CH30||زمهرير
بيون بيكهيون (إمبراطور اليوان)
بطل:
العنقاء|| The King's Return
"زمهرير"
●●●
الفرح إستعمر قلب هيريم حينما سمعت هذا الخبر الجليل، نظر إليها تايهيونغ والسعد يرسم وجهه بسماعِ الخبر، وكان أسعد برؤيتِها سعيدة هكذا بعد زمن، فمُذُّ أن قامت الحرب لم يرى لها إبتسامة، ولكنها الآن إبتسمت أخيرًا.
خرجت من قاعةِ القادة، وقصدت غُرفة سيهون مُسرِعة يتبعها تايهيونغ.
-أخي!
قالت ما إن أدركت الباب، ثم ولجت مُسرعة إلى غُرفتِه، ومن شدةِ الفرح أخذت تبكي.
حرَّكَ رأسه ناحيتها، بدى ذابلًا ومُتعِبًا جدًا، بشرتهُ حاجبه، شفتاه مُزرقَّة، وتتكاثف أسفل عينيه هالات مُظلمه، وعيناه ذابلة.
تمسَّكت هيريم بوجنتِه بِلمسة حنونة فورما صعدت السرير، الذي ينام عليه، وجلست بجوارِه.
-أخي؛ كيف تشعر؟!
هل أنتَ بخير؟!
أومئ لها إجابةً، ثم همس بصوتِه ذا البحَّة الثقيلة؛ بسببِ سكوته ونومه لوقتٍ طويل وقِلة طعامه.
-بخير؛ ماذا عن جونغ إن؟!
هل عاد؟!
هل هو بخير؟!
أخفضت رأسها يتلبسها الأسف والشعور بالعار، هي لم تستطِع أن تقوم بمَهام القائد كما يجب، الآن تشعُر أنَّها لا تستحِق أن تكون القائدة أو مسؤولة عن كُلِّ هذه الأرواح.
-جونغ إن عند جلالة الملك؛ حاولت إنقاذه بِالأمس، ولكنَّني لم أستطِع إخراجه من هناك!
عقد سيهون حاجبيه، وحاول النهوض يستعمره القلق، لكن هيريم منعته من النهوض، وجعلته يتمدَّد مُجدَّدًا.
-لا تُتعِب نفسكَ رجاءً، إبقى مُرتاحًا!
أطاع يدها؛ فلقد أحسَّ بألم لا يُطاق بظهرِه حينما تحرَّك حتى أنَّ معالم الألم إرتسمت على صفحتِه، لذا تمدَّدَ مُجدَّدًا.
هيريم قالت بقلق.
-هل تتألَّم؟!
هل أُحضِر الطبيب؟!
كادت أن تنهض، ولكنَّهُ أمسك بيدِها يمنعها عن الذهاب، وقال بنبرة ضعيفة.
-لِمَ هو هناك؟!
لقد إتفقنا أن نهرُب من قبضةِ الملك؛ لأنَّنا لا ندري ماذا سيفعل بشأنِنا.
أومأت له هيريم واتبعت تمسح دموعها.
-أعلم ذلك وهو بالتأكيد يعلم أيضًا؛ بلغنا من الجواسيس أنَّ الوزير الأول جونغكوك جيون قد وجده مُصاب في الغابة وفاقد وعيه، فنقله للقصر مُباشرةً لِمداواتِه.
أمسكت هيريم بيدِ سيهون، ووضعتها بين يديها؛ تمسح عليها برِفق، ثم اتبعت تضع إبتسامة طفيفة على شفتيها.
-ولكن لا تقلق عليه حبيبي؛ لقد ذهبتُ إلى القصر البارحة وقالوا أنَّهُ يتحسَّن. سأذهب لتحريره ما إن يتعافى، ويقدر أن يتحمَّل مشاق الهرب من قصرِ الملك.
تنهد سيهون وأومئ بخفة.
-أنتَ فقط ركِّز على صِحَّتك وسلامتك، وأنا سأقوم بِكُل مهمام الجماعة حتى تستطيع النهوض؛ لذا تحسَّن سريعًا رجاءً.
إستمرَّت في تمشيط شعره برِفق بين أصابعها ولا تنفك تبتسم وتبكي معًا من شدةِ فرحتِها، وكان يستطيع سيهون رؤية ذلك، لم يراها طيلة حياته في مثلِ هذه الحالة؛ تبكي وتضحك بنفسِ الوقت من شِدَّة سعادتِها.
هل هو حقًا ثمين بالنِّسبةِ لها؟!
لو كان حقًا؛ لِمَ خذلته بأسوء طريقة ممكنة؟!
نعم؛ هو لم ينسى شيئ ولن ينسى، لكن لكل شيء وقته المُناسب، حتى الحِساب له ساعة مُحدَّدة ومُنتظرة.
-سأتركك ترتاح قليلًا!
أرادت النهوض من جانبِه، ولكنَّهُ شدَّ على يدِها يمنعها من النهوض، فنظرت إليه تُهمهم بإبتسامة.
-هل تحتاج شيء أخي؟
إستمرَّ بالنظرِ إليها دون قول شيء، وكان في عينيه كلام كثير يكتمُه.
-هل أنتَ بخير؟
يبدو أنَّكَ ترغب في قولِ شيئ ما!
أومئ لها ثم زفر مُغمغِمًا بغموض.
-لاحقًا...!
تمعَّنته لثانية مُقطِبة ثم أومأت.
-حسنًا أخي كما تشاء!
نهضت عن فراشِه، وطبعت على جبهتِه قُبلة، ثم غادرت، وأغلقت الباب خلفِها بِحِرص، حينها شدَّ قبضته الواهية في غضب، وهمس.
-لن أغفر لكِ أبدًا!
خرجت هيريم من غُرفته وهي تبتسم رغم أنها تشعُر قليلًا بالغرابة، سيهون عادةً لا يكتم شيئًا إلا إن كان كبير، وكانت نظراته إليها غريبة، لكنها لم تَطِل التفكير بالأمر، المهم أنَّهُ إستفاق، وكل الأمور الأُخرى سَتَتِم لاحقًا.
كان تايهيونغ وكيونغسو وجون ميون ينتظرونها في الخارج بعدما خرجوا ليتركوا لهما بعض الوقت الخاص؛ فطمأنتهم.
-يبدو أنَّهُ يحتاج لبعضِ الوقت حتى يستطيع النهوض والعودة كما كان.
وافقها تايهيونغ بإيماءة ثم قال.
-نعم؛ وجهه ذابل للغاية.
كيونغسو وجون ميون تبادلا نظراتٍ مُقلِقة، يبدو أنَّ القائد لم يتحدَّث بِما إكتشف بعد، وحينما يتأخَّر القائد عن فعلِ شيء فهذهِ تعني أنَّهُ يُفكِّر بها بِعُمق وستكون النتائج أشد.
●●●
وأما في القصر الملكي؛ فلقد كانت أجواء العزاء غالبة. الناس في سرابيل بيضاء وأبواق العزاء قد صدرت عن القصر مُذُّ فجر اليوم لِتُخيّم أجواء العزاء على العاصمة بأكملِها.
في ساحةِ القصر الفسيحة؛ حيثُ يجلسن النساء في الرُّكن الأيمن بعيدًا نسبيًّا عن مركز الساحة حيث يتمركز الرجال وعلى رأسهم الملك أمام منصَّة المشعل حيث جثة تشانيول موضوعة فوق الحطب.
جيهان مُهنارة جانبًا في سرابيل بيضاء في حُضن بيكهي، هي مُذُّ أن فقدت والدتها وهي في حالة نفسية سيئة جدًا لا تَكُف عن التدهور أكثر ووفاة خالها كان مثل الضربة القاضية عليها، وأما رايناه قد تجمدت الدموع في عينيها وراهي بِقُربِها تحاول التخفيف عنها، من شدةِ حُزنها تعجز الدموع أن تُعبر عنه، فيتكدَّس في قلبِها الحُزن والضيق، فلا يَخِف ولا ترتاح منه.
بيكهيون نظر إلى أخته وابنته وهو يقف فوق منصَّة المَشعل؛ كلتاهما منهارة بطريقتِها، جيهان تكاد تَجِف عينيها من كثرةِ ما بكت على أُمِها والآن خالِها، ورايناه شاردة الذهن ويداها بجوارها بلا حراك، ولا تبكي أبدًا كما لو أنَّ الصدمة شلَّت أطرافها أو أنها جففت دموعها لآخرِ قطرة.
حمل بيكهيون المَشعل، وقصد جُثَّة الأمير التي تنام فوق جذوع الخشب الباهظة، نظر إلى وجهِه المشوَّه بأستياء، لقد كره هذه النهاية له وللغاية، صحيح أنَّهُ أراد قتله ولكن بشرف وبلا أي تشويه.
-توقف يا مولاي؛ دعني أراه ولو لمرة واحدة أرجوك!
تعلَّقت يد بيكهيون بالهواء حينما أوقفته رايناه بإستنجادها. كانت تجمع كفّيها بتوسُّل وتُخفِض رأسها، لقد سبق وأن منعها بيكهيون أن تقترب من تشانيول أو تراه وهو في هذا الشكل؛ فرُبَّما تخاف ويتأثَّر حملها.
نظر لها بيكهيون مُتردِّدًا، أيسمح لها أن تراه أم لا يسمح؟
ولكن قلبه أوجعه عليها كثيرًا، تستنجد به عيناها ويكاد يجزم لو رفض ستركع وتتوسَّل؛ لذا أشار للحرس أن يسمح لها أن تأتي وترى زوجها للمرة الأخيرة، فركضت إلى النعش مُسرعة، ورفعت الغطاء الأبيض عن بدنِ الجُثة.
خشيَّ بيكهيون عليها من الفزع والخوف حين تراه، ولكن أي من ذلك لم يحدث لها، هي تفحَّصت الجُثة مُقطبة الحاجبين، تحسست وجهه وكتفيه، ثم أخفضت رأسها تجمع قبضتها، ثم إبتسمت إبتسامة خافتة لم يراها أحد إطلاقًا.
"إنَّهُ ليس تشانيول"
هذا ما تردَّدَ بجوفِها وسيبقى بجوفِها للأبد. يكفيها أنها تعلم أن تلك الجُثَّة ليست لتشانيول، وليعلم بقية الناس أنَّهُ مات، لعلَّ تشانيول يعيش حياة جديدة وبأمان بعيدًا عن عرش المغول، وحبذا لو يكون تخلى عن رغبته بتحصيله عن غيرِ حق.
عادت إلى مكانِها دون قول شيء، ولكنها الآن بدأت تبكي بهدوء؛ لأنَّها سعيدة وليس لأنها حزينة كما تبدو.
تنهد بيكهيون براحة فيما تُراقبها عيناه، ثم تقدَّم من الجُثَّة وأشعل النار أسفلها، ورويدًا رويدًا إشتعلت النار في طبقات الخشب واحدة تلو الأخرى حتى لامست النار الجُثة، وبدأت تحترق بهدوء وسكون وآمان.
الكُل في حالة هدوء والصمت شائع إلا جيهان وحدها التي تنتحِب، ويُسمَع لها صوت في الساحة كلها.
-خالي؛ أردتُ أن أراكَ مرة واحدة فقط، لقد إشتقتُ لك!
قصدها بيكهيون حينما غلبته عاطفته، وأشار لحاشيته أن يلزموا أماكنهم فلا يتبعونه. وقفت جيهان حينما اقترب منها إجلالًا لمقامه الملكي، وهي تخفض رأسها وتُبرِّر بإنتحاب؛ فلقد خافت أن يكون الملك قد أساء فهمها.
-هو يبقى خالي، ولا يمكنني إلا أن أُحبه يا أبي!
أخذها بيكهيون بين ذراعيه في عِناق حنون بعدما أومئ مُتفهِّمًا، وأخذ يمسح على شعرِها بِلُطف.
-أدري يا ابنتي، إن كان البُكاء عليه يُخفف عنكِ فابكي، أنا لن أمنعك.
إلتفت يداها حول خصر والدها، وخبأت وجهها عند عُنقه واستمرَّت بالبُكاء؛ وكأنها انتظرت منه الإذن لتنهار أكثر بين زنديه الحنونين، وبيكهيون ما كفَّ عن التربيت عليها؛ لعله يُخفف عنها قليلًا؛ فهو يتفهَّم وجعها وعاشه في سنٍ صغيرة.
ثم نظر إلى شقيقتِه، فأشارت له أنَّها بخير، ويُمكنه الإهتمام بابنتِه الآن؛ فحمل جيهان المُنهارة على ذراعيه، وقصد جناحها مهما كان بعيدًا عن ساحة القصر، وأخذ ينشد لها بصوتٍ خافت كما العادة مُذُّ الصغر تهويدات لتنام بعد معركة بكاء، أو دراسة، أو حتى لعب.
وصل إلى غرفتها، ووضعها في سريرها، وما إن أراد النهوض كمشت بأناملها النحيلة على ثيابه الملكيّة، وهمست.
-أبي؛ لم يبقى لي أحد سواك، لا تتركني وحدي!
تنهَّد وجلس بجوارها يسند مرفقه على وسادتها، لا يحب أن تُفكر ابنته أنَّهُ قد يتخلّى عنها أو أنها بقيت في مُعترك الحياة وحدها، استند برأسه على يده، والأخرى أخذت تُطبطب على كتفِها وهو يهمس.
-أنا لن أتركك أبدًا أو ابتعد، أنتِ ابنتي والأب لا يتخلى عن صغارِه مهما كبرو ومهما أخطأو.
أنتِ لديكِ أنا، وإخوتك، وقريبًا سيكون لكِ أشخاص أكثر يمكنهم أن يسندوكِ إن أوجعكِ ظهرك.
أومأت تقول وقد نال منها التعب والإرهاق فذبلت جفونها، تلميحاته عن خطيبها الذي لا تعرف عنه شيء إلتقطتها ولكن تجاهلتها.
-نعم؛ أنتَ معي وستبقى للأبد، أنا أحبك جدًا يا أبي، أرجوك أن تُسامحني.
طبطب عليها وقال.
-لا تفكري بشيء صغيرتي وفقط نامي.
مرَّت لحظات من الصمت وفي خلدِ جيهان أمرًا لطالما أرادت البوح به لأبيها.
-أبي!
-صغيرته؟
تبسَّمت برقة، أحبَّت اللقب.
-قبل أن نذهب من القصر كنتُ أظن أنَّكَ لا تحبني كما بيكهي.
عقد حاجبيه ونظر إلى وجهها مُستغرِبًا.
-ولِمَ راودكِ هذا الظن؟
-لأنَّني لستُ ابنة الملكة ناري، كنت اظنك لا تحبني لأنني ابنة تاي هان.
استغرب بيكهيون هذا القول.
-ألا ترينني أحب لي جون رغم أنَّهُ ليس ابن ناري؟!
-بلى؛ ولكنَّهُ ذكر وولي العهد.
تنهد بيكهيون، وعاد ليمسح على شعرها بلُطف.
-الملكة ناري هي الوحيدة التي إخترت أن أتزوَّج بها، ولكن أطفالي الخمس لهم نفس المعزة والحب، ربما أحِن على الصِغار أكثر ولكنكم جميعًا أطفالي، الذي يمكنني أن أموت لأجلهم.
نفت برأسها بعدما وضعت يدها على فمِه.
-لا تقول ذلك يا أبي؛ جميعنا فداء لك!
وضع قُبلة على رأسِها وهمس بنبرةٍ حنون.
-الآن نامي!
همهمت، ثم أغلقت عيناها، ورويدًا رويدًا سكنت حركتها وسكن بدنها، ثم نامت بِعُمق. وضع بيكهيون قُبلة محمومة بالحُب على جبهةِ طفلته، ثم غادر مخدعها بهدوء بعدما وصّى خادماتها عليها.
بعد إنتهاء الجنازة قصد بيكهيون مكتبه يتبعونه حاشيته ووزيره جونغكوك. جلس بيكهيون خلف طاولته وجونغكوك وقف قِبالتِها فيما يجمع كفّيه أسفل معدته ويُخفض رأسه قليلًا.
-مولاي؛ بعد الترتيب الجديد للوزراء وحاشية البلاط حدثت مناوشات بين الوزراء وأعضاء المجلس حول من سيأخذ مكان الوزير الخاص الرابع لجلالتك.
رفع بيكهيون رأسه من المُلاماسات على مكتبه وقال.
-أخبرهم ألا يتشاجروا بلا داعي، لن أختار أحد منهم.
ارتفع وجه جونغكوك مُستغرِبًا.
-هل ببالك أحد جلالتك؟
-نعم
-هل يمكنني أن أسألك من يكون؟
نظر إلى جونغكوك للحظات بصمت، ثم قال مُزفِرًا.
-لاحقًا؛ عليَّ أن أتأكد من كفاءته وأنَّهُ يستحق المنصب أولًا.
أومئ جونغكوك مُتفهِّمًا وسأل.
-ماذا عن بقيّة المناصب الشاغرة في القصر؟
-تولى إشغالها بنفسِك واترك فقط المناصب، التي سأُخبرك عنها مشغولة مؤقتًا.
-أمرُكَ جلالتك!
إنحنى جونغكوك إليه، ثم قبل إدباره استوقفه بيكهيون قائلًا.
-بعد إنتهاء الحداد إبدأ بالترتيب لحفل زفافك الملكي على بيكهي.
تضارب نبض قلبه بصخب، وبالكاد تمالك نفسه حتى إنحنى وخرج.
-أمرُكَ مولاي!
سار مُبتعدًا حتى أدرك زِقاق فارغ من الأنس، تمسَّكَ بقلبه الشغوف في حُب الأميرة، وإتكئ على الحائط خلفه يزفر أنفاسًا محمومة بالحُب.
أخيرًا ستعود إليه مُجدَّدًا، وسوف لن يُفرقهما شيء بعد الآن أبدًا.
ضحك فرحًا وهو يتخيل كيف ستكون الحياة معها؛ سيعيشان في بيتٍ واحد، وسيعيش هو في قلبها وستعيش هي في قلبه، سيشاركها المائدة، والمجلس، والسرير. سينام وهي على زنديه، ولن يأكل بدنه إلا من بدنها ولن يفارقها حتى اليوم الذي يموت فيه، وحبذا لو يموت قبلها.
أركن رأسه على الحائط وهمس مُبتسِمًا.
-يا إلهي كم انتظرت!
●●●
مرَّت عشرُ أيام وبِضع أُخر والمملكة تَمُر بمرحلة إصلاحيَّة لا تنتهي، التحقيقات والإصلاحات قائمة على قدمٍ وساق.
وأما عند الجماعة؛ فهيريم تهتم بالجماعة ويُساعدها تايهيونغ، دخلت إلى قاعةِ إجتماعات الجماعة فيما تحمل سيفها، ويتبعاها كيونغسو وتايهيونغ.
-بما أنَّ المَقر الفرعي الجديد أصبح جاهزًا؛ عليكَ أن تتوجَّه إليه، ستقوده وسنبقى على تواصل كما كُنّا قبل أن يُبيده الملك بيكهيون.
أخفض كيونغسو رأسه بطاعة ونبس.
-أمرك سيدتي!
ثم خرج ليبدأ بتسيير أمور الفرع الجديد، جلس تايهيونغ على يمينها بعدما جلست، ووضعت سيفها على الطاولة، ثم أرخت ظهرها على الكرسي، ورفعت رأسها تزفر بإرهاق... أمور الجماعة مُرهِقة بِحَق.
-أنتِ بخير؟!
أومأت له ثم قالت.
-بخير... فقط بعض الإرهاق.
همهم تايهيونغ بتفهٌّم، وهيريم شابكت أناملها فوق الطاولة؛ وهي تُفكِّر بأمور الجماعة.
-أدركني من جواسيسنا في القصر أنَّ جونغ إن على وشكِ التعافي والإستيقاظ، علينا أن نبدأ بالتخطيط لإحضاره إلى هنا.
فُتِحَ الباب فجأة، وسيهون ولج بهيئتِه القويّة، سرابيل سوداء تُلائم جسده تُدرك ركبتيه، يرفع شعره عن صِدغه فيما يترك بعض الخُصَل حُرّة على صدغيه؛ ليبدو فاتنًا فتَّاكًا ولا يُقاوِم.
لكن نبرته كانت حادة، وحاجبيه معقودة كما لو أنَّهُ غاضب، قد لاحظت هيريم أنَّ شيئًا ما بأمرِه قد تغيَّر. أصبحت إجاباته مُختصرة مُذُّ أن أستيقظ، قليل الكلام معها، ولا ينظر لها حينما يتكلَّم، فيما قد إقتصرت أحاديثه على أمور الجماعة وكأنَّما إقتصرت العلاقة بينهما على أمور قيادة الجماعة، وكأنَّ رابط الأخوة، الذي هو الأقوى بينهم، قد كُسِر أو تبدَّد.
-أنا سأهتم بهذا الأمر، وسأُحضِر جونغ إن بنفسي.
-لكن...!
ودَّت هيريم أن تعترِض، ولكنَّ سيهون رفع يده يُقاطعها، وقال في حزمٍ وحسم.
-لا أُريد أن أسمع أيُ كلمة بهذا الشأن بعد الآن!
اقتربت هيريم منه لا تتفهَّم السبب في حِدَّتِه هذهِ معها.
-أخي؛ أمن خطب؟!
نظر إليها بصمت دون أن يُجيبها، ثم نظر إلى تايهيونغ، الذي لا يبدو بأفضل حال من هيريم أبدًا، ثم قال.
-أيُمكنكَ أن تأذن لنا قليلًا؟
نظر تايهيونغ إلى هيريم، التي تبدو مُرتبكة وشيئًا ما حزينة ومُستاءة، ثم نظر إلى سيهون وأنحنى قبل أن يخرج.
يبدو أنَّ الخطب جَلل، ولكن لا يحق له أن يتدخَّل في خصوصيات الإخوة؛ لذا خرج بهدوء.
انتظر سيهون حتى سمع صوت الباب يُقفَل، ثم إلتفتَ إلى هيريم حينما تسآلت بإلحاح.
-ما الأمر؟!
نظر لها سيهون بصمت دون أن يستنزف كلمة، ثم اقترب من هيريم حتى وقف قِبالتها، سحب السيف من يدِها وقال.
-من هذهِ اللحظة؛ أنتِ ما عُدتِ قائدة المُتمرِّدين.
-ماذا؟!
نبست بلا تصديق، وسيهون تجاهل إنكسار عينيها، هذا الإنكسار الذي لا يعني شيئًا أمام إنكساره منها.
جلس على رأسِ الطاولة، وهي إلتفتت لتنظر إليه مُستنكرة.
-لماذا؟!
رفع حاجبه بِتسلُّط وهمس.
-أنا هكذا أُريد، وسيحدث ما أُريده.
اقتربت وجلست على يمينه، إمتلأت عيناها بالدموع، ولكنها تماسكت، شابكت يداها فوق الطاولة ثم نظرت له.
-أخي؛ لِمَ فجأة؟!
أغمض عينيه حتى أزفرَ نفسًا وزفر معه غضبه.
-أُريد منكِ أن تتزوجي، سأجد لكِ الرجل المُناسب، ثم ستخرجي من اليوان، ولن تعودي أبدًا.
وقفت هيريم وقد تفشى بها السخط؛ إنَّهُ يفرض رأيه فرضًا، يُجبرها على أمر مُتعلِّق بحياتها، وهي لم تعتد أن يتحكَّم بها أحد؛ لذا صاحت برفض فيما تَقِف.
-أنتَ لا يُمكنكَ أن تفرض علي رأيك، أنا أفعل ما أُريد.
وقف سيهون بعد وقفتِها المُحتدَّة ونبرتها الغاضبة، التي تجاوزت حدود الأدب معه. اقترب منها حتى وقف قِبالتها وهي تقرن حاجبيها بغِلظة، تتنفَّس بصخب، وتشِد على قبضتيها.
كان هادئًا جدًا، ومشاعره لا تنعكس على صفحة وجهه، ولكن ما لم تتوقعه هيريم أبدًا أن تنهال على صفحةِ وجهها صفعة قاسية أمالت جذعها، وقُبيل السقوط أقامتها قبضته، التي إشتدت على شعرِها، وبتلك اللحظة تفجَّرت المقآي مع الخيبة.
رفع سبابته بوجهِها وقال فيما يشد فكيّه.
-أخرسي وأياكِ أن أسمع صوتِك من اليوم وبعده!
أنتِ ستفعلي ما آمُركِ به، وإن لم يكن برضى سيحدث بالغصب؛ تفهمين؟!
صرخت وهي تبكي.
-لا؛ لا أفهم، ولا أُريد أن أفهم!
أومئ متوعِدًا ونبس.
-إذًا سأجعلكِ تفهمين!
ومن قبضتِه المُشتدَّة على خُصلِ شعرها سحبها خلفه، ولم يهتم بمن يرى هذا المشهد المُذِل ومن لا يرى.
أسرع تايهيونغ إليه حينما رأى معاملة سيهون لأخته كذلك كيونغسو.
-أيُّها القائد؛ لِمَ تُعامل القائدة هكذا، ماذا حدث؟!
تجاهل سيهون تايهيونغ تجاهلًا تامًا، وهيريم بين يديه لا يُسمع لها أي صوت ولا حتى أنين خافت، ولكن بدنها يرتجف بسبب دموعها الصامتة.
دفع بها داخل غُرفتها بأقوى ما يستطيع، وآخر ما ترآى لمن هم في الخارج قبل أن يدخل ويُغلِق الباب عليهما هي هيريم أرضًا وسيهون يقترب منها.
تمتم تايهيونغ بقلق عليها؛ فقلبه لا يرحمه إن رآها تتعذَّب، فيما كيونغسو يراقب بصمت.
-لِمَ يُعاملها هكذا؟!
ما الذي حدث فجأة؟!
تنهَّدَ كيونغسو ولم يُجِبه بشيء.
وأما في الداخل؛ فقد ثبتت هيريم في مكانِها أرضًا دون أن يتسلَّل إلى قلبِها الخوف، هي لا تخاف من سيهون ولا من أي أحد آخر، هي تحترمه وسكوتها الآن عن إهانتِها لأنها تحترمه، أخذ سيهون يقترب منها حتى جلس على قدميه قِبالتِها، وقال بهسهسة خشنة وغاضبة.
-كل ما أقوله سيُنفَّذ رُغمًا عنكِ، ولو سمعتُ فاهكِ يلفظ حرفًا ضد إرادتي فأنتِ سَتري مني العجب، وسوف لن تكوني بخير أبدًا!
مسحت دموعها بكفّيها بقسوة فيما تُشيح عنه دون قول شيء، وهو وقف وبدأ ينبُش في أغراضِها، صادر كل أسلحتها وثيابها الرجَّاليّة، ثم رمى بهم خارج الغُرفة، ثم وقف عند الباب يُحذِّر بسبابة مرفوعة.
-من اليوم أنتِ كيم هيريم فقط، إمرأة عاديّة بإنتظار أن أزوِّجها.
قال ذلك وأدبرَ من الغُرفة، وحرص أن يغلق جميع المنافذ، التي قد تستخدمها للخروج، وصادر كل المفاتيح.
خرج من غُرفتِها وسار في الرِّواق تحت أنظار الجميع المُستنكِرة، فالقائد سيهون ليس بهذا التعنُّت أو القسوة عادةً، وهو ملامحه مُبهمة لا تحوي في مضامينها سببًا لما حدث.
-تفرَّقوا إلى أعمالكم، وكيونغسو تعال معي للحظة!
تبعه كيونغسو وتفرَّق الجميع إلا تايهيونغ بدى مُصِرًا ليعلم السبب، الذي جعل القائد يضرب شقيقته بهذهِ القسوة؛ شقيقته التي يُحبها تايهيونغ.
دخل سيهون إلى قاعةِ الإجتماعات، ثم دخل خلفه كيونغسو، واقترب نحو القائد الذي يمنحه ظهره.
-سيدي؛ اعلم أنَّ هذا ليس من شأني، ولكن لم يكن عليك إذلالِها بهذهِ الطريقة أمام الجميع، كان عليك أن تسمعها أولًا.
إلتفَّ سيهون نحو كيونغسو، ونظر فيه بلا قول شيء، وذلك جعل كيونغسو يخشى أنَّهُ تجاوز حدوده فحاول أن يُبرِّر.
-سيدي؛ أنا لم أقصد الإساءة، أنا فقط.... ماذا تفعل؟!
تفاجئ كيونغسو حينما رأى القائد يركع أمامه مُتذلِّلًا... تراجع كيونغسو عِدَّة خطوات مذهولًا يُتمتِم.
-سيدي؛ لا يُمكنكَ أن تركع لأحد!
رفع سيهون عيناه نحو كيونغسو فابصر فيها الأخير دموع مُتكدِّسة يكبحها غرور الرِّجال وكبريائهم ويدفعها قهر الرِّجال وإنكسارهم، ولكن ماذا يفعل؟!
لا بأس لو توسَّل وتذلَّل لأحد، المهم أن ينقذ أخته من الورطة التي وضعت نفسها بها.
-انقذ أختي أرجوك!
إزداد إرتباك كيونغسو وأخذ يُتأتئ، فلم يسبق لكيونغسو ولا لأي أحد أن يرى القائد يركع على رُكبتيه ويتوسَّل أحد.
-سيدي أرجوك انهض!
أخفض سيهون رأسه، واتبع في نبرة متوسِّلة.
-تزوجها لفترة قصيرة فحسب، ثم اتركها... لا بأس؛ هي تستحق أن تعيش وحدها مُعابة بقية حياتها بتركِ زوجها لها، ولكن لا يُمكنني أن أتخيلها تُعاب بشرفِها!
-مُعابة بشرفِها؟!
نظر كلاهما نحو تايهيونغ، الذي دفع الباب وولج فجعل ذلك سيهون يقف سريعًا، ثم وقف بين الرَّجُلين يقول في ملامح معقودة.
-ما الذي من المُفترض أن يعنيه ذلك؟!
ضغط سيهون على فكيه بعصبية فيما يكاد أن يفتِك بهذا الرَّجُل الجريء.
-من سمح لك أن تَلِج؟!
وكيف تجرؤ أن تتلصَّص على حديثي؟!
تجاهل تايهيونغ كلام سيهون، ونبس مُحتدًّا وقد وقف أمام القائد وجهًا لوجه.
-كيف مُعابة أيُّها القائد؟!
وفي تلك اللحظة؛ تدخل كيونغسو بالحديث قائلًا.
-حينما إختطفها الأمير تشانيول إستطاع أن يفتك ببتولتِها. هي لا تعلم عن ذلك بعد؛ فلقد فعل فعلته بعدما ضربها حتى فقدت وعيها، والقائد سيهون احضرها إلى هنا تنزف، وحينما فحصها الأطباء تأكدوا أنَّها تعرَّضت لإعتداء جنسي.
-ماذا؟!
نبس تايهيونغ مشدوهًا، وسيهون لام كيونغسو بنظراته فلقد كذَّب، ولكن الأخير طمأنه بإيماءة. تايهيونغ إزداد غضبًا وشعر بأنَّ قلبه قد تمزَّق في هذه اللحظة.
-وما ذنبها هي أن تضربها؟!
ليس وكأنها من ذهبت إليه برجليها، وفعلتها بإرادتها!
كيونغسو تنهَّد ثم اتبع فيما يُربِّت على كتفِ تايهيونغ؛ ليهدأ.
-القائد فقد أعصابه، وعاقبها هكذا؛ لأنه يظن لولا أنَّها القائدة لما استطاع أحد الوصول إليها، والآن يطلب مني أن أتزوج بها لفترة حتى لا تنكشف هذه القِصَّة لأحد.
تايهيونغ استنكر مُقرنًا حاجبيه.
-ولِمَ تُخبرني بالقصة إذًا؟!
تقدَّمَ منه كيونغسو، ثم ربَّتَ على كتفيه يقول.
-لأنَّني أثق بك!
أخفض تايهيونغ رأسه، وأومئ بتيه، ثم خرج. تنهد سيهون بأستياء.
-لِمَ قُلتَ قصة مؤلفة من عندك؟!
تبسَّمَ كيونغسو وقال.
-لا يُمكننا كسر صورة القائدة بعيون المُجنَّدين، وعينا تايهيونغ خصيصًا؛ هو ما زال يُحبها، ولو منحته القليل من الوقت سيأتي ويُخبرك أنَّهُ يُريدها لنفسِه، وليس لفترة مؤقتة بل للأبد... أظن أنَّهُ الخيار الأمثل لأجلِ القائدة.
تنهَّد سيهون ودلَّكَ صدغيه في ألم وإنزعاج.
-لا أريد أن أخدعه أو استغله!
اقترب منه كيونغسو وقال.
-أنتَ لا تملك خيارًا آخر مع الأسف سيدي القائد.
وقف سيهون مُتخصِّرًا، وهو يرمق باب القاعة، الذي خرج منه تايهيونغ، بنظرات موبوءة بالأستياء... لا يدري كم سيكون الوقت القادم شرس.
-سيدي؛ هل تَشُك بأحد؟!
أخرجه سؤال كيونغسو من شروده، فأومئ سيهون وقال.
-كنتُ أشك في اثنين؛ الأول بانت براءاتِه دون أن يدري. والثاني هو المُدان الذي لا أقدر عليه.
إتسعت عينا كيونغسو بذهول.
-جلالة الملك؟!
فهو الوحيد الذي ليس بطوعِ قائد المُتمرِّدين. أومئ له سيهون مؤكدًا، وكيونغسو إستغرق في التفكير لِبُرهة، ثم اقترح.
-لِمَ لا تخبره بحقيقة الأمر؟!
لرُبما يتزوجها.
شخر سيهون بضحكة ساخرة من شدة قهره، ونظر إلى كيونغسو مُستنكرًا.
-هذا الملك ليس أحد المُجندين عندي. ثم أنت رأيت بعينك ماذا فعل أول ما تسلم سلطته من جديد، أمر بالتحقيق والحفر خلفنا، يريد أن يُفككنا... أراهن أنَّهُ لا يتذكر هيريم أبدًا. لقد كانت الخيار الوحيد المتاح أمامه لرغباته المعتادة على الإشباع، الآن النساء عنده يتقاتلن على سريره؛ فكيف يتذكرها؟!
تنهد كيونغسو، وأومئ مُتفهِمًا ومقتنعًا. القائد مُحِق... هيريم ما كانت سوى الخيار الوحيد في البريّة، وما حدث كان إستغلال لها؛ لا أكثر ولا أقل.
-ثم أن الزواج بالملك يعني أنها ستصبح ملكة، ومن سيقبل بمُتمرِّدة بربريّة ملكة عليه؟!
وهي جسدها يملؤه الندوب، وذلك لا يسمح لها أن تكون محظيّة له حتى!
سار سيهون بضع خطوات فيما يداه خلف ظهره.
-وأنا لن أسمح لها أن تُعرِّض نفسها للذُل أو تُعرضنا له بسببِ حماقتِها... الأمر مُنتهي بالنِّسبة إلي.
قال ذلك، ثم خرج من القاعة يترك خلفه كيونغسو بعقل مُشتَّت وأفكار مُتداخلة؛ فمع الأسف؛ كان القائد سيهون مُحِق بِكل كلمة قالها.
مساءً؛ كان سيهون يجلس فوق إحدى الصخور بعدما سيَّرَ أمور الجماعة، شارد الذهن ويبدو مهومًا.
راقبته جاهي من بعيد وهي تشعر بالقلق عليه وعلى هيريم؛ مُذُّ أن أستيقظ وحالته المزاجية سيئة جدًا، شارد طوال الوقت ويغضب لأي سبب تافه.
والآن تصرَّف بهذه الطريقة ضد أخته بعدما رفضت أن تتنازل عن منصبِها في هذه الجماعة كما يُشاع بين المُجنَّدين.
قصدته حتى أوشكته، ومن خلفِه نادت.
-سيهون!
حرَّكَ رأسه جانبًا وهمس.
-نعم.
أتت لتجلِس بجوارِه، هو كان ينظر في الأُفق المُعتِم بشرود، ولا يتكلَّم، كثيرًا ما يتنهَّد، ولكن الوجع في صدرِه لا يهدأ.
-سيهون!
نظر لها فقالت.
-أنتَ بخير حبيبي؟!
أرجع قِبلة وجهه إلى أمامه، ثم تنهَد ثم نفى برأسه.
-لستُ بخير أبدًا يا جاهي؛ أشعر كما لو أنَّ الكون ضيّق جدًا لدرجة أنَّهُ لا يسعني؛ فيكتم على صدري ويخنقني.
إمتدَّت يدها نحوه فيما تشعُر بِالتَّردُّد، صحيح أنهما متزوجان مُذُّ أكثر من عام، ولكنها ما إجتازت كل حواجز الكَلمِ معه، ما زالت تخجل في حضوره، وتنحرج عند كل لقاء عاطفي معه، وتتردَّد أن تجلس بقُربِه في مثلِ هذا الوقت الحَرِج، وأن تتكلَّم معه وتواسيه؛ فسيهون ليس من الرِّجال القادرين على التقرُّب خطوة، وصورته المُهيبة والمَهولة تجعلها تتأخَّر حتى تنجز الخطوة.
بسطت يدها على كتفِه، وهو أخفض رأسه مُزفِرًا يُخفي خيبته.
-هل يُمكنكَ أن تُخبرني ما الذي يؤرقك ولِمَ تصرَّفتَ مع شقيقتِك هكذا؟!
نظر لها بصمت؛ فتهرَّبت من نظراتِه وقالت بتوتر.
-آسفة لو تجاوزت حدودي معك، أنا قلقة عليك وعلى هيريم!
نظر أمامه واتبع في نبرةٍ هادئة.
-هيريم لا تستحق أن يقلق عليها أحد، لوما إنتكست صحتي في تلك اللحظة لكانت الآن تُرثى!
نظر لها فيما ترمقه بقلق وفضول.
-لقد زَنَت مع الملك!
شهقت جاهي تصد فمها بيدِها، وهو رفع سبّابته مُحذِّرًا فيما يرفع حاجبه.
-أنتِ لا تحتاجي أن أُنبِّه عليكِ بأنَّهُ لا يُمكنكِ أن تُخبري أحد عن الأمر، ولا أي أحد نهائيًّا يا جاهي!
لوما أنها تعرف نفسها وتثق فيها؛ لأقلقها الخوف من نظرتِه الحاميّة وكلامه المُهدِّد، أومأت له بطاعة وهمست.
-لا تقلق عزيزي، لن أُخبر أحد أبدًا!
أومئ لها، ثم اتبع بنبرة أكثر هدوءًا.
-لقد كانت حامل حتى، وأسقطت الطفل وقتما أعدتُها من يد الأمير تشانيول.
زفر مهمومًا.
-لو كنتُ أعلم عمّا فعلت لما كلَّفتُ نفسي أن أُحضرها من عندِه أساسًا، لتركتُها له وليفعل بها ما يشاء.
نَفت برأسِها، وأدارت وجهه إليها حينما تمسَّكت بوجهه، وهمست فيما تُمسِّد أسفل عينيه بإبهاميها.
-أنتَ تقول هكذا لأنَّكَ غاضب منها، ولكن أنا مُتأكدة لو أنَّكَ علمت بالأمر قبل أن تُحضرها لذهبت وأحضرتها.
أنتَ لستَ شقيقها فحسب، أنتَ والدها، أنتَ الذي شددتَ عودها حتى أصبحت المُتمرِّدة الحسناء، صبيّة جميلة وقويّة.
إقترب منها يُتعبه الهم حتى وضع رأسه على كتفِها واشتكى.
-لا أدري كيف فتنها الملك وفتنته، أختي ربيتُها كما الرِّجال يتربون. أنا لا أُصدِّق أنَّها فعلت ما فعلت، وجعلت رأسي ينحني مُثقلًا بالعار!
عانقته بين يديها الحنونة، واستمرَّت بالتربيت على كتفيه، كان حُضنها مكانًا آمنًا يحفظ كل معاركه النفسيّة ويُهدّئها.
-سيكون كل شيء بخير؛ صدِّقني سيتلاشى شعوركَ بالغضبِ والخيبة مع الوقت، وستكون بخير مُجدَّدًا.
زفر أنفاسه المُثقلة في جوفِ عُنقها فأرجفتها رُغم أنَّها دافئة.
وتايهيونغ كان يرى هذا المشهد من بعيد...
●●●
إنتهت فترة الحِداد على روحِ الملك الراحل تشانيول، ورويدًا رويدًا بدأت تعود الحياة إلى طبيعتها، وعادت أمور المملكة لتكون على طبيعتِها، وكما يُخطِّط الملك بيكهيون فسيتبع هذه الحرب إزدهار لهذه المملكة، وهو يعمل على ذلك.
بعدما إنعقد مجلس الوزراء في البلاط الملكي صباحًا؛ قصد الملك يتبعونه وزراءه الثلاث إلى مكتبِه الخاص.
هناك حيثُ جلس خلف طاولته، ووقف قِبالة طاولته الوزراء الثلاثة بإحترام مُخفضين رؤوسهم.
-وزير جونغداي؛ ما الذي حصل معك؟
إنحنى جونغداي له وقال.
-مولاي؛ لقد عُدنَ النساء إلى القصرِ بآمان، كانت الملكة الراحلة تاي هان تنوي قتل نساءك، ولكن الأميرة رايناه أنقذتهن، ووضعتهن بذاك القصر.
نساءك الأصليات أعدناهن جميعًا إلى القصر، ونساء الملك الراحل أيضًا، العذارى منهن أصبحن لجلالتك، والبقيّة أعدناهن إلى بيوتهن وسبايا الحرب منهن خصصن لهن بيوتًا ورواتب جيدة.
أومئ الملك، وأزفرَ براحة.
-جيد؛ هذه أخبار جيّدة!
إنحنى الوزير جيمين بعده وتكلَّم.
-مولاي؛ إنتهى التحقيق بشأنِ جميع الموظفين الحكوميين في القصرِ وخارجه، وكل من ثبت عليه تعيينه مُحاباة عن غير إستحقاق خسر وظيفته.
-جيد؛ ماذا عنك وزير جونغكوك؟
إنحنى جونغكوك إليه وقال.
-مولاي؛ اعذرني... التحقيق بشأنِ المُتمرِّدين مُعقَّد كثيرًا، فقط خرجتُ ببعضِ المعلومات الجديدة.
-ما هي؟
-مولاي؛ هُم يتدبَّرون شؤونهم الماليّة عن طريق أخذ حِصص ماليّة بصفتِهم المالكين الأصليين لِمُعظم دكاكين السوق، ومطاعمه، وحاناته؛ إذ تكون هذه المُمتلكات اغتُصِبت من يد أعضاء الجماعة بعدما خسروا مكانتهم الإجتماعيّة، حتى أنهم يوظفون رقابة على الأسواق لمنعِ التُّجار من غشِّهم في حِصصِهم.
أومئ بيكهيون ونهض عن كُرسيه، ثم سار لبضعِ خطوات في مساحةِ الغُرفة ويداه خلف ظهرِه.
-إذًا هُم لم يكونوا يسرقون تُجّار السوق، بل يأخذون حِصصهم من متجارهم، التي سُلِبَت منهم.
-نعم مولاي!
إلتفت الملك إلى وزيرِه الأول وأمره.
-أُريدكَ أن تعلم من خلف تجريد النُّبلاء من مكانتِهم، وإتهامهم ظُلمًا بالخيانة.
أخفض جونغكوك رأسه بطاعة.
أمرُكَ مولاي!
فاتبع بيكهيون أوامره.
-أُريدكَ أن تُداهم السوق، وكل المتاجر التي تحت سُلطة الجماعة. أُريدك أن تُغلقها وتضع جميع موظفين هذه المتاجر وتُجّارها بالسجن؛ فبالتأكيد معظمهم سيكونوا من الجماعة.
إستغرب جونغكوك هذا السلوك من المولى، ولكنَّهُ تحفَّظ على رأيه، إنه لا ينفك يضغط على الجماعة بكل سلوك يسلكه، صحيح أن جونغكوك يتفهَّم نواياه، ولكن ما زال... هناك أمرًا خاطئًا.
-أمرُكَ مولاي!
أشار لهم بالإنصراف.
-يمكنكم الإنصراف!
خرج الوزراء بعدما إنحنوا له إجلالًا، ولكن حينما أراد جونغكوك أن يخرج إستوقفه الملك يقول.
-الوزير جونغكوك إبقى!
غادر جونغداي وجيمين، وجونغكوك بقيَ في مكانِه بإنتظارِ أوامر صاحب الجلالة.
-تحت أمرُ مولاي!
إلتفتَ بيكهيون إليه، ثم جلس على إحدى المقاعد وأشار لجونغكوك أن يجلس بعده، فجلس الأخير حينها قال بيكهيون.
-هل بدأت تُجهِّز لزفافِك على ابنتي؟
أخفض جونغكوك رأسه خَجِلًا وأجاب.
-نعم مولاي؛ بدأت التحضيرات، وسنكون جاهزين خلال يومين.
أومئ بيكهيون.
-جيد، ماذا عن القائد جونغ إن؟
-لم يستيقظ بعد رُغم أنَّ جروحه قاربت على التعافي؛ ولكنهم يتوقعون أن يستيقظ في أي لحظة.
أومئ بيكهيون وحذَّر.
-كثِّف الحراسة عليه، واجلب لأجله أفضل الأطباء في المملكة أو خارجها!
-أمرُ مولاي، ولكن أيُمكنني السؤال؟
أشار له بيكهيون أن يتحدَّث فقال.
-ماذا تنوي أن تفعل به ما إن يستيقظ؟
فردَّ الملك بملامح مُبهمة ونبرة جافّة.
-سيخضع للتحقيق حتى يُخبرنا بقصة جماعته كاملة وأسرارهم.
إستغرب جونغكوك من هذا القرار.
-ولكن مولاي؛ أحقًا تنوي ذلك؟!
-أمِن مُشكلة؟!
استنكر بيكهيون فيما يرفع حاجبًا، فتحدَّث جونغكوك.
-أعني هم أنقذونا من مخالب الموت، ولولاهم لما استطعنا رد المملكة.
ضحك بيكهيون في إستنكار وقال.
-إذًا يجب علي رد الجميل؟!
أخفض جونغكوك رأسه وقال.
-مولاي؛ آسف لو أنَّني تجاوزت حدودي مع جلالتك!
وقف بيكهيون وقصد نافذته، ثم قال.
-سنرد الجميل في وقتِه، يُمكنكَ الإنصراف!
غادر جونغكوك بهدوء بعد ذلك، ما كان يشعر جونغكوك بالرضا حيال قرارات الملك الأخيرة، لقد وعد بالحربِ أن يُرد لهم حقوقهم، وطلب منهم الوثوق به، لكن ماذا الآن؟
هو يُخطِّط لتدميرهم شيئًا فشيئًا، بِمُجرَّد ما ينقطع عنهم التمويل المالي سينتهي أمرهم، وسوف يكونوا عاجزين عن الصمود كثيرًا.
ليلًا؛ قصد الملك بيكهيون جناح جيهان؛ ليطمئن عليها بعدما مرَّ على رايناه واطمأنَّ عليها؛ إنها بخير ولا يبدو على تقاسيمها أيُ حُزن أو عزاء، كما لو كان تشانيول غيوم مُتلبِّدة بالسوادِ فوقها، وبزوالِه زال زمهريه، وأشرقت شمس الربيع، فأزهرت أخيرًا.
ولجَ إلى جناح جيهان بعدما أعلن حارسها عن وصوله. كانت على سريرها في سرابيل بيضاء مُذَّ أن وافت المَنيّة والدتِها، تبدو تعيسة جدًا وذابلة جدًا كما لو أنها على حافةِ الموت.
كانت عندها بيكهي أيضًا، التي ما إن رأت والدها يَلِج وقفت تُخفض رأسها بإحترام رُغم أنَّ بدنها تختلجه حرارة الخوف والتوتر.
تجاهلها بيكهيون كُليًّا، وجلس بجوارِ جيهان يتكئ بمرفقه فوق رأسها، ثم ابتسم لها.
-متى سترتدي أميرتي الحُلوة ثيابها الملونة مُجدَّدًا وتعود لشقاوتِها ومُشاكستِها؟!
ألا يُمكنكِ فعل ذلك لأجلِ أبيكِ وأخوتِك الصِّغار؟!
نظرت إليه جيهان بعينيها المُتورِّمة وهمست.
-أمرُ جلالتك، سأفعل ما تشاء!
سُرعان ما نفى وأخذ يمسح على وجهها بلمسة حنونة.
-لا يا حبيبتي الصغيرة؛ أنا لستُ الملك هنا، أنا أبوكِ فقط. وأنا قلبي يوجعني كلما رأيتُكِ على هذا الحال تتعذَّبين!
ثم اتسعت إبتسامته وقال برفق.
-حسنًا استمعي... سأسمح لكِ أن تخرجي من القصر وتتنزهي في الجوار كما تتمنين مُذُّ نعومة أظافرك.
عليكِ أن تفهمي أنَّني أُقدِّم لكِ عرضًا مُغريًّا، مُذُّ أنَّني لطالما منعتك أنتِ وإخوتك من تجاوز أعتاب القصر مُذُّ ولدتُم، ستكوني حمقاء جدًا لو رفضتِ!
قهقهت جيهان لأولِ مرَّة مُذُّ فترة طويلة وأومأت.
-بالفعل؛ سأكون حمقاء لو رفضت، ولكن أيُمكنني أن أطلب أمرًا؟!
أومئ لها مُبتسِمًا.
-يُمكنكِ أخذ روحي لو شئتِ!
وضعت يدها على فمِه وقالت.
-لا يا أبي؛ طلبي بسيط.
ضحك بخفة وتسآل.
-ماذا تُريد مني سمو الأميرة؟!
نظرت له بِتردُّد ولكن همهمته إستعجلتها فهمست.
-أريد أن نذهب جميعًا، نحنُ الإخوة الخمس وأنت أيضًا، نأكل في مطعم شعبي، نشتري أغراضًا من البائعيين، ونمرح.
همهم يُفكِّر ثم أومئ موافقًا، وذلك جعلها تُعانقه بقوَّة وتُقبله، فضحك واتبع.
-لكن لدي شرط في المُقابل، عليكِ أن تنهضي الآن وتُبدلي ثيابك.
أومأت له، فطبع قُبلة على جبهتِها، ونهض قاصدًا الخروج، ولكن بيكهي إستوقفته حينما ركضت أمامه وجثت تتمسَّك بأطرافِ ثوبه.
-أبي؛ أتوسَّل إليكَ أن تُسامحني، الحياة لا تُطاق وأنتَ غاضبًا مني... أرجوك يا أبي أرجوك!
أمر بِغلظة دون أن ينظر إليها.
-قفي!
فامتثلت لأمرِه ووقفت قِبالته، فأزاحها من كتفِها عن طريقه وخرج، وهي راقبته حتى إختفى وهي تبكي.
-بيكهي!
فتحت جيهان ذراعيها لشقيقتها وعانقتها بقوة تقول.
-لا يُمكنني أن أُسامح نفسي لو سامحني، أنتِ على هذا الحال بسببي، ليتني تزوجتُ به ومنعتك عن أخذِ مكاني؛ فأنا بالنهاية لم أنل حُبي!
قالت جيهان ذلك بنبرة حزينة، فنفت بيكهي وقالت.
-ولكنني لا أندم عمّا فعلت، أنا بدأت أُحِب جونغكوك.
تبسمت جيهان وقالت.
-حقًا؟!
أومأت لها بيكهي، ثم مسحت دموعها تقول.
-صحيح؛ هل تعلمي أن جونغ إن بالقصر؟
صاحت جيهان.
-ماذا؟!
أومأت بيكهي وقالت.
-نعم؛ يُقال أنَّه مريض مُذُّ قيام الحرب!
-أين سأجده؟!
رفعت بيكهي سبابتها مُحذِّرة.
-أياكِ!
أبي لو فعلتِ لن يُسامحكِ أبدًا لو مهما حدث ومهما فعلتِ، أنتِ لا تُريدي أن يصبح حالك من حالي؛ أليس كذلك؟
تنهدت جيهان وأومأت فمسحت بيكهي على رأسها وقالت.
-لا تتورطي بالمشاكل مُجدَّدًا أبدًا!
أومأت جيهان لها وتنهدت بِعُسر، وفي تلك اللحظة تحديدًا في مكانٍ ما؛ فتح جونغ إن عيناه.
●●●
يُتبَع...
"زمهرير"
العنقاء||The Emperor's Return
11th/Feb/2022
.................
سلااااام❤
الشرط ما عم يتحقق، ولساتني بنشر عادي، ولكن التعليقات الفارغة أو المتكررة أو تعليقات الايموجيز المتكررة كمان كلها رح احذفها، لأنها مزعجة، فلا تتعبو بكتابتها ولا اتعبوني بمسحها لو سمحتم❤
الفصل القادم بعد150 فوت و400 كومنت.
*هذا الشرط إذا ما اتحقق ما بنزل*
١. رأيكم بِ:
١.هيريم؟
سعادتها بإستيقاظ سيهون؟
عِراكها مع سيهون؟
٢.سيهون؟
تكتمه على ما يعرفه في البداية؟
تجريده لنيريم من منصِبها وتعريضها للإهانة؟
٣.بيكهيون؟
تهدئته لابنته؟
قراراته التي ضد المتمردين؟
معاملته لبناته؟
٤.رأيكم بجونغكوك؟
ردة فعله على خبر زفافه؟
رأيه بأفعال الملك؟
٥.رأيكم برايناه؟
تأكدها من أن الجثة ليست لتشانيول؟
٦.رأيكم بجيهان؟
حالتها على وفاة خالها وكلامها مع أبيها؟
٧.رأيكم بكيونغسو؟
تلفيقه لتلك الكذبة أمام تايهيونغ؟
٨.رأيكم بتايهيونغ؟
ردة فعله عما فعله سيهون؟
٩.رأيكم بجاهي؟
علاقتها بسيهون ومواساتها له؟
١٠. رأيكم بجيهان؟
هل ستكست حيال تواجد جونغ إن بالقصر؟
١١. رأيكم ببيكهي؟
وحالتها؟
١٢.رأيكم بالفصل ككل وتوقعاتكم للقادم؟
دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤
بطل:
العنقاء|| The King's Return
"زمهرير"
●●●
الفرح إستعمر قلب هيريم حينما سمعت هذا الخبر الجليل، نظر إليها تايهيونغ والسعد يرسم وجهه بسماعِ الخبر، وكان أسعد برؤيتِها سعيدة هكذا بعد زمن، فمُذُّ أن قامت الحرب لم يرى لها إبتسامة، ولكنها الآن إبتسمت أخيرًا.
خرجت من قاعةِ القادة، وقصدت غُرفة سيهون مُسرِعة يتبعها تايهيونغ.
-أخي!
قالت ما إن أدركت الباب، ثم ولجت مُسرعة إلى غُرفتِه، ومن شدةِ الفرح أخذت تبكي.
حرَّكَ رأسه ناحيتها، بدى ذابلًا ومُتعِبًا جدًا، بشرتهُ حاجبه، شفتاه مُزرقَّة، وتتكاثف أسفل عينيه هالات مُظلمه، وعيناه ذابلة.
تمسَّكت هيريم بوجنتِه بِلمسة حنونة فورما صعدت السرير، الذي ينام عليه، وجلست بجوارِه.
-أخي؛ كيف تشعر؟!
هل أنتَ بخير؟!
أومئ لها إجابةً، ثم همس بصوتِه ذا البحَّة الثقيلة؛ بسببِ سكوته ونومه لوقتٍ طويل وقِلة طعامه.
-بخير؛ ماذا عن جونغ إن؟!
هل عاد؟!
هل هو بخير؟!
أخفضت رأسها يتلبسها الأسف والشعور بالعار، هي لم تستطِع أن تقوم بمَهام القائد كما يجب، الآن تشعُر أنَّها لا تستحِق أن تكون القائدة أو مسؤولة عن كُلِّ هذه الأرواح.
-جونغ إن عند جلالة الملك؛ حاولت إنقاذه بِالأمس، ولكنَّني لم أستطِع إخراجه من هناك!
عقد سيهون حاجبيه، وحاول النهوض يستعمره القلق، لكن هيريم منعته من النهوض، وجعلته يتمدَّد مُجدَّدًا.
-لا تُتعِب نفسكَ رجاءً، إبقى مُرتاحًا!
أطاع يدها؛ فلقد أحسَّ بألم لا يُطاق بظهرِه حينما تحرَّك حتى أنَّ معالم الألم إرتسمت على صفحتِه، لذا تمدَّدَ مُجدَّدًا.
هيريم قالت بقلق.
-هل تتألَّم؟!
هل أُحضِر الطبيب؟!
كادت أن تنهض، ولكنَّهُ أمسك بيدِها يمنعها عن الذهاب، وقال بنبرة ضعيفة.
-لِمَ هو هناك؟!
لقد إتفقنا أن نهرُب من قبضةِ الملك؛ لأنَّنا لا ندري ماذا سيفعل بشأنِنا.
أومأت له هيريم واتبعت تمسح دموعها.
-أعلم ذلك وهو بالتأكيد يعلم أيضًا؛ بلغنا من الجواسيس أنَّ الوزير الأول جونغكوك جيون قد وجده مُصاب في الغابة وفاقد وعيه، فنقله للقصر مُباشرةً لِمداواتِه.
أمسكت هيريم بيدِ سيهون، ووضعتها بين يديها؛ تمسح عليها برِفق، ثم اتبعت تضع إبتسامة طفيفة على شفتيها.
-ولكن لا تقلق عليه حبيبي؛ لقد ذهبتُ إلى القصر البارحة وقالوا أنَّهُ يتحسَّن. سأذهب لتحريره ما إن يتعافى، ويقدر أن يتحمَّل مشاق الهرب من قصرِ الملك.
تنهد سيهون وأومئ بخفة.
-أنتَ فقط ركِّز على صِحَّتك وسلامتك، وأنا سأقوم بِكُل مهمام الجماعة حتى تستطيع النهوض؛ لذا تحسَّن سريعًا رجاءً.
إستمرَّت في تمشيط شعره برِفق بين أصابعها ولا تنفك تبتسم وتبكي معًا من شدةِ فرحتِها، وكان يستطيع سيهون رؤية ذلك، لم يراها طيلة حياته في مثلِ هذه الحالة؛ تبكي وتضحك بنفسِ الوقت من شِدَّة سعادتِها.
هل هو حقًا ثمين بالنِّسبةِ لها؟!
لو كان حقًا؛ لِمَ خذلته بأسوء طريقة ممكنة؟!
نعم؛ هو لم ينسى شيئ ولن ينسى، لكن لكل شيء وقته المُناسب، حتى الحِساب له ساعة مُحدَّدة ومُنتظرة.
-سأتركك ترتاح قليلًا!
أرادت النهوض من جانبِه، ولكنَّهُ شدَّ على يدِها يمنعها من النهوض، فنظرت إليه تُهمهم بإبتسامة.
-هل تحتاج شيء أخي؟
إستمرَّ بالنظرِ إليها دون قول شيء، وكان في عينيه كلام كثير يكتمُه.
-هل أنتَ بخير؟
يبدو أنَّكَ ترغب في قولِ شيئ ما!
أومئ لها ثم زفر مُغمغِمًا بغموض.
-لاحقًا...!
تمعَّنته لثانية مُقطِبة ثم أومأت.
-حسنًا أخي كما تشاء!
نهضت عن فراشِه، وطبعت على جبهتِه قُبلة، ثم غادرت، وأغلقت الباب خلفِها بِحِرص، حينها شدَّ قبضته الواهية في غضب، وهمس.
-لن أغفر لكِ أبدًا!
خرجت هيريم من غُرفته وهي تبتسم رغم أنها تشعُر قليلًا بالغرابة، سيهون عادةً لا يكتم شيئًا إلا إن كان كبير، وكانت نظراته إليها غريبة، لكنها لم تَطِل التفكير بالأمر، المهم أنَّهُ إستفاق، وكل الأمور الأُخرى سَتَتِم لاحقًا.
كان تايهيونغ وكيونغسو وجون ميون ينتظرونها في الخارج بعدما خرجوا ليتركوا لهما بعض الوقت الخاص؛ فطمأنتهم.
-يبدو أنَّهُ يحتاج لبعضِ الوقت حتى يستطيع النهوض والعودة كما كان.
وافقها تايهيونغ بإيماءة ثم قال.
-نعم؛ وجهه ذابل للغاية.
كيونغسو وجون ميون تبادلا نظراتٍ مُقلِقة، يبدو أنَّ القائد لم يتحدَّث بِما إكتشف بعد، وحينما يتأخَّر القائد عن فعلِ شيء فهذهِ تعني أنَّهُ يُفكِّر بها بِعُمق وستكون النتائج أشد.
●●●
وأما في القصر الملكي؛ فلقد كانت أجواء العزاء غالبة. الناس في سرابيل بيضاء وأبواق العزاء قد صدرت عن القصر مُذُّ فجر اليوم لِتُخيّم أجواء العزاء على العاصمة بأكملِها.
في ساحةِ القصر الفسيحة؛ حيثُ يجلسن النساء في الرُّكن الأيمن بعيدًا نسبيًّا عن مركز الساحة حيث يتمركز الرجال وعلى رأسهم الملك أمام منصَّة المشعل حيث جثة تشانيول موضوعة فوق الحطب.
جيهان مُهنارة جانبًا في سرابيل بيضاء في حُضن بيكهي، هي مُذُّ أن فقدت والدتها وهي في حالة نفسية سيئة جدًا لا تَكُف عن التدهور أكثر ووفاة خالها كان مثل الضربة القاضية عليها، وأما رايناه قد تجمدت الدموع في عينيها وراهي بِقُربِها تحاول التخفيف عنها، من شدةِ حُزنها تعجز الدموع أن تُعبر عنه، فيتكدَّس في قلبِها الحُزن والضيق، فلا يَخِف ولا ترتاح منه.
بيكهيون نظر إلى أخته وابنته وهو يقف فوق منصَّة المَشعل؛ كلتاهما منهارة بطريقتِها، جيهان تكاد تَجِف عينيها من كثرةِ ما بكت على أُمِها والآن خالِها، ورايناه شاردة الذهن ويداها بجوارها بلا حراك، ولا تبكي أبدًا كما لو أنَّ الصدمة شلَّت أطرافها أو أنها جففت دموعها لآخرِ قطرة.
حمل بيكهيون المَشعل، وقصد جُثَّة الأمير التي تنام فوق جذوع الخشب الباهظة، نظر إلى وجهِه المشوَّه بأستياء، لقد كره هذه النهاية له وللغاية، صحيح أنَّهُ أراد قتله ولكن بشرف وبلا أي تشويه.
-توقف يا مولاي؛ دعني أراه ولو لمرة واحدة أرجوك!
تعلَّقت يد بيكهيون بالهواء حينما أوقفته رايناه بإستنجادها. كانت تجمع كفّيها بتوسُّل وتُخفِض رأسها، لقد سبق وأن منعها بيكهيون أن تقترب من تشانيول أو تراه وهو في هذا الشكل؛ فرُبَّما تخاف ويتأثَّر حملها.
نظر لها بيكهيون مُتردِّدًا، أيسمح لها أن تراه أم لا يسمح؟
ولكن قلبه أوجعه عليها كثيرًا، تستنجد به عيناها ويكاد يجزم لو رفض ستركع وتتوسَّل؛ لذا أشار للحرس أن يسمح لها أن تأتي وترى زوجها للمرة الأخيرة، فركضت إلى النعش مُسرعة، ورفعت الغطاء الأبيض عن بدنِ الجُثة.
خشيَّ بيكهيون عليها من الفزع والخوف حين تراه، ولكن أي من ذلك لم يحدث لها، هي تفحَّصت الجُثة مُقطبة الحاجبين، تحسست وجهه وكتفيه، ثم أخفضت رأسها تجمع قبضتها، ثم إبتسمت إبتسامة خافتة لم يراها أحد إطلاقًا.
"إنَّهُ ليس تشانيول"
هذا ما تردَّدَ بجوفِها وسيبقى بجوفِها للأبد. يكفيها أنها تعلم أن تلك الجُثَّة ليست لتشانيول، وليعلم بقية الناس أنَّهُ مات، لعلَّ تشانيول يعيش حياة جديدة وبأمان بعيدًا عن عرش المغول، وحبذا لو يكون تخلى عن رغبته بتحصيله عن غيرِ حق.
عادت إلى مكانِها دون قول شيء، ولكنها الآن بدأت تبكي بهدوء؛ لأنَّها سعيدة وليس لأنها حزينة كما تبدو.
تنهد بيكهيون براحة فيما تُراقبها عيناه، ثم تقدَّم من الجُثَّة وأشعل النار أسفلها، ورويدًا رويدًا إشتعلت النار في طبقات الخشب واحدة تلو الأخرى حتى لامست النار الجُثة، وبدأت تحترق بهدوء وسكون وآمان.
الكُل في حالة هدوء والصمت شائع إلا جيهان وحدها التي تنتحِب، ويُسمَع لها صوت في الساحة كلها.
-خالي؛ أردتُ أن أراكَ مرة واحدة فقط، لقد إشتقتُ لك!
قصدها بيكهيون حينما غلبته عاطفته، وأشار لحاشيته أن يلزموا أماكنهم فلا يتبعونه. وقفت جيهان حينما اقترب منها إجلالًا لمقامه الملكي، وهي تخفض رأسها وتُبرِّر بإنتحاب؛ فلقد خافت أن يكون الملك قد أساء فهمها.
-هو يبقى خالي، ولا يمكنني إلا أن أُحبه يا أبي!
أخذها بيكهيون بين ذراعيه في عِناق حنون بعدما أومئ مُتفهِّمًا، وأخذ يمسح على شعرِها بِلُطف.
-أدري يا ابنتي، إن كان البُكاء عليه يُخفف عنكِ فابكي، أنا لن أمنعك.
إلتفت يداها حول خصر والدها، وخبأت وجهها عند عُنقه واستمرَّت بالبُكاء؛ وكأنها انتظرت منه الإذن لتنهار أكثر بين زنديه الحنونين، وبيكهيون ما كفَّ عن التربيت عليها؛ لعله يُخفف عنها قليلًا؛ فهو يتفهَّم وجعها وعاشه في سنٍ صغيرة.
ثم نظر إلى شقيقتِه، فأشارت له أنَّها بخير، ويُمكنه الإهتمام بابنتِه الآن؛ فحمل جيهان المُنهارة على ذراعيه، وقصد جناحها مهما كان بعيدًا عن ساحة القصر، وأخذ ينشد لها بصوتٍ خافت كما العادة مُذُّ الصغر تهويدات لتنام بعد معركة بكاء، أو دراسة، أو حتى لعب.
وصل إلى غرفتها، ووضعها في سريرها، وما إن أراد النهوض كمشت بأناملها النحيلة على ثيابه الملكيّة، وهمست.
-أبي؛ لم يبقى لي أحد سواك، لا تتركني وحدي!
تنهَّد وجلس بجوارها يسند مرفقه على وسادتها، لا يحب أن تُفكر ابنته أنَّهُ قد يتخلّى عنها أو أنها بقيت في مُعترك الحياة وحدها، استند برأسه على يده، والأخرى أخذت تُطبطب على كتفِها وهو يهمس.
-أنا لن أتركك أبدًا أو ابتعد، أنتِ ابنتي والأب لا يتخلى عن صغارِه مهما كبرو ومهما أخطأو.
أنتِ لديكِ أنا، وإخوتك، وقريبًا سيكون لكِ أشخاص أكثر يمكنهم أن يسندوكِ إن أوجعكِ ظهرك.
أومأت تقول وقد نال منها التعب والإرهاق فذبلت جفونها، تلميحاته عن خطيبها الذي لا تعرف عنه شيء إلتقطتها ولكن تجاهلتها.
-نعم؛ أنتَ معي وستبقى للأبد، أنا أحبك جدًا يا أبي، أرجوك أن تُسامحني.
طبطب عليها وقال.
-لا تفكري بشيء صغيرتي وفقط نامي.
مرَّت لحظات من الصمت وفي خلدِ جيهان أمرًا لطالما أرادت البوح به لأبيها.
-أبي!
-صغيرته؟
تبسَّمت برقة، أحبَّت اللقب.
-قبل أن نذهب من القصر كنتُ أظن أنَّكَ لا تحبني كما بيكهي.
عقد حاجبيه ونظر إلى وجهها مُستغرِبًا.
-ولِمَ راودكِ هذا الظن؟
-لأنَّني لستُ ابنة الملكة ناري، كنت اظنك لا تحبني لأنني ابنة تاي هان.
استغرب بيكهيون هذا القول.
-ألا ترينني أحب لي جون رغم أنَّهُ ليس ابن ناري؟!
-بلى؛ ولكنَّهُ ذكر وولي العهد.
تنهد بيكهيون، وعاد ليمسح على شعرها بلُطف.
-الملكة ناري هي الوحيدة التي إخترت أن أتزوَّج بها، ولكن أطفالي الخمس لهم نفس المعزة والحب، ربما أحِن على الصِغار أكثر ولكنكم جميعًا أطفالي، الذي يمكنني أن أموت لأجلهم.
نفت برأسها بعدما وضعت يدها على فمِه.
-لا تقول ذلك يا أبي؛ جميعنا فداء لك!
وضع قُبلة على رأسِها وهمس بنبرةٍ حنون.
-الآن نامي!
همهمت، ثم أغلقت عيناها، ورويدًا رويدًا سكنت حركتها وسكن بدنها، ثم نامت بِعُمق. وضع بيكهيون قُبلة محمومة بالحُب على جبهةِ طفلته، ثم غادر مخدعها بهدوء بعدما وصّى خادماتها عليها.
بعد إنتهاء الجنازة قصد بيكهيون مكتبه يتبعونه حاشيته ووزيره جونغكوك. جلس بيكهيون خلف طاولته وجونغكوك وقف قِبالتِها فيما يجمع كفّيه أسفل معدته ويُخفض رأسه قليلًا.
-مولاي؛ بعد الترتيب الجديد للوزراء وحاشية البلاط حدثت مناوشات بين الوزراء وأعضاء المجلس حول من سيأخذ مكان الوزير الخاص الرابع لجلالتك.
رفع بيكهيون رأسه من المُلاماسات على مكتبه وقال.
-أخبرهم ألا يتشاجروا بلا داعي، لن أختار أحد منهم.
ارتفع وجه جونغكوك مُستغرِبًا.
-هل ببالك أحد جلالتك؟
-نعم
-هل يمكنني أن أسألك من يكون؟
نظر إلى جونغكوك للحظات بصمت، ثم قال مُزفِرًا.
-لاحقًا؛ عليَّ أن أتأكد من كفاءته وأنَّهُ يستحق المنصب أولًا.
أومئ جونغكوك مُتفهِّمًا وسأل.
-ماذا عن بقيّة المناصب الشاغرة في القصر؟
-تولى إشغالها بنفسِك واترك فقط المناصب، التي سأُخبرك عنها مشغولة مؤقتًا.
-أمرُكَ جلالتك!
إنحنى جونغكوك إليه، ثم قبل إدباره استوقفه بيكهيون قائلًا.
-بعد إنتهاء الحداد إبدأ بالترتيب لحفل زفافك الملكي على بيكهي.
تضارب نبض قلبه بصخب، وبالكاد تمالك نفسه حتى إنحنى وخرج.
-أمرُكَ مولاي!
سار مُبتعدًا حتى أدرك زِقاق فارغ من الأنس، تمسَّكَ بقلبه الشغوف في حُب الأميرة، وإتكئ على الحائط خلفه يزفر أنفاسًا محمومة بالحُب.
أخيرًا ستعود إليه مُجدَّدًا، وسوف لن يُفرقهما شيء بعد الآن أبدًا.
ضحك فرحًا وهو يتخيل كيف ستكون الحياة معها؛ سيعيشان في بيتٍ واحد، وسيعيش هو في قلبها وستعيش هي في قلبه، سيشاركها المائدة، والمجلس، والسرير. سينام وهي على زنديه، ولن يأكل بدنه إلا من بدنها ولن يفارقها حتى اليوم الذي يموت فيه، وحبذا لو يموت قبلها.
أركن رأسه على الحائط وهمس مُبتسِمًا.
-يا إلهي كم انتظرت!
●●●
مرَّت عشرُ أيام وبِضع أُخر والمملكة تَمُر بمرحلة إصلاحيَّة لا تنتهي، التحقيقات والإصلاحات قائمة على قدمٍ وساق.
وأما عند الجماعة؛ فهيريم تهتم بالجماعة ويُساعدها تايهيونغ، دخلت إلى قاعةِ إجتماعات الجماعة فيما تحمل سيفها، ويتبعاها كيونغسو وتايهيونغ.
-بما أنَّ المَقر الفرعي الجديد أصبح جاهزًا؛ عليكَ أن تتوجَّه إليه، ستقوده وسنبقى على تواصل كما كُنّا قبل أن يُبيده الملك بيكهيون.
أخفض كيونغسو رأسه بطاعة ونبس.
-أمرك سيدتي!
ثم خرج ليبدأ بتسيير أمور الفرع الجديد، جلس تايهيونغ على يمينها بعدما جلست، ووضعت سيفها على الطاولة، ثم أرخت ظهرها على الكرسي، ورفعت رأسها تزفر بإرهاق... أمور الجماعة مُرهِقة بِحَق.
-أنتِ بخير؟!
أومأت له ثم قالت.
-بخير... فقط بعض الإرهاق.
همهم تايهيونغ بتفهٌّم، وهيريم شابكت أناملها فوق الطاولة؛ وهي تُفكِّر بأمور الجماعة.
-أدركني من جواسيسنا في القصر أنَّ جونغ إن على وشكِ التعافي والإستيقاظ، علينا أن نبدأ بالتخطيط لإحضاره إلى هنا.
فُتِحَ الباب فجأة، وسيهون ولج بهيئتِه القويّة، سرابيل سوداء تُلائم جسده تُدرك ركبتيه، يرفع شعره عن صِدغه فيما يترك بعض الخُصَل حُرّة على صدغيه؛ ليبدو فاتنًا فتَّاكًا ولا يُقاوِم.
لكن نبرته كانت حادة، وحاجبيه معقودة كما لو أنَّهُ غاضب، قد لاحظت هيريم أنَّ شيئًا ما بأمرِه قد تغيَّر. أصبحت إجاباته مُختصرة مُذُّ أن أستيقظ، قليل الكلام معها، ولا ينظر لها حينما يتكلَّم، فيما قد إقتصرت أحاديثه على أمور الجماعة وكأنَّما إقتصرت العلاقة بينهما على أمور قيادة الجماعة، وكأنَّ رابط الأخوة، الذي هو الأقوى بينهم، قد كُسِر أو تبدَّد.
-أنا سأهتم بهذا الأمر، وسأُحضِر جونغ إن بنفسي.
-لكن...!
ودَّت هيريم أن تعترِض، ولكنَّ سيهون رفع يده يُقاطعها، وقال في حزمٍ وحسم.
-لا أُريد أن أسمع أيُ كلمة بهذا الشأن بعد الآن!
اقتربت هيريم منه لا تتفهَّم السبب في حِدَّتِه هذهِ معها.
-أخي؛ أمن خطب؟!
نظر إليها بصمت دون أن يُجيبها، ثم نظر إلى تايهيونغ، الذي لا يبدو بأفضل حال من هيريم أبدًا، ثم قال.
-أيُمكنكَ أن تأذن لنا قليلًا؟
نظر تايهيونغ إلى هيريم، التي تبدو مُرتبكة وشيئًا ما حزينة ومُستاءة، ثم نظر إلى سيهون وأنحنى قبل أن يخرج.
يبدو أنَّ الخطب جَلل، ولكن لا يحق له أن يتدخَّل في خصوصيات الإخوة؛ لذا خرج بهدوء.
انتظر سيهون حتى سمع صوت الباب يُقفَل، ثم إلتفتَ إلى هيريم حينما تسآلت بإلحاح.
-ما الأمر؟!
نظر لها سيهون بصمت دون أن يستنزف كلمة، ثم اقترب من هيريم حتى وقف قِبالتها، سحب السيف من يدِها وقال.
-من هذهِ اللحظة؛ أنتِ ما عُدتِ قائدة المُتمرِّدين.
-ماذا؟!
نبست بلا تصديق، وسيهون تجاهل إنكسار عينيها، هذا الإنكسار الذي لا يعني شيئًا أمام إنكساره منها.
جلس على رأسِ الطاولة، وهي إلتفتت لتنظر إليه مُستنكرة.
-لماذا؟!
رفع حاجبه بِتسلُّط وهمس.
-أنا هكذا أُريد، وسيحدث ما أُريده.
اقتربت وجلست على يمينه، إمتلأت عيناها بالدموع، ولكنها تماسكت، شابكت يداها فوق الطاولة ثم نظرت له.
-أخي؛ لِمَ فجأة؟!
أغمض عينيه حتى أزفرَ نفسًا وزفر معه غضبه.
-أُريد منكِ أن تتزوجي، سأجد لكِ الرجل المُناسب، ثم ستخرجي من اليوان، ولن تعودي أبدًا.
وقفت هيريم وقد تفشى بها السخط؛ إنَّهُ يفرض رأيه فرضًا، يُجبرها على أمر مُتعلِّق بحياتها، وهي لم تعتد أن يتحكَّم بها أحد؛ لذا صاحت برفض فيما تَقِف.
-أنتَ لا يُمكنكَ أن تفرض علي رأيك، أنا أفعل ما أُريد.
وقف سيهون بعد وقفتِها المُحتدَّة ونبرتها الغاضبة، التي تجاوزت حدود الأدب معه. اقترب منها حتى وقف قِبالتها وهي تقرن حاجبيها بغِلظة، تتنفَّس بصخب، وتشِد على قبضتيها.
كان هادئًا جدًا، ومشاعره لا تنعكس على صفحة وجهه، ولكن ما لم تتوقعه هيريم أبدًا أن تنهال على صفحةِ وجهها صفعة قاسية أمالت جذعها، وقُبيل السقوط أقامتها قبضته، التي إشتدت على شعرِها، وبتلك اللحظة تفجَّرت المقآي مع الخيبة.
رفع سبابته بوجهِها وقال فيما يشد فكيّه.
-أخرسي وأياكِ أن أسمع صوتِك من اليوم وبعده!
أنتِ ستفعلي ما آمُركِ به، وإن لم يكن برضى سيحدث بالغصب؛ تفهمين؟!
صرخت وهي تبكي.
-لا؛ لا أفهم، ولا أُريد أن أفهم!
أومئ متوعِدًا ونبس.
-إذًا سأجعلكِ تفهمين!
ومن قبضتِه المُشتدَّة على خُصلِ شعرها سحبها خلفه، ولم يهتم بمن يرى هذا المشهد المُذِل ومن لا يرى.
أسرع تايهيونغ إليه حينما رأى معاملة سيهون لأخته كذلك كيونغسو.
-أيُّها القائد؛ لِمَ تُعامل القائدة هكذا، ماذا حدث؟!
تجاهل سيهون تايهيونغ تجاهلًا تامًا، وهيريم بين يديه لا يُسمع لها أي صوت ولا حتى أنين خافت، ولكن بدنها يرتجف بسبب دموعها الصامتة.
دفع بها داخل غُرفتها بأقوى ما يستطيع، وآخر ما ترآى لمن هم في الخارج قبل أن يدخل ويُغلِق الباب عليهما هي هيريم أرضًا وسيهون يقترب منها.
تمتم تايهيونغ بقلق عليها؛ فقلبه لا يرحمه إن رآها تتعذَّب، فيما كيونغسو يراقب بصمت.
-لِمَ يُعاملها هكذا؟!
ما الذي حدث فجأة؟!
تنهَّدَ كيونغسو ولم يُجِبه بشيء.
وأما في الداخل؛ فقد ثبتت هيريم في مكانِها أرضًا دون أن يتسلَّل إلى قلبِها الخوف، هي لا تخاف من سيهون ولا من أي أحد آخر، هي تحترمه وسكوتها الآن عن إهانتِها لأنها تحترمه، أخذ سيهون يقترب منها حتى جلس على قدميه قِبالتِها، وقال بهسهسة خشنة وغاضبة.
-كل ما أقوله سيُنفَّذ رُغمًا عنكِ، ولو سمعتُ فاهكِ يلفظ حرفًا ضد إرادتي فأنتِ سَتري مني العجب، وسوف لن تكوني بخير أبدًا!
مسحت دموعها بكفّيها بقسوة فيما تُشيح عنه دون قول شيء، وهو وقف وبدأ ينبُش في أغراضِها، صادر كل أسلحتها وثيابها الرجَّاليّة، ثم رمى بهم خارج الغُرفة، ثم وقف عند الباب يُحذِّر بسبابة مرفوعة.
-من اليوم أنتِ كيم هيريم فقط، إمرأة عاديّة بإنتظار أن أزوِّجها.
قال ذلك وأدبرَ من الغُرفة، وحرص أن يغلق جميع المنافذ، التي قد تستخدمها للخروج، وصادر كل المفاتيح.
خرج من غُرفتِها وسار في الرِّواق تحت أنظار الجميع المُستنكِرة، فالقائد سيهون ليس بهذا التعنُّت أو القسوة عادةً، وهو ملامحه مُبهمة لا تحوي في مضامينها سببًا لما حدث.
-تفرَّقوا إلى أعمالكم، وكيونغسو تعال معي للحظة!
تبعه كيونغسو وتفرَّق الجميع إلا تايهيونغ بدى مُصِرًا ليعلم السبب، الذي جعل القائد يضرب شقيقته بهذهِ القسوة؛ شقيقته التي يُحبها تايهيونغ.
دخل سيهون إلى قاعةِ الإجتماعات، ثم دخل خلفه كيونغسو، واقترب نحو القائد الذي يمنحه ظهره.
-سيدي؛ اعلم أنَّ هذا ليس من شأني، ولكن لم يكن عليك إذلالِها بهذهِ الطريقة أمام الجميع، كان عليك أن تسمعها أولًا.
إلتفَّ سيهون نحو كيونغسو، ونظر فيه بلا قول شيء، وذلك جعل كيونغسو يخشى أنَّهُ تجاوز حدوده فحاول أن يُبرِّر.
-سيدي؛ أنا لم أقصد الإساءة، أنا فقط.... ماذا تفعل؟!
تفاجئ كيونغسو حينما رأى القائد يركع أمامه مُتذلِّلًا... تراجع كيونغسو عِدَّة خطوات مذهولًا يُتمتِم.
-سيدي؛ لا يُمكنكَ أن تركع لأحد!
رفع سيهون عيناه نحو كيونغسو فابصر فيها الأخير دموع مُتكدِّسة يكبحها غرور الرِّجال وكبريائهم ويدفعها قهر الرِّجال وإنكسارهم، ولكن ماذا يفعل؟!
لا بأس لو توسَّل وتذلَّل لأحد، المهم أن ينقذ أخته من الورطة التي وضعت نفسها بها.
-انقذ أختي أرجوك!
إزداد إرتباك كيونغسو وأخذ يُتأتئ، فلم يسبق لكيونغسو ولا لأي أحد أن يرى القائد يركع على رُكبتيه ويتوسَّل أحد.
-سيدي أرجوك انهض!
أخفض سيهون رأسه، واتبع في نبرة متوسِّلة.
-تزوجها لفترة قصيرة فحسب، ثم اتركها... لا بأس؛ هي تستحق أن تعيش وحدها مُعابة بقية حياتها بتركِ زوجها لها، ولكن لا يُمكنني أن أتخيلها تُعاب بشرفِها!
-مُعابة بشرفِها؟!
نظر كلاهما نحو تايهيونغ، الذي دفع الباب وولج فجعل ذلك سيهون يقف سريعًا، ثم وقف بين الرَّجُلين يقول في ملامح معقودة.
-ما الذي من المُفترض أن يعنيه ذلك؟!
ضغط سيهون على فكيه بعصبية فيما يكاد أن يفتِك بهذا الرَّجُل الجريء.
-من سمح لك أن تَلِج؟!
وكيف تجرؤ أن تتلصَّص على حديثي؟!
تجاهل تايهيونغ كلام سيهون، ونبس مُحتدًّا وقد وقف أمام القائد وجهًا لوجه.
-كيف مُعابة أيُّها القائد؟!
وفي تلك اللحظة؛ تدخل كيونغسو بالحديث قائلًا.
-حينما إختطفها الأمير تشانيول إستطاع أن يفتك ببتولتِها. هي لا تعلم عن ذلك بعد؛ فلقد فعل فعلته بعدما ضربها حتى فقدت وعيها، والقائد سيهون احضرها إلى هنا تنزف، وحينما فحصها الأطباء تأكدوا أنَّها تعرَّضت لإعتداء جنسي.
-ماذا؟!
نبس تايهيونغ مشدوهًا، وسيهون لام كيونغسو بنظراته فلقد كذَّب، ولكن الأخير طمأنه بإيماءة. تايهيونغ إزداد غضبًا وشعر بأنَّ قلبه قد تمزَّق في هذه اللحظة.
-وما ذنبها هي أن تضربها؟!
ليس وكأنها من ذهبت إليه برجليها، وفعلتها بإرادتها!
كيونغسو تنهَّد ثم اتبع فيما يُربِّت على كتفِ تايهيونغ؛ ليهدأ.
-القائد فقد أعصابه، وعاقبها هكذا؛ لأنه يظن لولا أنَّها القائدة لما استطاع أحد الوصول إليها، والآن يطلب مني أن أتزوج بها لفترة حتى لا تنكشف هذه القِصَّة لأحد.
تايهيونغ استنكر مُقرنًا حاجبيه.
-ولِمَ تُخبرني بالقصة إذًا؟!
تقدَّمَ منه كيونغسو، ثم ربَّتَ على كتفيه يقول.
-لأنَّني أثق بك!
أخفض تايهيونغ رأسه، وأومئ بتيه، ثم خرج. تنهد سيهون بأستياء.
-لِمَ قُلتَ قصة مؤلفة من عندك؟!
تبسَّمَ كيونغسو وقال.
-لا يُمكننا كسر صورة القائدة بعيون المُجنَّدين، وعينا تايهيونغ خصيصًا؛ هو ما زال يُحبها، ولو منحته القليل من الوقت سيأتي ويُخبرك أنَّهُ يُريدها لنفسِه، وليس لفترة مؤقتة بل للأبد... أظن أنَّهُ الخيار الأمثل لأجلِ القائدة.
تنهَّد سيهون ودلَّكَ صدغيه في ألم وإنزعاج.
-لا أريد أن أخدعه أو استغله!
اقترب منه كيونغسو وقال.
-أنتَ لا تملك خيارًا آخر مع الأسف سيدي القائد.
وقف سيهون مُتخصِّرًا، وهو يرمق باب القاعة، الذي خرج منه تايهيونغ، بنظرات موبوءة بالأستياء... لا يدري كم سيكون الوقت القادم شرس.
-سيدي؛ هل تَشُك بأحد؟!
أخرجه سؤال كيونغسو من شروده، فأومئ سيهون وقال.
-كنتُ أشك في اثنين؛ الأول بانت براءاتِه دون أن يدري. والثاني هو المُدان الذي لا أقدر عليه.
إتسعت عينا كيونغسو بذهول.
-جلالة الملك؟!
فهو الوحيد الذي ليس بطوعِ قائد المُتمرِّدين. أومئ له سيهون مؤكدًا، وكيونغسو إستغرق في التفكير لِبُرهة، ثم اقترح.
-لِمَ لا تخبره بحقيقة الأمر؟!
لرُبما يتزوجها.
شخر سيهون بضحكة ساخرة من شدة قهره، ونظر إلى كيونغسو مُستنكرًا.
-هذا الملك ليس أحد المُجندين عندي. ثم أنت رأيت بعينك ماذا فعل أول ما تسلم سلطته من جديد، أمر بالتحقيق والحفر خلفنا، يريد أن يُفككنا... أراهن أنَّهُ لا يتذكر هيريم أبدًا. لقد كانت الخيار الوحيد المتاح أمامه لرغباته المعتادة على الإشباع، الآن النساء عنده يتقاتلن على سريره؛ فكيف يتذكرها؟!
تنهد كيونغسو، وأومئ مُتفهِمًا ومقتنعًا. القائد مُحِق... هيريم ما كانت سوى الخيار الوحيد في البريّة، وما حدث كان إستغلال لها؛ لا أكثر ولا أقل.
-ثم أن الزواج بالملك يعني أنها ستصبح ملكة، ومن سيقبل بمُتمرِّدة بربريّة ملكة عليه؟!
وهي جسدها يملؤه الندوب، وذلك لا يسمح لها أن تكون محظيّة له حتى!
سار سيهون بضع خطوات فيما يداه خلف ظهره.
-وأنا لن أسمح لها أن تُعرِّض نفسها للذُل أو تُعرضنا له بسببِ حماقتِها... الأمر مُنتهي بالنِّسبة إلي.
قال ذلك، ثم خرج من القاعة يترك خلفه كيونغسو بعقل مُشتَّت وأفكار مُتداخلة؛ فمع الأسف؛ كان القائد سيهون مُحِق بِكل كلمة قالها.
مساءً؛ كان سيهون يجلس فوق إحدى الصخور بعدما سيَّرَ أمور الجماعة، شارد الذهن ويبدو مهومًا.
راقبته جاهي من بعيد وهي تشعر بالقلق عليه وعلى هيريم؛ مُذُّ أن أستيقظ وحالته المزاجية سيئة جدًا، شارد طوال الوقت ويغضب لأي سبب تافه.
والآن تصرَّف بهذه الطريقة ضد أخته بعدما رفضت أن تتنازل عن منصبِها في هذه الجماعة كما يُشاع بين المُجنَّدين.
قصدته حتى أوشكته، ومن خلفِه نادت.
-سيهون!
حرَّكَ رأسه جانبًا وهمس.
-نعم.
أتت لتجلِس بجوارِه، هو كان ينظر في الأُفق المُعتِم بشرود، ولا يتكلَّم، كثيرًا ما يتنهَّد، ولكن الوجع في صدرِه لا يهدأ.
-سيهون!
نظر لها فقالت.
-أنتَ بخير حبيبي؟!
أرجع قِبلة وجهه إلى أمامه، ثم تنهَد ثم نفى برأسه.
-لستُ بخير أبدًا يا جاهي؛ أشعر كما لو أنَّ الكون ضيّق جدًا لدرجة أنَّهُ لا يسعني؛ فيكتم على صدري ويخنقني.
إمتدَّت يدها نحوه فيما تشعُر بِالتَّردُّد، صحيح أنهما متزوجان مُذُّ أكثر من عام، ولكنها ما إجتازت كل حواجز الكَلمِ معه، ما زالت تخجل في حضوره، وتنحرج عند كل لقاء عاطفي معه، وتتردَّد أن تجلس بقُربِه في مثلِ هذا الوقت الحَرِج، وأن تتكلَّم معه وتواسيه؛ فسيهون ليس من الرِّجال القادرين على التقرُّب خطوة، وصورته المُهيبة والمَهولة تجعلها تتأخَّر حتى تنجز الخطوة.
بسطت يدها على كتفِه، وهو أخفض رأسه مُزفِرًا يُخفي خيبته.
-هل يُمكنكَ أن تُخبرني ما الذي يؤرقك ولِمَ تصرَّفتَ مع شقيقتِك هكذا؟!
نظر لها بصمت؛ فتهرَّبت من نظراتِه وقالت بتوتر.
-آسفة لو تجاوزت حدودي معك، أنا قلقة عليك وعلى هيريم!
نظر أمامه واتبع في نبرةٍ هادئة.
-هيريم لا تستحق أن يقلق عليها أحد، لوما إنتكست صحتي في تلك اللحظة لكانت الآن تُرثى!
نظر لها فيما ترمقه بقلق وفضول.
-لقد زَنَت مع الملك!
شهقت جاهي تصد فمها بيدِها، وهو رفع سبّابته مُحذِّرًا فيما يرفع حاجبه.
-أنتِ لا تحتاجي أن أُنبِّه عليكِ بأنَّهُ لا يُمكنكِ أن تُخبري أحد عن الأمر، ولا أي أحد نهائيًّا يا جاهي!
لوما أنها تعرف نفسها وتثق فيها؛ لأقلقها الخوف من نظرتِه الحاميّة وكلامه المُهدِّد، أومأت له بطاعة وهمست.
-لا تقلق عزيزي، لن أُخبر أحد أبدًا!
أومئ لها، ثم اتبع بنبرة أكثر هدوءًا.
-لقد كانت حامل حتى، وأسقطت الطفل وقتما أعدتُها من يد الأمير تشانيول.
زفر مهمومًا.
-لو كنتُ أعلم عمّا فعلت لما كلَّفتُ نفسي أن أُحضرها من عندِه أساسًا، لتركتُها له وليفعل بها ما يشاء.
نَفت برأسِها، وأدارت وجهه إليها حينما تمسَّكت بوجهه، وهمست فيما تُمسِّد أسفل عينيه بإبهاميها.
-أنتَ تقول هكذا لأنَّكَ غاضب منها، ولكن أنا مُتأكدة لو أنَّكَ علمت بالأمر قبل أن تُحضرها لذهبت وأحضرتها.
أنتَ لستَ شقيقها فحسب، أنتَ والدها، أنتَ الذي شددتَ عودها حتى أصبحت المُتمرِّدة الحسناء، صبيّة جميلة وقويّة.
إقترب منها يُتعبه الهم حتى وضع رأسه على كتفِها واشتكى.
-لا أدري كيف فتنها الملك وفتنته، أختي ربيتُها كما الرِّجال يتربون. أنا لا أُصدِّق أنَّها فعلت ما فعلت، وجعلت رأسي ينحني مُثقلًا بالعار!
عانقته بين يديها الحنونة، واستمرَّت بالتربيت على كتفيه، كان حُضنها مكانًا آمنًا يحفظ كل معاركه النفسيّة ويُهدّئها.
-سيكون كل شيء بخير؛ صدِّقني سيتلاشى شعوركَ بالغضبِ والخيبة مع الوقت، وستكون بخير مُجدَّدًا.
زفر أنفاسه المُثقلة في جوفِ عُنقها فأرجفتها رُغم أنَّها دافئة.
وتايهيونغ كان يرى هذا المشهد من بعيد...
●●●
إنتهت فترة الحِداد على روحِ الملك الراحل تشانيول، ورويدًا رويدًا بدأت تعود الحياة إلى طبيعتها، وعادت أمور المملكة لتكون على طبيعتِها، وكما يُخطِّط الملك بيكهيون فسيتبع هذه الحرب إزدهار لهذه المملكة، وهو يعمل على ذلك.
بعدما إنعقد مجلس الوزراء في البلاط الملكي صباحًا؛ قصد الملك يتبعونه وزراءه الثلاث إلى مكتبِه الخاص.
هناك حيثُ جلس خلف طاولته، ووقف قِبالة طاولته الوزراء الثلاثة بإحترام مُخفضين رؤوسهم.
-وزير جونغداي؛ ما الذي حصل معك؟
إنحنى جونغداي له وقال.
-مولاي؛ لقد عُدنَ النساء إلى القصرِ بآمان، كانت الملكة الراحلة تاي هان تنوي قتل نساءك، ولكن الأميرة رايناه أنقذتهن، ووضعتهن بذاك القصر.
نساءك الأصليات أعدناهن جميعًا إلى القصر، ونساء الملك الراحل أيضًا، العذارى منهن أصبحن لجلالتك، والبقيّة أعدناهن إلى بيوتهن وسبايا الحرب منهن خصصن لهن بيوتًا ورواتب جيدة.
أومئ الملك، وأزفرَ براحة.
-جيد؛ هذه أخبار جيّدة!
إنحنى الوزير جيمين بعده وتكلَّم.
-مولاي؛ إنتهى التحقيق بشأنِ جميع الموظفين الحكوميين في القصرِ وخارجه، وكل من ثبت عليه تعيينه مُحاباة عن غير إستحقاق خسر وظيفته.
-جيد؛ ماذا عنك وزير جونغكوك؟
إنحنى جونغكوك إليه وقال.
-مولاي؛ اعذرني... التحقيق بشأنِ المُتمرِّدين مُعقَّد كثيرًا، فقط خرجتُ ببعضِ المعلومات الجديدة.
-ما هي؟
-مولاي؛ هُم يتدبَّرون شؤونهم الماليّة عن طريق أخذ حِصص ماليّة بصفتِهم المالكين الأصليين لِمُعظم دكاكين السوق، ومطاعمه، وحاناته؛ إذ تكون هذه المُمتلكات اغتُصِبت من يد أعضاء الجماعة بعدما خسروا مكانتهم الإجتماعيّة، حتى أنهم يوظفون رقابة على الأسواق لمنعِ التُّجار من غشِّهم في حِصصِهم.
أومئ بيكهيون ونهض عن كُرسيه، ثم سار لبضعِ خطوات في مساحةِ الغُرفة ويداه خلف ظهرِه.
-إذًا هُم لم يكونوا يسرقون تُجّار السوق، بل يأخذون حِصصهم من متجارهم، التي سُلِبَت منهم.
-نعم مولاي!
إلتفت الملك إلى وزيرِه الأول وأمره.
-أُريدكَ أن تعلم من خلف تجريد النُّبلاء من مكانتِهم، وإتهامهم ظُلمًا بالخيانة.
أخفض جونغكوك رأسه بطاعة.
أمرُكَ مولاي!
فاتبع بيكهيون أوامره.
-أُريدكَ أن تُداهم السوق، وكل المتاجر التي تحت سُلطة الجماعة. أُريدك أن تُغلقها وتضع جميع موظفين هذه المتاجر وتُجّارها بالسجن؛ فبالتأكيد معظمهم سيكونوا من الجماعة.
إستغرب جونغكوك هذا السلوك من المولى، ولكنَّهُ تحفَّظ على رأيه، إنه لا ينفك يضغط على الجماعة بكل سلوك يسلكه، صحيح أن جونغكوك يتفهَّم نواياه، ولكن ما زال... هناك أمرًا خاطئًا.
-أمرُكَ مولاي!
أشار لهم بالإنصراف.
-يمكنكم الإنصراف!
خرج الوزراء بعدما إنحنوا له إجلالًا، ولكن حينما أراد جونغكوك أن يخرج إستوقفه الملك يقول.
-الوزير جونغكوك إبقى!
غادر جونغداي وجيمين، وجونغكوك بقيَ في مكانِه بإنتظارِ أوامر صاحب الجلالة.
-تحت أمرُ مولاي!
إلتفتَ بيكهيون إليه، ثم جلس على إحدى المقاعد وأشار لجونغكوك أن يجلس بعده، فجلس الأخير حينها قال بيكهيون.
-هل بدأت تُجهِّز لزفافِك على ابنتي؟
أخفض جونغكوك رأسه خَجِلًا وأجاب.
-نعم مولاي؛ بدأت التحضيرات، وسنكون جاهزين خلال يومين.
أومئ بيكهيون.
-جيد، ماذا عن القائد جونغ إن؟
-لم يستيقظ بعد رُغم أنَّ جروحه قاربت على التعافي؛ ولكنهم يتوقعون أن يستيقظ في أي لحظة.
أومئ بيكهيون وحذَّر.
-كثِّف الحراسة عليه، واجلب لأجله أفضل الأطباء في المملكة أو خارجها!
-أمرُ مولاي، ولكن أيُمكنني السؤال؟
أشار له بيكهيون أن يتحدَّث فقال.
-ماذا تنوي أن تفعل به ما إن يستيقظ؟
فردَّ الملك بملامح مُبهمة ونبرة جافّة.
-سيخضع للتحقيق حتى يُخبرنا بقصة جماعته كاملة وأسرارهم.
إستغرب جونغكوك من هذا القرار.
-ولكن مولاي؛ أحقًا تنوي ذلك؟!
-أمِن مُشكلة؟!
استنكر بيكهيون فيما يرفع حاجبًا، فتحدَّث جونغكوك.
-أعني هم أنقذونا من مخالب الموت، ولولاهم لما استطعنا رد المملكة.
ضحك بيكهيون في إستنكار وقال.
-إذًا يجب علي رد الجميل؟!
أخفض جونغكوك رأسه وقال.
-مولاي؛ آسف لو أنَّني تجاوزت حدودي مع جلالتك!
وقف بيكهيون وقصد نافذته، ثم قال.
-سنرد الجميل في وقتِه، يُمكنكَ الإنصراف!
غادر جونغكوك بهدوء بعد ذلك، ما كان يشعر جونغكوك بالرضا حيال قرارات الملك الأخيرة، لقد وعد بالحربِ أن يُرد لهم حقوقهم، وطلب منهم الوثوق به، لكن ماذا الآن؟
هو يُخطِّط لتدميرهم شيئًا فشيئًا، بِمُجرَّد ما ينقطع عنهم التمويل المالي سينتهي أمرهم، وسوف يكونوا عاجزين عن الصمود كثيرًا.
ليلًا؛ قصد الملك بيكهيون جناح جيهان؛ ليطمئن عليها بعدما مرَّ على رايناه واطمأنَّ عليها؛ إنها بخير ولا يبدو على تقاسيمها أيُ حُزن أو عزاء، كما لو كان تشانيول غيوم مُتلبِّدة بالسوادِ فوقها، وبزوالِه زال زمهريه، وأشرقت شمس الربيع، فأزهرت أخيرًا.
ولجَ إلى جناح جيهان بعدما أعلن حارسها عن وصوله. كانت على سريرها في سرابيل بيضاء مُذَّ أن وافت المَنيّة والدتِها، تبدو تعيسة جدًا وذابلة جدًا كما لو أنها على حافةِ الموت.
كانت عندها بيكهي أيضًا، التي ما إن رأت والدها يَلِج وقفت تُخفض رأسها بإحترام رُغم أنَّ بدنها تختلجه حرارة الخوف والتوتر.
تجاهلها بيكهيون كُليًّا، وجلس بجوارِ جيهان يتكئ بمرفقه فوق رأسها، ثم ابتسم لها.
-متى سترتدي أميرتي الحُلوة ثيابها الملونة مُجدَّدًا وتعود لشقاوتِها ومُشاكستِها؟!
ألا يُمكنكِ فعل ذلك لأجلِ أبيكِ وأخوتِك الصِّغار؟!
نظرت إليه جيهان بعينيها المُتورِّمة وهمست.
-أمرُ جلالتك، سأفعل ما تشاء!
سُرعان ما نفى وأخذ يمسح على وجهها بلمسة حنونة.
-لا يا حبيبتي الصغيرة؛ أنا لستُ الملك هنا، أنا أبوكِ فقط. وأنا قلبي يوجعني كلما رأيتُكِ على هذا الحال تتعذَّبين!
ثم اتسعت إبتسامته وقال برفق.
-حسنًا استمعي... سأسمح لكِ أن تخرجي من القصر وتتنزهي في الجوار كما تتمنين مُذُّ نعومة أظافرك.
عليكِ أن تفهمي أنَّني أُقدِّم لكِ عرضًا مُغريًّا، مُذُّ أنَّني لطالما منعتك أنتِ وإخوتك من تجاوز أعتاب القصر مُذُّ ولدتُم، ستكوني حمقاء جدًا لو رفضتِ!
قهقهت جيهان لأولِ مرَّة مُذُّ فترة طويلة وأومأت.
-بالفعل؛ سأكون حمقاء لو رفضت، ولكن أيُمكنني أن أطلب أمرًا؟!
أومئ لها مُبتسِمًا.
-يُمكنكِ أخذ روحي لو شئتِ!
وضعت يدها على فمِه وقالت.
-لا يا أبي؛ طلبي بسيط.
ضحك بخفة وتسآل.
-ماذا تُريد مني سمو الأميرة؟!
نظرت له بِتردُّد ولكن همهمته إستعجلتها فهمست.
-أريد أن نذهب جميعًا، نحنُ الإخوة الخمس وأنت أيضًا، نأكل في مطعم شعبي، نشتري أغراضًا من البائعيين، ونمرح.
همهم يُفكِّر ثم أومئ موافقًا، وذلك جعلها تُعانقه بقوَّة وتُقبله، فضحك واتبع.
-لكن لدي شرط في المُقابل، عليكِ أن تنهضي الآن وتُبدلي ثيابك.
أومأت له، فطبع قُبلة على جبهتِها، ونهض قاصدًا الخروج، ولكن بيكهي إستوقفته حينما ركضت أمامه وجثت تتمسَّك بأطرافِ ثوبه.
-أبي؛ أتوسَّل إليكَ أن تُسامحني، الحياة لا تُطاق وأنتَ غاضبًا مني... أرجوك يا أبي أرجوك!
أمر بِغلظة دون أن ينظر إليها.
-قفي!
فامتثلت لأمرِه ووقفت قِبالته، فأزاحها من كتفِها عن طريقه وخرج، وهي راقبته حتى إختفى وهي تبكي.
-بيكهي!
فتحت جيهان ذراعيها لشقيقتها وعانقتها بقوة تقول.
-لا يُمكنني أن أُسامح نفسي لو سامحني، أنتِ على هذا الحال بسببي، ليتني تزوجتُ به ومنعتك عن أخذِ مكاني؛ فأنا بالنهاية لم أنل حُبي!
قالت جيهان ذلك بنبرة حزينة، فنفت بيكهي وقالت.
-ولكنني لا أندم عمّا فعلت، أنا بدأت أُحِب جونغكوك.
تبسمت جيهان وقالت.
-حقًا؟!
أومأت لها بيكهي، ثم مسحت دموعها تقول.
-صحيح؛ هل تعلمي أن جونغ إن بالقصر؟
صاحت جيهان.
-ماذا؟!
أومأت بيكهي وقالت.
-نعم؛ يُقال أنَّه مريض مُذُّ قيام الحرب!
-أين سأجده؟!
رفعت بيكهي سبابتها مُحذِّرة.
-أياكِ!
أبي لو فعلتِ لن يُسامحكِ أبدًا لو مهما حدث ومهما فعلتِ، أنتِ لا تُريدي أن يصبح حالك من حالي؛ أليس كذلك؟
تنهدت جيهان وأومأت فمسحت بيكهي على رأسها وقالت.
-لا تتورطي بالمشاكل مُجدَّدًا أبدًا!
أومأت جيهان لها وتنهدت بِعُسر، وفي تلك اللحظة تحديدًا في مكانٍ ما؛ فتح جونغ إن عيناه.
●●●
يُتبَع...
"زمهرير"
العنقاء||The Emperor's Return
11th/Feb/2022
.................
سلااااام❤
الشرط ما عم يتحقق، ولساتني بنشر عادي، ولكن التعليقات الفارغة أو المتكررة أو تعليقات الايموجيز المتكررة كمان كلها رح احذفها، لأنها مزعجة، فلا تتعبو بكتابتها ولا اتعبوني بمسحها لو سمحتم❤
الفصل القادم بعد150 فوت و400 كومنت.
*هذا الشرط إذا ما اتحقق ما بنزل*
١. رأيكم بِ:
١.هيريم؟
سعادتها بإستيقاظ سيهون؟
عِراكها مع سيهون؟
٢.سيهون؟
تكتمه على ما يعرفه في البداية؟
تجريده لنيريم من منصِبها وتعريضها للإهانة؟
٣.بيكهيون؟
تهدئته لابنته؟
قراراته التي ضد المتمردين؟
معاملته لبناته؟
٤.رأيكم بجونغكوك؟
ردة فعله على خبر زفافه؟
رأيه بأفعال الملك؟
٥.رأيكم برايناه؟
تأكدها من أن الجثة ليست لتشانيول؟
٦.رأيكم بجيهان؟
حالتها على وفاة خالها وكلامها مع أبيها؟
٧.رأيكم بكيونغسو؟
تلفيقه لتلك الكذبة أمام تايهيونغ؟
٨.رأيكم بتايهيونغ؟
ردة فعله عما فعله سيهون؟
٩.رأيكم بجاهي؟
علاقتها بسيهون ومواساتها له؟
١٠. رأيكم بجيهان؟
هل ستكست حيال تواجد جونغ إن بالقصر؟
١١. رأيكم ببيكهي؟
وحالتها؟
١٢.رأيكم بالفصل ككل وتوقعاتكم للقادم؟
دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤
Коментарі
Упорядкувати
- За популярністю
- Спочатку нові
- По порядку
Показати всі коментарі
(2)
CH30||زمهرير
كمليها بليييز
Відповісти
2024-02-18 12:13:24
Подобається
CH30||زمهرير
احيه الباقي فيننن
Відповісти
2024-04-14 18:53:41
Подобається