ما قبل الإحتراق
CH1||سياسة التَّمرُّد
CH2||الملك أيضًا أب
CH3||بِدء التنفيذ
CH4||كرامة الملك
CH5||تأثير الفراش
CH6||اسم الملك
CH7||الإمبراطور
CH8||نِصف قمر دموي
CH9||على حافة الهاوية
CH10||العرش يهتز
CH11||عصر من الظلام
CH12||قلبي يتمزَّق
CH13||جِراحُ المَلِك
CH14||العنقاء إحترق
CH15||شرانق عواطف
CH16||إبنة الكهوف
CH17|| الحب في سيماءه
CH18|| القلوب تبكي
CH19||الحيرة والحب
CH20|| المُفارقات
CH21|| البطلة
CH22||سيّدة التَّفرُّد
CH23||شُعلات حُب وحرب
CH24||كش ملك
CH25||خيبة
CH26||الحُب والحرب
CH27||ساعة الحِساب
CH28||عجز
CH29|| مُنكسرة الفؤاد
CH30||زمهرير
CH13||جِراحُ المَلِك
بيون بيكهيون (الإمبراطور)

بطل:

العنقاء || The Emperor's Return

"جِراحُ الملك"
















"بيكهيون أنا أُحِبُك"

ثم أغمضت ناري عيناها وأنسابت دمعة أخيرة على صِدغِها، بيكهيون نفى برأسه، لا يُريد لها هذهِ النهاية، ولا يقبل عليها هذا القدر، لا يُريد أن يخطفها الموت منه... لا!

رفعها بين يديه، وراح يُمسِّد على وجنتها براحته، الدموع في عينيه تُشوِّش بصرِه، لا يُمكنه أن يراها جيّدًا، كما ويشعر وكأن سكين إنغرست في قلبه... تؤلمهُ جدًا!

إرتجف ذقنه وتبلَّلت عينيه فيما يهمس لها.

"لا ناري، لا تنامي حبيبتي، لقد إشتقتُ لكِ، افتحي عينيكِ ودعينا نتحدَّث، ها؟!"

وبين إنهيار بيكهي لكثرةِ ما بكت وبُكاء التؤام الصغيرتين؛ بيكهيون رفعها ليضُمها بقوّة إلى صدرِه، وبكى بلا حِس على كتفها.

أخذ يضُمها، ويضُمها، ويضُمها، ويشتمَّها، ويُحدِّثها، ويتوسَّلها أمام أعيُن الجميع، ولم يُبالي إن بدى ضعيفًا بأعيُن الجميع أو حتى مُثيرًا للشفقة، ماذا بعد أن خسر حُب طفولته؟!

"ناري؛ لم تَكُ العشرين سنة التي قضيناها معًا كافيّة، أرجوكِ استيقظي!"

إقترب الوزير الأول جيون جونغكوك من الملك؛ بما أنَّهُ أقرب الموجودين إليه، ثم وضع يده على كتفه، وهمس يواسيه.

"مولاي؛ أطفالُكَ هُنا بحاجتك، تمالك نفسك رجاءً!"

رفعها بيكهيون عن صدره، ثم قرَّب شفتيه ليطبع على جبهتِها قُبلة، ثم شدَّ قبضتيه عليها وتفجَّر الغضب في عينيه؛ إذ أحمرَّت عيناه؛ لِتراكُم الدموع فيها وحِمم الغضب.

ضغط فكّيه ونبس غاضبًا حاقدًا ومقهورًا.

"سأنتقم لكِ، أعدُك!"

ضمَّها للمرة الأخيرة إلى صدرِه قبل أن يضعها على فراشها مُجدَّدًا، ثم حمل نفسه، وسحب السيف من على خصرِ سيهون، أراد الخروج وقتلِ من قتلَ زوجته، مهما كانت النتائج أراد أن يفعل ذلك، ولو قُتِل سيقتُل من سلبوها حياتها، وسلبوها منه.

خرج من الحُجرة يحكمه الغضب والفجع، وأراد أن يخرج من المكان بأكملِه، لكنَّهُ ما إستطاع، إذ حاصروه الحرس يمنعوه من الخروج وضَلَّ عالقًا في المُنتصف، وركض إليه القادة والوزير جونغكوك يقول.

"مولاي، الآن يحكمك الغضب، عليكَ أن تهدأ ثم تُفكِّر مليًّا بما عليكَ أن تفعله."

همس حينها بيكهيون بنبرة غاضبة ومُنخفضة، ما زال يُريد الذهاب وإن كلَّفهُ الأمر حياته، لا يهُم!

"إبتعدوا عن طريقي!"

تقدَّم منه جونغكوك.

"مولاي رجاءً...!"

صرخ بيكهيون بأعلى صوته حتى إنتفخت أوداجه، ولوَّح بالسيف نحو جونغكوك، الذي لم يتزحزح من مكانه، وانتظر أن يتلقى ضربة من السيف بيدِ الملك.

"قُلت إبتعدوا!"

لكنَّ بيكهيون تحكَّم بالسيف قبل أن يُدرِك جونغكوك فيما يتنفَّس بقوّة، ويرمق جونغكوك بغضب.

إقترب منه جونغكوك وسحب السيف من يده، ألقاه أرضًا وعانق صاحبه لمواساته في فاجعتِه، تنهَّد جونغكوك فيما يُربِّت على ظهرِ بيكهيون وهمس.

"لا يُمكنكَ أن تفعل شيئًا لو ذهبتَ الآن، يُمكنكَ أن تنتقم لزوجتك وتستعيد مُلكك، لكن رجاءً اصبر، علينا أن ندرس خطواتنا قبل أن نُقدِم عليها.

أطفالك بحاجتك، ومواليك بحاجتك، والناسُ هنا في هذهِ الجبال بحاجتك، وشعبكَ المخدوع بحاجتك.

كُلُّنا بِحاجتك... لو حدث لك شيء جميعنا سنهلك، نحنُ مسؤوليتك أيضًا، فكِّر بنا أيضًا رجاءً!"

كان بيكهيون يستمع إلى صديقه فيما يضع جبهته على كتف جونغكوك، ودموعه تُبلِّل وجنتيه بلا حسيس.

مسح على وجهه، ثم رفع نفسه عن جونغكوك، وربَّتَ على كتفه، ثم خرج من الكهف يسير بخطواتٍ مُتخاذِلة.

هيريم رمقته لآخرِ رَمق، شعرت بألمه وكم أن قلبه يحترق على فُراق زوجته، أوجعها قلبها عليه، وتمنَّت لو أنَّها لم تراه على هذهِ الحالة، تمنَّت لو أنَّهُ لم يكن في هذهِ الحالة، تمنَّت لو أن ظهره لم ينحني، ورأسه لم ينتكس، وقلبه لم ينكسر.

تمنَّت لو أنها تستطيع أن تذهب إليه وتواسيه، وتَمدَّهُ بالطاقة التي يحتاجها، تمنَّت لو أنَّها تستطيع، تنهَّدت مِلأ صدرها حزينةٌ عليه، ثم إلتفتت إلى رجالها.

"جهِّزوا لدفنِ الملكة"

"أمرُكِ سيدتي!"

ثم نظرت هيريم إلى تايهيونغ.

"اذهب خلف الملك، راقبه من بعيد ولا تُضايقه"

لم يُحبِب أن يتولّى تايهيونغ هذهِ المُهِمّة، لكنَّه لم يعترض، هذهِ ليست الظروف المُناسبة.

"أمرُكِ سيّدتي!"

...............

حملوا النَّعش؛ بيكهيون على كتفِه الأيمن، وجونغكوك على كتفِه الأيسر، وسيهون وجونغ إن من الخلف يحملونه.

كانت معالم بيكهيون مُظلِمة ولا تُفسَّر، فلقد خسرَ أهم شخص في حياته، وها هو يرفعها بنعشِها على كتفه.

قهرِ الرِّجال قاتل، وقهره هو عجزه، لقد عجز -وهو الإمبراطور- أن يحمي زوجته من كيدِ الأعداء، عجز أن يحميها من الموت.

وضع النَّعش بين أخشاب الأشجار وأغصانها، ثُمَّ سلمَّ جونغكوك الشُّعلة لبيكهيون فيما بيكهي المُنهارة تصيح وتصرُخ.

"أبي، لا تحرق أمي، أرجوكَ يا أبي!"

ولولا أنَّ بعض النِّسوة يُثبتنها لركضت إليه، وحاولت منعه بكل ما تقدر كي لا يُشعِل النّار بِجُثَّة أُمها.

"أبي أرجوك لا!"

لكنَّ بيكهيون وضع لوعته ولوعة أطفاله في صدره، وأختار الخلاص والسلام لزوجته فمرر على نعشِها الشُّعلة، ثم تراجع فيما يُراقب النّار تأكُل الجسد الذي يُحبُّه ويُحِب صاحبته.

رفع بصرِه للسماء، وسقطت من عينه دمعة، روح ناري تطفو بالأعلى، قد تكون حزينة وقد تكون سعيدة... لا يدري، لكنه إختار أن يبتسم لها رُغم كآبتِه ويهمس.

"وداعًا يا ناري!"

مسح على وجهه بكفيه، وعاد بنظره إلى النعش الذي تأكله النيران، سيبقى هذا المشهد عالقًا في ذاكرته مهما عاش، فلقد إتفق معها أنهما سيموتان معًا، لكن يد العدو الغاصبة إعترضت، وهو سيقُص هذهِ اليد مهما كلَّفهُ الأمر.

إلتفت بيكهيون إلى أطفاله، بناته الثلاث من ناري مُنهارات، بِكره والتؤام، تقدَّم منهن، وضمَّ التؤام الصغيرتين بين ذراعيه، وهُنَّ يبكين على كتفه، ولايان عاتبته.

"أبي، لِمَ أحرقت أمي؟!
لماذا فعلتَ بها هكذا؟!"

مسح على رؤوسهن بيديه وهمس لهن.

"أُمُّكن أصبحت في السماء، ولا يمكنني أن أؤذيها، وهذا فقط أصبح جسدًا فارغًا، ولتحصُل هي على السلام لا بُدَّ لي أن أجعلها ترحل هكذا."

أخذ بإبهاميه يمسح دموع بناته وبايان سألته ببراءة.

"أبي، ألن نرى أمي مجددًا؟!"

"بلى؛ سترينها صغيرتي، ستأتي لتزورك في أحلامك، وهي تراكِ الآن من السماء، فلا تُحزنيها، حسنًا؟!"

"حقًا؟!"

همهم لهن وابتسم، ثم هُنَّ عُدنَ إلى كُنفه، فالفتاتان صغيرتان على ظُلمِ هذا العالم ووحشيته، ولا يدركنه؛ لذا فإنَّ حُضن والدهن أكثر الأماكن آمانًا في العالم لهن.

رفع نظره إلى بيكهي، ووجدها تبكي بحرارة بين يدي جيهان، أشار بيكهيون إلى زوجته راهي؛ كي تتولّى الإهتمام بالتؤام، فأومأت له واقتربت لتأخذهن منه.

ثم بيكهيون إقترب لطفلتِه الكبيرة، سحبها من ذراعها وعانقها فيما يُربِّت عليها، واقترب من النعش يُراقب ناره، وابنته في كُنفه، لا يواسيها بالكلام، بل يواسيها بدفئه.

واسى أطفاله بينما يحتاج مواساة في مُصيبته هذه، بيكهيون رجل قوي وعليه أن يبقى قوي؛ لأنه ليس رجلًا عاديًّا؛ لإنه ملك والملوك حياتهم ضنك.

...............................

في القصر؛ مرَّت عِدةِ أيام وانقضت فترةِ الحِداد على الملك السّابق بيكهيون، وبما أن الحِداد شملَ بقية الأُمراء وولي العهد على وجهِ الخُصوص؛ فلم يبقى أحد يخلف الملك الرّاحِل سوى الأمير الأول وقرينه تشانيول.

وهذا هو الإنتصار الكامل...

إذ كان الأمير تشانيول في جناحِه، ورِداء الملك مُفصَّل على قياسه ومرفوع على العارضة لأجله، تلتف حوله الخادمات وسيدات البلاط لخدمته وتلبيسه؛ فاليوم سيُعلَن ملكًا جديدًا على البِلاد.

كان يقف قِبالة مِرآتِه الطويلة، وإبتسامة مغرورة تعلو شفتيه وتحفُر غمّازيه، الإنتصار مرسوم على ملامحِه المُعبّأة بالغرور.

تراجعن عنهُ سيدات البلاط ما إن إنتهينَ من خدمته، ثم هو عاين مظهره في المرآة، يرتدي عباءةً ملكيّة وتاج الملك على رأسه، وعلى خصرِه سيف أجداده الملوك، من ملك إلى ملك إلى ملك؛ هو.

إغترَّ بإبتسامة ثم خرج من جناحه الذي إرتحلَ عنه، فلقد إحتلَّ قصر الملك بيكهيون وجناحه وحرمه وكل أملاكه، كل شيء كان للملك بيكهيون أصبح له حسب العُرف الملكي.

بجناحِ الملكة الأولى؛ ذلك الجناح الذي كانت تعيشُ فيه الملكة ناري أصبح الآن للملكة الجديدة، الملكة رايناه.

كانت تجلس أمام تسريحتها بعدما إنتهينَ سيدات البلاط من خدمتِها وتلبيسها، صرفتهن وأختلت بنفسِها في هذا الجناح الذي لا تشعر بالإنتماء إليه.

نظرت إلى إنعكاسها بالمرآة، ترى هذا الإحمرار حول حدقتيها، وجفونها المتورِّمة، مسحة الحُزن والكآبة التي على وجهها لا يُمكِن إخفائها

لكن ما الفائدة من حُزنها وألمها؟!
لا فائدة تُرجى منه، هي ضعيفة، ضعيفة للغاية أنها ترضى غصبًا أن تحل محل لا تملكه، وتبقى مع الرجل الذي قتل أخوها وعائلته ويتَّمها من سندها الوحيد في هذهِ الدُنيا.

ضعيفة لدرجةِ أنَّهُ لا يُمكنها أن تفعل شيء سوى أن تُطيع هذا الطاغية، الذي تعرفه كفاية لتحزر أنَّهُ سيزيد مُعاناة هذا الشعب فقط، ولن يكون الملك الذي يرجونه.

مسحت وجهها بكفّيها حينما أعلن حارس الباب أن تشانيول قد وصل.

فُتِحَ الباب لأجله، ثم دخل وكأنه وصل إلى هذا المكان بنزاهة، ليس وكأنه سفك دماء ظُلمًا، تقدَّم منها حتى أصبح يقف خلفها وهي تجلس أمام تسريحتها.

نظر لها عبر إنعكاسها فيما يضع كفّيه على كتفيها ويبتسم.

"من اليوم لن تعودي أميرتي، أنتِ ملكتي"

أخفضت رايناه رأسها وتنهدت بِعُمق، كلامه لا يزيدها إلا وجعًا، تشعر كم هي وقحة ودنيئة لتخضع له.

إنخفض هو بجذعِه نحوها، وطبع على رقبتِها قُبلة، جعلتها تشيح بوجهها وكتفها ينشز، كذلك قبضتها أشتدت ودمعة من عينها تحررت.

إبتعد عنها قليلًا، ثم أمسك بها من عِضدها بقوّة لتقف أمامه، أنَّت مُتألِّمة بسببِ شِدَّةِ قبضتِه عليها قبل أن تقف أمامه كما يُريد.

رأى دموعها وتلك الكآبة التي تُعبّئ معالمها فتنهد مُستاءً ورفع يده نحو وجهها يمسح بإبهاميه دموعها بقسوة وجعلها تألمت أكثر من قبل، فدفعت بيده عنها.

"دعني! أنت تؤلمني!"

شهقت بخوفٍ واتَّسعت عيناها حينما رفع يده ناحية وجهها، لكنَّهُ قصدَ تهديدُها، إذ ضمَّ أصابعه في قبضة وجعل سبابته واقفًا قُرب وجهها، ثم بدَّد بنبرةٍ جادّة فيما يرمقها بغضب.

"حُبي؛ تأكدي لو أنَّكِ خُنتِ ولايتي أو خُنتِني بأي طريقة كانت لن أتردد أن أعطي هذا الجناح لملكة جديدة، وأنتِ سأجعلكِ تذهبين برحلة لزيارةِ أخاكِ"

أفلتَ يدها بقسوة، ورايناه تمسَّكت بيدها تدعكها مُتألِّمة فيما ترمقه بغضب.

"اتبعيني حالًا وتصرَّفي بطريقة تليق بمقامك"

خرج تشانيول وهي وقفت لتتنهَّد بقوّة، مسحت وجهها بكفّيها ثم خرجت تتبعه إلى البلاط الملكي.

وقفت إلى جانبِ تشانيول خلف بوّابة البلاط الملكي، حيثُ ستُقام مراسم التنصيب للملك الجديد.

وقفت على يمينه تخلفهُ ببضعِ خطوات، ثم فُتِحَت البوّابة ووقف جميع الوزراء الذين يرصعون أفواههم بأبهى الإبتسامات إحتفاءً بإنتصارِ مولاهم.

إنحنى الجميع لتشانيول، وضلّوا يخفضون رؤوسهم حتى صعد نحو العرش وجلس عليه، شعر بالحماسة تستشري فيه، ونوعٌ من القوّة الذي لم يختبره من قبل ينتشر في بدنه، لقد كان سعيدًا جدًا وفخورًا جدًا.

نظر إلى رايناه التي ما زالت واقفة، هذا ليس مكانها، فكيف تجلس عليه؟!
لكن الأمور لا تسير كما تشتهي، فقد إجتذبها من مِعصمها وأجلسها غصبًا بجوارِه، ثم أشار لرجال البلاط أن يرفعوا رؤوسهم.

صعد الدرجات نحو العرش شاب صغير الهيئة، لكنه يملك عقلًا ماكرًا كفاية؛ ليشغل منصب الوزير الأول؛ الوزير الأول بارك جيمين.

رفع الوزير الجديد يديه وراح يهتف.

"يحيا جلالة الملك تشانيول المُعظَّم!"

والناس في البلاط يرددون خلفه.

"يحيا!"

رفع تشانيول يده ليسكتهم، ثم نظر نحو وزيره.

"أعلن عن اسم الملك الجديد في كل أنحاء المملكة والممالك الأخرى جميعها، وزِّع على الشعب الهدايا من خزنة الدولة، ولتُقام إحتفالات تنصيب الملك الجديد لثلاثةِ أيام"

إنحنى له جيمين بولاء.

"أمرُكَ مولاي!"

نظرت رايناه نحوه ثم نحو الملكة التي أصبحت الملكة الأرملة تاي هان، تكاد سعادتها تفوق سعادة أخيها بتنصيبه ملكًا، ولا يبدو -ولم يبدو- عليها أيُّ حُزن لأنَّها فقدت زوجها الملك بيكهيون وابنتها الأميرة جيهان.

قبضت رايناه على قُماش عباءتها الملكيّة فيما تتلقى التبريكات لإعتلائها العرش، أمسك تشانيول بيدها بغتة وهمس لها.

"سنعلو هودج معًا، ونسير بين الناس في العاصمة، أنتِ لستِ بحاجةِ سماع تهديدي مُجدَّدًا، أليس كذلك؟!"

تنهَّدت وما منحته جواب، فأنهضها وأخرجها معه فيما يتبعهما الجميع، صعد الهودج الملكي وجعلها تصعد بجواره، ثم بدأت الجولة بين الناس بين الأحياء وفي السوق.

إذ أخذ تشانيول بصفته الملك الجديد الذي يحبه الشعب يرميهم بقطع الفضّة والذهب ويلوح لهم، ويده الأخرى لا تُحرِّر رايناه.

بدى على الناس السعادة بتنصيب تشانيول ملكًا عليهم، تعذرهم؛ فهم بُسطاء التفكير، لا يفقهون بأمورِ السياسة شيء، وفوق ذلك فهي تعلم أن تشانيول قد دَسَّ بينهم من يحرّضهم على أخيها الملك ويجعلهم بصفِّ زوجها.

لكن رغم ذلك؛ ما كانت لتُمرِّر أن يُقدم أحد على الإساءة لأخيها وهي لا تفعل شيء، إذ سمعت أحدهم يقول فيما يمر فيهم الموكب.

"أخيرًا تحقَّق ما تمنيناه، لقد أصبح الأمير تشانيول ملكًا علينا، وذلك الذي حكمنا لعشرين عامًا وهو ديوث وأب لإبنة عاهرة تخلصنا منه أخيرًا!"

"توقَّف!"

صاحت رايناه فتوقف الموكب، تمسَّك تشانيول بيدها كي لا تُحدث فوضى، لكنَّها تفلَّتت منه وترجَّلت عن الهودج.

"احضر لي ذلك الصعلوك!"

أشارت رايناه نحو الرجل الذي كان يُثرثر، فنفَّذوا الحرس وألقوا به عند قدميها، وهو أخذ يتوسَّل مُعتذرًا فيما يفرك كفّيه ببعضهما بتذلُّل.

"مولاتي أرجوكِ اصفحي عني، أنا آسف!"

تقدَّمت منه رايناه وقالت.

"أنت ماذا قُلتَ بحقِّ الملك الرّاحِل بيكهيون وبحق الأميرة بيكهي؟!"

أخذ ذقن الرجل يرتجف وهي همهمت لكنه لم يجيب، حينها أشارت للحرس برفعه وقالت.

"أتعلمون ما عقوبة التعدّي على شخصيّة ملكيّة؟!"

إلتفتت إلى الناس وقالت.

"الجلد مائة جلدة"

عاد الرجل ليتوسلها وهي يبكي لكنها أكملت بصوتٍ جهور دبَّت به القوة من حيثُ لا تدري.

"أيٌ من النّاس يتعدّى لفظيًا على شخصيّة ملكيّة سيتم تنفيذ هذا الحُكم فيه دون رحمة، ولتعلموا أنني لا أقول كلامًا فارغًا؛ فأني آمُر بأن يتم جلد هذا الرجل في هذهِ الساحة والآن، وليكن عبرة لمن لا يعتبر منكم!"

وبين توسلات الرجل وإنتشار الرعب بين الناس من هذهِ الملكة صعدت إلى الهودج ثانيةً وتلقَّت غضب تشانيول الذي يكبته غصبًا، ولكنَّهُ أمام العامّة إكتفى بأن ينبس لها في غضب.

"أنتِ حقًا تُثيري غضبي، المشكلة أنكِ نسيتِ أن بيكهيون ما عاد موجود ليعُد الكدمات على جسدك"

نظرت إلى تشانيول وقالت.

"هذا قانون يُطبَّق مُذُّ الأزل، وأنا لم أفعل شيئًا يضرُّك شخصيًّا!"

أومئ لها، لا مقتنعًا بل مُهدِّدًا ونبس.

"صبرًا يا ملكتي، الليلة سنحتفل معًا بمُناسبة تنصيبنا ملك وملكة، والليلُ بلا شك سيكون طويل!"

تنهَّدت رايناه بِعُمق، لا بأس؛ سيضربها؟!
فليفعل، لكنَّها لن تبقى تمثالًا يفخر به ويجول به هنا وهناك.

آتى الليل فعلًا؛ وكانت رايناه ترتدي رداءً أبيض من الحرير إستعدادًا لتخلُد إلى النوم، فلا؛ هي لن تنتظر تشانيول، وتأمل ألا يأتي.

لكنه آتى؛ إذ فتح عليها باب الجناح بقوّة وصرف الجميع، وقفت رايناه قُربَ السرير فيما بدنها يرتجف، لكنها حاولت أن تبقى قويّة الآن.

"تشانيول..."

قاطعها يضع سبابته على شفتيها، ونبس بعصبيّة.

"مولاكِ، أنا المك... أم أنَّكِ لا تعترفي بي ملكًا؟!"

أبعدت يده عنها ثم همست.

"عُد حينما تهدأ، لا أدري لِمَ كل هذا الغضب وأنا لم أفعل شيئًا سوى تطبيق أحكام المملكة"

فجأة؛ قبض على شعرِها واجتذبها بقوّة إليه فصرخت، وهو نبس.

"ماذا؟! هل أصبح للقطة لسان؟!"

رمى بها بقوّة على السرير، وما أستطاعت أن ترفع نفسها فلقد أصبح يُحاصرها ببدنِه، ويُقيّد مِعصميها قُربَ رأسها.

"ما رأيكِ لو نصصتُ على قانونٍ جديد؟!
يقول أن للناسِ حق في شتمِ وسبِّ وقذفِ عِرض الملك الرّاحل العزيز، فابنته باغية وهو ديوث جبان"

نظرت إليه بلا تصديق ونبست.

"أنتَ تتجاوز حدودكَ زيادة!"

"ومن سيردعني جلالتك؟! أنتِ؟!"

حاولت إفلات نفسها منه، لكنَّها لم تقدِر، إذ أخذ يضع من وزنِه عليها أكثر، وذلك ما جعلها تشهق وتئن مُتألِّمة.

"ابتعد عنّي يا تشانيول، أنتَ تخنقني!"

صرخ بها بقوّة قائلًا.

"مولاكِ!"

نظرت إليه بمعالم تتألَّم وهو ردَّد.

"أنا مولاكِ... المولى، قوليها حالًا!"

لكنها لم ترد وأشاحت بوجهها عنه، فصرخ بها مُجددًا يقول.

"أمرتُكِ أن تقوليها!"

أخذ قلبها ينبض بقوّة واضطرب تنفُّسها، لكنها لم ترضي غروره ولو بكلمة، تعلم جيدًا، أنَّها من تستطيع أن تكسر غروره، فقط هي... لأنه دومًا يسعى إليها وإلى إعترافها، إلى مشاعرها ونظرتها له، يسعى إلى كل شيء منها، يريد كل شيء منها.

لو إعترفت به كملك لن يهتم لإعتراف أحدهم أو إنكاره، لكن طالما هي لا تعترف لن يشعر بأنه ملك، سيبقى يشعر بالنَّقص.

أومئ فيما يتنفَّس بغضبٍ عليها وقال.

"لا تعترفي إن كنتِ ستستطيعين!"

ثم بقسوّة فتح ثوبها، ويده أخذت تهوي عليها في كل رُكنٍ ومطرح، أخذت تصرخ رايناه لقسوة ما تتعرض عليه من بين يديه، تحاول الفرار من أسفله وتحاول تحاشي ضرباته، لكنها لا تقدر عليه.

وهو كان أعمى كُليًّا، لا يدري ما يقترف، فاليوم تحقَّق حُلمه لكنه يشعر بنقصٍ لم يشعر به طيلة حياته بسببها، بسببِ أنها لا تعترف.

كانت تصرخ من شدّة الألم، وهو يصرخ بها.

"قوليها! قولي أنني الملك، قولي أنني مولاكِ، قولي أنَّكِ تُحبّيني، قولي وإلا قتلتُك!"

كانت تدري رايناه لو أنها قالت الكلمات الذي يرغب بسماعها هذا العذاب سينتهي، لكنَّها لم تمنحه مطلبه، صرخت بسببِ الألم، ولم تقول ما أراده حتى فقدت الوعي بين يديه.

رفعها من كتفيها حينما توقفت عن الصُّراخ فيما ينظر إلى وجهها الذي ينفُر دماءً، ثم ألقى بها على السرير بقوّة فيما يصرخ.

"أنا أكرهك، أكرهك كثيرًا أيتُها الفاسقة!"

لكنها بدت كالجُثث تمامًا، وتشانيول مريض بها، متوعك إلى أقصى حد، رفعها بين يديه وضمَّها إلى صدره فيما يصرخ.

"أحضروا الطبيب فورًا!"

أخذ يضمُّها بين يديه ويضمُّها ويبكي، لأنه يشعر بكرهها له، يشعر بكم تمقته، وكم هي لا تريده.

...................

عودةً إلى المَقر؛ فلقد إجتمع الملك بيكهيون بقادةِ جماعة القمر الدموي، كذلك الوزير الأول جونغكوك، وقائد هذا المقر تحديدًا في قاعةِ الإجتماعات.

وصلت الأخبار للملك، وسمع الموقف المُشرِّف، الذي قامت به أخته بشجاعة، رغم أنَّهُ يعلم -كما تعلم هي- أن عواقبه ستكون وخيمة.

وبما أن القادة انقذوا حياة الملك؛ فللآن تنتهي مُهمتهم الرئيسة، وبعد الآن ستبدأ الخُطّة السياسيّة، التي يضعها الملك بيكهيون والوزير الأول جونغكوك.

إذ كان الملك بيكهيون على رأسِ الطاولة يجلس، فيما يشابك أصابعه فوقها، ويترأس الإجتماع بهيبته الملكيّة.

"علينا أن نجمع الحلفاء ونضع المواليين لنا في صفوف تشانيول؛ لنكشف نقاط ضعفه كحاكم، وندُس في خُبزه السُّم"

"لكنَّه لِتَّو تسلَّم العرش يا مولاي، ألسنا بحاجةِ بعض الوقت لندري بشأنِ هذهِ الأمور؟!"

نظر بيكهيون إلى هيريم التي سألته ونفى قائلًا.

"لا يا هيريم، لا نحتاج... أدري أنَّهُ مُتحمِّس كفاية ليعلو عرشي ويتصرَّف بمملكتي كما يشاء، سيرتكب الأخطاء سريعًا، وسيرتكب الكثير من الأخطاء"

لقد إستمعت إليه هيريم جيدًا، لكنه لأولِ مرة أن يلفظ اسمها دون أن يقول البربرية أو أي من هذا القبيل.

ولأنها أحبت اسمها جدًا من فمه إنتشرت الحُمرة في خدّيها واشتعلا خجلًا، فقرص جونغ إن خصرها، وبالقوّة كبتت صرختها، لكنها توعدت له لاحقًا، وجونغ إن همس لها.

"ماذا لو قال حبيبتي؟! ستتحولي إلى بُخّار، سيطري على نفسكِ!"

ضربته بمِرفقها، ثم إلتفتت إلى الملك بيكهيون، الذي يشرح بعض الأُسس السياسيّة لهم، ورغم أنَّها لم تكُ واعية كفاية لما يقوله، لكنها إستمعت له.

والخطوة الأولى لإستعادة العرش أصبحت تفهمها، والخُطَّة وِضعت.

من الأربعِ جهات وفي الليل الدّامس حوصِرَ المعبد، حيثُ يتضرَّع جونغداي المعزول عن منصبه كذلك ايشينغ بأمرٍ من الملك الجديد بغرضِ التوبة والعِقاب.

يقود سيهون من جهة، وجونغ إن من جهة، وكيونغسو من جهة، وهيريم من جهة، وبحذرٍ تسلَّقت الفرق الأربعة حصون المعبد وتسلَّلوا إلى الدّاخل رويدًا رويدًا.

إتَّبعوا إشارة المُخبِّر الرّاهب التابع لهم في هذا المعبد إلى حيثُ جونغداي وايشينغ محبوسين للتضرُّع، حاصروا البوابة وآخرون كانوا لحراسة المكان ومراقبته.

فتح الرّاهب لهم الباب، وبان من خلفه جونغداي وايشينغ بأزياء الرُّهبان التُّرابية، وبرؤوس صلعاء لامعة.

إلتفت كلاهما سريعًا ووقفا بوضعيةِ الهجوم، فلقد دخل عليهم خمسة مُلثَّمين يتقدمهم واحد منهم، فيما جونغداي قال.

"من أنتم؟! ومن بعثكم؟!"

لكن ما إن أنزل الرجل، الذي في المُقدِّمة، لِثامه حتى تهاوت دفعاتهما، وبلا تصديق همس كلاهما معًا.

"جلالتُك!"








............................

يُتبَع...

الفصل الثالث عشر "جِراحُ الملك"
الرواية التّاريخيّة "العنقاء|| The Emperor's Return"

30th/Apr/2021

.............................

سلاااااااااااام

كل عاموانتو بخير و بصحة وسلامة وباليُمن وبالبركات، تقبل الله طاعاتكم وصيامكم وتقربكم منه.

وهيك الحمد لله وبعد نهاية رمضان فيني أرجع أنشر زي الأول وأحسن لسببين:

الأول: هيبتها صارت مكتملة بالمسودات فصارت العنقاء هي الرواية الرئيسية.

الثاني: إنو خلال فترة رمضان كتبت فصول من الروايتين العنقاء وسكرتيرة أبليس وجاهزين للنشر.

بشرط واحد.... تفاعلوا وحققوا الشرط بسرعة.

إن شاء الله من الفصل الجاي ح تكون الفصول أطول، هذا الفصل بطول ثلاث آلاف كلمة، القادم ح يكون خمسة حتى نهاية الرواية.

وشيء أخير، هيك بنكون خلَّصنا ثُلث الرواية👏👏👏👏

الفصل القادم بعد 100 فوت و150 كومنت.

1.رأيكم ببيكهيون؟

ردة فعله على وفاة ناري؟

مواساته لأطفاله؟

كيف ستكون خُطَّته؟ توقعاتكم؟

2.رأيكم بجونغكوك؟

مواساته لبيكهيون بصفته صديق؟!

3.رأيكم بتشانيول؟!

عُنفه وتناقضه بمعاملته تجاه رايناه ومشاعره لها؟

4.رأيكم برايناه؟!

تذبذبها بين القوة والضعف؟!

5.رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟!

دُمتُم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤

© Mercy Ariana Park,
книга «العنقاء/ The King's Return».
CH14||العنقاء إحترق
Коментарі