CH24||كش ملك
بيون بيكهيون
(إمبراطور إمبراطوريَّة اليوان الصينيّة المَغوليّ)
بطل:
العنقاء||The Emperor's Return
"كِش ملك"
...
اليوان طَلُعَ عليها صُبحًا لا شمس له وكأنَّهُ القيامة؛ صوتُ صُراخ الناس من نِساء وأطفال ورجال وشيوخ يتصاعد في السماء، دموعهم ومعاناتهم تَلُجَ الأرض لجًا.
يطلبون النَّجدة من حُكمِ مولاهم الظالم ولا يجدونها؛ فمن يجرؤ أن يعترض على أحكامه مهما بدت ظالمة، بالتأكيد لا أحد.
لقد تداعت المملكة بأكملها بعدما بدأت المحكمة بأمرٍ من الملك تشانيول بحملةِ إعتقالٍ واسعة؛ لتفتيت المُتمرِّدين.
لا يدري الملك، الذي أمر بذلك، أنَّهُ ما فتَّت إلا شعبه؛ فالمُتمرِّدون مُتوغِّلون بالنّاس، لا يُمكن إقتلاع جذورهم من بين الناس إلا باقتلاع الناس جميعًا، وهذهِ مَحض مجزرة لا طائل منها بحقِّ الناس أجمعين، إذ إنَّ القضاء على المُتمرِّدين يعني القضاء على اليوان.
ساحة السوق تعجُّ بالخراب، الناس من كل الأجناس مجموعين في هذه الساحة، وينتظرون دورهم على منصَّةِ الإعدام، الأمرُ كان مُخيفًا كالقيامة، الناسُ في رُعب؛ فلا أمر أكثر رُعبًا من أن ينتظر إنسان موته، ويرى طريقة موته أمامه.
كان الملك على منصَّتِه العلياء يجلس على مقعده الملكي في الساحة العامة قُرب القصر يشهد على فتكِ الأرواح ظُلمًا مع إبتسامة مريضة على شفتيه؛ يظن أنَّ ما يفعله تطهير ولا يدري أنَّها مجزرة وحسب.
الملكة رايناه تجلس على يمينه، تشيح بوجهها وتُغمض عينيها في أسف، كيف تكون ملكة لهذا الشعب أو حتى أميرة ولا تستطيع أن تفعل لهم شيئًا، وفي نهاية المطاف؛ هي تحضر هذه المجزرة غصبًا وإلا قد تصبح مكان أحد الضحايا؛ ولكن بطريقة مُرعِبة أكثر.
أما تاي هان؛ فهي على يسار أخيها تجلس، وتنظر إلى هذه المجزرة، التي تكاد أن تبدأ، وعلى شفتيها إبتسامة مريضة وعيناها مُتحمِّستان؛ كأخيها تمامًا.
باتت أوجاع الناس ومخاوفهم مسرحيّة هزليّة للملك وحاشيتِه؛ ولكن ليس لوزيره الأول جيمين، الذي يقبض يديه في غضب وعيناه تمتلئ بدموع القهر، هو أجبن وأوهن من أن يدافع عن هؤلاء الناس، أدرك ذلك الآن.
بدأت تلك المسرحيّة التراجيديّة حينما قرَّبَ جُنديّان عظيما البُنيّة رَجُلًا سمين وكهل من منصَّةِ الإعدام، التي يتوسَّطُها حُبلُ مشنقة ينسدل من خطّافِ جسرِها، وأسفله دُرفة خشبيّة، إن فُتحت أسفل قدمي الضحية سيتدلى من رقبتِه بالهواء، قدَّموا الكهل فيما معصميه وكاحليه مُقيَّدة بالأصفاد، ثم أعلن قائد فِرقة الجنود بتُهمةِ الرَّجُل بعدما أعلوه على المنصَّة.
-هذا الرَّجُل يُقاسِم تِجارتِه مع المُتمرِّدين، وكما أنَّ رَجُلًا منهم كان يعمل تحت يدِه.
أومئ الملك، وأشار للقائد أن يرفع الرَّجُل فوق الدُّرفة لمنصةِ الإعدام، تقدَّم الرَّجل رُغمًا عنه وهو يُسحب بطريقةٍ همجيّة رُغمًا عنه، يبكي ويصرخ.
-مولاي أرجوكَ اغفِر لي، لقد كنتُ مجبورًا أن أمنحهم حِصَّة من أرباح دُكّاني، وأن أُشغِّل رَجُلهم عندي وإلا منعوني من فتحِ دُكاني!
نظر القائد نحو الملك؛ لعلَّ وعسى تقبَّل عُذر هذا الرَّجُل المسكين وغفر له، لكنَّهُ والغفران خطّان لا يلتقيان؛ إذ ردئ عُذر الرَّجل بالرَّفض، وبإشارة من يده أمرهم بأستكمال إعدامه؛ كما لو أنَّ بين ضلوعه العميقة لا يوجد قلبًا.
تنهَّد القائد وهو يرى الرَّجُل المسكين يُعلَّق على حبل المشنقة، ما بيدِه حيلة، لو يستطيع لما سمح لشخصٍ واحد أن يتأذّى؛ فجميع الناس يجمعون أنَّ المُتمرِّدون ما نشأوا إلا لأنَّ الحُكم الظالم والعيش تحت طوع الحاكم مذلَّة، الإختلاف فقط أنَّ المُتمرِّدين شُجعان، والبقيّة تحمَّلوا الذُّل على سخطِ الملك وعداوتِه.
صرخات الناس وذُعرهم إزداد وهم يرون فردًا منهم مُقدِمًا على الموتِ ظُلمًا؛ مصيره كمصيرِهم؛ لكنَّهُ أسبق إليه.
-أرجوكَ يا مولاي، أرجوكَ يا مولاي!
صرخ الرَّجُل يبكي فيما يضعوا كيسًا من الخيش على رأسِه؛ ولكن بُكاءه اليائس وتوسُّلاته المُشفَقَة لم تؤثِّر في قلبِ الملك شيء؛ لم يُشفِق عليه حتى.
لَبِسَ رأسهُ الكيس وتعلَّقت رقبته بحبلِ المشنقة، تلك كانت لحظة اليأس بالنِّسبةِ لهذا الرَّجُل، أصبح شبح الموت يحوم حوله؛ أليس إنسانًا طبيعيًّا ويستحق الحياة؛ إذًا لماذا يُقتَل؟!
أليسوا المُتمرِّدين جماعة تأسَّسوا ليحموا الناس من شرِّ الحُكم سواء كانوا منهم أم لم يكونوا، إذًا أين هُم عنه وهو على هذهِ المنصَّة بسببهِم؟!
أليسوا شُجعانًا؛ إذًا أين شجاعتهم، التي يتفاخرون بها مُذُّ ردحٍ طويل من الزمن، لِمَ لم يأتوا لإنقاذه من الموت الآن، أم فقط عليه أن يكون نبيل أو ابن نبيل لتفرِق حياتِه عندهم؟!
أمر الملك تشانيول بتفيذ الحُكم بهذا الرَّجُل دون أن تهزَّه توسلات شعبه المغفرة والعفو، ما كان ليرأف قلبه بهم إطلاقًا.
رفع الجُندي المسؤول المِقبض وهو يسمع بُكاء الرَّجُل في عجز؛ فسقطت الرُّدفة الخشبيّة من أسفلِ قدمي الرَّجُل، وبدأ في لحظاتِه الأخيرة بيأس يُأرِجح قدميه في الهواء؛ لعلَّها ثبتت على أرض ونجى من الموت مُختنِقًا بهذهِ الطريقة المُذِلَّة؛ بأن يكون عِبرة لمن لا يعتبِر.
ثم فجأةً؛ دوى صوتُ هصيل الأحصِنة وهِتاف الرِّجال، ومن خلفِ الهِضاب القريبة ظهرت أسرابًا سوداء، والناس شعروا بالراحة؛ فالمُتمرِّدين آتوا أخيرًا؛ لينقذوهم كما يفعلوا دومًا؛ فلولا إنقاذ الناس لما تشكَّلت هذهِ الجماعة قط.
وقف الملك تشانيول على أشُدِّه وهو يرى هِضابِه يكسوها سواد المُتمرِّدين وراياتهم، التي تتوسَّطها قمر دموي نِصف مُكتمِل، كذلك وقفت الملكة تاي هان في غضبٍ وخوف؛ فموقفها من موقف أخيها؛ المتمردون يعني الملك بيكهيون ولو لم يكون الشعب على دراية بذلك؛ كذلك وقفت الملكة رايناه ولم تستطِع كبت دموعها السعيدة وتنهيدتها المُرتاحة؛ فلقد آتى أمل الشعب الأخير وأملها؛ مثل ملائكة الموت والعذاب؛ لن يرحموا أي أحد خطّاء مهما كان شأنه عاليًا؛ والوزير الأول جيمين حبس تنهيدته المُرتاحة وأنحلَّت قبضتيه في رِضى؛ أخيرًا هذه الأرواح ستُحفظ.
ثم قبل الكلام والأفعال إنطلق سهمًا من قوسِه وأصاب الحبل، الذي يتعلَّق منهُ الرَّجُل المسكين برقبتِه؛ فسقط أرضًا وهو يسعل ويتمسَّك بِعُنقه، ثم أبعد كيس الخيش عن رأسِه؛ ورأى حامل القوس قُربه.
لقد كانت هي؛ ذات الفتاة المُسترجلة البلطجيّة؛ التي تأتي لِتفقُّد دفتر حسابات دُكانه، وتأخذ منه حِصَّتها، اليوم تُنقِذ حياتِه؛ إنَّها القائدة بعينِها، ولأولِ مرَّة في حياتِه يُحب رؤيتِها ويُحِبُّها كثيرًا؛ رُغم أنَّهُ لا يرى منها سوى عينيها، لكن تلك العينان الثائرتان لا تنتمي إلا للمُتمرِّدة زعيمة المُتمرِّدين.
اقتربت القائدة هيريم على فرسِها من منصَّةِ الإعدام أكثر فيما تنظر نحو شُرفة الملك العاليّة، كانت تتلثَّم، والقوس بيدها وكِنانة السِّهام على ظهرها، وأخيرًا السيف على خصرِها.
إستنفر تشانيول عن عرشِه حينما تغطَّت الهِضاب بسرابيل المُتمرِّدين السوداء، وشعر بالخطر يلفحه، أخذت هيريم تنظر نحو الملك تشانيول وذقنها عالٍ مثل كبريائها، الذي يعرفه، وهي تعلو فرسِها كفارسة شُجاعة لا تهابه حتى فيما رِجالها الكُثُر خلفها يتبعونها، ويقاتلون جنود الملك، ويحرِّرون الناس.
إقترب الملك تشانيول من سورِ الشُّرفة، ونظره مُركَّزًا عليها، يعرفها دون أن تُنزِل اللِّثام، ولكن حينما أنزلت اللِّثام عن وجهها الحَسن، وقصدتهُ بإبتسامة مُستفِزَّة تَزُفُّ فيها إنتصارها عليه إستنفر غضبًا، وضرب السور بقبضتِه بقسوة.
إلتفتت هيريم حينما إشتمَّت مُباغتة من ظهرِها تفوح غدرًا، وخلعت سيفها عن خصرها، وقاتلت من فوقِ فرسِها جنود الملك، الذي تعلَّموا الغدر منه، لم تدري كم قتلت منهم ولا يُهمها أن تدري، ولكنَّها قتلت منهم الكثير؛ فكُل من رفع سيفه عليها إرتدَّ سيفها عليه بشرخةٍ قاضيّة أو طعنة تجعل في الجسدِ خِوار.
أسرعت هيريم بفرسِها قُرب تايهيونغ، وقالت له بصوتٍ مُرتفع كي يسمعها دون أن تنظر إليه؛ فالنظرة الآن قد تُكلِّف حياة، فيما كلاهما يُقاتلان جنود الأعداء.
- علينا الإنسحاب قبل أن تَصِل إمدادت الملك، لن نستطيع حينئذ أن نصمد كثيرًا!
قتل تايهيونغ الجُندي، الذي يُبارِزُه، ثم نظر إلى قائدته يومئ.
- عُلِمَ سيّدتي، سأُجهِّز للإنسحاب فورًا!
ولكن في حينِ لحظة؛ ما شعر تايهيونغ وإلا بسيفِ هيريم يأتي نحوه بغيةِ الطعن؛ ولكنَّهُ لم يَكُ المُستهدَف، بل الجُندي، الذي نوى أن يغدُر به، ثم قالت وهي تُقاتل جُنديًّا آخر هبَّ بشجاعة أمامها؛ كما الآخرين يظنها خصمًا سهلًا؛ لأنَّها إمرأة.
-تعلَّم ألا تخسر تركيزك على عدوك في ساحةِ المعركة، ليس الجميع مُهذَّب في ساحةِ المعركة مثلنا، هُم سيغدروا بك ليقتلوك!
قتلت الرَّجُل، الذي تُبارِزُه، وحرَّكت فرسها بعيدًا عن تايهيونغ، وهو شعر بهذه الهيبة، التي تنبعث منها كما لا تنبعث من أحد إطلاقًا، ولا حتى من الملك بعينِه كما يرى.
تناولت هيريم من على إحدى الأعمدة مَشعلًا، ثم إنطلقت هيريم بعد ذلك ناحية منصَّة الإعدام، صعدتها بفرسها ثم هتفت بالناس بصوتٍ جهور شُجاع، لا مهابةَ فيه ولكنَّهُ مَهيوب.
-أيًا كان، الذي يخاف على حياتِه منكم، فليدخل بيتِه ويُغلِق على نفسه بابه، لا تخرجوا من بيوتكم أبدًا!
ألقت المَشعل أرضًا على المنصَّة، وقبل أن تنزل عنها بفرسِها، إلتفتت ناحية الملك وقالت تُشير له.
-يا سموَ الأمير؛ ما خُلِقوا الناس عبيدًا لتستعبدهم، لقد زال مُلكَك اليوم، لو كنتُ مكانك سأهرب وأنجو بحياتي، ولن أتمسَّك بعرش لا أملكه!
ضربت لِجام فرسها تَحُثَّها على الركضِ، وصرخت في رجالِها.
- إنسحاب فورًا يا رجال!
ورِجالها أطاعوها حالما أمرت؛ إذ بدأت أحصنتهم تعدو رجوعًا من حيثُ أتت، وركض فرسها أسرع من البقيّة تقطع صفوف رِجالها حتى استطاعت أن تتصدَّرهم بصفتِها القائدة، والناس، الذين لطالما عادوهم، علموا الآن أي صف عليهم أن يتَّخِذوا.
-تحيا جماعة القمر الدموي!
كان الهِتاف باسمٍ لا ينتمي للملك يملأ السماء لأولِ مرَّة في تاريخ الإمبراطوريّة، ويُعبّئ جنبات الطُرقات، وله صدى يصدع في أُذن أيًا كان مهما عَلت منزلتِه؛ في تلك اللحظة فقط أدرك الملك تشانيول أنَّهُ إرتكب خطأً فادحًا بقرارِه السابق الجائر، وأن الشعب ليسوا بيادق لديه، بل هُم اللاعب، الذي يستطيع أن يفعل "كِش ملك".
ولكن أيًا من هذا لم يعظه، فلقد إرتكب الخطأ الجسيم وانتهى، وأصبح الشعب ضِدَّه بعدما عمل لينال إستحسانهم لسنين، الآن عليه التنظيف خلف خطئه هذا؛ إذ ضرب تشانيول بقبضتِه السور بقسوة وصرخ.
- اتبعوهم وقاتلوهم حتى تقتلوهم!
فلقد نزعوا هيبتِه كملك، وصدّوه عن منالِه وقرارِه في تمرِّدهم، وآخرُ الدواء الكي، ودائمًا ما يكون الخيار الأكثر دمويّة خياره المُفضَّل؛ إذ إلتفت إلى وزيره الأول جيمين وأمره.
-قُم ببعثِ أمر لقائد الجيش وو يفان باسمي، سنُهاجم كل أوكارهم، سنقضي عليهم... الأيام القادمة ستكون دمويّة!
أومئ جيمين مُكرَهًا على التنفيذ، ثم أخفض جذعه في إحترام للملك قبل أن ينصرف لتنفيذِ أوامره الهمجيّة الجاهلة، كيف سيُهاجم أوكار المُتمرِّدين ولا يعرفها أحد سِواهم؟! لا يفهم.
-أمرُكَ مولاي!
إنصرف جيمين لتنفيذ أوامر الملك؛ بجمعِ الجيش والتجهيز لتلك الحرب، التي ستكون بالطبع داخليّة، وستُضعف من قوةِ الدولة وهيبتها بعيون الناس أجمع وأمام الدول الأخرى؛ ولكن رغم ذلك؛ في مثلِ هذه الحالات الحرب هي الحل الوحيد.
وأمّا بالنِّسبةِ للملك تشانيول؛ فهيبةِ الدولة ورِفعتِها لا تهم ما دام سيفعل أي شيء ليُحافِظ على عرشِه، ولكن ما زال... الحربُ هي الحل الوحيد النافع، الذي سيحسم النِّزاع على السُّلطة، مهما كانت النتيجة بعدها؛ دمار أو إعمار.
...
وإما المُتمرِّدون؛ فكانوا مُستمرّين بالسيرِ رُغم بدنِ قائدتهم المُرهقة، هي قائدة هذه الجماعة وستبقى، وسوف لن تكون عِبأً عليهم أبدًا أو دُكانًا يتاجرون فيه بالشفقةِ عليها وبذكريات الماضي البطوليّة، التي تشاركتها معهم، ... هي ستبقى شديدة رغم شِدَّة الأزمة.
كانت أشلاء جنود الملك تتبعهم، ولا يدرون كم هم يُخاطرون بحياتِهم بإتباعهم أفراد الجماعة؛ فتلك المنطقة للجماعة ويعلمون بشتّى تفاصيلها، ودخولهم إلى مناطق الأحراش والغابات هو إنتحار بحدِّ ذاته؛ فلقد نُصِبَ الفخ، ووقعوا في المصيدة.
إذ فورما توغَّلوا بالأحراش مُضلَّلين بِضُعفِ الجماعة وعددها حتى إنهالت عليهم السِّهام كالمطر، تمطرهم بوابلٍ من موت، نعيق الغِربان يملأ السماء، ورائحة الموت تفوح، والأرواح -وإن كانت بريئة فهي مجبورة- تتصاعد في السماء.
رِجال الجماعة يعلون منصاب الجبال وسهامهم لا تخيب أبدًا، السهلُ مُحاصر، الموت فيهِ مُحتَم، والنجاة مُستحيلة، والعفو بعيد المنال.
كان بيكهيون يرتدي زيًّا حربيًّا لا يخص أفراد الجماعة؛ بل صُمِّمَ خصيصًا لأجلِه، فهو الملك وليس مُجنَّدًا في هذه الجماعة؛ هو الأعلى شأنًا بينهم جميعًا؛ ولأجلِه هذه الحرب قامت، يقف على رأسِ الجبل بين رجال هيريم ويترأسهم.
رفع الملك يده يأمر الرجال بالتوقف عن إطلاق السهام على الجنود، ثم هتف بصوتٍ عالٍ لبقيّتهم، وقد تبقى مُنتصفهم تقريبًا.
-لو يعود الأمر لي لما أزهقتُ روحًا واحدة منكم، من يود الهرب فليهرب عليه الأمان، ومن سيبقى سيبقى ليأكله الموت وحسب، ولا أحد يرغب أن يكون فريسة وحش الحرب!
رغم خوفهم لم يكونوا واثقين من كلام هذا الرجل رغم أنَّهم مُستعدّين بالتمسُّك بقشةِ أمل، يخشون الهرب فتضرب السِهام ظهورهم، ويخشون البقاء فتضرب السِهام صدورهم؛ ولأنهم جنوده آمن عليهم حينما هتف.
-أنا الملك بيكهيون وملككم الحق لن يخدعكم!
تصدَّع الرِّجال بين مُكذِّب ومُصدِّق، لكن هذه الهيئة للملك بيكهيون بالفعل وهذا الصوت أيضًا، فلقد رأوه من بعيد من قبل، وسمعوا خطاباتِه قبل المعارِك؛ ألم يَكُ الملك ميّت إذًا كيف ها هو هنا؟!
ولكن ما يعرفونه جيّدًا عنه أنَّ للملكِ بيكهيون وعد لو قطعه سيوفي به مهما كان، وإن قال أن عليهم الأمان لو هربوا ففعلًا عليهم الأمان؛ لذا وضعوا ثقتهم به، وبدأوا يركضون كأسرابٍ من الظبي، التي تريد النجاة بروحها في هذه الغاب الموحشة.
تراجعت الجماعة إلى مقرِّهم الأقرب من قلبِ العاصمة، وهو ثكنة القائد دو كيونغسو تحديدًا؛ إذ ولج بيكهيون قاعة الإجتماعات أوَّلًا تتبعه هيريم وهي تتَّكِز على عصاها، كذلك القائد كيونغسو، وتايهيونغ بصفتِه قائد أقل رُتبة.
إلتفّوا جميعًا حول الطاولة، وبيكهيون ترأسهم، حينها هيريم سألته وبانت عَتِبة.
-مولاي؛ لم سمحت لهم بالهروب؟!
أنا لا أفهم، كنا نستطيع قتلهم جميعًا، وتلقين الأمير وكل من يَشُد على يدِه درسًا!
تنهَّد بيكهيون وأرخى ظهره على المقعد يقول وهو ينظر إليها.
-الدرس، الذي تتحدَّثين عنه، لقنتِه أياه حينما هاجمتِه، وحررتِ رِقاب الناس، لا يجب أن تُلقني أحد درسًا بأرواحِ الناس وإن كانوا جنودًا.
الجُندي لا ولاء له، أيُّ ملك قد يقوده؛ لأنَّ مُهمَّتِه حفظ البلاد لا خدمة الملك. وهؤلاء كانوا جنودي قبل أن يكونوا جنود تشانيول، وهم اتبعونا؛ ليس لأنهم يرغبون بإتباعنا، بل مغلوب على أمرهم.
تأمَّلوا أن ينجوا من قبضتكم، فينجوا من قبضةِ تشانيول، فلو ما اتبعونا كان تشانيول سيقتلهم بتهمة الخيانة.
أنا ما سمحتُ لكم بضربِ بعضهم بالسهام إلا لتخويفهم ولأثبت لهم شدة موقفكم وقوة عتادكم وحنكتكم وإلا ما كانوا ليستسلموا أبدًا.
للأسفِ؛ أحيانًا نُضحي بالكثير من الأرواح لنحفظ الأكثر ولو بدى ذلك مُتناقضًا، لا تنسوا أنهم جنودي!
ثم إتكز بمرفقيه على الطاولة مُقتربًا من أركانِها، ونبس في جديّة، عيناه تلمع في حزمٍ وجدّيّة.
-والآن هذهِ الحرب، وعلينا بنيَ الخُطَّة للإطاحة بتشانيول، لا بشعبي ولا جنودي، بالخونة فقط!
وقف ثم فرد خريطة العاصمة، وأشار إلى القصر الملكي يقول.
-إحتلال القصر يعني نهاية الحرب، علينا أن نستهدف القصر بنفسِ الوقت علينا حزم بدن الشعب كي لا يتشلّى!
أومأت له الرؤوس بالموافقة، ثم بدأ يضع الخُطّة ويشاورهم فيها. بكلامِه هيريم فكَّرت، لقد كان مُحِقًا فيما يَخُص الجنود، وكانت مُحِقَّة في محبَّتِه.
...
فجرًا؛ كان كل شخص من الذين قاتلوا اليوم في غُرفته يرتاح والبقيّة يحرسون المقر؛ فغدًا سيكون يومًا طويلًا للغاية، وعليهم إلزام أنفسهم الراحة؛ لِتحمُّل مشاق الغَد وأتعابِه.
حينها سُمِعَ صوت هصيل الأحصنة في الخارج وارتفعت أصوات الحرس، ولأنَّ المُقاتلين نومهم خفيف نهضوا سريعًا، وخلال مُدَّة قصيرة أصبحت هيريم في الخارج كذلك جلالة الملك بثيابِ نومهم؛ إذ كان بيكهيون يرتدي سروالًا فقط بينما هيريم ترتدي فُستان نومها الخفيف فيما تتكئ على عُكّازِها ولم تنسى أن تأخذ سيفها.
- ما الذي يحدث؟!
سألت الحرس في جدّيّة، فآتى لها إحدى الرجال وعلى شفتيه إبتسامة عريضة ومُبشِّرة وهو يقول فرِحًا.
-إنَّهُ القائد سيهون، لقد وصل!
-ماذا، حقًا؟!
شهقت هيريم بسعادة، وأسرعت فيما تتَّكِز على عُكّازها نحو قافلة سيهون، كان سيهون يقود قافلته، حصانه في المُقدِّمة، وخلفه هودجين، واحد للملكة راهي والآخر لزوجته جاهي.
كان مُبتسِمًا وهو يُدرك المَقر، ولكنَّهُ حينما رأى هيريم تركض إليه وهي تتكِّئ على عُكاز قبض حاجبيه في إستغراب، وقلبه دَقَّ ناقوس القلق.
أوقف حصانه وترجل عنه، ثم سار إليها مُسرِعًا، كانت دموعها تسيل على وجهها تشكو إصابتها إليه، كذلك شوقها، صحيح أنها إمرأة كالجلمود لا يهزها شيء، ولكن قلبها أرهف من الرَّهف لو تعلَّق الأمر بواحد من الثلاثةِ رِجال، الذين لا يُمكنها أن تتحمَّل أن يُصيبهم ضُر، الأهون أن يُصيبها هي، أو أن يبتعد أحدهم عنها.
هي لا تُطيق فكرة أن يسترجع بيكهيون عرشه، ويبتعد عنها للأبد، وتكون بينهم قطيعة أبديّة.
-هيريم؛ ما بكِ، ما الذي حدث لكِ؟!
تسآل سيهون بقلق بينما يُدركها، ولكنَّها لم تُجيبه، بل إندسَّت بين زنديه الرَغدين، وبكت على صدره أصابتها، وقلقها عليه، وتوقِها إليه.
كبح سيهون قلقه، واستسلم لرغبتِها تلك؛ إذ إحتضنها سيهون بين يديه بِرِفق فيما يعقد حاحبيه بقلق، ملامحه لا تُفسَّر.
-اخبريني ما الذي حدث معكِ يا صغيرتي، من آذاكِ؟! أقسم أنَّني لن أنال فيه أيُ رحمة!
رفعت وجهها إليه، فاحتوى وجهها بين كفّيه، ثم قالت وهي تبكي.
-تعرَّضت لإصابة بالغة في قدمي يا أخي، سأبقى عرجاء بسببِها للأبد، لن أستطِع أن أسير مُجدَّدًا دون قدمٍ ثالثة.
أخفضت رأسَها في أسف وقالت فيما تنحدر من عينيها دموعًا سخيّة.
- أنا ما عدتُ أستحق أن أبقى قائدة لهذهِ الجماعة، بل ما عدتُ أستحق أن أبقى فيها حتى!
نفى سيهون برأسه رافضًا ما تقول، وضمَّ رأسها إلى صدره يهمس مواسيًّا رُغم أنَّهُ لا يثق في مواساته أبدًا هذه المرَّة.
- لا تقولي هذا، أنتِ ستكون بخير بلا شك، ليس وكأنَّها أول مرة تتعرَّضي لإصابة بالغة وتُحالفكِ النجاة، أنتِ حتمًا ستكوني بخير عزيزتي!
أواها إلى حُضنه مُجدَّدًا، ما شاء أن ترى إنفعاله الآن أبدًا؛ إذ إشتدَّ فكّاه في سخط، وإرتفقت الدموع بحُمرةِ عينيه، هو غاضب جدًا، الذي تجرَّأ وآذى أختُه الصغيرة سيدفع الثمن حقًا.
-لا بأس صغيرتي، لا بأس!
إقترب منهما الملك بيكهيون فانحنى له سيهون بعدما إبتعدت عنه شقيقته برفق، حينها بيكهيون اقترب منه ليُعانقه، وسيهون استغرب هذا السلوك؛ فعادةً لا يكون الملك بهذا الوِد معهم، بل لم يُسبَق له أن كان ودودًا معهم حتى؛ لذا سيهون وجد ذلك غريبًا.
نظر بيكهيون نحو هيريم، التي تتمسَّك بعِضدِ أخيها وكأنَّها تخشى أن يبتعد عنها، وقال لسيهون.
-الذنبُ ذنبي، لقد أُصيبت بسببي، لو ما دافعت عنّي في ذلك الوقت لما حدث لها شيء؛ لكنَّها خاطرت بحياتِها لتحميني وتنقذني، أنا السبب في ما حدث لها.
سُرعان ما نفت هيريم برأسِها تُبرِّر.
-لا يا جلالة الملك؛ ما حدث لي لم يَكُ بسببك، بل كان أمرًا مُقدَّرًا تحتَّم عليَّ الوقوع فيه. تعلم أنَّ حياتك الأهم بيننا، ولأجلِ سلامتك يُمكننا أن نُضحّي بحيواتِنا؛ لذا لا تشعر بالذنب حيالي. أنا فقط أتدلَّل على أخي، ويسعني أن أشكو إليه ويواسيني... أنا سأبقى بخير، لا تقلق علي!
تنهَّد بيكهيون، وكتم إستيائه في نفسِه وهو ينظر إليها، كان بإستطاعتها أن تتدلَّل عليه، ويسعها أن تشتكي إليه وترتمي بين زنديه، لقد قطعا شوطًا طويلًا معًا بالفعل في علاقتهما، ويمكنه أن يفعل أي شيء لأجلها ما دام سيُخفِّف عنها. ثم أن هذا الفُستان، الذي ترتديه، لا يُعجبه، إنَّهُ يكشف ويشف، يجعل الآخرين يروا ما لعينيه فقط.
لاحظ سيهون نظراتِ الملك على شقيقتِه، ولتوِه لحظ ثيابها، فلقد كان مشغولًا بالقلق على بدنِها الملكوم، ولم يعي أنَّها خرجت هكذا؛ فارتأى أن يخلع عن بدنِه معطفه، ويُلبسها أياه قائلًا.
- لقد خرجتِ هكذا ولم تنسي سيفك، تنسي ثيابك ولا تنسيه.
أتت عيناها بعيني بيكهيون، فرأت الغيرة تتقد فيهما؛ لذا شدَّت المعطف على بدنها، وبرَّرت.
- آسفة؛ لقد ظننتُك إحدى جنود الأمير، ظنتتهم نجحوا في إتباعنا؛ لذا خرجتُ لأقاتل ولم أنتبه لأي شيء آخر.
أومئ سيهون بتفهُّم، وبيكهيون أساح بصره عنها مُنزعِجًا.
أتت راهي بعدما ترجَّلت من هودجها، ثم إنحنت للملك وحيَّتهُ لتستحوذ على إهتمامه.
- مرحبًا جلالتك أرجو أن تكون بخير
إبتسم بيكهيون، ثم إجتذبها من ذراعها، إحتضنها برِفق، ثم طبع قُبلة على جبينها بإمتنان.
- كيف كان حال ملكتي؟!
تبسَّمت له وأومأت.
- كنتُ بخير جلالتك، لقد أحسن القائد سيهون الرعاية بي وقيادة المسيرة، إنَّهُ حملُ المسؤوليّة، والثقة، والأمانة.
ربَّت بيكهيون على كتفِها يقول.
- لا أشك في ذلك!
بغتًا؛ وقع بصره على هيريم، فوجدها تخفض رأسها في غيرة، وتقبض على أستيائها بقبضة يديها، تنهَّد ثم نظر إلى سيهون يخبره.
- بسببي هيريم تعرَّضت للإختطاف، لقد إحتجزها تشانيول لفترة.
هتف سيهون بقلق.
-ماذا؟!
سُرعان ما أمسك سيهون بوجه أخته يتكلَّم بقلق.
- ما الذي حدث، هل عذَّبك؟ تكلَّمي سريعًا!
تبسَّمت هيريم تُطبطِب على يديه؛ لتُريّحه.
- لأنَّنا على حق؛ دومًا ما يضع الله أشخاص طيبون لمساعدتنا لشقِّ طريقنا والنجاة. رَجُل تحت سُلطة الأمير تشانيول أنقذني، هو ليس من جماعتنا، لكن بان لي أنَّهُ يعلم بأن تشانيول لا يستحق العرش. لقد أنقذني، وحماني، حتى أنَّهُ أطعمني، وسقاني، وتركني أنام في آمان وهو يحرسني.
تسآل سيهون، فلو عرفه لن يهلك أبدًا في هذهِ الحرب.
-ما اسمه؟
نفت برأسِها تقول.
- لا أدري ما اسمه، لم يخبرني عنه شيئًا قط، فقط أعرف وجهه وقامته، هو وسيم.
إرتفع حاجب بيكهيون بسخط حينما قالت ذلك، فأخفضت رأسها تتجنَّب نظراتِه الساخطة، واتبعت لتُغيظه أكثر.
- لكنَّهُ قصير؛ ليس بطولِ الملك بل أقصر حتى!
ما استطاع بيكهيون كبت إنفعاله بوجهها؛ إذ هتف.
- أنتِ!
حاولت كتم إبتسامتها رُغمًا عنها حينما تذمَّر الملك بإنزعاج وسخط، ولولا أنَّها مُصابة لضربها سيهون على قفا رأسها؛ كي لا تقول للملك مثل هذا الكلام مُجدَّدًا.
- اعتذري لصاحبِ الجلالة حالًا يا هيريم!
إرتفع حاجب بيكهيون، وتبسَّم في رضى وغرور فيما ينتظر إعتذارها ويتكتَّف، ولكنَّها هربت من أسفل يد أخيها تقول.
- لا أريد، سأقابل جاهي!
هتف سيهون بغضب.
-أنتِ تعالي إلى هنا!
ضحكت وهي تهرب من أخيها، ولكن رؤية العُكاز تُضايقه، فتركها على راحتها تهرب، قلبه لا يطاوعه أن يؤنبها أو يؤدبها أو حتى يوبخها، ما عاد يُطاوعه أبدًا، لقد إشتاق لها كثيرًا ولم يدري أنَّها في غيابه قد حدث لها كل هذا، لو كان يعلم أن شيئًا من هذا القبيل سيحدث لها لأخذها معه، ولما تركها تتحمَّل مسؤولية أمان الملك وهذا المكان وحدها رُغم أنَّها أهلًا لذلك.
تنهد بيكهيون وهو يراها تتصرَّف بشقاوة كفتاةِ أخيها الصغيرة المُدلَّلة، ونبس فيما يُراقبها بعينيه المُغرمتين.
-إكتشفتُ أنَّها فقط أمامك تتصرَّف بشقاوة، عادةً ما تتصرَّف بجدّيّة كما نعرفها قائدة.
تبسَّم سيهون وأومئ.
-أنا في نظرِها لستُ أخوها فقط، بل أبوها رُغمَ أنَّ الفارِق بيننا عشر سنوات فقط!
الملكة راهي كانت ترى بوضوح نظرات الملك بيكهيون إلى قائدة المُتمرِّدين هيريم، كان ينظر لها كما كان ينظر إلى ناري، ورُبَّما أكثر شغفًا؛ بل فعلًا أكثر شغفًا حقًا.
وهي للتو قد حصلت عليه زوجًا، ولن تخسره لإمرأة أخرى إطلاقًا، ليس مُجدَّدًا؛ إذ تمسَّكت بذراعِه وقالت؛ تحاول لفت إنتباهه؛ لم يسبق لها أن تبارزت مع الملكة ناري عليه، لم تَكُ تشعر أنها ندًا لها؛ لكن هذه البربريّة ليست كافية لتنافسها على زوجها الملك حتى.
-مولاي؛ لقد كانت الرحلة طويلة ومُهلِكة، ولكنَّنا أحسنّا صُنعًا، الملك الهندي أصبح يَحُد الجنوب الحدود الآن
أومئ لها وربَّت على رأسها يقول.
-أحسنتِ يا راهي!
تبسَّمت راهي وأخفضت رأسها في خجل، هو لم يُسبَق له أن عاملها بمثلِ هذا اللُّطف حينما كانوا في القصر، رُبَّما هيريم لا تُشكِّل خطرًا عليها أبدًا كما تظن.
- الأمير لي جون قد إشتاق لكِ، اذهبي لرؤيتِه
إنحنت له في طاعة ثم أدبرت، حينها تلبَّس وجهه الجدّيّة من جديد، ونبس فيما ينظر نحو سيهون.
- أظن أنَّهُ علينا البِدء بالتحرُّك بما أنَّك وصلت، وجودكَ سيدعمنا.
أومئ سيهون له ثم قال.
-بالطبعِ مولاي، فقط أمهلني حتى أنظم الأمور ونرتاح قليلًا!
-بالطبع!
إنحنى له سيهون قبل أن يُدبِر، حينها نظر بيكهيون إلى هيريم، كانت تقف مع جاهي وتضحك، لم يراها سعيدة قط بمثلِ هذه الدرجة، الآن يُدرك أن لا أحد أغلى قلبها من أخويها.
تلفَّت بيكهيون حوله فرأى تايهيونغ يقف من مكانه البعيد، وينظر إلى هيريم، ويبتسم لأنَّها تبتسم، تنهد بيكهيون في أسف رغم أنَّهُ غيور، لا يُحِب فكرة أن يكسر قلب هذا الرَّجُل، وأن يسلب منه حبه، ولكنَّهُ أيضًا ليس بوِسعِهِ أن يترك هيريم لرجل آخر.
هذه المسائل أنانيّة للغاية...!
-متى تظن أنَّ جونغكوك وجونغ إن آتيان؟
تسآل بيكهيون بعدما أشار لتايهيونغ بالإقتراب وفعل؛ فأجابه تايهيونغ.
-بحلولِ الغد على كلاهما أن يكونا هنا.
أومئ بيكهيون ونفث أنفاسه بهدوء، لقد بات الأمر وشيكًا.
...
طلع الصُبح فعلًا؛ لكن المقرَّ في ركود؛ بسببِ وصول القائد سيهون وحاجته ومُرافقيه للراحة في هدوءٍ تام.
ولأنَّ الجميع مشغول في شأنِه لم يرى بيكهيون ضُرًا في التَّسلُّل إلى حُجرةِ هيريم؛ فلو أخوها تناله الرحمة بها؛ فبيكهيون لا يرحم.
إذ كانت في غُرفتِها ترتاح بعدما عادت إليها، وعبَّأت أجرار شوقها لأخيها به، ونَست أنَّها عبّأت أجرارِ الملك بالغيظ. كانت تقف عند خزانةِ الثياب تُبدِّل ثيابها؛ ولكنَّها أحسَّت بأحدهم يفتح عليها الباب، شهقت بخفة، وسدَّت فاهها بيدِها حينما رأت أن الفاعل لم يَكُ سوى بيكهيون.
حرص أن يغلق الباب عليهما جيدًا قبل أن يلج غُرفتها، ثم تقدَّم منها وهو يضع يداه خلف ظهره، ومعالمه خرساء جامدة، بدى مُهيبًا ومُخيفًا.
- هل تعلمي حضرتُكِ كم خطأ إرتكبتِ قبل قليل؟
إزدرئت هيريم جوفها فيما تتراجع عنه حتى اصطدمت بالدولاب خلفها، لا تدري لِمَ تصبح بين يديه هشَّة؛ الحُب يفعل العُجاب حقًا.
شهقت بِخِفَّة وأخفضت رأسها تُغمض عينيها، جسدها لا يستره أي شيء، فقط تحمل الفُستان، الذي كانت ترتديه بين يديها، وتستر فيه ما تستطيع من مفاتِنها.
- مولاي؛ كنتُ أُمازحك!
عيناه سارت على جسدها المكشوفة معالمه بطريقة فاتنة أمامه، تبدو شهيّة أكثر وهي تمسك بقطعةِ القُماش الباليّة هذه، وتحاول أن تستر فيها نفسها.
- لا يمكنك مُمازحتي بمُقارنتي برجلٍ آخر، لا يمكنكِ ذكر رجل آخر بمدح حتى، مفهوم؟!
- مفهوم!
شحذت قواطعه السُفلى على شِفَّتِه العُليا وعيناه تتفرَّسانها بفضول، إشرأبَّ الخجل في وجنتيها، وطعن الإرتباك حُنجرتها.
- مولاي!
همهم وما عادت عيناه كافية لتتفرَّس؛ إذ إرتفعت يداه لتحسَّسها؛ حينها شهقت، وحينما ودَّت أن تقول شيء وضع يده على فمها يُسكتها، ثم جعل سبَّابته على شفتيه يهمس لها بالسكوت.
وبذاتِ السبّابة، التي وضعها على شفتيه، تلمَّس خطَّ فكِّها الحاد، ثم إنحدرت لمساته على عُنقها الطويل، ثم بأطرافِ بنانه تلمَّس عظمتي ترقوتها، واستمرَّت يده بالإنحدار حتى تلمَّس بها معالم صدرها؛ فعضَّ على شفتيه مفتونًا، واشتعلت الحرارة في جسده.
- مولاي؛ إن دخل علينا أحد سأكون في ورطة أرجوك!
- لا تخافي وأنتِ معي، لن يجرؤ أحد أن يؤذيك ولو بكلمة، لقد أصبحتِ إمرأتي، وامرأتي لا يوبخها أحد...
قرص خصرها بأصابعه فأنَّت.
- سواي!
ما تحمَّلت لمساته أكثر، أصبحت تنتشل من قوَّتِها، تجعلها ضعيفة جدًا وطوع يديه، جسدها بات أحر، ويراودها شعورٌ غريب أقوى من الذي راودها حينما قبّلها.
- مولاي أرجوك توقف!
لكنَّهُ لم يتوقف، ويده غطست أسفل فستانها، وغطست في أقصى خصوصياتها، وبمهارة؛ أفسد هذه القائدة البريئة أكثر، جعلها تشعر بشعورٍ لم يراودها قط، جعلها تئن رُغمًا عنها، وراودتها رغبة ألا يتوقف أبدًا مهما بدى ما يفعله بها سلوكًا بذيئًا.
تبسَّم وهو يراها ترتعش بين يديه، وتتكئ عليه، فقدمها ما عادت قادرة أن تحملها أكثر، تنهداتها وأنفاسها الحارّة قُرب أذنه تجعله مُشتعلًا وسعيدًا في الوقتِ ذاته؛ هو يعرف كيف يسعد فتاته.
- كيف تفعل بي هذا؟ ما هذا؟
همست بتعبٍ وعتب حينما هدأت الثورة داخلها، وإلتجأت إلى زنديه؛ ففجأة هي تشعرُ بالبرد. تبسَّم وهمس لها.
- النشوة عزيزتي!
ثم لم يُمهلها أن تفهم ما يشير إليه، فلقد أمسك بذقنها وباغت ثغرها بقُبلة حارّة، بادلته فيها طوعًا وإستسلامًا... لقد كان مُحِق حينما قال لها أنَّهُ سيُفسدها؛ فلقد أفسدها حقًا.
سحب الفستان من بين يديها؛ فرأى جاهرةً ما لمسته يداه وتخيَّله، لكنها كانت أجمل من صورة خياله حتى.
إنحدر بجذعه ليطبع قُبلة فوق قلبها تركت أثرًا، ثم تلمَّسها بأصابعه وهو يبتسم برضى عن النتيجة.
- ما دام قلبكِ لي؛ سأفعل بكِ ما أشاء، وأُفسدكِ على هواي أيَّتُها البربريّة.
...
تذكر جاهي حينما أخبرت بعض الفتيات هنا أنَّها ستعرض الزواج على القائد سيهون، كانت محل سُخريّة لهن حقًا؛ "القائد سيهون قائد فقط، لا يصلح زوجًا" كُنَّ يقولن ذلك كثيرًا لها؛ لِردئها عن رغبتِها به؛ لكنَّها كانت مُصِرَّة أن تحصل عليه مهما بدى قاسيًّا؛ لقد تحكَّمَ بها قلبها في ذلك الحين؛ وأحسن التَّحكُّم.
وربَّما الآن هي أكثر إمرأة محسودة بين كل نساء المُتمرِّدين؛ فلقد حصلت على أفضل رجل فيهم وأوسمهم أيضًا، اللواتي نصحنها بالإبتعادِ عنه الآن يشعرن بالغيرةِ منها.
لقد أصبح الآن الوقت عصرًا، وجاهي تنام بين يدي زوجها الرغيدة، لقد كانت رحلة طويلة ومُتعِبة، ورُغم ذلك؛ كانت رحلة سعيدة؛ فلقد داست بلاطًا ملكي يخص ملك المغول الهندي، ورافقت زوجها لفترةِ طويلة، وبقيت بالقُربِ منه.
فتحت عيناها على أجمل ما تراه بعد كُلِّ غفوة، وفي الحقيقة؛ ما زالت لا تستطيع أن تعتاد، كيف لِرجُل أن يكون فاتنًا إلى هذه الدرجة؛ لدرجةِ ألا يكون قابلًا للإعتياد على فتونه.
كان مُستيقظ وهي على ذراعه، تبسَّمت ونظرت إليه.
- هل نمت؟!
تنهَّد سيهون وقعد على الفراش؛ بدى مهمومًا وذلك أقلق جاهي؛ إذ قعدت بعده وتمسَّكت بكتفيه تقول.
- ما بك عزيزي؟
تنهَّد سيهون ودعك وجهه بكفّيه.
- كيف أنام بعدما رأيتُ ما حلَّ بِأُختي في غيابي؟!
الذنبُ ذنبي؛ ما كان عليَّ أن أترُكها وحدها هنا؛ لتحمي الملك وتصون الجماعة.
تنهَّدت جاهي وربَّتت على كتفيه تحاول مواساته.
- لا تُفكِّر بتلكَ الطريقة عزيزي، لم يَكُ ما حصل لهيريم ذنبك، لا يُمكن إعتراض الأقدار أبدًا؛ إنَّها تتحقَّق رُغمًا عنّا، ولو كنتَ هنا ما كنتَ لتستطيع أن تمنع ما حدث لها.
تنهَّد وخبّأ وجهه بين كفّيه في أستياء وغضب من نفسِه قبل أي أحد آحر، كلام جاهي لم يواسيه أبدًا، ولا أي كلام قد يواسيه حتمًا، وجاهي تعلم ذلك؛ لكنَّها إستمرَّت في مواساتِه.
- سيدي؛ الجميع هنا مُقاتلين، والمُقاتل يعرف ما هي أقداره المتوقعة، الموت، السَّبي، السجن، الإصابات... وهي مُقاتلة، وتعلم أنَّ ما حدث لها كان متوقعًا.
هي قويّة؛ لقد رأيتها كيف تضحك وتمزح في الجوار، هي حتى لم تبدو مُتشائمة بسببِ إصابتها.
-أنتِ لا تعرفينها، هي لا تُظهِر مشاعرها، لا تُحب أن تُشعر أحد بأنها عِبئ عليهم ولو كان أنا حتى.
سيهون مُحِق؛ هي بالتأكيد لا تعرف أخته أفضل منه؛ فهي تربَّت على يدِه، وكُبرت بين ذراعيه، ولكنَّها تعرف أنَّها لا يجب أن تترك زوجها في ضائقة وحده؛ عليها أن تكون معه فب السرّاء والضرّاء.
إلتفتت حتى جلست قِبالتِه، ثم رفعت وجهه بين كفّيها، تبسَّمت حينما نظر لها وقالت.
-ستكون بخير بلا شك، هي فتاة قويّة حقًا، لا يهزُّها مُصاب.
تنهَّد وأومئ.
-أتمنى ذلك!
وقفت على رُكبتيها وعانقته، شعرت به يتنهَّد ثم أراح رأسه على كتفها، وهي تمسح على شعره بيدِه.
-لا بأس؛ ستكون بخير.
شعرت به يُحرِّك رأسه حتى أصبح يسنده صِدغه على كتفها، ونفث أنفاسه الدافئة فلفحت رقبتها.
- أنتِ حقًا نِعمة في حياتي؛ يا ليتكِ إندسستِ بها أبكر.
- كان الرَّب يحفظني لك هديَّة تعبك وجهودك، لرُبما أنا تربيتة مواساة أتيتُ لك بهذا القصد.
تبسَّم سيهون ورفع رأسه عن كتفها.
-أنتِ بالفعل كذلك؛ مُكافئتي بهذهِ الحياة.
إنحدر بصره على شفتيها، وقال فيما يتمعَّنها بنظراتِه التي أصبحت مُغريّة.
- والآن؛ بما أنَّ بالي مشغول بهيريم، ما رأيك أن تشغليني بكِ؟
تبسَّمت واقتربت من شفتيه تقول.
-بسرور سيدي!
رفع خُصل شعرها الشاردة على وجهها وقرَّبها من قفا رأسها إليه، تمسَّكت جاهي بكتفيه فيما يطبع قُبلة، ثم إنكمشت أصابعها على ثيابه حينما بدأت أصابعه تُجرِّدها ثيابها.
...
ليلًا؛ كانت هيريم تحمل سيفها بيدِها، وكنانة سهامها والقوس على ظهرها، ترفع شعرها ويلتف حول بدنها ثياب سوداء تخُص بمكانتِها كقائدة المُتمرِّدين.
كانت قد تخلَّت عن عصاها، تشعرها بالعارِ حقًا ولا يمكنها أن تتحملها أبدًا، كانت تسير بعرج فعلًا، والسير دون العصا أصعب بكثير، ولكن لا يهم.
- علينا البدء في مُهِمتنا، هل العربات جاهزة؟
-نعم سيدتي.
أجابها إحدى الرجال فأومأت، ثم سمعت من خلفها.
-سيدتي
إلتفتت وإذ به تايهيونغ يحمل عُكازها، غضبت حينما رأته يحملها لها.
- أنا تركتُها خلفي عمدًا؛ لذا لِمَ أحضرتها؟!
- لأنَّكِ تركتِها خلفكِ عمدًا.
-ماذا؟!
نظر لها تايهيونغ، وبدى جادًا حيال كا سيقوله، ولكنَّهُ إختار ألين نبراته معها.
- لا أظن أن الإتكاء على العصا أصعبُ عليكِ من الإتكاء على أحدنا، ما دمتِ سترفضي مساعدتنا على إيةِ حال؛ إذًا أقبلي مساعدتها، هي لا تظنكِ عبأً عليها، بل أنتِ التي ترينها عبأً عليكِ، رغم أنَّكِ حقًا لستِ عبأً على أحد هنا، ولا أحد منّا يتمسَّك بكِ لأجلِ مُجاملتك.
فتح يدها، ووضع فيها العصا، ثم ربَّتَ عليها يقول.
-لذا لا ضرر أن تتمسكي بعصاكِ، دونكِ سيبقى بلا صاحب؛ فلا تهجريه.
تبسَّم وربَّت على يدِها بلُطف.
-هي بحاجتِك، لستِ من بحاجتِها.
تنهَّدت هيريم، ونظرت إلى العصا، ثم تمسَّكت بها وابتسمت.
-شكرًا لك.
أومئ لها مُبتسِمًا.
صعدت هيريم على فرسها، وتايهونغ صعد حصانها واقترب منها، حينها أمرت قبل أن تضرب لِجام الفرس فينطلق.
- هيا؛ لننطلق!
أتبعها الفُرسان، وتلك العربات المُحمَّلة بالبضائع تجرُّها أحصنة.
أدركت هيريم المدينة برجالها، ثم أمرت.
-وزِّعوا المونة على البيوت، وأعلموهم أنَّها باسمِ جلالة الملك بيكهيون.
-عُلِم سيدتي.
هيريم كانت فوق فرسها تُراقب الوضع وبجوارها تايهيونغ، كان الرجال يطرقون أبواب الناس المُغلقة ويوزعون المواد التموينيّة عليهم باسمِ الملك بيكهيون، وهي تستطيع أن ترى من كل باب يقصدونه دعوات الناس بالخير لصاحبِ الجلالة الملك بيكهيون.
-هكذا نكون قد وضعنا الشعب بكل طبقاتِه في صفِّنا، والدول في الخارج بصفِّنا أيضًا، الآن فقط بقيَ علينا أن نسترجع القصر.
تبسَّمت تنظر إلى تايهيونغ.
-تتحدَّث وكأن الأمرَّ قد مَر، الخطوة الأخيرة هي الأصعب، قد تقطعنا بينما نحاول قطعها.
نفى برأسِه وتغلغل الإطمئنان في سواحله.
-لستُ قلقًا؛ نحن نمتلك ثلاث من القادة المُحنَّكين، شروط أي حرب لديهم أن يضمنوا الخروج منها مُنتصرين.
ضحكت بِخِفَّة وأومأت.
- أنتَ مُحِق؛ ولكن هذه الحرب لا تنطبق عليها شروطنا تايهيونغ.
ضربت لجام الفرس وقالت.
- هيا نعود؛ لقد إنتهى الرجال من توزيع المونة.
-أمرك.
عادت هيريم برِجالِها إلى المَقر، وكان سيهون بإنتظارها قرب البوابة؛ اقترب ليساعدها بالنزول، ثم قال.
-أخبرتُكِ أنّي سأذهب بدلًا منكِ، ولكن كما هو متوقع، أنتِ عنيدة جدًا.
-لا تشعرني أنَّهُ ما عاد عوز لي في العمل، أنا سأؤدي دوري كقائدة، وهذا لا شأن له بإصابتي أبدًا.
أمسك سيهون بيدِها، ثم اجتذبها بين يديه يقول.
-حسنًا؛ كما تريدين.
تبسَّمت هيريم وأسندت رأسها على كتفِ شقيقها، ثم هتف إحدى الحرس.
-لقد وصل القائد جونغ إن
.....................
يُتبَع...
"كِش ملك"
العنقاء||The Emperor's Return
11th/Oct/2021
.............
سلاااااام
*تتحاشى كل أنواع الشتايم والضرب وما يرميه الجمهور*
Hello ladies
معليه... حبسة الكاتب زي الدورة الشهرية، إذا لزمتني ما بطيق حالي.
وانتوا كمان مش مساعدين، يعني بدكم ألاقي وقت أكتب فصل من 5k والي بدو ثلاث أيام، بينما انتو مش ملاقيين وقت تدعموني😒👊
على كل حال؛ أتمنى عنجد ترجعوا وإلا أنا رح أنسحب كمان.
الفصل القادم بعد 150فوت و200 كومنت.
1.رأيكم ببيكهيون الملك المنحرف😁🔞؟!
2.رأيكم بهيريم؟! مواجهتها لتشانيول؟! علاقتها ببيك؟
3. رأيكم بتايهيونغ؟!
*أنا لو مكان هيريم بفضل تاي على بيك*
4.رأيكم بتشانيول؟ ماذا سيفعل؟
5.رأيكم بسيهون؟! ردة فعله على حادث هيريم؟
6. رأيكم بجاهي؟!
7.رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟
دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤
(إمبراطور إمبراطوريَّة اليوان الصينيّة المَغوليّ)
بطل:
العنقاء||The Emperor's Return
"كِش ملك"
...
اليوان طَلُعَ عليها صُبحًا لا شمس له وكأنَّهُ القيامة؛ صوتُ صُراخ الناس من نِساء وأطفال ورجال وشيوخ يتصاعد في السماء، دموعهم ومعاناتهم تَلُجَ الأرض لجًا.
يطلبون النَّجدة من حُكمِ مولاهم الظالم ولا يجدونها؛ فمن يجرؤ أن يعترض على أحكامه مهما بدت ظالمة، بالتأكيد لا أحد.
لقد تداعت المملكة بأكملها بعدما بدأت المحكمة بأمرٍ من الملك تشانيول بحملةِ إعتقالٍ واسعة؛ لتفتيت المُتمرِّدين.
لا يدري الملك، الذي أمر بذلك، أنَّهُ ما فتَّت إلا شعبه؛ فالمُتمرِّدون مُتوغِّلون بالنّاس، لا يُمكن إقتلاع جذورهم من بين الناس إلا باقتلاع الناس جميعًا، وهذهِ مَحض مجزرة لا طائل منها بحقِّ الناس أجمعين، إذ إنَّ القضاء على المُتمرِّدين يعني القضاء على اليوان.
ساحة السوق تعجُّ بالخراب، الناس من كل الأجناس مجموعين في هذه الساحة، وينتظرون دورهم على منصَّةِ الإعدام، الأمرُ كان مُخيفًا كالقيامة، الناسُ في رُعب؛ فلا أمر أكثر رُعبًا من أن ينتظر إنسان موته، ويرى طريقة موته أمامه.
كان الملك على منصَّتِه العلياء يجلس على مقعده الملكي في الساحة العامة قُرب القصر يشهد على فتكِ الأرواح ظُلمًا مع إبتسامة مريضة على شفتيه؛ يظن أنَّ ما يفعله تطهير ولا يدري أنَّها مجزرة وحسب.
الملكة رايناه تجلس على يمينه، تشيح بوجهها وتُغمض عينيها في أسف، كيف تكون ملكة لهذا الشعب أو حتى أميرة ولا تستطيع أن تفعل لهم شيئًا، وفي نهاية المطاف؛ هي تحضر هذه المجزرة غصبًا وإلا قد تصبح مكان أحد الضحايا؛ ولكن بطريقة مُرعِبة أكثر.
أما تاي هان؛ فهي على يسار أخيها تجلس، وتنظر إلى هذه المجزرة، التي تكاد أن تبدأ، وعلى شفتيها إبتسامة مريضة وعيناها مُتحمِّستان؛ كأخيها تمامًا.
باتت أوجاع الناس ومخاوفهم مسرحيّة هزليّة للملك وحاشيتِه؛ ولكن ليس لوزيره الأول جيمين، الذي يقبض يديه في غضب وعيناه تمتلئ بدموع القهر، هو أجبن وأوهن من أن يدافع عن هؤلاء الناس، أدرك ذلك الآن.
بدأت تلك المسرحيّة التراجيديّة حينما قرَّبَ جُنديّان عظيما البُنيّة رَجُلًا سمين وكهل من منصَّةِ الإعدام، التي يتوسَّطُها حُبلُ مشنقة ينسدل من خطّافِ جسرِها، وأسفله دُرفة خشبيّة، إن فُتحت أسفل قدمي الضحية سيتدلى من رقبتِه بالهواء، قدَّموا الكهل فيما معصميه وكاحليه مُقيَّدة بالأصفاد، ثم أعلن قائد فِرقة الجنود بتُهمةِ الرَّجُل بعدما أعلوه على المنصَّة.
-هذا الرَّجُل يُقاسِم تِجارتِه مع المُتمرِّدين، وكما أنَّ رَجُلًا منهم كان يعمل تحت يدِه.
أومئ الملك، وأشار للقائد أن يرفع الرَّجُل فوق الدُّرفة لمنصةِ الإعدام، تقدَّم الرَّجل رُغمًا عنه وهو يُسحب بطريقةٍ همجيّة رُغمًا عنه، يبكي ويصرخ.
-مولاي أرجوكَ اغفِر لي، لقد كنتُ مجبورًا أن أمنحهم حِصَّة من أرباح دُكّاني، وأن أُشغِّل رَجُلهم عندي وإلا منعوني من فتحِ دُكاني!
نظر القائد نحو الملك؛ لعلَّ وعسى تقبَّل عُذر هذا الرَّجُل المسكين وغفر له، لكنَّهُ والغفران خطّان لا يلتقيان؛ إذ ردئ عُذر الرَّجل بالرَّفض، وبإشارة من يده أمرهم بأستكمال إعدامه؛ كما لو أنَّ بين ضلوعه العميقة لا يوجد قلبًا.
تنهَّد القائد وهو يرى الرَّجُل المسكين يُعلَّق على حبل المشنقة، ما بيدِه حيلة، لو يستطيع لما سمح لشخصٍ واحد أن يتأذّى؛ فجميع الناس يجمعون أنَّ المُتمرِّدون ما نشأوا إلا لأنَّ الحُكم الظالم والعيش تحت طوع الحاكم مذلَّة، الإختلاف فقط أنَّ المُتمرِّدين شُجعان، والبقيّة تحمَّلوا الذُّل على سخطِ الملك وعداوتِه.
صرخات الناس وذُعرهم إزداد وهم يرون فردًا منهم مُقدِمًا على الموتِ ظُلمًا؛ مصيره كمصيرِهم؛ لكنَّهُ أسبق إليه.
-أرجوكَ يا مولاي، أرجوكَ يا مولاي!
صرخ الرَّجُل يبكي فيما يضعوا كيسًا من الخيش على رأسِه؛ ولكن بُكاءه اليائس وتوسُّلاته المُشفَقَة لم تؤثِّر في قلبِ الملك شيء؛ لم يُشفِق عليه حتى.
لَبِسَ رأسهُ الكيس وتعلَّقت رقبته بحبلِ المشنقة، تلك كانت لحظة اليأس بالنِّسبةِ لهذا الرَّجُل، أصبح شبح الموت يحوم حوله؛ أليس إنسانًا طبيعيًّا ويستحق الحياة؛ إذًا لماذا يُقتَل؟!
أليسوا المُتمرِّدين جماعة تأسَّسوا ليحموا الناس من شرِّ الحُكم سواء كانوا منهم أم لم يكونوا، إذًا أين هُم عنه وهو على هذهِ المنصَّة بسببهِم؟!
أليسوا شُجعانًا؛ إذًا أين شجاعتهم، التي يتفاخرون بها مُذُّ ردحٍ طويل من الزمن، لِمَ لم يأتوا لإنقاذه من الموت الآن، أم فقط عليه أن يكون نبيل أو ابن نبيل لتفرِق حياتِه عندهم؟!
أمر الملك تشانيول بتفيذ الحُكم بهذا الرَّجُل دون أن تهزَّه توسلات شعبه المغفرة والعفو، ما كان ليرأف قلبه بهم إطلاقًا.
رفع الجُندي المسؤول المِقبض وهو يسمع بُكاء الرَّجُل في عجز؛ فسقطت الرُّدفة الخشبيّة من أسفلِ قدمي الرَّجُل، وبدأ في لحظاتِه الأخيرة بيأس يُأرِجح قدميه في الهواء؛ لعلَّها ثبتت على أرض ونجى من الموت مُختنِقًا بهذهِ الطريقة المُذِلَّة؛ بأن يكون عِبرة لمن لا يعتبِر.
ثم فجأةً؛ دوى صوتُ هصيل الأحصِنة وهِتاف الرِّجال، ومن خلفِ الهِضاب القريبة ظهرت أسرابًا سوداء، والناس شعروا بالراحة؛ فالمُتمرِّدين آتوا أخيرًا؛ لينقذوهم كما يفعلوا دومًا؛ فلولا إنقاذ الناس لما تشكَّلت هذهِ الجماعة قط.
وقف الملك تشانيول على أشُدِّه وهو يرى هِضابِه يكسوها سواد المُتمرِّدين وراياتهم، التي تتوسَّطها قمر دموي نِصف مُكتمِل، كذلك وقفت الملكة تاي هان في غضبٍ وخوف؛ فموقفها من موقف أخيها؛ المتمردون يعني الملك بيكهيون ولو لم يكون الشعب على دراية بذلك؛ كذلك وقفت الملكة رايناه ولم تستطِع كبت دموعها السعيدة وتنهيدتها المُرتاحة؛ فلقد آتى أمل الشعب الأخير وأملها؛ مثل ملائكة الموت والعذاب؛ لن يرحموا أي أحد خطّاء مهما كان شأنه عاليًا؛ والوزير الأول جيمين حبس تنهيدته المُرتاحة وأنحلَّت قبضتيه في رِضى؛ أخيرًا هذه الأرواح ستُحفظ.
ثم قبل الكلام والأفعال إنطلق سهمًا من قوسِه وأصاب الحبل، الذي يتعلَّق منهُ الرَّجُل المسكين برقبتِه؛ فسقط أرضًا وهو يسعل ويتمسَّك بِعُنقه، ثم أبعد كيس الخيش عن رأسِه؛ ورأى حامل القوس قُربه.
لقد كانت هي؛ ذات الفتاة المُسترجلة البلطجيّة؛ التي تأتي لِتفقُّد دفتر حسابات دُكانه، وتأخذ منه حِصَّتها، اليوم تُنقِذ حياتِه؛ إنَّها القائدة بعينِها، ولأولِ مرَّة في حياتِه يُحب رؤيتِها ويُحِبُّها كثيرًا؛ رُغم أنَّهُ لا يرى منها سوى عينيها، لكن تلك العينان الثائرتان لا تنتمي إلا للمُتمرِّدة زعيمة المُتمرِّدين.
اقتربت القائدة هيريم على فرسِها من منصَّةِ الإعدام أكثر فيما تنظر نحو شُرفة الملك العاليّة، كانت تتلثَّم، والقوس بيدها وكِنانة السِّهام على ظهرها، وأخيرًا السيف على خصرِها.
إستنفر تشانيول عن عرشِه حينما تغطَّت الهِضاب بسرابيل المُتمرِّدين السوداء، وشعر بالخطر يلفحه، أخذت هيريم تنظر نحو الملك تشانيول وذقنها عالٍ مثل كبريائها، الذي يعرفه، وهي تعلو فرسِها كفارسة شُجاعة لا تهابه حتى فيما رِجالها الكُثُر خلفها يتبعونها، ويقاتلون جنود الملك، ويحرِّرون الناس.
إقترب الملك تشانيول من سورِ الشُّرفة، ونظره مُركَّزًا عليها، يعرفها دون أن تُنزِل اللِّثام، ولكن حينما أنزلت اللِّثام عن وجهها الحَسن، وقصدتهُ بإبتسامة مُستفِزَّة تَزُفُّ فيها إنتصارها عليه إستنفر غضبًا، وضرب السور بقبضتِه بقسوة.
إلتفتت هيريم حينما إشتمَّت مُباغتة من ظهرِها تفوح غدرًا، وخلعت سيفها عن خصرها، وقاتلت من فوقِ فرسِها جنود الملك، الذي تعلَّموا الغدر منه، لم تدري كم قتلت منهم ولا يُهمها أن تدري، ولكنَّها قتلت منهم الكثير؛ فكُل من رفع سيفه عليها إرتدَّ سيفها عليه بشرخةٍ قاضيّة أو طعنة تجعل في الجسدِ خِوار.
أسرعت هيريم بفرسِها قُرب تايهيونغ، وقالت له بصوتٍ مُرتفع كي يسمعها دون أن تنظر إليه؛ فالنظرة الآن قد تُكلِّف حياة، فيما كلاهما يُقاتلان جنود الأعداء.
- علينا الإنسحاب قبل أن تَصِل إمدادت الملك، لن نستطيع حينئذ أن نصمد كثيرًا!
قتل تايهيونغ الجُندي، الذي يُبارِزُه، ثم نظر إلى قائدته يومئ.
- عُلِمَ سيّدتي، سأُجهِّز للإنسحاب فورًا!
ولكن في حينِ لحظة؛ ما شعر تايهيونغ وإلا بسيفِ هيريم يأتي نحوه بغيةِ الطعن؛ ولكنَّهُ لم يَكُ المُستهدَف، بل الجُندي، الذي نوى أن يغدُر به، ثم قالت وهي تُقاتل جُنديًّا آخر هبَّ بشجاعة أمامها؛ كما الآخرين يظنها خصمًا سهلًا؛ لأنَّها إمرأة.
-تعلَّم ألا تخسر تركيزك على عدوك في ساحةِ المعركة، ليس الجميع مُهذَّب في ساحةِ المعركة مثلنا، هُم سيغدروا بك ليقتلوك!
قتلت الرَّجُل، الذي تُبارِزُه، وحرَّكت فرسها بعيدًا عن تايهيونغ، وهو شعر بهذه الهيبة، التي تنبعث منها كما لا تنبعث من أحد إطلاقًا، ولا حتى من الملك بعينِه كما يرى.
تناولت هيريم من على إحدى الأعمدة مَشعلًا، ثم إنطلقت هيريم بعد ذلك ناحية منصَّة الإعدام، صعدتها بفرسها ثم هتفت بالناس بصوتٍ جهور شُجاع، لا مهابةَ فيه ولكنَّهُ مَهيوب.
-أيًا كان، الذي يخاف على حياتِه منكم، فليدخل بيتِه ويُغلِق على نفسه بابه، لا تخرجوا من بيوتكم أبدًا!
ألقت المَشعل أرضًا على المنصَّة، وقبل أن تنزل عنها بفرسِها، إلتفتت ناحية الملك وقالت تُشير له.
-يا سموَ الأمير؛ ما خُلِقوا الناس عبيدًا لتستعبدهم، لقد زال مُلكَك اليوم، لو كنتُ مكانك سأهرب وأنجو بحياتي، ولن أتمسَّك بعرش لا أملكه!
ضربت لِجام فرسها تَحُثَّها على الركضِ، وصرخت في رجالِها.
- إنسحاب فورًا يا رجال!
ورِجالها أطاعوها حالما أمرت؛ إذ بدأت أحصنتهم تعدو رجوعًا من حيثُ أتت، وركض فرسها أسرع من البقيّة تقطع صفوف رِجالها حتى استطاعت أن تتصدَّرهم بصفتِها القائدة، والناس، الذين لطالما عادوهم، علموا الآن أي صف عليهم أن يتَّخِذوا.
-تحيا جماعة القمر الدموي!
كان الهِتاف باسمٍ لا ينتمي للملك يملأ السماء لأولِ مرَّة في تاريخ الإمبراطوريّة، ويُعبّئ جنبات الطُرقات، وله صدى يصدع في أُذن أيًا كان مهما عَلت منزلتِه؛ في تلك اللحظة فقط أدرك الملك تشانيول أنَّهُ إرتكب خطأً فادحًا بقرارِه السابق الجائر، وأن الشعب ليسوا بيادق لديه، بل هُم اللاعب، الذي يستطيع أن يفعل "كِش ملك".
ولكن أيًا من هذا لم يعظه، فلقد إرتكب الخطأ الجسيم وانتهى، وأصبح الشعب ضِدَّه بعدما عمل لينال إستحسانهم لسنين، الآن عليه التنظيف خلف خطئه هذا؛ إذ ضرب تشانيول بقبضتِه السور بقسوة وصرخ.
- اتبعوهم وقاتلوهم حتى تقتلوهم!
فلقد نزعوا هيبتِه كملك، وصدّوه عن منالِه وقرارِه في تمرِّدهم، وآخرُ الدواء الكي، ودائمًا ما يكون الخيار الأكثر دمويّة خياره المُفضَّل؛ إذ إلتفت إلى وزيره الأول جيمين وأمره.
-قُم ببعثِ أمر لقائد الجيش وو يفان باسمي، سنُهاجم كل أوكارهم، سنقضي عليهم... الأيام القادمة ستكون دمويّة!
أومئ جيمين مُكرَهًا على التنفيذ، ثم أخفض جذعه في إحترام للملك قبل أن ينصرف لتنفيذِ أوامره الهمجيّة الجاهلة، كيف سيُهاجم أوكار المُتمرِّدين ولا يعرفها أحد سِواهم؟! لا يفهم.
-أمرُكَ مولاي!
إنصرف جيمين لتنفيذ أوامر الملك؛ بجمعِ الجيش والتجهيز لتلك الحرب، التي ستكون بالطبع داخليّة، وستُضعف من قوةِ الدولة وهيبتها بعيون الناس أجمع وأمام الدول الأخرى؛ ولكن رغم ذلك؛ في مثلِ هذه الحالات الحرب هي الحل الوحيد.
وأمّا بالنِّسبةِ للملك تشانيول؛ فهيبةِ الدولة ورِفعتِها لا تهم ما دام سيفعل أي شيء ليُحافِظ على عرشِه، ولكن ما زال... الحربُ هي الحل الوحيد النافع، الذي سيحسم النِّزاع على السُّلطة، مهما كانت النتيجة بعدها؛ دمار أو إعمار.
...
وإما المُتمرِّدون؛ فكانوا مُستمرّين بالسيرِ رُغم بدنِ قائدتهم المُرهقة، هي قائدة هذه الجماعة وستبقى، وسوف لن تكون عِبأً عليهم أبدًا أو دُكانًا يتاجرون فيه بالشفقةِ عليها وبذكريات الماضي البطوليّة، التي تشاركتها معهم، ... هي ستبقى شديدة رغم شِدَّة الأزمة.
كانت أشلاء جنود الملك تتبعهم، ولا يدرون كم هم يُخاطرون بحياتِهم بإتباعهم أفراد الجماعة؛ فتلك المنطقة للجماعة ويعلمون بشتّى تفاصيلها، ودخولهم إلى مناطق الأحراش والغابات هو إنتحار بحدِّ ذاته؛ فلقد نُصِبَ الفخ، ووقعوا في المصيدة.
إذ فورما توغَّلوا بالأحراش مُضلَّلين بِضُعفِ الجماعة وعددها حتى إنهالت عليهم السِّهام كالمطر، تمطرهم بوابلٍ من موت، نعيق الغِربان يملأ السماء، ورائحة الموت تفوح، والأرواح -وإن كانت بريئة فهي مجبورة- تتصاعد في السماء.
رِجال الجماعة يعلون منصاب الجبال وسهامهم لا تخيب أبدًا، السهلُ مُحاصر، الموت فيهِ مُحتَم، والنجاة مُستحيلة، والعفو بعيد المنال.
كان بيكهيون يرتدي زيًّا حربيًّا لا يخص أفراد الجماعة؛ بل صُمِّمَ خصيصًا لأجلِه، فهو الملك وليس مُجنَّدًا في هذه الجماعة؛ هو الأعلى شأنًا بينهم جميعًا؛ ولأجلِه هذه الحرب قامت، يقف على رأسِ الجبل بين رجال هيريم ويترأسهم.
رفع الملك يده يأمر الرجال بالتوقف عن إطلاق السهام على الجنود، ثم هتف بصوتٍ عالٍ لبقيّتهم، وقد تبقى مُنتصفهم تقريبًا.
-لو يعود الأمر لي لما أزهقتُ روحًا واحدة منكم، من يود الهرب فليهرب عليه الأمان، ومن سيبقى سيبقى ليأكله الموت وحسب، ولا أحد يرغب أن يكون فريسة وحش الحرب!
رغم خوفهم لم يكونوا واثقين من كلام هذا الرجل رغم أنَّهم مُستعدّين بالتمسُّك بقشةِ أمل، يخشون الهرب فتضرب السِهام ظهورهم، ويخشون البقاء فتضرب السِهام صدورهم؛ ولأنهم جنوده آمن عليهم حينما هتف.
-أنا الملك بيكهيون وملككم الحق لن يخدعكم!
تصدَّع الرِّجال بين مُكذِّب ومُصدِّق، لكن هذه الهيئة للملك بيكهيون بالفعل وهذا الصوت أيضًا، فلقد رأوه من بعيد من قبل، وسمعوا خطاباتِه قبل المعارِك؛ ألم يَكُ الملك ميّت إذًا كيف ها هو هنا؟!
ولكن ما يعرفونه جيّدًا عنه أنَّ للملكِ بيكهيون وعد لو قطعه سيوفي به مهما كان، وإن قال أن عليهم الأمان لو هربوا ففعلًا عليهم الأمان؛ لذا وضعوا ثقتهم به، وبدأوا يركضون كأسرابٍ من الظبي، التي تريد النجاة بروحها في هذه الغاب الموحشة.
تراجعت الجماعة إلى مقرِّهم الأقرب من قلبِ العاصمة، وهو ثكنة القائد دو كيونغسو تحديدًا؛ إذ ولج بيكهيون قاعة الإجتماعات أوَّلًا تتبعه هيريم وهي تتَّكِز على عصاها، كذلك القائد كيونغسو، وتايهيونغ بصفتِه قائد أقل رُتبة.
إلتفّوا جميعًا حول الطاولة، وبيكهيون ترأسهم، حينها هيريم سألته وبانت عَتِبة.
-مولاي؛ لم سمحت لهم بالهروب؟!
أنا لا أفهم، كنا نستطيع قتلهم جميعًا، وتلقين الأمير وكل من يَشُد على يدِه درسًا!
تنهَّد بيكهيون وأرخى ظهره على المقعد يقول وهو ينظر إليها.
-الدرس، الذي تتحدَّثين عنه، لقنتِه أياه حينما هاجمتِه، وحررتِ رِقاب الناس، لا يجب أن تُلقني أحد درسًا بأرواحِ الناس وإن كانوا جنودًا.
الجُندي لا ولاء له، أيُّ ملك قد يقوده؛ لأنَّ مُهمَّتِه حفظ البلاد لا خدمة الملك. وهؤلاء كانوا جنودي قبل أن يكونوا جنود تشانيول، وهم اتبعونا؛ ليس لأنهم يرغبون بإتباعنا، بل مغلوب على أمرهم.
تأمَّلوا أن ينجوا من قبضتكم، فينجوا من قبضةِ تشانيول، فلو ما اتبعونا كان تشانيول سيقتلهم بتهمة الخيانة.
أنا ما سمحتُ لكم بضربِ بعضهم بالسهام إلا لتخويفهم ولأثبت لهم شدة موقفكم وقوة عتادكم وحنكتكم وإلا ما كانوا ليستسلموا أبدًا.
للأسفِ؛ أحيانًا نُضحي بالكثير من الأرواح لنحفظ الأكثر ولو بدى ذلك مُتناقضًا، لا تنسوا أنهم جنودي!
ثم إتكز بمرفقيه على الطاولة مُقتربًا من أركانِها، ونبس في جديّة، عيناه تلمع في حزمٍ وجدّيّة.
-والآن هذهِ الحرب، وعلينا بنيَ الخُطَّة للإطاحة بتشانيول، لا بشعبي ولا جنودي، بالخونة فقط!
وقف ثم فرد خريطة العاصمة، وأشار إلى القصر الملكي يقول.
-إحتلال القصر يعني نهاية الحرب، علينا أن نستهدف القصر بنفسِ الوقت علينا حزم بدن الشعب كي لا يتشلّى!
أومأت له الرؤوس بالموافقة، ثم بدأ يضع الخُطّة ويشاورهم فيها. بكلامِه هيريم فكَّرت، لقد كان مُحِقًا فيما يَخُص الجنود، وكانت مُحِقَّة في محبَّتِه.
...
فجرًا؛ كان كل شخص من الذين قاتلوا اليوم في غُرفته يرتاح والبقيّة يحرسون المقر؛ فغدًا سيكون يومًا طويلًا للغاية، وعليهم إلزام أنفسهم الراحة؛ لِتحمُّل مشاق الغَد وأتعابِه.
حينها سُمِعَ صوت هصيل الأحصنة في الخارج وارتفعت أصوات الحرس، ولأنَّ المُقاتلين نومهم خفيف نهضوا سريعًا، وخلال مُدَّة قصيرة أصبحت هيريم في الخارج كذلك جلالة الملك بثيابِ نومهم؛ إذ كان بيكهيون يرتدي سروالًا فقط بينما هيريم ترتدي فُستان نومها الخفيف فيما تتكئ على عُكّازِها ولم تنسى أن تأخذ سيفها.
- ما الذي يحدث؟!
سألت الحرس في جدّيّة، فآتى لها إحدى الرجال وعلى شفتيه إبتسامة عريضة ومُبشِّرة وهو يقول فرِحًا.
-إنَّهُ القائد سيهون، لقد وصل!
-ماذا، حقًا؟!
شهقت هيريم بسعادة، وأسرعت فيما تتَّكِز على عُكّازها نحو قافلة سيهون، كان سيهون يقود قافلته، حصانه في المُقدِّمة، وخلفه هودجين، واحد للملكة راهي والآخر لزوجته جاهي.
كان مُبتسِمًا وهو يُدرك المَقر، ولكنَّهُ حينما رأى هيريم تركض إليه وهي تتكِّئ على عُكاز قبض حاجبيه في إستغراب، وقلبه دَقَّ ناقوس القلق.
أوقف حصانه وترجل عنه، ثم سار إليها مُسرِعًا، كانت دموعها تسيل على وجهها تشكو إصابتها إليه، كذلك شوقها، صحيح أنها إمرأة كالجلمود لا يهزها شيء، ولكن قلبها أرهف من الرَّهف لو تعلَّق الأمر بواحد من الثلاثةِ رِجال، الذين لا يُمكنها أن تتحمَّل أن يُصيبهم ضُر، الأهون أن يُصيبها هي، أو أن يبتعد أحدهم عنها.
هي لا تُطيق فكرة أن يسترجع بيكهيون عرشه، ويبتعد عنها للأبد، وتكون بينهم قطيعة أبديّة.
-هيريم؛ ما بكِ، ما الذي حدث لكِ؟!
تسآل سيهون بقلق بينما يُدركها، ولكنَّها لم تُجيبه، بل إندسَّت بين زنديه الرَغدين، وبكت على صدره أصابتها، وقلقها عليه، وتوقِها إليه.
كبح سيهون قلقه، واستسلم لرغبتِها تلك؛ إذ إحتضنها سيهون بين يديه بِرِفق فيما يعقد حاحبيه بقلق، ملامحه لا تُفسَّر.
-اخبريني ما الذي حدث معكِ يا صغيرتي، من آذاكِ؟! أقسم أنَّني لن أنال فيه أيُ رحمة!
رفعت وجهها إليه، فاحتوى وجهها بين كفّيه، ثم قالت وهي تبكي.
-تعرَّضت لإصابة بالغة في قدمي يا أخي، سأبقى عرجاء بسببِها للأبد، لن أستطِع أن أسير مُجدَّدًا دون قدمٍ ثالثة.
أخفضت رأسَها في أسف وقالت فيما تنحدر من عينيها دموعًا سخيّة.
- أنا ما عدتُ أستحق أن أبقى قائدة لهذهِ الجماعة، بل ما عدتُ أستحق أن أبقى فيها حتى!
نفى سيهون برأسه رافضًا ما تقول، وضمَّ رأسها إلى صدره يهمس مواسيًّا رُغم أنَّهُ لا يثق في مواساته أبدًا هذه المرَّة.
- لا تقولي هذا، أنتِ ستكون بخير بلا شك، ليس وكأنَّها أول مرة تتعرَّضي لإصابة بالغة وتُحالفكِ النجاة، أنتِ حتمًا ستكوني بخير عزيزتي!
أواها إلى حُضنه مُجدَّدًا، ما شاء أن ترى إنفعاله الآن أبدًا؛ إذ إشتدَّ فكّاه في سخط، وإرتفقت الدموع بحُمرةِ عينيه، هو غاضب جدًا، الذي تجرَّأ وآذى أختُه الصغيرة سيدفع الثمن حقًا.
-لا بأس صغيرتي، لا بأس!
إقترب منهما الملك بيكهيون فانحنى له سيهون بعدما إبتعدت عنه شقيقته برفق، حينها بيكهيون اقترب منه ليُعانقه، وسيهون استغرب هذا السلوك؛ فعادةً لا يكون الملك بهذا الوِد معهم، بل لم يُسبَق له أن كان ودودًا معهم حتى؛ لذا سيهون وجد ذلك غريبًا.
نظر بيكهيون نحو هيريم، التي تتمسَّك بعِضدِ أخيها وكأنَّها تخشى أن يبتعد عنها، وقال لسيهون.
-الذنبُ ذنبي، لقد أُصيبت بسببي، لو ما دافعت عنّي في ذلك الوقت لما حدث لها شيء؛ لكنَّها خاطرت بحياتِها لتحميني وتنقذني، أنا السبب في ما حدث لها.
سُرعان ما نفت هيريم برأسِها تُبرِّر.
-لا يا جلالة الملك؛ ما حدث لي لم يَكُ بسببك، بل كان أمرًا مُقدَّرًا تحتَّم عليَّ الوقوع فيه. تعلم أنَّ حياتك الأهم بيننا، ولأجلِ سلامتك يُمكننا أن نُضحّي بحيواتِنا؛ لذا لا تشعر بالذنب حيالي. أنا فقط أتدلَّل على أخي، ويسعني أن أشكو إليه ويواسيني... أنا سأبقى بخير، لا تقلق علي!
تنهَّد بيكهيون، وكتم إستيائه في نفسِه وهو ينظر إليها، كان بإستطاعتها أن تتدلَّل عليه، ويسعها أن تشتكي إليه وترتمي بين زنديه، لقد قطعا شوطًا طويلًا معًا بالفعل في علاقتهما، ويمكنه أن يفعل أي شيء لأجلها ما دام سيُخفِّف عنها. ثم أن هذا الفُستان، الذي ترتديه، لا يُعجبه، إنَّهُ يكشف ويشف، يجعل الآخرين يروا ما لعينيه فقط.
لاحظ سيهون نظراتِ الملك على شقيقتِه، ولتوِه لحظ ثيابها، فلقد كان مشغولًا بالقلق على بدنِها الملكوم، ولم يعي أنَّها خرجت هكذا؛ فارتأى أن يخلع عن بدنِه معطفه، ويُلبسها أياه قائلًا.
- لقد خرجتِ هكذا ولم تنسي سيفك، تنسي ثيابك ولا تنسيه.
أتت عيناها بعيني بيكهيون، فرأت الغيرة تتقد فيهما؛ لذا شدَّت المعطف على بدنها، وبرَّرت.
- آسفة؛ لقد ظننتُك إحدى جنود الأمير، ظنتتهم نجحوا في إتباعنا؛ لذا خرجتُ لأقاتل ولم أنتبه لأي شيء آخر.
أومئ سيهون بتفهُّم، وبيكهيون أساح بصره عنها مُنزعِجًا.
أتت راهي بعدما ترجَّلت من هودجها، ثم إنحنت للملك وحيَّتهُ لتستحوذ على إهتمامه.
- مرحبًا جلالتك أرجو أن تكون بخير
إبتسم بيكهيون، ثم إجتذبها من ذراعها، إحتضنها برِفق، ثم طبع قُبلة على جبينها بإمتنان.
- كيف كان حال ملكتي؟!
تبسَّمت له وأومأت.
- كنتُ بخير جلالتك، لقد أحسن القائد سيهون الرعاية بي وقيادة المسيرة، إنَّهُ حملُ المسؤوليّة، والثقة، والأمانة.
ربَّت بيكهيون على كتفِها يقول.
- لا أشك في ذلك!
بغتًا؛ وقع بصره على هيريم، فوجدها تخفض رأسها في غيرة، وتقبض على أستيائها بقبضة يديها، تنهَّد ثم نظر إلى سيهون يخبره.
- بسببي هيريم تعرَّضت للإختطاف، لقد إحتجزها تشانيول لفترة.
هتف سيهون بقلق.
-ماذا؟!
سُرعان ما أمسك سيهون بوجه أخته يتكلَّم بقلق.
- ما الذي حدث، هل عذَّبك؟ تكلَّمي سريعًا!
تبسَّمت هيريم تُطبطِب على يديه؛ لتُريّحه.
- لأنَّنا على حق؛ دومًا ما يضع الله أشخاص طيبون لمساعدتنا لشقِّ طريقنا والنجاة. رَجُل تحت سُلطة الأمير تشانيول أنقذني، هو ليس من جماعتنا، لكن بان لي أنَّهُ يعلم بأن تشانيول لا يستحق العرش. لقد أنقذني، وحماني، حتى أنَّهُ أطعمني، وسقاني، وتركني أنام في آمان وهو يحرسني.
تسآل سيهون، فلو عرفه لن يهلك أبدًا في هذهِ الحرب.
-ما اسمه؟
نفت برأسِها تقول.
- لا أدري ما اسمه، لم يخبرني عنه شيئًا قط، فقط أعرف وجهه وقامته، هو وسيم.
إرتفع حاجب بيكهيون بسخط حينما قالت ذلك، فأخفضت رأسها تتجنَّب نظراتِه الساخطة، واتبعت لتُغيظه أكثر.
- لكنَّهُ قصير؛ ليس بطولِ الملك بل أقصر حتى!
ما استطاع بيكهيون كبت إنفعاله بوجهها؛ إذ هتف.
- أنتِ!
حاولت كتم إبتسامتها رُغمًا عنها حينما تذمَّر الملك بإنزعاج وسخط، ولولا أنَّها مُصابة لضربها سيهون على قفا رأسها؛ كي لا تقول للملك مثل هذا الكلام مُجدَّدًا.
- اعتذري لصاحبِ الجلالة حالًا يا هيريم!
إرتفع حاجب بيكهيون، وتبسَّم في رضى وغرور فيما ينتظر إعتذارها ويتكتَّف، ولكنَّها هربت من أسفل يد أخيها تقول.
- لا أريد، سأقابل جاهي!
هتف سيهون بغضب.
-أنتِ تعالي إلى هنا!
ضحكت وهي تهرب من أخيها، ولكن رؤية العُكاز تُضايقه، فتركها على راحتها تهرب، قلبه لا يطاوعه أن يؤنبها أو يؤدبها أو حتى يوبخها، ما عاد يُطاوعه أبدًا، لقد إشتاق لها كثيرًا ولم يدري أنَّها في غيابه قد حدث لها كل هذا، لو كان يعلم أن شيئًا من هذا القبيل سيحدث لها لأخذها معه، ولما تركها تتحمَّل مسؤولية أمان الملك وهذا المكان وحدها رُغم أنَّها أهلًا لذلك.
تنهد بيكهيون وهو يراها تتصرَّف بشقاوة كفتاةِ أخيها الصغيرة المُدلَّلة، ونبس فيما يُراقبها بعينيه المُغرمتين.
-إكتشفتُ أنَّها فقط أمامك تتصرَّف بشقاوة، عادةً ما تتصرَّف بجدّيّة كما نعرفها قائدة.
تبسَّم سيهون وأومئ.
-أنا في نظرِها لستُ أخوها فقط، بل أبوها رُغمَ أنَّ الفارِق بيننا عشر سنوات فقط!
الملكة راهي كانت ترى بوضوح نظرات الملك بيكهيون إلى قائدة المُتمرِّدين هيريم، كان ينظر لها كما كان ينظر إلى ناري، ورُبَّما أكثر شغفًا؛ بل فعلًا أكثر شغفًا حقًا.
وهي للتو قد حصلت عليه زوجًا، ولن تخسره لإمرأة أخرى إطلاقًا، ليس مُجدَّدًا؛ إذ تمسَّكت بذراعِه وقالت؛ تحاول لفت إنتباهه؛ لم يسبق لها أن تبارزت مع الملكة ناري عليه، لم تَكُ تشعر أنها ندًا لها؛ لكن هذه البربريّة ليست كافية لتنافسها على زوجها الملك حتى.
-مولاي؛ لقد كانت الرحلة طويلة ومُهلِكة، ولكنَّنا أحسنّا صُنعًا، الملك الهندي أصبح يَحُد الجنوب الحدود الآن
أومئ لها وربَّت على رأسها يقول.
-أحسنتِ يا راهي!
تبسَّمت راهي وأخفضت رأسها في خجل، هو لم يُسبَق له أن عاملها بمثلِ هذا اللُّطف حينما كانوا في القصر، رُبَّما هيريم لا تُشكِّل خطرًا عليها أبدًا كما تظن.
- الأمير لي جون قد إشتاق لكِ، اذهبي لرؤيتِه
إنحنت له في طاعة ثم أدبرت، حينها تلبَّس وجهه الجدّيّة من جديد، ونبس فيما ينظر نحو سيهون.
- أظن أنَّهُ علينا البِدء بالتحرُّك بما أنَّك وصلت، وجودكَ سيدعمنا.
أومئ سيهون له ثم قال.
-بالطبعِ مولاي، فقط أمهلني حتى أنظم الأمور ونرتاح قليلًا!
-بالطبع!
إنحنى له سيهون قبل أن يُدبِر، حينها نظر بيكهيون إلى هيريم، كانت تقف مع جاهي وتضحك، لم يراها سعيدة قط بمثلِ هذه الدرجة، الآن يُدرك أن لا أحد أغلى قلبها من أخويها.
تلفَّت بيكهيون حوله فرأى تايهيونغ يقف من مكانه البعيد، وينظر إلى هيريم، ويبتسم لأنَّها تبتسم، تنهد بيكهيون في أسف رغم أنَّهُ غيور، لا يُحِب فكرة أن يكسر قلب هذا الرَّجُل، وأن يسلب منه حبه، ولكنَّهُ أيضًا ليس بوِسعِهِ أن يترك هيريم لرجل آخر.
هذه المسائل أنانيّة للغاية...!
-متى تظن أنَّ جونغكوك وجونغ إن آتيان؟
تسآل بيكهيون بعدما أشار لتايهيونغ بالإقتراب وفعل؛ فأجابه تايهيونغ.
-بحلولِ الغد على كلاهما أن يكونا هنا.
أومئ بيكهيون ونفث أنفاسه بهدوء، لقد بات الأمر وشيكًا.
...
طلع الصُبح فعلًا؛ لكن المقرَّ في ركود؛ بسببِ وصول القائد سيهون وحاجته ومُرافقيه للراحة في هدوءٍ تام.
ولأنَّ الجميع مشغول في شأنِه لم يرى بيكهيون ضُرًا في التَّسلُّل إلى حُجرةِ هيريم؛ فلو أخوها تناله الرحمة بها؛ فبيكهيون لا يرحم.
إذ كانت في غُرفتِها ترتاح بعدما عادت إليها، وعبَّأت أجرار شوقها لأخيها به، ونَست أنَّها عبّأت أجرارِ الملك بالغيظ. كانت تقف عند خزانةِ الثياب تُبدِّل ثيابها؛ ولكنَّها أحسَّت بأحدهم يفتح عليها الباب، شهقت بخفة، وسدَّت فاهها بيدِها حينما رأت أن الفاعل لم يَكُ سوى بيكهيون.
حرص أن يغلق الباب عليهما جيدًا قبل أن يلج غُرفتها، ثم تقدَّم منها وهو يضع يداه خلف ظهره، ومعالمه خرساء جامدة، بدى مُهيبًا ومُخيفًا.
- هل تعلمي حضرتُكِ كم خطأ إرتكبتِ قبل قليل؟
إزدرئت هيريم جوفها فيما تتراجع عنه حتى اصطدمت بالدولاب خلفها، لا تدري لِمَ تصبح بين يديه هشَّة؛ الحُب يفعل العُجاب حقًا.
شهقت بِخِفَّة وأخفضت رأسها تُغمض عينيها، جسدها لا يستره أي شيء، فقط تحمل الفُستان، الذي كانت ترتديه بين يديها، وتستر فيه ما تستطيع من مفاتِنها.
- مولاي؛ كنتُ أُمازحك!
عيناه سارت على جسدها المكشوفة معالمه بطريقة فاتنة أمامه، تبدو شهيّة أكثر وهي تمسك بقطعةِ القُماش الباليّة هذه، وتحاول أن تستر فيها نفسها.
- لا يمكنك مُمازحتي بمُقارنتي برجلٍ آخر، لا يمكنكِ ذكر رجل آخر بمدح حتى، مفهوم؟!
- مفهوم!
شحذت قواطعه السُفلى على شِفَّتِه العُليا وعيناه تتفرَّسانها بفضول، إشرأبَّ الخجل في وجنتيها، وطعن الإرتباك حُنجرتها.
- مولاي!
همهم وما عادت عيناه كافية لتتفرَّس؛ إذ إرتفعت يداه لتحسَّسها؛ حينها شهقت، وحينما ودَّت أن تقول شيء وضع يده على فمها يُسكتها، ثم جعل سبَّابته على شفتيه يهمس لها بالسكوت.
وبذاتِ السبّابة، التي وضعها على شفتيه، تلمَّس خطَّ فكِّها الحاد، ثم إنحدرت لمساته على عُنقها الطويل، ثم بأطرافِ بنانه تلمَّس عظمتي ترقوتها، واستمرَّت يده بالإنحدار حتى تلمَّس بها معالم صدرها؛ فعضَّ على شفتيه مفتونًا، واشتعلت الحرارة في جسده.
- مولاي؛ إن دخل علينا أحد سأكون في ورطة أرجوك!
- لا تخافي وأنتِ معي، لن يجرؤ أحد أن يؤذيك ولو بكلمة، لقد أصبحتِ إمرأتي، وامرأتي لا يوبخها أحد...
قرص خصرها بأصابعه فأنَّت.
- سواي!
ما تحمَّلت لمساته أكثر، أصبحت تنتشل من قوَّتِها، تجعلها ضعيفة جدًا وطوع يديه، جسدها بات أحر، ويراودها شعورٌ غريب أقوى من الذي راودها حينما قبّلها.
- مولاي أرجوك توقف!
لكنَّهُ لم يتوقف، ويده غطست أسفل فستانها، وغطست في أقصى خصوصياتها، وبمهارة؛ أفسد هذه القائدة البريئة أكثر، جعلها تشعر بشعورٍ لم يراودها قط، جعلها تئن رُغمًا عنها، وراودتها رغبة ألا يتوقف أبدًا مهما بدى ما يفعله بها سلوكًا بذيئًا.
تبسَّم وهو يراها ترتعش بين يديه، وتتكئ عليه، فقدمها ما عادت قادرة أن تحملها أكثر، تنهداتها وأنفاسها الحارّة قُرب أذنه تجعله مُشتعلًا وسعيدًا في الوقتِ ذاته؛ هو يعرف كيف يسعد فتاته.
- كيف تفعل بي هذا؟ ما هذا؟
همست بتعبٍ وعتب حينما هدأت الثورة داخلها، وإلتجأت إلى زنديه؛ ففجأة هي تشعرُ بالبرد. تبسَّم وهمس لها.
- النشوة عزيزتي!
ثم لم يُمهلها أن تفهم ما يشير إليه، فلقد أمسك بذقنها وباغت ثغرها بقُبلة حارّة، بادلته فيها طوعًا وإستسلامًا... لقد كان مُحِق حينما قال لها أنَّهُ سيُفسدها؛ فلقد أفسدها حقًا.
سحب الفستان من بين يديها؛ فرأى جاهرةً ما لمسته يداه وتخيَّله، لكنها كانت أجمل من صورة خياله حتى.
إنحدر بجذعه ليطبع قُبلة فوق قلبها تركت أثرًا، ثم تلمَّسها بأصابعه وهو يبتسم برضى عن النتيجة.
- ما دام قلبكِ لي؛ سأفعل بكِ ما أشاء، وأُفسدكِ على هواي أيَّتُها البربريّة.
...
تذكر جاهي حينما أخبرت بعض الفتيات هنا أنَّها ستعرض الزواج على القائد سيهون، كانت محل سُخريّة لهن حقًا؛ "القائد سيهون قائد فقط، لا يصلح زوجًا" كُنَّ يقولن ذلك كثيرًا لها؛ لِردئها عن رغبتِها به؛ لكنَّها كانت مُصِرَّة أن تحصل عليه مهما بدى قاسيًّا؛ لقد تحكَّمَ بها قلبها في ذلك الحين؛ وأحسن التَّحكُّم.
وربَّما الآن هي أكثر إمرأة محسودة بين كل نساء المُتمرِّدين؛ فلقد حصلت على أفضل رجل فيهم وأوسمهم أيضًا، اللواتي نصحنها بالإبتعادِ عنه الآن يشعرن بالغيرةِ منها.
لقد أصبح الآن الوقت عصرًا، وجاهي تنام بين يدي زوجها الرغيدة، لقد كانت رحلة طويلة ومُتعِبة، ورُغم ذلك؛ كانت رحلة سعيدة؛ فلقد داست بلاطًا ملكي يخص ملك المغول الهندي، ورافقت زوجها لفترةِ طويلة، وبقيت بالقُربِ منه.
فتحت عيناها على أجمل ما تراه بعد كُلِّ غفوة، وفي الحقيقة؛ ما زالت لا تستطيع أن تعتاد، كيف لِرجُل أن يكون فاتنًا إلى هذه الدرجة؛ لدرجةِ ألا يكون قابلًا للإعتياد على فتونه.
كان مُستيقظ وهي على ذراعه، تبسَّمت ونظرت إليه.
- هل نمت؟!
تنهَّد سيهون وقعد على الفراش؛ بدى مهمومًا وذلك أقلق جاهي؛ إذ قعدت بعده وتمسَّكت بكتفيه تقول.
- ما بك عزيزي؟
تنهَّد سيهون ودعك وجهه بكفّيه.
- كيف أنام بعدما رأيتُ ما حلَّ بِأُختي في غيابي؟!
الذنبُ ذنبي؛ ما كان عليَّ أن أترُكها وحدها هنا؛ لتحمي الملك وتصون الجماعة.
تنهَّدت جاهي وربَّتت على كتفيه تحاول مواساته.
- لا تُفكِّر بتلكَ الطريقة عزيزي، لم يَكُ ما حصل لهيريم ذنبك، لا يُمكن إعتراض الأقدار أبدًا؛ إنَّها تتحقَّق رُغمًا عنّا، ولو كنتَ هنا ما كنتَ لتستطيع أن تمنع ما حدث لها.
تنهَّد وخبّأ وجهه بين كفّيه في أستياء وغضب من نفسِه قبل أي أحد آحر، كلام جاهي لم يواسيه أبدًا، ولا أي كلام قد يواسيه حتمًا، وجاهي تعلم ذلك؛ لكنَّها إستمرَّت في مواساتِه.
- سيدي؛ الجميع هنا مُقاتلين، والمُقاتل يعرف ما هي أقداره المتوقعة، الموت، السَّبي، السجن، الإصابات... وهي مُقاتلة، وتعلم أنَّ ما حدث لها كان متوقعًا.
هي قويّة؛ لقد رأيتها كيف تضحك وتمزح في الجوار، هي حتى لم تبدو مُتشائمة بسببِ إصابتها.
-أنتِ لا تعرفينها، هي لا تُظهِر مشاعرها، لا تُحب أن تُشعر أحد بأنها عِبئ عليهم ولو كان أنا حتى.
سيهون مُحِق؛ هي بالتأكيد لا تعرف أخته أفضل منه؛ فهي تربَّت على يدِه، وكُبرت بين ذراعيه، ولكنَّها تعرف أنَّها لا يجب أن تترك زوجها في ضائقة وحده؛ عليها أن تكون معه فب السرّاء والضرّاء.
إلتفتت حتى جلست قِبالتِه، ثم رفعت وجهه بين كفّيها، تبسَّمت حينما نظر لها وقالت.
-ستكون بخير بلا شك، هي فتاة قويّة حقًا، لا يهزُّها مُصاب.
تنهَّد وأومئ.
-أتمنى ذلك!
وقفت على رُكبتيها وعانقته، شعرت به يتنهَّد ثم أراح رأسه على كتفها، وهي تمسح على شعره بيدِه.
-لا بأس؛ ستكون بخير.
شعرت به يُحرِّك رأسه حتى أصبح يسنده صِدغه على كتفها، ونفث أنفاسه الدافئة فلفحت رقبتها.
- أنتِ حقًا نِعمة في حياتي؛ يا ليتكِ إندسستِ بها أبكر.
- كان الرَّب يحفظني لك هديَّة تعبك وجهودك، لرُبما أنا تربيتة مواساة أتيتُ لك بهذا القصد.
تبسَّم سيهون ورفع رأسه عن كتفها.
-أنتِ بالفعل كذلك؛ مُكافئتي بهذهِ الحياة.
إنحدر بصره على شفتيها، وقال فيما يتمعَّنها بنظراتِه التي أصبحت مُغريّة.
- والآن؛ بما أنَّ بالي مشغول بهيريم، ما رأيك أن تشغليني بكِ؟
تبسَّمت واقتربت من شفتيه تقول.
-بسرور سيدي!
رفع خُصل شعرها الشاردة على وجهها وقرَّبها من قفا رأسها إليه، تمسَّكت جاهي بكتفيه فيما يطبع قُبلة، ثم إنكمشت أصابعها على ثيابه حينما بدأت أصابعه تُجرِّدها ثيابها.
...
ليلًا؛ كانت هيريم تحمل سيفها بيدِها، وكنانة سهامها والقوس على ظهرها، ترفع شعرها ويلتف حول بدنها ثياب سوداء تخُص بمكانتِها كقائدة المُتمرِّدين.
كانت قد تخلَّت عن عصاها، تشعرها بالعارِ حقًا ولا يمكنها أن تتحملها أبدًا، كانت تسير بعرج فعلًا، والسير دون العصا أصعب بكثير، ولكن لا يهم.
- علينا البدء في مُهِمتنا، هل العربات جاهزة؟
-نعم سيدتي.
أجابها إحدى الرجال فأومأت، ثم سمعت من خلفها.
-سيدتي
إلتفتت وإذ به تايهيونغ يحمل عُكازها، غضبت حينما رأته يحملها لها.
- أنا تركتُها خلفي عمدًا؛ لذا لِمَ أحضرتها؟!
- لأنَّكِ تركتِها خلفكِ عمدًا.
-ماذا؟!
نظر لها تايهيونغ، وبدى جادًا حيال كا سيقوله، ولكنَّهُ إختار ألين نبراته معها.
- لا أظن أن الإتكاء على العصا أصعبُ عليكِ من الإتكاء على أحدنا، ما دمتِ سترفضي مساعدتنا على إيةِ حال؛ إذًا أقبلي مساعدتها، هي لا تظنكِ عبأً عليها، بل أنتِ التي ترينها عبأً عليكِ، رغم أنَّكِ حقًا لستِ عبأً على أحد هنا، ولا أحد منّا يتمسَّك بكِ لأجلِ مُجاملتك.
فتح يدها، ووضع فيها العصا، ثم ربَّتَ عليها يقول.
-لذا لا ضرر أن تتمسكي بعصاكِ، دونكِ سيبقى بلا صاحب؛ فلا تهجريه.
تبسَّم وربَّت على يدِها بلُطف.
-هي بحاجتِك، لستِ من بحاجتِها.
تنهَّدت هيريم، ونظرت إلى العصا، ثم تمسَّكت بها وابتسمت.
-شكرًا لك.
أومئ لها مُبتسِمًا.
صعدت هيريم على فرسها، وتايهونغ صعد حصانها واقترب منها، حينها أمرت قبل أن تضرب لِجام الفرس فينطلق.
- هيا؛ لننطلق!
أتبعها الفُرسان، وتلك العربات المُحمَّلة بالبضائع تجرُّها أحصنة.
أدركت هيريم المدينة برجالها، ثم أمرت.
-وزِّعوا المونة على البيوت، وأعلموهم أنَّها باسمِ جلالة الملك بيكهيون.
-عُلِم سيدتي.
هيريم كانت فوق فرسها تُراقب الوضع وبجوارها تايهيونغ، كان الرجال يطرقون أبواب الناس المُغلقة ويوزعون المواد التموينيّة عليهم باسمِ الملك بيكهيون، وهي تستطيع أن ترى من كل باب يقصدونه دعوات الناس بالخير لصاحبِ الجلالة الملك بيكهيون.
-هكذا نكون قد وضعنا الشعب بكل طبقاتِه في صفِّنا، والدول في الخارج بصفِّنا أيضًا، الآن فقط بقيَ علينا أن نسترجع القصر.
تبسَّمت تنظر إلى تايهيونغ.
-تتحدَّث وكأن الأمرَّ قد مَر، الخطوة الأخيرة هي الأصعب، قد تقطعنا بينما نحاول قطعها.
نفى برأسِه وتغلغل الإطمئنان في سواحله.
-لستُ قلقًا؛ نحن نمتلك ثلاث من القادة المُحنَّكين، شروط أي حرب لديهم أن يضمنوا الخروج منها مُنتصرين.
ضحكت بِخِفَّة وأومأت.
- أنتَ مُحِق؛ ولكن هذه الحرب لا تنطبق عليها شروطنا تايهيونغ.
ضربت لجام الفرس وقالت.
- هيا نعود؛ لقد إنتهى الرجال من توزيع المونة.
-أمرك.
عادت هيريم برِجالِها إلى المَقر، وكان سيهون بإنتظارها قرب البوابة؛ اقترب ليساعدها بالنزول، ثم قال.
-أخبرتُكِ أنّي سأذهب بدلًا منكِ، ولكن كما هو متوقع، أنتِ عنيدة جدًا.
-لا تشعرني أنَّهُ ما عاد عوز لي في العمل، أنا سأؤدي دوري كقائدة، وهذا لا شأن له بإصابتي أبدًا.
أمسك سيهون بيدِها، ثم اجتذبها بين يديه يقول.
-حسنًا؛ كما تريدين.
تبسَّمت هيريم وأسندت رأسها على كتفِ شقيقها، ثم هتف إحدى الحرس.
-لقد وصل القائد جونغ إن
.....................
يُتبَع...
"كِش ملك"
العنقاء||The Emperor's Return
11th/Oct/2021
.............
سلاااااام
*تتحاشى كل أنواع الشتايم والضرب وما يرميه الجمهور*
Hello ladies
معليه... حبسة الكاتب زي الدورة الشهرية، إذا لزمتني ما بطيق حالي.
وانتوا كمان مش مساعدين، يعني بدكم ألاقي وقت أكتب فصل من 5k والي بدو ثلاث أيام، بينما انتو مش ملاقيين وقت تدعموني😒👊
على كل حال؛ أتمنى عنجد ترجعوا وإلا أنا رح أنسحب كمان.
الفصل القادم بعد 150فوت و200 كومنت.
1.رأيكم ببيكهيون الملك المنحرف😁🔞؟!
2.رأيكم بهيريم؟! مواجهتها لتشانيول؟! علاقتها ببيك؟
3. رأيكم بتايهيونغ؟!
*أنا لو مكان هيريم بفضل تاي على بيك*
4.رأيكم بتشانيول؟ ماذا سيفعل؟
5.رأيكم بسيهون؟! ردة فعله على حادث هيريم؟
6. رأيكم بجاهي؟!
7.رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟
دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤
Коментарі