CH10||العرش يهتز
بيون بيكهيون (الإمبراطور)
بَطَل:
العنقاء||The Emperor's Return
"العرشُ يهتَز"
في دقائق سابقة؛ كان مفعول المُخدِّر على وشكِ الإندثار، وجلالة الملك يكاد أن يستعيد وعيه في أي لحظة، القادة كانوا في تأهُّب حينما حان وقت إستيقاظه، والجَو مَشحون ويملؤه التَّوتُّر.
إذ وقف سيهون وجونغ إن خارج باب الحُجرة، التي وضعوا الإمبراطور فيها، بِصُحبة القائد دو كيونغسو والوزير الأول جونغكوك.
الجميع يشعر بالتَّوتُّر وخصوصًا الوزير الأول جيون جونغكوك؛ فهو كما يعلم أن الإمبراطور يملك قلبًا طيبًا وروحًا صبورة يملك أيضًا مزاجًا حاميًا وروحًا قتاليّة دائمة الإستعداد لتَّصدي لأي مُباغتة في أي وقت.
وأما داخل حُجرةِ الإمبراطور؛ فلقد بدأ بيكهيون يستعيد وعيه شيئًا فشيئًا؛ إذ حرَّك عُنقه للجهة الأُخرى، وقبض حاجبيه؛ لغرابةِ الشعور الذي يراوده، قبل أن يفتح عينيه رويدًا رويدًا، ويُبصِر السَّقف الغريب عليه.
لَبِثَ في فراشِه دون حركة لثوانٍ معدودة حتى تدفَّقت إليه ذكريات الليلة الفائتة بخمول؛ وذلك لِقوَّة المُخدِّر، الذي استخدموه عليه لتنويمه.
دَقَّ ناقوس الخطر في خَلَدِه، ونظر في الحُجرة التي يضعونه فيها، إنَّهُ ينام على فراشٍ أرضي وثير، ولا شيء في هذه الحُجرة سوى هو والفراش، الذي يندس جسده داخله.
رفع عن جسده الغِطاء، وقعد على الفراش يقوم بجولة إستطلاعية في المكان عبرَ عينيه، لا شيء يمكن أن يستخدمه كسلاح من حوله.
نهض عن فراشه بخفَّة حريصًا ألا يُحدِث أي ضَجّة قد توشي به لِمُختطفينه، ونظر في الفِراش، إنهم يضعون عليه عدة طبقات من الأفرشة، أحدها خفيف جدًا يُمكِّنه من خنقِ عُنق أحدهم.
سحب هذا الغطاء بخفّة ولفَّه حول قبضتيه، ثم أخذ يسير بحذر نحو الباب، فتحهُ رويدًا رويدًا؛ وإذ بِثُلَّة من الرِّجال يقفون أمام بابه، إثنان يحرُسان الباب، وأربعة يقفون على مَقرِبة من الباب فيما يتحدَّثون ويمنحونه ظهورهم.
وجد أن أسهل فريسة إليه الآن هو إحدى الحارسين، عليه أن يحصل على سيف، ثم سيُقاتلهم جميعًا حتى يغلبهم أو يقتلونه.
بحركةٍ خفيفة وحذِرة لَفَّ الغِطاء على قبضتيه، ثم رمى ببدنِ الغطاء الملفوف بشدَّة كما لو أنَّهُ حبل غليظ حول عُنق إحدى الحارسين، واجتذبه بقوّة ناحيته ليسحب سيفه من على خصرِه، ثم ركل ظهرِ الرَّجُل بقوة فأصبح أرضًا يتلوّى، والآخر صرخ.
"الإمبراطور أستيقظ!"
كان الأربعة رجال دون واحد فقط قد إلتفتوا إلى الإمبراطور، الذي أصبح السيف بيدِه بالفعل، وهو جاهز لمُقاتلتهُم جميعًل مهما كانوا كُثُر؛ وهذا بائن من وضعية الهجوم، التي يتخذها ضِدَّهم وعينيه الحادتين.
"كيف تجرؤن على خطفِ الإمبراطور؟"
الرَّجُل الذي لم يلتفت ضِمنَ الأربعة هو جونغكوك، إذ إستهلكه التحضير لهذا الموقف وقتًا مُستقطع إضافيّ حتى أستطاع أن يلتفِت إلى مولاه وينحني تحيةً.
"مولاي"
إنحنى من بعده القادة الشُّبّان الثلاث، إلا أن جونغ إن تمتم فيما ينحني على سمعِ سيهون.
"ظننا أنه لن يملك سلاح يُهاجم به حرسنا المساكين بعدما سحبنا صولجان الشموع من حُجرته، لكنَّه استخدم الغطاء!
إنَّه حقًا ملكٌ عنيف كما تقول هيريم!"
وكزه سيهون بمِرفقِه ليصمت، فهذا فعلًا ليس وقت سماجة جونغ إن وعبثه، أقاموا ظهورهم فيما الإمبراطور ينظر إلى جونغكوك وحسب.
يرمقه بنظرات مُستنكِرة مُكذِّبة، لم يتوقع أن تأتيه الطعنة في ظهرِه من أقرب الناس إليه، ليس من جونغكوك أبدًا؛ إذ نبس بيكهيون لا يُصدِّق ما تراه عيناه.
فلقد ظنَّ بيكهيون أنَّ جونغكوك أسيرٌ لديهم، ولم يتوقع سوى أن يكون بزِنزانة بعيدة تحت الأرض وألا يكون بخير أبدًا.
لكن ها هو يراه في أفضلِ حُلّة لا تنقُصه صحّة ولا زينة، حاله تمامًا كما كان في القصر، لوهلة سُرَّ المولى أن تابعه الوَفي لم يتعرَّض للإذلال، لكنَّهُ الآن يعي لِمَ هو بخير، لقد تخلّى عن صَفِّ الإمبراطور بالفعل، وانظمَّ إلى هؤلاء البرابِرة، وعاونهم ليختطفونه.
"جونغكوك!"
"مولاي!"
أجابه جونغكوك فيما يجمع كفّيه أسفل معدته، وينظر نحو الأرض، ورقبتِه بالفعل مُنحنيّة.
"مولاك؟!"
إستنكر بيكهيون بشدّة فيما يُضيق عينيه على هيئةِ الذي خاله صديقه، تقدَّم بيكهيون من صديقه الذي ظنَّهُ صدوق، ثم لكم صدرِه بخفّة فتراجع جونغكوك خطوة دون أن يُقاوِم.
"لا أُصدِّق أن الشخص الوحيد الذي منحتهُ ثِقتي هو الذي خانني!"
لم يرفع جونغكوك بصره عن الأرض ونبس.
"لم أفعل مولاي، اسمح لي أن أشرح لك!"
صاح به بيكهيون بإنفعال.
"تشرح لي ماذا؟
كيف خُنتني وما مسوِّغاتك لإرتكاب جريمة خيانة عُظمى كهذه!"
رفع جونغكوك رأسه نحو مولاه الإمبراطور ينفي.
"تعلم يا مولاي أنّي أفيدكَ بروحي، ولن أرتكب مثل هذه الجريمة الشنيعة وأنت المولى!"
رفع بيكهيون السيف نحو عُنق جونغكوك ونبس في خشونة.
"لن أسمع المزيد منك أيُّها الخائن!"
وحينها فجأة؛ سمع بيكهيون صوت أُنثوي مألوف قد صرخ.
"أبي!"
إلتفت بيكهيون نحو الصوت وقلبه أخذ ينبض سريعًا، وحينما رأى هذا الوجه الذي اشتاق له كثيرًا تراخى السيف في يده، وهو نبس مُتفاجئًا.
"بيكهي!"
"أبي!"
إنتحبت بيكهي وركضت إلى حُضنِ والدها خلفها جيهان، سقط السيف من يده، واستهلكته الصدمة عِدَّة ثوان حتى استجمع شتاته، وأدرك أن الفتاة، التي بين يديه الآن، هي ابنته المفقودة مُذُّ فترة، بيكهي.
ترك كل شيء كان يُفكِّر به، والأزمة التي كانت تدور الآن، وضمَّ إبنته بقوّة بين ذراعيه، يحس بها ويستنشق رائحتها حتى يدرك حقًا أنها حَيّة.
أبعدها عنه، وأحاط وجنتيها بكفّيه، ونبس فيما يرفع حاجبيه وقد تعبّئ صوته بالقلق.
"أنتِ بخير صغيرتي؟!"
أومأت له، وابتسمت رغم أن دموعها تأبى عن التوقف ووجهها مُرهق، لكن رؤيته بخير وقد نجى من المكائد الخبيثة، التي كانت تُحاك في ظهره على روحه، يجعلها تشعُر بالرّاحة والإطمئنان، وتنسى أنَّها مُرهقة وتحتاج إلى الرِّعاية.
"كنتُ بخير وأصبحتُ أفضل برؤيتك بخير!"
"أبي!"
إلتفت بيكهيون إلى ناحية هذا الصوت الناعم الباكي، وإذ بها جيهان، سُرعان ما اجتذبها من معصمِها ليضمَّها بذراعه الأُخرى فيما يضم بالأولى بيكهي.
ولأولِ مرة مُذُّ أن تسلَّم سُلطاتِه الدُستوريّة يشعُر بالخوف، ليس خائفًا على حياته، وآخر همَّه في هذه الدقائق العصيبة عرشه، الآن همَّه فقط بناته، وهن صبيتان جميلتان أي عين قد تؤذيهما لوما بطشت بهنَّ الأيدي.
كُن الفتاتان أسفل ذراعي والدهن الذي يعُانقهن بقوّة، لكنه تحرَّك بسُرعة، وجعلهن يقفن في ظهره خلف منكبيه العريضين تحديدًا، وواجه هؤلاء البرابِرة، الذي لا يعلم عنهم شيئًا سوى أنهم يتحدّون سُلطته.
"لِمَ قُمتُم بخطفِ أميراتي؟! ألم أكُ كافيًّا بالنِّسبةِ لكم؟!"
هذهِ المرّة سيهون من تحدَّث، فهم المعنيّونَ بالسؤال.
"جلالتك، نحن لم نختطف الأميرات لنضغط عليك عَبىهِن، نحنُ فعلنا ذلك لنحميهن ونحميك"
وقبل أن يَرُد فجأة الملك رأى ملكته الثانية راهي تدخل إلى الحُجرة؛ وهي ترتعد خوفًا، فيما تتمسَّك بيدها بالأمير الصغير لي جون، وخلفها المُلثَّم القصير، بل الفتاة التي هاجمته البارحة في جناحه، وهي تُمسِك بكلتي يديها أميراتِه التؤام الصِّغار وهي تقول.
"سَنُثبِت لكَ حُسن نوايانا مولاي، وأننا لم نفعل شيئًا في هذهِ المسألة ينحرف عن هدفِ حمايتك وعائلتك؛ جلالتك!"
أفلتت يدي الطفلتين، فركضن إلى والدهن يتمسَّكن بساقيه، كذلك لي جون الصغير يتمسَّك بعبائتِه الملكية، والصغار الثلاثة ينتحبون.
"أبي، نحنُ خائفون!"
إجتذب بيكهيون زوجته الملكة راهي من معصمِها لتقف خلفه، ومسح على رؤوس أطفاله يُطمئنُهم بهمساتِه ولمساتِه الحنون.
"أنا هُنا صِغاري، ولن أسمح أن يمسَّكُم أيُّ أذى!"
إبتعد عن أطفاله، وسلمَّهم لِزوجته راهي خلفه، التي ما زالت ترتجف وعيناها تملئها الدموع، إذ همس لها بيكهيون.
"لا تخافي، أنتِ بظهري ولسوف أحميكِ بروحي أنتِ وأطفالي!"
أومأت له ثم نبست.
"أرجوكَ لا تتأذّى مولاي!"
همهم لها، ثم تقدَّم من تلك الفتاة المُسترجلة، التي أفلحت في خطفِه مُسبقًا، ثم نبس من بين أسنانٍ مُتَراصّة تنفث غضبًا وكلامًا مسمومًا.
" أنتُم مُجرَّد حفنة أوباش هَمَّكُم جمع المال!"
تناست هيريم أنَّها تقف في حضرةِ الملك وصاحت مِلئ حُنجرتِها، فلقد كان الإتهام، الذي رجمها بهِ لِتَّو، خِنجراً شَقَّ جروح لم تندمل بعد.
" جولة واحدة في السوق ستُثبِت لكَ أنَّك كُنتَ معزول عن شعبِكَ مُنذُ أن كُنتَ فوقَ عرشهم مَرفوع!"
صاح سيهون على أخته بغضب.
"هيريم، أنتِ تقفي في حضرةِ الإمبراطور، كوني أكثر تهذيبًا!"
تنهدت هيريم بأستياء شديد، ثم إزدرئت جوفها تكبِت عصبيَّتُها، وانحنت إلى مولاها، الذي أخذته الصَّدمة فيما قالت.
"أنا آسفة مولاي!"
نبس بيكهيون بنبرةٍ خافتة.
"ما الذي قصدتِّه بكلامكِ مُذُّ قليل؟!"
قضمت هيريم شفتاها ولم تجبه، فصاح بها بقوة غاضبًا حتى أن كتفاها نشزت.
"ما الذي قصدتِّه في كلامكِ؟!"
تدخَّل جونغكوك.
"مولاي، رافِقنا رجاءً لِنوَّضِّح لكَ كُلَّ شيء!"
بإنفعال صرخ عليه بيكهيون.
"أخرس أنت!"
بيكهي، التي رأت أن الموقف محموم زيادة وأنَّ والدها لا يُعطي فُرصة ليسمع الحقيقة، ما أستطاعت أن تلزم المُشاهدة فقط فنبست.
"أبي، دعهم يشرحون لك رجاءً!"
إلتفت لها بيكهيون غاضبًا، وعلى المَلأ صفعها بقوّة لدرجة أنها سقطت أرضًا، إذ صرخت ثم تمسَّكت بوجنتها؛ تنظُر إلى أبيها بعينين غارقتين بالدموع.
فلم يسبق لهُ أبدًا أن إمتدَّت يدهُ بالبطشِ عليها مهما كانت الظُّروف، لكنَّهُ الآن يفعل لأوَّلِ مرّة، إنسابت دموعًا مُنكسِرة على وجنتها، وهي لا تجرؤ أن ترفع رأسها وتنظر إليه.
وأما هو؛ فلم يهتم لإنكسارها أمامه بل لِحرَّةِ الغضب؛ رفع سبَّابته مُهدِّدًا نحوها فيما يرفع حاجبًا بغيظ.
"أنتِ سأُحاسبكِ لاحقًا حسابًا عسيرًا!"
نبست بصوتٍ باكي فقاطعها بغضب شديد.
"أبي؛ أنا...!"
"أخرسي، لا أريد أن أسمع صوتِك!"
إرتعدت إثرَ صرختِه وما عادت تُحرِّك ساكنًا، بل إنَّها أخفضت رأسها مُجددًا عن عينيه القادحتين، وبكت بصمت.
إقتربت منها هيريم لتُساعدها على النُّهوض، لكن الملك صرخ بها، ودفع بها من ذراعها المُصابة نحو الأرض، لكن سيهون أمسك بها سريعًا وضمَّها بين يديه.
"لا تلمسي إبنتي أيَّتُها البربريّة!"
تأوَّهت هيريم مُتألِّمة على سمعِ سيهون، فلقد غارت أصابعه في جُرحِها، وفتَّقَهُ أكثر، إحتضنها سيهون بقوّة بين ذراعيه، وشعر بالغضب لأنَّهُ لا يستطيع أن يُحاسب الإمبراطور عمّا أقدمت يداه بالأذى على أُختِه.
"مولاي، إمنحنا الفُرصة واستمع إلينا، ولو رأيتنا نُبالغ في قياس الأمور سَنعود بكَ إلى القصر ونُسلِّم رِقابنا إليك، لكن إسمعنا أولًا"
نظر بيكهيون نحو سيهون ونبس.
"وما ضمانتي أنَّكَ صادق؟"
تكلَّم جونغ إن وبدى غاضبًا بعض الشيء.
"نحنُ قادة جماعة القمر الدموي، وكلمتنا هنا مثل الختم الملكي، لا تشكيك فيها!"
برم بيكهيون شفتيه يُعجبه الكلام وثِقة هؤلاء المُتمرِّدين بأنفسهم.
"إذًا هاتُم ما لديكُم، سأسمعكُم!"
أفسحوا له الطريق، وسيهون نبس.
"إذًا تفضَّل معنا مولاي، سنُطلعكَ على ما نعرفه"
إلتفتَ بيكهيون إلى عائلته التي تقف في ظهره، فنبس سيهون.
"لا تَخَف عليهم، نحنُ نحميهم، لن نؤذيهم"
رَبَّتَ بيكهيون على وجنةِ جيهان، التي تبكي خوفًا على أبيها، وهمس لها.
"لا تقلقي علي، سأكون بخير صغيرتي!"
أومأت له، ثم بيكهيون نظر نحو بيكهي فأخفضت رأسها مُجددًا، تنهَّد بيكهيون وخرج أمام الجميع إلى الخارِج.
تبعوه القادة الثلاث، والوزير الأول جونغكوك كذلك قائد هذا المَقر دو كيونغسو إلى حُجرةِ الإجتماعات.
دخل قبلهم إلى الحُجرة وجلس في صدارتِها، وأما البقيّة؛ فلم يجلسوا بل وقفوا لكنَّهُ أذِنَ لهم بالجلوس ففعلوا.
أحضر القائد دو الأدلّة الورقيّة التي يملكانها، وسيهون فسَّر.
"هذهِ قائمة بأسماء الوزراء والنُّبلاء وقادة الجيش المُتواطئين مع الأمير تشانيول بهدف نزعِكَ عن العرش، وكما ترى عليها الختم الخاص بالأمير؛ أي أنَّنا لا يُمكِن أن نُزيف ذلك"
قدَّم سيهون بيد الملك الورقة، واتبع.
"وهذهِ بها أسماء الوزراء والنُّبلاء وقادة الجيش والحرس الملكي المُخلصين لك، لقد حوَّلهم إلى لائحةِ الإعدام.
لقد أعدم العديد من النُّبلاء وقدمنا لأجلهم عرائض للبلاط الملكي، وأما الوزراء؛ فكان اسم الوزير جونغكوك الأول على القائمة فقُمنا بإختطافه قبل أن يغتالونه"
وضع سيهون الورقة أمام بيكهيون، تنهَّد بيكهيون بأستياء، كان يعلم أن ابن عمِّه الأمير يرغب في زحزحتِه عن عرشِه مهما كَلَّفهُ الأمر، ولكنَّهُ لم يَكُ يدري أن الحَدَّ وصل به إلى هنا.
تنهد الإمبراطور ووضع الأوراق التي لا يمكن أن تكون مُزيّفة، فخامةِ هذهِ الأوراق لا تتوفر إلا في القصر الملكي، وهذا الختم قطعًا ختمُ الأمير، لو أنَّهُ مُزيَّف لأكتشف ذلك.
"ولِمَ خطفتُم ابنتي الأميرة؟"
أجابه جونغ إن.
"لقد صدر أمرٌ من بلاط الأمير ليلة ما خطفناها أنَّهُ سيقوم بإختطافها ومَسِّ شرفها بالسوء؛ كي تُصيبكَ في شرفك نِدًّا لأنَّك لم تقبل تزويجه أياها حينما طلب ذلك، وهذا هو الدليل، أمرٌ صادر من إحدى الوزراء المواليين له ليقوموا بإختطافها"
قدَّم جونغ إن الأمر الورقي للمولى، الذي تسلَّمه بتراخي، قرأه ثم تنهد ووضعه فوق الأوراق إلى جانبه.
"وماذا عني وبقيّة أطفالي؟"
اتبع سيهون.
"صدرَ أمر من الأمير بجمع رِجاله وإستئجار بعض الرِّجال بغيّة التَّسلُّل إلى القصر، وقتلك في فراشك.
ونحنُ لحفظ سلامتك ما كان بإستطاعتِنا سوى أن نختطفك، وأما الأطفال؛ فأنت تعلم مولاي أنَّهم سيتهمونكَ بالخيانة وينحرون أعناق كل أقاربك؛ لذا قُمنا بإختطافهم، ولكننا لم نستطع أن نُحضِر الملكة ناري، فلقد تكاثروا علينا، وما إستطعنا إلا الفِرار بمن أنقذناهم، نحنُ آسفون!"
وقف الإمبراطور، وتخصَّر يسير مُفكِّرًا والقلق ينهشه، لم يَكُ يدري أنَّ الأمور قد وصلت إلى هذا الحد من خلف ظهره، أن المُتآمرين وصلوا إلى هذا الحد من الجُرءة ضِدَّه.
تنهَّدَ الإمبراطور وإلتفتَ لهم يقول.
"وكيف تعلمون عن كُلِّ هذا وتملكون هذهِ الأدلّة؟!"
أجابه جونغ إن.
"نحنُ نملك أعين وأيدي في كل مكان، نحنُ لسنا مُجرَّد مجموعة من البرابرة الجُهلاء، نحن أبناء النُبلاء، تعلَّمنا ما ينفعنا قبل أن نصعد الجِبال ونعيش في الغابات!"
شعر بيكهيون بنبرةِ التّأنيب، التي تملأ صوت جونغ إن، ولكنَّهُ لم يُعلِّق، بدلًا من ذلك نبس.
"الآن وأنا بأعينهم خائن وإمبراطور فار سيقومون بقتلِ الملكة ناري والأميرة رايناه، عليَّ إنقاذهم مهما تكلَّف الأمر"
همست هيريم هذهِ المَرّة بنبرةٍ ضعيفة وجبهتها تتعرَّق بغزارة.
"لا خوف على الأميرة رايناه، الأمير تشانيول لن يُلحِق بها الأذى، الخوف على الملكة ناري، ونحنُ سنسُارع في إنقاذها، ليس عليكَ أن تقلق مولاي"
إنحنى سيهون لمولاه، ثم وقف ليحمل هيريم على ذراعيه، وخرج بها سريعًا من الحُجرة ليُسعفها، تبعه جونغ إن، والقائد دو إستأذن المَولى للإنصراف.
بقيَ جونغكوك واقفًا في حضرةِ مولاه.
"أتفهَّم غضبك وسخطك مولاي، هكذا شعرتُ عندما إستيقظتُ هُنا وهاجمتهُم جميعًا، لكنَّهم أثبتوا ولائهم حقًا، لقد حموكَ وعِرضكَ دون أن يخشوا الموت أبدًا!"
تنهَّدَ بيكهيون، ثم إقترب من جونغكوك ليُعانقه.
"الصمود دون وجودكَ معي بالجِوار كان في غاية الصعوبة!"
مَرَّ الوقت دون أن يحدُث شيئًا مُهِمًا بعدما هدئ الإمبراطور، وتراجع عن ثورانه، ما زال الإمبراطور لا يثِق بِحُسنِ نوايا هذهِ الجماعة؛ فلقد وقَّع على صَكِّ الموت على رِقابهم جميعًا من أكبرِ قائد إلى أصغرِ عُضوٍ في جماعتهم، الآن لا يفهم كيف يفدونه بأنفُسهم رُغمَّ أنَّهُ حَلَّلَ سفك دمائهم، وهاجمهم عِدَّة مرّات، ورفض التَّفاوض معهم، كما أنَّهُ أعلن عن جائزة لأي من يُخبره بأي شيء بخصوصهم.
لقد عاداهم بوضوح ورفض أن يستمع لهم، والآن هُم يحمونه بأرواحهم، لِمَ يفعلون؟!
لا يُعقل أن هذا كُلَّه وفاء وإنتماء لِحُكمِه، إن لم يملكوا سببًا قويًّا لحمايتِه فهُم بلا شك مشبوهين.
خرج الإمبراطور ليسير في حدودِ الكهف برفقتِه الوزير الأول جونغكوك، الذي يتأخَّرهُ بعدَّةِ خطوات قليلة عنه، تنهد بيكهيون في قلق ثُمَّ نَبس.
"لم أتوقع أن يأتي يوم وأهرب من قصري وأختبئ في كهف، أشعُر أنني لستُ أنا"
تنهَّد جونغكوك برأسه ثم نبس مواسيًّا.
"إنَّ الأمور بالفعلِ ثقيلة لتحملها على كتفيكَ وحدك، القادة الثلاث يخططون لإختطافك مُذُّ فترة طويلة، تفوق فترة مكوثي هُنا"
توقف بيكهيون وإلتفت لجونغكوك، فاتبع.
"هُم يعلمون عن خُطط الأمير تشانيول مُذُّ بدايتها، مُذُّ أن سلَّمتَ ولاية العهد إلى الأمير لي جون وسحبتها منه، مُذُّ ذلك الوقت وهو يُخطِّط لإسقاطك، وهُم يُخطِّطون لِحفظِ حياتك وإنقاذك"
أومئ بيكهيون واتبع سيره، كذلك جونغكوك.
"ولِمَ يفعلون؟!"
توقَّف بيكهيون عن المَسير واتبع.
"لقد حكمتُ عليهم بالإعدام، حاصرتهم، هاجمتهم، رفضتُ التَّفاوض معهم، حتى أنني أصبتُ إحدى قاداتِهم، ورغم ذلك يفدوني بأرواحهم؟! أن هذا لهو أمرٌ عجيب!"
حرَّكَ كتفيه بجهل ونبس.
"أنا لا أدري ما هو السبب، لكنني أعلم أنَّ هُناك سببًا مُقنع، أعلم أنَّهم يدينون لكَ بشيء ويرغبون بسدادِه عبر حمايتك، ولكنّي لا أعرف ما هو"
"قد لا يكونوا يُدينون لي بعُرفان"
أومئ جونغكوك وقال.
"هذا ما قالته الأميرة بيكهي، وسبَّبَ لها تخوّفًا كبيرًا لأجلِ سلامتك، لكنَّهم أظهروا حُسن نواياهم"
توقف بيكهيون عن السير حينما رأى أطفاله الخمس حول النار فيما يأكلون البطاطا الحُلوة كذلك الملكة راهي برفقتهم.
نظر نحو بيكهي، التي تبتسم لإخوانها، وقبض يده التي ضربها بها، لا يُنكِر أنَّهُ يشعر بالنَّدمِ الشَّديد حيالها؛ لكنَّهُ أبصر الخيانة تلوح فوق كل رأس؛ حتّى هي.
سار بيكهيون ناحيتهم وجونغكوك إنحنى له وتوقَّف عن إتبّاعِه، أدركهم بيكهيون فوقفوا أطفاله جميعهم لتحيَّتِه، لكنَّه أشار لهم بالجلوس، ثم جلس هو بجوارِ زوجته وأجلس على ساقِه الأمير لي جون.
"أبي فورما فتحتُ عيناي في هذا المكان الغريب إنتابني الخوف، لقد ظننتُ أنَّهُم سيقتلونا، لكن العم جونغ إن لعب معي، وأخبرني أننا في رحلة طويلة، ولا داعي أن نخاف منهم"
أومئ له بيكهيون فيما يمسح على رأسه.
"نعم، لا تخاف شيء أو أحد، نحنُ فقط خرجنا في رحلةٍ طويلة، وسنعود بعدها إلى القصر، لذا لا تخاف، حسنًا؟!"
أومئ لي جون الصغير، لكن بايان تسآلت فيما فمِها محشو بالبطاطا الحلوة.
"ولكن لِمَ لم تأتي أمي معنا؟!"
تبسَّم لها بيكهيون ونبس.
"لا تقلقي على أُمُكِ صغيرتي، ستأتي قريبًا"
إلتقت عيناه بعيني بيكهي فأسرعت بقطعِ الوِصال وخفضِ رأسِها عنه، يبدو أنَّها أصبحت تخافة زيّادة، فلم تَكُ لفعلتِه اليوم سابقة، بالتّأكيد هي مصدومة.
مدَّت جيهان بيدها البطاطا الحُلوة إلى أبيها وقالت.
"أبي تناولها، إنَّها لذيذة!"
قضمَ من يد إبنته ثم إبتعد يقول.
"هذا كافٍ صغيرتي"
ثم نهض وقال.
"بيكهي اتبعيني"
نظرت نحو جيهان بخوف إلا أن أُختِها أومأت لها، فنهضت تتبعه رغم أنَّها تَبغي الفِرار، وقف بيكهيون قُرب التَّل فيما يُشابك يديه خلف ظهره، وهي تقف خلفه فيما تُخفِض رأسها وتُشابك يديها إلى معدتها.
تحدَّث بيكهيون بنبرةٍ هادئة، فرفعت بيكهي رأسها لتستمع له.
"للوهلة الأولى ظننتُكِ طعنتِني بظهري أنتِ الأُخرى، خِلتُ الجميع خَوَنة، مررتُ بلحظةِ ضعف إثرَ شعوري بالصَّدمة.
لقد تحدَّث النّاس بعِرضكِ كثيرًا، وقالوا أنَّكِ هربتِ مع الوزير جيون، إتَّهموكِ بالزِّنا واتَّهموني بالدَّياثة، كنتُ غاضبًا جدًّا وخائف عليكِ لدرجةِ أنني هاجمتُ والدتِك، واتَّهمتُها بالتَّستُّر عليكِ، لقد كنتُ يائسًا وبائسًا.
لكنني الآن سعيد لمعرفتي أنَّكِ بخير، وتبلين جيدًا، وأنَّ شرفي لم يُمَس بسوء، أنا سعيد"
أجابته بيكهي بنبرةٍ مُنخفِضة.
"هذا بفضلِ هؤلاء الجماعة، لقد أنقذوني من خُطَط عمّي تشانيول وأنقذوك، أنا مُمتنّة لهم للأبد، ولا أظُنني سأقدر أن أرُدَّ الجَميل لهم أبدًا"
إلتفتَ لها بيكهيون ثم فغر بين ذراعيه يُشير لها أن تقترب، فابتسمت شفتيها رغم أن عيناها أدمعت، وأسرعت لِتندس بين زِنديه، زِندي والدها، أكثرُ مكانًا آمن في العالم.
"أنا آسفة يا أبي لأنَّي أقلقتُكَ، آسفة لأنَّني إبنة سيئة!"
مسح على رأسها بيده وبالأخرى مسح دموعها عن وجنتيها الطَّريّة ونبس.
"لا تبكي، تعلمين أنّي أكره رؤية طِفلتي تبكي"
أومأت في كُنفه وهمست.
"لن أبكي بعد الآن أبي"
تبسَّم وعانقها أكثر.
"هذهِ هي إبنتي!"
......................
وأمّا لِدى الملكة ناري؛ فهي تُعاني الأمرَّين بما أنها تِقف في وجهِ العاصفة صامدة لِوحدِها، دون معونة أحد سوى الأميرة رايناه والوزير الثّاني جونغداي كذلك قائد الحرس الملكي يشينغ، رغم ذلك تشعر أنَّها تقف وحدها طالما أنَّ بيكهيون ليس بالجِوار.
مضى يوم من التحقيقات مع الأمير تشانيول وحُلفائه، لكنَّها لم تستطِع أن تستخلِص من فاهِه ولو حقيقة واحدة، هو ما إنفكَّ يُنكِر الإتَّهامات الموجَّهة إليه مهما تصعَّدت في خشونةِ التحقيق، لا شيء.
وأمّا في الزِّنزانة التي وضِع بها الأمير تشانيول معزولًا عن بقيّة حُلفاءه، فلقد كانت الدِّماء تُقطِّر من ناصيته ومن على صِدغيه، كذلك ثيابه مُلوَّثة بدماءه.
أنفاسه تخرج بصعوبة من صدرِه وجسدِه في غاية الإنهاك، لا يقوى أن يُحرِّك طرفًا حتى، لكن ما زال عقله يعمل جيّدًا، لدرجةِ أنَّهُ قادِر أن يعقِد مؤامرة لقلبِ الطّاولة.
ستكون حركة غير متوقَّعة، فهو عالق هُنا في هذا المكان، ولن يخطُر في بال الملكة الأُم أنَّهُ يُحيك ضِدَّها مؤامرة وهو في هذا الوضع البائس.
أشار لحارس زِنزانته أن يقترب، ثم فيما يستند على الحائط ويتنفَّس بصعوبة همس للحارِس.
"إن تعاونتَ معي سأُنصِّبُك قائد لحرس القصر وارفع شأنك، وإن رفضت سأقتُلكَ فور أن أخرج من هنا، ما رأيك؟!"
إزدرئ الشاب جوفه ورمق الأرض بخضوع.
"أيُّ شيء تُريده مولاي!"
ورُغم أنَّ شفتاه مُمزَّقة لكنَّه ما امتنع عن إظهار إبتسامتِه المُعتادة.
"أخبرني ما اسمك؟"
"تشا اونو مولاي"
"تشا اونو... يُعجبني اسمك أيُها الفتى!"
......................
يُتبَع...
الفصل العاشر "العرشُ يهتَز"
الرواية التاريخيّة "العنقاء|| The Emperor's Return"
24th/ Mar/2021
......................
سلااااااااااام
تأخَّر الفصل حبتين... ايم سوري.
المهم الفصل الناري وصل.
رحِّبوا بالشخصيّة الجديدة ماي ليتل بوي اونو... رح يكون له دور بطل ثاني بالمستقبل😌
الفصل القادم بعد 90فوت و كومنت.
1.رأيكم ب:
بيكهيون؟
ردة فعله بعدما أستيقظ؟
كلامه مع بيكهي؟
مع القادة؟
مع جونغكوك؟
تشانيول؟!
إلامَ يُخطِّط؟
2.ما هي الخطوة القادمة للمتمردين؟
3.رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟
دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤
بَطَل:
العنقاء||The Emperor's Return
"العرشُ يهتَز"
في دقائق سابقة؛ كان مفعول المُخدِّر على وشكِ الإندثار، وجلالة الملك يكاد أن يستعيد وعيه في أي لحظة، القادة كانوا في تأهُّب حينما حان وقت إستيقاظه، والجَو مَشحون ويملؤه التَّوتُّر.
إذ وقف سيهون وجونغ إن خارج باب الحُجرة، التي وضعوا الإمبراطور فيها، بِصُحبة القائد دو كيونغسو والوزير الأول جونغكوك.
الجميع يشعر بالتَّوتُّر وخصوصًا الوزير الأول جيون جونغكوك؛ فهو كما يعلم أن الإمبراطور يملك قلبًا طيبًا وروحًا صبورة يملك أيضًا مزاجًا حاميًا وروحًا قتاليّة دائمة الإستعداد لتَّصدي لأي مُباغتة في أي وقت.
وأما داخل حُجرةِ الإمبراطور؛ فلقد بدأ بيكهيون يستعيد وعيه شيئًا فشيئًا؛ إذ حرَّك عُنقه للجهة الأُخرى، وقبض حاجبيه؛ لغرابةِ الشعور الذي يراوده، قبل أن يفتح عينيه رويدًا رويدًا، ويُبصِر السَّقف الغريب عليه.
لَبِثَ في فراشِه دون حركة لثوانٍ معدودة حتى تدفَّقت إليه ذكريات الليلة الفائتة بخمول؛ وذلك لِقوَّة المُخدِّر، الذي استخدموه عليه لتنويمه.
دَقَّ ناقوس الخطر في خَلَدِه، ونظر في الحُجرة التي يضعونه فيها، إنَّهُ ينام على فراشٍ أرضي وثير، ولا شيء في هذه الحُجرة سوى هو والفراش، الذي يندس جسده داخله.
رفع عن جسده الغِطاء، وقعد على الفراش يقوم بجولة إستطلاعية في المكان عبرَ عينيه، لا شيء يمكن أن يستخدمه كسلاح من حوله.
نهض عن فراشه بخفَّة حريصًا ألا يُحدِث أي ضَجّة قد توشي به لِمُختطفينه، ونظر في الفِراش، إنهم يضعون عليه عدة طبقات من الأفرشة، أحدها خفيف جدًا يُمكِّنه من خنقِ عُنق أحدهم.
سحب هذا الغطاء بخفّة ولفَّه حول قبضتيه، ثم أخذ يسير بحذر نحو الباب، فتحهُ رويدًا رويدًا؛ وإذ بِثُلَّة من الرِّجال يقفون أمام بابه، إثنان يحرُسان الباب، وأربعة يقفون على مَقرِبة من الباب فيما يتحدَّثون ويمنحونه ظهورهم.
وجد أن أسهل فريسة إليه الآن هو إحدى الحارسين، عليه أن يحصل على سيف، ثم سيُقاتلهم جميعًا حتى يغلبهم أو يقتلونه.
بحركةٍ خفيفة وحذِرة لَفَّ الغِطاء على قبضتيه، ثم رمى ببدنِ الغطاء الملفوف بشدَّة كما لو أنَّهُ حبل غليظ حول عُنق إحدى الحارسين، واجتذبه بقوّة ناحيته ليسحب سيفه من على خصرِه، ثم ركل ظهرِ الرَّجُل بقوة فأصبح أرضًا يتلوّى، والآخر صرخ.
"الإمبراطور أستيقظ!"
كان الأربعة رجال دون واحد فقط قد إلتفتوا إلى الإمبراطور، الذي أصبح السيف بيدِه بالفعل، وهو جاهز لمُقاتلتهُم جميعًل مهما كانوا كُثُر؛ وهذا بائن من وضعية الهجوم، التي يتخذها ضِدَّهم وعينيه الحادتين.
"كيف تجرؤن على خطفِ الإمبراطور؟"
الرَّجُل الذي لم يلتفت ضِمنَ الأربعة هو جونغكوك، إذ إستهلكه التحضير لهذا الموقف وقتًا مُستقطع إضافيّ حتى أستطاع أن يلتفِت إلى مولاه وينحني تحيةً.
"مولاي"
إنحنى من بعده القادة الشُّبّان الثلاث، إلا أن جونغ إن تمتم فيما ينحني على سمعِ سيهون.
"ظننا أنه لن يملك سلاح يُهاجم به حرسنا المساكين بعدما سحبنا صولجان الشموع من حُجرته، لكنَّه استخدم الغطاء!
إنَّه حقًا ملكٌ عنيف كما تقول هيريم!"
وكزه سيهون بمِرفقِه ليصمت، فهذا فعلًا ليس وقت سماجة جونغ إن وعبثه، أقاموا ظهورهم فيما الإمبراطور ينظر إلى جونغكوك وحسب.
يرمقه بنظرات مُستنكِرة مُكذِّبة، لم يتوقع أن تأتيه الطعنة في ظهرِه من أقرب الناس إليه، ليس من جونغكوك أبدًا؛ إذ نبس بيكهيون لا يُصدِّق ما تراه عيناه.
فلقد ظنَّ بيكهيون أنَّ جونغكوك أسيرٌ لديهم، ولم يتوقع سوى أن يكون بزِنزانة بعيدة تحت الأرض وألا يكون بخير أبدًا.
لكن ها هو يراه في أفضلِ حُلّة لا تنقُصه صحّة ولا زينة، حاله تمامًا كما كان في القصر، لوهلة سُرَّ المولى أن تابعه الوَفي لم يتعرَّض للإذلال، لكنَّهُ الآن يعي لِمَ هو بخير، لقد تخلّى عن صَفِّ الإمبراطور بالفعل، وانظمَّ إلى هؤلاء البرابِرة، وعاونهم ليختطفونه.
"جونغكوك!"
"مولاي!"
أجابه جونغكوك فيما يجمع كفّيه أسفل معدته، وينظر نحو الأرض، ورقبتِه بالفعل مُنحنيّة.
"مولاك؟!"
إستنكر بيكهيون بشدّة فيما يُضيق عينيه على هيئةِ الذي خاله صديقه، تقدَّم بيكهيون من صديقه الذي ظنَّهُ صدوق، ثم لكم صدرِه بخفّة فتراجع جونغكوك خطوة دون أن يُقاوِم.
"لا أُصدِّق أن الشخص الوحيد الذي منحتهُ ثِقتي هو الذي خانني!"
لم يرفع جونغكوك بصره عن الأرض ونبس.
"لم أفعل مولاي، اسمح لي أن أشرح لك!"
صاح به بيكهيون بإنفعال.
"تشرح لي ماذا؟
كيف خُنتني وما مسوِّغاتك لإرتكاب جريمة خيانة عُظمى كهذه!"
رفع جونغكوك رأسه نحو مولاه الإمبراطور ينفي.
"تعلم يا مولاي أنّي أفيدكَ بروحي، ولن أرتكب مثل هذه الجريمة الشنيعة وأنت المولى!"
رفع بيكهيون السيف نحو عُنق جونغكوك ونبس في خشونة.
"لن أسمع المزيد منك أيُّها الخائن!"
وحينها فجأة؛ سمع بيكهيون صوت أُنثوي مألوف قد صرخ.
"أبي!"
إلتفت بيكهيون نحو الصوت وقلبه أخذ ينبض سريعًا، وحينما رأى هذا الوجه الذي اشتاق له كثيرًا تراخى السيف في يده، وهو نبس مُتفاجئًا.
"بيكهي!"
"أبي!"
إنتحبت بيكهي وركضت إلى حُضنِ والدها خلفها جيهان، سقط السيف من يده، واستهلكته الصدمة عِدَّة ثوان حتى استجمع شتاته، وأدرك أن الفتاة، التي بين يديه الآن، هي ابنته المفقودة مُذُّ فترة، بيكهي.
ترك كل شيء كان يُفكِّر به، والأزمة التي كانت تدور الآن، وضمَّ إبنته بقوّة بين ذراعيه، يحس بها ويستنشق رائحتها حتى يدرك حقًا أنها حَيّة.
أبعدها عنه، وأحاط وجنتيها بكفّيه، ونبس فيما يرفع حاجبيه وقد تعبّئ صوته بالقلق.
"أنتِ بخير صغيرتي؟!"
أومأت له، وابتسمت رغم أن دموعها تأبى عن التوقف ووجهها مُرهق، لكن رؤيته بخير وقد نجى من المكائد الخبيثة، التي كانت تُحاك في ظهره على روحه، يجعلها تشعُر بالرّاحة والإطمئنان، وتنسى أنَّها مُرهقة وتحتاج إلى الرِّعاية.
"كنتُ بخير وأصبحتُ أفضل برؤيتك بخير!"
"أبي!"
إلتفت بيكهيون إلى ناحية هذا الصوت الناعم الباكي، وإذ بها جيهان، سُرعان ما اجتذبها من معصمِها ليضمَّها بذراعه الأُخرى فيما يضم بالأولى بيكهي.
ولأولِ مرة مُذُّ أن تسلَّم سُلطاتِه الدُستوريّة يشعُر بالخوف، ليس خائفًا على حياته، وآخر همَّه في هذه الدقائق العصيبة عرشه، الآن همَّه فقط بناته، وهن صبيتان جميلتان أي عين قد تؤذيهما لوما بطشت بهنَّ الأيدي.
كُن الفتاتان أسفل ذراعي والدهن الذي يعُانقهن بقوّة، لكنه تحرَّك بسُرعة، وجعلهن يقفن في ظهره خلف منكبيه العريضين تحديدًا، وواجه هؤلاء البرابِرة، الذي لا يعلم عنهم شيئًا سوى أنهم يتحدّون سُلطته.
"لِمَ قُمتُم بخطفِ أميراتي؟! ألم أكُ كافيًّا بالنِّسبةِ لكم؟!"
هذهِ المرّة سيهون من تحدَّث، فهم المعنيّونَ بالسؤال.
"جلالتك، نحن لم نختطف الأميرات لنضغط عليك عَبىهِن، نحنُ فعلنا ذلك لنحميهن ونحميك"
وقبل أن يَرُد فجأة الملك رأى ملكته الثانية راهي تدخل إلى الحُجرة؛ وهي ترتعد خوفًا، فيما تتمسَّك بيدها بالأمير الصغير لي جون، وخلفها المُلثَّم القصير، بل الفتاة التي هاجمته البارحة في جناحه، وهي تُمسِك بكلتي يديها أميراتِه التؤام الصِّغار وهي تقول.
"سَنُثبِت لكَ حُسن نوايانا مولاي، وأننا لم نفعل شيئًا في هذهِ المسألة ينحرف عن هدفِ حمايتك وعائلتك؛ جلالتك!"
أفلتت يدي الطفلتين، فركضن إلى والدهن يتمسَّكن بساقيه، كذلك لي جون الصغير يتمسَّك بعبائتِه الملكية، والصغار الثلاثة ينتحبون.
"أبي، نحنُ خائفون!"
إجتذب بيكهيون زوجته الملكة راهي من معصمِها لتقف خلفه، ومسح على رؤوس أطفاله يُطمئنُهم بهمساتِه ولمساتِه الحنون.
"أنا هُنا صِغاري، ولن أسمح أن يمسَّكُم أيُّ أذى!"
إبتعد عن أطفاله، وسلمَّهم لِزوجته راهي خلفه، التي ما زالت ترتجف وعيناها تملئها الدموع، إذ همس لها بيكهيون.
"لا تخافي، أنتِ بظهري ولسوف أحميكِ بروحي أنتِ وأطفالي!"
أومأت له ثم نبست.
"أرجوكَ لا تتأذّى مولاي!"
همهم لها، ثم تقدَّم من تلك الفتاة المُسترجلة، التي أفلحت في خطفِه مُسبقًا، ثم نبس من بين أسنانٍ مُتَراصّة تنفث غضبًا وكلامًا مسمومًا.
" أنتُم مُجرَّد حفنة أوباش هَمَّكُم جمع المال!"
تناست هيريم أنَّها تقف في حضرةِ الملك وصاحت مِلئ حُنجرتِها، فلقد كان الإتهام، الذي رجمها بهِ لِتَّو، خِنجراً شَقَّ جروح لم تندمل بعد.
" جولة واحدة في السوق ستُثبِت لكَ أنَّك كُنتَ معزول عن شعبِكَ مُنذُ أن كُنتَ فوقَ عرشهم مَرفوع!"
صاح سيهون على أخته بغضب.
"هيريم، أنتِ تقفي في حضرةِ الإمبراطور، كوني أكثر تهذيبًا!"
تنهدت هيريم بأستياء شديد، ثم إزدرئت جوفها تكبِت عصبيَّتُها، وانحنت إلى مولاها، الذي أخذته الصَّدمة فيما قالت.
"أنا آسفة مولاي!"
نبس بيكهيون بنبرةٍ خافتة.
"ما الذي قصدتِّه بكلامكِ مُذُّ قليل؟!"
قضمت هيريم شفتاها ولم تجبه، فصاح بها بقوة غاضبًا حتى أن كتفاها نشزت.
"ما الذي قصدتِّه في كلامكِ؟!"
تدخَّل جونغكوك.
"مولاي، رافِقنا رجاءً لِنوَّضِّح لكَ كُلَّ شيء!"
بإنفعال صرخ عليه بيكهيون.
"أخرس أنت!"
بيكهي، التي رأت أن الموقف محموم زيادة وأنَّ والدها لا يُعطي فُرصة ليسمع الحقيقة، ما أستطاعت أن تلزم المُشاهدة فقط فنبست.
"أبي، دعهم يشرحون لك رجاءً!"
إلتفت لها بيكهيون غاضبًا، وعلى المَلأ صفعها بقوّة لدرجة أنها سقطت أرضًا، إذ صرخت ثم تمسَّكت بوجنتها؛ تنظُر إلى أبيها بعينين غارقتين بالدموع.
فلم يسبق لهُ أبدًا أن إمتدَّت يدهُ بالبطشِ عليها مهما كانت الظُّروف، لكنَّهُ الآن يفعل لأوَّلِ مرّة، إنسابت دموعًا مُنكسِرة على وجنتها، وهي لا تجرؤ أن ترفع رأسها وتنظر إليه.
وأما هو؛ فلم يهتم لإنكسارها أمامه بل لِحرَّةِ الغضب؛ رفع سبَّابته مُهدِّدًا نحوها فيما يرفع حاجبًا بغيظ.
"أنتِ سأُحاسبكِ لاحقًا حسابًا عسيرًا!"
نبست بصوتٍ باكي فقاطعها بغضب شديد.
"أبي؛ أنا...!"
"أخرسي، لا أريد أن أسمع صوتِك!"
إرتعدت إثرَ صرختِه وما عادت تُحرِّك ساكنًا، بل إنَّها أخفضت رأسها مُجددًا عن عينيه القادحتين، وبكت بصمت.
إقتربت منها هيريم لتُساعدها على النُّهوض، لكن الملك صرخ بها، ودفع بها من ذراعها المُصابة نحو الأرض، لكن سيهون أمسك بها سريعًا وضمَّها بين يديه.
"لا تلمسي إبنتي أيَّتُها البربريّة!"
تأوَّهت هيريم مُتألِّمة على سمعِ سيهون، فلقد غارت أصابعه في جُرحِها، وفتَّقَهُ أكثر، إحتضنها سيهون بقوّة بين ذراعيه، وشعر بالغضب لأنَّهُ لا يستطيع أن يُحاسب الإمبراطور عمّا أقدمت يداه بالأذى على أُختِه.
"مولاي، إمنحنا الفُرصة واستمع إلينا، ولو رأيتنا نُبالغ في قياس الأمور سَنعود بكَ إلى القصر ونُسلِّم رِقابنا إليك، لكن إسمعنا أولًا"
نظر بيكهيون نحو سيهون ونبس.
"وما ضمانتي أنَّكَ صادق؟"
تكلَّم جونغ إن وبدى غاضبًا بعض الشيء.
"نحنُ قادة جماعة القمر الدموي، وكلمتنا هنا مثل الختم الملكي، لا تشكيك فيها!"
برم بيكهيون شفتيه يُعجبه الكلام وثِقة هؤلاء المُتمرِّدين بأنفسهم.
"إذًا هاتُم ما لديكُم، سأسمعكُم!"
أفسحوا له الطريق، وسيهون نبس.
"إذًا تفضَّل معنا مولاي، سنُطلعكَ على ما نعرفه"
إلتفتَ بيكهيون إلى عائلته التي تقف في ظهره، فنبس سيهون.
"لا تَخَف عليهم، نحنُ نحميهم، لن نؤذيهم"
رَبَّتَ بيكهيون على وجنةِ جيهان، التي تبكي خوفًا على أبيها، وهمس لها.
"لا تقلقي علي، سأكون بخير صغيرتي!"
أومأت له، ثم بيكهيون نظر نحو بيكهي فأخفضت رأسها مُجددًا، تنهَّد بيكهيون وخرج أمام الجميع إلى الخارِج.
تبعوه القادة الثلاث، والوزير الأول جونغكوك كذلك قائد هذا المَقر دو كيونغسو إلى حُجرةِ الإجتماعات.
دخل قبلهم إلى الحُجرة وجلس في صدارتِها، وأما البقيّة؛ فلم يجلسوا بل وقفوا لكنَّهُ أذِنَ لهم بالجلوس ففعلوا.
أحضر القائد دو الأدلّة الورقيّة التي يملكانها، وسيهون فسَّر.
"هذهِ قائمة بأسماء الوزراء والنُّبلاء وقادة الجيش المُتواطئين مع الأمير تشانيول بهدف نزعِكَ عن العرش، وكما ترى عليها الختم الخاص بالأمير؛ أي أنَّنا لا يُمكِن أن نُزيف ذلك"
قدَّم سيهون بيد الملك الورقة، واتبع.
"وهذهِ بها أسماء الوزراء والنُّبلاء وقادة الجيش والحرس الملكي المُخلصين لك، لقد حوَّلهم إلى لائحةِ الإعدام.
لقد أعدم العديد من النُّبلاء وقدمنا لأجلهم عرائض للبلاط الملكي، وأما الوزراء؛ فكان اسم الوزير جونغكوك الأول على القائمة فقُمنا بإختطافه قبل أن يغتالونه"
وضع سيهون الورقة أمام بيكهيون، تنهَّد بيكهيون بأستياء، كان يعلم أن ابن عمِّه الأمير يرغب في زحزحتِه عن عرشِه مهما كَلَّفهُ الأمر، ولكنَّهُ لم يَكُ يدري أن الحَدَّ وصل به إلى هنا.
تنهد الإمبراطور ووضع الأوراق التي لا يمكن أن تكون مُزيّفة، فخامةِ هذهِ الأوراق لا تتوفر إلا في القصر الملكي، وهذا الختم قطعًا ختمُ الأمير، لو أنَّهُ مُزيَّف لأكتشف ذلك.
"ولِمَ خطفتُم ابنتي الأميرة؟"
أجابه جونغ إن.
"لقد صدر أمرٌ من بلاط الأمير ليلة ما خطفناها أنَّهُ سيقوم بإختطافها ومَسِّ شرفها بالسوء؛ كي تُصيبكَ في شرفك نِدًّا لأنَّك لم تقبل تزويجه أياها حينما طلب ذلك، وهذا هو الدليل، أمرٌ صادر من إحدى الوزراء المواليين له ليقوموا بإختطافها"
قدَّم جونغ إن الأمر الورقي للمولى، الذي تسلَّمه بتراخي، قرأه ثم تنهد ووضعه فوق الأوراق إلى جانبه.
"وماذا عني وبقيّة أطفالي؟"
اتبع سيهون.
"صدرَ أمر من الأمير بجمع رِجاله وإستئجار بعض الرِّجال بغيّة التَّسلُّل إلى القصر، وقتلك في فراشك.
ونحنُ لحفظ سلامتك ما كان بإستطاعتِنا سوى أن نختطفك، وأما الأطفال؛ فأنت تعلم مولاي أنَّهم سيتهمونكَ بالخيانة وينحرون أعناق كل أقاربك؛ لذا قُمنا بإختطافهم، ولكننا لم نستطع أن نُحضِر الملكة ناري، فلقد تكاثروا علينا، وما إستطعنا إلا الفِرار بمن أنقذناهم، نحنُ آسفون!"
وقف الإمبراطور، وتخصَّر يسير مُفكِّرًا والقلق ينهشه، لم يَكُ يدري أنَّ الأمور قد وصلت إلى هذا الحد من خلف ظهره، أن المُتآمرين وصلوا إلى هذا الحد من الجُرءة ضِدَّه.
تنهَّدَ الإمبراطور وإلتفتَ لهم يقول.
"وكيف تعلمون عن كُلِّ هذا وتملكون هذهِ الأدلّة؟!"
أجابه جونغ إن.
"نحنُ نملك أعين وأيدي في كل مكان، نحنُ لسنا مُجرَّد مجموعة من البرابرة الجُهلاء، نحن أبناء النُبلاء، تعلَّمنا ما ينفعنا قبل أن نصعد الجِبال ونعيش في الغابات!"
شعر بيكهيون بنبرةِ التّأنيب، التي تملأ صوت جونغ إن، ولكنَّهُ لم يُعلِّق، بدلًا من ذلك نبس.
"الآن وأنا بأعينهم خائن وإمبراطور فار سيقومون بقتلِ الملكة ناري والأميرة رايناه، عليَّ إنقاذهم مهما تكلَّف الأمر"
همست هيريم هذهِ المَرّة بنبرةٍ ضعيفة وجبهتها تتعرَّق بغزارة.
"لا خوف على الأميرة رايناه، الأمير تشانيول لن يُلحِق بها الأذى، الخوف على الملكة ناري، ونحنُ سنسُارع في إنقاذها، ليس عليكَ أن تقلق مولاي"
إنحنى سيهون لمولاه، ثم وقف ليحمل هيريم على ذراعيه، وخرج بها سريعًا من الحُجرة ليُسعفها، تبعه جونغ إن، والقائد دو إستأذن المَولى للإنصراف.
بقيَ جونغكوك واقفًا في حضرةِ مولاه.
"أتفهَّم غضبك وسخطك مولاي، هكذا شعرتُ عندما إستيقظتُ هُنا وهاجمتهُم جميعًا، لكنَّهم أثبتوا ولائهم حقًا، لقد حموكَ وعِرضكَ دون أن يخشوا الموت أبدًا!"
تنهَّدَ بيكهيون، ثم إقترب من جونغكوك ليُعانقه.
"الصمود دون وجودكَ معي بالجِوار كان في غاية الصعوبة!"
مَرَّ الوقت دون أن يحدُث شيئًا مُهِمًا بعدما هدئ الإمبراطور، وتراجع عن ثورانه، ما زال الإمبراطور لا يثِق بِحُسنِ نوايا هذهِ الجماعة؛ فلقد وقَّع على صَكِّ الموت على رِقابهم جميعًا من أكبرِ قائد إلى أصغرِ عُضوٍ في جماعتهم، الآن لا يفهم كيف يفدونه بأنفُسهم رُغمَّ أنَّهُ حَلَّلَ سفك دمائهم، وهاجمهم عِدَّة مرّات، ورفض التَّفاوض معهم، كما أنَّهُ أعلن عن جائزة لأي من يُخبره بأي شيء بخصوصهم.
لقد عاداهم بوضوح ورفض أن يستمع لهم، والآن هُم يحمونه بأرواحهم، لِمَ يفعلون؟!
لا يُعقل أن هذا كُلَّه وفاء وإنتماء لِحُكمِه، إن لم يملكوا سببًا قويًّا لحمايتِه فهُم بلا شك مشبوهين.
خرج الإمبراطور ليسير في حدودِ الكهف برفقتِه الوزير الأول جونغكوك، الذي يتأخَّرهُ بعدَّةِ خطوات قليلة عنه، تنهد بيكهيون في قلق ثُمَّ نَبس.
"لم أتوقع أن يأتي يوم وأهرب من قصري وأختبئ في كهف، أشعُر أنني لستُ أنا"
تنهَّد جونغكوك برأسه ثم نبس مواسيًّا.
"إنَّ الأمور بالفعلِ ثقيلة لتحملها على كتفيكَ وحدك، القادة الثلاث يخططون لإختطافك مُذُّ فترة طويلة، تفوق فترة مكوثي هُنا"
توقف بيكهيون وإلتفت لجونغكوك، فاتبع.
"هُم يعلمون عن خُطط الأمير تشانيول مُذُّ بدايتها، مُذُّ أن سلَّمتَ ولاية العهد إلى الأمير لي جون وسحبتها منه، مُذُّ ذلك الوقت وهو يُخطِّط لإسقاطك، وهُم يُخطِّطون لِحفظِ حياتك وإنقاذك"
أومئ بيكهيون واتبع سيره، كذلك جونغكوك.
"ولِمَ يفعلون؟!"
توقَّف بيكهيون عن المَسير واتبع.
"لقد حكمتُ عليهم بالإعدام، حاصرتهم، هاجمتهم، رفضتُ التَّفاوض معهم، حتى أنني أصبتُ إحدى قاداتِهم، ورغم ذلك يفدوني بأرواحهم؟! أن هذا لهو أمرٌ عجيب!"
حرَّكَ كتفيه بجهل ونبس.
"أنا لا أدري ما هو السبب، لكنني أعلم أنَّ هُناك سببًا مُقنع، أعلم أنَّهم يدينون لكَ بشيء ويرغبون بسدادِه عبر حمايتك، ولكنّي لا أعرف ما هو"
"قد لا يكونوا يُدينون لي بعُرفان"
أومئ جونغكوك وقال.
"هذا ما قالته الأميرة بيكهي، وسبَّبَ لها تخوّفًا كبيرًا لأجلِ سلامتك، لكنَّهم أظهروا حُسن نواياهم"
توقف بيكهيون عن السير حينما رأى أطفاله الخمس حول النار فيما يأكلون البطاطا الحُلوة كذلك الملكة راهي برفقتهم.
نظر نحو بيكهي، التي تبتسم لإخوانها، وقبض يده التي ضربها بها، لا يُنكِر أنَّهُ يشعر بالنَّدمِ الشَّديد حيالها؛ لكنَّهُ أبصر الخيانة تلوح فوق كل رأس؛ حتّى هي.
سار بيكهيون ناحيتهم وجونغكوك إنحنى له وتوقَّف عن إتبّاعِه، أدركهم بيكهيون فوقفوا أطفاله جميعهم لتحيَّتِه، لكنَّه أشار لهم بالجلوس، ثم جلس هو بجوارِ زوجته وأجلس على ساقِه الأمير لي جون.
"أبي فورما فتحتُ عيناي في هذا المكان الغريب إنتابني الخوف، لقد ظننتُ أنَّهُم سيقتلونا، لكن العم جونغ إن لعب معي، وأخبرني أننا في رحلة طويلة، ولا داعي أن نخاف منهم"
أومئ له بيكهيون فيما يمسح على رأسه.
"نعم، لا تخاف شيء أو أحد، نحنُ فقط خرجنا في رحلةٍ طويلة، وسنعود بعدها إلى القصر، لذا لا تخاف، حسنًا؟!"
أومئ لي جون الصغير، لكن بايان تسآلت فيما فمِها محشو بالبطاطا الحلوة.
"ولكن لِمَ لم تأتي أمي معنا؟!"
تبسَّم لها بيكهيون ونبس.
"لا تقلقي على أُمُكِ صغيرتي، ستأتي قريبًا"
إلتقت عيناه بعيني بيكهي فأسرعت بقطعِ الوِصال وخفضِ رأسِها عنه، يبدو أنَّها أصبحت تخافة زيّادة، فلم تَكُ لفعلتِه اليوم سابقة، بالتّأكيد هي مصدومة.
مدَّت جيهان بيدها البطاطا الحُلوة إلى أبيها وقالت.
"أبي تناولها، إنَّها لذيذة!"
قضمَ من يد إبنته ثم إبتعد يقول.
"هذا كافٍ صغيرتي"
ثم نهض وقال.
"بيكهي اتبعيني"
نظرت نحو جيهان بخوف إلا أن أُختِها أومأت لها، فنهضت تتبعه رغم أنَّها تَبغي الفِرار، وقف بيكهيون قُرب التَّل فيما يُشابك يديه خلف ظهره، وهي تقف خلفه فيما تُخفِض رأسها وتُشابك يديها إلى معدتها.
تحدَّث بيكهيون بنبرةٍ هادئة، فرفعت بيكهي رأسها لتستمع له.
"للوهلة الأولى ظننتُكِ طعنتِني بظهري أنتِ الأُخرى، خِلتُ الجميع خَوَنة، مررتُ بلحظةِ ضعف إثرَ شعوري بالصَّدمة.
لقد تحدَّث النّاس بعِرضكِ كثيرًا، وقالوا أنَّكِ هربتِ مع الوزير جيون، إتَّهموكِ بالزِّنا واتَّهموني بالدَّياثة، كنتُ غاضبًا جدًّا وخائف عليكِ لدرجةِ أنني هاجمتُ والدتِك، واتَّهمتُها بالتَّستُّر عليكِ، لقد كنتُ يائسًا وبائسًا.
لكنني الآن سعيد لمعرفتي أنَّكِ بخير، وتبلين جيدًا، وأنَّ شرفي لم يُمَس بسوء، أنا سعيد"
أجابته بيكهي بنبرةٍ مُنخفِضة.
"هذا بفضلِ هؤلاء الجماعة، لقد أنقذوني من خُطَط عمّي تشانيول وأنقذوك، أنا مُمتنّة لهم للأبد، ولا أظُنني سأقدر أن أرُدَّ الجَميل لهم أبدًا"
إلتفتَ لها بيكهيون ثم فغر بين ذراعيه يُشير لها أن تقترب، فابتسمت شفتيها رغم أن عيناها أدمعت، وأسرعت لِتندس بين زِنديه، زِندي والدها، أكثرُ مكانًا آمن في العالم.
"أنا آسفة يا أبي لأنَّي أقلقتُكَ، آسفة لأنَّني إبنة سيئة!"
مسح على رأسها بيده وبالأخرى مسح دموعها عن وجنتيها الطَّريّة ونبس.
"لا تبكي، تعلمين أنّي أكره رؤية طِفلتي تبكي"
أومأت في كُنفه وهمست.
"لن أبكي بعد الآن أبي"
تبسَّم وعانقها أكثر.
"هذهِ هي إبنتي!"
......................
وأمّا لِدى الملكة ناري؛ فهي تُعاني الأمرَّين بما أنها تِقف في وجهِ العاصفة صامدة لِوحدِها، دون معونة أحد سوى الأميرة رايناه والوزير الثّاني جونغداي كذلك قائد الحرس الملكي يشينغ، رغم ذلك تشعر أنَّها تقف وحدها طالما أنَّ بيكهيون ليس بالجِوار.
مضى يوم من التحقيقات مع الأمير تشانيول وحُلفائه، لكنَّها لم تستطِع أن تستخلِص من فاهِه ولو حقيقة واحدة، هو ما إنفكَّ يُنكِر الإتَّهامات الموجَّهة إليه مهما تصعَّدت في خشونةِ التحقيق، لا شيء.
وأمّا في الزِّنزانة التي وضِع بها الأمير تشانيول معزولًا عن بقيّة حُلفاءه، فلقد كانت الدِّماء تُقطِّر من ناصيته ومن على صِدغيه، كذلك ثيابه مُلوَّثة بدماءه.
أنفاسه تخرج بصعوبة من صدرِه وجسدِه في غاية الإنهاك، لا يقوى أن يُحرِّك طرفًا حتى، لكن ما زال عقله يعمل جيّدًا، لدرجةِ أنَّهُ قادِر أن يعقِد مؤامرة لقلبِ الطّاولة.
ستكون حركة غير متوقَّعة، فهو عالق هُنا في هذا المكان، ولن يخطُر في بال الملكة الأُم أنَّهُ يُحيك ضِدَّها مؤامرة وهو في هذا الوضع البائس.
أشار لحارس زِنزانته أن يقترب، ثم فيما يستند على الحائط ويتنفَّس بصعوبة همس للحارِس.
"إن تعاونتَ معي سأُنصِّبُك قائد لحرس القصر وارفع شأنك، وإن رفضت سأقتُلكَ فور أن أخرج من هنا، ما رأيك؟!"
إزدرئ الشاب جوفه ورمق الأرض بخضوع.
"أيُّ شيء تُريده مولاي!"
ورُغم أنَّ شفتاه مُمزَّقة لكنَّه ما امتنع عن إظهار إبتسامتِه المُعتادة.
"أخبرني ما اسمك؟"
"تشا اونو مولاي"
"تشا اونو... يُعجبني اسمك أيُها الفتى!"
......................
يُتبَع...
الفصل العاشر "العرشُ يهتَز"
الرواية التاريخيّة "العنقاء|| The Emperor's Return"
24th/ Mar/2021
......................
سلااااااااااام
تأخَّر الفصل حبتين... ايم سوري.
المهم الفصل الناري وصل.
رحِّبوا بالشخصيّة الجديدة ماي ليتل بوي اونو... رح يكون له دور بطل ثاني بالمستقبل😌
الفصل القادم بعد 90فوت و كومنت.
1.رأيكم ب:
بيكهيون؟
ردة فعله بعدما أستيقظ؟
كلامه مع بيكهي؟
مع القادة؟
مع جونغكوك؟
تشانيول؟!
إلامَ يُخطِّط؟
2.ما هي الخطوة القادمة للمتمردين؟
3.رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟
دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤
Коментарі