ذلك الطبيب الصغير، لكن عُقدة بين حاجبيها تكوَّنت، لا يمكنها أن تسير بشكلٍ طبيعي، ربما ذلك بسببِ إصابتها في قدمها؛ إنَّها تعرج.

رغم ذلك؛ بدت مُصرَّة أن تقطع كل الطريق خارج القصر، ولو تكفَّلها ذلك بمُقاتلتهم جميعًا، ولكن عليها هذه المرة أن تتوخَّى الحذر من الغدر.

كانت تسير في حرص وحذر إلى الجُدران دون أن تسمح لأحد أن يشك بها، حتى سمعت صوت شثن يأتي من خلفها ويأمرها.

"أنت الذي تعرُج؛ توقف مكانك!"

إنَّهُ صوت الملك تشانيول لا محالة، لم تلتفت، لم تتوقع أن يكون هو من وجب عليها مُقاتلته، تنهدت ببؤس ويأس ولم تلتفت، وذلك زاد الرّيبة في حِس تشانيول فأمر إحدى جنوده أن يتحقَّق منها.

"اذهب وتفقَّد ذلك الطبيب الأصم"

أوشك منها الجُندي فيما تشانيول يُدركها من خلفها بوقار، وما إن إقترب الجندي ولمس قُبعتها حتى سحبت سيفه من على خصره، وإلتفتت به تُسدده لأي من كانت رقبته خلفها.

وتلك كانت رقبة الملك تشانيول بنفسه التي وضعت عليها السيف، فابتسم وهي تغلي غضبًا.

"هذا الوجه يستحق أن يوصف بالحُسنِ فعلًا!"




...

يُتبَع...

العنقاء|| The King's Return

"البطلة"

7th/Sep/2021

.....................

سلاااااااااام

خلوني أتكلم معكم بموضوع حاولت أني اتحاشاه على قدر المستطاع بس فشلت.

التفاعل ليه هابط هيك؟! وين القُرّاء؟!

التفاعل ما بيتحول لمصاري أحطها بجيبتي، لكنه دفعة نفسيّة للكاتب ليقدم أفضل ما عنده، لكن معكم ما في مجال.

الموضوع إله فترة طويلة والوضع صار صعب ولا يُطاق لهيك رح كون حازمة معكم للأسف.

ما اتحقق الشرط ما في تحديث أبدًا.

الفصل القادم بعد 150 فوت و200 كومنت.

1.رأيكم بهيريم؟! شجاعتِها؟

2.رأيكم بجونغ إن؟ حديثه مع جيهان؟!

3.رأيكم بجيهان واستيعابها لسلطتها بعيدا عن حبها؟!

4.رأيكم بجونغكوك؟ إستسلامه لبيكي؟!

5.رأيكم ببيكهي؟! هل ستبعد عن جونغكوك؟

6.رأيكم ببيكهيون؟! تصرفه المتهور؟!

7.رأيكم بتايهيونغ؟! صرامته وهدوءه رغم الوقت الصعب؟!

8.رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟!

دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤

© Mercy Ariana Park,
книга «العنقاء/ The King's Return».
CH22||سيّدة التَّفرُّد
Коментарі