CH17|| الحب في سيماءه
بيون بيكهيون(الإمبراطور)
بطل:
العنقاء|| The King's Return
"الحُب في سيماءه"
...
تعجز أحيانًا الكلمات عن وصفِ الشعور أو التخفيف من حِدَّته، أحدهم يتألَّم ولا يجود لسانه بوصفِ هذا الألم، وأحدهم يواسي ولا يجود لسانِه بصرفِ المواساة اللّازمة؛ فاللُغة تعجز أمام المشاعر المُربِكة.
الدّائر بين هيريم وتايهيونغ مُذُّ أن إنطلقا بِصُحبةِ تِسعةِ رجالٍ آخرين -هو عاشرهم- الصَّمت والإرتباك والكثير منهُما فقط.
فكيف سيتصرَّف أي منهما بسلوكٍ طبيعي بعدما حدث؟!
هو تقدَّم للزواجِ منها دون أن يسألها أوَّلًا، وهي رفضتهُ بلا أن تمنح طلبه فرصة للتفكير حتى... إذًا كيف يتواجهان؟!
سيهون تصرَّف بِلؤم مع كلاهما حينما وضعهما في الوِحدة ذاتها، هي قائدتُه وهو ساعدها الأيمن.
حتّى بعدما بادرت بالحديث معه أوَّلًا لم تتخلَّل الرّاحة بينهُما؛ لكن تايهيونغ يتملَّكه الفضول، قالت له أنَّها تملكُ أسبابًا لرفضه، وترغب في قولها له.
على هذا توقَّف الحديث؛ ففجأةً؛ رفعت هيريم يدها تقطع الحديث الدّائر بينها وبين تايهيونغ وتصمُت الرِّجال وتأمرُهم بالتوقُّف عن الحركة.
"انصِتوا!"
أنصتَ الجميع كما أمرت، وها هُم يسمعون صوت حيوان برّي قريب، تحرَّكت هيريم قليلًا بِفرسِها تقول.
"لو ما خاب ظنّي فهذا خنزير برّي، بما أنَّهُ آتى بقدميه، دعونا نضُمُّه للمؤن"
"أمرُك سيّدتي!"
ضرَّبت الفرس بقدمها فانطلق يتبعها بقيّة الفُرسان، أخرجت من على ظهرها قوسه وسهمًا، الخنزير لحظهم وأصبح يركض ناحيتهم كأي حيوان برّي همُّه معدتِه؛ لكنَّهُ سقط حينما أصبح سهم هيريم يشُق حلقه.
إقتربت بفرسها منه، تراه يتخبَّط وينزف حتّى خرجت روحه.
"انقلوه إلى الموقع جميعكم، سأتبعكم أنا وتايهيونغ بعد القليل من الوقت"
"أمرُكِ سيّدتي!"
تصرَّف الرِّجال كما قالت، وبقيت هي وتايهيونغ وحدهما يُكملان الجولة على أحصنتهُما، دار الصمتُ بينهما لدقيقتين، ثم مُجدَّدًا هيريم من بادرت بالحديث وعيناها تُنقِّب بالمكان عن قُرب بما تُتيح لها هذه العتمة.
"لم أرفُض الزواج منك لأنَّكَ العريس أو لأنَّني لا أُريد أن أتزوَّج"
إستولت على إهتمامه؛ فنظرَ لها وهي اتبعت.
"إذًا لماذا؟!"
"لأنَّ الوقت غير مُناسب"
لم يدري تايهيونغ ما شعوره الآن، هل شعر بالأرتياح لأنَّها لا ترفضه لشخصه أم شعر بالأستياء لأنَّهُ لو أرادها حقًا عليه الإنتظار للمزيد من الوقت؟!
"ومتى يحين الوقت المُناسب؟!"
برمت شفتيها وحرَّكت كتفيها بجهل مُتنهِّدة.
"لا أدري حقًا متى يحين، قد يكون قريب، قد يكون بعيد... لا أدري"
وتلك الإجابة لم تروي فضوله وهيريم تعلم.
"تعلم؛ الحربُ لإعادة الملك بيكهيون لعرشه لن تستنزف منّا الوقت والمال والجُهد فحسب، ستسهلك منّا الأرواح"
تنهَّدت واتبعت.
"قد أموت في هذه الحرب، قد أُسبى، قد أُفقَد... لا أدري ماذا سيحدث لي من بعدها؛ ولكن ما أعلمه أنَّني سأترك أقل عددًا مُمكن من الناس ليبكوا علي لو حصل لي شيء، ولا أُريدكَ أن تكون منهم"
"لهذا السبب ترفضين الزواج مني؟!"
همهمت هيريم، فتسآل بدوره.
"ولِمَ عليكِ أن تُضحّي بنفسكِ لأجله؟!
لم علينا أن نُضحّي بأنفسُنا لأجلِ ملكٍ طالح؟!"
"لن تكون مجبور أن تُشارك بالحرب، هذه الحرب ستكون تطوعيّة لمن يرغب في الإنضمام إلينا فقط.
وإما لِمَ أُضحّي بنفسي لأجله؛ فأنا أكره أن أكون مُدينة لأحد، ينبغي سدَّ الدَّين مهما كان سداده مُكلِفًا"
إلتفتت إليهِ أخيرًا وتبسَّمت تقول.
"إن بقيتَ عازبًا بإنتظاري إلى ذلك الوقت سأتزوَّجك بلا تردُّد رُغم أنَّني لا أُفضِّل أن تبقى عازبًا بإنتظاري، أُفضِّل أن تجد إمرأة أُخرى تُفضلك عن هذه الحرب وتمضي معك أينما أردت"
منحتهُ أملًا بها؛ لا يُنكِر... لكنَّها في ذات الوقت حطَّمته، وإلا كيف سيشعُر وهو بالنِّسبة لها كخيارٍ مؤجَّل يُمكِن تبديله إلى رَجُل آخر؟!
لكنَّهُ على الأقل ما عاد مجروحًا ومهزوزًا كما كان حينما رفضته... سيتألم بكرامة وإن نسى سيمضي بكرامة ويترك خلفه أثرًا طيّبًا فقط.
"هيا لنعود الآن إلى الموقع"
حرَّكَ حِصانه خلف فرسها عودةً إلى الموقع فيما لا يتكلَّمان... فما زال الوضع حرج لكلاهُما.
...
الملك وبجوارِه وزيره يسيران بين الخيم التي إنتصبت أخيرًا، يدي بيكهيون خلف ظهره كما يسيروا أصحاب الشأن أمثاله، وجونغكوك يسير مُتأخِّرًا عنه خطوة.
"مولاي؟"
همهم بيكهيون فاتبع رفيقه.
"ألا تملك فضولًا حول هؤلاء النّاس؟! ألا ترغب بِمعرِفة كيف إنتهت بهم الدروب إلى هُنا؟!"
"بلى"
"ولِمَ لم تسألهم؟!"
"ما زالوا لا يثقون بي، كيف أسألهم؟!"
توقَّف جونغكوك عن السير يعقد حاجبيه بلا رِضا.
"لكنَّكَ المولى"
إلتفت إليه بيكهيون يُكمِل.
"الذي خذلهم، حكمتُ عليهم بالموت دون أن أُعطيهم الحق في الدفاع عن أنفسهم."
تنهَّد جونغكوك واتبع.
"وقوفهم بِصفِّنا لا يعني أنَّ صفحاتهم بيضاء، لهم أعمال تخريبية كثيرة، عُنف ونهب وسرقة وإبتزاز وتهديد وترويع الآمنين، ولو ضللتُ أعد تُهمهم للغد لن أنتهي يا مولاي"
تنهَّد بيكهيون واتبع سيره فاتبع جونغكوك خُطاه.
"لا جريمة بلا دافع، حينما ختمت على وثيقة إعدامهم ظننتُ أنَّ دافعهم هو التمرُّد فأسميناهم المُتمرِّدين.
هُم مجرمون ولكن دافعهم ليس التمرُّد على سُلطتي، بل لهم دافع آخر"
"رُبَّما لا... قد يكنون يريدون إعادتك لِلحُكم حتى تُخلِّص رِقابهم من الموت"
وقف بيكهيون وخلفه الخيم المنصوبة ورد.
"الهرب مني أو من تشانيول للأبد يحفظ حياتهم أكثر من خوض حرب لأجل إعادتي لعرشي، وهُم لا يثقون بي كفاية ليصدِّقوا أنَّ بإستعادة عرشي نجاتهم من الموت الذي كتبته عليهم"
إلتفت له جونغكوك لا يُصدِّق ما يسمعه.
"مولاي؛ كيف لا يثقون بك وها هم يأخذوننا على مقرِّهم الرَّئيس؟!"
"إنًّهم يكذبون؛ أنا مُتأكِّد بأننا لن نذهب للمقر الرئيسي"
"لا أفهم، ما الذي يجعلك أكيدًا؟!"
"سيثقون بنا طالما أنا بحاجتهم، وحينما لا يعود لي عوز بهم لن يثقوا بي وسيهربوا مني، أنا مُتأكِّد.
هُم لا يتحدثون أمامنا عن إدارتهم، ولا أعدادهم، ولا مواقعهم، حتى الكهف الذي لبثنا فيه لم نستطِع أن نتوغَّل به حسب أوامر القادة، ولم يشرحوا أسبابهم لتكوين هذه الجماعة، ولا نعرف عنهم سوى أشكالهم وأسماءهم"
وبالتفكير في كلامِ الملك؛ وجد جونغكوك أنَّهُ مُحِق.
"إذًا لماذا يقومون بنقلِنا إلى مكانٍ آخر؟!"
"لتوفير أفضل سُبل الراحة لنا، رغم شكوكهم بي هُم حريصين على حمايتي"
"ولِمَ تظن ذلك مولاي؟!"
"لا أدري، لكنَّهم خاطروا بحيواتهم لإنقاذي، وما زالوا يخاطرون، وسوف يخاطرون في المُستقبل أيضًا، وهُم ليسوا حمقى ليخاطروا في حيواتهم لأجلي ثم يقتلوني"
نظر بيكهيون بين الشجر حينما سمع صوت صهيل الأحصنة، رفع نظره وإذ بهم رجال هيريم دونًا عنها وتايهيونغ يحملون خنزير برّيّ وقادمون نحوهم.
تقدَّمَ منهم جلالته يتسآل.
"أين هيريم؟!"
إنحنوا له الرجال، ثم إستقام أحدهم يقول.
"القائدة مع المُجنَّد تايهيونغ مولاي"
شعر بيكهيون بالأستياء؛ ولكي لا يظهره قبض على يديه بالخفاء، لا يفهم ماذا تفعل فتاة في البرّية مع رجل لوحدها، وليس أيُّ رَجُل بل رجل تقدَّم لِخِطبتِها.
لحظ جونغكوك الغضب الذي يلفح صاحب الجلالة، وتسآل يُشتِّت إنتباه المُجنَّدين عن المولى.
"ومن أين لكم بهذا الخنزير؟"
"إصطادتهُ القائدة وأمرتنا أن نحضره"
أومئ لهم جونغكوك فانصرفوا فيما بيكهيون رفع ذقنه إلى السماء وتنهد بِعُمق، لا يدري ما الذي يعجبه بهذه المرأة التي تملك صفرًا من الأنوثة!
كان قد سبق وقرَّر أنَّهُ سيكون بإنتظارِها هُنا حتّى تعود؛ ولكن بما أنَّها تتسكَّع مع إحدى الرِّجال فلا عوز له بالإنتظار.
قصد الخيمة التي خُصِّصت له وللملكة راهي، فلا يمكن أن تبيت إحدى النساء دون رجل في الخيم، وهذا عُرفٌ سائد لدى جماعة القمر الدموي؛ لذا تقرَّرَ أن يتشارك جلالته الخيمة مع ملكته، وأما أطفاله فستحرسهم هيريم؛ فهي بمثابة رجل بالفعل.
كانت راهي تُجهِّز الفِراش حينما آتى بيكهيون، وهي بالفعل بدت مُتفاجئة حينما دخل.
"ظننتُك لن تأتي مولاي!"
"وأيُّ رجل هذا الذي سأسمح له أن يحميكِ بدلًا عنّي؟"
تبسَّمت واستأنفت ما تفعله تقول.
"سأضع لكَ فراشًا ها هُنا إذًا مولاي"
نظر إلى حيث تُشير، فوجد أنَّها تنوي التفريق بينهما بمسافة تتسع لشخص، حينها نفى برأسه وقال.
"لا، ضعيها بجوارِك، وحتى تنتهي سأذهب لتفقد الأطفال وسأعود"
أومأت له راهي وهو خرج ليتفقد أحوال أطفاله.
وفيما يَمُر بخيمتهم؛ سمع جيهان وبيكهي يتكلًّمن.
"أنا أُحِبُّه"
تيبَّسمت قدم بيكهيون عن المُضي، ووقف خارجًا يستمع لِمُحادثتهن دون أن يشعُرن به، وبعدما صرَّحت جيهان بِحُبِّها لأحدهم بيكهي أخذت تخوِّفها وتوبِّخها.
"منجنونة أنتِ؟!
إن علم أبي سيقتُلك، ألا تخافين من أبي؟ أم أنَّ الحُب أعماكِ لدرجةِ أنَّكٍ نسيتِ أنتِ إبنة من؟
حسنًا؛ أنا ما عِدتُ أراهم برابرة همج، نحن نعيش معهم، وهم يحمونا ويحمون والدنا، يطعمونا ويؤونا، لكن أن تقعي في حُبِّ قائدهم أيَّ أنَّكِ ترمين بنفسِك إلى التَّهلُكة، الهلاك على يد أبي قبل الهلاك على يد المُتمرِّد الذي تُحبّينه."
وبيكهيون إستمع لما يكفيه من هذه المُحادثة السفيهة؛ ليعلم ما الوضع الرّاهِن مع بناته.
إقتحمَ الخيمة عليهن؛ فشهقن بِقوَّة وكِدنَ أن يصرُخن لولا أنَّهُ أبوهن، وذلك لم يجعلهن يشعرن بالإرتياح، بل بالخوف أكثر.
وقفن بيكهي وجيهان سريعًا، وحينما إمتدَّت يد بيكهيون ليلتقِف ذراع إبنته جيهان صرخت تختبئ خلف بيكهي وتتوسَّلُه.
"أبي أرجوك أهدأ، أنا آسفة!"
لكن لا يبدو على بيكهيون أنَّهُ سيهدأ قريبًا.
"أهدأ؟! وكيف أهدأ وأنا اسمع ابنتي تقول أنَّها تُحِب بربري مُتمرِّد؟!"
حاولت بيكهي أن تُهدّئه وهي تقف كالحاجز بينه وبين أُختها التي ترتعد خوفًا منه خلفها.
"أبي أرجوك اسمعنا، جيهان لن تفعل شيئًا أنت لا تُريده، إن قُلتَ لا فإذًا لا؛ أليس كذلك جيهان؟!"
سُرعان ما أومأت جيهان برأسِها تقول.
"لن أعصيكَ أبي، أرجوكَ لا تفعل بي شيء سيء!"
دفع بيكهيون ببيكهي بعيدًا فسقطت أرضًا واجتذب جيهان من شعرها الذي يعض عليه بقبضتِه الصلدة، صرخت جيهان صرخة مُدويّة آنذاك، لكنَّها رُغمًا عنها إستمعت له حينما نبس بغضب مُهدِّدًا رُغم ما تبثُّه يده من ألم في رأسها ورغم نحيبها وشهقاتها ورغم إرتجاف بدنها خوفًا منه.
"أليس جونغ إن الذي تُحبّينه؟!"
إزدرئت جوفها واستمرَّت في البُكاء، فشدَّ شعرها أكثر وصاح بها.
"أجيبي!"
صاحت باكية تتمسَّك بيده.
"نعم"
قرَّبها له وهمس لها.
"إذًا أُقسِم لو رأيتُكِ حوله أو رأيتُه حولك سأقتلك، لا تحلمي أن أزوجك من مُجرم مُخرِّب وبربري، تفهمين؟!"
سُرعان ما أجابته.
"أفهم أبي أفهم، أنا آسفة أرجوك، سأفعل ما تُريد، لن أعصيكَ أبدًا!"
أفلت شعرها ودفعها بقوة أرضًا، فسقطت بطريقة مؤلمة تتألَّم بِشدّة، وتبكي بشدة فيما ترمقه بخوف.
وأما والدها؛ فلقد رماها بعبائته ووقف يتنفس بِحدّة وينظر نحو السقف وهو غاضب على آخره، وإبنته تبكي بجنون والأُخرى تُعانقها وتبكي معها.
رمقهن بنظرة غاضبة ومُحذِّرة، ثم خرج من الخيمة، سار بِضع خطوات قليلة، لكن صوتها الأجش من خلفه إستوقفه، وجعله يُنصِت إليها.
"جونغ إن ليس بربريًّا جاهلًا ومُتخلِّف"
إلتفتَ إليها؛ فوجدَ الدمعُ يظفر في عينيها، إقتربت منه وهي تحمل سيفها بيدها وتنظر في عينيه الجاحِدة.
"جونغ إن رَجُلًا نبيل إبن رَجُل نبيل؛ ولكن حُكمِكُم الظّالم من حَطَّ من قدرنا، وجعلنا نعلو الجبال"
إقترب منها يملؤه الغيظ، ولأولِ مرة يجد نفسه يَنُد إمرأة.
"حُكمي الظّالم؟!"
تبسَّمت رُغم أن عينيها تملؤها الدموع، وهمست مُستاءة على آخرها منه.
"افهم ما قُلته كما تشاء جلالتك، لا تنسى أنَّني تمرَّدتُ عليكَ وعلى حُكم أسلافكَ الظّالم، لن يُخيفني التهديد الذي تتضمنَّهُ عيناك!"
إستلَّ منها سيفها وجعله على عُنقها فيما ينبس بنبرة غاضبة رُغم إنخفاضها.
"هل تَظُني لأنني بحمايتكم سأمتنع عن قطعِ رقبتكِ حينما تتواقحي معي؟!"
إقتربت منه بِجُرءة ونصلِ السيف لمس جلد عُنقها بالفعل، ربما إنسابت بضعُ قطرات من الدماء، لا تدري... لكن الغضب لا يجعلها تشعر بأي ألم.
"لم أظن بك شيئًا، لا إحسانًا ولا لؤمًا... وهذا السيف الذي بيدك لي، ولن يخونني!"
سحبت السيف من نِصله منه، ولم تهتم لما أصاب يدها، وبيكهيون وجد نفسه مُتفاجئ من سلوك هذه الفتاة، لم يرى بشجاعتها أحد من قبل، ولا حتى تشانيول.
الجميع يعادونه في الخفاء، لم يواجهه أحد من قبل، ورغم أنَّها فعلت لكن سلوكها معه لا يُعجبُه.
وضعت السيف في غِمده على خصرِها، ثم اتبعت تنظر إليه بجراءة.
"نحنُ لسنا مُخرِّبين، لم نسرق مال أحد، ولم نقتل أحد لا يستحق الموت.
نحنُ المحكمة الذي إلتجئ إليها الشعب بينما محكمة الملك تَموج في الفساد!"
أمسكَ بها من ذراعيها بغضب شديد، ونبس يأمر فيما يرص على أسنانه.
"لو أنَّكِ رَجُلًا لقتلتُكِ، لذا حبَّذا لو تَكُفّي عني وتنصرفي من أمامي قبل أن أتجاهل إعتبار أنَّكِ أُنثى!"
ما تحرَّكت من بين يديه ولو بِنُتفة، ولم تُقاومه، بل تركت أصابعه تنغرز في لحمها كما الإنصال ولا تُبالي، لكنها لم تخف منه، بل لا يخيفها أي شيء.
"لو رفعتَ يدك علي لتضربني لن أمنعك، بل سأخفض رأسي وأطيع جلالتك، لكن سيهون وجونغ إن أغلى علي من نفسي، هُم أغلى علي منك، ولن أسمح لأحد أن يَحُط من شأنِهم واسكت!"
قرَّبها إليه وبإستماته همس يُريدها أن تسكت.
"يكفي، اصمتي ولا تتكلَّمي!"
دفعت بذراعيه عنها واتبعت.
"لا ذنب لأخي لو أحبَّتهُ إبنتك، لقد أخبرتُها أنها تحلم بالمستحيل، وأخي لا ينظر إليها ولن ينظر، فهو لن يُرِد أن يتزوج الأميرة، التي تظنه بربريًا همجيًّا، أحسنت له بحبها، ورفعت من شأنه، هو لن يفعل ولا غيره جلالتك!"
ثم تركته خلفها، ودخلت إلى خيمة أطفاله، حيث من المُفترض أن تنام الليلة، وجدت جيهان تبكي بين يدي أختها، والخوف الذي يعلو وجهيهما يخبر هيريم بلا كلمات كم كانت ردة فعله قاسية.
تنهدت هيريم ووضعت السيف في حجرها بعدما جلست أرضًا، أسندت رأسها على إحدى الأعمدة التي تنصب الخيمة وهمست.
"أخبرتُكِ ألا تحلمي بأخي، مهما حدث لن يكون لكِ!"
أغمضت عيناها رُغم أن قلبها لن ينام، والكلام الذي سمعته صُدفة وهو مع بناته ما زال له رنين في أذنها، لا تود أن تقول الكلمة لكنه ناكر للجميل بالفعل.
...
وَلَجَ بيكهيون إلى خيمته، كانت راهي تجلس في الفِراش بإنتظاره، لكنَّها حينما رأت ملامحه غاضبة رُغَم كظمه نهضت تتفقَّده بِقلق دون أن تلمسه، فقط سألته فيما يُفرِّق عنها بمسافة.
"جلالتُك؛ ما الذي يُزعجك؟!"
نظر لها، ثم نظر إلى المسافة التي تتركها بينهما فضحك فاهه مُستاءً، إقترب منها فابتعدت بمثلِ ما اقترب.
إزداد إنزعاجًا؛ إذ قبض على ذراعها وجذبها حتى إصطدمت بصدرِه تُفغِر شهقة.
"لِمَ تبتعدي؟ خائفة مني؟"
أخفضت رأسها دون أن تُجيبه بلسانها، لكن سلوكها أجابه، زفر مُخيَّبًا وأفلت يدها.
تحرَّك ناحية الفراش، سيندَسُ به وغدًا سيُفكِّر بأي شيء آخر، ومن ضمن الأشياء ما قالته هيريم، لكن راهي إقتربت واندسَّت بجانبه.
يدها إرتفعت بتردُّد، خصوصًا وأنَّ عينه تترقَّب أين ستحُط يدها، إزدرئت جوفها وقررَّت أن تُخاطِر وأيّاه.
وضعت يدها على وجهه، وبإبهامها مسَّدت وجنته.
"أكذب إن قُلت أنَّني لا أخاف منك، لكنَّكَ لم تسمح لي أن أقترب منكَ مُذُّ أن حملتُ بلي جون، ظننتُ أنَّني ممنوعة من لمسك، أو التحدُّث معك، أو حتى النوم بِقُربك كما أفعل الآن"
وكلام راهي لا يساعده ليطمئن ويرتاح بل يزيده همًّا، أبعد يدها عن وجنته وقعد على الفراش، فقلَّدته بقلق.
"مولاي، هل أنتَ غاضب مني؟!"
نظر لها وتسآل.
"هل أنا ملكٌ ظالم وأنا لا أدري؟!"
سُرعان ما نفت برأسها، وبوِدِّها لو تجرؤ أن تُمسك بوجنتيه أو بيديه وتواسيه أفضل، لكنَّها تخشى ألا يُحب طُرقها، فلجأت إلى مواساته دون ملامسته.
"لا مولاي، لستَ ظالم!
لطالما خدمتَ شعبك بتفاني، واستهلكت وقتك وصحة بدنك لحمايتهم، أنت تُكافح منذ شعرين سنة لأجلهم، ولم تتهرب يومًا من مسؤولياتك، أو توكلها لأحد آخر، أو تتهرب منها، أنت ملك عادل ورائع"
أفتر وابتسم بخيبة ثم عاد ليتمدد.
"لو الحق ما تقولينه لما خلعوني، لما كنتَ هنا!"
تنهَّدت راهي فيما تنظر إلى تقاسيمه شاهقة الوسامة.
"مولاي، إثارة الفتن في النفوس مثل الحُكم ظُلمًا بقطعِ الرؤوس... لطالما سُميتَ بالملك الشّاب العادل، لم ينظر لك أحد بغيرِ قالب حتى ثارت الفِتن، أنتَ ملكٌ رائع"
نظر لها بيكهيون بصمت، للأسفِ لم يَكُ يعرف زوجاته وعقيلاته وحتى محظياته، كان يقضي معهن الليالي الحافلة بالجسد وفقط، لم يُفكِّر مرة بأن يتحدَّث إليهن، الآن حقًا يرى نفسه عاهلًا ظالمًا ولو بحقِّ نِسائه.
كانت تقعُد على الفراش وهي تنظر إليه، لكنَّها تفاجئت به يُمسك يدها التي بحِجرها، ثم يجتذبها بقوّة حتى سقطت عليه تشهق، حاولت النهوض وهي تعتذر، لكنَّه تمسَّك بخصرِها يمنعها من الإبتعاد عنها.
أسهمت النظر إليه وأسهم إليها، ويدها التي على صدره أمسك بها، ثم اجتذبها من قفا عُنقها نحوها، وما لم تتوقعه راهي أن يحدث يومًا ها هو يحدث؛ إذ دمج شفتيهما في قُبلة ويدها كمشت على رداءه تتردَّد في مُبادلته، لكنها حينما إستجمعت شجاعتها وقبَّلته إبتسم أثناء القُبلة وجعلها أرضًا وهو يعلوها.
وكانت تلك المرة الأولى التي يحب فيها إمرأة غير ناري، وكان عليه أن يفعل من قبل، لأن لنسائه عليه حق حتى لو كانت إحداهن تملك قلبه، ما كان عليه أن يعامل البقيّة بجفاء.
...
في الصباح الباكر؛ كانت هيريم تتفقَّد أمن المكان فيما الآخرين يخلعون الخيم والنساء يطهين الإفطار.
خرج بيكهيون بمزاجٍ طيّب من خيمته، لكنَّه حينما رأى هيريم من بعيد؛ تقف في زي المُحاربين هذا، وتُلقي الأوامر على هذا وذاك؛ تعكَّر مزاجه واستذكر كلامها من الأمس، تحديدًا حينما أشارت أنَّ لا أحد من جماعتهم سيرضى أن يرتبط بأحد من عائلته، شعر وكأنَّها تتحدَّث عن نفسها وعنه، وهذا ما جعله يغتاظ جدًا لمجرد رؤيتها في الجِوار.
وهي رأته من بعيد ينظر إليها، لكنها تجاهلته كما لو أنَّهُ لا ينظر وسيَّرت أمور جماعتها، إجتمع الجميع على الطعام، العائلة المالكة يأكلون وحدهم فوق منصة خشبيّة، والبقية يلتفّون مجموعات أرضًا ويتناولون الطعام، وأما هيريم وتايهيونغ فكانا يسيران معًا حول جماعتهم؛ لحراستهم من أي شيء قد يحدث.
لاحظ تايهيونغ معالمها المُقتضبة من أولِ الصباح، فتشجَّع ليُبادر بالسؤال.
"هل لديكِ ما يُغضبك؟!"
تنهدت هيريم وأومأت.
"في الحقيقة نعم، لكنني لن أُخبركَ أنتَ تحديدًا، في الحقيقة أُفضِّل أن أحتفظ بالأمر لنفسي"
عكَّر حاجبيه مُتسآلًا.
"لِمَ؟!"
لم تمنحه إجابة، بل طبطبت على كتفه حينما رأت معالمه تمتلئ سخطًا لأجلها، هو بالفعل يسخط على الملك وأفراد أسرته، كيف لو أخبرته ما يزعجها؟!
وفيما يتحدَّثان هيريم لمحت ظِل رجل ينعكس على الأرض قريبًا من إحدى الأشجار، تصرَّفت بطبيعية، وأخرجت سهمها وقوسها تظفِّرُهما، فيما تبتسم وتتحدَّث مع تايهيونغ، وكأنها لا ترى شيئًا.
"كيف حال أختكَ مع أخي؟! هل يُحسن لها؟!"
تبسَّم تايهيونغ وأجابها.
"لقد مدحته"
أومأت فيما تبتسم، ثم بحركة خاطفة صوبت السهم نحو صاحب الظل، وأطلقت عليه قبل أن يُحرِّك نفسه ثم صاحت.
"احموا الملك وعائلته والنساء!"
سُرعان ما نفَّذ الرجال أمرها دون أن تُثار الفوضى، قسم منهم ظلَّ لحماية العاهل، وعائلته، والنساء، وقسم منهم لاحقها.
استل بيكهيون سيفه، وحمل نفسه يجمع أفراد عائلته خلفه، زوجته، وأطفاله الخمس، تجمع من حوله بعض الرجال، وأحدهم تحدَّث.
"مولاي لا تقلق نحن سنحميكَ وعائلتك!"
همس وهو ينظر في كل جهة.
"لا أشكُ في ذلك، لكنني لا أختبئ خلف سيف أحد!"
وأما هيريم تبعها تايهيونغ وبعض الرجال الآخرون، لملاحقة من تجسسوا عليهم، كانوا كُثر هؤلاء الجواسيس، لكن ليسوا أكثر من جماعة القمر الدموي ولا أكثر شجاعة.
اطلقت سهمًا حينما رأت رجل، أصابته وهبَّ عليها رجلًا آخر تعلَّق في الشجرة أعلاها، وظنَّ أنها أسهل خصم فاختارها خصمًا، وهبَّ رجال آخرون وابتدأ قِتالٌ حامي الوطيس بين الطرفين.
إذ سرعان ما صدَّت هيريم سيفه بقوسها، وانحنت سريعًا تتجنَّب ضربة أخرى، ثم ركلته في صدره فتراجع عنها كثيرًا.
أخرجت سيفها فيما هو يعود ليقاتلها يقول بنبرةٍ كريهة.
"إمرأة صغيرة تُقاتلني! يا للعار!"
صدَّت سيفه وشقَّت ذراعه بسيفها.
"العار سيلبسكَ أنت حينما تنتهي أسيرًا لي أو رجُلًا ضعيفًا قتلته!"
تبسَّم بإغترار يهاجمها.
"تحلمين!"
"سنرى من يحلم"
هاجمته بخِفة حركتها وهاجمها بقوّة بدنه، رفع السيف ليضرب به عنقها، لكنَّها صدَّته وشرخت له صدره بِجُرحٍ عرضي، فوقع أرضًا.
دهست على صدره بقدمها، فوق جُرحه تحديدًا وهمست.
"ألستَ إحدى رجال الأمير تشانيول؟!"
صحَّح لها رُغم وجعه.
"الملك تشانيول"
"وما الذي آتى بك إلى هنا؟!"
تبسَّم ثغره رغم أن الدماء تسيل منه، وهمس يُثير سخطها.
"لنُسبيكِ، وتصبحين محظيّة للملك، وتسهري في حُضنه أيَّتُها المتمردة الحسناء!"
غرزت السيف في قلبه، فشهق بقوة واتسعت عينيه، ما توقع أن تُقدِم على قتله فعلًا، لكنَّهُ فارق سريعًا، ما كان عليه أن يُثير سخطها بهذا الكلام.
لو قال "لقتلك" بدل "سَبيك" لما قتلته، بل لأبقت على حياته، ليست هي من تُسبى وتُصبح دُمية أحد الرجال في لياليه العابرة مهما بلغ من قوة.
تنهدت وانحنت تجلس القُرفصاء قُربه تنتزع السيف منه.
"لم تعجبني نبرة صوتك ولا إبتسامتك، تبدو بشعًا!"
إنتهى على هذا الحال القِتال، قُتِل معظمهم، أُسِرَ آخرون، وقليلون الذين إستطاعوا الهروب من قبضتهم.
عادت هيريم إلى الجماعة وأطلقت أوامرها.
"تحرَّكوا سريعًا، سنترك كل شيء لم نوضبه بعد خلفنا ونمضي، احرصوا ألا نترك شيء يكشف هوياتكم وسريعًا إلى الأحصنة!"
تجاوزت هيريم عن خلافها مع صاحب الجلالة، واقتربت منه تتسآل بنبرة هادئة.
"أنتَ بخير جلالتك؟!"
نظر إلى أطفاله وزوجته يطمئن عليهم، ثم أومئ متنهدًا، كان لي جون على ذراع بيكهيون وبناته التؤام يتمسكن بساقيه، والثلاثة الصغار يبكون في حضنه، فيما زوجته وابنتيه الكبيرتين خلف ظهره.
"نحن بخير!"
نظرت إلى لي جون وهي يُخبئ رأسه في عُنق والده.
"لقد حاربنا الأشرار وعاقبنهم، لم يبقى منهم أحد؛ فالخيرُ دائمًا أقوى من الشر!"
نظر لها أطفاله الثلاث، يبحثون عن شيء يطمئنهم ويخبرهم أنهم بآمان، إبتسمت لهم وقالت.
"لا تقلقوا، زال الخطر"
تحدث لي جون.
"أي أننا لن نموت؟!"
سُرعان ما نفت برأسها تقول.
"لن تموت أبدًا سموك، طالما نحن الكبار موجودين سنحمي الصغار دومًا"
همست إحدى بناته الصغيرات.
"حقًا؟!"
أومأت لها هيريم تبتسم.
"نعم، والآن سنذهب لمكانٍ جميل، به الكثير من الألعاب من أجلكم، لكن إن خفتم لن نذهب وسنبقى هنا"
سُرعان ما أفلتوا الصغار والدهم وركضوا لها يتمسكون بها.
"لا أيتُها القائدة، سوف لن نكون خائفين بعد الآن!"
ربَّتت على رؤوسهم وهي تبتسم.
"أحسنتم، والآن هيا إلى العربة لنغادر"
تحمَّس الأطفال وركضوا إلى العربة، وأما هيريم فانحنت للملك، ثم تحركت من أمامه.
سُرعان ما تحرَّكت المسيرة مُغادرة، وعلى غيرِ ما كانوا عليه الأمس؛ كانت المسيرة مُسرِعة، كان حصان بيكهيون على يمين فرس هيريم، سألها.
"من كانوا هؤلاء؟"
" رجال الأمير تشانيول"
تسآل جونغكوك وقد شعرت هيريم بالقلق في نبرته.
"وكيف علموا عن مكاننا؟!
أيُعقل أن يكون هناك خائن بالجماعة؟!"
أجابته دون أن يرف لها جفن.
"إحتمال أن يكون هناك خائن بين رجالي بعيد جدًا عن الواقع"
بيكهيون لم يحس بأن كلامها منطقي إطلاقًا، فقبض حاجبيه يتسآل.
"ولِمَ قد لا يكون؟! ما الضمانة على إخلاصهم جميعًا فردًا فردًا؟!"
تبسَّمت هيريم، تتفهم ردود الأفعال التي تستنكر بقوة هذه.
"نحنُ لم نُنقذ ضباع قد تغدر بنا، حرصنا ألا ننقذ سوى الذئاب، والذئاب لا تخون"
إستنكر جونغكوك مُجدَّدًا.
"نُنقِذ؟!"
وبيكهيون اتبع بسؤال آخر.
"ماذا تعني ب"ننقذ"؟"
تبسَّمت تقول.
"هذه أسرار الجماعة التي لا يمكن إفشاءها لأحد"
إرتفع حاجب بيكهيون ورمق جونغكوك، لقد صدق بيكهيون حينما قال أنهم لا يثقوا بهم.
.........................................
ليلًا في القصرِ الملكي...
تغيرت حياة تشانيول كُليًّا بعدما أصبحَ الملك، تحقَّقت له أُمنيات سعيدة، أهمها أنَّ قلب رايناه أصبح معه أخيرًا... يكاد لا يصدق.
أو من الأفضل القول أن الفرحة من جعلته يُصدِّق سريعًا دون أن يتأكد، صدَّق لأنه يريد أن يصدق.
الليلة؛ وبعدما إختارت له رايناه محظيّات من عائلاتٍ كبيرة ونبيلة في المملكة ؛تقرَّر أن يقضي ليلته مع واحدة منهن إختارتها له رايناه لهذه الليلة تحديدًا.
دخل تشانيول إلى جناحه بعدما أنهى مهامه لليوم وغابت الشمس منذ وقت طويل، صبَّ لنفسهِ كأسًا من الخمر الذي وضِعَ على الطاولة، وبدَّل ثيابه مُكتفيًّا ببنطاله الأبيض من الحرير الخالص.
وبينما يقف ويحتسي من شرابه، أعلن حارس بوابة الجناح أن محظيته لهذه الليلة أصبحت خلف الباب.
"أدخلها"
هو بالفعل لم يكن متحمسًا لهذه الليلة ولم يردها، لكن رايناه أصرَّت عليه كثيرًا، تقول أن هذه واجبات الملك في حرم النساء، وعليه تلبيتها، وهي لن تنزعج ما دام قلبه معها.
دخلت الفتاة مُزيّنة كأي محظية وجب عليها تسلية رجل طيلة الليل، وإعطاه حصة من المُتعة التي لن تُنسى -بالنسبة إليها فقط-.
أشار لها تشانيول أن تقترب دون أن يتكرم عليها بأي نظرة تحمل الوِد، وهي إقتربت كما أمر، أشار لها نحو عبائتها قائلًا.
"اخلعي هذه!"
"أمرُكَ مولاي!"
فعلت كما أُمِرَت، وهو أخذ يتطلع على مُنحنيات جسدها وتفاصيله من خلف الثياب، دفع كل ما بالكأس في حلقه، ثم وضعه فوق الطاولة يُشير إليها بالإقتراب منه أكثر.
توترت الفتاة، وشعرت وكأن قلبها سيغادر صدرها قريبًا لكثرةِ ما نبض بجنون.
رفع شعرها عن رقبتها، وبلا أي مقدمات بدأ يلثمها، الفتاة آنَّت ثم قضمت شفاهها وتمسَّكت بكتفه، وهو تولى خلع بقية الرداء وفرشها على فراشه وإفتراشها.
لكن شيئًا ما لا يسير على ما يرام، الفتاة كانت عذراء لاتفهم ما باله ولِمَ بدأ يثور غضبًا، لم يكن غضبه إلا لأنه يشعر بالحرج الشديد، لطالما كان قائد سرير، لكنَّهُ الآن أقل شأنًا من أصغر بيدق.
نهض عن الفتاة، وأخذ يدور حول نفسه يكاد يجن، والفتاة غطت نفسها بملاءة السرير تقول.
"مولاي؛ ما الخطب؟"
رمقها بعين حمراء، فإزدرئت جوفها بخوف وأشاحت عنه تتجنب نظراته المُخيفة، هو ليس كذلك، هو يعرف نفسه جيدًا، يمكنه أن يدور على نساء حرمه ولن يتعب، لكن ما باله؟!
لا يقدر على إمرأة واحدة حتى!
غزت بعض الأفكار رأسه، ونظر إلى الفتاة التي تختبئ بين الأغطية، صعد على السرير بإحدى ركبتيه، واجتذب الفتاة من ذراعها فشهقت خوفًا.
"أنتِ ماذا فعلتِ لي؟!"
"أنا مولاي؟!"
الفتاة أشارت إلى نفسها بإستنكار وبنبرٍ ضعيف تحدَّثت، فصرخ بها يرمي بها على السرير.
"نعم أنتِ، ماذا فعلتِ بي؟!"
"لم أفعل شيء، أرجوكَ يا مولاي!"
أخذت العقيلة تبكي، فهي خائفة جدًا، قد يقتلها وهو غاضب، وهي لا تستطيع أن تفعل شيء ولن يحاسبه أحد مهما فعل بها، فهو الملك.
أحاط خصرها بساقيه وحاول معها مجددًا ومُجددًا حتى أصبحت ترجوه الفتاة أن يتركها، فهو يعذبها فقط، لم يحدث أيًا مما يريده.
وحينما وجد نفسه عاجزًا ومُحرجًا وغاضبًا في ذات الوقت؛ لم يتحمل وانفجر غاضبًا، وعقيلته النبيلة كانت ضحية بطشه، فأصبح صوت صراخها يملئ الحرم كله، لم يكن صوت متعة بلا ألم ورجوات وإستغاثات.
رايناه كانت قريبة وسمعت كل شيء، لكنَّها لم تظهر، بل سمحت للجميع أن يسمع، ففي الصباح ستكثر النميمة والقيل والقال في هذا الموضوع، ومهما كبر الموضوع أو صغر سيبقى مُفيدًا بالنِّسبةِ لها.
عادت إلى جناحها، ومثلت النوم، تعلم أنَّهُ في نهاية ثورته هذه سيأتي إليها، يشكو بين يديها، ويثبت لنفسه أنَّهُ رجل معها، فوحدها من ستصبر عليه، ولن تُعيّرُه لو خابت فحولته.
وبالفعل؛ لم يُطيل حتى آتى، كان يبدو بأسوء حالاته وأكثرها جنونًا، وهي كانت تسمع صوت حركاته في الجناح حتى أدرك السرير، وأمسك بها من خصرها يديرها إليها تنهدت كما لو أنَّها تستفيق، ثم حينما رأته يعلوها بالفعل تبسَّمت وتحسست وجنته داخل راحة يدها.
"ما بك عزيزي؟! لا تبدو على ما يرام!"
تنهد هو وأخفض رأسه يهمس.
"أشعرُ بالحرج"
عرَّجت حاجبيها، وانسحبت من أسفله تقعد وهو يجلس قِبالتها مُخفِضًا رأسه.
"مِمَ؟!"
تنهد ولم يجب، كيف سيقول لإمرأته شيئًا كهذا؟!
"أنا لا أعرف ما الذي يحصل معي"
"ماذا؟!"
إزدرئ جوفه، وأشار نحو الخارج يقول.
"تلك المحظية، لا أدري ماذا فعلت بي، إن كانت لا تريد أن تكون محظية لِمَ تقدمت إلى هذا المنصب؟!"
لم يُسبَق لرايناه أن رأت تشانيول في هذه الحالة منذ أن تزوجها، لم يسبق له أن كان مُحرجًا خجولًا إطلاقًا... بالفعل الرجال عقولهم صغيرة، فقط فحولته التي ذلَّته.
لم تحتاج للمزيد من الكلمات لتفهم ما يرمي عليه، وهي بالفعل تعلم بأن هذا ما سيحدث له، وفي نفس الوقت تريده أن يكون معها مرتاحًا؛ لتكسبه أكثر وتجعله طوعها.
نهضت على ركبتيها واقتربت منه، عانقت كتفيه وجعلت ذقنها على رأسه تقول.
"لا بأس عزيزي، لا بُد أنك مُنهكًا، واتخذت الأمر على أنه واجب عليك، ليس سبيلًا للمتعة، أنا أعلم أنَّك أقوى من أي معركة تكون فيها، أنتَ ما زلت شابًا يافع وقوي، بالتأكيد هذا مجرد تعب، لا تهلك نفسك بالتفكير"
لم يقتنع بما قالته، لكنه كان من الأفضل له أن يقتنع بدلًا أن تحوم في باله أفكار تُشكِّك في رجولته، لذا قرر أن يقتنع.
"حقًا؟!"
أومأت له وهي تبتسم، ثم فتحت ذراعيها له، كي يندس في حضنها الدافئ، وينال قسطًا من الراحة، وهو فعل كما أرادت، إذ توسَّد صدرها وبربتاتها وهمساتها الحنون وجد نفسه يغرق في النوم لشدة الإنهاك، هو لم يسبق له أن شعر بالإنهاك لهذه الدرجة حتى عندما قاد أحمى المعارك على حدود البلاد وقاد الجيوش.
في الصباح إستيقظت قبله، وسارعت بأمرهم بتجهيز طاولة الإفطار، وهي تعطرت وتزيّنت كما تفعل في بداية كل يوم حتى أستيقظ متأخرًا.
حينما سمعت تنهيدته إقتربت منه تبتسم، وجلست على السرير، وانحنت عليه تمرر أصابعها في خصل شعره الطويلة.
"لقد تأخر الوقت، لكنني لم أسخى بك لأيقظك وأمرتُ بتأجيل إجتماع البلاط، قلت لهم أنَّك محموم، لا تقلق"
تنهد تشانيول براحة وأومئ، ثم إجتذبها من قفا عنقها ليطبع على شفتيها قبلة الصباح، بادلته مُبتسمة فيما تمرر يدها على تضاريس صدره.
"الإفطار جاهز"
أمسكت بيده تحاول جعله ينهض، فطاوعها ونهض رغم أنه لا يملك الشهية ليتناول الطعام، لكن لأجلها سيفعل ما تشاء، فهو يرى مجهودها بفعل الأشياء لإرضائه.
نهض معها إلى الطاولة، سكبت له المياه ورفعت عيدان الطعام تطعمه بنفسها، كانت تبتسم كما أصبحت مؤخرًا، ولم تذكر الأمس في شيء، وذلك أراحه.
بعد إنتهاء الإفطار أتين بعض الخادمات لتوضيب الطعام، وحينما أتين أُخريات لإلباسه رفض، ووكَّل هذه المهمة لزوجته الملكة، التي تقبلتها بإبتسامة أحلى من العسل.
كان يقف أمام المرآة وهي تلبسه ثيابه، لكنه أمسك بيدها حينما أرادت عقد قميصه، وفكّه بدلًا من ذلك، نظرت إليه مبتسمة وهمست.
"ماذا؟ هل آتِ لك بقميص آخر؟"
نفى برأسه، وألصقها بصدره حينما أحاط خصرها بذراعيه يقول.
"لا أريد إلّاكِ الآن، فقط أنتِ!"
تبسمت ونظرت نحو شفتيه التي تزلف منها، وحينما شعرت بنسيج شفتيه على شفتيها أغلقت عيناها، أحاطت عنفه وبادلته تلك القُبلة.
رويدًا رويدًا... وبين القُبلة والأُخرى سحبها إلى السرير، وكما توقعت أراد أن يثبت لنفسه عبرها أنه بخير ولا ضرر فيه.
إستجابت إليه وسمحت له أن يلبسها ولبسته، لم يكن به خطب، وذلك جعله سعيدًا لدرجة أنَّهُ أخذها بحضنه يعانقها ويقبلها ممتنًا.
بعد مُضي الوقت؛ كان تشانيول يسند ظهره على عارضة السرير وهي تجلس في حضنه، كان يمشط شعرها بأصابعه وهي تسترهما بالغطاء ذاته.
"خشيتُ أن بي خطب"
"لا عزيزي؛ لقد كان مجرد إرهاق"
أومئ الآن مُقتنعًا وإلا كيف يفسر قوته الآن؟!
إلتفت له برأسها وقالت.
"سأبعث لك الليلة فتاة أخرى، لدحض الشائعات قبل أن تنتشر"
أومئ لها راضيًا بحكمها، وفيما يحيط خصرها بذراعيه ويطبع قُبلات على عُنقها الذي رسم عليه بشفاهه.
"لكنني لا أريد سواكِ"
رفعت ذقنه من جوف عنقها وطبعت عليه قبلة تقول.
"أعلم عزيزي، لكنك الملك الآن"
...............................
خلال ساعات الفجر وصلت المسيرات الثلاث إلى المقر الجديد، الذي سيمكثون فيه لأجلٍ غير محدود.
إنتشروا إلى حُجرهم، وبعد أن طلعت الشمس واستيقظ الجميع وتناولوا إفطارهم إجتمعوا ذو الشأن منهم في قاعة الإجتماعات في المقر الجديد، تمتلك أثاث مُشابه إلا أن هذا المكان مبنيّ فعلًا وليس كهفًا.
من الخارج يبدو مثل القلعة، يقع على طرف العاصمة قريبًا من الناس وبعيدًا في الآن ذاته، يحرسونه الكثير من الرجال، ولا يجرؤ أحد من الخارج أن يقترب من طُرقاته، فالحديث يدور في المدينة أنَّهُ مقر لأكبر تاجر للمؤن في يوان بأكملها.
إجتمع الخمس حول طاولة خشبية طويلة ومزينة بالشمعدان، القادة الثلاث والملك ووزيره.
"أظن أنَّهُ علينا أن نتصرف قبل حدوث أمر أكبر، بحلول هذا الوقت سيعلم الأمير أن صاحب الجلالة وأفراد عائلته جميعًا أحياء!"
تحدثت هيرم من داعي القلق، صاحب الجلالة تنهد ثم قال.
"إن وصل له الخبر لن تكون الحرب بعيدة، وعلينا الآن جمع الحلفاء ومضايقة تشانيول؛ ليرتكب الكثير من الأخطاء الحمقاء في ساعة غضب وتسرع"
تحدَّث جونغ إن، الذي بالمناسبة لا تعجبه نظرات صاحب الجلالة له مذ أن إلتقيا فجرًا، ولكنه تجاهل تلك النظرات، ولا يظن نفسه سيصمد كثيرًا، وحتى وإن كان الملك لِمَ يرمقه بسخطٍ كلما رآه؟
"أظن أن على صاحب الجلالة، الذي لا أعرف ماذا فعلت له ليرمقني بهذا الإزدراء، ووزيره العبقري المُبجَّل أن يخبرونا ماذا سنفعل، لأننا نحن مقاتلون ولسنا سياسيون"
وخزته هيريم بمرفقها، ظنَّ أنها ستوبخه دون أن تحترم أنه أخاها الكبير للمرة الألف، لكنها بدلًا من ذلك مازحته.
"معكَ حق، نحن بلطجية برابرة ومخربين، لا نجيد سوى قطع الرقاب وسرقة الأموال، لذا سنتبع ما يقوله صاحب الجلالة ووزيره"
وكلاهما نسيا أن سيهون يجلس بينهما، وها هما يُضرَبان على رأسيهما، جونغ إن تذمر ساخطًا من شقيقه، لكن هيريم تحسست قِفا رأسها حيث ضربها مبتسمة الثغر، أخيرًا تفاعل معها شقيقها العنيد.
"تأدبا كلاكما قبل أن أركلكما خارجًا!"
نظرت هيريم نحو بيكهيون، وكأنه بلا كلمات تخبره أنها فقط عادت كلماته، التي لا أساس لها من الصحة، وهو تنهد بغيظ لكن كظمه.
سيصل إلى رقبة هذه المرأة المجنونة لكن لاحقًا، حينما يتفرغ من كل شيء سيحين دورها، هذا ما فكر به طوال الرحلة وصولًا إلى هنا.
تحدث بيكهيون.
"أظن أنه علي السفر إلى الممالك التي ستتحالف معنا"
رفض سيهون حينما قال.
"عُذرًا مولاي، لكن جلالتك وسمو الأمير الصغير لا يمكن أن تخرجا من هنا، حفاظًا على سلامتكما"
إمتعضت معالم بيكهيون ووقف يضرب الطاولة بكفيه قائلًا.
"أتريدني أن أختبئ كالنساء؟! وكيف سوف إسترد مملكتي وعرشي وأنا هنا؟!"
أجابته هيريم.
"نحن سنرده لك جلالتك، وأنت يجب أن تبقى هنا، لأن حياتك ثمينة جدًا ولا يمكن المخاطرة بها!"
"أنا لن أستمع لهذا الهُراء!"
وقف هو غاضبًا، لكن جونغكوك تحدث إليه.
"مولاي، أظنهم محقين، من الأفضل أن تبقى هنا، وأنا سأذهب بدلًا منك"
أومئ سيهون موافقًا واتبع.
"لا يكفي أن تذهب وحدك، عليكَ أن تبرهن أنَّكَ صادق، وأن الملك وولي عهده أحياء"
نظر لهم بيكهيون قائلًا.
"وكيف ذلك؟"
أجابه سيهون.
"سنذهب بثلاث فرق، الوزير جونغكوك، أنا، وأخي جونغ إن، كل منا سيذهب إلى مملكة، وسنأخذ كل واحد منا الأميرتين وجلالة الملكة راهي كإثبات لصحة كلامنا، وهيريم تبقى هنا وجلالتك والأمراء الصغار"
.....................................
يُتبَع...
"الحُب في سيماءه"
"العنقاء|| عودة الملك"
16th/Jun/2021
........................
سلااااااااام
الفصل القادم بعد 150 فوت و200 كومنت.
1.رأيكم بِ:
هيريم؟!
تايهيونغ؟
بيكهيون؟
راهي؟!
تشانيول؟!
رايناه؟!
هل سيوافق بيكهيون على إقتراح سيهون؟
رأيكُم بالفصل ككل و توقعاتكم للقادم؟
دُمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤
بطل:
العنقاء|| The King's Return
"الحُب في سيماءه"
...
تعجز أحيانًا الكلمات عن وصفِ الشعور أو التخفيف من حِدَّته، أحدهم يتألَّم ولا يجود لسانه بوصفِ هذا الألم، وأحدهم يواسي ولا يجود لسانِه بصرفِ المواساة اللّازمة؛ فاللُغة تعجز أمام المشاعر المُربِكة.
الدّائر بين هيريم وتايهيونغ مُذُّ أن إنطلقا بِصُحبةِ تِسعةِ رجالٍ آخرين -هو عاشرهم- الصَّمت والإرتباك والكثير منهُما فقط.
فكيف سيتصرَّف أي منهما بسلوكٍ طبيعي بعدما حدث؟!
هو تقدَّم للزواجِ منها دون أن يسألها أوَّلًا، وهي رفضتهُ بلا أن تمنح طلبه فرصة للتفكير حتى... إذًا كيف يتواجهان؟!
سيهون تصرَّف بِلؤم مع كلاهما حينما وضعهما في الوِحدة ذاتها، هي قائدتُه وهو ساعدها الأيمن.
حتّى بعدما بادرت بالحديث معه أوَّلًا لم تتخلَّل الرّاحة بينهُما؛ لكن تايهيونغ يتملَّكه الفضول، قالت له أنَّها تملكُ أسبابًا لرفضه، وترغب في قولها له.
على هذا توقَّف الحديث؛ ففجأةً؛ رفعت هيريم يدها تقطع الحديث الدّائر بينها وبين تايهيونغ وتصمُت الرِّجال وتأمرُهم بالتوقُّف عن الحركة.
"انصِتوا!"
أنصتَ الجميع كما أمرت، وها هُم يسمعون صوت حيوان برّي قريب، تحرَّكت هيريم قليلًا بِفرسِها تقول.
"لو ما خاب ظنّي فهذا خنزير برّي، بما أنَّهُ آتى بقدميه، دعونا نضُمُّه للمؤن"
"أمرُك سيّدتي!"
ضرَّبت الفرس بقدمها فانطلق يتبعها بقيّة الفُرسان، أخرجت من على ظهرها قوسه وسهمًا، الخنزير لحظهم وأصبح يركض ناحيتهم كأي حيوان برّي همُّه معدتِه؛ لكنَّهُ سقط حينما أصبح سهم هيريم يشُق حلقه.
إقتربت بفرسها منه، تراه يتخبَّط وينزف حتّى خرجت روحه.
"انقلوه إلى الموقع جميعكم، سأتبعكم أنا وتايهيونغ بعد القليل من الوقت"
"أمرُكِ سيّدتي!"
تصرَّف الرِّجال كما قالت، وبقيت هي وتايهيونغ وحدهما يُكملان الجولة على أحصنتهُما، دار الصمتُ بينهما لدقيقتين، ثم مُجدَّدًا هيريم من بادرت بالحديث وعيناها تُنقِّب بالمكان عن قُرب بما تُتيح لها هذه العتمة.
"لم أرفُض الزواج منك لأنَّكَ العريس أو لأنَّني لا أُريد أن أتزوَّج"
إستولت على إهتمامه؛ فنظرَ لها وهي اتبعت.
"إذًا لماذا؟!"
"لأنَّ الوقت غير مُناسب"
لم يدري تايهيونغ ما شعوره الآن، هل شعر بالأرتياح لأنَّها لا ترفضه لشخصه أم شعر بالأستياء لأنَّهُ لو أرادها حقًا عليه الإنتظار للمزيد من الوقت؟!
"ومتى يحين الوقت المُناسب؟!"
برمت شفتيها وحرَّكت كتفيها بجهل مُتنهِّدة.
"لا أدري حقًا متى يحين، قد يكون قريب، قد يكون بعيد... لا أدري"
وتلك الإجابة لم تروي فضوله وهيريم تعلم.
"تعلم؛ الحربُ لإعادة الملك بيكهيون لعرشه لن تستنزف منّا الوقت والمال والجُهد فحسب، ستسهلك منّا الأرواح"
تنهَّدت واتبعت.
"قد أموت في هذه الحرب، قد أُسبى، قد أُفقَد... لا أدري ماذا سيحدث لي من بعدها؛ ولكن ما أعلمه أنَّني سأترك أقل عددًا مُمكن من الناس ليبكوا علي لو حصل لي شيء، ولا أُريدكَ أن تكون منهم"
"لهذا السبب ترفضين الزواج مني؟!"
همهمت هيريم، فتسآل بدوره.
"ولِمَ عليكِ أن تُضحّي بنفسكِ لأجله؟!
لم علينا أن نُضحّي بأنفسُنا لأجلِ ملكٍ طالح؟!"
"لن تكون مجبور أن تُشارك بالحرب، هذه الحرب ستكون تطوعيّة لمن يرغب في الإنضمام إلينا فقط.
وإما لِمَ أُضحّي بنفسي لأجله؛ فأنا أكره أن أكون مُدينة لأحد، ينبغي سدَّ الدَّين مهما كان سداده مُكلِفًا"
إلتفتت إليهِ أخيرًا وتبسَّمت تقول.
"إن بقيتَ عازبًا بإنتظاري إلى ذلك الوقت سأتزوَّجك بلا تردُّد رُغم أنَّني لا أُفضِّل أن تبقى عازبًا بإنتظاري، أُفضِّل أن تجد إمرأة أُخرى تُفضلك عن هذه الحرب وتمضي معك أينما أردت"
منحتهُ أملًا بها؛ لا يُنكِر... لكنَّها في ذات الوقت حطَّمته، وإلا كيف سيشعُر وهو بالنِّسبة لها كخيارٍ مؤجَّل يُمكِن تبديله إلى رَجُل آخر؟!
لكنَّهُ على الأقل ما عاد مجروحًا ومهزوزًا كما كان حينما رفضته... سيتألم بكرامة وإن نسى سيمضي بكرامة ويترك خلفه أثرًا طيّبًا فقط.
"هيا لنعود الآن إلى الموقع"
حرَّكَ حِصانه خلف فرسها عودةً إلى الموقع فيما لا يتكلَّمان... فما زال الوضع حرج لكلاهُما.
...
الملك وبجوارِه وزيره يسيران بين الخيم التي إنتصبت أخيرًا، يدي بيكهيون خلف ظهره كما يسيروا أصحاب الشأن أمثاله، وجونغكوك يسير مُتأخِّرًا عنه خطوة.
"مولاي؟"
همهم بيكهيون فاتبع رفيقه.
"ألا تملك فضولًا حول هؤلاء النّاس؟! ألا ترغب بِمعرِفة كيف إنتهت بهم الدروب إلى هُنا؟!"
"بلى"
"ولِمَ لم تسألهم؟!"
"ما زالوا لا يثقون بي، كيف أسألهم؟!"
توقَّف جونغكوك عن السير يعقد حاجبيه بلا رِضا.
"لكنَّكَ المولى"
إلتفت إليه بيكهيون يُكمِل.
"الذي خذلهم، حكمتُ عليهم بالموت دون أن أُعطيهم الحق في الدفاع عن أنفسهم."
تنهَّد جونغكوك واتبع.
"وقوفهم بِصفِّنا لا يعني أنَّ صفحاتهم بيضاء، لهم أعمال تخريبية كثيرة، عُنف ونهب وسرقة وإبتزاز وتهديد وترويع الآمنين، ولو ضللتُ أعد تُهمهم للغد لن أنتهي يا مولاي"
تنهَّد بيكهيون واتبع سيره فاتبع جونغكوك خُطاه.
"لا جريمة بلا دافع، حينما ختمت على وثيقة إعدامهم ظننتُ أنَّ دافعهم هو التمرُّد فأسميناهم المُتمرِّدين.
هُم مجرمون ولكن دافعهم ليس التمرُّد على سُلطتي، بل لهم دافع آخر"
"رُبَّما لا... قد يكنون يريدون إعادتك لِلحُكم حتى تُخلِّص رِقابهم من الموت"
وقف بيكهيون وخلفه الخيم المنصوبة ورد.
"الهرب مني أو من تشانيول للأبد يحفظ حياتهم أكثر من خوض حرب لأجل إعادتي لعرشي، وهُم لا يثقون بي كفاية ليصدِّقوا أنَّ بإستعادة عرشي نجاتهم من الموت الذي كتبته عليهم"
إلتفت له جونغكوك لا يُصدِّق ما يسمعه.
"مولاي؛ كيف لا يثقون بك وها هم يأخذوننا على مقرِّهم الرَّئيس؟!"
"إنًّهم يكذبون؛ أنا مُتأكِّد بأننا لن نذهب للمقر الرئيسي"
"لا أفهم، ما الذي يجعلك أكيدًا؟!"
"سيثقون بنا طالما أنا بحاجتهم، وحينما لا يعود لي عوز بهم لن يثقوا بي وسيهربوا مني، أنا مُتأكِّد.
هُم لا يتحدثون أمامنا عن إدارتهم، ولا أعدادهم، ولا مواقعهم، حتى الكهف الذي لبثنا فيه لم نستطِع أن نتوغَّل به حسب أوامر القادة، ولم يشرحوا أسبابهم لتكوين هذه الجماعة، ولا نعرف عنهم سوى أشكالهم وأسماءهم"
وبالتفكير في كلامِ الملك؛ وجد جونغكوك أنَّهُ مُحِق.
"إذًا لماذا يقومون بنقلِنا إلى مكانٍ آخر؟!"
"لتوفير أفضل سُبل الراحة لنا، رغم شكوكهم بي هُم حريصين على حمايتي"
"ولِمَ تظن ذلك مولاي؟!"
"لا أدري، لكنَّهم خاطروا بحيواتهم لإنقاذي، وما زالوا يخاطرون، وسوف يخاطرون في المُستقبل أيضًا، وهُم ليسوا حمقى ليخاطروا في حيواتهم لأجلي ثم يقتلوني"
نظر بيكهيون بين الشجر حينما سمع صوت صهيل الأحصنة، رفع نظره وإذ بهم رجال هيريم دونًا عنها وتايهيونغ يحملون خنزير برّيّ وقادمون نحوهم.
تقدَّمَ منهم جلالته يتسآل.
"أين هيريم؟!"
إنحنوا له الرجال، ثم إستقام أحدهم يقول.
"القائدة مع المُجنَّد تايهيونغ مولاي"
شعر بيكهيون بالأستياء؛ ولكي لا يظهره قبض على يديه بالخفاء، لا يفهم ماذا تفعل فتاة في البرّية مع رجل لوحدها، وليس أيُّ رَجُل بل رجل تقدَّم لِخِطبتِها.
لحظ جونغكوك الغضب الذي يلفح صاحب الجلالة، وتسآل يُشتِّت إنتباه المُجنَّدين عن المولى.
"ومن أين لكم بهذا الخنزير؟"
"إصطادتهُ القائدة وأمرتنا أن نحضره"
أومئ لهم جونغكوك فانصرفوا فيما بيكهيون رفع ذقنه إلى السماء وتنهد بِعُمق، لا يدري ما الذي يعجبه بهذه المرأة التي تملك صفرًا من الأنوثة!
كان قد سبق وقرَّر أنَّهُ سيكون بإنتظارِها هُنا حتّى تعود؛ ولكن بما أنَّها تتسكَّع مع إحدى الرِّجال فلا عوز له بالإنتظار.
قصد الخيمة التي خُصِّصت له وللملكة راهي، فلا يمكن أن تبيت إحدى النساء دون رجل في الخيم، وهذا عُرفٌ سائد لدى جماعة القمر الدموي؛ لذا تقرَّرَ أن يتشارك جلالته الخيمة مع ملكته، وأما أطفاله فستحرسهم هيريم؛ فهي بمثابة رجل بالفعل.
كانت راهي تُجهِّز الفِراش حينما آتى بيكهيون، وهي بالفعل بدت مُتفاجئة حينما دخل.
"ظننتُك لن تأتي مولاي!"
"وأيُّ رجل هذا الذي سأسمح له أن يحميكِ بدلًا عنّي؟"
تبسَّمت واستأنفت ما تفعله تقول.
"سأضع لكَ فراشًا ها هُنا إذًا مولاي"
نظر إلى حيث تُشير، فوجد أنَّها تنوي التفريق بينهما بمسافة تتسع لشخص، حينها نفى برأسه وقال.
"لا، ضعيها بجوارِك، وحتى تنتهي سأذهب لتفقد الأطفال وسأعود"
أومأت له راهي وهو خرج ليتفقد أحوال أطفاله.
وفيما يَمُر بخيمتهم؛ سمع جيهان وبيكهي يتكلًّمن.
"أنا أُحِبُّه"
تيبَّسمت قدم بيكهيون عن المُضي، ووقف خارجًا يستمع لِمُحادثتهن دون أن يشعُرن به، وبعدما صرَّحت جيهان بِحُبِّها لأحدهم بيكهي أخذت تخوِّفها وتوبِّخها.
"منجنونة أنتِ؟!
إن علم أبي سيقتُلك، ألا تخافين من أبي؟ أم أنَّ الحُب أعماكِ لدرجةِ أنَّكٍ نسيتِ أنتِ إبنة من؟
حسنًا؛ أنا ما عِدتُ أراهم برابرة همج، نحن نعيش معهم، وهم يحمونا ويحمون والدنا، يطعمونا ويؤونا، لكن أن تقعي في حُبِّ قائدهم أيَّ أنَّكِ ترمين بنفسِك إلى التَّهلُكة، الهلاك على يد أبي قبل الهلاك على يد المُتمرِّد الذي تُحبّينه."
وبيكهيون إستمع لما يكفيه من هذه المُحادثة السفيهة؛ ليعلم ما الوضع الرّاهِن مع بناته.
إقتحمَ الخيمة عليهن؛ فشهقن بِقوَّة وكِدنَ أن يصرُخن لولا أنَّهُ أبوهن، وذلك لم يجعلهن يشعرن بالإرتياح، بل بالخوف أكثر.
وقفن بيكهي وجيهان سريعًا، وحينما إمتدَّت يد بيكهيون ليلتقِف ذراع إبنته جيهان صرخت تختبئ خلف بيكهي وتتوسَّلُه.
"أبي أرجوك أهدأ، أنا آسفة!"
لكن لا يبدو على بيكهيون أنَّهُ سيهدأ قريبًا.
"أهدأ؟! وكيف أهدأ وأنا اسمع ابنتي تقول أنَّها تُحِب بربري مُتمرِّد؟!"
حاولت بيكهي أن تُهدّئه وهي تقف كالحاجز بينه وبين أُختها التي ترتعد خوفًا منه خلفها.
"أبي أرجوك اسمعنا، جيهان لن تفعل شيئًا أنت لا تُريده، إن قُلتَ لا فإذًا لا؛ أليس كذلك جيهان؟!"
سُرعان ما أومأت جيهان برأسِها تقول.
"لن أعصيكَ أبي، أرجوكَ لا تفعل بي شيء سيء!"
دفع بيكهيون ببيكهي بعيدًا فسقطت أرضًا واجتذب جيهان من شعرها الذي يعض عليه بقبضتِه الصلدة، صرخت جيهان صرخة مُدويّة آنذاك، لكنَّها رُغمًا عنها إستمعت له حينما نبس بغضب مُهدِّدًا رُغم ما تبثُّه يده من ألم في رأسها ورغم نحيبها وشهقاتها ورغم إرتجاف بدنها خوفًا منه.
"أليس جونغ إن الذي تُحبّينه؟!"
إزدرئت جوفها واستمرَّت في البُكاء، فشدَّ شعرها أكثر وصاح بها.
"أجيبي!"
صاحت باكية تتمسَّك بيده.
"نعم"
قرَّبها له وهمس لها.
"إذًا أُقسِم لو رأيتُكِ حوله أو رأيتُه حولك سأقتلك، لا تحلمي أن أزوجك من مُجرم مُخرِّب وبربري، تفهمين؟!"
سُرعان ما أجابته.
"أفهم أبي أفهم، أنا آسفة أرجوك، سأفعل ما تُريد، لن أعصيكَ أبدًا!"
أفلت شعرها ودفعها بقوة أرضًا، فسقطت بطريقة مؤلمة تتألَّم بِشدّة، وتبكي بشدة فيما ترمقه بخوف.
وأما والدها؛ فلقد رماها بعبائته ووقف يتنفس بِحدّة وينظر نحو السقف وهو غاضب على آخره، وإبنته تبكي بجنون والأُخرى تُعانقها وتبكي معها.
رمقهن بنظرة غاضبة ومُحذِّرة، ثم خرج من الخيمة، سار بِضع خطوات قليلة، لكن صوتها الأجش من خلفه إستوقفه، وجعله يُنصِت إليها.
"جونغ إن ليس بربريًّا جاهلًا ومُتخلِّف"
إلتفتَ إليها؛ فوجدَ الدمعُ يظفر في عينيها، إقتربت منه وهي تحمل سيفها بيدها وتنظر في عينيه الجاحِدة.
"جونغ إن رَجُلًا نبيل إبن رَجُل نبيل؛ ولكن حُكمِكُم الظّالم من حَطَّ من قدرنا، وجعلنا نعلو الجبال"
إقترب منها يملؤه الغيظ، ولأولِ مرة يجد نفسه يَنُد إمرأة.
"حُكمي الظّالم؟!"
تبسَّمت رُغم أن عينيها تملؤها الدموع، وهمست مُستاءة على آخرها منه.
"افهم ما قُلته كما تشاء جلالتك، لا تنسى أنَّني تمرَّدتُ عليكَ وعلى حُكم أسلافكَ الظّالم، لن يُخيفني التهديد الذي تتضمنَّهُ عيناك!"
إستلَّ منها سيفها وجعله على عُنقها فيما ينبس بنبرة غاضبة رُغم إنخفاضها.
"هل تَظُني لأنني بحمايتكم سأمتنع عن قطعِ رقبتكِ حينما تتواقحي معي؟!"
إقتربت منه بِجُرءة ونصلِ السيف لمس جلد عُنقها بالفعل، ربما إنسابت بضعُ قطرات من الدماء، لا تدري... لكن الغضب لا يجعلها تشعر بأي ألم.
"لم أظن بك شيئًا، لا إحسانًا ولا لؤمًا... وهذا السيف الذي بيدك لي، ولن يخونني!"
سحبت السيف من نِصله منه، ولم تهتم لما أصاب يدها، وبيكهيون وجد نفسه مُتفاجئ من سلوك هذه الفتاة، لم يرى بشجاعتها أحد من قبل، ولا حتى تشانيول.
الجميع يعادونه في الخفاء، لم يواجهه أحد من قبل، ورغم أنَّها فعلت لكن سلوكها معه لا يُعجبُه.
وضعت السيف في غِمده على خصرِها، ثم اتبعت تنظر إليه بجراءة.
"نحنُ لسنا مُخرِّبين، لم نسرق مال أحد، ولم نقتل أحد لا يستحق الموت.
نحنُ المحكمة الذي إلتجئ إليها الشعب بينما محكمة الملك تَموج في الفساد!"
أمسكَ بها من ذراعيها بغضب شديد، ونبس يأمر فيما يرص على أسنانه.
"لو أنَّكِ رَجُلًا لقتلتُكِ، لذا حبَّذا لو تَكُفّي عني وتنصرفي من أمامي قبل أن أتجاهل إعتبار أنَّكِ أُنثى!"
ما تحرَّكت من بين يديه ولو بِنُتفة، ولم تُقاومه، بل تركت أصابعه تنغرز في لحمها كما الإنصال ولا تُبالي، لكنها لم تخف منه، بل لا يخيفها أي شيء.
"لو رفعتَ يدك علي لتضربني لن أمنعك، بل سأخفض رأسي وأطيع جلالتك، لكن سيهون وجونغ إن أغلى علي من نفسي، هُم أغلى علي منك، ولن أسمح لأحد أن يَحُط من شأنِهم واسكت!"
قرَّبها إليه وبإستماته همس يُريدها أن تسكت.
"يكفي، اصمتي ولا تتكلَّمي!"
دفعت بذراعيه عنها واتبعت.
"لا ذنب لأخي لو أحبَّتهُ إبنتك، لقد أخبرتُها أنها تحلم بالمستحيل، وأخي لا ينظر إليها ولن ينظر، فهو لن يُرِد أن يتزوج الأميرة، التي تظنه بربريًا همجيًّا، أحسنت له بحبها، ورفعت من شأنه، هو لن يفعل ولا غيره جلالتك!"
ثم تركته خلفها، ودخلت إلى خيمة أطفاله، حيث من المُفترض أن تنام الليلة، وجدت جيهان تبكي بين يدي أختها، والخوف الذي يعلو وجهيهما يخبر هيريم بلا كلمات كم كانت ردة فعله قاسية.
تنهدت هيريم ووضعت السيف في حجرها بعدما جلست أرضًا، أسندت رأسها على إحدى الأعمدة التي تنصب الخيمة وهمست.
"أخبرتُكِ ألا تحلمي بأخي، مهما حدث لن يكون لكِ!"
أغمضت عيناها رُغم أن قلبها لن ينام، والكلام الذي سمعته صُدفة وهو مع بناته ما زال له رنين في أذنها، لا تود أن تقول الكلمة لكنه ناكر للجميل بالفعل.
...
وَلَجَ بيكهيون إلى خيمته، كانت راهي تجلس في الفِراش بإنتظاره، لكنَّها حينما رأت ملامحه غاضبة رُغَم كظمه نهضت تتفقَّده بِقلق دون أن تلمسه، فقط سألته فيما يُفرِّق عنها بمسافة.
"جلالتُك؛ ما الذي يُزعجك؟!"
نظر لها، ثم نظر إلى المسافة التي تتركها بينهما فضحك فاهه مُستاءً، إقترب منها فابتعدت بمثلِ ما اقترب.
إزداد إنزعاجًا؛ إذ قبض على ذراعها وجذبها حتى إصطدمت بصدرِه تُفغِر شهقة.
"لِمَ تبتعدي؟ خائفة مني؟"
أخفضت رأسها دون أن تُجيبه بلسانها، لكن سلوكها أجابه، زفر مُخيَّبًا وأفلت يدها.
تحرَّك ناحية الفراش، سيندَسُ به وغدًا سيُفكِّر بأي شيء آخر، ومن ضمن الأشياء ما قالته هيريم، لكن راهي إقتربت واندسَّت بجانبه.
يدها إرتفعت بتردُّد، خصوصًا وأنَّ عينه تترقَّب أين ستحُط يدها، إزدرئت جوفها وقررَّت أن تُخاطِر وأيّاه.
وضعت يدها على وجهه، وبإبهامها مسَّدت وجنته.
"أكذب إن قُلت أنَّني لا أخاف منك، لكنَّكَ لم تسمح لي أن أقترب منكَ مُذُّ أن حملتُ بلي جون، ظننتُ أنَّني ممنوعة من لمسك، أو التحدُّث معك، أو حتى النوم بِقُربك كما أفعل الآن"
وكلام راهي لا يساعده ليطمئن ويرتاح بل يزيده همًّا، أبعد يدها عن وجنته وقعد على الفراش، فقلَّدته بقلق.
"مولاي، هل أنتَ غاضب مني؟!"
نظر لها وتسآل.
"هل أنا ملكٌ ظالم وأنا لا أدري؟!"
سُرعان ما نفت برأسها، وبوِدِّها لو تجرؤ أن تُمسك بوجنتيه أو بيديه وتواسيه أفضل، لكنَّها تخشى ألا يُحب طُرقها، فلجأت إلى مواساته دون ملامسته.
"لا مولاي، لستَ ظالم!
لطالما خدمتَ شعبك بتفاني، واستهلكت وقتك وصحة بدنك لحمايتهم، أنت تُكافح منذ شعرين سنة لأجلهم، ولم تتهرب يومًا من مسؤولياتك، أو توكلها لأحد آخر، أو تتهرب منها، أنت ملك عادل ورائع"
أفتر وابتسم بخيبة ثم عاد ليتمدد.
"لو الحق ما تقولينه لما خلعوني، لما كنتَ هنا!"
تنهَّدت راهي فيما تنظر إلى تقاسيمه شاهقة الوسامة.
"مولاي، إثارة الفتن في النفوس مثل الحُكم ظُلمًا بقطعِ الرؤوس... لطالما سُميتَ بالملك الشّاب العادل، لم ينظر لك أحد بغيرِ قالب حتى ثارت الفِتن، أنتَ ملكٌ رائع"
نظر لها بيكهيون بصمت، للأسفِ لم يَكُ يعرف زوجاته وعقيلاته وحتى محظياته، كان يقضي معهن الليالي الحافلة بالجسد وفقط، لم يُفكِّر مرة بأن يتحدَّث إليهن، الآن حقًا يرى نفسه عاهلًا ظالمًا ولو بحقِّ نِسائه.
كانت تقعُد على الفراش وهي تنظر إليه، لكنَّها تفاجئت به يُمسك يدها التي بحِجرها، ثم يجتذبها بقوّة حتى سقطت عليه تشهق، حاولت النهوض وهي تعتذر، لكنَّه تمسَّك بخصرِها يمنعها من الإبتعاد عنها.
أسهمت النظر إليه وأسهم إليها، ويدها التي على صدره أمسك بها، ثم اجتذبها من قفا عُنقها نحوها، وما لم تتوقعه راهي أن يحدث يومًا ها هو يحدث؛ إذ دمج شفتيهما في قُبلة ويدها كمشت على رداءه تتردَّد في مُبادلته، لكنها حينما إستجمعت شجاعتها وقبَّلته إبتسم أثناء القُبلة وجعلها أرضًا وهو يعلوها.
وكانت تلك المرة الأولى التي يحب فيها إمرأة غير ناري، وكان عليه أن يفعل من قبل، لأن لنسائه عليه حق حتى لو كانت إحداهن تملك قلبه، ما كان عليه أن يعامل البقيّة بجفاء.
...
في الصباح الباكر؛ كانت هيريم تتفقَّد أمن المكان فيما الآخرين يخلعون الخيم والنساء يطهين الإفطار.
خرج بيكهيون بمزاجٍ طيّب من خيمته، لكنَّه حينما رأى هيريم من بعيد؛ تقف في زي المُحاربين هذا، وتُلقي الأوامر على هذا وذاك؛ تعكَّر مزاجه واستذكر كلامها من الأمس، تحديدًا حينما أشارت أنَّ لا أحد من جماعتهم سيرضى أن يرتبط بأحد من عائلته، شعر وكأنَّها تتحدَّث عن نفسها وعنه، وهذا ما جعله يغتاظ جدًا لمجرد رؤيتها في الجِوار.
وهي رأته من بعيد ينظر إليها، لكنها تجاهلته كما لو أنَّهُ لا ينظر وسيَّرت أمور جماعتها، إجتمع الجميع على الطعام، العائلة المالكة يأكلون وحدهم فوق منصة خشبيّة، والبقية يلتفّون مجموعات أرضًا ويتناولون الطعام، وأما هيريم وتايهيونغ فكانا يسيران معًا حول جماعتهم؛ لحراستهم من أي شيء قد يحدث.
لاحظ تايهيونغ معالمها المُقتضبة من أولِ الصباح، فتشجَّع ليُبادر بالسؤال.
"هل لديكِ ما يُغضبك؟!"
تنهدت هيريم وأومأت.
"في الحقيقة نعم، لكنني لن أُخبركَ أنتَ تحديدًا، في الحقيقة أُفضِّل أن أحتفظ بالأمر لنفسي"
عكَّر حاجبيه مُتسآلًا.
"لِمَ؟!"
لم تمنحه إجابة، بل طبطبت على كتفه حينما رأت معالمه تمتلئ سخطًا لأجلها، هو بالفعل يسخط على الملك وأفراد أسرته، كيف لو أخبرته ما يزعجها؟!
وفيما يتحدَّثان هيريم لمحت ظِل رجل ينعكس على الأرض قريبًا من إحدى الأشجار، تصرَّفت بطبيعية، وأخرجت سهمها وقوسها تظفِّرُهما، فيما تبتسم وتتحدَّث مع تايهيونغ، وكأنها لا ترى شيئًا.
"كيف حال أختكَ مع أخي؟! هل يُحسن لها؟!"
تبسَّم تايهيونغ وأجابها.
"لقد مدحته"
أومأت فيما تبتسم، ثم بحركة خاطفة صوبت السهم نحو صاحب الظل، وأطلقت عليه قبل أن يُحرِّك نفسه ثم صاحت.
"احموا الملك وعائلته والنساء!"
سُرعان ما نفَّذ الرجال أمرها دون أن تُثار الفوضى، قسم منهم ظلَّ لحماية العاهل، وعائلته، والنساء، وقسم منهم لاحقها.
استل بيكهيون سيفه، وحمل نفسه يجمع أفراد عائلته خلفه، زوجته، وأطفاله الخمس، تجمع من حوله بعض الرجال، وأحدهم تحدَّث.
"مولاي لا تقلق نحن سنحميكَ وعائلتك!"
همس وهو ينظر في كل جهة.
"لا أشكُ في ذلك، لكنني لا أختبئ خلف سيف أحد!"
وأما هيريم تبعها تايهيونغ وبعض الرجال الآخرون، لملاحقة من تجسسوا عليهم، كانوا كُثر هؤلاء الجواسيس، لكن ليسوا أكثر من جماعة القمر الدموي ولا أكثر شجاعة.
اطلقت سهمًا حينما رأت رجل، أصابته وهبَّ عليها رجلًا آخر تعلَّق في الشجرة أعلاها، وظنَّ أنها أسهل خصم فاختارها خصمًا، وهبَّ رجال آخرون وابتدأ قِتالٌ حامي الوطيس بين الطرفين.
إذ سرعان ما صدَّت هيريم سيفه بقوسها، وانحنت سريعًا تتجنَّب ضربة أخرى، ثم ركلته في صدره فتراجع عنها كثيرًا.
أخرجت سيفها فيما هو يعود ليقاتلها يقول بنبرةٍ كريهة.
"إمرأة صغيرة تُقاتلني! يا للعار!"
صدَّت سيفه وشقَّت ذراعه بسيفها.
"العار سيلبسكَ أنت حينما تنتهي أسيرًا لي أو رجُلًا ضعيفًا قتلته!"
تبسَّم بإغترار يهاجمها.
"تحلمين!"
"سنرى من يحلم"
هاجمته بخِفة حركتها وهاجمها بقوّة بدنه، رفع السيف ليضرب به عنقها، لكنَّها صدَّته وشرخت له صدره بِجُرحٍ عرضي، فوقع أرضًا.
دهست على صدره بقدمها، فوق جُرحه تحديدًا وهمست.
"ألستَ إحدى رجال الأمير تشانيول؟!"
صحَّح لها رُغم وجعه.
"الملك تشانيول"
"وما الذي آتى بك إلى هنا؟!"
تبسَّم ثغره رغم أن الدماء تسيل منه، وهمس يُثير سخطها.
"لنُسبيكِ، وتصبحين محظيّة للملك، وتسهري في حُضنه أيَّتُها المتمردة الحسناء!"
غرزت السيف في قلبه، فشهق بقوة واتسعت عينيه، ما توقع أن تُقدِم على قتله فعلًا، لكنَّهُ فارق سريعًا، ما كان عليه أن يُثير سخطها بهذا الكلام.
لو قال "لقتلك" بدل "سَبيك" لما قتلته، بل لأبقت على حياته، ليست هي من تُسبى وتُصبح دُمية أحد الرجال في لياليه العابرة مهما بلغ من قوة.
تنهدت وانحنت تجلس القُرفصاء قُربه تنتزع السيف منه.
"لم تعجبني نبرة صوتك ولا إبتسامتك، تبدو بشعًا!"
إنتهى على هذا الحال القِتال، قُتِل معظمهم، أُسِرَ آخرون، وقليلون الذين إستطاعوا الهروب من قبضتهم.
عادت هيريم إلى الجماعة وأطلقت أوامرها.
"تحرَّكوا سريعًا، سنترك كل شيء لم نوضبه بعد خلفنا ونمضي، احرصوا ألا نترك شيء يكشف هوياتكم وسريعًا إلى الأحصنة!"
تجاوزت هيريم عن خلافها مع صاحب الجلالة، واقتربت منه تتسآل بنبرة هادئة.
"أنتَ بخير جلالتك؟!"
نظر إلى أطفاله وزوجته يطمئن عليهم، ثم أومئ متنهدًا، كان لي جون على ذراع بيكهيون وبناته التؤام يتمسكن بساقيه، والثلاثة الصغار يبكون في حضنه، فيما زوجته وابنتيه الكبيرتين خلف ظهره.
"نحن بخير!"
نظرت إلى لي جون وهي يُخبئ رأسه في عُنق والده.
"لقد حاربنا الأشرار وعاقبنهم، لم يبقى منهم أحد؛ فالخيرُ دائمًا أقوى من الشر!"
نظر لها أطفاله الثلاث، يبحثون عن شيء يطمئنهم ويخبرهم أنهم بآمان، إبتسمت لهم وقالت.
"لا تقلقوا، زال الخطر"
تحدث لي جون.
"أي أننا لن نموت؟!"
سُرعان ما نفت برأسها تقول.
"لن تموت أبدًا سموك، طالما نحن الكبار موجودين سنحمي الصغار دومًا"
همست إحدى بناته الصغيرات.
"حقًا؟!"
أومأت لها هيريم تبتسم.
"نعم، والآن سنذهب لمكانٍ جميل، به الكثير من الألعاب من أجلكم، لكن إن خفتم لن نذهب وسنبقى هنا"
سُرعان ما أفلتوا الصغار والدهم وركضوا لها يتمسكون بها.
"لا أيتُها القائدة، سوف لن نكون خائفين بعد الآن!"
ربَّتت على رؤوسهم وهي تبتسم.
"أحسنتم، والآن هيا إلى العربة لنغادر"
تحمَّس الأطفال وركضوا إلى العربة، وأما هيريم فانحنت للملك، ثم تحركت من أمامه.
سُرعان ما تحرَّكت المسيرة مُغادرة، وعلى غيرِ ما كانوا عليه الأمس؛ كانت المسيرة مُسرِعة، كان حصان بيكهيون على يمين فرس هيريم، سألها.
"من كانوا هؤلاء؟"
" رجال الأمير تشانيول"
تسآل جونغكوك وقد شعرت هيريم بالقلق في نبرته.
"وكيف علموا عن مكاننا؟!
أيُعقل أن يكون هناك خائن بالجماعة؟!"
أجابته دون أن يرف لها جفن.
"إحتمال أن يكون هناك خائن بين رجالي بعيد جدًا عن الواقع"
بيكهيون لم يحس بأن كلامها منطقي إطلاقًا، فقبض حاجبيه يتسآل.
"ولِمَ قد لا يكون؟! ما الضمانة على إخلاصهم جميعًا فردًا فردًا؟!"
تبسَّمت هيريم، تتفهم ردود الأفعال التي تستنكر بقوة هذه.
"نحنُ لم نُنقذ ضباع قد تغدر بنا، حرصنا ألا ننقذ سوى الذئاب، والذئاب لا تخون"
إستنكر جونغكوك مُجدَّدًا.
"نُنقِذ؟!"
وبيكهيون اتبع بسؤال آخر.
"ماذا تعني ب"ننقذ"؟"
تبسَّمت تقول.
"هذه أسرار الجماعة التي لا يمكن إفشاءها لأحد"
إرتفع حاجب بيكهيون ورمق جونغكوك، لقد صدق بيكهيون حينما قال أنهم لا يثقوا بهم.
.........................................
ليلًا في القصرِ الملكي...
تغيرت حياة تشانيول كُليًّا بعدما أصبحَ الملك، تحقَّقت له أُمنيات سعيدة، أهمها أنَّ قلب رايناه أصبح معه أخيرًا... يكاد لا يصدق.
أو من الأفضل القول أن الفرحة من جعلته يُصدِّق سريعًا دون أن يتأكد، صدَّق لأنه يريد أن يصدق.
الليلة؛ وبعدما إختارت له رايناه محظيّات من عائلاتٍ كبيرة ونبيلة في المملكة ؛تقرَّر أن يقضي ليلته مع واحدة منهن إختارتها له رايناه لهذه الليلة تحديدًا.
دخل تشانيول إلى جناحه بعدما أنهى مهامه لليوم وغابت الشمس منذ وقت طويل، صبَّ لنفسهِ كأسًا من الخمر الذي وضِعَ على الطاولة، وبدَّل ثيابه مُكتفيًّا ببنطاله الأبيض من الحرير الخالص.
وبينما يقف ويحتسي من شرابه، أعلن حارس بوابة الجناح أن محظيته لهذه الليلة أصبحت خلف الباب.
"أدخلها"
هو بالفعل لم يكن متحمسًا لهذه الليلة ولم يردها، لكن رايناه أصرَّت عليه كثيرًا، تقول أن هذه واجبات الملك في حرم النساء، وعليه تلبيتها، وهي لن تنزعج ما دام قلبه معها.
دخلت الفتاة مُزيّنة كأي محظية وجب عليها تسلية رجل طيلة الليل، وإعطاه حصة من المُتعة التي لن تُنسى -بالنسبة إليها فقط-.
أشار لها تشانيول أن تقترب دون أن يتكرم عليها بأي نظرة تحمل الوِد، وهي إقتربت كما أمر، أشار لها نحو عبائتها قائلًا.
"اخلعي هذه!"
"أمرُكَ مولاي!"
فعلت كما أُمِرَت، وهو أخذ يتطلع على مُنحنيات جسدها وتفاصيله من خلف الثياب، دفع كل ما بالكأس في حلقه، ثم وضعه فوق الطاولة يُشير إليها بالإقتراب منه أكثر.
توترت الفتاة، وشعرت وكأن قلبها سيغادر صدرها قريبًا لكثرةِ ما نبض بجنون.
رفع شعرها عن رقبتها، وبلا أي مقدمات بدأ يلثمها، الفتاة آنَّت ثم قضمت شفاهها وتمسَّكت بكتفه، وهو تولى خلع بقية الرداء وفرشها على فراشه وإفتراشها.
لكن شيئًا ما لا يسير على ما يرام، الفتاة كانت عذراء لاتفهم ما باله ولِمَ بدأ يثور غضبًا، لم يكن غضبه إلا لأنه يشعر بالحرج الشديد، لطالما كان قائد سرير، لكنَّهُ الآن أقل شأنًا من أصغر بيدق.
نهض عن الفتاة، وأخذ يدور حول نفسه يكاد يجن، والفتاة غطت نفسها بملاءة السرير تقول.
"مولاي؛ ما الخطب؟"
رمقها بعين حمراء، فإزدرئت جوفها بخوف وأشاحت عنه تتجنب نظراته المُخيفة، هو ليس كذلك، هو يعرف نفسه جيدًا، يمكنه أن يدور على نساء حرمه ولن يتعب، لكن ما باله؟!
لا يقدر على إمرأة واحدة حتى!
غزت بعض الأفكار رأسه، ونظر إلى الفتاة التي تختبئ بين الأغطية، صعد على السرير بإحدى ركبتيه، واجتذب الفتاة من ذراعها فشهقت خوفًا.
"أنتِ ماذا فعلتِ لي؟!"
"أنا مولاي؟!"
الفتاة أشارت إلى نفسها بإستنكار وبنبرٍ ضعيف تحدَّثت، فصرخ بها يرمي بها على السرير.
"نعم أنتِ، ماذا فعلتِ بي؟!"
"لم أفعل شيء، أرجوكَ يا مولاي!"
أخذت العقيلة تبكي، فهي خائفة جدًا، قد يقتلها وهو غاضب، وهي لا تستطيع أن تفعل شيء ولن يحاسبه أحد مهما فعل بها، فهو الملك.
أحاط خصرها بساقيه وحاول معها مجددًا ومُجددًا حتى أصبحت ترجوه الفتاة أن يتركها، فهو يعذبها فقط، لم يحدث أيًا مما يريده.
وحينما وجد نفسه عاجزًا ومُحرجًا وغاضبًا في ذات الوقت؛ لم يتحمل وانفجر غاضبًا، وعقيلته النبيلة كانت ضحية بطشه، فأصبح صوت صراخها يملئ الحرم كله، لم يكن صوت متعة بلا ألم ورجوات وإستغاثات.
رايناه كانت قريبة وسمعت كل شيء، لكنَّها لم تظهر، بل سمحت للجميع أن يسمع، ففي الصباح ستكثر النميمة والقيل والقال في هذا الموضوع، ومهما كبر الموضوع أو صغر سيبقى مُفيدًا بالنِّسبةِ لها.
عادت إلى جناحها، ومثلت النوم، تعلم أنَّهُ في نهاية ثورته هذه سيأتي إليها، يشكو بين يديها، ويثبت لنفسه أنَّهُ رجل معها، فوحدها من ستصبر عليه، ولن تُعيّرُه لو خابت فحولته.
وبالفعل؛ لم يُطيل حتى آتى، كان يبدو بأسوء حالاته وأكثرها جنونًا، وهي كانت تسمع صوت حركاته في الجناح حتى أدرك السرير، وأمسك بها من خصرها يديرها إليها تنهدت كما لو أنَّها تستفيق، ثم حينما رأته يعلوها بالفعل تبسَّمت وتحسست وجنته داخل راحة يدها.
"ما بك عزيزي؟! لا تبدو على ما يرام!"
تنهد هو وأخفض رأسه يهمس.
"أشعرُ بالحرج"
عرَّجت حاجبيها، وانسحبت من أسفله تقعد وهو يجلس قِبالتها مُخفِضًا رأسه.
"مِمَ؟!"
تنهد ولم يجب، كيف سيقول لإمرأته شيئًا كهذا؟!
"أنا لا أعرف ما الذي يحصل معي"
"ماذا؟!"
إزدرئ جوفه، وأشار نحو الخارج يقول.
"تلك المحظية، لا أدري ماذا فعلت بي، إن كانت لا تريد أن تكون محظية لِمَ تقدمت إلى هذا المنصب؟!"
لم يُسبَق لرايناه أن رأت تشانيول في هذه الحالة منذ أن تزوجها، لم يسبق له أن كان مُحرجًا خجولًا إطلاقًا... بالفعل الرجال عقولهم صغيرة، فقط فحولته التي ذلَّته.
لم تحتاج للمزيد من الكلمات لتفهم ما يرمي عليه، وهي بالفعل تعلم بأن هذا ما سيحدث له، وفي نفس الوقت تريده أن يكون معها مرتاحًا؛ لتكسبه أكثر وتجعله طوعها.
نهضت على ركبتيها واقتربت منه، عانقت كتفيه وجعلت ذقنها على رأسه تقول.
"لا بأس عزيزي، لا بُد أنك مُنهكًا، واتخذت الأمر على أنه واجب عليك، ليس سبيلًا للمتعة، أنا أعلم أنَّك أقوى من أي معركة تكون فيها، أنتَ ما زلت شابًا يافع وقوي، بالتأكيد هذا مجرد تعب، لا تهلك نفسك بالتفكير"
لم يقتنع بما قالته، لكنه كان من الأفضل له أن يقتنع بدلًا أن تحوم في باله أفكار تُشكِّك في رجولته، لذا قرر أن يقتنع.
"حقًا؟!"
أومأت له وهي تبتسم، ثم فتحت ذراعيها له، كي يندس في حضنها الدافئ، وينال قسطًا من الراحة، وهو فعل كما أرادت، إذ توسَّد صدرها وبربتاتها وهمساتها الحنون وجد نفسه يغرق في النوم لشدة الإنهاك، هو لم يسبق له أن شعر بالإنهاك لهذه الدرجة حتى عندما قاد أحمى المعارك على حدود البلاد وقاد الجيوش.
في الصباح إستيقظت قبله، وسارعت بأمرهم بتجهيز طاولة الإفطار، وهي تعطرت وتزيّنت كما تفعل في بداية كل يوم حتى أستيقظ متأخرًا.
حينما سمعت تنهيدته إقتربت منه تبتسم، وجلست على السرير، وانحنت عليه تمرر أصابعها في خصل شعره الطويلة.
"لقد تأخر الوقت، لكنني لم أسخى بك لأيقظك وأمرتُ بتأجيل إجتماع البلاط، قلت لهم أنَّك محموم، لا تقلق"
تنهد تشانيول براحة وأومئ، ثم إجتذبها من قفا عنقها ليطبع على شفتيها قبلة الصباح، بادلته مُبتسمة فيما تمرر يدها على تضاريس صدره.
"الإفطار جاهز"
أمسكت بيده تحاول جعله ينهض، فطاوعها ونهض رغم أنه لا يملك الشهية ليتناول الطعام، لكن لأجلها سيفعل ما تشاء، فهو يرى مجهودها بفعل الأشياء لإرضائه.
نهض معها إلى الطاولة، سكبت له المياه ورفعت عيدان الطعام تطعمه بنفسها، كانت تبتسم كما أصبحت مؤخرًا، ولم تذكر الأمس في شيء، وذلك أراحه.
بعد إنتهاء الإفطار أتين بعض الخادمات لتوضيب الطعام، وحينما أتين أُخريات لإلباسه رفض، ووكَّل هذه المهمة لزوجته الملكة، التي تقبلتها بإبتسامة أحلى من العسل.
كان يقف أمام المرآة وهي تلبسه ثيابه، لكنه أمسك بيدها حينما أرادت عقد قميصه، وفكّه بدلًا من ذلك، نظرت إليه مبتسمة وهمست.
"ماذا؟ هل آتِ لك بقميص آخر؟"
نفى برأسه، وألصقها بصدره حينما أحاط خصرها بذراعيه يقول.
"لا أريد إلّاكِ الآن، فقط أنتِ!"
تبسمت ونظرت نحو شفتيه التي تزلف منها، وحينما شعرت بنسيج شفتيه على شفتيها أغلقت عيناها، أحاطت عنفه وبادلته تلك القُبلة.
رويدًا رويدًا... وبين القُبلة والأُخرى سحبها إلى السرير، وكما توقعت أراد أن يثبت لنفسه عبرها أنه بخير ولا ضرر فيه.
إستجابت إليه وسمحت له أن يلبسها ولبسته، لم يكن به خطب، وذلك جعله سعيدًا لدرجة أنَّهُ أخذها بحضنه يعانقها ويقبلها ممتنًا.
بعد مُضي الوقت؛ كان تشانيول يسند ظهره على عارضة السرير وهي تجلس في حضنه، كان يمشط شعرها بأصابعه وهي تسترهما بالغطاء ذاته.
"خشيتُ أن بي خطب"
"لا عزيزي؛ لقد كان مجرد إرهاق"
أومئ الآن مُقتنعًا وإلا كيف يفسر قوته الآن؟!
إلتفت له برأسها وقالت.
"سأبعث لك الليلة فتاة أخرى، لدحض الشائعات قبل أن تنتشر"
أومئ لها راضيًا بحكمها، وفيما يحيط خصرها بذراعيه ويطبع قُبلات على عُنقها الذي رسم عليه بشفاهه.
"لكنني لا أريد سواكِ"
رفعت ذقنه من جوف عنقها وطبعت عليه قبلة تقول.
"أعلم عزيزي، لكنك الملك الآن"
...............................
خلال ساعات الفجر وصلت المسيرات الثلاث إلى المقر الجديد، الذي سيمكثون فيه لأجلٍ غير محدود.
إنتشروا إلى حُجرهم، وبعد أن طلعت الشمس واستيقظ الجميع وتناولوا إفطارهم إجتمعوا ذو الشأن منهم في قاعة الإجتماعات في المقر الجديد، تمتلك أثاث مُشابه إلا أن هذا المكان مبنيّ فعلًا وليس كهفًا.
من الخارج يبدو مثل القلعة، يقع على طرف العاصمة قريبًا من الناس وبعيدًا في الآن ذاته، يحرسونه الكثير من الرجال، ولا يجرؤ أحد من الخارج أن يقترب من طُرقاته، فالحديث يدور في المدينة أنَّهُ مقر لأكبر تاجر للمؤن في يوان بأكملها.
إجتمع الخمس حول طاولة خشبية طويلة ومزينة بالشمعدان، القادة الثلاث والملك ووزيره.
"أظن أنَّهُ علينا أن نتصرف قبل حدوث أمر أكبر، بحلول هذا الوقت سيعلم الأمير أن صاحب الجلالة وأفراد عائلته جميعًا أحياء!"
تحدثت هيرم من داعي القلق، صاحب الجلالة تنهد ثم قال.
"إن وصل له الخبر لن تكون الحرب بعيدة، وعلينا الآن جمع الحلفاء ومضايقة تشانيول؛ ليرتكب الكثير من الأخطاء الحمقاء في ساعة غضب وتسرع"
تحدَّث جونغ إن، الذي بالمناسبة لا تعجبه نظرات صاحب الجلالة له مذ أن إلتقيا فجرًا، ولكنه تجاهل تلك النظرات، ولا يظن نفسه سيصمد كثيرًا، وحتى وإن كان الملك لِمَ يرمقه بسخطٍ كلما رآه؟
"أظن أن على صاحب الجلالة، الذي لا أعرف ماذا فعلت له ليرمقني بهذا الإزدراء، ووزيره العبقري المُبجَّل أن يخبرونا ماذا سنفعل، لأننا نحن مقاتلون ولسنا سياسيون"
وخزته هيريم بمرفقها، ظنَّ أنها ستوبخه دون أن تحترم أنه أخاها الكبير للمرة الألف، لكنها بدلًا من ذلك مازحته.
"معكَ حق، نحن بلطجية برابرة ومخربين، لا نجيد سوى قطع الرقاب وسرقة الأموال، لذا سنتبع ما يقوله صاحب الجلالة ووزيره"
وكلاهما نسيا أن سيهون يجلس بينهما، وها هما يُضرَبان على رأسيهما، جونغ إن تذمر ساخطًا من شقيقه، لكن هيريم تحسست قِفا رأسها حيث ضربها مبتسمة الثغر، أخيرًا تفاعل معها شقيقها العنيد.
"تأدبا كلاكما قبل أن أركلكما خارجًا!"
نظرت هيريم نحو بيكهيون، وكأنه بلا كلمات تخبره أنها فقط عادت كلماته، التي لا أساس لها من الصحة، وهو تنهد بغيظ لكن كظمه.
سيصل إلى رقبة هذه المرأة المجنونة لكن لاحقًا، حينما يتفرغ من كل شيء سيحين دورها، هذا ما فكر به طوال الرحلة وصولًا إلى هنا.
تحدث بيكهيون.
"أظن أنه علي السفر إلى الممالك التي ستتحالف معنا"
رفض سيهون حينما قال.
"عُذرًا مولاي، لكن جلالتك وسمو الأمير الصغير لا يمكن أن تخرجا من هنا، حفاظًا على سلامتكما"
إمتعضت معالم بيكهيون ووقف يضرب الطاولة بكفيه قائلًا.
"أتريدني أن أختبئ كالنساء؟! وكيف سوف إسترد مملكتي وعرشي وأنا هنا؟!"
أجابته هيريم.
"نحن سنرده لك جلالتك، وأنت يجب أن تبقى هنا، لأن حياتك ثمينة جدًا ولا يمكن المخاطرة بها!"
"أنا لن أستمع لهذا الهُراء!"
وقف هو غاضبًا، لكن جونغكوك تحدث إليه.
"مولاي، أظنهم محقين، من الأفضل أن تبقى هنا، وأنا سأذهب بدلًا منك"
أومئ سيهون موافقًا واتبع.
"لا يكفي أن تذهب وحدك، عليكَ أن تبرهن أنَّكَ صادق، وأن الملك وولي عهده أحياء"
نظر لهم بيكهيون قائلًا.
"وكيف ذلك؟"
أجابه سيهون.
"سنذهب بثلاث فرق، الوزير جونغكوك، أنا، وأخي جونغ إن، كل منا سيذهب إلى مملكة، وسنأخذ كل واحد منا الأميرتين وجلالة الملكة راهي كإثبات لصحة كلامنا، وهيريم تبقى هنا وجلالتك والأمراء الصغار"
.....................................
يُتبَع...
"الحُب في سيماءه"
"العنقاء|| عودة الملك"
16th/Jun/2021
........................
سلااااااااام
الفصل القادم بعد 150 فوت و200 كومنت.
1.رأيكم بِ:
هيريم؟!
تايهيونغ؟
بيكهيون؟
راهي؟!
تشانيول؟!
رايناه؟!
هل سيوافق بيكهيون على إقتراح سيهون؟
رأيكُم بالفصل ككل و توقعاتكم للقادم؟
دُمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤
Коментарі