ما قبل الإحتراق
CH1||سياسة التَّمرُّد
CH2||الملك أيضًا أب
CH3||بِدء التنفيذ
CH4||كرامة الملك
CH5||تأثير الفراش
CH6||اسم الملك
CH7||الإمبراطور
CH8||نِصف قمر دموي
CH9||على حافة الهاوية
CH10||العرش يهتز
CH11||عصر من الظلام
CH12||قلبي يتمزَّق
CH13||جِراحُ المَلِك
CH14||العنقاء إحترق
CH15||شرانق عواطف
CH16||إبنة الكهوف
CH17|| الحب في سيماءه
CH18|| القلوب تبكي
CH19||الحيرة والحب
CH20|| المُفارقات
CH21|| البطلة
CH22||سيّدة التَّفرُّد
CH23||شُعلات حُب وحرب
CH24||كش ملك
CH25||خيبة
CH26||الحُب والحرب
CH27||ساعة الحِساب
CH28||عجز
CH29|| مُنكسرة الفؤاد
CH30||زمهرير
CH2||الملك أيضًا أب
بيون بيكهيون (الإمبراطور)

بَطَل:

العَنقاء|| The King's Return

"المَلِك أيضًا أَب"



لَبسَت السماء ثوبها الأسود الإحتفاليّ بنجومٍ كثيرة وبدرٍ مُنير، أنوار القصر المَلَكيّ تُرى من بعيد، فلقد خُصَّ القصر بالبهاء الوضّاء والضيّاء الذي لا يُظاهى، إنه أجمل تُحف فنِّ العِمارة في إمبراطورية يوان بأجمعها.

كان الإمبراطور يقف في مُنتصف الحَرم؛ الحَرم النسائي الذي يجمع كُل نِسائه، من ملكات، محظيّات بِرُتَب، ومحظيّات من العبيد والهدايا، ولا يُمكِن لِرَجُلٍ غَيره أن يدخُل الحرم مهما كانت الظروف.

ينتصف ساحة الحرم العُشبيّة بركة مياه جميلة، تعلوها الجسور القصيرة والتراريس المُعلّقة، يعيش بها بعض البجع الأسود والأوِز الأبيض؛ وذلك لأن الأُمراء الصِّغار يحبون العناية بهذهِ الحيوانات.

كان يقف دون حاشيته فوق الجِسر، وينظر إلى السماء بعينيه البهيَّتين، ملامحه صافيّة، ما بها أيُّ تَعكُّر، لكن باله مُعكَّر مُذُّ أن تحدث مع وزيره جونغكوك حول المكائد التي ربما تُحاك في ظهره ضده.

من قد يَكيدَ لي؟!
هذا جُلَّ ما يشغُل بال الإمبراطور الآن، عليه حماية عائلته، القصر، وشعبه... هذهِ أولويّاتُه القُصوى حتى لو عَنى ذلك أن يُضحي بروحه في هذا السبيل المُشرِّف والمُفدى.

وفجأة من العدم؛ شَعَرَ بلمساتٍ ناعمة تَطئ كتفيه، ولأنه يُميز هذه الرائحة التي تأتي من خلفه، ومن صاحبتها ابتسم، ووضع يده فوق يدها التي على كتفه، ثم همس.

"مَلكتي الحبيبة!"

إلتفتَ لها، وإذ بها مَلكتهُ التي يُحبها حُبًّا جمًّا، وحدها من تتربَّع على عرش قلبه مُذُّ أن بلغ سِنًا صغيرة، إنها زوجته الغالية مُذُّ عشرين عامًا، ولو تزوَّج إمرأة من بعدها كرَّتين تعلم مكانهت لديه، هي تفهم ظروفه، وتعلم أن في صدر هذا الرجل هي الملكة الوحيدة وإن رفع على عرشه أُخريات معها.

كانت تبتسم فيما ترمقه بنظراتٍ حَنون، وتتلمسَّهُ بلمساتِ ناعمة تَطئ وجهه وأحيانًا أُخَر ذِراعيه.

"بيكهيون، ألا تشعر بالنُّعاس؟!"

أومئ لها ونبس.

"بلى أشعر، هيا نذهب"

أومأت الملكة الأولى، الملكة ناري، وعاضدت ذراعه بذراعه، تسير بجواره فيما رأسها على كتفه، وكلاهما يبتسمان.

وَلج معها إلى جناحه، فهي الوحيدة من بين كل ملكاته، التي يُسمح لها أن تمكث في جناحه، وتدخل وتخرج منه بلا إذنٍ منه شخصيًّا.

صَرَف الخدم، وأسدل الستائر، ثم خلع عنه رداءه بمُساعدتها، واكتفى بأن ينام في منامته البيضاء، التي نُسِجت له من حرير خالِص.

جلس على حافة السرير بينما مَلكتُه خلفه تفك سراح شعره من زينته الملكيّة، ثم تركته ينسدل على كتفيه براحة، وبعدها أسدلت جسد زوجها على الفراش، وأتت تضتجع قُربه.

تنام على جنبها، يدها على صدره، والأُخرى يتكز رأسها عليها ضد الوسادة، كانت تنظر له فيما تبتسم، وهو يُغلق عيناه بهدوء.

"كيف أمضيتَ يومك؟"

تذكّر نِقاشه الأخير مع وزيره جيون هذا الصباح، ولم يَسر الأمر في نفسه عنها، بل أعلم زوجته بالأمرِ، لأنه الوحيدة الذي يُمكنه أن يُفشي لها عن مخاوفه ويسمع منها المَشورة.

"لدى جونغكوك بعض المخاوف، يشك أن أحدهم يتواطئ خلف ظهرنا؛ لإيذائي أنا، أو القصر، أو العائلة... لا أدري تحديدًا"

سيطر القلق على وجه ناري، فابتسم بيكهيون وربَّتَ على وجنتها يقول.

"لا تقلقي، ليست أول خيانة أُحبطها، سأتولّى أمرها بسرّيّة، سأُحبطها وأُعاقب المتواطئين فيها"

تنهدت ناري، وراحت تُخلخل أصابعها في شعر زوجها المنسدل كخيوط حرير على صِدغه.

"لا تأخذ الموضوع ببساطة شديدة جلالتك، وكُن حذرًا، لك ألف عدو يضحكون في وجهك ويطعنوكَ في ظهرك! "

تنهد بيكهيون، وأمسك بمعصمها ليجعلها تنام على صدره، ثم أغمض عينيه يقول.

"لا تقلقي حبيبتي، أنا سأكون بخير كما العادة، وانهض رغم كيد العِداء"

تنهدت زوجته ثم همست.

"أرجو ذلك من كل قلبي!"

ضمّ بيكهيون رأسها إلى صدره ومكث في النوم، فلا تهنئ له نومة لو ما كانت على صدر ناري، أو لو كانت هي بين يديه، لن يقلقه شيء، ولن يخاف طالما هي معه، تحبه وتدعمه لأنه بيكهيون فقط، لا مَلِك ولا مَولى.

.............................

كان تايهيونغ يجلِس في فوهةِ الكهف بعيدًا عن الحِراسة، لكن ضِمن نِطاق سيطرة المُتمرِّدين، فلا يُمكِن تجاوز حدود المكان أكثر وإلّا لاقاهُ الموت من حيثُ لا يَدري.

كان يجلس أرضًا فيما يعكف ساقيه ويحيطهُما بذراعيه، ورَقَبَتُهُ عالية تُراقب عيناه السماء، لكنه هُنا وليس هُنا.

من رَجُلٍ نَبيل إلى عبد ثم أسير والآن فار من يد الدولة، وصيّادي العَبيد وحدهم من يَرونه ثمينًا.

"تايهيونغ، لا تشغل بالك زيادة أخي"

إلتفت برقبته حينما سمع صوت أُختَه مِن خَلفه، إذ حَطَّت يدها بِرِقّة على كَتفه، ثم جَلست بجانبه تنظر إلى ما يَنظُر، نَفَثَت أنفاسها بهدوء ومن ثم تحدَّثت.

"لا تُحاوِل أن تَثور ضِدَّهم، نحن لسنا ندًا لهم، لن نصمُد إلا لو وقفنا معهم سواء كانت وقفة حق أو باطل... دعنا نفعل ما يُمكننا فعله لنبقى معًا!"

تَمسَّك بيدها التي أصبحت على فخذِه وشدَّ عليها يومئ.

"لو صدقوا القول بأنهم سيعدوا لنا شَرفنا وينظفوا اسمنا فأنا سأنظَم لهم، وأنتِ اخرجي وتزوجي رجلًا صالحًا"

نَفَت برأسِها ولَمَعَ الدمعُ في عينيها لتقول.

"لا، أنا سأبقى معك مهما تَكلَّف الأمر!"

نظر لها يتنهد، وبإبهامه مَسح لها دمعتها، ثم جعلها أسفل ذِراعه، وراح ينظر للسماء مُجددًا، صدره مقبوض مُذُّ أنه لا يعلم ما يُقدِم عليه، ولا يُمكنه أن يدري ما الذي تؤول له الأمور، ولا يمكنه أن يثق بأحد.

كان سيهون يقف قُرب فوهة الكهف وينظر لهم فيما يحمل سيفه، أتت هيريم من خلفه ونظرت إلى ما ينظر إليه، ثم تعرَّجت شفتاها بإبتسامة وأحاطت خصر أخيها تستند عليه.

"يذكرونني بِنا، كُنا ضُعفاء خائفين مثلهم، من حظّهم أنه تَيَسَّر لهم من يحميهم ويحفظ لهم حياتهم وكرامتهم، نحن لم يَكُ لنا أحد."

مسح سيهون على رأس أخته وقال.

"لا بأس بالسقوط، ما دُمنا نتعلم كيف ننهض"

جعل ينظر إلى وجهها ونبس مُبتسمًا.

"انظري لنا الآن، نحنُ لا يُمكِن أن ننكَسِر أبدًا"

أومأت لأخيها وعادت تركن رأسها على صدرِه الحنون.

سيهون إحتضنها كما لو كان أبوها لا أخوها، لأن علاقتهم هكذا بُنيَّت من البداية، سيهون مَثَّل دور الأب والأُم لها مُذُّ البداية، وكان جناحيها مُذُّ أن تكسَّرت أجنِحتِها الأصليّة.

................................

للملك نظامه الخاص في تناول الوجبات الرئيسة؛ فمثلًا؛ لا يُسمَح لأطفاله أن يتناولوا طعامهم فَرادى، بل على خمستهم أن يجتمعوا على طاولة واحدة معه لتناول الطعام، ومن اللِزام على زوجته الأولى أن تحضر أيضًا، أما الملكتين الأخيرتين؛ فذلك راجع لهن أن يحضرن أو لا، وهُنَّ يتخلَّفن كثيرًا عادةً عن موعد الطعام.

على يمين الملك؛ تجلس الملكة ناري، بجوارها الأميرة بيكهي، ابنتها وطفلة الملك الأولى، تبلغ من العمر عشرون عامًا، ثم جيهان؛ ابنة الملك الثانية؛ تبلغ من العمر ستة عشر عامًا، وهي ابنة الملكة الثانية، ويكون الأمير تشانيول خالها.

ولي جون؛ ولي العهد الصغير ذا السبع سنين؛ يجلس على يساره، وهو ابن الملكة الثالثة، ثم بايان ولايان، تؤام إناث بعمر العشر سنين من الملكة الأولى.

الجميع كان يتناول الإفطار بصمت إلا أن الملك كان ينظر إلى أطفاله وإلى زوجته، الآن لا يشعر أنه ملك بل مُجرَّد أب عاديّ وزوج عاديّ... وقت الطعام يجلب له السعادة؛ لأنه يُجرِّده من مسؤولياته الضخمة؛ كملك ومَولى للمملكة العظيمة يوان.

كان الملك يجلس مع أطفاله الثلاث الصِّغار لي جون، وبايان، ولايان، في الترّاس المَلكي خارِج الحَرَم.

كانوا يجلسون حوله ويلعبون معه، كان مُنخَرِط معهم في جوٍّ من الضَّحِك واللعب، فلقد كانوا يلعبون ثلاثتهم ضِد والدهم، الذي يتعمَّد الخسارة أمامهم دون أن يدروا.

رفع بصره حينما رأى أحدهم قادم، وإذ بها بيكهي آتية، إنحنت لوالدها، ثم رَبضت تجلس قُربه.

"أبي؟!"

"هممم؟"

كانت تقبض بكفّيها على فُستانها، فهي تشعر بالتوتر إزاء رأيه فيما تُريد إعلامه أياه.

"أيُمكِن أن تَسمح لي أن أخرُج إلى السوق؟!"

نظر لها فأخفضت رأسها واتبعت.

"أرجوكَ أبي، سأتخفّى جيدًا"

لطالما كان بيكهيون أب حنون على أطفاله الخمس جميعًا، ولكنه مع بناته يحتاج أن يكون أكثر حزمًا؛ ليُبقيّ الأمور تحت سيطرته.

بيكهي كذلك جيهان، أنجبهما في سِنٍّ صغيرة، حظى ببيكهي وهو في الخمسة عشر من عُمره، وحظيَّ بجيهان وهو في العشرين من عمره.

لقد تولىّ الحُكم صبيًا، وهذا العام هو ذِكرى صعوده للعرش العشرون، بيكهيون توفيَّ والده، وتولّى العرش، وتزوج من ناري، وحظيَّ ببيكهي بظرفِ سنة واحدة فقط.

الآن عندما ينظر لابنته، التي أصبحت صَبيّة جميلة، يُدرِك أن العيون تتلصَّصَها، الكل يود مُصاهرتِه، والكل يود أن يُدخِلها بيته بصفتها الأميرة الأولى لأمبروطورية يوان، لكن بيكهيون يأبى وهي سعيدة بقرار أبيها هذا.

يُريد أن تتربى على يد أستاذتِها بشكلٍ كافٍ أولًا، أساتذة الفنون، الثقافة، والدفاع عن النفس...

لا يُريد ألا تدري ابنته شيئًا سوى كيف تُطرِّز ثوبًا، أو تعزف على آلة، أو تَلِم بواجبتها كإمرأة فقط.

هي أميرة، ليست فتاة عادية، لذا يجب أن تتلقَّن العلم من مُختلف الحقول بالإضافة إلى المهارات النسويّة اللازمة، كما أنها يجب أن تتعلم كيف تستخدم قبضتها، السيف، السهم، والرُمح، فلا يدري أحد ما الذي قد يحدث.

وحينما تصبح بنظره مؤهلة كفاية سيتركها تختار الرجل الذي تريده، مهما كان هذا الرجل، ملك، أمير، نبيل، أو حتى عامل بسيط أو رجل فلّاح؛ لا يهتم... نسل العِظام المقدسة ليس أثمن عليه من سعادة ابنته أينما كانت ومع من كانت.

لكنه رغم كل الحنان والحب؛ الذي يكبته في صدره لها ولأشقائها، لا يمكن أن يكون ليّنًا معها زيادة، فهي ابنة الملك والعيون تترصدها.

ماذا لو وقعت بيد إحدى الخونة؟
أو تعرفوا عليها الناس وحاصروها؟
أو نظر لها رجل بطريقة سيئة؟!

لا يمكن أن يسمح لأي أذى أن يلحق ابنته مهما كان تافهًا وصغيرًا.

"لا يُمكن أن تخرجي من القصر أبدًا"

تنهدت مُستاءة، وما حرَّكت رأسها من بعدها أبدًا، ولم تُجادله أكثر، لأنها تعرف والدها لا يُمكن أن يُبدِّل كلمة قالها أبدًا.

رفع بيكهيون يده ومسح بها على شعرها يقول.

"لا تحزني يا صغيرتي، سآخذكِ قريبًا إلى الخارج وسنمرح معًا، حسنًا؟!"

أومأت لوالدها، فمسح بإبهامه على وجنتها، واجتذبها لتكون أسفل ذراعه وفي كُنفه، جيهان كانت تنظر من بعيد إلى أبيها وكيف يضم أختها، كذلك بقية إخوتها ولم يسأل عنها إطلاقًا.

إنه لا يحبها مثلهم، ولا يجمعها معهم على الطعام إلا للعرض أمام الآخرين فقط، تشعر بالأستياء الشديد، هي ابنته أيضًا، لِمَ لا يُحبُّها مثل البقيّة؟!

غادرت دون أن يشعر بها أحد وكانت تبكي، رآها الوزير جونغكوك، لم يدري لِمَ تبكي، لكنه عندما نظر إلى الترّاس ورأى الأميرة بيكهي في حُضن والدها علم السبب.

تنهد فيما ينظر إلى جيهان التي تبتعد ثم سار في طريقه، بيكهيون يُحب أطفاله جميعًا، ويعاملهم جميعًا سواسيّة.

المشكلة في جيهان وليس في أبيها، بيكهي تتقرب من والدها من تلقاء نفسها عكس جيهان التي تنظر من بعيد فقط، رغم ذلك أراد جونغكوك أن يتدخل بصفته صديق لا وزير.

لكن لاحقًا ليس الآن، الآن هُناك ما هو أهم...

بينما يسير جونغكوك في القصر سمع ضوضاء عالية، فأسرع إلى مصدرها، وإذ بها صوت قرع الطبول وضرب السيوف إحتفاءً بنصرِ الجينرال الأول تشانيول.

كان يسير في مُقدِّمة المَسيرة فيما يحتفي بنصره وكأنه الملك بنفسه، بعث الوزير جيون جونغكوك مع إحدى الرجال خبرًا للإمبراطور أن الجينرال تشانيول وصل القصر سابقًا لموعده بعدة أيام.

والآن؛ حان الوقت أن يتولّى بيكهيون عرشه بصفتهِ الإمبرطور العظيم بيون بيكهيون.

ترك أطفاله يلعبون عند الترّاس مع بيكهي والحُرّاس ومواكبهم معهم، وذهب ليُبدِّل هِندامه إلى هِندام الإمبراطور، ثم خرج إلى بلاطه الملكي، حيث كانوا وزرائه هناك بإنتظاره، بالإضافة إلى سمو الأمير تشانيول قائد الجيش الذي يجثو برُكبة واحدة بإتجاه العرش، ويُخفِض رأسِه نحوَ الأرض.

وقف الجميع ما إن فُتِح الباب، وانحنوا برؤوسهم جميعًا حتّى مرَّ الملك بموكبه واعتلى عرشه، ثم أشار لهم أن يرفعوا رؤوسهم.

كان الملك يجلس على عرشه فيما يُبسط ذراعيه على فخذيه، ينصب ظهره ويعلو بذقنه، ثم يعلو رأسه تاجه المَلكي.

أشار لتشانيول بالحديث فقال الأخير فيما ما زال يجثو وينظر أرضًا.

"جلالتك، لقد عدتُ مُكلَّلًا بالنَّصر، ونجحتُ في حملتي العسكريّة، وضممتُ مملكة سيلا إلينا"

أومئ الملك وتبسَّم في وجه الأمير يقول.

"بوركت، وتبارك مجهودك أيها الجينرال"

إنحنى له تشانيول مُجددًا يدَّعي إبتسامة، ثم رفع رأسه يَشمَخ به وقال يتحدَّث إلى مَلِكه.

"جلالتك، لقد وعدتني أن تُهديني ما أطلب مهما كان ثمينًا، تذكر؟"

أومئ الملك فيما يرفع حاجبًا، فلقد أحسَّ من طريقة الأمير بالحديث أنه سيعجز عن تحقيق مطلبه، لكن هذا ليس الإمبراطور بيكهيون.

"تعلم أنّي لا أُخلِف بكلمتي أبدًا!"

"أعلم، لذا أريد أن أطلب منك وكُلّي أمل أن تستجيب لي"

أومئ الملك له، ليتبع قائلًا، وقد بزغت على شفتيه إبتسامة، وتعبَّئ بوجهه الغرور يقول.

"زوِّجني الأميرة بيكهي سموَّك"

"ماذا قُلت؟!"

وقف الملك غاضبًا فوقف الجميع على وقفته، ثم أشار إلى الأمير بعصبيّة يقول.

"أتظن أن ابنتي غرضًا لأُهديكَ أياها؟!

ثم أنَّك زوج أختي أي زوج عمّتِها، أتظن أن ما تطلبه مُمكِنًا حتّى؟!"

إنحنى تشانيول للملك يجبر نفسه على إظهار الإحترام حتى لو كان إدعاءً فقط، فالغرض من خلف طلبه ليس ببسيط أبدًا.

"مولاي، حاشى للأميرة المُبجَّلة أن تكون مُجرَّد غَرض، لكنّي لا أرى مُشكلة في ذلك، ولا يُشَكِل مانًعا أن أتزوج بالأميرتين"

ضرب الملك بيده على العرش وصاح مُجددًا.

"ابنتي ليست صفقة ولا هديّة، ابنتي ثمينة جدًا ولا يُمكن أن أزوِّجها هكذا، كما أنَّك بعُمري، أتظنني سأقبل أن تتزوج ابنتي رَجُلًا بعمرِ أبيها؟!"

أجابه تشانيول فيما يُخفض رأسه.

"صحيح أنني بعمر والدها، لكن فارق السن بيننا ليس عظيمًا، إنها خمس عشرة سنة فقط مولاي"

"طلبكَ مرفوض، ولا يُمكِن تحقيقه أبدًا... اخرج من هُنا!"

شَدَّ سمو الأمير على قبضتيه غاضبًا، لكنَّهُ إنحنى وغادر البلاط الملكي بهدوء، عاود الملك الجلوس على عرشه غاضبًا فيما وزراءه ينظرون في بعضهم البعض يتغامزون، لكن جونغكوك أومئ راضيًّا لجلالةِ الملك وابتسم، لا يمكن مُقايضة الأميرة بأي شيء مهما كان صغيرًا أو كبيرًا.

................

كانت تَسير هيريم بِصُحبِة أخويها في السوق، إقتربت من إحدى المَحال التجاريّة التي تبيع الفُخّار، ترفع على كتفها عصا غليظة، وتحمل على ظهرها حاملة الأسهم والقوس.

رفعت قدمها فوق الطاولة الخشبيّة التي تحمل المعروضات الفُخاريّة، واجتذبت البائع تكمش على ثيابه وقالت.

"هات حِصَّتِنا من المال يا صاحب الكرش الجميل!"

الرجل بخوف أخرج لها حُزَم من المال يقول.

"هذا هو المال حُصَتكم من المال سيدتي"

ثم ظهر لها شاب من خلف البائع، وقدَّم لها دفتر باسمًا يقول فيما الرجل السمين يرمقه بغيظ.

"وهذا دفتر الحِسابات سيدتي"

إبتسمت هيريم ورَبَّتت على كتف الشاب تَقول.

"أحسنتَ عملًا!"

ثم عاودت النظر إلى الرجل السمين وقالت.

" سأعود لك لأطعم أحشاءك للكلاب لو كنتَ قد تلاعبت بِحصَّتِنا من المال"

سُرعان ما أخرج كيسًا آخر من المال وقال.

"آسف، لقد أخطأت الجمع!"

تهكَّمت بضحكة تسخر منه، ثم سيهون من خلفها ضرب صلعته يقول.

"أيها الرجل ذا الصلعة اللامعة، سأجعلك دون جُمجُمة مَرَّة ثانية، أتفهم؟!"

سُرعان ما أومئ الرجل له، وانحنى يعتذر من جديد، هكذا ساروا بين بعض دكاكين، وحانات، ومطاعم المدينة حتى إنتهت القائمة التي بيد جونغ إن، وجمعوا المال كُلَّه.

لكن ثمَّة ضجيج قوي أستوقفهم، وإذ به موكب الجينرال تشانيول يَمُر من بين الجموع، ويقطع طريقه إلى القصر المَلَكيّ.

وقع بَصر الجينرال على هيريم تحديدًا والشّابين خلفها، كان الجميع ينحنوا برؤوسهم إحترامًا وتوقيرًا له ولإنتصاره إلا الثلاثة هؤلاء لم ينحنوا له، بل كانوا يرفعون رؤوسهم بعلياء وشموخ، وذلك ما لفت نظر الجينرال لهم، لكنه لم يستاء بل إبتسم، وأرسل للفتاة المُسترجِلة الجميلة نظرات عابثة وإبتسامة مُخلّة.

تمسَّكت هيريم بيد أخويها حينما استشرسا من خلفها، إنه ليس الوقت المُناسب كما يعلم ثلاثتهم، لكل شيء وقته، والإنتقام المثالي يلزمه تكبد شقاء ومُعاناة.

إختفى خلف بوابة القصر بموكبه من الحرس والجنود، لكن...

وشوشة الناس من خلفهم كثيرة، جميعهم يتحدثون عن إنتصار الجينرال.

"الأمير يفعل كل شيء، يُحارب، ويقود الجيش، ويحمينا فيما الملك لا يخرج من قصره أبدًا"

"فوق ذلك سَلَّم ولاية العهد لطفل صغير بدل أن يولّيها لمن هو أولى منه هو في الحُكم"

"نعم صدقت، يا ليت لو أن الأمير هو الملك، لا ذلك الملك الذي ما منه فائدة ولا ندري كيف يبدو وجهه حتّى"

ذلك كانوا رِجال الأمير تشانيول مُندَسّين بين الشعب، ويتحدثون بمثل هذا الكلام على أسماع الشعب الجاهل، الذي يصدق أي شيء يسمعه.

إلتفتت إليهم هيريم وقالت.

"احذر! قد يكون الملك يتنكَّر من حولك هو والموت"

إزدرئ الرجل جوفه وأخذ ينظر من حوله، رفعت هيريم يدها تريد ضربه بالعصا لولا جونغ إن الذي أمسك بيدها يمنعها.

شَدَّت هيريم على قبضتها وأحكمت عليها فيما ترمقهم بغيظ، لكن جونغ إن سحبها معه وجعلها تسير معه أسفل ذراعه، ثم تبعهما سيهون بعدما رمق الرجلين بنظرات مُستاءة كمَّمت أفواههم عن الثرثرة والتُرهات التي يتفوَّهون بها.

كان ثلاثتهم في طريق عودتهم إلى الكهف في الجِبال، في هذا الحين تحدَّثت هيريم.

"الشعب بدأ يتأثر بالفعل بأقاويلهم، لو استمر الأمير تشانيول على هذا المنوال لن يكون بمقدورنا إنقاذ العرش أبدًا"

جونغ إن ربَّت على ظهرها يقول.

"نحن مُهمتنا أن نَحمي الملك، وهو من سيحمي عرشه، لأن الأمر لا يحتاج القبضة بل الحِنكة السياسيّة"

تنهدت هيريم تركل الحجارة الصغيرة في طريقها واتبعت سيرها مع إخوانها، جونغ إن مُحق، لا يمكن لأحد أن ينقذ العرش سوى صاحبه، لكن طالما هو لا يَعي ما يحدث حوله سيبقى مخدوعًا ويخسَر عرشه رويدًا رويدًا.

........................

وَلَجَ الأمير تشانيول إلى جناحِه من القصر، جَلسَ على مجلسهِ ذي الفِراش الوثير غاضبًا، وثُلَّة من الوزراء الذين يآزرونه تبعوه إلى دياره.

ربض على الفراش مُستعِرَ الغضب فيما يُتمتِم.

"لقد استكثر عليَّ إبنته رُغم إنجازاتي العسكريّة التي تُسجَّل باسمه؛ وكأن النصر نصره هو!"

وقف لا يطيق القعود حتى، وأخذ يسير بعصبيّة في مجلسه بينما يجمع كَفّيه خلف ظهره.

"ما عُدتُ أُطيقُ صبرًا لأتحمَّل هذا المغرور المُتكبِّر"

إلتفت إلى إحدى موالينه من الوزراء وقال له.

"ابعث من يقتل الوزير جيون، وقُم بمُراقبة الأميرة بيكهي، بل أحضرها إليّ!"

آنذاك؛ سمع الأمير تشانيول صوت شهقة خرجت من فاه ناعم الرَّنة، ولأنه يُميّز هذه الرَّنة عرف من صاحِبتِها.

انحنى له الوزير لتنفيذ أوامره ثم غادر.

"أمرُكَ سيّدي!"

الأمير تشانيول ترك أعوانه في مجلسه، وتوجّه إلى حرمه، وتحديدًا في جناحها كانت الأميرة ريناه تقف، والإرتباك بائن على وجهها.

وما إن رأتهُ يلِج غُرفتِها بهمجيّة والغضب يسيطر عليه أخذت تتراجع، وبِنُتَف من القوّة قالت.

" لا ترتكب مثل هذه الجريمة التي قد تودي بحياتك لأجل شهواتك... أخي لن يزوِّجكَ ابنته لو جعلت كل العالم تحت سيطرته!"

أمسك بها من عُنقها، وألقى بها على السرير خلفها فيما ما زال يتمسَّك بها ويخنقها، تمسَّكَت بيديه تحاول إبعاده عنها لكنَّها لا تُفلِح.

نبس فيما يخنقها وينظر إلى الحُمرة تُعبّئ وجهها.

"أياكِ أن تتدخلي بأموري، أنا لا أُريد أن أقتُلك فلا تجبريني، كوني مُطيعة ومُهذَّبة ولا تحاولي أن تفعلي أمرًا أحمقًا يودي بحياتك، أتفهمين؟!"

أومأت فأفلتها، فأخذت تسعل وهي تتمسك برقبتها والدموع تنساب على وجنتيها، بينما زوجها الذي وجب عليه أن يرفق بها ويرعاها يبتسِم.

نهض من عليها وراح يَخلَع حُلَّتَهُ العسكريّة وقال.

"مضى زمن مُذُّ أن استحممت بالحليب وبتلات الورود وأنتِ معي"

إلتفت لها وقال.

"انهضي أطلبي منهم تجهيز الحِمام لأجلي وأنتِ ستنضمينَ إليّ، حسنًا يا أميرتي؟!"

كانت تنظر إليه ريناه بأستياء لكنَّها خائفة منه أيضًا، أومأت ونهضت.

"سأطلب منهم تجهيز الحمام لكنّي لن أنظم إليك"

أجهز على شعرها بقبضته بينما تمر به، واجتذبها إليه بخشونة فصرخت، لكنه قرّبها أكثر حتى أصبحت أُذنِها بمتناول شفتيه، حينها همس لها.

"أنتِ هنا لستِ أميرة، أنتِ زوجتي فقط... لذا أياكِ أن تقولي لا مُجددًا، لن يسعكِ قول شيء بعدها"

دفع بها عنه فسقطت أرضًا، وهو عبر من فوقها وخرج، أما ريناه فجمعت كفّيها أسفل رأسها أرضًا وراحت تبكي.

لقد زوَّجها والدها الملك الراحل لابن عمّها الأمير الوحيد دون أن يسألها عن رأيها حتى، لكنها ما اعترضت، ووثقت بخيار أبيها لها، وآمنت أن الأمير تشانيول سيُحبُّها ويحميها بِكُنفه للأبد.

لكنها إصطدمت بقسوة مع الواقع، إذ بالليلة الأولى أحبها، وفي الثانية جلب محظيّة تُسلّيه وتركها، وعندما لامته ضربها... لم تَكُ تدري أن الحياة يُمكن أن تكون قاسية لهذا الحد.

إحدى سيدات البلاط سمعت بما دار بين الأمير تشانيول وأميرته، وبحثت في خلفية الأمر حتى إكتشفت مُجريات الواقعة، وسُرعان ما بعثت طيرًا زاجِلًا إلى القادة الثلاث تُخبرهم بأن الأمير تشانيول بدأ التنفيذ، وأن عليهم إنقاذ الوزير والأميرة قبل فوات الأوان.

وصلت الرسالة إلى يد هيريم، وجمعت أخويها للتخطيط للأمر بسريّة تامة حتى قرروا بدأ التنفيذ مُباشرةً.

.................................

يُتبَع...

الفصل الثاني "الملك أيضًا أب"
الرواية التاريخيّة "العنقاء"

.................................

سلااااااااااااام

التفاعل على الفصل الاول كان حلو كثير، أتمنى أنو الرواية نالت على إستحسانكم مُقدَّمًا، وكونوا على حماسكم، الفصل الجاي فيه قنابل🔥

طبعًا الرواية البطل بيكهيون... البطل بيكهيون.

صح في شخصيات كثيرة بس البطل بيكهيون والثُلاثي هيريم وسيهون وجونغ إن مش أشرار.

الفصل القادم بعد 80 فوت و80 كومنت.

1.رأيكم بالملك؟ كأب وزوج وملك؟!

٢.رأيكم بالأمير تشانيول؟

٣.ما الذي سيحدث لبيكهي وجونغكوك؟

٤.رأيكم بناري زوجة بيكهيون؟ وريناه زوجة تشانيول؟

٥.رأيكم بأطفال الملك؟

٦. هل سينظم تايهيونغ وأخته جاهي إلى عصابة المتمردين؟

٧. رأيكم بالفصل ككل و توقعاتكم للقادم؟!

دُمتُم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️

© Mercy Ariana Park,
книга «العنقاء/ The King's Return».
CH3||بِدء التنفيذ
Коментарі