ما قبل الإحتراق
CH1||سياسة التَّمرُّد
CH2||الملك أيضًا أب
CH3||بِدء التنفيذ
CH4||كرامة الملك
CH5||تأثير الفراش
CH6||اسم الملك
CH7||الإمبراطور
CH8||نِصف قمر دموي
CH9||على حافة الهاوية
CH10||العرش يهتز
CH11||عصر من الظلام
CH12||قلبي يتمزَّق
CH13||جِراحُ المَلِك
CH14||العنقاء إحترق
CH15||شرانق عواطف
CH16||إبنة الكهوف
CH17|| الحب في سيماءه
CH18|| القلوب تبكي
CH19||الحيرة والحب
CH20|| المُفارقات
CH21|| البطلة
CH22||سيّدة التَّفرُّد
CH23||شُعلات حُب وحرب
CH24||كش ملك
CH25||خيبة
CH26||الحُب والحرب
CH27||ساعة الحِساب
CH28||عجز
CH29|| مُنكسرة الفؤاد
CH30||زمهرير
CH16||إبنة الكهوف
بيون بيكهيون (الإمبراطور)

بطل:

العنقاء|| The Emperor's Return




"إبنة الكهوف"

المُلكُ هَمٌّ عظيم، لا سعادة فيه ولا راحة، لطالما حَييتُ وأنا بقلبي ألف غصة وألف هَم، وفوق ذلك لدي ما يكفيني من خوفٍ على أطفالي، ونسائي، وعائلتي، ومواليني، وشعبي.

لطالما تعايشتُ مع هذا النوع من الهَم والمسؤولية، لطالما كان صعبًا علي أن أكون على هذا القدر من المسؤولية؛ لكنني لم أتخاذل دومًا، ولم تُضعفني هذه المسؤولية أبدًا.

أن تكون ملك مثل أن تكون كائنًا عظيم الحجم، طالما أنت واقف لن يجرؤ أحد على المَساس بك، وبمجرَّ أن تسقط تتكاثر السكاكين على رقبتِك.

وكُلُّ من حمل سكين على رقبتِك تفاخر وقال:
"أنا أنقذتُ الأُمّة!" وهو بالعكسِ قد دمَّرها، لم يُعمِّرها.

لا أقول أنني مَلِكٌ مثاليّ، فما زالت البلطجة موجودة في حُكمي، ما زالت هناك طبقة فقيرة من شعبي، وهناك المُتمرِّدون، الذين يُخلِّصون حقوقهم بنفسهم، ولا يؤمنون أنني سأُخلِّص لهم حقوقهم.

الحياة صعبة حقًا ووِعرة علي، تملأها المخاطر والمكيدات، قد يكيد لي أقرب الناس لي... وهذا ما حصل فعلًا، ابن عمي من كاد لي، وأخذ منّي كل شيء أملكه وأحكمه... حتى إنتماء شعبي سرقه.

وعبر من؟!
عبر بعض الصعاليك المرتزقة كلاب المال والسُلطة.

منهم هذا الحقير الذي منعوني عن قتله مُذُّ قليل، أرغبُ بجديّة أن أُفتِّت عظمه، أخجل بشدة أن أقول بأن هذا الصعلوك الجبان قد ساهم في سرقةِ عرشي مني.

سِرتُ بين الأحراش القريبة من المَقر حتى أُنفِّس عن غضبي، ولا أنتهي بقتل أحد من باب التهور، عليَّ أن أكون قُدوة لمواليني حتى وإن كانوا برابِرة وبلطجيّة.

استهلكتني نفسي حتى تهدأ ثلاث ساعات من المشي، ثم عُدتُ أدراجي حينما شعرت أنني يُمكنني أن أضبط إنفعالي الآن.

إبتسمت وأنا أرى جونغ إن يَضُم الأطفال من حوله، يُغنّي لهم على ضوء النار ويغنون معه ويحتفلون؛ من هؤلاء الأطفال أطفالي الثلاث.

لي جون يُحبه كثيرًا؛ فها هو يستولي على ساقه ويجلس، وأما بناتي الصغيرات فلقد أخبرنني بكل براءة أنَّهُ نوعهن المُفضَّل من الرِّجال، بل وتقاتلن عليه أمامي.

أنا شاكر لهذا البَربَري، فلقد ساعد إبنتيّ في الخروج من الحالة النفسيّة، التي تسبَّبت بها خسارتهن لوالدتهن أمام أعيُنهن.

وهناك تجلسان بيكهي وجيهان مع تلك المتمردة الجريئة هيريم؛ حتى أن زوجتي راهي تجلس معهن، أشعرُ بالتوتر كلما نظرتُ إليها، لم يُسبَق أن غازلتني إمرأة كما تفعل هي.

تركتهن يتكلمنَّ في أحاديث الفتيات التي يجدنها مُمتعة، سرتُ حتى دخلتُ الكهف، رأيتُ سيهون يقف قُربَ الزِنزانة، التي نحبس بها ذلك الصعلوك الجبان، ويقف إلى جانبه مُجنَّد أظنني أعرفه؛ إنَّهُ كيم تايهونغ.

وفيما اقترب منهم سمعتُ المُجنَّد يقول لسيهون بنبرةٍ بدت خجولة إلى سمعي.

"أنا أطلب الزواج من أُختكَ الكريمة القائدة هيريم"

توقفتُ في مكاني أستغربُ هذا الحديث، بالأمسِ تزوَّج سيهون من أُخته، واليوم يطلب من سيهون أُخته للزواج!
ما هذا الإيثار والإيخاء بين أفراد هذه الجماعة!

رأوني قريبًا منهم فانحنى إليَّ كلاهما، تحمحمتُ أنا، أردتُ سماع ردَّ سيهون لسببٍ أجهله في نفسي.

"هل قاطعتُ عليكما حديثًا مُهِمًّا؟!"

نفى لي سيهون برأسه ورَدَّ علي.

"لا مولاي؛ لقد آتى تايهيونغ يطلبُ هيريم للزواج"

المدعو تايهيونغ أخفض رأسه بِخجل، وأنا سألتُ سيهون فيما في قرارةِ نفسي أشعرُ بالتَّوتُّر.

"وما ردَّكَ على طلبه؟"

تبسَّمَ سيهون وربَّتَ على كتفِ تايهيونغ يقول.

"تايهيونغ رَجُلٌ صالح وشُجاع، لا أفضل منه على أُختي، أنا موافق بِكُلِّ تأكيد"

أشرقت ملامح تايهيونغ، ورفع رأسه بحماسة إلى القائد سيهون يستنكر لشدة فرحه.

"هل الحق ما تقول؟!"

ضحك سيهون واتبع.

"سنتحدَّث في موعدِ الزفاف لاحقًا"

هكذا؟!
بهذهِ البساطة؟!
ماذا إن كانت لا تُريد هذا الزواج؟!
أسيجبرها؟!

غادرَ تايهيونغ مسرورًا، وسيهون يتبسَّم ويُقهقه برزانة على ما يظهره تايهيونع من سعادة.

"وافقتَ دون أن تستَشِر أُختَك، أتظن أنَّ ما تفعله صائبًا؟!"

منحني إهتمامه ثم نبس وقد خمدت معالم إبتسامته.

"مولاي؛ نحنُ لم نَعِش ضمن خيارات مُتاحة، لا مكان للحُبِّ هُنا بالنِّسبة لهيريم، لم يُسبق لها أن منحت أي إنتباه أو إعجاب لأي رجل، وهي قد كبرت وينبغي علي تزويجها للشخص الصالح، الذي يستحقها ويقدرها."

"ماذا عني؟!"
أردتُ قول ذلك بشدة، لكن عِزَّتي منعتني، لقد غازلتني علنًا كثيرًا، وأوقِن أنَّها مُعجبة بي، أنا بجديّة لا أفكر بالزواج مُجددًا، لكنني أشعر كما لو أنَّها تُسلَب مني... لا أدري لماذا، وماذا علي أن أفعل؛ أشعرُ بالتيه.

لم أتجادل مع سيهون، بالنهاية لا يحق لي أن أفعل، هي أخته وهو أدرى بِمصلحتها، ثم أنا المهمام والهموم مُتكدِّسة على صدري، ولا أطوق على حملِ المزيد إطلاقًا.

بعد وهلة؛ رأيتُها تدخل مع بناتي، أصابتني غصَّة، أشعر أنني سأفقد شيئًا ثمينًا سأندم على فُقدانه لاحقًا... أخشى أن أتصرَّف بجنون لاحقًا.

...............

في صباحِ اليوم التالي؛ وصلت رسالة عبر حمامة زاجلة إلى المَقَر يُقال فيها.

"الملك الجديد فرض ضعف مبلغ الجزية على غوريو، ويُطالب بجزية العام الفائت والهدايا التي سامح بها الملك بيكهيون"

ولأنَّ هذا المرسوم سياسي لا عسكري، سيهون قرأه وقرر أن يعرضه على الملك ووزيره، وهكذا إجتمع القادة الأربع ومنهم دو كيونغسو -قائد المَقر هذا- مع الملك ووزيره.

عرض القائد سيهون الرسالة إلى الملك ووزيره وقال.

"كما توقعت جلالتُك، تشانيول بدأ يتحرَّك بالفعل؛ ماذا يجب أن نفعل بهذا الشأن؟"

تنهَّد بيكهيون وجونغكوك ردَّ عنه.

"غوريو صغيرة وضعيفة، لا تنفع أن تكون حليفًا لنا وحدها، ولا أظنهم سيثقون بنا ونحن نحتل أراضيهم"

تدخَّل جونغ إن.

"نحنُ نعلم أن غوريو وحدها لا تكفي، لكننا نستطيع أن نستخدمها بما يُفيدنا"

فرقع بيكهيون أصابعه حينما خطرت له فكرة.

"تقوم غوريو بإنقلابٍ خارجي، تشغل البلاط الملكي بينما نحنُ نقوم بإنقلاب داخلي دون أن يشعروا"

"إذًا نحنُ بحاجةِ كسب وِد الجيش"

قالت هيريم، حينها أظلمت معالم جونغكوك يأسًا.

"لا يُمكِن؛ أنسيتُم أنَّ تشانيول هو قائد الجيش الأسبق؟! بالتأكيد هم أوفياء له"

وقف بيكهيون فيما يُفكِّر بِعُمق.

"لا أظنك على حق يا جونغكوك؛ الجيش بالتحديد هم الأدرى بوجهه الحقيقي بعيدًا عن القِناع اللطيف الذي يلبسه أمام الشعب حتى كسب ودهم.

لطالما كان قائد الجيش، وخلال السنون الطويلة التي كان بها الجينرال الأول في الجيش يستحيل أنه مارس اللُطف عليهم طوال الوقت؛ لابُدَّ أنهم يعرفون وجهه الحقيقي"

بين رأي جونغكوك ورأي بيكهيون القادة مُحتارون، فهذا الرأي مُقنِع وهذا أيضًا، ولا أحد منهم يدري أيُّ الرأيان الأصح.

في النهاية وقف جونغ إن وقال.

"أظن أن هذا الأمر يتطلَّب بعض الوقت، نحنُ لا نخوض حربًا لا نكون الطرف الرّابح فيها من قبلِ خوضها، حتى لو كلفنا النصر أرواحنا ننتصر أو لا نخوض حربًا من الأصل"

ربَّتَ على كتفِ سيهون يقول.

"فكِّر بالجماعة جيدًا قبل أن تُقرِّر خوض حرب"

مدَّ جونغ إن يده نحو هيريم كي تُمسك بها ففعلت، انهضها وخرج بها من قاعة الإجتماع يقول.

"أنتِ طفلة صغيرة لتسمعي هذه المحادثة الدموية، أخشى أن تُبلِّلي فراشكِ ليلًا لو سمعتِها"

أفلتت هيريم يدها منه وصاحت تُلاحقه.

"أنا الحمقاء التي ما زالت تُمسِك بيدك حينما تمدها لي، الحق علي أيُّها الطفل المُزعِج"

استمر جونغ إن بالهرب وهو يصرخ.

"أنا أخوكِ الكبير أيَّتُها الوقحة، احسني التصرُّف إلي!"

وسيهون حرَّك رأسه يمينًا يسارًا وكأنَّما يقول أنَّهُ لا أمل من إخوتِه هؤلاء، فيما البقيّة يضحكون وقد إنتزعت أجواء الجديّة في القاعة.

.............

في المساء؛ كان سيهون يجلس بِصُحبةِ القائد دو كيونغسو وجلالته ووزيره خارج المَقر في الهواء الطلِق.

وأما هيريم؛ فكانت تلعب مع جونغ إن والأطفال، لم يستطيع أن يرفع بيكهيون عيناه عنها إطلاقًا، لا يدري ما الذي يجذبه فيها، عادةً ما تجذبه الفتاة الناعمة والرقيقة، لكن هذه الفتاة مُسترجِلة، ترتدي كالرجال، وتتكلَّم كالرجال، وتسير كالرجال... لا يوجد بها أي شيء أُنثوي على الإطلاق.

لكن ضِحكاتها تجذبه، الطريقة التي تتكلَّم بها معه، وحينما تُغازله... لرُبما تجذبه لأنها مُختلفة عن النساء اللاتي يعرفهن.

مثل هذه الفتاة لم تتعلم الرقص والعزف، ولا كيف تلبس وتتزين، ولا كيف تجذب رجلًا بالسلوك الإنثوي... لا تُشبه محظيّاته ولا حتى ملكاته.

رُبما حقًا يُحِب أنها مُختلفة، والخوض بها مثل نكهة جديدة وغريبة، غير مألوفة بالنِّسبةِ له.

في النهاية؛ أبعد نظره عنها؛ كي لا يلحظه أحد، ولكن بصره وقع على هذا الشاب الذي أصبح خطيبها دون علمها، كان يجلس بعيدًا وحده وينظر لها بإبتسامة واسعة، على عكسه؛ هو لا يُخفي مشاعره.

تنهد بيكهيون وأخفض رأسه، لن يهون عليه كسر قلب هذا الفتى المسكين أيضًا.

"جلالتُك، أبكَ خطب؟"

رفع رأسه إزاء سؤال جونغكوك، فوجدهم جميعًا ينظرون له، نفى برأسه أن لا شيء، ثم نهض إلى مخدعه، يريد أن يتوقف عن التفكير بهذهِ الفتاة حقًا.

وبينما هو يُغادر رأته هيريم فتكسَّرت إبتسامتها وجلست أرضًا تُمثِّل التعب؛ لتهرب من الأطفال.

نهض سيهون بعد وقت وفيما يلج المَقر نادى.

"هيريم تعالي معي، جونغ إن أنت أيضًا"

"ماذا يُريد هذا الشاحب؟!"

حرَّكت هيريم كتفيها تُجيب جونغ إن، ثم كلاهما تبعا خطوات أخوهما الأكبر.

ظنّ كلاهما أنَّهُ سيجتمع بهم في قاعة الإجتماعات، ولكنَّهُ توجَّه نحو حُجرة هيريم؛ إذًا الأمرُ شخصي.

ولجا هيريم وجونغ إن من بعده، وهو كان يقف ويداه خلف ظهره.

"أغلقي الباب واقتربي"

فعلت كما قال، ثم إقتربت منه وهي تشعُرُ بالقلق، لكنَّهُ حينما تبسَّمَ أراحها، ويده إرتفعت ليُربِّت على شعرها بعاطفة.

"صغيرتي، أنتِ الآن أصبحتِ صبيّة في مُقتبلِ عُمركِ، ألا تظُنّي أن الوقت حان لتتزوَّجي؟!"

"تتزوَّج؟!"

شهق جونغ إن واقترب يُمسك بكتفي هيريم من خلفها، هيريم لم تشعر أنها ستكون بخير حيال هذا الحديث، فسألت شقيقها بنبرٍ متوتر.

"ما الجديد سيهون؟!
لم يسبق لكَ أن سألتني هذا السؤال!"

فأجابها مُبتسِمًا.

"لم أسألكِ من قبل لكن الأمر ببالي، أنتِ يجب أن تتزوجي وتعيشي حياة طبيعية كما بقية النِّساء"

أجابته هيريم بِغلظة.

"أنا لستُ كما بقيّة النِّساء أخي!"

عقد سيهون حاجبيه.

"فسِّري الهُراء الذي تتفوهين به حالًا، كيف لا تكوني كما بقية النساء؟!"

"أنا تعودتُ على حمل السيف والدرع وإرتداء ثياب الرجال، لا يمكن أن أعيش كما تعيش بقيّة النِّساء"

إقترب سيهون منها ورفع سبّابته إلى وجهِها يقول.

"إذًا ينبغي تغيير عاداتِك، أنتِ من اليوم ممنوع أن تحملي السيف أو تلبسي ثياب الرِّجال"

إمتدت يد سيهون، وسلبها من على خصرها سيفها.

"أخي!"

توسَّلت هيريم وهي تكاد تبكي حقًا، لم تتعود أن تعصي لشقيقها الأكبر أمرًا، لقد تعوَّدت أنه أبيها لا أخيها، فهو من ربّاها وهي لا تستطيع أن ترد عليه كلمة، لكنها تشعر أنَّهُ يتسلَّط عليها.

"ماذا تفعل؟!"

إقترب منه جونغ إن وبان عليه الغضب، تنهَّد سيهون وأجابه.

"أتُريد أن تعيش أختك مثلنا للأبد؟!
إن كُنتَ تُريد لها مثل هذه الحياة أنا لا أريد، وفقط ما أُريده سيحصل، وكلمتي ستسير على الكبير فيكم قبل الصغير، تفهمان؟!"

أمسك جونغ إن بمعصمِ شقيقته، التي أخفضت رأسها وهي على وشكِ البُكاء، وتقدَّم بمواجهةِ شقيقه، وعلى عكسِ سيهون جونغ إن لم يرفع صوته لكنَّهُ يصر على أسنانه بضراوة والغضب يأكله.

"لا أريد أن أفهم، وما تُريده لن يسير طالما أنا لستُ موافق عليه ولا هي، من تحسب نفسك أنت؟! والدها؟!
لقد ربيّتُها ولكن هذا لا يمنحك الحق أن تتحكم بمصيرها وتُشكِّله كيفما تشاء يدك"

أوشك من سيهون أكثر ووخز صدره بسبّابتِه يُحذِّر.

"إلزَم حدَّك!"

دفع به سيهون عنه بقوّة وتهاوى جونغ إن عِدة خطوات للخلف إثرَ دفعته، لكنَّهُ إستعاد سيطرته على نفسه، ثم الإثنان أخذا يتشاجران بقبضاتهم.

وهُنا ما عادت هيريم تستطيع أن تضبط نفسها، فأخذت تبكي وهي تتوسلهما أن يتوقفا عن ضربِ بعضهما البعض، ولم تَكُ لتقترب منهم لتحلهما عن بعضهما، بل من بعيد صرخت تتوسلهما.

"توقفا رجاءً! سيهون جونغ إن توقفا!"

لكنهما لم يستمعا لها بل يضربان بعضهما وكأنَّهُما أعداء، ضاقت ذرعًا هيريم منهما وقررت طلب المساعدة، هذه المرة الأولى التي تراهم فيها يتشاجران جسديًّا؛ لذا لم تكن بأحسنِ أحوالها العقليّة؛ لِتُفكِّر بما عليها فعله.

خرجت من الحُجرة، فوجدت كيونغسو وجونغكوك يقفان قريبًا من الباب والملك قادم، إبتعدت سريعًا عن الباب وهي تبكي، وركضت إلى بيكهيون.

"وحدك من يستطيع إيقافهما بكلمة، أرجوك تدخَّل!"

عقد حاجبيه بجديّة وأسرع إلى حُجرتها حيث يتقاتلان أرضًا، ثم صرخ فورما دخل.

"توقفا عن القتال!"

توقف كلاهما عن القتال، وفكَّ كل منهما تلابيب الآخر من يده، تنهَّد بيكهيون وتقدَّم في قعرِ الحُجرة، ينظر لهما بغضب وهما يجلسان أرضًا ويتبادلان نظرات قاسية.

"هل ترغبا في الهجوم على بعضكما مُجدَّدًا كما الثيران الهائجة؟!"

حينها أشاح كل واحد منهما بوجهه إلى جهة، دخلت هيريم وبدنها يرتجف، جلست على قدميها أرضًا بينهما.

أمسكت بذقنِ جونغ إن تُدير وجهه إليها وبملامح عابسة وبدموع وفيرة تفقدت جروح وجهه، ثم إلتفتت إلى سيهون وتحسست بأناملها الجرح في حاجبه، لكنه أبعد وجهه وامتعضت ملامحه متألِّمًا.

تنهدت وأخفضت رأسها، لا يمكنها أن تسيطر على رغبتها في البُكاء، أمسكت بأيدي كلاهما وهمست.

"أنا آسفة، تتشاجران بسببي، أنا لا أملك في هذهِ الحياة سواكما، فلا تفعلا شيئًا يُفرِّقنا رجاءً!"

بنبرة لينة نادى بيكهيون اسمها.

"هيريم؟!"

دون أن ترفع رأسها أجابته بصوتٍ خافت.

"نعم جلالتك"

"توقفي عن البُكاء واذهبي اغسلي وجهك ثم عودي"

وقفت هيريم من بين شقيقها وهمست.

"أمرك جلالتك"

خرجت هيريم، ثم بيكهيون قال لجونغكوك الواقف بقلق قريبًا من الباب.

"اصرف الجميع على عمله واغلق الباب علينا"

انحنى جونغكوك برأسه ونفَّذَ ما أُمِرَ به، وهكذا بقي الثلاثة فقط، الملك بيكهيون والشقيقان اللذان أبرحا بعضهما ضربًا.

"هل يُمكن أن أعلم لأي سبب تشاجرتُما؟"

بإنفعال أجاب جونغ إن وهو يتهم أخاه.

"يريد تزويج هيريم رغمًا عنها"

نظر له سيهون بغضب ونبس.

"متى قُلت أنَّني سأزوجها رُغمًا عنها؟!"

"ما الذي تفعله إذًا؟!"

تنهد بيكهيون ورفع يداه نحوهما؛ كي يتوقفا عن المُجدالة، وقال.

"تُذكِّراني بمحظياتي حينما يتشاجرن"

نظر له جونغ إن ونبس.

"نُكتة جيّدة"

ضحك بيكهيون بِخفّة ثم قال.

"دعونا نسمع رأي هيريم في الموضوع ثم نُقرِّر ماذا نحنُ فاعلون"

تنهد سيهون بسخطٍ وأستياء، فهو بكل صراحة لا يريد من بيكهيون أن يتدخل، وإن كان الملك فهو أخوها، وولي أمرها، وحُرًا في تدبير حياتها كما يراه مُناسبًا.

أتت هيريم بعدما فعلت ما طلبه الملك منها، كان بيكهيون يجلس على فراشها الذي تنام عليه، وأمامه يجلسان أخويها أرضًا، فأختارت أن تجلس بالحيز الشاغر بينهما.

أخذت تنظر لهما بقلق حتى شدَّ إنتباهها بيكهيون حينما ناداها باسمها مُجرَّدًا من أي لقب.

"هيريم"

"تفضَّل جلالتك"

"ألا تُريدي أن تتزوجي؟!"

نظر كلا شقيقاها لها بفضول، حتى بيكهيون كان يتحرَّق لسماع إجابتها.

"لا أريد"

تنهَّد بيكهيون براحة دون أن يشعر به أحد منهم، ثم تحمحم وجلس كما لو أنَّهُ القاضي ها هُنا.

"إذًا لا يحق لأحد أن يجبركِ على الزواج"

ضرب سيهون بسيفه الأرض ووقف.

"عُذرًا مولاي، لكن شأن شقيقتي هو شأني أنا وجونغ إن وحدنا، أرجو أن تتركنا نحل أزمتنا وحدنا"

وقف بيكهيون مُحتدِمًا بالغضب، كذلك جونغ إن وهيريم نبست بقلق.

"سيهون؛ أتعي ما تقول؟!"

إنحنى سيهون لصاحب الجلالة يوقِّره.

"أنا آسف جلالتك، لكن سُلطتك لا تصل إلى قرارتي الخاصة بشأن أختي، نحن لا نستشير النساء قبل أن نزوجهن أو نتزوّج منهن"

"أخي رجاءً!"

تمسَّكت هيريم بذراعه، وهو أمسك بيدها وسحبها خلفه، كان يسير بسرعة وجونغ إن يتبعه، وبيكهيون خرج من حُجرة هيريم متنهدًا، ما قاله سيهون الحق، لا مشورة للنساء في زواجهن.

أتى إليه جونغكوك يقول.

"مولاي؛ أظن أن هذا شأن خاص بين الأخوة، أنصح أن تبقى خارجه"

شفنه بيكهيون بسخطٍ وقال.

"ولِمَ ما نصحتني قبل أن أتدخَّل؟!"

إنحنى له جونغكوك مُعتذرًا.

وأما سيهون؛ فأدخل شقيقته غرفته وأغلق عليهما الباب قبل أن يصل جونغ إن إليه.

رمقها بنظراتٍ مُحذِّرة، مُرهبة، ومُهدِّدة، ورفع في وجهها أصبعيه يقول.

"لكِ خياران...

الأول أن تتزوجي ولا تخسريني أخًا لكِ، الثاني ألا تتزوجي وتخسريني، إختاري ما يُريحك حالًا"

إقتربت منه، وأمسكت بكفّيه تقول.

"أخي أنا لا أريد أن أخسرك وأنت تعلم ذلك!"

"إذًا تزوَّجي من تايهيونغ"

إستنكرت مشدوهة.

"تقول تايهيونغ؟!"

أومئ لها.

"لقد طلبكِ للزواج وأنا وافقت"

أفلتت يديه وقبضت حاجبيها بأستياء.

"هل وافقت دون أن تسألني حتى؟!"

إزدادت معالمها حِدَّة وارتفع صوته.

"ومنذ متى ونحن نستشير النساء؟!
إن قلتُ ستتزوَّجي فستتزوجي من الرجل الذي إخترته لك ولا يحق لكِ الإعتراض!"

لوهلة لم تجد ما تقوله هيريم، ولذلك سيهون همَّ بالخروج، ففتح الباب وسرعان ما دخل جونغ إن إليهما، لكن هيريم صرخت قبل أن يخرج.

"أقسم لو أجبرتني سأهرب وأُلحق بك العار!"

عاد إليها سريعًا، ولشدة الغضب رفع يده ليصفعها، لكن جونغ إن سريعًا تصرَّف وخبَّأ شقيقتَه بين ذراعيه يُخفي وجهها في صدره ويحيط رأسها بذراعيه، ولسانه أطلق تهديد وعيناه تشتعلان.

"أيّاكَ أن تضربها!
لقد أتت إلى هُنا فرارًا من الذُّل، ولن أسمح لك أن تذلُّها!"

قبض سيهون يده المعلقة بالهواء وأنزلها مُتنهِّدًا، ثم خرج من الحُجرة وضرب يده بكل قوته بالحائط المُعرَّج فأدمى أديمه ونزف، لا يصدق أن الغضب قاده لدرجة أن يرفع يده على أخته الصغيرة، يا للعار!

وأما في الداخل؛ فأخذت هيريم تبكي بين يدي جونغ إن وهو يربت عليها ويهمس لها.

"صدِّقيني يا صغيرتي لن أسمح لأحد أن يؤذي أظفرك طالما أنفي يشتم الهواء وقدمي تسير على هذه الأرض!"

أخذ يمسح دموعها وقال يُمازحها.

"من الأفضل أن تتوقفي عن البكاء وإلا ستصبحي كالبومة، أنا حقًا لا أدري من هو هذا الغبي الذي يريد زوجة مثلك، رجل يتزوج رجل، هذا مضحك"

وبدل أن تغضب منه كما العادة ضحكت، تعلم أن كل كلمة يقولها من باب المزاح من وراء قلبه لا تغضب وإن بانت غاضبة.

عانقت عنقه وهمست.

"شكرًا لكَ أخي، لا تعلم كم أُحبك!"

........

في القصر؛ كانت رايناه في بلاط القصر الدّاخلي على عرشها؛ الذي تزدرئه سِرًا وفتيات بالعشرات يقفنَ أمامها بصفوفٍ أُفقيّة، يرتدين أبهى الثياب وأفضلها، ويتزيَّنَّ بأجملِ الحُلي وأبهضها ثمنًا، كما يظهر عليهن الرُّقي والأدب.

"جلالتُك؛ هؤلاء الفتيات المُتقدِّمات كعقيلات لجلالة الملك تشانيول، لقد تجاوزن إختبارت الثقافة والمعرفة، والجمال والأناقة، وحان دوركِ أن تختاري منهن عشرة"

أعلن الخصي المسؤول لمولاته، ثم رايناه نهضت من على عرشها، وجالت بين الفتيات وهي تطلَّع إليهن في تركيز.

في وقتٍ سابق...

تحديدًا في اليوم الذي بعثت به رايناه نساء الملك بيكهيون إلى القصر الشرقي، ويوم أخبرت تشانيول أنَّ عليه الحصول على محظيّات له من قبل ومن بعد.

في الليلة التي تلي ذلك اليوم؛ إجتمعت رايناه بجونغداي وايشينغ، وأخبرتهما عمّا فعلته، كلاهما أبديا إعتراضهما في البداية؛ إذ قال جونغداي واتبعه يشينغ.

"لقد أحسنتِ التصرُّف يا مولاتي بشأنِ نساء جلالة الملك بيكهيون، ولكنَّكِ فتحتِ علينا باب  آخر، الآن بإتِّخاذه عقيلات من عائلات نبيلة ستجعلي نفوذه أوسع"

"وسيكون أصعب علينا مواجهته، لو كسب وِدَّ الطبقة النبيلة سنكون قد خسرناها كليًّا!"

تبسَّمت رايناه واستنكرت.

"أتظنون أنّي لا أفهم ما تقولونه ولا أعرفه؟"

نظر كلا الرجلان بجهلٍ نحو بعضهما البعض، ثم تسآل ايشينع.

"إذًا علامَ تنوي مولاتي؟"

"أنوي أن أقلب السحر على الساحر"

"وكيف ذلك؟"

تسآل جونغداي ورايناه تبسَّمت، ينسون الرجال أن النساء ذوات كيد ومكر يفوق قدراتهم على الفهم.

وها هي تجول بين صفوف المرشحات وتختار الواحدة تلو الأخرى بناءً على قوّة عشائرهن، واحدة تلو الأخرى حتى أصبحن عشرة فتيات.

على أيدي هؤلاء المحظيّات ستُسطِّر رايناه بداية النهاية.

بعدما إختارتهن الملكة رايناه، ومنحتهن درجة عقيلات في البلاط الملكي؛ سمحت لهن بالإنصراف، ثم هي خرجت.

مؤخَّرًا أصبح ذهنها مشغول طيلة الوقت ولا ينام، لطالما شعرت أنها عِبئ على قلبِ بيكهيون، وتشانيول، ووالدها من قبلهما، لطالما شعرت أن لا فائدة منها، وأن وجدودها من عدمه لن يؤثر على أحد.

لكنها مؤخرًا أصبحت تُدرِك ما يُمكنها أن تفعله، إنَّها بفائدة، وتستطيع أن تُساعد أخيها في إستعادةِ ما سُلب منه، وأن تجعل زوجها الهمجي عُرضة للعقاب العادل الذي يستحقه.

كانت تسير قُربَ البُحيرة، ما زال البَط والأوِز، الذي أمر بيكهيون أن يعيش في هذه البحيرة، موجود.

سارت حتى أدركت التِّرّاس، الذي كان يفضل بيكهيون الجلوس فيه أثناء وقت فراغه، آثاره كُلَّها هنا، ومن حولها، حتى أنها تشتم رائحته تأتي من زوايا القصر، من حُجراته، وأسقُفه، وأرضياته.

ما زال المكان مُعبّئ ببيكهيون، لكن بيكهيون ليس هنا بعد الآن.

تنهدت وأمتلأت عيناها بالدموع، تشتاق له جدًا، لم يَكُ بيكهيون مُجرَّد شقيق وحسب، بل كان يحميها، ويُحبُّها، ويأويها.

لقد كان سندها في هذه الحياة، وملجأها من مخاوفها، الكُنف الذي تتحامى فيه دومًا، الآن ما عاد موجود، ولا تدري عنه سوى أنَّهُ حي.

تذكَّرت ذلك اليوم -اليوم الذي أُعدِمت فيه ناري-؛ يومها تسلَّلت رايناه إلى زِنزانتها وهي تبكي، أرادت أن تعتذر لأنَّها لا تستطيع إنقاذ حياتها، ولأنها من سترِث منصبها من بعدها وإن كان رُغمًا عنها.

كانت ناري في حالة يُرثى لها جسديًّا، لكنها بَدَت قويّة رغم أنَّ الموت يُدرِكها وهي تعلم ذلك، جلست رايناه قُرب زنزانتها وتمسَّكت بالقُضبان الحديديّة، تخفض رأسها وتبكي مُعتذرة.

"أنا آسفة يا ناري!
آسفة لأنني لم ولن أتمكَّن من إنقاذك، أنا آسفة لأنَّهُ إنتهى الحال بجلالتِك إلى هذا الحال المُزري، أنا آسفة لأنني لا يمكنني أن أفعل شيء لِأجلِك!"

إقتربت ناري منها، ورغم أنَّها في حالة صعبة إلا أنَّها من قدَّمت المواساة لرايناه وهي تبتسم.

"لا تبكي، أعلم أنَّكِ لا تقدري على فعل شيء، لكن العنقاء سيأتي لا محالة، وينتقم لي، ولنفسه، ولأطفالنا من هذا الطاغية"

رفعت رايناه رأسها عن القُضبان واستنكرت.

"العنقاء؟!"

أومأت ناري وابتسمت.

"نعم؛ بيكهيون حَي لم يَمُت، تشانيول لم يقتله"

إذبهلَّت رايناه، وراحت تتفقد لو أن أحد يترصدها، ثم اتبعت والدموع تنساب بوفرة من عينيها.

"هل الحق ما تقولينه؟!"

إزدرئت ناري جوفها، ثم اتبعت.

"حينما يأتي أخبريه أنَّني أريده سعيدًا من بعدي، لا أريد أن أكون ألمًا في قلبه، أريد أن أكون ذكرى سعيدة فقط"

أومأت لها رايناه ومسحت دموعها.

والآن رايناه مسحت دموعها سريعًا حينما رأت تشانيول قادم إليها، وقفت حينما أصبح قريبًا منها وانحنت له.

"أهلًا جلالتك"

بإبتسامة واسعة آتى إليها، وفتح ذراعيه لأجلها؛ كي تأتي وتُصبح بين ذراعيه وإلى صدره، ورايناه فعلت ما يبغيه، أراحت رأسها على صدره وأحاطها بذراعيه، ثم شعرت به يطبع قُبلة على رأسِها.

"كيف كان يومك؟"

"جيد؛ لقد إخترتُ لكَ عشرةَ محظيّات، ومنحتهن منصب عقيلات"

رفعت رأسها عن صدره وتسآلت.

"هل تود أن أبعث إحداهن إلى جناحكَ الليلة؟"

أعادها إلى صدره ونبس.

"لا، أنا فقط أُريدُكِ أنتِ، لستُ بِحاجة لأي محظيّة وأنتِ معي وتُحبّيني"

تنهدت بِعُمق، وحينما إجتذبته تنهيدتها همست.

"أشعرُ بالنعاس"

إلتفت تشانيول إلى وزيره الذي يقف بعيدًا ويُخفِض رأسه.

"هل لدينا أي عمل خلال ساعتين جيمين؟"

"لا مولاي"

أمسك بيد رايناه وقال.

"بما أنَّني مُتفرِّغ دعينا نأخذ قيلولة معًا"

...........

كان تايهيونغ يجلس فوق التلَّة قريبًا من الكهف وحده، لقد سمع بما جرى اليوم بين القادة الثلاث، القائد سيهون يريد تزويج القائدة هيريم، والقائدة ترفض ذلك والقائد جونغ إن يُعاونها.

لا يدري إن كانت تعلم أنَّهُ العريس الذي تقدَّم لها، لكنَّهُ لا يود أن يتزوجها رُغمًا عنها، لن يجبرها عليه، ولن يرضى بأن يجبرها شقيقها عليه.

الزواج حياة لا إنقطاع فيها، وهو لا يريدها أن تكون معه وقلبها ليس معه، ولو سمح العُرف والعادة بأن تكون زوجته رُغمًا عنها كرامته وإحترامه لنفسه لن يسمحوا له.

آتى بعد وهلة سيهون وجلس بِقُربه، حينها نظر إليه تايهيونغ وقال.

"أعتذر لما سبَّبتُه من مشاكل بينك وإخوتك"

نفى سيهون برأسه ثم ربَّتَ على كتفِ تايهيونغ قال.

"لم تَكُن أنتَ السبب، على آيةِ حال؛ أنا أعطيتُكَ كلمتي وينبغي عليَّ تنفيذها"

"وأنا ما عدتُ أريد"

سُرعان ما استنكر سيهون وهو ينظر إليه.

"ماذا؟!"

تنهد تايهيونغ وأخفض رأسه يقول.

"أعلم أنَّهُ بِمقدورِكَ أن تُنفِّذ كلمتكَ لي؛ فالعُرف والعادة في صفِّك، لكنني لن أتزوج بإمرأة لا تُريدني ولو كانت القائدة هيريم، أنا آسف سيدي!"

وقف تايهيونغ وانحنى لسيهون قبل أن يغادر، سيهون ركل الأرض بعصبيّة، ثم تنهَّدَ مُستاءً.

هكذا فُرصتها للزواج الأولى والتي قد تكون الأخيرة ضاعت، قد لا تتزوج أبدًا بما أنَّ لا أحد يتقدَّم لِخِطبتِها.

فهي في أعيُن الجميع إمرأة قويّة وعصبيّة، لن تتحمَّل زوج، ولن تتحمَّل مُتطلِّبات الزواج، ولا تكون قادرة أن تتوافق ورجل تحت سقف واحد، فهي إمرأة تربَّت على أيدي الرجال وبينهم.

وهذه أسباب كافيّة كي يخشاها الجميع ولا يجرؤ أحد أن يطلبها للزواج، كان تايهيونغ الأول وسيكون الأخير تحديدًا بعدما حدث اليوم.

نهض سيهون عن الأرض وإلتفت فرأى هيريم تقف قُربَ فوهة الكهف وتنظر إليه، لكنَّهُ تجاوزها ببرود وما سمح لها أن تتكلَّم معهُ إطلاقًا.

"سيهون اسمعني!"

لكنَّهُ غادر بالفعل يرفض أن يستمع إليها، أخفضت هيريم رأسها والحُزن يتلبَّس معالم وجهها، ثم شعرت بأحدهم يُعانقها؛ إذ كان جونغ إن يواسيها ويُطبطب عليها.

"لا تحزني، لن يُقاطعكِ كثيرًا!"

ولج سيهون إلى حُجرته، وكانت جاهي فيها تُنظِّفها، جلس على الفراش الأرضي وتنهد، حينها إقتربت منه جاهي.

لا تدري ماذا تفعل فلم تراه في هذه الحالة مُسبقًا ولا تعرفه كفايّة لِتُقرِّر ما عليها فعله معه؛ لكنّها إرتاءت أن تفعل ما تراه مُناسبًا.

إقتربت منه وتركت ما في يدها، بِتردُّد حطَّت يدها على كتفه وهمست.

"أتفهمك وأظنني أفهم كيف تُفكِّر"

نظر لها سيهون وقد إستحوذت على إهتمامه، أيُعقَل أنَّ هناك أحد يفهمه حقًا؟!

"القائدة هيريم؛ هكذا يدعونها المُجنَّدين والمُجنَّدات، حينما تمر من بينا الجميع يقف إحترامًا وإجلالًا لها، يُحبها الجميع رجالًا ونساء، ولكن كقائدة وربما صديقة وشقيقة، لا كزوجة لأي رجل؛ أليس هذا ما يقلقك؟"

أومئ لها فاتبعت وهي تبتسم، لقد تحلَّت بالثِّقة أكثر الآن.

"الرجال عادةً لا يحبون أن تكون الزوجة أقوى منهم، وهيريم أقوى من كل الرجال هنا، هي القائدة وهم مُجرَّد مُجنَّدين تحت أمرها ينادونها سيدتي، كما أنَّها تربَّت على يدك؛ لذا لن يستطيع رجل كائنًا من يكون أن يُطوِّعها كما يشاء"

وفيما سيهون يستمر بالصمت ويرغب في سماع المزيد اتبعت.

"أخي مُختلف، لا يرى أن المرأة خاضعة لزوجها، بل تُشاركه الحياة، وعادةً ما تجذبه المرأة القويّة، أما المرأة التي تحمل مرآة لا تستولي على إهتمامه مُطلقًا؛ لذا أحبَّ هيريم وتقدَّم لخطبتِها منك بشجاعة رغم أنَّهُ كان موقن أنَّكَ سترفُض؛ فعلى حدِّ قوله هو لا يليق بمقامها"

تنهد سيهون وهمس.

"إذًا هل علي أن أستسلم بشأنِ تزويجها؟"

نفت له جاهي وقالت.

"دعها تختار كما إخترتُكَ أنا، هي إمرأة في النهاية، مُتأكِّدة أنَّ في بالِها رجُلٌ يجذبها، وإن لم يكن الآن سيكون في المُستقبل، وأنا مُتأكِّدة بأنَّ الذي ستختاره هيريم سيكون قويًّا مثلها إن لم يكن أقوى حتى"

رفع سيهون يده وربَّتَ على يد جاهي قائلًا.

"لم أظن أن أحد سيفهمني لكن أنتِ هُنا حقًا، لم أُفكِّر حينما قبلتُ أن أتزوجكِ ولا أندم أنَّني فعلت"

تبسَّمت جاهي ووضعت رأسها على كتفه ويدها تمسح بها على صدره.

"سأكون دومًا في صفِّك، أنا معكَ وسأفهمكَ دائمًا حبيبي"

تحمحم سيهون مُحرجًا وأبعد يدها عنه يقول.

"يا امرأة احتشمي!
أتُغازليني؟!"

ضحكت جاهي بِخفَّة وأومأت.

"زوجي، أغازلك كما أشاء، ألا يحق لي؟!"

حكَّ عُنقه بحرج ثم نهض يقول.

"سأذهب لأداء بعض المهام"

...................

في صبيحةِ يومٍ ما؛ كانت أعمالُ النَّقل تَعُمَّ المَقر، فلقد قرَّر سيهون أن ينتقل ومُجنَّديه الذين كانوا في المَقر الأول معه إلى مقر القيادة؛ الذي أصبح جاهزًا لإستقبالهما.

وكما سينتقل سيهون سيتنقلون معه القادة والملك وعائلته كذلك الأسير الصغير؛ ولِذلك هُم اجتمعوا في قاعة الإجتماعات في هذا الكهف ليخططوا لعملية الإنتقال دون جذب الأنظار.

إذ كان القادة الثلاث الإخوة بالإضافة إلى قائد هذا المَقر تحديدًا وجلالة الملك ووزيره في القاعة؛ سيهون فرد على الطاولة وعلى مرآى الجميع الخريطة ثم راح يقول الخُطَّة.

"فورما نخرج من هنا سنفترِق إلى ثلاث فرق ونذهب في ثلاث طُرق مُلتويّة؛ كي يَصعُب تعقُّبنا."

"ومن سيتعقبنا؟!"

تسآل جونغكوك فأجابه سيهون.

"لا أعرف أحد قد يتعقبنا، ولكن الإحتياط واجب"

ثم اتبع سيهون الخُطة.

"الرحلة ستسهلكنا يومان وليلة حتى نصل إلى مَقر القيادة؛ لذا ستكون رحلة طويلة ومُتعبة، وسيلزمنا أن نؤمِّن المؤن الكافية وننطلق فقط.

أنا سأخرج مع نصف المُجنَّدين والمُجنَّدات وأطفالهم وأمتعتهم، وجونغ إن سيخرج من النصف الثاني بعدما نختار منهم مائة رجل ليخرج مع هيريم التي ستقود المسيرة التي ستكون بها العائلة المالكة ووزيرها والأسير"

نظر جونغ إن نحو سيهون ثم أومئ، هُما أخوة وجونغ إن يفهم تفكير أخيه الآن، إنفضَّ المجلس وخرج القادة للتجهيز للرحلة، وبقي فقط بيكهيون وجونغكوك، وجونغكوك الذي بدى مُعترضًا تسآل.

"لِمَ جعلنا في فرقة هيريم؟! لِمَ لم تعترض مولاي؟!"

وبيكهيون الذي يفهم نوايا سيهون أجاب وزيره.

"وضعنا معها كي نحميها"

سُرعان ما استنكر جونغكوك في نبرة مُستاءة.

"ماذا؟!
وهل حياتها أهم من حياتك؟!"

ربَّت بيكهيون على كتف جونغكوك ونبس.

"بالنِّسبة لك لا، لكن بالنسبة له نعم، هي تبقى شقيقته في النهاية، أغلى عليه من أي أحد"

إستنكر جونغكوك.

"أتلتمس له العذر مولاي؟"

"هل أنا أغلى عليكَ من أمك؟"

صمت جونغكوك وطأطأ برأسه، فتبسَّم بيكهيون ونبس.

"أنا العاهل، لستُ فردًا من عائلته"

رفع جونغكوك رأسه ورمق جلالته بأسف.

"تعلم أنّي أفيدكَ بروحي يا مولاي"

أومئ بيكهيون ثم وقف متنهدًا.

"أعلم، ولا أتمنى أن يأتي اليوم الذي تفديني فيه بروحك"

...

وأما في الخارج...

فلقد ركض جونغ إن خلف سيهون الذي يسير بوقار وسيفه بيده.

"سيهون توقف!"

توقف سيهون والتفت نحو أخيه، فآتى جونغ إن ووقف أمامه، ثم دقَّ صدرِ سيهون بيده وقال.

"أنا آسف يا صاح!"

رفع سيهون يده وضرب بها على مؤخرة عُنق جونغ إن، وفيما يعقد حاجبيه نبس مُحذِّرًا.

"أياكَ أن تضربني مُجدَّدًا!"

سار سيهون وقد شعر جونغ إن بالظُلم، فأخذ يتبع أخيه وهو يتذمَّر.

"وأنتَ ضربتني!
انظر، ما زال فكّي متورِمًا من لكماتك يا عديم الرحمة!"

إلتفت إليه سيهون يرفع حاجبًا.

"أتريد أن أضربكَ مُجدَّدًا؟!"

سُرعان ما نفى جونغ إن برأسه، فاتبع سيهون مشيه وحينما وجد نفسه يبتسم تحمحم وارتدى قناع الحِدَّة مُجددًا.

..........

صعدوا القادة على الأحصنة كذلك بقيّة الرِّجال، والنساء صعدن بأطفالهن على العربات، ثم قبل أن يتفرَّقوا إقترب سيهون بحصانه من المكان الذي يقف فيه دو كيونغسو الواقف لتوديعهم.

"شُكرًا لكَ على حُسنِ إستضافتنا"

"هذا مكانك سيدي!"

تبسَّم جونغ إن ولوح بيده لكيونغسو.

"نراكَ على خير يا صاح!"

تبسَّم كيونغسو وطفق ينظر إلى هيريم التي تقلد أخيها وتلوح له.

"نراك على خير... وداعًا"

"وداعًا"

وهكذا تحرَّكت المسيرة كواحدة يقودها القادة الثلاث حتى أدركا حدود الغاب، حينها تفرَّقوا وسلك كل قائد بفِرقته طريقًا مُختلِفًا.

كانت فرقة هيريم الأكثر تميُّزًا فهي الأقل عددًا رغم ذلك هي الأقوى؛ فهي تقود مائة من أفضلِ الرِّجال المُجنَّدين كذلك عائلة الملك.

حصانها في المُقدِّمة، ترتدي درعها وسيفها، يتوزع الرجال الأقوياء حول الفرقة كاملة؛ فيُحاوطونها من كُلِّ الجوانب، النساء والأطفال من أسرة الملك في منتصف المسيرة يضعونهم على عربة مفروشة؛ فالهودج سيثير الشُبهات بالتأكيد.

وأخيرًا الأسير الصغير تشا أون اوو مربوط داخل قفص تحيطه من كل الجوانب أقفاص الدجاج؛ فلن يكتشف أحد أن بين الدجاج هناك آدمي مأسور.

وأمَّا صاحب الجلالة فهو على حصانه من يمين هيريم، تايهيونغ على يسارها ويجاوره جونغكوك على حصانه.

كانت تتلثَّم كذلك هُم، فلن تُخاطر بهم، قد يتعرَّف عليهم أحد... الجميع بلا إستثناء يضع لثامًا، حتى عائلة الملك يلبسن خمارًا.

طالت المسيرة وحان الليل، والأحصنة باتت تشعر بالتعب كذلك روَّادها؛ وحينما أصبح الليل عشيّة أمرت هيريم بصوتٍ جهور.

"سنرتاح هنا، الرجال توجهوا لنصبِ الخيم، والنساء باشرن بتحضير الطعام، وأنا سيأتي معي عشرُ رجال لتفقد آمان المنطقة"

تفرَّقوا لأداء المهام كما أُمروا وهيريم ترجَّلت عن حصانها تسقيه الماء، ثم صعدته مُجدَّدًا، إختارت عشرة من الرجال من ضمنهم تايهيونغ لتفقد آمان المنطقة.

اقترب بيكهيون على حصانه كذلك جونغكوك وقال.

"سأذهب معكِ لتفقد آمان المنطقة"

"لا مولاي، لن يكون ذلك مُمكنًا"

إرتفع حاجبه.

"لِمَ؟"

"أنت أهم شخص في هذه المسيرة، ولا يمكنني أن أعرضك للخطر، ابقى هنا رجاءً"

تنهَّدَ بيكهيون وقال.

"حسنًا، معكِ نصف ساعة فقط، إن تأخَّرتِ سأتبعك"

تبسَّمت هيريم، ولكنها سُرعان ما ضبضبت إبتسامتها تقول.

"لو كان إهتمامك خوفًا علي وعلى رجالي، فأنا لا أخاف ودرَّبتُ رجالي ليكونوا أقوى من الذئاب... لا تقلق علينا، سنعود سريعًا"

حركت فرسها وانطلق الفرسان خلفها لتفقد المنطقة، ترجَّل بيكهيون عن فرسه كذلك جونغكوك، وفيما ينظر إلى أثرها بيكهيون همس.

"تجيد صفَّ الكلام بطريقة حماسيّة!"

وسؤال جونغكوك كان الصفعة التي أعادت بيكهيون إلى الواقع.

"هل أنتَ مُعجب بها مولاي؟!"

نظر له بيكهيون سريعًا، ثم أشاح ببصره يتحمحم، حينها أومئ جونغكوك والإبتسامة تشق شدقيه.

"إذًا أنا على حق!"

علَّق بيكهيون فيما يتجاوزه نحو عائلته.

"تتفوَّه بالتُرهات كثيرًا مؤخَّرًا!"

ضحك جونغكوك بِخفة، الملك واقع في الحب مجدَّدًا، على من يكذب؟!
الحُب حُلوٌ، أحلى من الشهد...

في كُلِّ مرة ينظر فيها إليها يتوعك قلبه، لا يدري أن كان حُبًّا فقط أم ألمًا، فهي لن تكون له بتاتًا.

تنهد جونغكوك وتبع خطوات الملك إلى الداخل، لا يحب أن يُفكِّر بها، التفكير لها لا يزيده سوى ألمًا.

وأما عند هيريم، فكانت تسير بصُحبةِ رجالها وتايهيونغ يجاورها بحصانه.

"تايهيونغ؟"

"نعم سيدتي"

"هل تكرهني؟"

نظر لها تايهيونغ مُتفاجئًا من سؤالها، هو حتى لم يتوقع أن تفتتح معه ذلك الموضوع الذي حدث مُذُّ فترة.

"لن أكرهكِ سيدتي إطلاقًا، لا تقسي على نفسك، لقد تقبَّلتُ الواقع بالفعل، واحترم قرارك ورغباتك"

تبسَّمت هيريم.

"حقًا محظوظة التي ستكون من نصيبك! لم أرى رجلًا مُتفهِّمًا بقدرك طيلة حياتي!"

وفيما يجول بصر تايهيونغ المكان بانت على شفتيه إبتسامة ونبس.

"شكرًا لكِ سيدتي"

"كُفَّ عن مُناداتي بسيدتي؛ أنا رغم ذلك أريد أن أخبرك لِمَ رفضت الزواج"







..................

يُتبَع...

الفصل السادس عشر "إبنة الكهوف"
الرواية التاريخية "العنقاء"

1st/Jun/ 2021

......................

سلاااااااااااااام

بلشنا مشاكل عاطفيّة وقصص هبلة👏👏

الفصل القادم بعد 150 فوت و200 كومنت.

1. رأيكم ببيكهيون؟! تفكيره المستمر بهيريم؟! تدخله بشؤون الأخوة الثلاث؟

2.رأيكم بهيريم؟! رفضها للزواج؟ ماذا سيكون سببها للرفض؟

3.رأيكم بتشانيول؟ وده ناحية رايناه؟

4.رأيكم برايناه؟ خداعها لتشانيول؟
ماذا تظنون خطتها؟

5.رأيكم بجونغ إن؟ وقوفه بصف هيريم؟

6.رأيكم بسيهون؟ إصراره على تزويج هيريم وأسبابه؟

6. رأيكم بجاهي؟ تفهمها لسيهون ومواساته؟

7.رأيكم بتايهيونغ؟ رفضه للزواج؟

8.رأيكم بجونغكوك؟ من المرأة التي يقصدها؟

9.رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟!

دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤

© Mercy Ariana Park,
книга «العنقاء/ The King's Return».
CH17|| الحب في سيماءه
Коментарі