CH15||شرانق عواطف
بيون بيكهيون (الإمبراطور)
بَطل:
العنقاء||The Emperor's Return
"شرانق عواطف"
*يحتوي على محتوى للبالغين
...
لطالما تعوَّدَ قادةُ جماعة القمر الدَّموي ألا يَثقوا بأحد كائنًا من يكون؛ لأنَّ الخَوَنة في كُلِّ مكان ينتشرون، وبأبهى الحُلَل يتزيَّنون؛ فلا يُميَّزون ولا تَهِب روائحهم النَّتِنة.
مُذُّ عشرة أعوام؛ مُذُّ أن كانوا ثلاثة أفراد فقط، لم يَكُ قد تخلَّلهم أيُ أحد، لم يَكُ قد صادقهم أحد، أو عاداهم أحد، مُذُّ ذلك الوقت تخوَّفوا من الخونة وكانوا على حذرٍ منهم.
لكن اليوم يقعون بفخِ مكيدتهم، دومًا ما كانوا يعلمون أنَّهم لو قِتلوا سيقتلون غدرًا، وأنَّ الموت الربّاني بعيد عن منالِهم... يدرون أن هذهِ ستكون الحقيقة.
لكن ما لا يدرونه؛ وما يكون مُفاجئ بالنِّسبةِ لهم؛ أن يكون هذا اليوم هو اليوم بالتحديد، وأن تحين النِّهاية قبل إنجاز أي شيء جديد، قبل فعل أي شيء قد سعوا إليه، باكرًا جدًّا هكذا.
ما كان بيدِهم حيلة سوى الإستسلام لهؤلاء الخَونة، ليس خوفًا على أنفسهم منهم، بل خوفًا على الرَّجُل الصغير في الكيس.
ساقوهم إلى مكانٍ يجهلونه، مُغمّى على عيونهم وأيديهم مُقيّدة خلف ظهورهم، وبعد سيرٍ طويل توقفوا عن السير، ثم رَجل وضع يده فوق كتف سيهون وآخر فوق كتف جونغ إن بغرضِ إركاعهما أرضًا.
جونغ إن فَضَّ يد الرَّجُل عنه بعصبيّة وسيهون صاح بغضب.
"لو كنتَ تُريد يدك أبعدها عني!"
"دعوهما وشأنهما!"
وصلهم أمر من صوتٍ مكتوم لا تتميَّز رنَّته، فتراجع عنهما الرَّجُلين يطيعان سيّدهم، فُكَّت أيديهم ثم كل منهما فكَّ العِصابة عن عينيه.
وإذ به ذاك الرَّجُل ضئيل البُنيّة يتلثَّم، ويجلس على كرسي فخم عالي المقام، والخائنان جونغداي وايشينغ يحُدّانه واقفان عن اليمين وعن الشمال.
"ما الذي تريدونه؟!"
قال سيهون بغلاظة فردَّ الرَّجُل المُلثَّم.
"أن نتعاون"
"عَلامَ؟!"
تسآل جونغ إن فردَّ الرَّجُل ذاته.
"على إسقاط الملك الجديد وإستعادة الملك بيكهيون لعرشه"
تناظر سيهون وجونغ إن بقلق، بالتأكيد هؤلاء الخونة هم من أفشوا له بالسِّر، كان أكبر خطأ أرتكبوه أنهم وثقوا بمن يثق بهم الملك.
نهض الرَّجُل المُلثَّم وتقدَّم منهم.
"صدِّقوني لا يَطوق أحد على إسقاط الملك تشانيول بقدري، أنا وأنتم نريد بيكهيون ملكًا، هدفنا واحد؛ لِمَ لا نكون نحن واحد أيضًا؟!"
تسآل سيهون.
"وكيف نثق بك؟!"
صمت الرَّجُل لبعضِ الوقت، ثم رفع يده ونزع لِثامه عن وجهه.
ضيَّق سيهون عينيه وهمس.
"من أنتِ؟"
أجاب جونغداي عنها.
"يدعونها جلالة الملكة حاليًّا، لكنها تُفضِّل أن تبقى سمو الأميرة رايناه"
"أنا شقيقة بيكهيون الوحيدة وزوجة تشانيول"
إنحنى سيهون وجونغ إن لها سريعًا.
"سموِّك نحنُ بِخدمتك!"
تبسَّمت رايناه وأومأت لهما ثم قالت.
"سأُعاونكم من داخلِ القصر وعلى ما أقدر عليه وما لا أقدر، سأفني حياتي في سبيلِ الحق لو إستلزم"
تبادلا العزم في نظرات، وفي تلك اللحظة؛ أدرك سيهون وجونغ إن أنهُما لم يتعرضا للخيانة بل إشتدَّ عِضدهما أكثر بهذهِ الأميرة.
تبسَّم جونغداي، وايشينغ نقر كتف جونغ إن فيما يتحسَّس فكّه.
"يدك قاسية"
"تستحق!"
ضحك ايشينغ ثم عانق بين يديه جونغ إن الذي ربَّت عليه وكأنه يعتذر رغم أنَّهُ يستحق.
آتى رجلان يجرّان الكيس الذي به الرجل الصغير، حينها قال جونغداي.
"هذه أمانتكم، يمكنكم إستعادتِها"
أمسك سيهون في عُقدة الكيس ثم رفع لِثامه وغادر يتبعه جونغ إن الذي إنحنى للملكة للمرّة الأخيرة قبل أن يُغادر.
تنهدت رايناه براحة بعد مُغادرتهم، ثم تطلَّعت إلى الرَّجُلين اللذين يحدّانِها.
لم يكن سكوتها عن أفعال تشانيول ومحاولات إسترضائه إلا فخًا؛ كي يترك لها بعض الوقت الحُر منه، فطالما هو غاضب منها سيبقيها تحت عينيه.
ممنوع أن تخرج، ممنوع أن تتحرك، ممنوع أن تُقابل أحد، لذا أجبرت نفسها وطوَّعت قلبها لمهمة حُب، وإن كان حُبًا مُزيف عليه أن يبدو صادق وحقيقي كي تنجح في إقناعه.
وبِبساطة؛ قُبلة كانت كافية منها لكي يؤمن بها ويصدقها؛ لأنه مُتلهف للحُب من على يديها.
لو ما كان قد أقدم على سرقة ما ليس له وإعدام روحًا بريئة؛ لرُبَّما بقيت لآخرِ لحظة في حياتها معه ووفيّة له كما السّابق مهما كان سيئًا؛ تخوّفًا منه، وتخوّفًا من نظرةِ الناس لها.
لكن روح الحُب وصلت الحُنجرة واستفرغتها، لطالما كان تشانيول أثمن عليها من كل شيء، حتى من نفسها وإلا ما سمحت له أن يذلها، لكنَّه بالغ في شرِّه لدرجة جعلت الحُب في صدرِها له يتقلَّص ويتقلَّص حتى أصبح لا شيء يُذكر.
الأمس عاد جونغداي وايشينغ إلى القصر الملكي بعد إعتكاف دام لمُدة أربعين يومًا كما هو مُقرَّر في المعبد الكونفوشي.
المُضحك في الأمر أن العبادة أصبحت عقابًا لهم، ولكن جونغداي وايشينغ شعرا أنها مُكافئة وليست عقابًا، فلقد منحهم الملك وقتًا كافيًّا للتفكير في خُطَّة للإنقلاب عليه.
ما لم يتوقعانه أن تأتي لهم رايناه في زي سيدة بلاط، وتجتمع بهم داخل القصر للإطاحة بصاحبه الجديد.
كانت قد إتفقت مع إحدى سيدات بلاطها الوفيات لها أن يتبادلا الأدوار لساعة فقط، فنامت سيدة البلاط في فراشها، وهي إرتدت ثياب الأُخرى وغادرت الحرم الملكي، تسللت إلى مخدع سيدات البلاط، وحينما نامت العيون خرجت من القصر عبر عربة نقل مارّة؛ رَشت صاحبها ببعض الفضّة ليقول أنَّها تخصُّه.
وهكذا أصبحت خارج القصر بعد مُنتصف الليل، توجهت إلى منزل الوزير الأسبق جونغداي، حينما رآها تعرَّف عليها فورًا واستضافها، ولحُسن حظها؛ فلقد كان ايشينغ عنده أيضًا، لا حاجة لتضييع الوقت في إنتظاره.
جمع المجلس ثلاثتهم، ثم جونغداي سألها بقلق.
"مولاتي، لو علم الملك الجديد أنَّكِ هنا سيقتلك"
"لن يعلم، لا تقلقوا"
تنهد ايشينغ واستجوبها.
"لِمَ تُخاطرين بنفسِك يا مولاتي؟! لِمَ أنتِ هُنا؟!"
تنهدت رايناه، ثم وقفت تسير في أرجاء الغُرفة.
"لا أُبالي بنفسي، هُناك ما هو أهم مني"
إلتفتت إليهما واتبعت.
"أن أكون الملكة زوجة الملك منصب لا يناسبني ولا أُريده، لكنَّهُ فُرِض علي فرضًا، لقد ولدتُ أميرة وأُفضِّل أن أموت أميرة"
تسآل جونغداي.
"ماذا تقصدين مولاتي؟!"
فلقد إستشعر جونغداي الخطر والطمأنينة معًا في كلماتها، الطمأنينة بأنها في صفِّهم والخطر بأنها فردًا ثمينًا، لو خانت واكتُشِفَت خيانتها ستكون أسوء النهايات على الإطلاق.
"حدسي يُخبرني بأنَّ أخي حي لم يَمُت كما يدَّعون، وأنَّهُ قادم لا محالة مهما تأخَّر كما القيامة بالضبط، سيأتي للحساب مهما تأخَّر"
نظر الرَّجُلان ببعضهما دون أن ينبسا بحرف، ثم بعد وهلة ايشينغ سألها.
"وإن كان حي؛ ماذا ستفعلي؟"
"أي شيء ليستعيد مُلكه"
"وإن كان ميّت؟"
"أي شيء ليستعيد حقَّه"
"وماذا لو كُشفتِ؟"
"تشانيول سيقتلني"
"ولا تُبالي بحياتك؟"
"أنا جُثّة تسير، لا يخاف الميت من الموت"
ساد الصمت لبضعِ دقائق، كلاهما لا يعلم كيف يتصَّرف، أيضُمّانها لصفِّهما للقتال من أجل الحق، أم يتجاهلان ما حدث للتو وكأنَّهُ لم يحدث؛ وكأنَّها لم تأتي؟!
نظرت إليهما ورأت الحيرة تتصبَّغ في وجهيهما، تنهدت ثم تسآلت.
"ألا تروني كفوًا؟!"
أجابها ايشينغ.
"لا يمكننا تجاهل أنَّكِ الأميرة ولا نُريد أن تتأذّي"
تملَّكتها جُرءة غريبة وشجاعة حينما هتفت.
"بل لا تتجاهلوا أنَّني أُريد أن أثأر لأخي حيًّا أو ميّتًا، وأنَّني سآخذ ثأري هذا من زوجي، زوجي الذي يعرفه أحد كما أعرفه أنا، ولا يحفظ دهائه أحد كما أفعل أنا.
سأكون مفيدة لكم وتكونون مفيدين لي؛ لذا أردتُ أن أتحالف معكم، وإن رفضتم سأستمر وحدي، لن يردعني رفضكم لي بينكم"
ومعالمها كانت تحكي أن لا جدال في هذه القضيّة المُنتهية بالنِّسبة لها؛ لذا ضموَّها إليهما، فسيكون بوسعهم حمايتها وتصحيح الطريق لأجلِها.
"إذً أنتِ معنا من هذه االحظة!"
حينها تنهَّدت براحة وتملَّكها العزم، في نهايةِ المَطاف؛ إمّا أن تهلك هي أو يهلك زوجها الملك.
.................
هيريم ما زالت تَقِف قُربَ فوهة الكهف بإنتظارِ عودة أخويها، القلق تملَّكها وتكاد تأمُر الفارس أن يأتي لها بفرسِها؛ لتذهب لهم وتُقاتِل بنفسِها ضِدَّ من يؤخرهم كائنًا من يكوم.
لهيريم طبعٌ مُتهوِّر إن مَسَّ الأمرُ إخوانها، فهي بالمعنى الحرفي لا تملك بالدُّنيا سِوى هُم، فلن تتحمَّل أن تُصيبهم الأذيّة إطلاقًا، ستذهب لهم بإحتمالين، إما أن تَجُزَّ رأس الذي يؤخِّرهم عن العودة أو تعود معهم، فلقد تعاهد الثلاثة مُذُّ زمن طويل ألا يتركوا أحد منهم خلفهم، يعيشوا معًا أو يموتوا معًا.
إستنفذت هيريم صبرها.
"أيُّها الفارس احضر لي فرسي!"
"أيُّها الفارس ابقي الفرس عندك!"
إلتفتت هيريم وإذ بهِ بيكهيون، رفع حاجبه يتحدّاها أن تنبِس بحرف يُضادِد ما أمر به؛ فتنهَّدت وأنزلت رأسها تنساق لما أمر به رغم أنَّها القائدة هُنا؛ لكنَّهُ المولى.
"إلى أين كُنتِ تَنوي الذهاب؟"
رفعت رأسها ونظرت في وجهه.
"إلى سيهون وجونغ إن"
"وأين سيهون وجونغ إن؟"
أنزلت هيريم رأسها مُجدَّدًا أمامه على إستعداد أن تتعرَّض للتوبيخ؛ وهذا فعلًا ما حصل.
"أفهم أنَّكِ تتصرَّفي بغباء ولامُبالاة، وأنتِ ذاهبة لتموتي بلا سبيل، ماذا سيقولون مُجنديكِ لأخويكِ حينما يعودون؟ ذهبت لتموت في سبيل الغباء؟"
قبضت حاجبيها ورفعت رأسها إليه مُستاءة، ليس من توبيخه بل لأنَّه يمنعها عن التَّصرُّف بغباء كما تشاء.
"مولاي؛ أنا لا أملك بالدُّنيا سوى هذين الرًّجُلين، ماذا تراني فاعلة؟
هل أجلس وأنتظر جُثثهم ثم أبكي عليهم كالنّوَّحات؟!"
رفع يده وضرب بها على مؤخِّرة رأسها فتأوَّهت وأمسكت بمحلِ ضربتها.
"لِمَ أنتِ غبيّة هكذا؟
ابعثي فرقة إستطلاعيّة ليروا ما في الأمر"
لم تنبس بحرف بينما تتحسَّس محل الضربة، لكنَّها كانت ترمقه بنظراتٍ غاضبة ومُنزعِجة، فحلَّق حاجبه ثانيةً وفتح لها ذراعيه.
"رُدّيها علي لو إستطعتِ!"
بإنزعاجٍ تكلَّمت.
"تتحدّاني بشيء لا أستطيع أن أفعله!"
حينها ضحك بيكهيون بِخفّة، وجعلت هي تنظر في مبسمه الغاوي، كيف لرجُلٍ أن يكون بهذه الروعة وهذه الغواية؟!
يُغريها جدًّا لدرجة أنها ترغب في إنتهاكِ الحُرمات وإياه.
لاحظ نظراتها له، لم يسبق له أن رأى إمرأة تنظر إليه كما تفعل هي، تتلبَّس نظراتها الكثير من الجُرءة وشيئًا آخر لا يعرفه.
تسآل فجأة.
"لو كنتُ رَجُلًا عاديًّا ماذا ستفعلي؟!"
وبوعيٍّ أجابته.
"لكنتُ تزوَّجتك"
تبسَّم ورواغ.
"وإن رفضت؟"
"كنتُ سوف أجبرك"
كانت تتكلَّم وتنظُر إلى شفتيه وهو يُكلِّمها، ثم إلى تلك الإبتسامة التي تُزين شفتيه وتُزيده في عينيها لذَّة، ثم رفعت بصرها إلى عينيه التي تُشاركه الإبتسامة وهمست.
"ولو لم تَكُن الملك كنتُ لأفديكَ بروحي لأنَّك تجلس على عرشٍ آخر"
زالت إبتسامته رويدًا رويدًا وأخذ يُفكِّر فيما تقصده، لكنَّهُ لم يفهمها، فحان دورها أن تبتسم هذهِ المرّة.
وحينما نظرت هيريم من فوق كتف بيكهيون رأت سيهون وجونغ إن قادمين على أحصنتهُما، فهرعت إليهما.
"أنتُما لِمَ تأخرتُما؟! لقد قلقتُ عليكما وكنتُ سأذهب خلفكما لولا أنَّ جلالتُه منعني!"
ترجَّل كلاهما عن الأحصنة، وبعض الرِّجال حملوا الكيس الذي به الرَّجُل إلى الدّاخِل، ركضت إليهما هيريم وأندسَّت في كُنفيهُما، وكم بدت ضئيلة ولطيفة بينهما، ثم تقدَّم الثلاثة نحو الملك وانحنى له الشابين.
أومئ بيكهيون مُبتسِمًا ويداه خلف ظهره، من الجيد أنَّهُ حضرِ بالوقتِ المُناسب، ومنع أُختهم الغبيّة من اللحاق بهم.
"لقد تأخَّر الوقت لفعلِ أي شيء، اذهبوا للنوم وغدًا سنفعل ما يلزم"
وهكذا توجَّه كل منهم إلى مخدعِه، ولم تنسى هيريم أن تنظُر إلى جلالته حتى توارى خلف الجُدران، ثم تنهدت تكبت الحُب في صدرِها.
................
الوقت تأخَّر والفجر بات وشيكًا، ولج سيهون إلى حُجرته التي أصبح يُدرِك أنَّها ليست له وحده بعد الآن، بل تُشاركه فيها إمرأة تخُصُّه، اسمها إمرأته وزوجته.
لقد جلبوا له فراش أوسع؛ ليسع كلاهما، كانت تنام على الجانب الأيمن منه ومخائلها إلى الحائط.
تنهد فيما ينظر لها، ليست نائمة، لا يمكن أن يخدعه أحد بتمثيليته، ولكنَّها بكت كثيرًا، فجسدها يرتج رغمًا عنها كلما تكلَّف صدرها شهقة رُغمًا عنها.
سار سيهون حتى أدرك دولابه، خلع سيفه ودرعه وأغراضه، ثم بدَّل ثيابه وضلَّ ببنطاله فقط.
يُدرك كيف تشعر المرأة حينما يتخلّى عنها رَجُلها في ليلةِ زفافهما، ستشعر بالإنكسار والخيبة، ورُبَّما تروادها مشاعر أكثر سوءًا، لكنَّهُ حقًا لا يقصدها.
هو ليس رجلًا عاديًّا، وهي إختارته وهي تُدرك ذلك، دائمًا ما ستكون مصلحة الجماعة وأهدافه قبلها وأكثر أهمية من نفسه حتى، لا يمكن أن تلومه الآن، عليها أن تتفهَّمه؛ لكنَّهُ سيُراضيها.
"جاهي"
همس باسمها بعدما شاركها الفِراش وآتى خلفها؛ إذ كان يستند بمرفقه إلى الوسادة ويعلوها بجذعِه.
وضع يده على كتفها وجعلها تلتفت إليه، نظر في وجهها، كانت تبكي، نفى برأسِه لها، وبإبهامه مسح دموعها.
"تعلمين أنني لستُ زوجًا تقليديًا، ولا حياتكِ معي سوف تكون تقليديّة، وأنتِ إخترتِني وأنتِ تعلمين ذلك، وأنا لن أُقصِّر معكِ بقدرِ إستطاعتي"
أومأت.
"أعلم؛ لكنني كنتُ خائفة عليك"
تبسَّم لها، ورفع يده ليُحيط بها وجنتها، أغلقت عيناها حينما إنخفض بجذعِه عليها، وشدَّت بقبضتِها على مِعصمِه حينما إقترب ليهمس بأُذنِها.
"سأكون لطيفًا ومُراعيًّا، لا تخافي مني"
"سيدي!"
وضع أصابعه على شفتيها ونظر في عينيها، كان الإرتباك والخجل يحفُّهما، وذلك ما كلَّفه إبتسامة خفيفة.
ثم سيهون أخفض رأسه، وأغدق وجهه في عُنقها؛ فتأوهت للمُفاجأة وللشعور المُباغت الذي سبَّبه لها، رفعت أناملها ودسَّتها في خُصلِ شعره القاتمة تشد عليها بِخفّة كلما إشتدت عليها سخونة قُبلاته التي تنتشر على أديمها وتُعلِّمها.
خلع عنها قطعة الهانبوك العلوية، فتعرّى كتفيها وأعلى صدرها أمام عينيه المُنتشية، بدى خبيرًا ومُتمرِّسًا بما يفعله رُغمَ أنَّهُ بتول.
قبَّل عُنقها كثيرًا ثم أعلى صدرِها ثم عاد مُجدَّدًا إلى عُنقها، ثم ارتفع إلى خطِّ فكِّها يُقبّله وهي تحته تذوب فيه.
صعدت شفتيه نحو وجهها، قبَّل وجنتيها وعينيها، ثم أنفها وناصيتها برِقّة، ثم أخيرًا شفتيها، ولقد كانت القُبلة الأولى.
وما كانت قُبلة هيّنة ليّنة، بل شرسة وتؤلم لكنَّها لذيذة، قبّلها بقوّة وشراسة، فهو رجل كهف لن يأخذ بمنظوره أن يكون ألطف وأرق من ذلك، هو بمنظور نفسه هكذا لطيف، يمكنه أن يكون أشرس.
"سيدي... آه!"
حينما عَضَّ بقواطعه على شفتيها يقطع كلامها تأوهت تتألم، ثم تلى ذلك تحذيره بهمس.
"لستُ سيدك، أنا زوجك، وتُناديني باسمي مُجرَّدًا، تفهمين؟"
أومأت له فنبس.
"جرِّبي أن تُناديني"
إزدرئت جوفها ونظرت في عينيه التي هي كانت أول ما وقعت له منه.
"سيهون"
حينها إنخرط فيما يفعله مُجددًا، وعاد ليُقبّلها بذات الأسلوب.
يده حَلَّت الفُستان الدّاخلي، وجرَّدتها منه، ثم كانت أمامه كما خلقها الرَّب، فعلى إستحياء شديد ضمت نفسها إلى نفسها، وظفر الدمع في عينيها لشدةِ الخجل.
رفعها من خصرها إلى ما بين ذراعيه يُعانقها ويُهدئها، وشفتيه تطبع قُبلات خاملة على كتفها حتى هدأت، فتمكَّن أن يترك تلك البقعة ويتحرَّك إلى مكان آخر، أغمضت عيناها بقوة وكمشت بيديها على الفراش حينما أصبحت شفتيه بين نهديها.
شعرت بالخجل الشديد ولكنَّهُ لم يَكُ مُنفِر، رويدًا رويدًا إعتادت عليه في محاربها الخاصة، ما زالت خجلة لكنها مرتاحة أكثر معه، لرُبما لأنَّهُ مُراعي رُغم شراستِه.
هبطت شفتيه أكثر نحو بطنها وهي تُمسِك بكتفه تحاول إيقافه بلا كلام، لكنه غاص وغاص، وحسَّت بشفتيه تُقبّل فخذِها، وتصعدها مُجدَّدًا حتى أدرك رقبتها مُجدَّدًا ثم شفتيها.
وضع يده سهوًا فوق قلبها، فوجده ينبض بقوّة، تبسَّم وقبّل مطرحه، ثم رفع نفسه لينظر في وجهها الذي إستوى خجلًا ونشوة.
وضع إبهامه على شفتيها، يُحرر شِفَّتها من بين أسنانها وهمس.
"لا تكتمي آهاتِك، أريد أن أسمعكِ"
نظرت إليه وهمست.
"كُن ر...!"
وبلا سابق إنذار إلتحم معها وتقطَّعت كلماتها لتصرخ، لكنَّهُ أسرع في كتمِ فاهها، فمهما كانت الليلة حارّة لا يريد أن يسمعهما أحد.
وهي صرخت بقوّة تحت يده حتى أن العروق في رقبتِها برزت، أخذ يُربِّت على وجنتها ويحاول تهدئتها.
رفع يده عن فمها وأخذ يمسح لها دموعها، أخذ يتحرَّك فوقها بسلاسة، ويُقبِّل شفتيّها لتنبعث صوت أنّاتِها في فمه.
نفرت دمعة في عينيها، ولكنَّها بادلته تلك القُبل فيما تُحيط عُنقه بيديه.
تحرَّك عليها بقسوة وكتمت صوت صُراخِها قُربَ كتفه حتى تنهد براحة وإرتخى جسده عليها.
عانقها بعد وهلة وجعل نفسه على الفراش وهي على صدرِه، طبع قُبلة على رأسِها وأحاط كتفها بذراعه، ثم أغلق عينيه فيما يتصبَّب عرقًا وأنفاسه مُستهلكة.
وأما جاهي؛ فلقد أصبح بدنها ضعيف وضحية هذا الحُب الجسدي ظهرها الذي تخدَّر لكثرةِ ما آلمها، لكن صدره الثائر دافئ وذراعه حنون، عِناقه هذا وتنويمها على صدره مثل مُكافئة آخر العمل، وأخذتها عن إستحقاق.
فلقد شعر معها وشعرت معه بلذّة ما بعدها لذّة، ما كان يدري سيهون أن المرأة في الفراش تمنح أفضل شعور في العالم، ليس الشهوة وإنما الإحساس بالرجولة ورغبة إمرأته فيه.
"شكرًا لأنَّك جعلتني زوجتك"
همست رغم أنفاسها المُتقطِّعة، وأجابها سيهون بعِناق أكثر دفئًا وأكثر عِناقًا.
...........................
في الصباح الباكر؛ كانت تسير رايناه وخلفها حاشيتها من سيدات البلاط تَمُر بالحرم الملكي، لكنَّها لاحظت حركة غريبة، فتوجَّهت إليها.
"ما الذي يحدث؟!"
سألت إحدى المحظيّات التي تبكي فانحنت لها وأجابتها.
"الملكة الأرملة تاي هان أمرت بجمعِ محظيّات الملك بيكهيون لنفينا أو قتلنا، والبتول منا ستصبح للملك تشانيول"
تنهدت رايناه وسار فيها الغضب، لقد قررت أن تُدافع عن بيكهيون بكل السُّبل، وحماية نسائه من حمايته.
توجَّهت إلى بلاط الحرم، والتي تحكمه هي بعد وفاة ناري وبصفتها الملكة الأولى، ستستغل هذا اللقب الذي تكرهه لتسير كلمتها.
كانت تاي هان تجلس برِفعة وغرور، ومحظيّات بيكهيون أرضًا يركعن ويبكين ويتوسَّلت؛ لِتُبقي على حياتهن، لكن تاي هان تحقد عليهن فبيكهيون كان يُفضِّل محظيّاته عليها، ويمنحهن وقت أكثر مما يمنحها.
دخلت رايناه بقوّة كإحتلال وصاحت بغضب.
"ما الذي يحدث هنا؟!"
نظرت لها تاي هان، ثم تكلَّفت إبتسامة ونهضت بهدوء فيما رايناه تأمُر.
"انهضن واذهبن إلى مضاجعكن!"
"التي ستتحرَّك من مكانِها سأقطع لها رأسها"
إرتفع حاجب رايناه عن ناصيته؛ بسببِ هذا التَّحدّي، الذي أقامته تاي هان بينهُما، ثم إرتفع شِدقها بنصفِ إبتسامة.
"حسنًا كما تشائين، أردتُ ألا تتعرَّضي للإهانة أمام المحظيّات، تذكَّري أنَّكِ من أصررتِ"
"رايناه!"
صاحت تاي هان بغضب؛ ولكن رايناه بطريقة مُستفِزّة قاطعتها تقول.
"مولاتك... أنا جلالة الملكة رايناه الأولى"
تقهقهرت تاي هان بغضب، ورايناه أتبعت فيما تسير بين المحظيّات وتنظر لهن.
"هل تتصرَّفي بالحرم كما تشائي وأنا أحكمه؟! من سمح لكِ بالعبثِ بالمحظيّات؟!"
إلتفتت إليها تاي هان، وفيما تُصِر على أسنانها بغضب قالت.
"بيكهيون مات، لماذا نُبقي على نسائه؟!"
سُرعان ما نظرت إليها رايناه ونبست تُشير إليها بسبّابتِها.
"أنتِ إحدى نِسائه أيضًا"
"أتُقارنيني بمحظيّات؟! أنا أميرة قبل أن أكون ملكة!"
صاحت تاي هان فلقد إستهلكتها العصبيّة، ورايناه باتت ذات لسان سليط ونبرٍ مُستفِز.
"لستُ أقارن، قُلتِ نساء بيكهيون، وأنتِ ضمن نساءه بغضِّ النَّظر عمَّن تكونين... ثم هؤلاء المحظيّات بنات شُرفاء ونُبلاء وعائلات كبيرة، لم نأتي بهن من دار المحظيّات، وبعضهن عقيلات، تعريضهن للإهانة جريمة بحدِّ ذاتها بغضِّ النظر لأي ملك ينتمين"
زفرت تاي هان فلقد تكبَّل لسانها، ولكن رايناه أومأت بعد وهلة.
"ولكن تعلمين؟! أنتِ مُحِقّة... محظيّات الملك بيكهيون لا يجب أن يبقينَ هُنا"
في تلك اللحظة تكاثرن المحظيات عند قدمي رايناه يتوسلن الرحمة والشفقة، وتاي هان إلتفتت إليها وإبتسمت إبتسامة واسعة.
"إن كنتِ ستوافقيني في النهاية يا زوجة أخي، لِمَ كل هذه الشوشرة؟!"
"لأنَّني لن أسمح لكِ أو لغيركِ بقتلهن أو نفيهن يا زوجة أخي"
أجابتها رايناه ثم إلتفتت إلى الخَصي المسؤول وقالت.
"محظيات جلالة الملك بيكهيون سيذهبن إلى القصر الشرقي، جميعهن بلا إستثناء سواء كُنَّ عذارى أم لا"
إنحنى لها الخصي ونبس.
"أمرُ مولاتي"
وبينما رايناه تمر بتاي هان إلى الخارج إستوقفتها الأخيرة بقولِها.
"هل سيكون تشانيول سعيد بما تفعلينه؟!"
تبسَّمت رايناه وإلتفتت لها.
"يُمكنكِ أن تذهبي وتُفشي له عمّا فعلتُه، فأنتِ مُعتادة على مثلِ هذه الأفعال الرخيصة؛ لكنَّكِ ستتفاجئين به يصدُّكِ ويرفض الإستماع لكِ.
لن يأتي ليضربني بعدما تُخبريه عنّي، بل ربما يضربكِ أنتِ؛ لأنَّكِ تتدخَّلي في شؤون لا تخصك، وتحاولي زعزعة الحُب الذي بيننا.
فتوخي الحذر؛ يده ولو إستخدمها بِرِقّة تؤلم جدًا!"
إستذكرت رايناه وتوقفت فجأة، ثم عادت أدراجها نحو تاي هان.
"اه صحيح!... تقولي "بيكهيون مات" بهذهِ البساطة؛ وكأن الذي مات خادمك، حتى لو مات خادمك ستكوني أكثر تأثُّرًا... تخيَّلي لو عاد جلالة الملك بيكهيون المُعظَّم إلى الحياة، هل ستجرؤي أن تستخدمي معه هذه اللغة؟!"
حينما صمتت تاي هان عن الرَّد وإكتفت بعضِّ شفتها بغيض اتبعت رايناه.
"رُبَّما تحقدين عليه؛ لأن آخر ذكرى لكِ معه حينما أبرحكِ ضربًا لأجلي... لا بأس؛ احقدي عليه؛ فأنتِ ستخجلي دومًا أن تُخبري الناس عن آخر ذكرى بينكما... سأرويها عنكِ لو استثقلتِها"
تبسَّمت رايناه بشماتة وإنتصار فيما تنظر إلى وجه تاي هان، الذي يكاد ينفجر غضبًا وغيظًا وخزيًا.
"وأخيرًا... هل نسيتِ أنَّ لكِ إبنة تُدعى جيهان؟!
ولو لم تكوني حزينة على وفاتها إدَّعي ذلك أمام النّاس على الأقل!"
وتلك الكلمات كانت القشّة التي فصمت ظهر البعير، فأنفجرت تاي هان تصيح بغضب وإنفعال وتبكي، وأمّا رايناه فقد خرجت تترك خلفها المحظيّات ينحنينَ لها شاكرات وتاي هان تشتعل في غيظها وغضبِها.
ولأولِ مرة تشعر رايناه بلذة الإنتصار، ولو كان إنتصارًا صغير يبقى طعمه في نفسها لذيذ.
حسنًا... هي لا تعتبره إنتصار صغير، لطالما تعرَّضت للتوبيخ في أحسن الأحوال، وفي أسوءها للضرب على يد تشانيول بسبب تاي هان ووسوساتها؛ كما لو أنها أبليس بشري.
واليوم هي من تعرضها للإهانة، وليس عبر تشانيول كما كانت تفعل هي، بل هي بنفسها من عرَّضتها للإهانة... وهذه فقط البداية.
............
تاي هان لم تُطيق أن تبقى في حرمِها دون أن تَشي لتشانيول عن أفعال زوجته المُشينة بنظرِها.
إذ كان تشانيول في إجتماع مع وزراء الدولة في البلاط الملكي.
هو يعلو العرش ووزيره الأول بارك جيمين يقف مُعتليًّا بعض الدرجات نحو العرش، وبقية الوزراء يصطفّون بشكلٍ أُفقي صفوفًا أمامه.
"مولاي، لقد سبق وإن أنزل الملك الراحل بيكهيون مال الجزية والهدايا عن عاتق غوريو، ولقد حان الوقت من السَّنة الذي نأخذ بها الجزية، أنتنازل عنها كما في العام السابق أو نُطالِب بها"
"نُطالب بها بلا شك وبجزية العام الفائت التي تخلّى عنها الملك الراحل، فأنا لستُ بمُتخلٍّ عنها، ولو كنتُم تذكرون؛ فلقد عارضته لكنَّه لم يستمع... اللُطف ما أودى به إلى مصيره المشؤوم"
انكس الجميع برؤوسهم وتبادلوا النظر بين مؤيد لأقوال الملك ومُعارض، فجلالته كان أرحم الناس على الناس مهما ظنَّ به الناس وصوَّروه.
وهو بعكسِ الملك المُنصَّب جديدًا؛ فهذا لا يعرف الرحمة، ولا الرحمة تعرف له بابًا تطرقه؛ لذا هذا الشعب سيرى من الظالم ومن العادل.
إنتهى الإجتماع بعد وقت وخرج الملك تشانيول خلفه عدد من الوزراء الذين يآزرونه من قاعةِ البلاط الملكي، لكنَّهُ حينما رأى أُخته تمشي ناحيته وانحنت له أشار لوزراءه بالإنصراف لينفرد معها وحدهم.
صرف تشانيول الوزراء ثم نظر لها.
"تُريدي أن تتحدَّثي بشيء معي؟!"
أومأت له ثم نظرت يمينًا يسارًا، وحينما لم تجد جواسيس لرايناه -وكأنَّ رايناه ستفعل شيئًا كهذا- همست له.
"يتوجَّب علينا أن نتحدث بشأنٍ خاص في مكان مُغلق"
برم تشانيول شفتيه بغرابة؛ لكنَّهُ أومئ موافقًا، ثم أشارَ لها أن تسير وسار بجوارها.
أخذها إلى مجلسه الخاص المُغلق وطرد خدمه من المخصيين خارِجًا؛ كي يتحدثا براحة عن الموضوع المهم الذي تريد أن تتحدَّث هي به.
"ماذا هُناك تاي؟!"
جلست تاي هان إلى يمينه ونبست بنبرة كارهة وحقودة.
"زوجتك المَصون!"
سُرعان ما رفع تشانيول سبّابته في وجه شقيقته، ونبس مُحذِّرًا.
"احذري... لقد أصبحت مولاتُك!"
"تشانيول!"
هتفت بإنزعاج، فها هو يُحجِّمها هو أيضًا، لقد صدقت رايناه، لقد تغيّر.
وأما تشانيول ففرد كفِّه ونفضها قائلًا.
"لا أُمانع أن تُناديني تشانيول بلا أي كُلف، لكن ليس هي"
"هل أصبحت عليك أغلى مني لدرجة أنَّك لا تُطيق أن أذكرها على لساني؟!"
إستنكرت بإستهجان فنفى برأسه موضِّحًا.
"لا...
هي لطالما كانت غالية وثمينة بالنِّسبةِ إلي، ولكنني كنتُ أسمح لكِ ولغيركِ أن يُعاملها بما لا يتناسب ومِقدارها عندي، الآن لن أسمح لكِ بالتفوّه بحرف واحد يمسَّها بسوء!"
في نهاية كلامه بدى وكأنَّه يُهدِّد لا يُخبر ولا حتى يُحذِّر، إزدرئت تاي هان جوفها وتباطئت في الرَّد؛ لكنها اتبعت بعد حين.
"ما رأيك أن تسمعني أولًا ثم تحكم؟"
تنهد تشانيول ثم أشار لها أن تتكلَّم، فتكلَّمت له عمّا حدث، لا يُنكر أنَّهُ شعر بالغضب، لكن سُرعان ما دبَّر عقله لها العُذر؛ أنَّ هذا العُرف السائد، وأن مُلكيّة المحظيّات لا تنتقل من ملك إلى آخر.
"والآن ما رأيك؟"
همست تاي هان فيما تبتسم بطريقة لئيمة، تنتظر من أخيها أن ينهض محمومًا بالغضب على رايناه كالأيام الخوالي ويذهب لها ليُلقنها درسًا عبر عُنفه؛ لكنَّه لم يفعل بل لم يُحرِّك ساكنًا، بل وبدلًا من هذا نبس بنبرةٍ هادئة.
"حسنًا أنتِ غادري الآن"
رمقته بإستنكار، هذا ليس تشانيول الذي تعرفه، لكنها وقفت سريعًا حينما قال مُحذِّرًا ومُكرِّرًا.
"قُلتُ لكِ انصرفي!"
خرجت تاي هان مُسرِعة وخائفة من تشانيول الجديد هذا، تخشى أن يتحقَّق كلام رايناه يومًا ويُقدم على إهانتِها ليُرضي زوجته.
وأما تشانيول؛ فلقد بقيَ في مجلسه لبعضِ الوقت، ولكن بما أنَّ رأسه تدور وتدور، وتأتي بالأفكار وتجيء.
لِمَ فعلت رايناه هكذا؟!
قرر أن يذهب إليها، ويتحدَّث معها بهدوء، يحتاج أن يفهم منها شخصيًا لِمَ تتصرَّف هكذا... أو لا؛ هي من ستأتي إليه.
"أيُّها الخَصي!"
ركض إليه المُنادى وانحنى له ينبس.
"أمرُكَ مولاي!"
"اذهب وأخبر الملكة رايناه أن تأتي إلي"
"أمرك جلالتك"
انصرف الخصي ثم غاب دقائق وعاد لوحده يقول له.
"تقول مولاتي أنها ستأتي لك حالًا"
إلتفت تشانيول والخصي إنصرف، فهو لم يُرِد أن يرى مُجرَّد خَصي إبتسامته الخاصّة برايناه وحدها، سيكره نفسه لو رآها أحد غيرها، فالكُل مُلزم بالخوف منه إلّاها.
أصبحت تأتيه فورًا، لا تختلق حُجة ولا تطلب المزيد من الوقت، إن قال لها تعالي تأتي حالًا مهما كان الذي يشغلها، إهتمامها به لهوَ أفضل شعور في الدُّنيا.
أتت رايناه أخيرًا، وحينما أصبحت خلف الباب أذِن لها بالدخول وإلتفت لها، كانت تبتسم بوجهه كما لم تفعل من قبل وهو أمر.
"اخرجوا جميعًا ودعونا وحدنا"
خرج الجميع وإنغلقت عليهم البوّابة، شرع تشانيول لها ذراعيه، وهي أتته بلا نقاش ولا تلكؤ، واندسَّت بين زِنديه.
عانقها بين ذراعيها ثم نبس.
"لِمَ أصبحتِ تُحبّيني فجأة؟"
لم تبتعد عنه حينما أجابته ولم تستهلك وقتًا لإجابته.
"لم أحبك فجأة، لطالما أحببتُك، ولقد قررتُ بدل أن أغضب منك وأبكي على الحليب المسكوب سأعيش ما تبقى لي بهناء معك وأحاول أن أنسى الماضي... أن تُسعدني مُقابل أن أنسى الماضي الذي آلمتني فيه كثيرًا"
وتلك كانت صفقة عادلة بنظرِ تشانيول فلم يُعلِّق، بل إستطرد بسؤال آخر.
"لِمَ تصرَّفتِ بهذهِ الطريقة بشأنِ المحظيّات؟"
رفعت رايناه رأسها عن صدره وأجابته.
"هُنَّ لسن محظيّاتك!"
"رايناه!"
حذَّر بنبرٍ سليط، لكنَّها وضعت يدها على شفتيه واتبعت.
"هل كذَّبت؟!
هذه الحقيقة، هُنَّ لسن ملكًا لك."
أنزلت يدها عن شفتيه فيما هو يقبض حاجبيه بإنزعاج، ورايناه اتبعت.
"المحظيّات كما تعلم مصدر قوّة للملك، لذا عليك بنفسك أن تختار العائلات النبيلة التي تريدها بظهرك؛ لنختار من بناتهن محظيّات ونمنحهن رُتب عقيلات... هكذا ستزداد قوّة، بينما لو أخذت محظيّات أخي لن يُشكِّل ذلك تحالُفًا مع عوائلهن؛ فالتحالف المُبرم لم يَكُ معك، بل معه هو"
تنهد تشانيول ونبس.
"لكن بيكهيون قد تحالف مع كل العائلات القوية بالفعل عبر محظياته، هل أتحالف مع العائلات ذاتها؟"
"هذه القوة التي تحتاجها فقط للسيط، أنت قوي بالفعل، تحالف مع بقية العوائل المرموقة، وأنا سأختار لك أجمل بناتهم"
"حقًا ستفعلي؟!"
نبس بإستنكار فأومأت بإبتسامة ثم قالت.
"نعم؛ الآن الوضع مُختلف، أنا ملكة ولن أغير عليك من محضِ محظيّة!"
تبسَّم تشانيول وأحاط خصرها بذراعه.
"لا محظيّة ولا غيرها يمكنها أن تسلب مكانكِ عندي، بل أنتِ وأنتِ فقط"
تبسَّمت رايناه وتشانيول رفع ذقنها برفق بأصابعه، ثم طبع على شفتيها قُبلة خاملة، بادلته أياها فتنهد بِعُمق حينما إبتعد، بينما رايناه ضحكت وحينما إستفسرت ملامحه عن سببِ ضحكاتها رفعت إبهامها لتمسح به شفتيه.
"الذي يراك الآن سيظن أنني أكلتك، وجهك مُلطَّخ بأحمر شفاهي"
رفع حاجبه ونبس.
"حقًا؟! إذًا سأخرج هكذا"
سُرعان ما تمسَّكت به وهو يحاول الخروج تضحك.
"لا لا!"
ثم إبتسمت إليه وهي تمسح أحمر شفاهها عن شفتيه فيما كان هو يتأمل وجهها القريب وتلك الإبتسامة الجميلة التي أصبح يراها من جديد.
ما إن إنتهت من مسحِ شفتيه حتى أمسك بيدها، وطبع في باطنها قُبلة.
"أُحبك جدًا!"
"وأنا أيضًا"
نظر لها وهمس.
"وأنتِ ماذا؟"
تبسَّمت تُجيبه.
"أُحبك"
تنهد بِعُمق فضحكت ثم حضنها بقوّة لدرجة أنها إختنقت، فأخذت تُربت على ذراعيه.
"تشانيول سأختنق!"
"أرغبُ في أكلك!"
............
وفي الصَّباح في مقرِّ المُتمرِّدين؛ فلقد كان صباحًا زهيًّا وهنيًّا، فالكثير من الأزواج الذين تزوجوا البارحة ينالوا المُباركات، وتُحضَّر وليمة إفطار لِأجلهم.
ومنهن جاهي التي تمشي بالكاد وتلف حول رقبتها وِشاح، فجعلت النِّسوة جميعًا يضحكن عليها ويتغامزن على العريس الأقوى؛ القائد سيهون.
هربت جاهي من النِّساء وجلست بعيدًا، ألا يكيفيها أنَّها في الصباح هربت من بين ذراعي سيهون الدافئة خجلًا منه؟!
الآن تتعرَّض للسُخرية، جميع العرائس الأُخريات بخير إلّاها، لِمَ توجب عليها أن تكون في هذه الحالة المُزرية وحدها؟!
أتت لتجلس بِقُربها الأميرة بيكهي، وحالما رأتها جاهي أرادت النهوض لتقديم إحترامها لولا أنَّ بيكهي تمسَّكت بيدها، وأبقتها جالسة بقُربها.
"مُبارك لكِ زواجك"
همست جاهي بخجل.
"شكرًا لكِ سمو الأميرة"
وبينما النِّساء يجلسن ويتحدثن مرَّ سيهون بثياب المُحارب الدهماء، عيناه حادّة وبيدِه سيفه، يخلفونه رِجاله وهُم يجرون كيسًا.
بدى قويًا، مُهيبًا، ورائعًا... لدرجةِ أنَّ النبضاتِ في قلبِ جاهي أخذت تصرخ وبدنها إهتزَّ لرؤيته بهذهِ الحُلّة التي أغوتها أول مرة وما تزال تُغويها.
توقف سيهون عن السير حينما رأى إمرأته تنظر إليه وكأنها ترى ملاكًا فاتِنًا، ثم أشار إلى رِجاله بأن يسبقونه وهو سار نحوها، وفيما يتطلَّع الجميع إلاما سيفعله تقدَّم من جاهي، ثم جلس القُرفصاء أمامها وهو ينظر في عينيها، لكنها أنزلت رأسها خجلًا منه.
رفع ذقنها بأصابعه ثم همس.
"لا تخرجي قبلي مرة ثانية"
بيكهي وجيهان تتعانقان وتُراقبان المشهد الرومنسيّ بمشاعر جيّاشة، وأما جاهي فأومأت له.
"حسنًا"
ربَّت على وجنتها، ثم قرَّبها منه ليطبع على ناصيتها قُبلة.
"صباح الخير"
تمسَّكت جاهي برداءه ونبست.
"صباح الخير"
كانت خجلة جدًا من أن يبتعد عنها، ولكنه مُضطَّر أن يبتعد، لديه أعمال كثيرة ليُتمِمها.
إبتعد ثم نهض وتركها خلفه تحترق خجلًا إثر تصرفه اللطيف علنًا، وسيهون أراد أن يوصل رسالة؛ أنَّهُ -وهو القائد والمؤسِّس لهذهِ الجماعة- يعامل زوجته بلُطفٍ ولين، ولا يخجل أن يتصرَّف بهذه الطريقة أمام الجميع؛ لذا على جميع الرِّجال في جماعته أن يكونوا ألطف مع نِسائهم؛ فلقد كثرت مؤخرًا شكوات النِّساء على رجالهم في الجماعة.
رفعت جاهي ساقيها إلى صدرها وخبأت وجهها والنِّسوة تكاثرن من حولها، الجميع يهاب القائد ولم يدروا أن له مزاج رومنسيّ إطلاقًا.
.............
عادت تقاسيم وجه سيهون إلى الحِدَّة مُجدَّدًا، فالآن حان وقتُ الحِساب والعِقاب، فأحدهم ورغم جُبنِه وضُعف شخصيته تسبَّب في موتِ الملكة ناري.
كان الرجال قد ربطوا مِعصميه عبر سلسلتين تدلى من السَّقف، تعرَّض لبعضِ الضَّرب الذي يستحقه، ثم وقف سيهون بجواره جونغ إن قِبالة المُجرِم الصغير بإنتظار الملك؛ لأن هذا ثأرهُ الخاص، ولا يمكنهما التَّحكُّم فيه كما يشاءان.
كان أونو ينظر إلى الرَّجُلين مُتضاديّ لون البشرة والخوف يملئ عينيه، يزدرئ جوفه كل ثانية رغم أنَّه يبتلع دماء لِثَّتِه النّازِفة.
"سيدي أرجوك لا تقتلني، سأفعل لكَ أي شيء لكن لا تقتلني!"
وضع سيهون سبّابته على شفتيه يُشيرُ للأسيرِ بالصَّمت، ثم إتكز على سيفه الذي يغزُّه بالأرض فيما ينظر إلى أونو نظرات تُخيفه.
"سيدي؛ الملك قد وصل"
إرتعد أونو خوفًا وسيهون أومئ لِسَّجّان.
"عن أي ملك تتكلَّمون؟!"
بهلعٍ تسآل أونو وبنبرةٍ عالية، فأتاهُ الرَّدُ سريعًا؛ إذ بينما يَلِج الملك قال.
"أنا"
ولج بيكهيون ونظر إليه أونو مُسهِب النظر، إرتعدت أوصاله.
في البداية؛ ظنَّ أن بصره وسمعه يخدعانه، وأنَّهُ من الخوف يُهلوِس، ثم ظنَّ أنَّ ذاكرته خانته وأن الوجوه إختلطت عليه فحسب، ثم رويدًا رويدًا أدرك واقعه، وفهم دون كلام لِمَ هو هنا وماذا سيحدث له.
سُرعان ما بدأ يتوسَّل باكيًّا، ولولا قيوده لركع أرضًا وتوسَّل المغفرة.
"مولاي أنا آسف، أنا حقًا كنتُ مجبور أن أُنفِّذ الأوامر وإلا قتلني!"
شدَّ بيكهيون على قبضتيه بغضبٍ شديد، ولكن هذا الشاب اليافع ما هو إلا بيدق صغير في لُعبةِ الشطرنج هذه، أدى مُهمتِه الصغيرة ثم هو خارج اللعبة؛ لذا بيكهيون حاول أن يُسيطر على غضبه على قدرِ المُستطاع، ووضع قبضتيه المُشتدَّتين بِالغُل خلف ظهره.
أشار بيكهيون إلى السَّجّان ليفك قيوده فسقط الرجل أرضًا، إقترب منه بيكهيون وجلس القُرفصاء قُربه، ثم همس.
"لِمَ؟! أنتَ ماذا فعلت؟"
إزدرئ أونو جوفه ولم يُجب، ثم تحرَّك ليركع أمام مولاه.
"مولاي أرجوك سامحني"
"قُلتُ لكَ ماذا فعلت!"
صرخ بيكهيون عليه والشاب إرتعد وشرح له ما حصل، إمتلأ بيكهيون غيظ وأونو ينتظر ردة فعله، لكن بيكهيون نهض على عقبيه أخيرًا ثم همس.
"أتدري لِمَ عُمال القصر هم الأعلى أجرًا في الإمبراطورية بأكملها؟"
إزدرئ أونو جوفه بخوف وبيكهيون همهم فيما يسحب السيف من أسفل يد سيهون.
"لأنهم دومًا مُعرَّضين للموت والتهديد، ولأن تعرضهم لتهديد ليس مُبرِّرًا لخيانتهم لمولاهم!"
وضع بيكهيون السيف على رقبةِ أونو، وأونو أنحنى يتوسَّل ويعتذر لأجلِ حياته.
"مولاي أرجوكَ لا تقتلني، امنحني فُرصة لأُصلح خطأي!"
"أمثالك لا يملكون الفُرصة التي تتحدَّث عنها؛ لأنَّكَ ستخونني فورما تُصبح تحت قبضته مُجدَّدًا!"
رفع بيكهيون السيف ينوي قتله فعلًا، لولا أن الوزير جونغكوك تدخَّل، ووضع يده فوق يد بيكهيون يقول.
"لا تقتله مولاي، قد يكون نافعًا لاحقًا"
لكن بيكهيون أبى، لا يستطيع أن ينسى ناري وهي مجروحة وتودِّع، وإن تظاهر أنَّهُ بخير، وإن تبسَّم وأكمل حياته؛ هو يعلم في داخله أنه ليس بخير... لقد خسر أهم شخص في حياته.
وعبر من؟!
عبر صعلوك ضعيف وجبان!
أراد قطع رقبته بل غرز السيف في قلبِه كما كانت ناري؛ لكنهم جميعًا يُقيدون رغبته ويحثّونه على تبديل رأيه.
إلتفت يمنح الجميع ظهره وتنفَّس بِعُمق، لن يسمح لأحد أن يرى ضعفه أو يرى تلك الدموع التي تشوش رؤيته، لن يخونه كبرياءه أمام أي أحد.
خرج من الزِّنزانة دون أن يأخذ بثأرِه من هذا الفتى، ومضى وسار وسار وتركوه وحده لأنَّهُ يحتاج أن يقضي بعض الوقت مع نفسِه.
ولكنَّهُ حينما عاد؛ رأى سيهون يقف مع إحدى المُجنَّدين، وهذا المُجنَّد يعرفه؛ إنَّهُ كيم تايهيونغ.
وقف ليقول لسيهون.
"أنا أتقدَّم للزواجِ من أُختكَ الكريمة هيريم"
...................................
يُتبَع...
الفصل الخامس عشر "شرانِق عَواطِف"
الرواية التاريخيّة "العنقاء"
24th/May/2021
......................
سلاااااااااام
الفصل القادم بعد 100 فوت و كومنت.
1.رأيكم بِ:
رايناه؟
تحالفها مع جماعة القمر الدموي ضد تشانيول؟
إهانتِها لتاي هان؟!
حديثها مع تشانيول وقدرتها على التحكم فيه؟
بيكهيون؟
علاقته الودودة مع هيريم؟
سيهون وجاهي ككوبل؟ بين سيهون اللطيف وجاهي الخجولة؟
تاي هان؟
تشانيول؟!
تعامله مع رايناه؟
رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟
دُمتُم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤
بَطل:
العنقاء||The Emperor's Return
"شرانق عواطف"
*يحتوي على محتوى للبالغين
...
لطالما تعوَّدَ قادةُ جماعة القمر الدَّموي ألا يَثقوا بأحد كائنًا من يكون؛ لأنَّ الخَوَنة في كُلِّ مكان ينتشرون، وبأبهى الحُلَل يتزيَّنون؛ فلا يُميَّزون ولا تَهِب روائحهم النَّتِنة.
مُذُّ عشرة أعوام؛ مُذُّ أن كانوا ثلاثة أفراد فقط، لم يَكُ قد تخلَّلهم أيُ أحد، لم يَكُ قد صادقهم أحد، أو عاداهم أحد، مُذُّ ذلك الوقت تخوَّفوا من الخونة وكانوا على حذرٍ منهم.
لكن اليوم يقعون بفخِ مكيدتهم، دومًا ما كانوا يعلمون أنَّهم لو قِتلوا سيقتلون غدرًا، وأنَّ الموت الربّاني بعيد عن منالِهم... يدرون أن هذهِ ستكون الحقيقة.
لكن ما لا يدرونه؛ وما يكون مُفاجئ بالنِّسبةِ لهم؛ أن يكون هذا اليوم هو اليوم بالتحديد، وأن تحين النِّهاية قبل إنجاز أي شيء جديد، قبل فعل أي شيء قد سعوا إليه، باكرًا جدًّا هكذا.
ما كان بيدِهم حيلة سوى الإستسلام لهؤلاء الخَونة، ليس خوفًا على أنفسهم منهم، بل خوفًا على الرَّجُل الصغير في الكيس.
ساقوهم إلى مكانٍ يجهلونه، مُغمّى على عيونهم وأيديهم مُقيّدة خلف ظهورهم، وبعد سيرٍ طويل توقفوا عن السير، ثم رَجل وضع يده فوق كتف سيهون وآخر فوق كتف جونغ إن بغرضِ إركاعهما أرضًا.
جونغ إن فَضَّ يد الرَّجُل عنه بعصبيّة وسيهون صاح بغضب.
"لو كنتَ تُريد يدك أبعدها عني!"
"دعوهما وشأنهما!"
وصلهم أمر من صوتٍ مكتوم لا تتميَّز رنَّته، فتراجع عنهما الرَّجُلين يطيعان سيّدهم، فُكَّت أيديهم ثم كل منهما فكَّ العِصابة عن عينيه.
وإذ به ذاك الرَّجُل ضئيل البُنيّة يتلثَّم، ويجلس على كرسي فخم عالي المقام، والخائنان جونغداي وايشينغ يحُدّانه واقفان عن اليمين وعن الشمال.
"ما الذي تريدونه؟!"
قال سيهون بغلاظة فردَّ الرَّجُل المُلثَّم.
"أن نتعاون"
"عَلامَ؟!"
تسآل جونغ إن فردَّ الرَّجُل ذاته.
"على إسقاط الملك الجديد وإستعادة الملك بيكهيون لعرشه"
تناظر سيهون وجونغ إن بقلق، بالتأكيد هؤلاء الخونة هم من أفشوا له بالسِّر، كان أكبر خطأ أرتكبوه أنهم وثقوا بمن يثق بهم الملك.
نهض الرَّجُل المُلثَّم وتقدَّم منهم.
"صدِّقوني لا يَطوق أحد على إسقاط الملك تشانيول بقدري، أنا وأنتم نريد بيكهيون ملكًا، هدفنا واحد؛ لِمَ لا نكون نحن واحد أيضًا؟!"
تسآل سيهون.
"وكيف نثق بك؟!"
صمت الرَّجُل لبعضِ الوقت، ثم رفع يده ونزع لِثامه عن وجهه.
ضيَّق سيهون عينيه وهمس.
"من أنتِ؟"
أجاب جونغداي عنها.
"يدعونها جلالة الملكة حاليًّا، لكنها تُفضِّل أن تبقى سمو الأميرة رايناه"
"أنا شقيقة بيكهيون الوحيدة وزوجة تشانيول"
إنحنى سيهون وجونغ إن لها سريعًا.
"سموِّك نحنُ بِخدمتك!"
تبسَّمت رايناه وأومأت لهما ثم قالت.
"سأُعاونكم من داخلِ القصر وعلى ما أقدر عليه وما لا أقدر، سأفني حياتي في سبيلِ الحق لو إستلزم"
تبادلا العزم في نظرات، وفي تلك اللحظة؛ أدرك سيهون وجونغ إن أنهُما لم يتعرضا للخيانة بل إشتدَّ عِضدهما أكثر بهذهِ الأميرة.
تبسَّم جونغداي، وايشينغ نقر كتف جونغ إن فيما يتحسَّس فكّه.
"يدك قاسية"
"تستحق!"
ضحك ايشينغ ثم عانق بين يديه جونغ إن الذي ربَّت عليه وكأنه يعتذر رغم أنَّهُ يستحق.
آتى رجلان يجرّان الكيس الذي به الرجل الصغير، حينها قال جونغداي.
"هذه أمانتكم، يمكنكم إستعادتِها"
أمسك سيهون في عُقدة الكيس ثم رفع لِثامه وغادر يتبعه جونغ إن الذي إنحنى للملكة للمرّة الأخيرة قبل أن يُغادر.
تنهدت رايناه براحة بعد مُغادرتهم، ثم تطلَّعت إلى الرَّجُلين اللذين يحدّانِها.
لم يكن سكوتها عن أفعال تشانيول ومحاولات إسترضائه إلا فخًا؛ كي يترك لها بعض الوقت الحُر منه، فطالما هو غاضب منها سيبقيها تحت عينيه.
ممنوع أن تخرج، ممنوع أن تتحرك، ممنوع أن تُقابل أحد، لذا أجبرت نفسها وطوَّعت قلبها لمهمة حُب، وإن كان حُبًا مُزيف عليه أن يبدو صادق وحقيقي كي تنجح في إقناعه.
وبِبساطة؛ قُبلة كانت كافية منها لكي يؤمن بها ويصدقها؛ لأنه مُتلهف للحُب من على يديها.
لو ما كان قد أقدم على سرقة ما ليس له وإعدام روحًا بريئة؛ لرُبَّما بقيت لآخرِ لحظة في حياتها معه ووفيّة له كما السّابق مهما كان سيئًا؛ تخوّفًا منه، وتخوّفًا من نظرةِ الناس لها.
لكن روح الحُب وصلت الحُنجرة واستفرغتها، لطالما كان تشانيول أثمن عليها من كل شيء، حتى من نفسها وإلا ما سمحت له أن يذلها، لكنَّه بالغ في شرِّه لدرجة جعلت الحُب في صدرِها له يتقلَّص ويتقلَّص حتى أصبح لا شيء يُذكر.
الأمس عاد جونغداي وايشينغ إلى القصر الملكي بعد إعتكاف دام لمُدة أربعين يومًا كما هو مُقرَّر في المعبد الكونفوشي.
المُضحك في الأمر أن العبادة أصبحت عقابًا لهم، ولكن جونغداي وايشينغ شعرا أنها مُكافئة وليست عقابًا، فلقد منحهم الملك وقتًا كافيًّا للتفكير في خُطَّة للإنقلاب عليه.
ما لم يتوقعانه أن تأتي لهم رايناه في زي سيدة بلاط، وتجتمع بهم داخل القصر للإطاحة بصاحبه الجديد.
كانت قد إتفقت مع إحدى سيدات بلاطها الوفيات لها أن يتبادلا الأدوار لساعة فقط، فنامت سيدة البلاط في فراشها، وهي إرتدت ثياب الأُخرى وغادرت الحرم الملكي، تسللت إلى مخدع سيدات البلاط، وحينما نامت العيون خرجت من القصر عبر عربة نقل مارّة؛ رَشت صاحبها ببعض الفضّة ليقول أنَّها تخصُّه.
وهكذا أصبحت خارج القصر بعد مُنتصف الليل، توجهت إلى منزل الوزير الأسبق جونغداي، حينما رآها تعرَّف عليها فورًا واستضافها، ولحُسن حظها؛ فلقد كان ايشينغ عنده أيضًا، لا حاجة لتضييع الوقت في إنتظاره.
جمع المجلس ثلاثتهم، ثم جونغداي سألها بقلق.
"مولاتي، لو علم الملك الجديد أنَّكِ هنا سيقتلك"
"لن يعلم، لا تقلقوا"
تنهد ايشينغ واستجوبها.
"لِمَ تُخاطرين بنفسِك يا مولاتي؟! لِمَ أنتِ هُنا؟!"
تنهدت رايناه، ثم وقفت تسير في أرجاء الغُرفة.
"لا أُبالي بنفسي، هُناك ما هو أهم مني"
إلتفتت إليهما واتبعت.
"أن أكون الملكة زوجة الملك منصب لا يناسبني ولا أُريده، لكنَّهُ فُرِض علي فرضًا، لقد ولدتُ أميرة وأُفضِّل أن أموت أميرة"
تسآل جونغداي.
"ماذا تقصدين مولاتي؟!"
فلقد إستشعر جونغداي الخطر والطمأنينة معًا في كلماتها، الطمأنينة بأنها في صفِّهم والخطر بأنها فردًا ثمينًا، لو خانت واكتُشِفَت خيانتها ستكون أسوء النهايات على الإطلاق.
"حدسي يُخبرني بأنَّ أخي حي لم يَمُت كما يدَّعون، وأنَّهُ قادم لا محالة مهما تأخَّر كما القيامة بالضبط، سيأتي للحساب مهما تأخَّر"
نظر الرَّجُلان ببعضهما دون أن ينبسا بحرف، ثم بعد وهلة ايشينغ سألها.
"وإن كان حي؛ ماذا ستفعلي؟"
"أي شيء ليستعيد مُلكه"
"وإن كان ميّت؟"
"أي شيء ليستعيد حقَّه"
"وماذا لو كُشفتِ؟"
"تشانيول سيقتلني"
"ولا تُبالي بحياتك؟"
"أنا جُثّة تسير، لا يخاف الميت من الموت"
ساد الصمت لبضعِ دقائق، كلاهما لا يعلم كيف يتصَّرف، أيضُمّانها لصفِّهما للقتال من أجل الحق، أم يتجاهلان ما حدث للتو وكأنَّهُ لم يحدث؛ وكأنَّها لم تأتي؟!
نظرت إليهما ورأت الحيرة تتصبَّغ في وجهيهما، تنهدت ثم تسآلت.
"ألا تروني كفوًا؟!"
أجابها ايشينغ.
"لا يمكننا تجاهل أنَّكِ الأميرة ولا نُريد أن تتأذّي"
تملَّكتها جُرءة غريبة وشجاعة حينما هتفت.
"بل لا تتجاهلوا أنَّني أُريد أن أثأر لأخي حيًّا أو ميّتًا، وأنَّني سآخذ ثأري هذا من زوجي، زوجي الذي يعرفه أحد كما أعرفه أنا، ولا يحفظ دهائه أحد كما أفعل أنا.
سأكون مفيدة لكم وتكونون مفيدين لي؛ لذا أردتُ أن أتحالف معكم، وإن رفضتم سأستمر وحدي، لن يردعني رفضكم لي بينكم"
ومعالمها كانت تحكي أن لا جدال في هذه القضيّة المُنتهية بالنِّسبة لها؛ لذا ضموَّها إليهما، فسيكون بوسعهم حمايتها وتصحيح الطريق لأجلِها.
"إذً أنتِ معنا من هذه االحظة!"
حينها تنهَّدت براحة وتملَّكها العزم، في نهايةِ المَطاف؛ إمّا أن تهلك هي أو يهلك زوجها الملك.
.................
هيريم ما زالت تَقِف قُربَ فوهة الكهف بإنتظارِ عودة أخويها، القلق تملَّكها وتكاد تأمُر الفارس أن يأتي لها بفرسِها؛ لتذهب لهم وتُقاتِل بنفسِها ضِدَّ من يؤخرهم كائنًا من يكوم.
لهيريم طبعٌ مُتهوِّر إن مَسَّ الأمرُ إخوانها، فهي بالمعنى الحرفي لا تملك بالدُّنيا سِوى هُم، فلن تتحمَّل أن تُصيبهم الأذيّة إطلاقًا، ستذهب لهم بإحتمالين، إما أن تَجُزَّ رأس الذي يؤخِّرهم عن العودة أو تعود معهم، فلقد تعاهد الثلاثة مُذُّ زمن طويل ألا يتركوا أحد منهم خلفهم، يعيشوا معًا أو يموتوا معًا.
إستنفذت هيريم صبرها.
"أيُّها الفارس احضر لي فرسي!"
"أيُّها الفارس ابقي الفرس عندك!"
إلتفتت هيريم وإذ بهِ بيكهيون، رفع حاجبه يتحدّاها أن تنبِس بحرف يُضادِد ما أمر به؛ فتنهَّدت وأنزلت رأسها تنساق لما أمر به رغم أنَّها القائدة هُنا؛ لكنَّهُ المولى.
"إلى أين كُنتِ تَنوي الذهاب؟"
رفعت رأسها ونظرت في وجهه.
"إلى سيهون وجونغ إن"
"وأين سيهون وجونغ إن؟"
أنزلت هيريم رأسها مُجدَّدًا أمامه على إستعداد أن تتعرَّض للتوبيخ؛ وهذا فعلًا ما حصل.
"أفهم أنَّكِ تتصرَّفي بغباء ولامُبالاة، وأنتِ ذاهبة لتموتي بلا سبيل، ماذا سيقولون مُجنديكِ لأخويكِ حينما يعودون؟ ذهبت لتموت في سبيل الغباء؟"
قبضت حاجبيها ورفعت رأسها إليه مُستاءة، ليس من توبيخه بل لأنَّه يمنعها عن التَّصرُّف بغباء كما تشاء.
"مولاي؛ أنا لا أملك بالدُّنيا سوى هذين الرًّجُلين، ماذا تراني فاعلة؟
هل أجلس وأنتظر جُثثهم ثم أبكي عليهم كالنّوَّحات؟!"
رفع يده وضرب بها على مؤخِّرة رأسها فتأوَّهت وأمسكت بمحلِ ضربتها.
"لِمَ أنتِ غبيّة هكذا؟
ابعثي فرقة إستطلاعيّة ليروا ما في الأمر"
لم تنبس بحرف بينما تتحسَّس محل الضربة، لكنَّها كانت ترمقه بنظراتٍ غاضبة ومُنزعِجة، فحلَّق حاجبه ثانيةً وفتح لها ذراعيه.
"رُدّيها علي لو إستطعتِ!"
بإنزعاجٍ تكلَّمت.
"تتحدّاني بشيء لا أستطيع أن أفعله!"
حينها ضحك بيكهيون بِخفّة، وجعلت هي تنظر في مبسمه الغاوي، كيف لرجُلٍ أن يكون بهذه الروعة وهذه الغواية؟!
يُغريها جدًّا لدرجة أنها ترغب في إنتهاكِ الحُرمات وإياه.
لاحظ نظراتها له، لم يسبق له أن رأى إمرأة تنظر إليه كما تفعل هي، تتلبَّس نظراتها الكثير من الجُرءة وشيئًا آخر لا يعرفه.
تسآل فجأة.
"لو كنتُ رَجُلًا عاديًّا ماذا ستفعلي؟!"
وبوعيٍّ أجابته.
"لكنتُ تزوَّجتك"
تبسَّم ورواغ.
"وإن رفضت؟"
"كنتُ سوف أجبرك"
كانت تتكلَّم وتنظُر إلى شفتيه وهو يُكلِّمها، ثم إلى تلك الإبتسامة التي تُزين شفتيه وتُزيده في عينيها لذَّة، ثم رفعت بصرها إلى عينيه التي تُشاركه الإبتسامة وهمست.
"ولو لم تَكُن الملك كنتُ لأفديكَ بروحي لأنَّك تجلس على عرشٍ آخر"
زالت إبتسامته رويدًا رويدًا وأخذ يُفكِّر فيما تقصده، لكنَّهُ لم يفهمها، فحان دورها أن تبتسم هذهِ المرّة.
وحينما نظرت هيريم من فوق كتف بيكهيون رأت سيهون وجونغ إن قادمين على أحصنتهُما، فهرعت إليهما.
"أنتُما لِمَ تأخرتُما؟! لقد قلقتُ عليكما وكنتُ سأذهب خلفكما لولا أنَّ جلالتُه منعني!"
ترجَّل كلاهما عن الأحصنة، وبعض الرِّجال حملوا الكيس الذي به الرَّجُل إلى الدّاخِل، ركضت إليهما هيريم وأندسَّت في كُنفيهُما، وكم بدت ضئيلة ولطيفة بينهما، ثم تقدَّم الثلاثة نحو الملك وانحنى له الشابين.
أومئ بيكهيون مُبتسِمًا ويداه خلف ظهره، من الجيد أنَّهُ حضرِ بالوقتِ المُناسب، ومنع أُختهم الغبيّة من اللحاق بهم.
"لقد تأخَّر الوقت لفعلِ أي شيء، اذهبوا للنوم وغدًا سنفعل ما يلزم"
وهكذا توجَّه كل منهم إلى مخدعِه، ولم تنسى هيريم أن تنظُر إلى جلالته حتى توارى خلف الجُدران، ثم تنهدت تكبت الحُب في صدرِها.
................
الوقت تأخَّر والفجر بات وشيكًا، ولج سيهون إلى حُجرته التي أصبح يُدرِك أنَّها ليست له وحده بعد الآن، بل تُشاركه فيها إمرأة تخُصُّه، اسمها إمرأته وزوجته.
لقد جلبوا له فراش أوسع؛ ليسع كلاهما، كانت تنام على الجانب الأيمن منه ومخائلها إلى الحائط.
تنهد فيما ينظر لها، ليست نائمة، لا يمكن أن يخدعه أحد بتمثيليته، ولكنَّها بكت كثيرًا، فجسدها يرتج رغمًا عنها كلما تكلَّف صدرها شهقة رُغمًا عنها.
سار سيهون حتى أدرك دولابه، خلع سيفه ودرعه وأغراضه، ثم بدَّل ثيابه وضلَّ ببنطاله فقط.
يُدرك كيف تشعر المرأة حينما يتخلّى عنها رَجُلها في ليلةِ زفافهما، ستشعر بالإنكسار والخيبة، ورُبَّما تروادها مشاعر أكثر سوءًا، لكنَّهُ حقًا لا يقصدها.
هو ليس رجلًا عاديًّا، وهي إختارته وهي تُدرك ذلك، دائمًا ما ستكون مصلحة الجماعة وأهدافه قبلها وأكثر أهمية من نفسه حتى، لا يمكن أن تلومه الآن، عليها أن تتفهَّمه؛ لكنَّهُ سيُراضيها.
"جاهي"
همس باسمها بعدما شاركها الفِراش وآتى خلفها؛ إذ كان يستند بمرفقه إلى الوسادة ويعلوها بجذعِه.
وضع يده على كتفها وجعلها تلتفت إليه، نظر في وجهها، كانت تبكي، نفى برأسِه لها، وبإبهامه مسح دموعها.
"تعلمين أنني لستُ زوجًا تقليديًا، ولا حياتكِ معي سوف تكون تقليديّة، وأنتِ إخترتِني وأنتِ تعلمين ذلك، وأنا لن أُقصِّر معكِ بقدرِ إستطاعتي"
أومأت.
"أعلم؛ لكنني كنتُ خائفة عليك"
تبسَّم لها، ورفع يده ليُحيط بها وجنتها، أغلقت عيناها حينما إنخفض بجذعِه عليها، وشدَّت بقبضتِها على مِعصمِه حينما إقترب ليهمس بأُذنِها.
"سأكون لطيفًا ومُراعيًّا، لا تخافي مني"
"سيدي!"
وضع أصابعه على شفتيها ونظر في عينيها، كان الإرتباك والخجل يحفُّهما، وذلك ما كلَّفه إبتسامة خفيفة.
ثم سيهون أخفض رأسه، وأغدق وجهه في عُنقها؛ فتأوهت للمُفاجأة وللشعور المُباغت الذي سبَّبه لها، رفعت أناملها ودسَّتها في خُصلِ شعره القاتمة تشد عليها بِخفّة كلما إشتدت عليها سخونة قُبلاته التي تنتشر على أديمها وتُعلِّمها.
خلع عنها قطعة الهانبوك العلوية، فتعرّى كتفيها وأعلى صدرها أمام عينيه المُنتشية، بدى خبيرًا ومُتمرِّسًا بما يفعله رُغمَ أنَّهُ بتول.
قبَّل عُنقها كثيرًا ثم أعلى صدرِها ثم عاد مُجدَّدًا إلى عُنقها، ثم ارتفع إلى خطِّ فكِّها يُقبّله وهي تحته تذوب فيه.
صعدت شفتيه نحو وجهها، قبَّل وجنتيها وعينيها، ثم أنفها وناصيتها برِقّة، ثم أخيرًا شفتيها، ولقد كانت القُبلة الأولى.
وما كانت قُبلة هيّنة ليّنة، بل شرسة وتؤلم لكنَّها لذيذة، قبّلها بقوّة وشراسة، فهو رجل كهف لن يأخذ بمنظوره أن يكون ألطف وأرق من ذلك، هو بمنظور نفسه هكذا لطيف، يمكنه أن يكون أشرس.
"سيدي... آه!"
حينما عَضَّ بقواطعه على شفتيها يقطع كلامها تأوهت تتألم، ثم تلى ذلك تحذيره بهمس.
"لستُ سيدك، أنا زوجك، وتُناديني باسمي مُجرَّدًا، تفهمين؟"
أومأت له فنبس.
"جرِّبي أن تُناديني"
إزدرئت جوفها ونظرت في عينيه التي هي كانت أول ما وقعت له منه.
"سيهون"
حينها إنخرط فيما يفعله مُجددًا، وعاد ليُقبّلها بذات الأسلوب.
يده حَلَّت الفُستان الدّاخلي، وجرَّدتها منه، ثم كانت أمامه كما خلقها الرَّب، فعلى إستحياء شديد ضمت نفسها إلى نفسها، وظفر الدمع في عينيها لشدةِ الخجل.
رفعها من خصرها إلى ما بين ذراعيه يُعانقها ويُهدئها، وشفتيه تطبع قُبلات خاملة على كتفها حتى هدأت، فتمكَّن أن يترك تلك البقعة ويتحرَّك إلى مكان آخر، أغمضت عيناها بقوة وكمشت بيديها على الفراش حينما أصبحت شفتيه بين نهديها.
شعرت بالخجل الشديد ولكنَّهُ لم يَكُ مُنفِر، رويدًا رويدًا إعتادت عليه في محاربها الخاصة، ما زالت خجلة لكنها مرتاحة أكثر معه، لرُبما لأنَّهُ مُراعي رُغم شراستِه.
هبطت شفتيه أكثر نحو بطنها وهي تُمسِك بكتفه تحاول إيقافه بلا كلام، لكنه غاص وغاص، وحسَّت بشفتيه تُقبّل فخذِها، وتصعدها مُجدَّدًا حتى أدرك رقبتها مُجدَّدًا ثم شفتيها.
وضع يده سهوًا فوق قلبها، فوجده ينبض بقوّة، تبسَّم وقبّل مطرحه، ثم رفع نفسه لينظر في وجهها الذي إستوى خجلًا ونشوة.
وضع إبهامه على شفتيها، يُحرر شِفَّتها من بين أسنانها وهمس.
"لا تكتمي آهاتِك، أريد أن أسمعكِ"
نظرت إليه وهمست.
"كُن ر...!"
وبلا سابق إنذار إلتحم معها وتقطَّعت كلماتها لتصرخ، لكنَّهُ أسرع في كتمِ فاهها، فمهما كانت الليلة حارّة لا يريد أن يسمعهما أحد.
وهي صرخت بقوّة تحت يده حتى أن العروق في رقبتِها برزت، أخذ يُربِّت على وجنتها ويحاول تهدئتها.
رفع يده عن فمها وأخذ يمسح لها دموعها، أخذ يتحرَّك فوقها بسلاسة، ويُقبِّل شفتيّها لتنبعث صوت أنّاتِها في فمه.
نفرت دمعة في عينيها، ولكنَّها بادلته تلك القُبل فيما تُحيط عُنقه بيديه.
تحرَّك عليها بقسوة وكتمت صوت صُراخِها قُربَ كتفه حتى تنهد براحة وإرتخى جسده عليها.
عانقها بعد وهلة وجعل نفسه على الفراش وهي على صدرِه، طبع قُبلة على رأسِها وأحاط كتفها بذراعه، ثم أغلق عينيه فيما يتصبَّب عرقًا وأنفاسه مُستهلكة.
وأما جاهي؛ فلقد أصبح بدنها ضعيف وضحية هذا الحُب الجسدي ظهرها الذي تخدَّر لكثرةِ ما آلمها، لكن صدره الثائر دافئ وذراعه حنون، عِناقه هذا وتنويمها على صدره مثل مُكافئة آخر العمل، وأخذتها عن إستحقاق.
فلقد شعر معها وشعرت معه بلذّة ما بعدها لذّة، ما كان يدري سيهون أن المرأة في الفراش تمنح أفضل شعور في العالم، ليس الشهوة وإنما الإحساس بالرجولة ورغبة إمرأته فيه.
"شكرًا لأنَّك جعلتني زوجتك"
همست رغم أنفاسها المُتقطِّعة، وأجابها سيهون بعِناق أكثر دفئًا وأكثر عِناقًا.
...........................
في الصباح الباكر؛ كانت تسير رايناه وخلفها حاشيتها من سيدات البلاط تَمُر بالحرم الملكي، لكنَّها لاحظت حركة غريبة، فتوجَّهت إليها.
"ما الذي يحدث؟!"
سألت إحدى المحظيّات التي تبكي فانحنت لها وأجابتها.
"الملكة الأرملة تاي هان أمرت بجمعِ محظيّات الملك بيكهيون لنفينا أو قتلنا، والبتول منا ستصبح للملك تشانيول"
تنهدت رايناه وسار فيها الغضب، لقد قررت أن تُدافع عن بيكهيون بكل السُّبل، وحماية نسائه من حمايته.
توجَّهت إلى بلاط الحرم، والتي تحكمه هي بعد وفاة ناري وبصفتها الملكة الأولى، ستستغل هذا اللقب الذي تكرهه لتسير كلمتها.
كانت تاي هان تجلس برِفعة وغرور، ومحظيّات بيكهيون أرضًا يركعن ويبكين ويتوسَّلت؛ لِتُبقي على حياتهن، لكن تاي هان تحقد عليهن فبيكهيون كان يُفضِّل محظيّاته عليها، ويمنحهن وقت أكثر مما يمنحها.
دخلت رايناه بقوّة كإحتلال وصاحت بغضب.
"ما الذي يحدث هنا؟!"
نظرت لها تاي هان، ثم تكلَّفت إبتسامة ونهضت بهدوء فيما رايناه تأمُر.
"انهضن واذهبن إلى مضاجعكن!"
"التي ستتحرَّك من مكانِها سأقطع لها رأسها"
إرتفع حاجب رايناه عن ناصيته؛ بسببِ هذا التَّحدّي، الذي أقامته تاي هان بينهُما، ثم إرتفع شِدقها بنصفِ إبتسامة.
"حسنًا كما تشائين، أردتُ ألا تتعرَّضي للإهانة أمام المحظيّات، تذكَّري أنَّكِ من أصررتِ"
"رايناه!"
صاحت تاي هان بغضب؛ ولكن رايناه بطريقة مُستفِزّة قاطعتها تقول.
"مولاتك... أنا جلالة الملكة رايناه الأولى"
تقهقهرت تاي هان بغضب، ورايناه أتبعت فيما تسير بين المحظيّات وتنظر لهن.
"هل تتصرَّفي بالحرم كما تشائي وأنا أحكمه؟! من سمح لكِ بالعبثِ بالمحظيّات؟!"
إلتفتت إليها تاي هان، وفيما تُصِر على أسنانها بغضب قالت.
"بيكهيون مات، لماذا نُبقي على نسائه؟!"
سُرعان ما نظرت إليها رايناه ونبست تُشير إليها بسبّابتِها.
"أنتِ إحدى نِسائه أيضًا"
"أتُقارنيني بمحظيّات؟! أنا أميرة قبل أن أكون ملكة!"
صاحت تاي هان فلقد إستهلكتها العصبيّة، ورايناه باتت ذات لسان سليط ونبرٍ مُستفِز.
"لستُ أقارن، قُلتِ نساء بيكهيون، وأنتِ ضمن نساءه بغضِّ النَّظر عمَّن تكونين... ثم هؤلاء المحظيّات بنات شُرفاء ونُبلاء وعائلات كبيرة، لم نأتي بهن من دار المحظيّات، وبعضهن عقيلات، تعريضهن للإهانة جريمة بحدِّ ذاتها بغضِّ النظر لأي ملك ينتمين"
زفرت تاي هان فلقد تكبَّل لسانها، ولكن رايناه أومأت بعد وهلة.
"ولكن تعلمين؟! أنتِ مُحِقّة... محظيّات الملك بيكهيون لا يجب أن يبقينَ هُنا"
في تلك اللحظة تكاثرن المحظيات عند قدمي رايناه يتوسلن الرحمة والشفقة، وتاي هان إلتفتت إليها وإبتسمت إبتسامة واسعة.
"إن كنتِ ستوافقيني في النهاية يا زوجة أخي، لِمَ كل هذه الشوشرة؟!"
"لأنَّني لن أسمح لكِ أو لغيركِ بقتلهن أو نفيهن يا زوجة أخي"
أجابتها رايناه ثم إلتفتت إلى الخَصي المسؤول وقالت.
"محظيات جلالة الملك بيكهيون سيذهبن إلى القصر الشرقي، جميعهن بلا إستثناء سواء كُنَّ عذارى أم لا"
إنحنى لها الخصي ونبس.
"أمرُ مولاتي"
وبينما رايناه تمر بتاي هان إلى الخارج إستوقفتها الأخيرة بقولِها.
"هل سيكون تشانيول سعيد بما تفعلينه؟!"
تبسَّمت رايناه وإلتفتت لها.
"يُمكنكِ أن تذهبي وتُفشي له عمّا فعلتُه، فأنتِ مُعتادة على مثلِ هذه الأفعال الرخيصة؛ لكنَّكِ ستتفاجئين به يصدُّكِ ويرفض الإستماع لكِ.
لن يأتي ليضربني بعدما تُخبريه عنّي، بل ربما يضربكِ أنتِ؛ لأنَّكِ تتدخَّلي في شؤون لا تخصك، وتحاولي زعزعة الحُب الذي بيننا.
فتوخي الحذر؛ يده ولو إستخدمها بِرِقّة تؤلم جدًا!"
إستذكرت رايناه وتوقفت فجأة، ثم عادت أدراجها نحو تاي هان.
"اه صحيح!... تقولي "بيكهيون مات" بهذهِ البساطة؛ وكأن الذي مات خادمك، حتى لو مات خادمك ستكوني أكثر تأثُّرًا... تخيَّلي لو عاد جلالة الملك بيكهيون المُعظَّم إلى الحياة، هل ستجرؤي أن تستخدمي معه هذه اللغة؟!"
حينما صمتت تاي هان عن الرَّد وإكتفت بعضِّ شفتها بغيض اتبعت رايناه.
"رُبَّما تحقدين عليه؛ لأن آخر ذكرى لكِ معه حينما أبرحكِ ضربًا لأجلي... لا بأس؛ احقدي عليه؛ فأنتِ ستخجلي دومًا أن تُخبري الناس عن آخر ذكرى بينكما... سأرويها عنكِ لو استثقلتِها"
تبسَّمت رايناه بشماتة وإنتصار فيما تنظر إلى وجه تاي هان، الذي يكاد ينفجر غضبًا وغيظًا وخزيًا.
"وأخيرًا... هل نسيتِ أنَّ لكِ إبنة تُدعى جيهان؟!
ولو لم تكوني حزينة على وفاتها إدَّعي ذلك أمام النّاس على الأقل!"
وتلك الكلمات كانت القشّة التي فصمت ظهر البعير، فأنفجرت تاي هان تصيح بغضب وإنفعال وتبكي، وأمّا رايناه فقد خرجت تترك خلفها المحظيّات ينحنينَ لها شاكرات وتاي هان تشتعل في غيظها وغضبِها.
ولأولِ مرة تشعر رايناه بلذة الإنتصار، ولو كان إنتصارًا صغير يبقى طعمه في نفسها لذيذ.
حسنًا... هي لا تعتبره إنتصار صغير، لطالما تعرَّضت للتوبيخ في أحسن الأحوال، وفي أسوءها للضرب على يد تشانيول بسبب تاي هان ووسوساتها؛ كما لو أنها أبليس بشري.
واليوم هي من تعرضها للإهانة، وليس عبر تشانيول كما كانت تفعل هي، بل هي بنفسها من عرَّضتها للإهانة... وهذه فقط البداية.
............
تاي هان لم تُطيق أن تبقى في حرمِها دون أن تَشي لتشانيول عن أفعال زوجته المُشينة بنظرِها.
إذ كان تشانيول في إجتماع مع وزراء الدولة في البلاط الملكي.
هو يعلو العرش ووزيره الأول بارك جيمين يقف مُعتليًّا بعض الدرجات نحو العرش، وبقية الوزراء يصطفّون بشكلٍ أُفقي صفوفًا أمامه.
"مولاي، لقد سبق وإن أنزل الملك الراحل بيكهيون مال الجزية والهدايا عن عاتق غوريو، ولقد حان الوقت من السَّنة الذي نأخذ بها الجزية، أنتنازل عنها كما في العام السابق أو نُطالِب بها"
"نُطالب بها بلا شك وبجزية العام الفائت التي تخلّى عنها الملك الراحل، فأنا لستُ بمُتخلٍّ عنها، ولو كنتُم تذكرون؛ فلقد عارضته لكنَّه لم يستمع... اللُطف ما أودى به إلى مصيره المشؤوم"
انكس الجميع برؤوسهم وتبادلوا النظر بين مؤيد لأقوال الملك ومُعارض، فجلالته كان أرحم الناس على الناس مهما ظنَّ به الناس وصوَّروه.
وهو بعكسِ الملك المُنصَّب جديدًا؛ فهذا لا يعرف الرحمة، ولا الرحمة تعرف له بابًا تطرقه؛ لذا هذا الشعب سيرى من الظالم ومن العادل.
إنتهى الإجتماع بعد وقت وخرج الملك تشانيول خلفه عدد من الوزراء الذين يآزرونه من قاعةِ البلاط الملكي، لكنَّهُ حينما رأى أُخته تمشي ناحيته وانحنت له أشار لوزراءه بالإنصراف لينفرد معها وحدهم.
صرف تشانيول الوزراء ثم نظر لها.
"تُريدي أن تتحدَّثي بشيء معي؟!"
أومأت له ثم نظرت يمينًا يسارًا، وحينما لم تجد جواسيس لرايناه -وكأنَّ رايناه ستفعل شيئًا كهذا- همست له.
"يتوجَّب علينا أن نتحدث بشأنٍ خاص في مكان مُغلق"
برم تشانيول شفتيه بغرابة؛ لكنَّهُ أومئ موافقًا، ثم أشارَ لها أن تسير وسار بجوارها.
أخذها إلى مجلسه الخاص المُغلق وطرد خدمه من المخصيين خارِجًا؛ كي يتحدثا براحة عن الموضوع المهم الذي تريد أن تتحدَّث هي به.
"ماذا هُناك تاي؟!"
جلست تاي هان إلى يمينه ونبست بنبرة كارهة وحقودة.
"زوجتك المَصون!"
سُرعان ما رفع تشانيول سبّابته في وجه شقيقته، ونبس مُحذِّرًا.
"احذري... لقد أصبحت مولاتُك!"
"تشانيول!"
هتفت بإنزعاج، فها هو يُحجِّمها هو أيضًا، لقد صدقت رايناه، لقد تغيّر.
وأما تشانيول ففرد كفِّه ونفضها قائلًا.
"لا أُمانع أن تُناديني تشانيول بلا أي كُلف، لكن ليس هي"
"هل أصبحت عليك أغلى مني لدرجة أنَّك لا تُطيق أن أذكرها على لساني؟!"
إستنكرت بإستهجان فنفى برأسه موضِّحًا.
"لا...
هي لطالما كانت غالية وثمينة بالنِّسبةِ إلي، ولكنني كنتُ أسمح لكِ ولغيركِ أن يُعاملها بما لا يتناسب ومِقدارها عندي، الآن لن أسمح لكِ بالتفوّه بحرف واحد يمسَّها بسوء!"
في نهاية كلامه بدى وكأنَّه يُهدِّد لا يُخبر ولا حتى يُحذِّر، إزدرئت تاي هان جوفها وتباطئت في الرَّد؛ لكنها اتبعت بعد حين.
"ما رأيك أن تسمعني أولًا ثم تحكم؟"
تنهد تشانيول ثم أشار لها أن تتكلَّم، فتكلَّمت له عمّا حدث، لا يُنكر أنَّهُ شعر بالغضب، لكن سُرعان ما دبَّر عقله لها العُذر؛ أنَّ هذا العُرف السائد، وأن مُلكيّة المحظيّات لا تنتقل من ملك إلى آخر.
"والآن ما رأيك؟"
همست تاي هان فيما تبتسم بطريقة لئيمة، تنتظر من أخيها أن ينهض محمومًا بالغضب على رايناه كالأيام الخوالي ويذهب لها ليُلقنها درسًا عبر عُنفه؛ لكنَّه لم يفعل بل لم يُحرِّك ساكنًا، بل وبدلًا من هذا نبس بنبرةٍ هادئة.
"حسنًا أنتِ غادري الآن"
رمقته بإستنكار، هذا ليس تشانيول الذي تعرفه، لكنها وقفت سريعًا حينما قال مُحذِّرًا ومُكرِّرًا.
"قُلتُ لكِ انصرفي!"
خرجت تاي هان مُسرِعة وخائفة من تشانيول الجديد هذا، تخشى أن يتحقَّق كلام رايناه يومًا ويُقدم على إهانتِها ليُرضي زوجته.
وأما تشانيول؛ فلقد بقيَ في مجلسه لبعضِ الوقت، ولكن بما أنَّ رأسه تدور وتدور، وتأتي بالأفكار وتجيء.
لِمَ فعلت رايناه هكذا؟!
قرر أن يذهب إليها، ويتحدَّث معها بهدوء، يحتاج أن يفهم منها شخصيًا لِمَ تتصرَّف هكذا... أو لا؛ هي من ستأتي إليه.
"أيُّها الخَصي!"
ركض إليه المُنادى وانحنى له ينبس.
"أمرُكَ مولاي!"
"اذهب وأخبر الملكة رايناه أن تأتي إلي"
"أمرك جلالتك"
انصرف الخصي ثم غاب دقائق وعاد لوحده يقول له.
"تقول مولاتي أنها ستأتي لك حالًا"
إلتفت تشانيول والخصي إنصرف، فهو لم يُرِد أن يرى مُجرَّد خَصي إبتسامته الخاصّة برايناه وحدها، سيكره نفسه لو رآها أحد غيرها، فالكُل مُلزم بالخوف منه إلّاها.
أصبحت تأتيه فورًا، لا تختلق حُجة ولا تطلب المزيد من الوقت، إن قال لها تعالي تأتي حالًا مهما كان الذي يشغلها، إهتمامها به لهوَ أفضل شعور في الدُّنيا.
أتت رايناه أخيرًا، وحينما أصبحت خلف الباب أذِن لها بالدخول وإلتفت لها، كانت تبتسم بوجهه كما لم تفعل من قبل وهو أمر.
"اخرجوا جميعًا ودعونا وحدنا"
خرج الجميع وإنغلقت عليهم البوّابة، شرع تشانيول لها ذراعيه، وهي أتته بلا نقاش ولا تلكؤ، واندسَّت بين زِنديه.
عانقها بين ذراعيها ثم نبس.
"لِمَ أصبحتِ تُحبّيني فجأة؟"
لم تبتعد عنه حينما أجابته ولم تستهلك وقتًا لإجابته.
"لم أحبك فجأة، لطالما أحببتُك، ولقد قررتُ بدل أن أغضب منك وأبكي على الحليب المسكوب سأعيش ما تبقى لي بهناء معك وأحاول أن أنسى الماضي... أن تُسعدني مُقابل أن أنسى الماضي الذي آلمتني فيه كثيرًا"
وتلك كانت صفقة عادلة بنظرِ تشانيول فلم يُعلِّق، بل إستطرد بسؤال آخر.
"لِمَ تصرَّفتِ بهذهِ الطريقة بشأنِ المحظيّات؟"
رفعت رايناه رأسها عن صدره وأجابته.
"هُنَّ لسن محظيّاتك!"
"رايناه!"
حذَّر بنبرٍ سليط، لكنَّها وضعت يدها على شفتيه واتبعت.
"هل كذَّبت؟!
هذه الحقيقة، هُنَّ لسن ملكًا لك."
أنزلت يدها عن شفتيه فيما هو يقبض حاجبيه بإنزعاج، ورايناه اتبعت.
"المحظيّات كما تعلم مصدر قوّة للملك، لذا عليك بنفسك أن تختار العائلات النبيلة التي تريدها بظهرك؛ لنختار من بناتهن محظيّات ونمنحهن رُتب عقيلات... هكذا ستزداد قوّة، بينما لو أخذت محظيّات أخي لن يُشكِّل ذلك تحالُفًا مع عوائلهن؛ فالتحالف المُبرم لم يَكُ معك، بل معه هو"
تنهد تشانيول ونبس.
"لكن بيكهيون قد تحالف مع كل العائلات القوية بالفعل عبر محظياته، هل أتحالف مع العائلات ذاتها؟"
"هذه القوة التي تحتاجها فقط للسيط، أنت قوي بالفعل، تحالف مع بقية العوائل المرموقة، وأنا سأختار لك أجمل بناتهم"
"حقًا ستفعلي؟!"
نبس بإستنكار فأومأت بإبتسامة ثم قالت.
"نعم؛ الآن الوضع مُختلف، أنا ملكة ولن أغير عليك من محضِ محظيّة!"
تبسَّم تشانيول وأحاط خصرها بذراعه.
"لا محظيّة ولا غيرها يمكنها أن تسلب مكانكِ عندي، بل أنتِ وأنتِ فقط"
تبسَّمت رايناه وتشانيول رفع ذقنها برفق بأصابعه، ثم طبع على شفتيها قُبلة خاملة، بادلته أياها فتنهد بِعُمق حينما إبتعد، بينما رايناه ضحكت وحينما إستفسرت ملامحه عن سببِ ضحكاتها رفعت إبهامها لتمسح به شفتيه.
"الذي يراك الآن سيظن أنني أكلتك، وجهك مُلطَّخ بأحمر شفاهي"
رفع حاجبه ونبس.
"حقًا؟! إذًا سأخرج هكذا"
سُرعان ما تمسَّكت به وهو يحاول الخروج تضحك.
"لا لا!"
ثم إبتسمت إليه وهي تمسح أحمر شفاهها عن شفتيه فيما كان هو يتأمل وجهها القريب وتلك الإبتسامة الجميلة التي أصبح يراها من جديد.
ما إن إنتهت من مسحِ شفتيه حتى أمسك بيدها، وطبع في باطنها قُبلة.
"أُحبك جدًا!"
"وأنا أيضًا"
نظر لها وهمس.
"وأنتِ ماذا؟"
تبسَّمت تُجيبه.
"أُحبك"
تنهد بِعُمق فضحكت ثم حضنها بقوّة لدرجة أنها إختنقت، فأخذت تُربت على ذراعيه.
"تشانيول سأختنق!"
"أرغبُ في أكلك!"
............
وفي الصَّباح في مقرِّ المُتمرِّدين؛ فلقد كان صباحًا زهيًّا وهنيًّا، فالكثير من الأزواج الذين تزوجوا البارحة ينالوا المُباركات، وتُحضَّر وليمة إفطار لِأجلهم.
ومنهن جاهي التي تمشي بالكاد وتلف حول رقبتها وِشاح، فجعلت النِّسوة جميعًا يضحكن عليها ويتغامزن على العريس الأقوى؛ القائد سيهون.
هربت جاهي من النِّساء وجلست بعيدًا، ألا يكيفيها أنَّها في الصباح هربت من بين ذراعي سيهون الدافئة خجلًا منه؟!
الآن تتعرَّض للسُخرية، جميع العرائس الأُخريات بخير إلّاها، لِمَ توجب عليها أن تكون في هذه الحالة المُزرية وحدها؟!
أتت لتجلس بِقُربها الأميرة بيكهي، وحالما رأتها جاهي أرادت النهوض لتقديم إحترامها لولا أنَّ بيكهي تمسَّكت بيدها، وأبقتها جالسة بقُربها.
"مُبارك لكِ زواجك"
همست جاهي بخجل.
"شكرًا لكِ سمو الأميرة"
وبينما النِّساء يجلسن ويتحدثن مرَّ سيهون بثياب المُحارب الدهماء، عيناه حادّة وبيدِه سيفه، يخلفونه رِجاله وهُم يجرون كيسًا.
بدى قويًا، مُهيبًا، ورائعًا... لدرجةِ أنَّ النبضاتِ في قلبِ جاهي أخذت تصرخ وبدنها إهتزَّ لرؤيته بهذهِ الحُلّة التي أغوتها أول مرة وما تزال تُغويها.
توقف سيهون عن السير حينما رأى إمرأته تنظر إليه وكأنها ترى ملاكًا فاتِنًا، ثم أشار إلى رِجاله بأن يسبقونه وهو سار نحوها، وفيما يتطلَّع الجميع إلاما سيفعله تقدَّم من جاهي، ثم جلس القُرفصاء أمامها وهو ينظر في عينيها، لكنها أنزلت رأسها خجلًا منه.
رفع ذقنها بأصابعه ثم همس.
"لا تخرجي قبلي مرة ثانية"
بيكهي وجيهان تتعانقان وتُراقبان المشهد الرومنسيّ بمشاعر جيّاشة، وأما جاهي فأومأت له.
"حسنًا"
ربَّت على وجنتها، ثم قرَّبها منه ليطبع على ناصيتها قُبلة.
"صباح الخير"
تمسَّكت جاهي برداءه ونبست.
"صباح الخير"
كانت خجلة جدًا من أن يبتعد عنها، ولكنه مُضطَّر أن يبتعد، لديه أعمال كثيرة ليُتمِمها.
إبتعد ثم نهض وتركها خلفه تحترق خجلًا إثر تصرفه اللطيف علنًا، وسيهون أراد أن يوصل رسالة؛ أنَّهُ -وهو القائد والمؤسِّس لهذهِ الجماعة- يعامل زوجته بلُطفٍ ولين، ولا يخجل أن يتصرَّف بهذه الطريقة أمام الجميع؛ لذا على جميع الرِّجال في جماعته أن يكونوا ألطف مع نِسائهم؛ فلقد كثرت مؤخرًا شكوات النِّساء على رجالهم في الجماعة.
رفعت جاهي ساقيها إلى صدرها وخبأت وجهها والنِّسوة تكاثرن من حولها، الجميع يهاب القائد ولم يدروا أن له مزاج رومنسيّ إطلاقًا.
.............
عادت تقاسيم وجه سيهون إلى الحِدَّة مُجدَّدًا، فالآن حان وقتُ الحِساب والعِقاب، فأحدهم ورغم جُبنِه وضُعف شخصيته تسبَّب في موتِ الملكة ناري.
كان الرجال قد ربطوا مِعصميه عبر سلسلتين تدلى من السَّقف، تعرَّض لبعضِ الضَّرب الذي يستحقه، ثم وقف سيهون بجواره جونغ إن قِبالة المُجرِم الصغير بإنتظار الملك؛ لأن هذا ثأرهُ الخاص، ولا يمكنهما التَّحكُّم فيه كما يشاءان.
كان أونو ينظر إلى الرَّجُلين مُتضاديّ لون البشرة والخوف يملئ عينيه، يزدرئ جوفه كل ثانية رغم أنَّه يبتلع دماء لِثَّتِه النّازِفة.
"سيدي أرجوك لا تقتلني، سأفعل لكَ أي شيء لكن لا تقتلني!"
وضع سيهون سبّابته على شفتيه يُشيرُ للأسيرِ بالصَّمت، ثم إتكز على سيفه الذي يغزُّه بالأرض فيما ينظر إلى أونو نظرات تُخيفه.
"سيدي؛ الملك قد وصل"
إرتعد أونو خوفًا وسيهون أومئ لِسَّجّان.
"عن أي ملك تتكلَّمون؟!"
بهلعٍ تسآل أونو وبنبرةٍ عالية، فأتاهُ الرَّدُ سريعًا؛ إذ بينما يَلِج الملك قال.
"أنا"
ولج بيكهيون ونظر إليه أونو مُسهِب النظر، إرتعدت أوصاله.
في البداية؛ ظنَّ أن بصره وسمعه يخدعانه، وأنَّهُ من الخوف يُهلوِس، ثم ظنَّ أنَّ ذاكرته خانته وأن الوجوه إختلطت عليه فحسب، ثم رويدًا رويدًا أدرك واقعه، وفهم دون كلام لِمَ هو هنا وماذا سيحدث له.
سُرعان ما بدأ يتوسَّل باكيًّا، ولولا قيوده لركع أرضًا وتوسَّل المغفرة.
"مولاي أنا آسف، أنا حقًا كنتُ مجبور أن أُنفِّذ الأوامر وإلا قتلني!"
شدَّ بيكهيون على قبضتيه بغضبٍ شديد، ولكن هذا الشاب اليافع ما هو إلا بيدق صغير في لُعبةِ الشطرنج هذه، أدى مُهمتِه الصغيرة ثم هو خارج اللعبة؛ لذا بيكهيون حاول أن يُسيطر على غضبه على قدرِ المُستطاع، ووضع قبضتيه المُشتدَّتين بِالغُل خلف ظهره.
أشار بيكهيون إلى السَّجّان ليفك قيوده فسقط الرجل أرضًا، إقترب منه بيكهيون وجلس القُرفصاء قُربه، ثم همس.
"لِمَ؟! أنتَ ماذا فعلت؟"
إزدرئ أونو جوفه ولم يُجب، ثم تحرَّك ليركع أمام مولاه.
"مولاي أرجوك سامحني"
"قُلتُ لكَ ماذا فعلت!"
صرخ بيكهيون عليه والشاب إرتعد وشرح له ما حصل، إمتلأ بيكهيون غيظ وأونو ينتظر ردة فعله، لكن بيكهيون نهض على عقبيه أخيرًا ثم همس.
"أتدري لِمَ عُمال القصر هم الأعلى أجرًا في الإمبراطورية بأكملها؟"
إزدرئ أونو جوفه بخوف وبيكهيون همهم فيما يسحب السيف من أسفل يد سيهون.
"لأنهم دومًا مُعرَّضين للموت والتهديد، ولأن تعرضهم لتهديد ليس مُبرِّرًا لخيانتهم لمولاهم!"
وضع بيكهيون السيف على رقبةِ أونو، وأونو أنحنى يتوسَّل ويعتذر لأجلِ حياته.
"مولاي أرجوكَ لا تقتلني، امنحني فُرصة لأُصلح خطأي!"
"أمثالك لا يملكون الفُرصة التي تتحدَّث عنها؛ لأنَّكَ ستخونني فورما تُصبح تحت قبضته مُجدَّدًا!"
رفع بيكهيون السيف ينوي قتله فعلًا، لولا أن الوزير جونغكوك تدخَّل، ووضع يده فوق يد بيكهيون يقول.
"لا تقتله مولاي، قد يكون نافعًا لاحقًا"
لكن بيكهيون أبى، لا يستطيع أن ينسى ناري وهي مجروحة وتودِّع، وإن تظاهر أنَّهُ بخير، وإن تبسَّم وأكمل حياته؛ هو يعلم في داخله أنه ليس بخير... لقد خسر أهم شخص في حياته.
وعبر من؟!
عبر صعلوك ضعيف وجبان!
أراد قطع رقبته بل غرز السيف في قلبِه كما كانت ناري؛ لكنهم جميعًا يُقيدون رغبته ويحثّونه على تبديل رأيه.
إلتفت يمنح الجميع ظهره وتنفَّس بِعُمق، لن يسمح لأحد أن يرى ضعفه أو يرى تلك الدموع التي تشوش رؤيته، لن يخونه كبرياءه أمام أي أحد.
خرج من الزِّنزانة دون أن يأخذ بثأرِه من هذا الفتى، ومضى وسار وسار وتركوه وحده لأنَّهُ يحتاج أن يقضي بعض الوقت مع نفسِه.
ولكنَّهُ حينما عاد؛ رأى سيهون يقف مع إحدى المُجنَّدين، وهذا المُجنَّد يعرفه؛ إنَّهُ كيم تايهيونغ.
وقف ليقول لسيهون.
"أنا أتقدَّم للزواجِ من أُختكَ الكريمة هيريم"
...................................
يُتبَع...
الفصل الخامس عشر "شرانِق عَواطِف"
الرواية التاريخيّة "العنقاء"
24th/May/2021
......................
سلاااااااااام
الفصل القادم بعد 100 فوت و كومنت.
1.رأيكم بِ:
رايناه؟
تحالفها مع جماعة القمر الدموي ضد تشانيول؟
إهانتِها لتاي هان؟!
حديثها مع تشانيول وقدرتها على التحكم فيه؟
بيكهيون؟
علاقته الودودة مع هيريم؟
سيهون وجاهي ككوبل؟ بين سيهون اللطيف وجاهي الخجولة؟
تاي هان؟
تشانيول؟!
تعامله مع رايناه؟
رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟
دُمتُم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤
Коментарі