ما قبل الإحتراق
CH1||سياسة التَّمرُّد
CH2||الملك أيضًا أب
CH3||بِدء التنفيذ
CH4||كرامة الملك
CH5||تأثير الفراش
CH6||اسم الملك
CH7||الإمبراطور
CH8||نِصف قمر دموي
CH9||على حافة الهاوية
CH10||العرش يهتز
CH11||عصر من الظلام
CH12||قلبي يتمزَّق
CH13||جِراحُ المَلِك
CH14||العنقاء إحترق
CH15||شرانق عواطف
CH16||إبنة الكهوف
CH17|| الحب في سيماءه
CH18|| القلوب تبكي
CH19||الحيرة والحب
CH20|| المُفارقات
CH21|| البطلة
CH22||سيّدة التَّفرُّد
CH23||شُعلات حُب وحرب
CH24||كش ملك
CH25||خيبة
CH26||الحُب والحرب
CH27||ساعة الحِساب
CH28||عجز
CH29|| مُنكسرة الفؤاد
CH30||زمهرير
CH9||على حافة الهاوية
بيون بيكهيون (الإمبراطور)

بطل:

"العنقاء||The Emperor's Return"


"على حافّةِ الهاويّة"













"أنتُم المُتمرِّدون!"

شعرت هيريم بالإرتباك حينما فتح الإمبراطور عينيه ونظر لها فيما كُل الغضب مكنونًا في حدقتيه الدّاكنتين؛ فهي وكل رجالها لا يمكنهم مُقاتلة الإمبراطور وإخضاعه لهم، فهو المَولى في هذهِ البلاد، ولا يُمكن أن يُلحقوا به أي نوعٍ من الإهانة.

إستجمعت هيريم بأسها ثم نبست من أسفل لِثامِها الذي يَحجُب عنه رؤية وجهها الأُنثوي الجميل.

"مولاي، نحنُ هُنا لحمايتك لا لمُحاربتك، أرجوك تعال معنا، ولا تجبرنا أن نفعل شيئًا لا نُريد أن نُقدِم عليه!"

تهيأت شفتيه إلى إبتسامة ضئيلة ساخرة ومُستنكِرة، فلا يدري الإمبراطور متى إشتدَّ عود هؤلاء البرابِرة لدرجةِ أن يتسلَّلون إلى جناحه ويخططون لخطفِه.

وفجأةً؛ شعرت هيريم بسيفِه، الذي يتركه بجواره عادة، على عُنقها، اتسعت عيناها بوَجل، وأشارت لرِّجال أن يخفضوا سيوفهم فورما أشهروها؛ كردِّ فعل على هجوم الإمبراطور الغير متوقع.

"مولاي رجاءً رافقنا قبل فوات الأوان!"

قرَّب السيف نحو لِثامها فيما يقول.

"لا يمكن أيُّها البربَري!"

أسقط اللِّثام عن وجهها بطرف نصلِ السيف الحاد؛ يُخلِّف على وجنتِها جُرحًا بسيطًا، فترآى له هذا الوجه الأُنثوي الجميل، واكتشف أن المُلثَّم القصير ما هو إلا فتاة مُسترجِلة مُعتدلة الطول.

نبس مُتفاجئًا، فالنِّساء في بلاده لا يُتقِنن حمل السيف ولا فنون القتال، يتعلمن ما ينفعهن في حياتهن كنساء فقط... رؤية إمرأة تحمل سيفًا لهو مُفاجئ حقًا.

"إمرأة!"

هذَّبت معالمها من الألم، ثم رفعت اللِّثام على وجهها مُجددًا ونبست.

"أنا آسفة مولاي!"

شعر بيكهيون بالخطر، وأنَّ تِلك الفتاة تُقدِم على فعلِ شيء ضِدَّه بما أنَّها تعتذِر مُقدَّمًا، قعد على سريره سريعًا ولوَّح بسيفه نحوها، ونهض بمهارة وخِفة ليتصدّى لها.

هيريم تصدَّت لسيفِه أولًا حينما هاجمها، ثم أشارت لرِجالها أن يسرعوا في السيطرة عليه، ضرب نحوها بسيفه فتصدَّت له بسيفها، كانت تُدافع عن نفسها ولا تُهاجمه مهما اشتدَّت عليها هجماتِه حتى أن القِتال قد طال بينهما.

في النِّهاية؛ ضرب سيفها بقوّة لم تتحمَّلها يدها فسقط السيف، وبحركة خفيفة جعل سيفه إلى عُنقها، كانت جبهته تُقطِّر عرقًا وهو يلهث أنفاسه بقوّة لِضراوة هذه الفتاة، لكنه وجد لنفسه وقتًا مُستقطَع، ليحتفي بنصرِه بإبتسامة في وجه هيريم.

"استسلمي!"

قاومت هذا الرَّنين المُزعِج في أيسرِ صدرِها، ونبست.

"ليس بعد مولاي!"

ثم المولى تفاجئ حينما نثرت من بين أصابعها بودرة في وجهه، شوشت نظره للوهلة الأولى، ثم جعلته يسقط عليها نائمًا.

كانت تشعر بقلبِه فوق صدرها وأنفاسه الخاملة عند عُنقها، إزداد قلبها جنونًا، وأزهرت وجنتيها بسحرٍ أُنثوي خلّاب.

تقدَّم رجالها ليرفعوه عنها، لكنها أشارت لهم أن يتركوه، ثم بذراعيها أحاطت ظهره، وبرِفق إنقلبت لتصبح أعلاه، نهضت عنه، ثم حمله إحدى الرِّجال الأقوياء شديدي البأس وعظيمي الجُثة على ظهره.

جعلت هيريم من يحمي ظهره، وسارت هي في المُقدِّمة تتفقَّد الطريق، كانت تسير بحذر بين أروقة القصر حتى بلغت المَدخل، وهو أخطر بُقعة في القصر.

هُناك باغتوها فِرقة من حرس القصر، وحالما رأوا الإمبراطور على ظهر أحدهم؛ أحدهم صرخ.

"إنَّهُم يخطفون الملك!"

"اللعنة!"

نبست بهذهِ هيريم قبل أن تبدأ مع هؤلاء الرِّجال عِراكًا آخر، قاتلتهم ومجموعة من رِجالها، شرخ أحدهم ذراعها بسيفه، تألَّمت جدًا، لكنَّها صمدت حتى أسقطت آخر رجل منهم.

الآن تملك جُرحًا جديدًا في ذراعها، وجُرح كتفها بالفعل قد تفتَّق وأخذ ينزف، كما أنَّ جُرح قدمها يؤلمها جدًا، وما عادت تستطيع أن تدوس بهذهِ القدم على الأرض بشكلٍ طبيعي، إذ أخذت تعرُج عليها.

"سيدتي، أنتِ بخير؟!"

أومأت للرَّجُل، واتبعت قيادتهم رُغمَ حالتها السيئة حتى وصلوا بالملك حدود الغاب، وتلك هي الحدود الآمنة بالفعل.

وهُنا هيريم ما عادت قادرة أن تُقاوِم أكثر، فانحنت تتمسَّك برُكبتيها، وتحاول إستجماع نُتف قوى تُعينها على الإستمرار، لكنها لا تقدر.

تشوش بصرها، وثقل رأسها كذلك جسدها، وتخدَّرت آلامها لِشدَّتِها، فتراخت على وشك السقوط تفقد وعيها، إلا أن تايهيونغ، الذي يقف ضمن مجموعتها من الرِّجال، أمسك بها قبل أن تسقط، وحملها على ظهره، ثم فِرقة رِجال هيريم أخذوا يركضون في الغابة حتى أدركوا فرقة الحرس التّابعين لهم، الذين يحرسون الغابة.

هرع جونغ إن، الذي وصل باكرًا إلى حدود الغابة، إلى أُخته حين رآها على هذهِ الحال، ونبس في قلق فيما يحملها عن ظهر تايهونغ إلى ذراعيه.

"ماذا حدث لها؟!"

أجابه تايهونغ بعدما أقام ظهره لاهثًا.

"تعرَّضت لإصابة جديدة وجروحها السابقة تنزف"

وضعها جونغ إن في إحدى العربات، التي أتوا بها لأجل العائلة المالكة، وانطلق بها قبل الجميع عودةً إلى المَقر دون أن يقدر أن يطمئن على سيهون، الذي لم يَعُد بعد.

قد نجح جونغ إن في أداء مُهِمَّتُه؛ إذ أخرج من القصر الملكة الأُم وولي العهد بنجاح دون أي مُعرقِلات، وها هُم في إحدى العَربات ينامون على إثر المُخدِّر، وبقيَّ على سيهون أن ينقذ الملكة الأولى والأميرات التؤام، لكنَّهُ لم يأتي بعد.

وأما عند سيهون؛ فإنَّه يواجه أكبر صعوبة مُمكِنة، فلقد تسلَّلَ رِجال تشانيول بالفعل إلى جناح الملكة الأولى، وهُم يغلبون جماعتِه بالعَدد بكثير، ولكن ذلك لم يُخيف سيهون وقاتلهم بشجاعة وبكل قوَّته، فهو يعلم من البداية أن هذهِ المُهِمّة مُهِمَّة حياة أو موت، وهو لن يتراجع الآن.

قاتلهم بضراوة وشجاعة حتى آخر رَجُل منهم، ثم إستطاع الدخول إلى جناح الملكة الأولى ناري وخطف الأميرتين الصَّغيرتين، لكن رجال الأمير تشانيول لا يتوقفوا عن التَّدفُّق إلى هذا المكان، لذا لم يملك خيارًا آخر سوى أن يهرُب بالأميرتين التؤام دون والدتهن الملكة.

حينما تجاوز حدود جناح الملكة الأولى؛ إستطاع رؤية طيف فتاة صبيّة تركض ناحيتهم، كادت أن تصرخ حينما رأت راياتهم وهيئاتهم، هؤلاء هُم المُتمرِّدون بلا شك، ومن لا يعرفهم!

ركض إليها سيهون سريعًا، كتم فاهها بيدِه ورفعها من خصرها بذراعٍ واحدة.

"اسكتي وإلا قتلتُك!"

شعر بدموعها تُبلِّل يده، وتهديده أخافها، فسكنت دون حركة بين يديه خصوصًا حينما لمحت بايان ولايان معهم غافيات.

من رداءها علم سيهون أنها ليست سيدة بلاط، أو عاملة في المكتب الملكي، أو شيء من هذا القبيل، فثيابها مُترفة جدًا، وتوقَّع شيئًا واحد.

"أنتِ الأميرة جيهان؟!"

ترددت في البداية بقول الصدق، فربما لو علموا أنها الأميرة سيستغلونها لإضعاف أبيها، ولكن ما هان عليها أن تترك بايان ولايان مع ثُلّة من المُجرمين ولا تفعل شيء؛ حتى لو كلفها ذلك حياتها؛ لذا أومأت برأسها لصاحب العينين الحادّة، فخفَّف حِدة ذراعه حول خصرها، ونبس قبل أن يرُش عليها البودرة المُخدِّرة.

"آسف سمّوكِ!"

سقطت بين ذراعيه مُغشى عليها بفعلِ المُخدِّر، وهو حملها على ذراعيه بحرص، وأمر رِجاله بالتحرُّك إلى الخارج.

إستطاع الخروج من القصر أخيرًا، ووصل الحدود الآمنة عند الحرس من جماعته، وضع الأميرة جيهان داخل عربة، والأميرتين الصغيرتين في عربة أُخرى، ثم إلتفتَ لينظُر نحو القصر الذي أصبح بعيدًا.

لا يُمكنه أن يُسمي مُهمَّته ناجحة بما أنَّهُ لم يستطيع أن ينقذ الملكة الأولى.

ربَّت القائد دو على كتفه يواسيه حينما لمح الخيبة تعمر ملامحه التائهة.

"لقد فعلت ما بوسعك، وبالفعل أصبح الملك لدينا وعائلته كاملة سوى الملكة الأولى، سننُقذها لاحقًا، لذا لا تقلق!"

أومئ له سيهون مُستاءً، ثم غادر بآخر فرقة عودةً إلى المَقر.

.......

وأما في المَقر؛ فلقد كان الوزير الأول جونغكوك يقف عند فوهةِ الكهف بإنتظار عودة المُتمرِّدين، وبجواره تقف الأميرة بيكهي وهي بالكاد تقف صامدة، أطرافها ترتجف رغم أنها تشعر بالحرِّ الشديد.

سمعوا صوت صهيل الأحصنة، فتأهَّبَ الجميع لإستقبال القادمين، وإذ بها مجموعة جونغ إن وهيريم معًا.

ترجَّل جونغ إن عن جواده، وهرع إلى إحدى العربات يصرخ.

"هيريم مُصابة، اسرعوا واسعفوها!"

اسرع عدة من الرجال لنقلها إلى العيادة، ثم جونغ إن تقدَّم من جونغكوك والأميرة بيكهي يقول.

"هيريم أنقذت الملك، ومعي ولي العهد ووالدته الملكة، بقيَ سيهون لم يعُد بعد!"

أنحنت بيكهي للقائد جونغ إن فيما تبكي بحرارة تُعبِّر له عن إمتنانِها، لكنه سُرعان ما أقام كتفيها يرفض أن تنحني له.

"شُكرًا لك حقًا، لقد أوفيت بوعدك وأنقذتَ أبي!"

أبعد جونغ إن يديه عنها وقال.

"هذا واجبي سمو الأميرة!"

تبسَّم جونغكوك، وربَّت على كتف جونغ إن شاكرًا فيما دموع الفرح تملئ عينيه.

"لقد وعدتُم وأوفيتُم، شكرًا لكم!"

أومئ لهما جونغ إن، ثم ولج إلى قلبِ المَقر؛ ليطمئن على حالةِ هيريم، وأما بيكهي فلقد دخلت لترى والدها.

ولجت إلى الحُجرة، التي تركوه فيها ليرتاح، لم تَكُ لترى جيدًا بفعلِ دموعها، التي لا تتوقَّف عن الإنسياب.

وضعت يدها على فمها تمنع شهقاتها الباكية حينما رأته ينام بسلامٍ وآمان في قلبِ فِراش وثير.

إقتربت منه بخطواتٍ خفيفة؛ تحرص ألا تُصدِر أي ضَجّة فتزعجه، جلست على رُكبيتها قُربه، وإحتضنت بين راحتيها يده، رفعتها إلى شفتيها لتطبع على ظهرها قُبلة، ثم نظرت إلى وجهه المُرهق.

لم يبدو والدها قط في مثلِ هذا الشحوب، تستطيع أن ترى كم أن غيابها أرهقه، وكم كان يُجاهد ليحفظ عرشه، وعِرضه، وعائلته، والناس، والبلاد، وكل ما يقع تحت مسؤوليته.

رفعت يدها لتُمشِّط بها خُصل شعره، التي تنام على كتفيه.

"أبي، لقد إشتقتُ لكَ حقًا!"

لم تتركه طيلة الليل أبدًا، وظلَّت في جوارِه حتى بزغ الفجر، حينها خرجت لتطمئن على بقية أهلها، سيهون مُذُّ وقت قد وصل، ولم يتسنّى لها لُقياه بعد.

زارت أخاها ولي العهد الصغير، ثم خرجت نحو فوهة الكهف بحثًا عن القائد سيهون؛ بما أنَّهم أخبروها أنَّه يجلس بالخارج.

رأته يجلس على جِذع شجرة قُرب النار ويبدو شارد الذِّهن، اقتربت منه.

"القائد سيهون؟"

إلتفت لها ثم وقف لينحني لها، فتقدَّمت منه أكثر تقول.

"هل يُمكنني مُشاركتك الجلوس هنا؟"

أومئ لها.

"بالطَّبع، تفضَّلي سُموِّك!"

جلست إلى جواره تُفرِّقهما المسافة اللازمة، ثم أشارت إليه أن يجلس أيضًا ففعل، ثم تحدَّث بنبرة مُنخفضة إذ يبدو عليه أنَّه يشعر بالعار ويلوم نفسه.

"إن كُنتِ ستسأليني كيف صارت معي الأمور فأنني أولًا سأعتذر... أنا آسف!"

شعرت بالقلق، فإلتفتت إليه برأسِها ونبست.

"علامَ أنتَ آسف؟!"

تنهد قبل أن يُتبِع.

"أحضرتُ معي الأميرات الثلاث، لكنني عجزتُ عن إنقاذ الملكة الأولى... أنا آسف مُجدَّدًا!"

إزدرئت بيكهي جوفها، وأشاحت بوجهها إلى يمينها حيثُ لا يجلس سيهون، وأخذت تُهدِّب بعينيها تكبح دموعها.

لا تنكر أنها تشعر بالقلق الشديد على والدتها، ولكن ليس بوِسعها سوى أن تصمُد وتبقى قويّة.

نفثت أنفاسها بِعُمق، ثم زيَّفت إبتسامة على شفتيها؛ فقط لِتُطمئن بها قلب سيهون المُزدحم بجلد الذات رغم أنَّها لا تشعُر بالإطمئنان في نفسها.

"لا بأس، أمي ستكون بخير، لا مصلحة للأمير تشانيول في قتلِها، لا تقلق!"

نظر لها سيهون وأومئ، ليس وكأنَّهُ يُصدِّق ما قالته، هو فقط يُسايرها، فهو الأدرى بكيف تَتِم مثل هذه الأمور.

"سأُخطِّط لإنقاذها، وهذه المرة لن أفشل"

أومأت له فيما تبتسم بزيف، ثم نهضت على أشُدَّها تقول.

"هل ستبقى طيلة الليل هنا؟!

لقد عملتَ بِجِد اليوم، لذا اذهب ونَم كي تقدر على مواجهة أبي غدًا، لا شك أن حربًا صغيرة ستُقام في المَقر غدًا"

أومئ لها سيهون.

"أنتِ مُحِقّة"

"إذًا هيا اذهب واخلد للنوم، سأفعل أيضًا بعدما أمُر بأخواتي"

نهض يُطيعها.

"حسنًا، تُصبحي على خير"

...........

في صبيحةِ اليوم التَّالي؛ إجتمع الأمير تشانيول بوزراء البلاط الملكي في البلاط، ولم يَكُ يملك أي أحد فكرة، ولا حتى الأمير تشانيول، عمّا حدث.

فلقد أوصى تشانيول رِجاله أن يقوموا بالمُهِمَّة، ولا يتواصلوا معه لاحقًا سواء أنجزوها أو فشلوا بإنجازِها؛ كي لا يشك أحد به، ولا يقع عليه دليل أنَّهُ متواطئ في إغتيال إمبراطور الأُمّة.

إذ كان في البلاط الملكي يجلس في مقعدِه المُشرِّف المُعتاد، يُخفي توتره خلف قناع من البرود، فيما الوزراء يتوددون إليه إلا أن الوزير كيم جونغداي ليس حاضرًا بعد.

طال إنتظار الوزراء للملك ولم يحضُر بعد، حينها تأكد تشانيول أن هذا العرش، الذي لطالما رمقه بعينٍ ناهبة، أصبح شاغرًا أخيرًا له، ولا أولى منه عليه.

إنبلجت البوابة دون أن يُعلن حارسها عن وصول الملك، فانتشر الأرتياب بين مسؤولي البلاط بين من هو قلق حقًا ومن يدَّعي القلق.

وإذ بها الملكة الأولى ناري تدخل إلى البلاط الملكي خلفها الوزير الأول كيم جونغداي، ولكنها لم تَكُ تملك طلّة الملكة الأولى، بل بدت في حالٍ غير سار إطلاقًا.

وبينما الوزراء يتمتمون فيما بينهم عن حضورها المُفاجئ بهذهِ الهيئة الغير لائقة في البلاط؛ صعدت الملكة الدرجات القليلة نحو العرش، ثم وقفت إلى جوار العرش، وقالت بصوتٍ مهزوز.

"تعرَّض القصر إلى عملية هجوم مُتسلِّلة قام بها بعض البرابرة، وعلى إثرها اُختطِف جلالة الإمبراطور وجلالة الملكة الأم، ولي العهد، والأميرات الثلاث، فقط أنا والملكة الثانية نجونا من هذا الهجوم"

إزدادت الشوشرة بين الحاضرون، والملكة ناري اتبعت.

"أنا أعلم والإمبراطور يعلم أن هؤلاء البرابِرة ليسوا سوى بيدق بيد أحد كِبار الدولة الموجودين هنا، أو بيدق ضدَّهُم"

إزدادت الشوشرة أكثر، والجميع بدأ يُنكِر هذه التُّهَم الموجَّهة إليهم إلا أن ناري رفعت صوتها حتى يسمعها الجميع.

"فقط جناح الملكة الثانية، الذي لم يتعرَّض للهجوم، وحسبِ شهادة عيان؛ فإن الأميرة جيهان قد تم اختطافها من قبيل الصُدفة دون أن يملك الخاطف أيُّ خيار آخر سوى أن يختطفها حينما اعترضت طريقهم.

وهذا يجعلني مبدأيًّا أمام إحتمالين، الأول أن هؤلاء البرابِرة يعملون لصالح شخص لن يؤذي الملكة الثانية ولا ابنتها الأميرة جيهان، لذا تركوهما لأنهما لن يُلحَق بهما أيُّ أذيّة.

والثاني أن هؤلاء البرابرة ليسوا سوى مجموعة من أنصار الملك، أتوا لإنقاذه وكل من قد يتضرر من عائلة الملك، مستثنين بذلك الملكة الثانية لأنهم يعلمون أنها لن تُضَر أو أنهم لن يجلبوا أفعى لتختبئ عندهم!"

وقف تشانيول بعصبيّة بعدما ضرب بيده مقعده، ونبس بغضب وخشونة.

"هل ربما تقصديني بكلامكِ هذا أو أن أُختي تعمل جاسوسة لدي من حرمِ الملك؟!"

نظرت الملكة ناري ناحية الأمير تشانيول بغضب.

"أنت ستخضع للتحقيق في الواقعة، كذلك الملكة تاي هان بتُهمة الخيانة العُظمى!"

اقترب الحرس بأمر من الملكة لسحبِ تشانيول، وهو نفضهم عنه وصاح.

"بصفتكِ من تجرؤي على التحقيق معي؟!
أنا الأمير الوحيد تشانيول، وقائد جيش هذهِ الأُمّة!"

"بصفتي الوصيّة على العرش في غيابِ الإمبراطور، وأنا الإمبراطورة لهذه البلاد.

أنا مولاتك، فلا تجرؤ أن ترفع صوتكَ علي أو تتحدّاني سمو الأمير!"

أشارت للحرس بسحبِه خارجًا، ثم خطبت ببقيّة المسؤولين.

"أعلم أنَّهُ على الأقل نصفكم متورط بما حدث للملك، لذا سيتم فَضِّ جلسات البلاط وإغلاقه، وأنتم ستحالون جميعًا إلى التحقيق!"

نظرت الملكة ناري نحو الوزير جونغداي، فأومئ لها أنَّها أحسنت صُنعًا فيما قد إعتلت أصوات المعارضات، والتوسلات، وطلبات العفو، لكن الإمبراطورة عبرت هذه الغوغاء بقوّة، وخرجت من البلاط تأمر بتشميع بوّابته مؤقتًّا.

عادت الملكة ناري إلى جناحها في حرم الملك، وما إن أغلقوا الباب عليها إنهارت أرضًا، وتناثرت هذه القوّة، التي ظهرت بها أمام الأمير تشانيول والوزراء في البلاط.

ركضت إليها الأميرة رايناه، التي لم تتوقَّف عن البُكاء مُذُّ أن وصلت إلى قصر أخيها الإمبراطور، ساعدتها رايناه بالنهوض حتى جعلتها تجلس على طرفِ السرير، وتحدَّثت باكية.

"حينما أخبرني الأمس أن سعادتي لن تدوم ما كنتُ أتوقَّع أنَّهُ سيتمادى إلى هذا الحد ضد أخي!"

مسحت ناري دموعها وربَّتت على ساق رايناه تقول.

"لا أظن أن هذهِ فعلته، لا مصلحة له بخطف الملك، لو نجح فعلًا بالتسلل إلى جناح الملك لقتله في فراشه ولما تكبد عناء خطفه وعائلته، أظن أن هذه فعلة المتمردون"

نظرت لها رايناه بقلق ونبست.

"وما الذي سيحدث الآن؟!"

تنهدت ناري قبل أن تُجيبها.

"لا أدري، ولكن لا أشعر أنَّهُم قد يأذونَ الإمبراطور، لو أرادوا قتله لقتلوه في فراشه"

أومات رايناه تؤييد وجهة نظر ناري.

"ماذا أفعل أنا الآن؟!"

نظرت لها ناري بحزم ونبست.

"عودي إلى قصرك ولازميه حاليًّا، قد نحتاجكِ هُناك!"

................

عودةً إلى المَقر؛ فهذا الصباح هو بالفعلِ صباحًا مشحون بالتَّوتُّر والإرتياب، ولأن هذا اليوم قد يكون عسير المرور جافى النوم الأميرة بيكهي لكثرةِ التَّفكير.

إذ حينما أشرقت الشمس ضَلَّت تتنقَّل بين أحضانِ الحُجَر المُتجاوِرة، اللاتي تَضُم في أكنافها أفراد عائلتِها الملكيّة وهم ما زالوا نائمين.

لم يَكُ جونغكوك لينام كذلك وهو يعلم خطورة الساعات القادمة، فلا أحد حقًا يدري كيف ستكون ردة فعل الملك عنيفة.

إنحنى الوزير جيون حينما نظرت له الأميرة، فتنهدت وأدركته.

"ألم تَنم أنت أيضًا بسببِ شعورِكَ بالقلق؟"

أومئ لها جونغكوك ونبس فيما يسير بجوارها تفصلهما مسافة جيّدة.

"أخشى ألا يتفهَّمنا بل يُسيء فهمنا بدلًا من ذلك!"

تنهدت بيكهي، ولكنَّها أومأت، جونغكوك مُحِق وهذا القلق هو الذي سلبها النوم الليلة الفائتة، توقفت، ثم إلتفتت إلى جونغكوك وقالت.

"سأتفقَّد إخوتي"

إنحنى لها قليلًا وهمس.

"تفضَّلي سُموَّكِ!"

ولجت بيكهي إلى داخل الكهف مُجددًا، وجرَّتها قدميها أولًا إلى الحُجرة، التي تنام فيها أختاها التؤام بايان ولايان، تربَّعت أرضًا قُرب رؤوسهن، وأخذت بيدها تُمسِّد على شعورهن.

تحسدهن أحيانًا، فهُنًّ طِفلات بريئات، لا يدركن ما يحدث حولهن، ولا يفهمن جديّة الموقف، لن يلومهن أحد على شيء، ولا يُمكن تحميلهن أي وِزر سواء كان عن باطل أو حق.

أحيانًا؛ تتمنّى لو فقط بقيت طفلة إلى الأبد، همَّها أن تلعب، وتحصُل على دُمية جديدة فقط، لا تُثقلها هموم البالغين المُهلِكة.

خرجت بعد وقت من حُجرتهن، ولاحظت إزدياد الحركة في الداخل؛ أي أنَّ أغلب النّيام استيقظوا، وباشروا بأعمالهم الصباحيّة بِهمَّةٍ ونشاط مثل أي صباح عادي.

مرَّت بهم بيكهي مرور الكرام، وكل من صادفته إنحنى لها حتى دخلت إلى الحُجرة، التي ينام بها ولي العهد الصغير الأمير لي جون.

هو الآخر ينام بِعُمقٍ وسلام دون أن ينغص عليه أي هَم، لقد كانت خائفة عليه أكثر شيء؛ فوالدها لو هوجم سيستطيع أن يدافع عن نفسه، ولكن الأمير مجرد طفل صغير، لا يدري أن العالم فيه شر قد يلتف حول عُنقه ليخنقه.

إنحنت إليه، وقبَّلت جبهته قبل أن تُغادر حُجرته، التي تقع بجوارها غرفة الملكة راهي، وبيكهي فقد دخلت لتطمئن عليها مُسبقًا؛ لذا لا حاجة لأن تفعل ذلك مُجددًا.

وبدلًا من ذلك؛ فلقد دخلت إلى حُجرة الأميرة جيهان، أختها الصبيّة الأصغر سِنًا، وقد كان بَيّن من معالمها المُرهقة أنها تحمل همومها أيضًا.

لم تتوقع أن يحضروها معهم، لأن خالها يكون الأمير تشانيول، لكنها تدري جيدًا أن أختها مُختلفة عن أمها، ولن تقبل أن تتواطئ مع أي أحد ضد أبيها الملك، ولو كان خالها ووالدتها.

فيما تجلس بيكهي هكذا لمُراقبة أختها لبعضِ الوقت؛ تحرَّكت جيهان، إذ قبضت حاجبيها، ثم حرَّكت عُنقها إلى الجهة اليُمنى، وأنَّت أنينًا ضئيلًا بالكاد خرج من بين شفتيها.

تأهبت بيكهي لإستيقاظ أختها بحماسة، وتمسَّكت بقوَّة بيدِها بين راحتيها.

"جيهان... أنتِ بخير؟"

فتحت جيهان عيناها رويدًا رويدًا فيما تهمس.

"أبي... أين أبي؟!"

إمتلأت عينا بيكهي بالدموع، وجيهان إستغرقت ثوانٍ معدودة حتى أدركت أن التي تجلس بقُربها هي أختها المفقودة مُذُّ وقت طويل.

"بيكهي!"

أومأت لها بيكهي، وفغرت ذراعيها؛ لتستقبل أختها بين ذراعيها، فيما عيناها غارقة بالدموع وشفتاها تبتسم.

قعدت جيهان على الفراش، وعانقت أُختها بحرارة فيما تبكي على كتفها.

"لا تعلمي كم كُنّا قلقون عليكِ، أبي كاد أن يُجَن، والملكة ناري لا تتوقف عن البُكاء، لقد إشتقنا إليكِ حقًا!"

مسحت بيكهي على رأسِ أُختِها ونبست.

"لقد كنتُ بخير، هُناك من أنقذني من مُصيبة كبيرة، كانت لتودي بحياتي وسُمعةِ أبي!"

رفعت جيهان نفسها عن أُختِها ونبست.

"من هؤلاء الذين أحضرونا إلى هُنا؟!"

"إنَّهُم المُتمرِّدون"

شهقت جيهان بقوّة خوفًا إذ تأكدت شكوكها، لكن بيكهي سارعت في تهدِئتها تقول.

"هُم ليسوا سيئين، لقد خاطروا بحياتهم لإنقاذِ أبي!"

أمسكت بيكهي بيد جيهان وجعلتها تنهض معها تقول.

"تعالي معي، سأثبت لكِ ذلك!"

تردَّدت جيهان في إتباعها ولكن أختها تحثها بإصرار فتبعتها رغم خوفها الشديد من هؤلاء الناس.

تجاوزن الأختان عتبة باب الحُجرة، لكن ضوضاء قادمة من حُجرة والدهن جعلت بيكهي تتوجَّه إليها، وجيهان تتبعها.

دخلت بيكهي إلى حُجرةِ أبيها، فوجدته يتأهب للقتال وقد سلب إحدى الرِّجال سيفه، لكنه ما إن رأى بيكهي خلفها جيهان إرتجفت يده، ونبس بلا تصديق.

"أبي!"

"بيكهي!"



.......................

يُتبَع...

الفصل التاسع "على حافةِ الهاويّة"
الرواية التاريخيّة "العنقاء"

16/MAR/2021

.................

سلاااااااااام

كنت رح أقولكم الفكرة الرئيسة تبع الرواية الي تعود حقوقها لكامي، لكن بما أنها لم تتضح بعد، فخليها لتتضح.

على كل حال؛ شكرًا لكم من كل قلبي على تفاعلكم الحلو❤

الفصل القادم بعد90 فوت و90 كومنت.

1.رأيكم بِ:

هيريم؟

قِتالها مع بيكهيون؟ وإنقاذها له رغم حالتها الصحيّة المُترديّة؟

جونغ إن؟

خوفه الشديد وإهتمامه بهيريم؟

سيهون؟

شعوره بالعار لأنه لم يقدر على إنقاذ الملكة الأولى؟

بيكهي؟

إستقبالها بوالدها وإخوتِها؟

محاولتها أن تبقى صامدة رغم الظروف الصعبة؟

مواساتها لسيهون؟

الملكة الاولى ناري؟

توليها زمام الأمور رغم حالتها النفسيّة المُترديّة؟

مُساندة الأميرة رايناه والوزير كيم جونغداي لها؟

ماذا سيفعل بيكهيون؟ وكيف سيتصرفون معه المتمردين؟

رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟!
*ساعدوني بإجاباتكم*

دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤


© Mercy Ariana Park,
книга «العنقاء/ The King's Return».
CH10||العرش يهتز
Коментарі