ما قبل الإحتراق
CH1||سياسة التَّمرُّد
CH2||الملك أيضًا أب
CH3||بِدء التنفيذ
CH4||كرامة الملك
CH5||تأثير الفراش
CH6||اسم الملك
CH7||الإمبراطور
CH8||نِصف قمر دموي
CH9||على حافة الهاوية
CH10||العرش يهتز
CH11||عصر من الظلام
CH12||قلبي يتمزَّق
CH13||جِراحُ المَلِك
CH14||العنقاء إحترق
CH15||شرانق عواطف
CH16||إبنة الكهوف
CH17|| الحب في سيماءه
CH18|| القلوب تبكي
CH19||الحيرة والحب
CH20|| المُفارقات
CH21|| البطلة
CH22||سيّدة التَّفرُّد
CH23||شُعلات حُب وحرب
CH24||كش ملك
CH25||خيبة
CH26||الحُب والحرب
CH27||ساعة الحِساب
CH28||عجز
CH29|| مُنكسرة الفؤاد
CH30||زمهرير
CH27||ساعة الحِساب
بيكهيون تيمور خان (الإمبراطور المغولي على اليوان الصينيّة)

بطل:

العنقاء|| The King's Return

"ساعة الحِساب"

...

إنتهت الحرب بالفعل، وكل شخص عاد لمكانِه الأصلي... هكذا يتوجَّب أن تسير الأمور؛ لكن كيف سارت؟!

ما زال بيكهيون يقف على مَنصَّةِ القصر، التي من خلالِها يرى أحوال الناس حول القصر، خلف البوابة الأماميّة الكُبرى تحديدًا يقف.

ما زال يرتدي دروع الحرب، ويحمل بيدِه سيفه، الذي شرب دماءً كثيرة... أكثر مما يستطيع أن يَعُد.

جروح في جسدِه وأخرى في كبدِه، الآن يشعر بالندم؛ لأنه أراد أن يستعيد عرشه؛ فلقد كان كل ذلك على حسابِ رعيَّته، التي دفعت ثمنًا باهظًا جدًا؛ أرواحهم وأرواح أحباءهم.

-يحيا جلالة الملك العظيم بيكهيون تيمور خان!

هتف صوتٌ غليظ من خلفِه يعود لرِجُل؛ فإلتفتَ وإذا بحاشيته، التي تعيش بالقصر، كلهم يجثون أرضًا تبجيلًا له.

تبسَّم في سُخرية رغم أنَّ معالم وجهه تتداعى حُزنًا.

-أنتُم مثل قطيع من الضِّباع؛ إن لم تقدروا على قتلِ الأسد تنكسون رؤوسكم له!

سار دون أن يقبل تحيَّتهم، وذلك يعني أنَّهم عليهم أن يبقوا جاثين أرضًا حتى يقبل، وهو لا يُفكِّر أن يقبل.

ولج إلى قصره وتفقَّدَ أحواله، مرَّ بالبُحيرة الفارقة بين حرم النساء وبقيةِ القصر، كان لأجلِ أطفاله الصِغار قد أمرَ بتربية بعض البط والأوِز فيها؛ ولكن كما يبدو أنَّ البطَّ سُلِبَت منهُ حياته.

كلما مرَّ بحارس جثى على رُكبتيه إحترامًا له، وكُلَّما مَرَ بإمرأة إنحنت؛ لكن هُنَّ لم يَكُنَّ نِسائه، نساء مُختلِفات.

أوقف إحدى سيدات البلاط المُتجمهِرات في مَسيره وسألها.

-أين رايناه؟

-إنها في مخدعِ الملكة ناري، بات ملكها بأمرِ الملك تشانيول.

وعت على زلَّةِ لسانها مُتأخِّرة؛ إذ وضعت يدها على فمِها بخوف، لكن الملك بيكهيون همس يومئ.

-لم تُخطأي، لقد كان الملك بالفعل.

إنحنت له مُجدَّدًا بينما يعبرها إلى جناحِ الملكة رايناه كما حال الكُل. أدرك المخدع وأدركهُ كل الحنين والذكريات القديمة، تذكَّر كلمات ناري الأخيرة، وتذكَّر وجعه على فُقدانِها، وكما أوجعه تشانيول بزوجتِه سيوجعه.

-جلالة الملك بيكهيون تيمور خان وصل إلى هنا.

أعلن حارس المخدع، فنهضت رايناه عن سريرها والدموع تتلألأ في عينيها، لقد علمت نتيجة الحرب الآن وأسرَّتها؛ ولكنها تمتلك خوفًا في صدرِها.

إنفتحت البوابة، وأطلَّ عليها أخوها الملك بيكهيون بثياب الحرب والدماء تُغطيه. لم تُفكِّر بشيء سوى أن تُسرِع إلى أخيها، وتُعانقه بشِدة، أخيها الذي لم ترى له طيفًا مُذُّ قرابةِ العام.

عانقته بشدة وانتحبت على صدرِه بوجع، قلبها ينبض بقوَّة، عيناها تنزف، وجعها واضح ويؤلمه.

-أخي؛ لقد اشتقتُ لكَ كثيرًا. صدِّقني يا أخي أنَّني لم أستطِع أن اُنصرُكَ بشيء، أنا آسفة لأنَّني ضعيفة وبلا فائدة!

عانقتها ذراعاه بشدة، ثم استمعت إلى نغم صوته أخيرًا.

-لا تقولي ذلك عن نفسك؛ لقد ساعدتِني. لولاكِ لما صمدتُ بهذهِ الحرب واسترجعتُ عرشي، لكانت طبقة النُبلاء منعتنا؛ لكنَّكِ أزحتِ أصعب مُهِمَّة عن طريقي، شكرًا لكِ!

إستمرَّ العِناق والبُكاء؛ ولكن بقيَ أمرًا لحوحًا في نفسِ رايناه، لا يُمكنها تجاوزه؛ إذ تمتمت وهي تُخبِّئ وجهها من العارِ في صدرِ أخيها.

زوجها جلب العار لها، ولابنه الذي لم يولد بعد، وعلى من؟

على شقيقها الوحيد، الذي لا يمكنها مواجهته بصفتها زوجة عدوَّه؛ لكنَّها لا تستطيع أن تتجاهل مشاعرها، ما زال تشانيول زوجها.

-أخي؛ ماذا حدث لزوجي؟

رفعت وجهها عن صدرِ أخيها، والقلق يتمردغ فيه.

-هل قتلته؟

أغمضت عيناها حينما رأت يد بيكهيون ترتفع، لكنَّهُ مرَّرها بلطف على وجنتها وهمس.

-ليس بعد.

-ليس بعد؟!

كرَّرت خلفه تستنكر، فأومئ لها مؤكدًا، ثم طبع على جبهتِها قُبلة مواسية. لا يُمكن تصريف ما فعله تشانيول إلا بالقتل؛ لقد إرتكب جريمة الخيانة العُظمى وعقوبتها معروفة؛ الموت.

خرج من عندِها وقصد مجلسه، لم يتغير به شيء إلا ولاءه، والأماكن كما معظم البشر لا تعرف الولاء.

أمام العرش رأى رَجُلان جاثيان يُقدِّمان الإحترام المُسبَق. صعد بيكهيون نحو عرشه، وجلس عليه، رُبَّما هو الملك الوحيد، الذي جلس على عرشه وهو مُلطَّخ بالدِّماء.

نظر إلى الرَّجُلين وسُرعان ما ميَّزهُما.

-جونغداي وايشينغ؛ يُمكنكما النهوض.

نهض كلاهما ثم إنحنيا له مُجدَّدًا يُرحِّبان بصوتٍ جهور.

-عدتَ إلى مكانِك الصحيح جلالتك؛ أهلًا بعودتك!

إستطرد بيكهيون بعدما تنهَّد.

-أحسنتُم عملًا؛ لقد سيطرتُما على القصرِ من الداخل بينما يحاول القائد جونغ إن إقتحامه، لقد أحسنتُم صُنعًا بمساعدته!

-العفو يا مولاي!

نهض عن عرشه، ثم ترجَّل عنه بأعتياديّة وكأن حربًا لم تُقام ليستعيده، لا شوق لهذا الكُرسي، الذي بسببِ جاهه وسُلطته الكثير من الناس فقدت حياتها.

-انصبوا منصَّة الإعدام الآن... حان وقتُ الحِساب!

-أُمرُ مولاي!

خرج بيكهيون من القاعة الملكيّة قاصدًا جناحه رُغم أنَّهُ مُتأكِّد بأنَّهُ ما عاد له. دخل إليه واشتم رائحة تشانيول في كل مفَرق فيه.

-لا أُريد هذا الجناح بعد الآن، سآخذ جناح غير هذا!

-أمرُ جلالتك!

إنحنى الخدم إليه، وهو خرج يقصد جناح الملكة راهي، سيستخدمه مؤقتًا حتى يجهزوا له مخدعًا جديدًا.

أخذ حِمامًا دافئًا بعونِ خدمه وسيدات البلاط، لم يشتاق لهذه الرفاهية، لكن رغم ذلك هي من حقه، ووحده من يستطيع تولي السُلطة... لا أحد غيره.

ألبسوه خدمه ثيابًا ملكيّة جديدة، ثم تكوَّنت له حاشية من الخدم جديدة تتبع خُطاه أينما حَل. وضع تاجه أخيرًا، شعر برأسه ثقيل، ثقل هموم الشعب أجمع... الكثير من العمل يجب تأديته وفي أسرعِ وقتًا مُمكِن.

-مولاي؛ العائلة المالكة والوزير الأول جيون جونغكوك قد وصلوا إلى القصرِ توًّا!

تريَّث بيكهيون في الرَّد، كان عليه أن يُفكِّر جيدًا بما يُريد أن يفعله بشأنِ عائلته؛ الأولى أن يبدأ الحِساب بهم.

-أخبرهم أنَّني أريد أن ألتقيهم في المجلس الخاص.

أنحنى الرَّجُل إليه ثم غادر، ثم بيكهيون تنفس بِعُمق رُغم أنَّهُ يبدو غاضبًا جدًا؛ فقلبه الآن مثل فوهةِ بُركان، وسيقذف كُل حِمَمَه خارجه، ويحرق بها كُل من يستحِق.

دخل الملك إلى المَجلس الخاص بعدما أصدر أمرِه بلقاء أفراد العائلة المالكة أجمع؛ يتضمَّنهم ما لم يأتوا معه؛ الملكة تاي هان ورايناه.

وقف الجميع إحترامًا لصاحبِ الجلالة حينما أعلن حارس المجلس عن وصوله.

-الملك بيكهيون تيمور خان شرَّفكم بحضوره!

تقدَّمَ بيكهيون حتى جلس على عرشه، وجلس الجميع من بعده، ثم نظر ناحية عرش الملكة الراحلة ناري؛ فارغ وبارد وكئيب... ذلك الوجع أبدًا لن يخمد.

أبعد بصره عنه، ونظر إلى العرش الذي يجاوره، حيث تجلس الملكة تاي هان، وترتجف رُعبًا، لا تدري ما الحُكم الذي سيصدره الملك بحقها، أيمكن أن يكون رؤوفًا ويعفو عن حياتِها؟!

تشك في ذلك؛ ما زالت تذكر اليوم، الذي عاقبها فيه لأجلِ رايناه، لم يعرف يومها الرحمة ولا تظن أنَّهُ الآن سيعرفها.

ثم بجوارِ عرشها عرش الملكة راهي، التي تبتسم بفرح لأن زوجها عاد الملك، رُبَّما تكون الوحيدة السعيدة بعودته.

ثم نظر إلى يساره، حيث توضع العروش للأميرات؛ الأقرب منه للأميرة رايناه وهي تملأه الآن، الذي بجواره للأميرة بيكهي وأيضًا تملأه، والأخير لجيهان وتملأه؛ وثلاثتهن تعيسات، ويعلم أنَّهُ سببًا في تعاستهن في هذه اللحظة.

أمامه يركع الوزير الأول جونغكوك جيون، ورايناه قد إستغربت وجوده؛ فهو من الحاشية وليس من العائلة المالكة.

-مولاي؛ مُبارك عليكَ النَّصر!

قال جونغكوك؛ فأومئ له بيكهيون وأمره.

-اجلس في مكانك الجديد، بِتَّ الرَّجُل الوحيد في عائلتي!

رفع جونغكوك وجهه نحو الملك يستغرب وِدَّه؛ لكنَّهُ نفَّذ على آية حال، وجلس على مقعده، الذي كان سابقًا للأمير تشانيول؛ مقعد مُذهِّب على يمين الملك، يقع على مُنتصف الدرجات التي تقود إلى العرش الملكي.

ملأ جلالة الملك صدره بهواء القصر المُشذَّب برائحةِ الدماء، ثم قال في صوتٍ جهور.

-الملكة راهي ستصبح الملكة الثانيّة بدلًا من الملكة تاي هان.

وكلا الملكتين لم تكونا راضيتين بقرارِ الملك هذا؛ فتاي هان خسرت مكانها لراهي، وراهي رُغم أنَّها إرتفعت مرتبة ولكن مكان الملكة الأولى بقيَ شاغِرًا؛ لكن من يجرؤ على مُجادلة الملك.

نهضت تاي هان وجلست راهي في مكانِها دون أن تنبس أي منهما بصوتٍ مُعترِض على أمرِ الملك. وأما تاي هان فبقيت واقفة لسماعِ أوامر الملك بشأنِها.

بيكهيون نظر إلى تاي هان محض نظرة جعلتها تَغُزُّ بصرِها في الأرضِ خوفًا، وأشاح عنها في ذاتِ اللحظة، ثم نظر إلى جانبِ الأميرات وقال.

-رايناه ستبقى أميرة المملكة الأولى، ولكنَّها ستعيش في قصري هنا؛ وليس في قصر الأمير تشانيول.

وقفت رايناه وانحنت لأخيها الملك تنبس.

-أوامر جلالتك مُطاعة!

تبسَّمَ بيكهيون في وجهِها ثم أومئ لها، لكن إبتسامته زالت حينما نظر إلى الأميرة بيكهي، عقد حاجبيه في غِلظة وقال.

-كنتُ قد زوَّجتُ سابقًا ابنتي الأميرة بيكهي من الوزير الأول جيون جونغكوك؛ لذا الآن سينتقل كلاهما إلى القصر الشمالي في القصر الملكي، وحينما تهدأ أوضاع البلاد سأقوم بعقد زفاف جديد يليق بمقام ابنتي الأميرة وصديقي الوزير.

وقف كلاهما واخفضا رأسيهما له بإحترام، بيكهي كانت تضغط على يديها بشِدة والدموع عالقة بجفنيها، كما أنَّ جونغكوك مشدوهًا؛ فلقد خيَّرهُ الملك سابقًا وأختار، أيعني ذلك أنَّهُما نالا عفوه؟!

نظر الملك إلى جيهان وقال.

-وأما الأميرة جيهان؛ فهي ما عادت عزباء تمامًا، ولن أقبل لها أية عروض زواج، لقد خطَّبتُها غيبًا لإحدى الرِّجال.

أخفضت جيهان رأسها بإرتباك، كلام الملك يقع بين خيارين؛ الأول أنَّهُ لم يُخطِّبها حقًا بل إدعى ذلك؛ لتبقى وحيدة طيلة عُمرها ولا يتزوجها أحد، والثاني أنَّهُ سيُرغمها على الزواج برجلٍ لا تُريده مرةً ثانية، وهذه المرة لن تستطيع التنصُّل من أوامره.

قبضت يداها بشدة، وسقطت دموعها دون أن تنبس بحرفٍ واحد، ثم وقفت وانحنت له تتقبَّل أوامره.

-أمرُك جلالتك!

ثم بيكهيون نظر في الأرجاء وسأل، وأخيرًا قد بانت على شفتيه إبتسامة سعيدة.

-وأين صغاري الآن؟

إنطلق ولي العهد الصغير الأمير لي جون كما إنطلقن التؤام بايان ولايان إليه، وهو فتح ذراعيه لإطفاله ليستقبلهم بحضنه، هم فقط من لا ينحنون له وفي نظراتهم خوف، يركضون إليه كمجرد أطفال يركضون إلى والدهم.

عانق ثلاثتهم معًا وطبع قُبلات مُتفرِّقة عليهم.

-صِغاري الشُّجعان؛ صمدوا جيدًا!

أجلس كل فتاة من التؤام على قدم ووضع لي جون بين قدميه واقفًا، ثم إلتفت إلى أعضاء المجلس، وقد حان الوقت الذي سيصدر فيه أكثر قرارته قسوة.

-الملكة تاي هان؛ تعالي إلى هنا.

أتت تاي هان لتقف قِبالتِه أسفل سُلَّم العرش، وقالت.

-تحت أمر صاحب الجلالة!

وقف ثم وقف الكل من بعدِه، وضع يداه خلف ظهرِه، ثم بلا تَردُّد وبِلا قلب أعلن.

-الملكة تاي هان متواطئة مع أخيها الأمير تشانيول في الإنقلاب، الذي حدث؛ ولذا هي مُتَّهمة بخيانة الملك العُظمى.

ثم تريَّث قليلًا، وهبط عن العرش حتى وقف قِبالتها، نظر في عينيها التي تبكي خوفًا، واتبع بقسوة واختصار.

-وعقوبة الخيانة العُظمى معروفة!

سُرعان ما إنهارت عند قدميه وكمشت على ثيابه تبكي بشدة وتصرخ.

-لا جلالتك؛ أرجوك لا تقتُلني، صدِّقني أنَّني مثلي مثل رايناه؛ أنا لم أقدِر على منعه.

جيهان وقفت عن مقعدِها، ونظرت بألم نحو والدها، ولكن بيكهيون كان حريصًا ألا ينظر ناحية جيهان إطلاقًا، أحيانًا يتوجب على الملك أن يربط على قلبِه حجرًا ويُحقِّق العدالة؛ المُجرم يبقى مُجرِم ولو كان إبنه من صُلبِه.

لم يتحرَّك ولم ينظر إليها قط، وهي تنتحب عند قدميه، بل أتبع يأمر بنبرةٍ باردة ميَّتة الإحساس.

-خذوها الآن أمام القصر ونفِّذوا الحُكم أمام الناس؛ ليعلم الجميع أنَّني لن أُسامح أي شخص مِمَّن تسبَّبوا بهذهِ الحرب؛ وبدايةً بزوجتي هذه!

أشار القائد ايشينغ نحو رجاله؛ ليسحبوا الملكة في الحال؛ لتنفيذ حُكم الإعدام بِحقِّها، وهي لم تَكُف عن الصُّراخ والنحيب بِشِدَّة؛ وكأنَّهُ سيعفو عن حياتها لو ناحت.

سحبوها الرِّجال إلى ساحة الإعدام خارج بوَّابة القصر، حيثُ تجمَّع الناس المنكوبين هناك؛ ليستردوا قليلًا من حقهم في الإنتقام لأحبائهم، الذين خسروا حياتهم.

إنشقَّت البوابة، وظهر من خلفها القائد جانغ يقود الحرس؛ وهم يجرجرون الملكة إلى منصَّةِ الإعدام، وقد ألبسوها بعض النِّسوة غصبًا ثوبًا أبيض للمحكومات بالعقاب.

والملك وقف على المنصَّة، التي تطل على منصَّة الإعدام، من داخل القصر، بدى قاسيًّا لا يعرف الرحمة، بل لا يملك قلبًا.

-إن كان الملك قد أمر بإعدام زوجته وأم ابنته وحتى هي أيضًا إبنة عمِّه... تخيَّل ما الذي سيحصل على البقيّة!

تكلَّم أحدهم من عامةِ الشعب، ولقد شعروا بالإمتنان والعدل لأجلِ هذا الأمر؛ فهذا يعني أنَّ الملك لن يُسامح أي خائن مهما توطَّدت علاقته به.

وحيث يقف بيكهيون كانت جيهان آتية وهي تبكي جدًا.

-أبي؛ أرجوك لا تقتل أمي، أنا حتى لم أراها ولم أُقابلها مُذُّ عُدت، لا تقتُل أمي لأجلي يا أبي أرجوك!

تنهَّد بيكهيون حينما توجَّع قلبه على إبنته، حال تاي هان لا يُهمه إطلاقًا، لا يهم إن عاشت أو ماتت، لطالما لم تَكُن أولوية بالنسبةِ له، ولم يحمل لها أي شعور، هو قلبه يتوجع على إبنته فقط.

جثت جيهان أرضًا عند قدميه، وصياحها مزَّق قلبه تمزيقًا.

-أرجوك يا أبي، دعني أتحدَّث معها للمرة الأخيرة، دعني أراها!

إزدرئ الغصة في جوفه وهمس.

-اذهبي!

سُرعان ما نهضت، وركضت نحو بوابة القصر؛ تتبعها سيدات البلاط، اللاتي يخدمنها وبعض الحرس.

أشار بيكهيون إلى حارس البوابة أن يتركها تذهب، وايشينغ تنحَّى عن منصةِ الإعدام بإشارة من الملك، وأخفض رأسه بإحترام لسموِّها، جيهان إنطلقت نحو أمها تبكي وتركض حتى تمسَّكت بيديها.

-أمي؛ أرجوكِ سامحيني، لم أستطِع أن أُغيّر قرار أبي؛ أنا آسفة!

ردَّت تاي هان وهي تبكي.

-لا تتألمي علي، أنا قد أعتبرتُكِ ميّتة من الليلة، التي خرجتِ بها من القصر، حتى أنَّ عيني لم تدمع لأجلك، وأنتِ يجب أن تكوني مثلي، أنا لا أستحق عاطفتك، فأنا لم أكن أُمًا جيّدة لكِ أبدًا... أنا آسفة.

ثم أشاحت عنها؛ ولم ترضى أن تنظر لها مهما تشبَّثت بها جيهان وبكت.

-أمي، أنا أحبك. لن أكرهكِ أبدًا صدِّقيني، سامحيني أرجوكِ!

أمر بيكهيون من الأعلى.

-احضروا الأميرة إلي!

أومئ ايشينغ بطاعة، ثم اقتربن سيدات البلاط يسحبونها رغمًا عنها إلى داخل القصر، وجيهان لم تتوقَّف عن البُكاء والصُّراخِ أبدًا.

-أمي؛ ألا تسمعيني؟
أجيبيني أرجوكِ، أمي!

أغمضت تاي هان عينيها وسالت دموعها للمرة الأخيرة قبل أن يلبسوا رأسها كيسًا قُماشي، وانهارت جيهان أكثر ورُبما جرحت حُنجرتها لكثرة ما صرخت.

-أمي لا!
أرجوك يا أبي، أرجوك لا تقتل أمي، لأجلي لأجلي!

سحبوها رُغمًا عنها حتى وصلت والدها، وخلفه يقفون أفراد العائلة المالكة أجمع، أمسك بيكهيون بمعصمِ إبنته يجذبها إليه، ودسَّها في حُضنه ويده تتمسك برأسها كي لا ترى ما سيحصل لأُمها الآن.

-اقتلني بدلًا منها، أرجوكَ يا أبي!

عانقها بقوَّة وأخذ يمسح على رأسها يقول.

-أنتِ لستِ مُخطئة يا ابنتي، أُمكِ عاونت خالك، ولا يمكنني التغاضي عن ذلك، أنا آسف يا ابنتي، أنا آسف صغيرتي!

جعلها تلتفت حتى أصبح ظهرها لمنصة الأعدام، ووجهها يختبئ عنده نحره، ثم حينما أومئ؛ لتنفيذ الأمر، شعرت بحركة رأسه، وعلمت أنَّ أمها الآن تختنق قُبيل الموت بلحظات، صارت تصرخ وتحاول أن تفلت من يدي بيكهيون عبثًا.

-لا... أمي، لا!

شدَّ بيكهيون عليها وهو يُربِّت على رأسها.

-أنا آسف حبيبتي!

حاولت أن تفلت منه وحاولت عبثًا دون أن تتوقف عن الصُراخ والنحيب حتى سقطت بين يديه، وأُغشى عليها.

سندها بذراعه وقلبه يرجف عليها، وبيده الأخرى تحسَّس نبض عُنقها، ثم أخذ يصفع خدَّها بِخِفَّة لعلها تستفيق.

-جيهان، صغيرتي!

حملها على ذراعيه وانطلق إلى جوف القصر يأمر.

-احضروا الطبيب!

وكل هذا حدث أمام عيون الشعب، والناس ستتناقل الأخبار بأنَّ الملك لم يعفو عن حياة زوجته، وأن إبنتهما الأميرة إنهارت بين ذراعيه من شِدَّة الصدمة.

وضعها على سريرها في غُرفتها، وأختها بيكهي  تتبعه وهي تبكي كذلك رايناه عمَّتُها، آتى الطبيب سوكجين لفحصِها، وبيكهيون يقف على جمر.

ما إن إنتهى وقف قِبالة صاحب الجلالة يُخفِض رأسه، ثم قال.

-مولاي؛ سمو الأميرة بخير، هي مرَّت بصدمة نفسية، لن تؤثر على صحة بدنها لو وجدت من يواسيها في محنتِها ويُساعدها أن تخرج منها.

ثم إنتظر الطبيب من الملك أن يصرفه، ولكن عينا بيكهيون بقيت مُركزة عليه في غضب؛ وكأنما يريد قتله.

-هذا الطبيب سيُحاكم أيضًا!

سُرعان ما جثى سوكجين أمام المولى وهو مرعوب.

-مولاي؛ لكنَّني لم أفعل شيء أرجوك!

أشاح بيكهيون عنه بقسوة وقال.

-كل من تعيَّنوا في القصر وأنا خارجه سيحاكمون، ولن يُستثنى أحد أبدًا من هذهِ المُحاكمة.

إنتحب سوكجين باكيًا يقول.

-لا يا مولاي، صدِّقني أنا مُجرد طبيب ماهر في عملي، ولذلك عُينت هُنا، أرجوك أن تُصدِّقني!

إستطرد بيكهيون غير آبهًا بحالِ الرَّجُل.

-أيُّها الحرس؛ خذوه من هنا حالًا!

إنتحب سوكجين بينما يسحب خارجًا رُغمًا عنه، كان يبكي ويصرخ مُتوسِّلًا الملك؛ يرجوه العفو عن حياته.

فكرة الموت صارت في أذهانِ الكُل، الملك قتل زوجته وهي قريبته وأم ابنته، ولا أحد من المُتَّهمين بعدها أعزَّ عليه منها.

باتت المُحاكمة في فِكرهم الحُكم بالموتِ فقط، لأن الملك بيكهيون تغيّر، قلبه الرحيم ومشاعره اللطيفة تبدَّلت.

جلس بيكهيون قُرب جيهان على سريرها، وإتكأ على فراشها بمرفقه ليمسح على شعرِها وهو يغني لها أغنية تعوَّدت سماعها منه حينما كانت طفلة، وتأبى النوم إلا في حُضنِه.

لطالما كان لأطفالِه مُجرَّد أب فقط؛ وليس الإمبراطور. لكن تلك الحرب غيَّرته كثيرًا، كان يقول أنَّهُ سيقبل أن يُرسِل بناته لأي رَجُل صالح يخترنه؛ لم يكن ناضجًا.

من هو الرَّجُل البسيط والطيب، الذي يستطيع حماية طفلته من مكائد الحاشية؟!
لا أحد.

مسح عن صدغِها دموعها، التي ما زالت تنحدر رُغم أنَّها نائمة، ثم أخفض جذعه ليطبع على جبهتِها قُبلة، وأخيرًا إلتفتَ إلى بيكهي يقول.

-إلزمي أُختك، ولا تترُكيها أبدًا.

نهض عن الفراش بنيةِ الخروج؛ لكنَّهُ توقف حينما سمع صوت بيكهي المُتحشرِج خلفه.

-أبي!

أتت قِبالته، ثم جثت كما يليق بمقامِه الملكي.

-شُكرًا لأنَّكَ عفوتَ عني وعن جونغكوك!

رمقها وهي تُخفض رأسها ثم قال بجفاء.

-الملك عفى عنكِ، لكن أبوكِ لن يعفو عنكِ أبدًا. ما إن تنتهي هذهِ المعمعة وتستقر أحوال القصر أنتِ ستستقرّي بالقصرِ الشمالي، ولا أُريد أن أراكِ أبدًا!

سُرعان ما وقفت ترفض هذا الحُكم القاسي، وإلتفت ذراعيها حول خصرِه تُعانقه بِشدَّة، وتبكي.

-أبي أرجوكَ اعفو عني، لقد خسرتُ أمي بالفعل لا أريد أن أخسر أبي أيضًا، أرجوك!

فكَّ وثاقها من عليه يتصرَّف ببرود، وبين لجّات بُكاءها قال.

-أنتِ خسرتِ والدك مُذُّ اللحظة، التي أهنتِ بها شرفي وشوهتِه!

خرج وهي جثت أرضًا تبكي بشدَّة، وعلى بيكهي قلبه لو أوجعه سيقتلعه من مكانه، لولا أنَّ جونغكوك يعني له الكثير لنفَّذ الخيار، الذي إختاره آنِفًا.

هكذا يكون قد إنتهى من أمرِ العائلة المالكة، هذا اليوم كان أصعب يومًا في حياته، وأصعب يوم يَمُر على القصر والإمبراطوريّة أجمع.

فورما خرج من حرم النساء رأى بوجهِه الوزير الأول جيون جونغكوك؛ يقف ويخفض رأسه بإحترام.

-مولاي؛ أحتاج أن أتحدَّث معكَ بأمرٍ هام.

قرَّر الملك بيكهيون تجاهله وعبوره فقط، ولكن إستوقفه جونغكوك حينما اتبع.

-إنَّهُ يَخُص القائدة هيريم.

توقف بيكهيون ثم عاد أدراجه إلى جونغكوك، وقف قِبالته وهو يعقد حاجبيه بِعُجمة.

-ما بها؟!

-لقد إختطفها الأمير تشانيول وهي قادمة بنا إلى هنا.

صاح بيكهيون مُستنكرًا.

-ماذا؟!
ولِمَ لم تُخبرني سابقًا؟!

إنحنى جونغكوك إليه مُعتذرًا.

-عُذرًا يا مولاي، لم أجِد الفُرصة المُناسبة لأخبرك! 

جمع بيكهيون قبضته بشدة وأمر في غلظة.

-نادِ على القائد جانغ ايشينغ حالًا.

إنحنى له جونغكوك بطاعة قبل أن ينصرف لتنفيذ الأوامر الملكيّة.

-أمرُكَ مولاي!

إلتقى بيكهيون بايشينغ وجونغكوك في البلاط الملكي، وسُرعان ما أمر ايشينغ ويده ترتجف في قلق.

-الآن اذهب وخُذ معك أفضل فرقة من الحرس الملكي وعددًا كبيرًا من الجنود.

ثم اقترب من ايشينغ وهسهس مُتبِعًا بِغلظة.

-نقِّب اليوان تنقيبًا، ولا تَعُد إلا وقائدة المُتمرِّدين معك مهما كلف الأمر!

ثم شدَّدَ مُحذِّرًا وهو يرفع سبّابتِه.

-وأياك لو كان عليها خِدشًا بسيط، ستدفع حياتك ثمنًا لِقائه.

إنحنى ايشينغ له وقال.

-أمرُكَ مولاي!

وذهب القائد ايشينغ فورًا فيما بيكهيون يقف في مكانه بقلقٍ شديد، المرة الآنِفة كاد تشانيول أن يُلقي بها بالماء الساخن لولاه، الآن لا يدري ما الوحشية التي يُمارسها عليها.

ضرب قبضتِه بقوَّة ضِدَّ العرش، وركل الطاولة التي أمامه يصرخ بغضب.

-تشانيول سأقتلك!

...

تفتَّحت عينا هيريم أخيرًا، وكان من الصعبِ عليها أن تتعوَّد على الضوء في هذهِ الغُرفة، كانت تنام على الأرض القاسية، وآخر ما تتذكَّره حينما نالت ضربة على قِفا رأسها أفقدتها وعيها ووجه الأمير تشانيول.

إستعادت ذكرياتها رويدًا رويدًا حتى فهمت الموقف السيء، الذي هي به الآن. تنهَّدت بأستياء ونهضت،  لا بأس معها في النوم على الأرض  لقد تعوَّدت على قسوة البراري، ولكنَّها لا تتحمَّل أن تُأسَر بين أربعةِ جُدران ولا بأي مفهوم كان.

تفحَّصت الغُرفة، نافذة صغيرة علوية عليها قُبضان حديديّة سميكة، لا تستطيع أن تصل لها بطولها هذا، ولو وصلت لن تستطيع أن تتغلَّب على هذه القُبضان، ولو تغلَّبت جسدها لا يستطيع أن يعبر هذه النافذة الضيقة إطلاقًا.

ثلاثة جُدران صمّاء لا حِسَّ خلفها ومُظلمة، ثم باب حديدي ثقيل لا منفذ للهواء فيه. تنهدت وأرجعت شعرها بيدها إلى الخلف، كيف ستنفذ من هذا المكان؟!

ضربت الباب عِدَّة مرّات في قدمها ولم تتوقف حتى أزعجت الحرس، الذين يقفون خلف الباب، وسمعت تحذيراتهم الخشنة أن تتوقف وإلا ضربوها.

وهي هذا بالضبط ما تريده، أن يخرجوا ولنرى من سيضرب من... مرَّ بعض الوقت وهي تضرب الباب بقدمها بأقوى ما تستطيع، ولم تهتم للوجع الذي أصاب قدمها، تبقى هذه القدم بلا فائدة يمكنها إيذائها ولا تهتم.

حينما طفح الكيل بهم فتح الحرس الباب؛ ليلقنوها درسًا بالهدوء، ولكن لا أحد أخبرهم أن هذه المرأة مقاتلة قوية جدًا ومحترفة حتى طبَّعت على وجوهم واحد تلو الآخر طُبعة حذاءها؛ إذ ضربتهم واحد تلو الآخر،أخذت من أحدهم سيفه ثم خرجت تعبر المَمر بِحذر، إختبأت بإحدى الدهاليز حينما مرَّت فِرقة من حرس السِّجن مُسرعة إلى زِنزانتِها.

لكنها إلتفتت سريعًا حينما شعرت بأن أحد بات خلفها، وصدَّت السيف الغدّار بسيفِها، وإذ به تشانيول، ملامحه داكنة جدًا وحادة.

-رغم أنّي أكرهك وأرغب في قتلك، لكن مهاراتك في القتال ما تنفك تُذهلني؛ لذا سأعرض عليكِ للمرة الأولى والأخيرة أن تتخلي عن بيكهيون وتكوني بصفّي؛ أنتِ تحت رحمتي الآن!

همست بٍحدَّة ومعالمها تُفسِّر كم تكرهه.

-أنا تحت رحمة الرَّب ولستُ تحت رحمتك أبدًا. وأما بالنسبة للملك بيكهيون؛ فلو تخلّى عني لن أتخلى عنه، وأُفضل أن أموت في سبيلِ الحفاظ عليه على أن أتحِد مع خائن غدّار مثلك... لا تَحلُم حتى أن تحصُل علي!

تبسَّمَ تشانيول وقال.

-بالطبع لن تغدري بحبيبِ القلب لأجلي؛ لكن لأجلِ حياتك؟!
لأي درجة أنتِ تعشقينه؟!
أشعرُ بالغيرة...!

عقدت هيريم حاجبيها بإستغراب، وهو إتكئ بذراعه على الحائط خلف رأسها، لكن قُربه الشديد منها لم يُخيفها أبدًا.

-كيف تعلم؟!

تسآلت بذهول فسخر ضاحكًا، واستنكر.

-كفاكِ يا شقيّة!
مُذُّ الساعة، التي دخل بها القصر، وهو يخاطر بحياته لأجلِ حمايتك وإنقاذك مني علمت.

ضربت صدره بمقبض السيف ليتراجع عنها وقالت.

-إذًا بما أنَّك تعلم أعدني؛ دعني أذهب!

قهقه ثم نفى برأسه قائلًا.

-مُستحيل؛ أنتِ كنزي الثمين، بإمكاني أن أُحطِّم بيكهيون بكِ وبنفسِ الوقت أردتُ أن أعلم لِمَ يُحِب بربريّة مُتمرِّدة ومسترجلة.

أمسك بياقتِها وهمس بعدما عضَّ شفتيه.

-أُريد أن أعلم ما الذي تُخفيه هذه الثياب!

إتسعت عينا هيريم وصرخت.

-لا يُمكنك؛ سأقتُلك!

ضربها بمعدتِها بمقبضِ سيفه ردًا على ضربتِها السابقة له، فانحنت مُتصدِّعة من شدةِ الألم وهو قال.

-أنا ميت أصلًا، لقد فقدتُ زوجتي وابني!

ثم نادى على رجاله، فحضرت مجموعة منهم أمامه وهو ألقى بها عليهم يقول.

-اجعلوا النساء يجهزونها للخلوة معي!

سحبوها رُغمًا عنها معهم رُغمًا عن مقاومتها الشديدة، كانوا كُثر ولم تقدر عليهم؛ ولكنها صرخت بغضب.

-سأقتُلك؛ أُقسِم أنَّني سأقتُلك! 

قهقه تشانيول ولم يأخذ تحذيرها بجديّة؛ كيف لإمرأة صغيرة الحجم مثلها أن تقدر عليه؟!
هذا بالتأكيد غير ممكن!

...

ليلًا؛ كان تايهيونغ قد غادر المَقر؛ إذ كانت توقعات الملك صحيحة، المَقر الذي أقاموا فيه وأخبروه بأنَّهُ مقرَّهم الرئيسي لم يَكُ كذلك بالفعل؛ بل إن المَقر الرئيسي في مكانٍ آخر بعيد جدًا عن الأول؛ لدرجةِ أنَّ تايهيونغ قد خرج من ذلك المقر صباحًا بعدما نسفه بالقنابل اليدويّة، ووصل ببقيّة المُجنَّدين إلى المَقر الرئاسي بعد مُنتصفِ الليل.

ما إن وصل تايهيونغ  إلى المكان طلب القائد سيهون منه عبر رسول أن يلتقي به في القاعة الرئيسة. هُناك حيثُ توجد ثلاث مُدرَّجات مطلية باللون الأسود، على جنبيها شموع حمراء وعلى كل درجة منصوب سيفًا.

وبين الثلاثة أدراج طاولة خشبيّة فاخرة سوداء اللون تعلوها الصولجانات المُضيئة. كانت جاهي قُربه وهي خائفة.

لقد كادت تموت خوفًا على زوجها وأخيها، هدأ خوفها حينما عاد القائد سيهون مُنتصرًا، وما اقتنعت أنَّهُ بخير حتى دثَّرها بدفئ حُضنه. والآن برؤية تايهيونغ أمامها سليمًا مُعافى قلبها إطمأن وما عاد للخوفِ حاجة أبدًا؛ إذ ركضت إليه وعانقته بشدة فيما تبكي على صدره.

-أخي؛ كدتُ أموت خوفًا عليك!

ربَّتَ على رأسها وابتسم.

-لا داعي؛ أنا بخير.

ثم وقف قِبالة سيهون، الذي بدى بدورِه قلِقًا، وقال.

- سيدي؛ لقد نفَّذتُ المُهِمَّة على أكملِ وجه!

ربَّتَ سيهون على ذراعه وقال.

-أحسنت عملًا يا تايهيونغ!

قبض تايهيونغ معالمه بإستغراب وتسآل.

-ولكنَّكَ يا سيدي لا تبدو بخير؛ أمِن خطب؟!

تنهد سيهون مومئًا وقال.

-جونغ إن وهيريم؛ لم يأتوا بعد!

-ماذا؟!

دُهِش تايهيونغ وارتجف قلبه خوفًا ثم قال.

-هل اذهب ابحث عنهما؟

شدَّ سيهون على كتفِ تايهيونغ وقال.

-سأعتمد عليك!

إنحنى إليه تايهيونغ، وقبل أن يُغادر دخل إحدى الرِّجال يُبلِّغ القائد.

-سيدي؛ لقد وصلت رسالة عبر حمامة زاجلة من القصر الملكي.

تقدَّمَ الرجل ووضعها بيد قائده، ثم غادر بعدما إنحنى، سيهون فتحها وقرأ ما فيها، ثم ما لبث أن جعَّدها بقبضتِه بشِدة؛ وهسهس في غضب.

-الأمير تشانيول إختطف هيريم!

شهقت جاهي بقلق، وتايهيونغ تصعَّدَ صوته في غلظة.

-سأذهب وأجدها وأقتله!

ما إن تحرك حتى اعترضته ذراع سيهون، وهمس في هدوء.

-لا؛ أنا سأتولى أمر هيريم، وأنت اذهب واعثر على أخي!

إلتفتَ سيهون إليه يواجهه، وأبصر تايهيونغ الدم المُحتقِن في عينيه، هكذا هو سيهون مهما غضب ومهما خاف وحزن لن يظهر عليه أبدًا؛ سيستمر بالتصرف بهدوء وعقلانيّة.

-أنا أثق بك؛ لا تُخيّب ظني بك!

أومئ له تايهيونغ، ثم غادر ليعثر على القائد جونغ إن مُصطحِبًا عددًا كبيرًا من الرجال للتنقيب عليه.

وأما سيهون؛ فحمل سيفه وأراد الخروج، لكن جاهي أمسكت بذراعه وتوسلت والدموع تملأ عيناها من جديد.

-أرجوك عُد سالمًا مع أُختك!

أومئ لها ثم طبع قُبلة على جبهتِها يهمس لها.

-إنتبهي على نفسِك، ولا تقلقي بشأني!

مسح دموعها بإبهامه، ثم شكَّل على شفتيه إبتسامة ضئيلة لطمأنتِها مُربِّتًا على وجنتِها وخرج.

كان القائد دو كيونغسو في الخارج ينتظره، فهو القائد الوحيد الذي اكتشف الملك مقرَّه، لذا تخلَّوا عن المقر الفرعي ذاك، ودمجوه مع الرئاسي حفاظًا على أرواح المُجنَّدين.

-اجمع الرجال يا كيونغسو، علينا أن نذهب لنسترجع هيريم.

تسآل كيونغسو.

-أتلك الرسالة كانت تحوي مكانها؟

تكلَّم سيهون وهو يركز نظره في لا شيء تحديدًا.

-لا؛ لكنني أعلم أين هي.

ثم إنسحب من أمامه بإنتظار إنطلاق الرِّجال.

-كيف تعلم بذلك؟!

صعد حصانه وتهيئ للإنطلاق؛ وحينما بدأت المسيرة انطلق جواد سيهون في المُقدِّمة يجاوره حصان كيونغسو؛ إذ سأله.

-سيدي القائد؛ عُذرًا أردتُ السؤال.

ردَّ سيهون بهدوء.

-تُريد أن تعلم كيف أعلم عن مكان هيريم الآن.

-بلى يا سيدي لو كنتَ لا تُمانع.

تنهد سيهون قبل أن يجيبه.

-ببساطة؛ لأن الحرب التي بيننا وبين الأمير تشانيول ليست مُذُّ أن رصدنا خُطَّطه للإنقلاب ضد الإمبراطور بيكهيون.

وهذا ما لا يعرفه كيونغسو إذ إستنكر.

-عفوًا؛ إذًا مُذُّ متى؟!

-مُذُّ أكثر من عشرين سنة.

استعجب كيونغسو.

-كنتَ طفلًا حينها!

أومئ سيهون مُقِرًّا واتبع.

-وهذا ما أخَّر إنتقامي عشرون سنة.

-إنتقامك؟!

همهم سيهون ثم استطرد.

-مُذُّ عشرين سنة وأنا اتتبَّع أوكار الأمير تشانيول، التي ورثها عن أبيه والتي بناها بنفسه، حتى بِتُ أعلم متى يخطو وإلى أين.

وهو الآن مُختبئ بأكثرِ مكان لن يتوقع الملك أنَّهُ موجود فيه؛ القصر الذي كان فيه والده يُخطِّط للمكائد ضد والد الملك، إنه مكان مهجور مُذُّ عشرين سنة ويُحكى بين الناس أنَّهُ ملعون؛ لذا يخشون الإقتراب منه؛ فتصيبهم اللعنة الخُرافية تلك.

فقط أدعوا الرَّب ألا تكون هيريم قد مسَّها سوء حينما نصل؛ لأنَّني وقتها لن أُسلمه للملك، سأقتله بيدي!

ضرب لِجام حصانه، وانطلقت من بعدِه أحصنة رِجاله تتبعه. بعد مُنتصفِ الليل؛ وصل سيهون برِجالِه إلى القصر القديم.

سمع صوت النفخ في صدفِ البَحر ما إن أدرك البوّابة؛ فقال كيونغسو.

-يبدو أنَّهم إكتشفوا وجودنا.

تقدَّمَ سيهون نحو البوابة يقول.

-هذا شيء متوقع، فقط إحذروا وحملوا دروعكم، قد يُداهمونا بالسِّهام.

ضرب لِجام الحصان، فانطلق الفرس إلى الداخل، وضرب حرس البوابة بسيفه، إنطلقوا إلى داخل القصر، وكان لهم الغُلبة، أعدادهم كثيرة، ولكن سيهون كانت لهُ الغُلبة.

مُجدَّدًا... لا تدخل جماعة القمر الدموي حربًا خاسرة أبدًا مهما كبرت أو صغرت.

أدرك سيهون داخل القصر وهو يحمل سيفه المُلوَّث بِالدِّماء يُنادي.

-هيريم؛ كيم هيريم أين أنتِ؟!

إعترضته مجموعة من رجال تشانيول في الداخل؛ فضربهم بسيفِه وقاتلهم حتى أصبحوا جميعًا أرضًا؛ ولكن قبل أن يُطيح آخر واحد أرضًا ضربه أحدهم في ظهره غدرًا، إذ شرخ ظهر سيهون بسيفه.

إلتفت إليه سيهون ومعالمه مقبوضة في ألم، ثم شقَّ لهُ عُنقه لقاء سلوكه الغدّار.

-وغد سافل!

عبر من فوقِ جسدِه، وولج أركان القصر أعمق وهو يستمر في مناداة شقيقتِه.

-هيريم؛ أين أنتِ؟
أتسمعين صوتي؟!

عبر إحدى الدهاليز، ثم توقف حينما سمع صوت باب يُفتَح، عاد أدراجه إلى هناك ورأى هيريم يلوثها الدم.

هرع إليها سريعًا، لقد بدت مصدومة ولم يُسبَق لسيهون أن رآها في مثل هذه الحالة قط، تمسَّكَ بكتفيها وقال هلعًا.

-ماذا حدث؟
هل آذاكِ؟!

نظرت إليه فيما تشعر بالخوف.

-لقد... لقد!

-ماذا؟!

صاح بقلق فيما يهزها بين يديه، وهيريم إزدرئت جوفها فيما تتكِّز على ذراعي سيهون.

عودة في الوقت...

كانت عينا هيريم تملأها الدموع فيما تُسحب رُغمًا عنها إلى الخلوة مع سيدهم، لقد خافت كثيرًا بالفعل، هي لن تقدر على تشانيول؛ لم ولن تنسى أنَّهُ قائد الجيش، ولا أحد يمكنه التَّفوُّق على مهاراتِه.

لقد حمموها، وزينوها، وألبسوها ثياب فخمة، وأخيرًا وضعوا خمارًا أحمر فوق رأسِها. وفيما تسير مع الحرس لاحظت أسلحتهم؛ سيف وخِنجر.

سحبت من أحدهم خِنجر دون أن يحس على حركتِها الخفيفة، وأخفتها أسفل خِمارها، وأثناء ذلك حفظت الطريق الذي أتت منه.

-مولاي؛ الفتاة أصبحت هنا!

أعلن أحدهم حينما أصبحت خلف الباب، وحينما إنفتح الباب ظهر من خلفه تشانيول، أمسك بعِضدها، ودفعها إلى الداخل؛ فسقطت أرضًا.

سُرعان ما نهضت، وتراجعت عنه تقول.

-أنتَ الآن قد خسرت العرش والجاه والسُّلطة، وتركض خلف شهواتك؟!
لا أُصدِّق حقًّا!

أومئ تشانيول، ثم همس.

-صحيح أنَّني سأستمتع بهذا القوام الجميل.

إبتعدت حتى جلست على السرير خلف الستائر الحمراء، وهو اتبع فيما يقترب منها.

-لكن هدفي الأهم أن أكسر قلب بيكهيون، وهذا لن يحدث إلا عبركِ عزيزتي!

فتح الستارة، واقترب منها يقول.

-هو سلب مني زوجتي وابني، وأنا سآخذ منه حبيبته!

إمتلأت عيناها بالدموع حينما إمتدت يداه لنزع الخمار عن رأسِها، رفعت وجهها إليه فابتسم، ومرَّرَ إبهامه على شِفَّتها السُّفلى وقال.

-جميلة جدًا، لا تليق بكِ دروع الحرب، بل تليق بكِ ثياب النِّساء.

دفع بها من كتفِها على السرير، واقترب ليُقبلها، لكنَّها هربت من ثغرِه تُحذِّر وهي بالكاد تلتقط أنفاسها من الموقف العصيب؛ فالموت أهون عليها مِمّا يُريده منها.

-إبتعد عني وإلا لن تكون بخير؛ أُقسم!

قهقه وتردَّدت أنفاسه عند جوفِ عُنقها، سخر منها وقلَّلَ من شأنِ قواها، ظنَّ أنها لن تقدر على إيذاءه، ونسي أنَّها قائدة المُتمرِّدين، التي أسقت سيفها دماء لعدد لا يُحصى من الخونة.

أخرجت خِنجرها وضربت بها عُنقه، لم تَكُ مُحترفة من شدةِ الخوف، ولكنَّها جعلته يسقط عليها وهو يُمسك بعُنقِه، التي تنزف بشِدَّة.

أصبحت عيناه حمراء مثل لون دماءه وهو ينظر إليه، ومتوسِّعة إلى آخرِها، تُجزِم أنَّها لن تستطيع نسيان تعابير وجهه في هذه اللحظة طيلة حياتِها.

دفعته من عليها تُمتِم.

-لم أكُن أنوي أن أقتُل سموَّك؛ لكنَّكَ أجبرتني؛ أنا آسفة!  

أوقعت من يدِها الخِنجر، وبدأت تتراجع فيما هو يُتمتِم بصعوبة.

-سأقتُلك!

نفت برأسِها، وهمست قبل أن تخرج.

-لن تستطيع؛ هذه آخر لحظات حياتك!

تهاوى رأس تشانيول على الفراش وتمتم بكلمة قبل أن يغلق عينيه تمامًا.

-رايناه!

خرجت هيريم من تلك الغُرفة فيما تدفع الباب بقوَّة، وهناك حيث رأت سيهون يركض إليها؛ وكان ردَّها على سؤاله الآنِف.

-لقد قتلتُه!

برم سيهون ثغره، ونظر خلفها نحو الباب يقول.

-هل أنتِ مُتأكِّدة أنَّهُ مات؟

أومأت هيريم معلولة التفكير، وأجابت وهي بهذه الحالة المُثيرة للشفقة.

-نعم؛ هو مات!

تنهَّدَ سيهون وجذبها إلى ما بين ذراعيه يُهدئها ويُربِّت عليها.

-لا بأس عزيزتي؛ كل شيء سيكون بخير!

سكن سيهون عن الحركة حينما شعر ببدنِها بات ثقيلًا، رفع وجهها عن صدره؛ لكنها كانت تُغمض عيناها؛ طبطب على وجنتِها بقلق؛ لكنَّها لم تُحرِّك ولو لِطُرفة حتى.

-هيريم؛ عزيزتي!

حملها سيهون على ذراعيه، وخرج بها من المكان فيما كيونغسو وبعض الرجال يحمونه وأخته، كانت على يديه ورأسها على صدرِه، وشعرها يذروه الرياح كما يشتهي، فستانها جميل ورقيق، لو كانت الظروف مختلفة لكان سيهون سعيدًا بأن تتصرَّف كالنساء، ولكن لن يقبل أن تكون مكب شهوات لأي رَجُل كان ولو كان الملك بعينِه.

وضعها على حصانه ثم صعد عليه خلفها، وحينما أمسك بلِجام الفرس ليدفع الحصان إلى الأمام؛ لاحظ أن يداه تملؤها الدماء؛ تفقَّد ثياب هيريم وجدها تَصُب دماءً.

هرع سيهون بِشِدَّة وأمر رجاله بصوتٍ جهور.

-هيريم مُصابة؛ علينا أن نُدرِك أقرب مقر لنا من هُنا.

أسرع كيونغسو بحصانه يقول بصوتٍ مُرتفع ليسمعه سيهون.

-سيدي؛ إنَّهُ مَقر القائد كيم جون ميون.

-إنطلقوا إلى هُناك إذًا!

وانطلقت الأحصنة إلى أقربِ مَقر إلى المكان الذي هُم فيه، وبأقصى سُرعة مُمكِنة. الخوف والقلق الذي إرتسم على وجهِ سيهون لم يُرى من قبل قط، لطالما إستطاع ضبط مشاعره مهما كانت داخل جوفه دون أن يُفصِح عنها أبدًا؛ ولكنَّها الآن باتت كُلُّها مكشوفة.

أسرع إلى المَقر، رحَّبَ به القائد سريعًا، وسيهون لم يحتمل إلا وقد وضع شقيقته بين أيدي الأطباء؛ إذ وضعها على السرير يقول.

-لقد نزفت كثيرًا؛ عالجوها سريعًا واخبروني ما بها!

ثم خرج يقف أمام باب العيادة مع القائدين جون ميون وكيونغسو وهما يحاولا تهدئتِه عبثًا؛ فهو لا يستمع ولا يُريد أن يهدأ حتى يطمئن على شقيقته.

إنتظر في الخارج لبعض الوقت حتى خرجت الطبيبة، وسيهون هرع إليها بقلق يسأل عن صِحَّة شقيقته.

-أخبريني أنَّها بخير!

إزدرئت الطبيبة جوفها وقالت فيما تُخفِض رأسها.

-هي بخير؛ لكنَّها فقدت جنينها.





....................

يُتبَع...

"ساعة الحِساب"

العنقاء|| The King's Return

15th/Dec/2021

..............

يا مسكينة يا هيريم شو بدو يصير فيكِ
😭😭😭💔

سلاااااااام

ما طولت كثير👊
ما حد يقول طولتِ😎

كيف شفتولي البارت؟!
هذا أكثر بارت مُشتعل للآن، وطبعًا الفصول الجاية ح تكون مُشتعلة أكثر🔥

المهم أدعمولي الفصل بالله مشان أحس أن جهودي مش ضايعة.

الفصل القادم بعد 200 فوت و 400 كومنت والمعلقين لازم يكونوا 70 شخص.

ولما يتحقق الشرط بينزل الفصل الجديد.

1.رأيكم ببيكهيون؟!
قرارته بإعدام تاي هان؟
العفو عن جونغكوك وبيكهي؟
بشأن قراره لجيهان؟
خوفه على هيريم؟
شِدته وحدته في المحكمة؟

2.رأيكم بتشانيول؟
رغبته بكسر بيكهيون عن طريق هيريم؟
موته💔؟

3. رأيكم بهيريم؟
قتلها لتشانيول؟

4.رأيكم بسيهون؟ خوفه وقلقه على أخته؟
كيف ستكون ردة فعله على الخبر الأخير؟

5.رأيكم بجيهان؟ ردة فعلها على موت والدتها؟!

6.كيف ستتلقى رايناه خبر موت تشانيول؟

7.رأيكم بالبارت ككل وتوقعاتكم للقادم؟

دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤












































© Mercy Ariana Park,
книга «العنقاء/ The King's Return».
Коментарі