CH11||عصر من الظلام
بارك تشانيول (الأمير الثُّعبان)
البطل المُضاد في:
العنقاء||The Emperor's Return
"عصر من الظلام"
تشا أون وو؛ هو حارس صغير في العُمر والمِقدار، يعمل في وزارة العدل داخل القصر، وهو مُجرَّد حارس بسيط على إحدى الزِنزِنات، والتي بِصُّدفة الأمير تشانيول مُعتَقل بها بعد إتِّهام الملكة ناري له بالتواطئ لقتلِ الملك.
وهو -أون وو- في موقف لا يسمح له أن يكون مُخلص لاسم الإمبراطور الضّائع، حياته على المَحك، وهو على تمامِ الدِّراية أن الأمير تشانيول سيقتله فعلًا لو خرج دون أن يُنفِّذ
أون وو أوامره.
لذا هو الآن في طريقه لتنفيذ ما أمره به سمو الأمير، إذ أمره الأمير أن يذهب إلى المعبد في قلبِ العاصمة وأن هناك سيجد الكاهن العظيم، سيسلمه الكاهن ظرفًا، وعلى أون وو أن يضع هذا الظرف في جناح الملكة ناري بأي طريقة كانت، وعليه أن ينجح وإلا قتلوه حرس الملكة إن امسكوا به، وإن نجى دون أن يتم مُهمته سيقتله الأمير.
كان يسير أون وو وهو يضع الظَّرف داخل رِداءه، جبينه يتعرَّق وكثيرًا ما يتفقَّد إن كان هُناك أحد ما خلفه، لقد بدى خائفًا جدًا، ولو إعترض طريقه أحد سيشُك بأمرِه دون أن يتفوَّه بحرفٍ واحد حتى.
لكنَّهُ في النِّهاية نجح في الوصول إلى جناح الملكة، ووضع ذلك الظرف في إحدى أدراج زينتها الصغيرة.
تنفَّس الصُّعداء حينما تجاوز حرم الملكة خارجًا، ولكنَّ جِذعه تصلَّب فجأة حينما سمع صوت من خلفه يستوقفه، إنَّهُ يعرف هذا الصوت جيدًا، إنَّهُ صوت قائد الحرس الملكيين؛ جانغ ايشينغ.
"أنت، توقَّف مكانك!"
تصلَّب جِذعُ أون وو لوهلة، ثم إلتفت إلى القائد يحني رأسه.
"نعم سيدي"
تقدَّم منه القائد ايشينغ وهو يحمل سيفه على خصرِه.
"ما الذي تفعله هُنا قريبًا من الحرم الملكي؟!"
إرتبك أون وو، وأزدرئ جوفه فيما ايشينغ يُعاين مظهره البسيط.
"أنتَ من حرس السجن الملكي، ماذا تفعل هنا؟"
تقدَّم منه ايشينغ أكثر فيما الآخر مُتمسِّك بصمتِه.
"هل يا تُرى أنت تتجسَّس على محظيّات الملك؟!"
سُرعان ما نفى أون وو، وركع أمام قائد الحرس يتكلَّم بهلع ويتوسَّل.
"لا يا سيدي، صدِّقني لم أقترب من محظيات الملك، أنا لا أملك الجُرءة حتى"
أومئ له ايشينغ وقال.
"من الواضح أنك جبان... انصرف!"
وقف أون وو فيما ينحني كثيرًا للقائد جانغ ويعتذر ويتعذَّر حتى أخيرًا إنصرف مُهرولًا وهو يتمسَّك بقلبِه.
راقبه ايشينغ وهو يبتعد هكذا بينما يرتعد خوفًا، وايشينغ لم يشك ولو لمِثقال ذرّة أن مثل هذا الفتى الجبان يعمل لدى الأمير تشانيول، أو أنه تجرّأ وتسلَّل إلى داخل حرم الملكة الأولى ناري.
إذ عقوبة المساس بنساء الإمبراطور من محظيات قد تصل إلى الإعدام بالرَّشقِ بالأسهُم في بعض الحالات، فكيف سيجرؤ على التَّسلُّل إلى حرم الملكة وعقوبة هذا الفعل الإعدام بالماء المغلي.
اتبع القائد جانغ جولته التفتيشيّة في محارِب القصر الملكي، فبعدِ إختفاء الإمبراطور أصبحت الحراسة مُشدَّدة أكثر، ولا يمكن للذُّباب أن يُعتِب على أعتاب القصر دون إذن.
وأما أون وو فلقد عاد إلى نقطة حراسته، وأومئ للأمير تشانيول فيما يعبره أنَّهُ أتمَّ مُهمَّتِه، وليس على الأمير أن يقلق بعد الآن.
الأمير تنفَّس الصُّعداء واستند برأسِه على قُضبان الزِّنزانة الغليظة، غدًا بالتأكيد هو يومه الحافل، وجوده هُنا مُنعزلًا عن الجميع أفاده بالكثير من النّواحي، فلقد إستطاع تصفية ذهنه والتَّخطيط لِكُلِّ شيء كما يجب، إبتداءًا من العرش وأنتهاءً بأميرته رايناه.
توقَّفَ عن التَّفكير وأغلق عينيه، عليه أن يحصل على قِسط من الراحة، لديه يوم حافل بالغد كما أنَّ العمل في مقرّاتِه السريّة يسير على قدمٍ وساق هذه الليلة، وذلك ما منع تشانيول من فعل أي شيء أكثر، فلقد وضع الطُّعم والآن حان وقتُ نيل قِسط من الرّاحة، لكنَّهُ همس قبل أن يغفو كُليًّا.
"سأدُق عُنقكِ يا ناري، فقط هذهِ الليلة تمتَّعي بأنَّكِ الملكة لآخر مرّة!"
...
في صباح اليوم التّالي؛ كان بلاط الإمبراطور مشغول برجاله من وزراء من الدرجة الأولى والثّانية والثّالثة، فيما ينتظرون أن تأتي الإمبراطورة، التي تتولّى أمور يوان مؤقَّتًا، لكن الوشوشة كانت كثيرة، والناس يتحدَّثون كثيرًا في البلاط.
"الإمبراطورة ناري تَلِج البلاط الملكي!"
نادى المُنادي من لَدُنَّ الباب، فوقف الجميع تبجيلًا لجلالة الإمبراطورة، دخلت الإمبراطورة يتبعونها حاشيتها ورَجُلين واضحين، الوزير الأول كيم جونغداي وقائد الحرس الملكي جانغ ايشينغ.
فالوزير الأول يُخبرها بما عليها أن تفعله في البلاط، وقائد الحرس يُشرِف على حمايتها، وقفت أمام العرش فيما القائد جانغ يقف خلفها يمينًا، والوزير الأول يعلو الدرجات إلى مَقرِبة من العرش.
تحدَّث إحدى الوزراء، وذلك الوزير هو إحدى المواليين للأمير تشانيول، إذ بان عليه الغضب فيما يتقدَّم بطلبه إلى الأمبراطورة.
"مولاتي آذني لي أن أتكلَّم"
أومأت له برأسِها فاتبع.
"مولاتي... نحنُ نُطالب بأن تُفرجي على الأمير تشانيول، هو لا شأن له بما حدث للإمبراطور، ونحن نملك دليل دامغ أنَّ الأمير تشانيول بريء من التُّهَم التي وجِّهت إليه، ونعلم أيضًا من المتورِّط بقضية الملك وإلى أين قد ذهب"
نظرت الإمبراطورة نحو الوزير الأول جونغداي، الذي دوره أن يَدلُّها على ما يجب أن تفعله بالبلاط، فأشار لها برأسِه أن تسمع من الوزير رغم معرفته بأنَّه من المُعارضين لِحُكم جلالة الإمبراطور بيكهيون.
فهم الآن يهدفون لشيء واحد فقط، وهو تبرئة الأمير تشانيول من التُّهم المُسندة إليه، ولو كان ذلك عبر إيجاد الإمبراطور بيكهيون وعرض الحقائق.
أشارت الإمبراطورة ناري إلى الوزير بأن يتكلَّم، إذ بعدما آذنت له تقدَّم من العرش فيما يتنحنح، ثم وضع بين يدي الوزير الأول كيم مُغلَّفًا.
فتحه الوزير ليقرأ ما فيه، وبان مُتفاجئًا على آخِره، إذ نظرت إليه الإمبراطورو بقلق ونبست.
"أيُّها الوزير كيم، تحدَّث بماذا قرأت!"
أغلق الوزير المُغلَّف وانحنى برأسه للملكة إجلالًا لها قبل أن يلتف إلى الوزراء قائلًا.
"هُناك أمر خاطئ بشأنِ هذهِ الرِّسالة، يستحيل أن يكون الإمبراطور قد مات وأنَّ الإمبراطورة متورِّطة في مَقتلِه!"
"ماذا؟!"
نبست بتلك الإمبراطورة ناري لا تُصدِّق ما تسمعه، وأصبح البلاط مُتأهِّب على ساقٍ واحدة، إسترسل الوزير.
"الإمبراطورة ناري تخلَّصت من أوفى أتباع الإمبراطور بيكهيون؛ كي يغدو دون يده اليُمنى، ويزداد ثقل العرش على كاهله، وذلك بقتلها للوزير الأول جيون جونغكوك.
ثم تخلَّصت من الأميرة بيكهي؛ لأنها عارضت على خُططها للتخلُّص من الإمبراطور، وفي الليلة التي حضَّرت فيها لإغتيال الملك قامت بخطفه وبقية أطفاله الأُمراء، قتلتهم جميعًا في الغاب وتخلَّصت من جُثثهم بالنهر، إلا أنّها تركت الملكة تاي هان في القصر، لِتُدبِّر لها ولأخيها الأمير تشانيول مكيدة، وتتهمهم بأغتيال الملك بعون من جماعة المُتمرِّدين الذين يعيشون في الغابات والجبال، تُحاول أن يبدو أن الأمير من تعاون معهم للتخلُّص من الإمبراطور بينما هي من فعلت ذلك"
الملكة ناري لم تَكُ في حالة ذهنيّة مُناسِبة تجعلها تُدرِك ما الذي يحدث من حولها وحجم التُّهَم الموجَّهة إليها، فلقد أخذتها الصَّدمة بِعِزِّها ولم تقدر أن تُدافع عن نفسها ولو بحرف واحد حتى.
تحدَّث الوزير الأول كيم جونغداي.
"وما هو دليلكم على صحة ما تقوله؟"
رَدَّ الوزير.
"لقد قبضنا على المُرتزقة، الذين إستخدمتهم الملكة لقتل الملك وخطفه، كما أننا جمعنا الكثير من الأدلة على تواطئها مع العصابات وقُطّاع الطُّرُق لقتلِ جلالة الإمبراطور"
قدّموا بين يدي البلاط عدد من المراسيم والمراسيل بختم الملكة والتي تُدينها، فهي مراسيم تآمُريّة ضد الإمبراطور بيكهيون؛ هدفها أن تودي بحياتِه.
وفي خِضَّمِّ هذا الإرتباك إنبلجت بوّابة البلاط الملكي، وظهر من خلفها سمو الأمير تشانيول مُدمى وبثيابِه الرَّثّة، لكنَّهُ كان يسير بعلياء ورأسهُ شامخًا كما يكون دومًا؛ مُمتلئً بالفخر والعِز.
سار حتى أصبح أمام الملكة، التي تعلو الدرجات القليلة نحو العرش، رفع رأسه ينظر إليها، وبانت على شفتيه إبتسامة رُغمًا عن الجروح حولها.
"وبصفتي أعلى من يتواجد في البلاط بعد الإمبراطور، فأنا آمُر بأن يتم تفتيش جناح الملكة ناري حتى أدق خصوصياتِها."
صاحت ناري بغضبٍ شديد.
"لا يحق لك أن تفعل أي شيء ضدي"
رفع حاجبه ونبس بنبرة هادئة.
"يحق لي بما أنَّكِ مُدانة جلالة الملكة"
أشار لمجموعة من الحرس وأمر.
"أرسلوا سيدات البلاط ليقومنَ بتفتيش جناح الملكة فورًا!"
تنهَّدت الملكة بِعُمق، ونظرت إلى مؤازريها، الوزير الأول وقائد الحرس، لكنهم في مثل هذا الموقف مثلها، لا يقدرون على فعل شيء بما أن الطرف الآخر يملك أدلّة دامغة ولو كانت مُلفَّقة.
خرج الأمير تشانيول إلى ساحة القصر الداخلية، التي تصل مرافق القصر بالحرم الملكي، إذ وقف بإنتظار نتائج التفتيش، كذلك وقفوا كل الوزراء برفقته، والملكة كانت تقف في ذات الموقع أيضًا، لا تشعر بالتَّوتُّر أو الخوف بل تشعر بالظُّلم، لأنها -لو ما كان أحد يدري- هي تدري أنَّه الملك أثمن ما تملك، وفي سبيله لا حرج أن تخسر حياتها.
أتت سيدة بلاط مُسرعة فيما تحمل الظرف، الذي وضعه حارس الزِّنزانة الصغير في جناحها بعنايّة، وقدمته بين يدي الأمير فيما تُخفض رأسها عنه.
"مولاي... لقد وجدتُ هذا في جناح الملكة"
تأهَّبَت الملكة ناري وتقدَّمت لترى ما هذا الظرف، والأمير تشانيول قام بفتحه ليقرأه، ثم كمش عليه بقبضته الصَّلِدة بشدة، وبان للجميع غاضبًا، إذ أحمرَّت عيناه ورمق الملكة بنظرة في غاية الكُره والحقد.
"المُهمّة تمت، ولقد قُمنا بقتلِ الملك وتخلَّصنا من جُثَّتِه مع بقيّة الأُمراء في النَّهر.... هذا ما كُتِبَ لكِ أيَّتُها الملكة في المرسول هذا!"
شهق الجميع بتفاجئ وتسلَّطت أنظار الجميع عليها، فيما هي إزدرئت جوفها وأخذت تنفي برأسها، تنفي التُّهمة عنها، لكنَّها شعرت بالخوف حينما بدأ الأمير تشانيول يتقدَّم منها فأخذت تتراجع عنه وتنبس.
"الإمبراطور لم يَمُت، أنا لم أقتله!"
رفع يده نحوها فأغمضت عيناها بقوّة، لكنَّهُ صفع التاج عن رأسها حتى أسقطه أرضًا، شهقت ناري ونظرت نحو تاجها، الذي أصبح أرضًا، فيما تسمع الأمير تشانيول بأُذن غير صاغية يأمر بنبرة عالية وغاضبة.
"اسحبوا الملكة إلى السِّجن واعلنوا الحِداد على روحِ الملك الرّاحِل"
إقترب منها الحرس، وسحبوها عِنوة وهي تحاول أن تهرب من بين أيديهم دون أن تنجح.
"لا! أنا لم أقتل جلالته! جلالته لم يمت... صدّقوني أرجوكم!"
وهكذا وقف الوزير الأول جونغداي بعجز كذلك قائد الحرس ايشينغ، لا يستطيعان فعل شيء لمساعدتها فيما هي تُساق إلى السِّجن، ومصيرها بات واضحًا؛ الموت.
صاح في البوق حامله، ونادى المُنادي في أرجاء الإمبراطوريّة أنَّ الملك توفّى، علت عباءة الإمبراطور بيكهيون الملكيّة بوابة البلاط الملكي، والناس إرتدوا الثياب البيضاء، وأُعلن الحِداد على روحه في كل رُكن من أركان الإمبراطورية.
وذلك كان إنتصار الأمير تشانيول أخيرًا، اللحظة التي حلم بها طيلة السِّنين الفارِطة، اللحظة التي لا يكون بينه وبين العرش أي مانع، اللحظة التي سيعتلي بها العرش دون أن يجرؤ أحد أن يعترض.
تلك اللحظة... التي يُصبح فيها هو المولى والحاكم والإمبراطور... الرَّجُل الأول في البلاد، الرَّجُل الذي لا يعلو مقامه أحد.
ذهب إلى قصرِه وبخدمة من النِّساء إستحم وبدَّل ثيابه إلى أُخرى في غاية الفخامة، يفوح الملكوت من بين منكبيه، تمامًا لو كان الملك.
تحدَّثَ إلى إحدى حرسه.
"هل أتت أميرتي؟"
"ليس بعد"
تبسَّم في المرآة فيما يُعاين ملامحه التي تَضُج بالرجولة والمَكر.
"أبعث لها أن تأتي حالًا"
إنحنى له الخدم والحرس وخرجوا من عِنده، وفيما هو يتقدَّم نحو سيفه المركون على المِنضدة همس.
"ألم يَكُ عليها أن تستقبل زوجها حينما يعود إليها؟!"
علَّق السيف على خصره وتبسَّم يهمِس.
"أميرتي الشقيّة... لقد إشتقتُ لها!"
تقدَّمَ من الطاولة المركونة في مُنتصف الجناح، تصطف عليها أطباق مُعبّأة بالفواكة الطازجة وأنواع من الحُلو الذي لا يعرفونه العامّة، بل هو مُخصَّص للطبقة الحاكمة فقط.
جلس عليها دون أن يقرب أيًّا من الأطباق المصفوفة بعناية أمامه، هو فقط أراح ناصيته على بين راحتيه، وأغمض عينيه.
رايناه... غاضب جدًّا منها، يود حينما يُمسِك بها أن يطرحها بين ذراعيه ويُبكيها، لكنَّهُ أشتاق لها كثيرًا، ويود أن تحتضنها ذراعيه، وعلى صدره يجعلها تنام... لا يدري إن كان يُحبُّها، ما يعرفه أنَّهُ مهووس بها، ولا يُمكن أن يتركها لأي سبب كان، ومهما كانت لا تُطيقه.
"الأميرة رايناه قد وصلت"
أعلن المُنادي من خلف الباب، فرفع الأمير بصرِه ينظر نحو الباب، الذي إنشقَّت دفتيه ليبزُغ بدره من خلفه.
شابك أصابعه أسفل ذقنه فيما ينظر لها تُساق رُغمًا عنها إليه فيما تبكي، من الواضح على هيئتها الفوضوية أنَّها تبكي مُذُّ وقت.
ما زحزح بصره عنه ولو لقيدِ نُتفة، وبدلًا من ذلك أشار لحرسه أن يخرج الجميع، ويتركونهم وحدهما.
تلفَّتت رايناه حول نفسها تستنجد بأُناس تدري جيدًا أن لا حول لهم ولا قوّة؛ لينقذوها من قبضة هذا الرَّجُل.
خرج الجميع وعمَّ الصمت مُجددًا.
"أميرتي"
همس تشانيول فإلتفتت له فيما ذقنِها يرتجف، تخشى أن يقتلها لأنها تواطئت مع الملكة ناري ضِدَّه، وما تخشاه أكثر أن يقتَّص منها بطريقة ما تكون أبشع من القتل.
"ألم تشتاقي لي؟!"
نبس وهو يجلس في مكانه لا يُحرِّك ساكنًا، فقط ينظر لها بمعالم لا تُقرأ، فلا تدري إن كان ساخطًا أو راضيًّا.
نقر بسبّابته على الطاولة وأمر هامسًا.
"تعالي إلى هنا"
إزدرئت جوفها ثم أخفضت رأسها تمسح دموعها، ثم تقدَّمت منه رُغمًا عن رغبتها الشديدة في الهروب منه، فعدم قدرتها على فهم شعوره الآن مُخيف أكثر من غضبه الصريح.
أصبحت تَقِف بجوارِه وهو ما زال لا يؤتي بحركة، إزداد إرتباكها، وأخذت تَدعك كفّيها في بعضهما البعض بتوتُّر.
"تشانيول أنا..."
"مولاي"
قاطعها يُمسك بمعصمها وأجتذبها لتجلس في حِجره، شهقت رايناه للمُفاجأة وإزدرئت جوفها في قلق حينما رفع يده نحوها.
أغلقت عيناها بخوف؛ فهي لن تحزر الآن ما الذي سيقدم عليه، لكنَّه رفع يده ليتحسَّس خطَّ فكِّها بلمسةِ تعشق.
فتحت عيناها على مرآه، فوجدته يرمقها بالنظرات، التي إعتادت أن تُحِبُّها وهي أصغر وأقل عِلمًا به، لطالما أحبَّت أن يرمقها بحُب كما يفعل الآن.
"نادِني مولاي، أنا مولاكِ مُذُّ اليوم وإلى الأبد"
إقترب منها برأسِه، ومال بوجهه لتُقابِل شفتيه شفتيها، وأخذها بِقُبلةٍ قويّة جعلتها تكمش على جفونها بقوة، لكنَّها لم تجرؤ أن تدفعه عنها أبدًا، قَبَّل شفتيها كأنَّما إنقطع عنها من طورٍ طويل من الزمن، وها هو يُلاقيها من جديد.
حلَّ أسرِه عن شفتيها وأنخفضت قُبلاته بخط مُتعرِّج إلى وجنتها، ثم فكِّها وأخيرًا عُنقها، ولأنَّ قُبلاته مؤلِّمة أنَّت وبيدها كمشت على رِداءه فابتسمت شفتيه اللاتي تَمِسَّها.
"مولاي رجاءً"
همهم وابتعد لينظر في وجهها الذي يستطيبه، فأتبعت بنبرةٍ مُنخفِضة.
"أخجل أن يرى أحد علامة منك على عُنقي"
تحسَّس بإبهامه عُنقها، ثم همس فيما ينظر لتلك البُقعة المُحمرَّة.
"لكنّي أُحبها، وستبقى موجودة لتذكرك أنتِ لمن تنتمين"
فجأة قبض على فكِّها وجعلها تنظر إليه، أنَّت مُتألِّمة ورمقت عيناه الغاضبتين بخوف.
"أنتِ تنتمين لي؛ لذا..."
تبسَّم وتلمَّس وجنتها بأطرافِ بنانه.
"هذهِ المرّة سأعفو عنكِ، لكن المرّة القادمة قد تخسري وأخسر هذا العُنق الشهي، فبدل أن أُعلِّمُه سأقطعُه، تفهمين؟!"
قضمت على شفتيها فيما ترمقه بخوف، لكنَّها أومأت له بالطّاعة، فابتسم وربّت على وجنتها فيما يقول.
"والآن أميرتي المُطيعة، إلزمي جناحِك كي أستطيع أن أجعلكِ ملكتي"
حدَّقت فيه بلا تصديق، الفزع إنتشر في كل خلية من جسدها.
"على ماذا تنوي؟!"
أنهضها عنه لتقف ثم وقف بعدها ونبس مُهدِّدًا.
"لا شأن لكِ، إن كُنتِ تريدين رأسك ابقي هنا وإلا لن أتردَّد في قتلك يا حلوتي!"
تدافعت الدموع من عيناها أمامه، وهو دفع بها عنه وخرج، لا يأبه بالتي سقطت أرضًا بفعلِ دفعته، ولا يأبه بدموعها، الطمع فقط يعمي عينيه.
....................
وأما في المَقر لجماعة القمر الدَّموي؛ فلقد طلب القادة الثلاث حضور تايهونغ وشقيقته جاهي إلى حُجرة القيادة، فذهب كلاهما إليهم.
كانوا القادة الثلاث يجلسون متجاورين وقِبالتهم مقعدين فارغين شاغرين لهؤلاء الشقيقين، جلس تايهونغ وجاهي قِبالة القادة، ثم سيهون تحدَّث فيما يُشابك أصابعه فوق الطاولة.
"الآن وقد إنتهى كُلُّ شيء، ماذا تُريدان؟
يمكنكما المُغادرة ونحن سنُأمِّن لكما معيشتكما حتى تستطيعا تولي أمريكما، ويمكنكما الإنضمام إلينا وتولي رُتَب وراتب شهري والزواج من المُنضمّين إلينا وتكوين عائلة، أي الخيارين يناسبكُما؟!"
نظر الشقيقان في بعضهما البعض، تايهيونغ أمسك بيد جاهي وتنفَّس عميقًا، فلقد أتيا إلى هنا وهما يعلمان أي الخيارين يناسبهما.
"سننظم لكم لكننا نريد شيئًا واحدًا فقط"
أشار له سيهون أن يُتبع فقال.
"نحن نريد تبرئة اسم والدنا وأستعادة أملاكنا"
تدخَّل جونغ إن في الحديث بقوله.
"والدكم كما كثير من النُّبلاء ترتبط براءة اسمه بعودة الملك إلى عرشه، إنه أمر سيلزمنا وقت طويل لتحقيقه لكنَّهُ سيتحقَّق بلا شك"
جاهي تحدَّثت.
"إذًا سنبقى معكم إلى ذلك الحين"
سُرعان ما إعترضت هيريم بنبرةٍ حازمة.
"لا يُمكن، إما أن تغادروا الآن أو تبقوا معنا للأبد، وبكلتا الحالتين سنُبرّئ اسم والدكم ونعيد لكم أملاككم"
تمسَّك تايهيونغ بيد جاهي ونبس.
"نحن سنبقى معكم للأبد"
نظرت هيريم إلى جاهي تنتظر منها أن تسمع جوابًا، فتنهَّدت جاهي وقالت.
"أنا مع أخي أينما كان"
أومأت هيريم ونهضت.
"جيّد"
خرجت هيريم من الحُجرة فيما جاهي تنظر إلى سيهون ولا ترفع عيناها عنه، فشعر بأنَّ في خلدها شيء تود قوله له لكنها تتردد، ولا ترغب أن تُفصح عنه أمام أخوها.
"جونغ إن خُذ تايهيونغ وأطلعه على رُتبته المُناسبة"
"أفكر أن أضعه قائد فرقة قتالية، مهاراته لا تمزح كما رأيت"
أومئ سيهون موافقًا، فوقف تايهيونغ فيما يُمسك بيد أخته لتنهض معه لكن سيهون قال.
"أتركها، لدينا أمرًا لنتحدَّث به"
نظر تايهيونغ إلى شقيقته فربَّتت على يده وابتسمت.
"لا تقلق، أنا سأكون بخير"
أومئ لها مُتنهِّدًا ثم خرج بصُحبة القائد جونغ إن إلى الخارج، فيما بقي القائد سيهون وقِبالته تجلس جاهي.
"ما الذي تُريدي أن تتحدَّثي به؟"
أخفضت جاهي رأسها، ثم بعدما إزدرئت جوفها بخجل نبست.
"سمعتُ أنَّهُ على كل المُجنَّدين أن يتزوجوا في أول عام من إنضمامهم للجماعة"
أومئ لها سيهون.
"نعم، عليكِ أن تتزوجي أنتِ وتايهيونغ من مُجنَّدينا في الفترة القادمة، نحن نسعى إلى النمو في أعدادنا"
تنهَّدت جاهي بخجل ثم رفعت رأسها إلى القائد تقول.
"لكن ماذا لو لم أُرِد الزواج من أي الرِّجال هنا، هل ستجبروني على أحدهم؟"
برم سيهون شفتيه ثم نبس.
"لم يحدث من قبل أن فتاة لدينا رفضت الزواج من أحد مُجنَّدينا، لذا لم يسبق لنا أن أجبرنا أحد على الزواج"
تسآلت جاهي بحذر.
"لن تجبروني إذًا؟"
أومئ لها مُجيبًا.
"لن نجبرك بالتأكيد، لكن لِمَ لا تريدي أي من مُجنَّدينا؟!"
نظرت في عينيه الحادتين الساحرتين، اللاتي وقعت لهن مُنذ الوهلة الأولى، حينما آتى لينقذها وهو يضع لِثامًا.
"في الحقيقة؛ هناك رجل أملك مشاعر ناحيته، ولا يمكنني ألا أن أُفكِّر فيه، لذا لو تزوجتُ برجل آخر لن أستطيع أن أحبه، أو أكون وفيّة له على الأقل"
إرتخى سيهون على مقعده ونبس.
"ما لم يكن ضمن جماعتنا فيؤسفني قول أنَّكِ لن تتزوجيه أبدًا"
إستجمعت جاهي شجاعتِها ونبست.
"إنَّهُ أنت"
عقد سيهون حاجبيه فأخفضت هي رأسها عنه وهمست.
"إنَّهُ أنت، الرَّجُل الذي أُحِبُّه"
رفعت رأسها إليه بعدما طال صمته وقد ظهرت الدموع بعينيها.
"أرجوك لا تُخبر أخي، لا أدري إن كانت مشاعري هذه نحو القائد خاطئة لكن ما بيدي حيلة إتجاهِها"
تمالك سيهون نفسه ثم نبس بنبرة هادئة.
"سأتزوجكِ إذًا... استعدي لذلك"
ثم حمل سيفه وخرج دون أن ينظر لردِّ فعلها، لقد إرتجفت، ثم تصلَّبت، ثم لم تُصدِّق ما سمعته أبدًا.
لقد توقعت أن ينهرها بأسوء الأحول وبأفضلها أن يرفضها، لكنه لم يقبل مشاعرها وحسب بل قرَّر أن يتزوجها أيضًا.
إبتسمت، ثم لفرطِ الخجل وضعت وجهها بين كفّيها، ولفرط السعادة بكت.
.............
كانت هيريم في الخارج تتفقد أحوال أفراد الجماعة، كُنَّ النِّساء يطبخن طعام الغداء، وحينما ظهرت هيريم في حيز الطبخ هرعت إحداهن إليها تقول.
"سيدتي، نحن نُجهِّز طعام الغداء لكننا لا نعلم ماذا نطبخ للملك وأفراد أُسرته"
"ما كُنّا نُطعمه للأميرة بيكهي والوزير جيون سنقدمه للملك"
"أمرُكِ سيدتي"
أومأت لها هيريم فأنصرفت المرأة إلى عملها، لكن هيريم إلتفتت حينما سمعت صوتًا من خلفها.
"قدِّموا لنا ما تقدموه لأنفسكم"
إنحنت هيريم لجلالة الملك وانحنى له الجميع من بعدها، ثم رفعت رأسها له وهو أشار لها.
"أنتِ تعالي معي"
ثم سار يمنحها ظهره فيما يُشابك يديه خلف ظهره، هيريم رمقت ظهره بأستياء وتبعت خطواتِه، لم يسبق لها أن تحدَّث معها أحد بتلك النبرة وهذه الطريقة، ولكنَّهُ للأسف الملك، ولا يمكنها أن تفعل شيء حيال ذلك.
لكنّها تحدَّثت فيما تسير خلفه.
"مولاي، بشأن الطعام... نحنُ نُقدم لأصغر جُندي لدينا ما نُقدِّمُه للقادة وما قدمناه للأميرة والوزير سابقًا، لذا لا تتوقع أن نُقدِّم لك طعامًا لا يليق بك"
"أنا آكل لأعيش، لا أعيش لآكل"
ثم إلتفت لها وقال.
"قُلتِ أن جولة واحدة في السوق ستثبت لي أن الشعب خلعني عنه قبل أن تخطفوني، خُذيني إلى السوق"
أخفضت رأسها بحرج ونبست.
"أمرُكَ مولاي"
وها هي وهو في السوق، كلاهما يتنكر بثياب عادية فيما يجولان السوق، ومن هنا وهناك سمع الملك أحاديث مختلفة تُدين كفاءته وشرفه وإستحقاقه للعرش.
لقد كان غاضبًا على آخره لكنه لم ينبس بحرف، فقط استمع وصدق ما قالته هذه الفتاة بجواره وعلم أنَّ الأمير تشانيول قد نجح بتشويه صورته في عيون شعبه.
هكذا جال كلاهما في أرجاء السوق حتى نادى المُنادي.
"تجمَّعوا في ساحةِ السوق لتشهدوا جميعًا إعدام الخائنة المخلوعة ناري بعدما أقدمت على خيانة جلالة الملك الأسبق بيكهيون وأغتياله وكل الأُمراء والملكة راهي"
..........................
يُتبَع...
الفصل الحادي عشر "عصر من الظلام"
الرواية التاريخيّة "العنقاء"
10th/Apr/2021
............................
سلاااااااااام
فصل ناري جديد👏👏👏👏
كثير كثير كثير تأخرت، أنا عارفة...
I'm sorry!
للأسف لما يكون التفاعل مُحبط على وحدة من رواياتي عزيمتي لكتابة أي رواية بتصير بالأرض... التفاعل بيحفز الكاتب، لهيك اتفاعلوا.
أنا ما عم بقصد قراء العنقاء، عم بقصد قراء هيبتها...
الفصل القادم بعد 100 فوت و100 كومنت.
1.رأيكم بتشانيول؟!
خُططه للتخلص من العائلة الملكية؟!
تعامله مع رايناه بعد عودته؟
3.رأيكم بجاهي وسيهون؟
جراءة جاهي لتعترف بمشاعرها؟
وتقبل سيهون لمشاعرها؟
ما هو مستقبل هذا الثنائي؟
4.الملكة ناري؟ وما مصيرها؟!
5.ماذا ستكون رد فعل بيكهيون؟
دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤
البطل المُضاد في:
العنقاء||The Emperor's Return
"عصر من الظلام"
تشا أون وو؛ هو حارس صغير في العُمر والمِقدار، يعمل في وزارة العدل داخل القصر، وهو مُجرَّد حارس بسيط على إحدى الزِنزِنات، والتي بِصُّدفة الأمير تشانيول مُعتَقل بها بعد إتِّهام الملكة ناري له بالتواطئ لقتلِ الملك.
وهو -أون وو- في موقف لا يسمح له أن يكون مُخلص لاسم الإمبراطور الضّائع، حياته على المَحك، وهو على تمامِ الدِّراية أن الأمير تشانيول سيقتله فعلًا لو خرج دون أن يُنفِّذ
أون وو أوامره.
لذا هو الآن في طريقه لتنفيذ ما أمره به سمو الأمير، إذ أمره الأمير أن يذهب إلى المعبد في قلبِ العاصمة وأن هناك سيجد الكاهن العظيم، سيسلمه الكاهن ظرفًا، وعلى أون وو أن يضع هذا الظرف في جناح الملكة ناري بأي طريقة كانت، وعليه أن ينجح وإلا قتلوه حرس الملكة إن امسكوا به، وإن نجى دون أن يتم مُهمته سيقتله الأمير.
كان يسير أون وو وهو يضع الظَّرف داخل رِداءه، جبينه يتعرَّق وكثيرًا ما يتفقَّد إن كان هُناك أحد ما خلفه، لقد بدى خائفًا جدًا، ولو إعترض طريقه أحد سيشُك بأمرِه دون أن يتفوَّه بحرفٍ واحد حتى.
لكنَّهُ في النِّهاية نجح في الوصول إلى جناح الملكة، ووضع ذلك الظرف في إحدى أدراج زينتها الصغيرة.
تنفَّس الصُّعداء حينما تجاوز حرم الملكة خارجًا، ولكنَّ جِذعه تصلَّب فجأة حينما سمع صوت من خلفه يستوقفه، إنَّهُ يعرف هذا الصوت جيدًا، إنَّهُ صوت قائد الحرس الملكيين؛ جانغ ايشينغ.
"أنت، توقَّف مكانك!"
تصلَّب جِذعُ أون وو لوهلة، ثم إلتفت إلى القائد يحني رأسه.
"نعم سيدي"
تقدَّم منه القائد ايشينغ وهو يحمل سيفه على خصرِه.
"ما الذي تفعله هُنا قريبًا من الحرم الملكي؟!"
إرتبك أون وو، وأزدرئ جوفه فيما ايشينغ يُعاين مظهره البسيط.
"أنتَ من حرس السجن الملكي، ماذا تفعل هنا؟"
تقدَّم منه ايشينغ أكثر فيما الآخر مُتمسِّك بصمتِه.
"هل يا تُرى أنت تتجسَّس على محظيّات الملك؟!"
سُرعان ما نفى أون وو، وركع أمام قائد الحرس يتكلَّم بهلع ويتوسَّل.
"لا يا سيدي، صدِّقني لم أقترب من محظيات الملك، أنا لا أملك الجُرءة حتى"
أومئ له ايشينغ وقال.
"من الواضح أنك جبان... انصرف!"
وقف أون وو فيما ينحني كثيرًا للقائد جانغ ويعتذر ويتعذَّر حتى أخيرًا إنصرف مُهرولًا وهو يتمسَّك بقلبِه.
راقبه ايشينغ وهو يبتعد هكذا بينما يرتعد خوفًا، وايشينغ لم يشك ولو لمِثقال ذرّة أن مثل هذا الفتى الجبان يعمل لدى الأمير تشانيول، أو أنه تجرّأ وتسلَّل إلى داخل حرم الملكة الأولى ناري.
إذ عقوبة المساس بنساء الإمبراطور من محظيات قد تصل إلى الإعدام بالرَّشقِ بالأسهُم في بعض الحالات، فكيف سيجرؤ على التَّسلُّل إلى حرم الملكة وعقوبة هذا الفعل الإعدام بالماء المغلي.
اتبع القائد جانغ جولته التفتيشيّة في محارِب القصر الملكي، فبعدِ إختفاء الإمبراطور أصبحت الحراسة مُشدَّدة أكثر، ولا يمكن للذُّباب أن يُعتِب على أعتاب القصر دون إذن.
وأما أون وو فلقد عاد إلى نقطة حراسته، وأومئ للأمير تشانيول فيما يعبره أنَّهُ أتمَّ مُهمَّتِه، وليس على الأمير أن يقلق بعد الآن.
الأمير تنفَّس الصُّعداء واستند برأسِه على قُضبان الزِّنزانة الغليظة، غدًا بالتأكيد هو يومه الحافل، وجوده هُنا مُنعزلًا عن الجميع أفاده بالكثير من النّواحي، فلقد إستطاع تصفية ذهنه والتَّخطيط لِكُلِّ شيء كما يجب، إبتداءًا من العرش وأنتهاءً بأميرته رايناه.
توقَّفَ عن التَّفكير وأغلق عينيه، عليه أن يحصل على قِسط من الراحة، لديه يوم حافل بالغد كما أنَّ العمل في مقرّاتِه السريّة يسير على قدمٍ وساق هذه الليلة، وذلك ما منع تشانيول من فعل أي شيء أكثر، فلقد وضع الطُّعم والآن حان وقتُ نيل قِسط من الرّاحة، لكنَّهُ همس قبل أن يغفو كُليًّا.
"سأدُق عُنقكِ يا ناري، فقط هذهِ الليلة تمتَّعي بأنَّكِ الملكة لآخر مرّة!"
...
في صباح اليوم التّالي؛ كان بلاط الإمبراطور مشغول برجاله من وزراء من الدرجة الأولى والثّانية والثّالثة، فيما ينتظرون أن تأتي الإمبراطورة، التي تتولّى أمور يوان مؤقَّتًا، لكن الوشوشة كانت كثيرة، والناس يتحدَّثون كثيرًا في البلاط.
"الإمبراطورة ناري تَلِج البلاط الملكي!"
نادى المُنادي من لَدُنَّ الباب، فوقف الجميع تبجيلًا لجلالة الإمبراطورة، دخلت الإمبراطورة يتبعونها حاشيتها ورَجُلين واضحين، الوزير الأول كيم جونغداي وقائد الحرس الملكي جانغ ايشينغ.
فالوزير الأول يُخبرها بما عليها أن تفعله في البلاط، وقائد الحرس يُشرِف على حمايتها، وقفت أمام العرش فيما القائد جانغ يقف خلفها يمينًا، والوزير الأول يعلو الدرجات إلى مَقرِبة من العرش.
تحدَّث إحدى الوزراء، وذلك الوزير هو إحدى المواليين للأمير تشانيول، إذ بان عليه الغضب فيما يتقدَّم بطلبه إلى الأمبراطورة.
"مولاتي آذني لي أن أتكلَّم"
أومأت له برأسِها فاتبع.
"مولاتي... نحنُ نُطالب بأن تُفرجي على الأمير تشانيول، هو لا شأن له بما حدث للإمبراطور، ونحن نملك دليل دامغ أنَّ الأمير تشانيول بريء من التُّهَم التي وجِّهت إليه، ونعلم أيضًا من المتورِّط بقضية الملك وإلى أين قد ذهب"
نظرت الإمبراطورة نحو الوزير الأول جونغداي، الذي دوره أن يَدلُّها على ما يجب أن تفعله بالبلاط، فأشار لها برأسِه أن تسمع من الوزير رغم معرفته بأنَّه من المُعارضين لِحُكم جلالة الإمبراطور بيكهيون.
فهم الآن يهدفون لشيء واحد فقط، وهو تبرئة الأمير تشانيول من التُّهم المُسندة إليه، ولو كان ذلك عبر إيجاد الإمبراطور بيكهيون وعرض الحقائق.
أشارت الإمبراطورة ناري إلى الوزير بأن يتكلَّم، إذ بعدما آذنت له تقدَّم من العرش فيما يتنحنح، ثم وضع بين يدي الوزير الأول كيم مُغلَّفًا.
فتحه الوزير ليقرأ ما فيه، وبان مُتفاجئًا على آخِره، إذ نظرت إليه الإمبراطورو بقلق ونبست.
"أيُّها الوزير كيم، تحدَّث بماذا قرأت!"
أغلق الوزير المُغلَّف وانحنى برأسه للملكة إجلالًا لها قبل أن يلتف إلى الوزراء قائلًا.
"هُناك أمر خاطئ بشأنِ هذهِ الرِّسالة، يستحيل أن يكون الإمبراطور قد مات وأنَّ الإمبراطورة متورِّطة في مَقتلِه!"
"ماذا؟!"
نبست بتلك الإمبراطورة ناري لا تُصدِّق ما تسمعه، وأصبح البلاط مُتأهِّب على ساقٍ واحدة، إسترسل الوزير.
"الإمبراطورة ناري تخلَّصت من أوفى أتباع الإمبراطور بيكهيون؛ كي يغدو دون يده اليُمنى، ويزداد ثقل العرش على كاهله، وذلك بقتلها للوزير الأول جيون جونغكوك.
ثم تخلَّصت من الأميرة بيكهي؛ لأنها عارضت على خُططها للتخلُّص من الإمبراطور، وفي الليلة التي حضَّرت فيها لإغتيال الملك قامت بخطفه وبقية أطفاله الأُمراء، قتلتهم جميعًا في الغاب وتخلَّصت من جُثثهم بالنهر، إلا أنّها تركت الملكة تاي هان في القصر، لِتُدبِّر لها ولأخيها الأمير تشانيول مكيدة، وتتهمهم بأغتيال الملك بعون من جماعة المُتمرِّدين الذين يعيشون في الغابات والجبال، تُحاول أن يبدو أن الأمير من تعاون معهم للتخلُّص من الإمبراطور بينما هي من فعلت ذلك"
الملكة ناري لم تَكُ في حالة ذهنيّة مُناسِبة تجعلها تُدرِك ما الذي يحدث من حولها وحجم التُّهَم الموجَّهة إليها، فلقد أخذتها الصَّدمة بِعِزِّها ولم تقدر أن تُدافع عن نفسها ولو بحرف واحد حتى.
تحدَّث الوزير الأول كيم جونغداي.
"وما هو دليلكم على صحة ما تقوله؟"
رَدَّ الوزير.
"لقد قبضنا على المُرتزقة، الذين إستخدمتهم الملكة لقتل الملك وخطفه، كما أننا جمعنا الكثير من الأدلة على تواطئها مع العصابات وقُطّاع الطُّرُق لقتلِ جلالة الإمبراطور"
قدّموا بين يدي البلاط عدد من المراسيم والمراسيل بختم الملكة والتي تُدينها، فهي مراسيم تآمُريّة ضد الإمبراطور بيكهيون؛ هدفها أن تودي بحياتِه.
وفي خِضَّمِّ هذا الإرتباك إنبلجت بوّابة البلاط الملكي، وظهر من خلفها سمو الأمير تشانيول مُدمى وبثيابِه الرَّثّة، لكنَّهُ كان يسير بعلياء ورأسهُ شامخًا كما يكون دومًا؛ مُمتلئً بالفخر والعِز.
سار حتى أصبح أمام الملكة، التي تعلو الدرجات القليلة نحو العرش، رفع رأسه ينظر إليها، وبانت على شفتيه إبتسامة رُغمًا عن الجروح حولها.
"وبصفتي أعلى من يتواجد في البلاط بعد الإمبراطور، فأنا آمُر بأن يتم تفتيش جناح الملكة ناري حتى أدق خصوصياتِها."
صاحت ناري بغضبٍ شديد.
"لا يحق لك أن تفعل أي شيء ضدي"
رفع حاجبه ونبس بنبرة هادئة.
"يحق لي بما أنَّكِ مُدانة جلالة الملكة"
أشار لمجموعة من الحرس وأمر.
"أرسلوا سيدات البلاط ليقومنَ بتفتيش جناح الملكة فورًا!"
تنهَّدت الملكة بِعُمق، ونظرت إلى مؤازريها، الوزير الأول وقائد الحرس، لكنهم في مثل هذا الموقف مثلها، لا يقدرون على فعل شيء بما أن الطرف الآخر يملك أدلّة دامغة ولو كانت مُلفَّقة.
خرج الأمير تشانيول إلى ساحة القصر الداخلية، التي تصل مرافق القصر بالحرم الملكي، إذ وقف بإنتظار نتائج التفتيش، كذلك وقفوا كل الوزراء برفقته، والملكة كانت تقف في ذات الموقع أيضًا، لا تشعر بالتَّوتُّر أو الخوف بل تشعر بالظُّلم، لأنها -لو ما كان أحد يدري- هي تدري أنَّه الملك أثمن ما تملك، وفي سبيله لا حرج أن تخسر حياتها.
أتت سيدة بلاط مُسرعة فيما تحمل الظرف، الذي وضعه حارس الزِّنزانة الصغير في جناحها بعنايّة، وقدمته بين يدي الأمير فيما تُخفض رأسها عنه.
"مولاي... لقد وجدتُ هذا في جناح الملكة"
تأهَّبَت الملكة ناري وتقدَّمت لترى ما هذا الظرف، والأمير تشانيول قام بفتحه ليقرأه، ثم كمش عليه بقبضته الصَّلِدة بشدة، وبان للجميع غاضبًا، إذ أحمرَّت عيناه ورمق الملكة بنظرة في غاية الكُره والحقد.
"المُهمّة تمت، ولقد قُمنا بقتلِ الملك وتخلَّصنا من جُثَّتِه مع بقيّة الأُمراء في النَّهر.... هذا ما كُتِبَ لكِ أيَّتُها الملكة في المرسول هذا!"
شهق الجميع بتفاجئ وتسلَّطت أنظار الجميع عليها، فيما هي إزدرئت جوفها وأخذت تنفي برأسها، تنفي التُّهمة عنها، لكنَّها شعرت بالخوف حينما بدأ الأمير تشانيول يتقدَّم منها فأخذت تتراجع عنه وتنبس.
"الإمبراطور لم يَمُت، أنا لم أقتله!"
رفع يده نحوها فأغمضت عيناها بقوّة، لكنَّهُ صفع التاج عن رأسها حتى أسقطه أرضًا، شهقت ناري ونظرت نحو تاجها، الذي أصبح أرضًا، فيما تسمع الأمير تشانيول بأُذن غير صاغية يأمر بنبرة عالية وغاضبة.
"اسحبوا الملكة إلى السِّجن واعلنوا الحِداد على روحِ الملك الرّاحِل"
إقترب منها الحرس، وسحبوها عِنوة وهي تحاول أن تهرب من بين أيديهم دون أن تنجح.
"لا! أنا لم أقتل جلالته! جلالته لم يمت... صدّقوني أرجوكم!"
وهكذا وقف الوزير الأول جونغداي بعجز كذلك قائد الحرس ايشينغ، لا يستطيعان فعل شيء لمساعدتها فيما هي تُساق إلى السِّجن، ومصيرها بات واضحًا؛ الموت.
صاح في البوق حامله، ونادى المُنادي في أرجاء الإمبراطوريّة أنَّ الملك توفّى، علت عباءة الإمبراطور بيكهيون الملكيّة بوابة البلاط الملكي، والناس إرتدوا الثياب البيضاء، وأُعلن الحِداد على روحه في كل رُكن من أركان الإمبراطورية.
وذلك كان إنتصار الأمير تشانيول أخيرًا، اللحظة التي حلم بها طيلة السِّنين الفارِطة، اللحظة التي لا يكون بينه وبين العرش أي مانع، اللحظة التي سيعتلي بها العرش دون أن يجرؤ أحد أن يعترض.
تلك اللحظة... التي يُصبح فيها هو المولى والحاكم والإمبراطور... الرَّجُل الأول في البلاد، الرَّجُل الذي لا يعلو مقامه أحد.
ذهب إلى قصرِه وبخدمة من النِّساء إستحم وبدَّل ثيابه إلى أُخرى في غاية الفخامة، يفوح الملكوت من بين منكبيه، تمامًا لو كان الملك.
تحدَّثَ إلى إحدى حرسه.
"هل أتت أميرتي؟"
"ليس بعد"
تبسَّم في المرآة فيما يُعاين ملامحه التي تَضُج بالرجولة والمَكر.
"أبعث لها أن تأتي حالًا"
إنحنى له الخدم والحرس وخرجوا من عِنده، وفيما هو يتقدَّم نحو سيفه المركون على المِنضدة همس.
"ألم يَكُ عليها أن تستقبل زوجها حينما يعود إليها؟!"
علَّق السيف على خصره وتبسَّم يهمِس.
"أميرتي الشقيّة... لقد إشتقتُ لها!"
تقدَّمَ من الطاولة المركونة في مُنتصف الجناح، تصطف عليها أطباق مُعبّأة بالفواكة الطازجة وأنواع من الحُلو الذي لا يعرفونه العامّة، بل هو مُخصَّص للطبقة الحاكمة فقط.
جلس عليها دون أن يقرب أيًّا من الأطباق المصفوفة بعناية أمامه، هو فقط أراح ناصيته على بين راحتيه، وأغمض عينيه.
رايناه... غاضب جدًّا منها، يود حينما يُمسِك بها أن يطرحها بين ذراعيه ويُبكيها، لكنَّهُ أشتاق لها كثيرًا، ويود أن تحتضنها ذراعيه، وعلى صدره يجعلها تنام... لا يدري إن كان يُحبُّها، ما يعرفه أنَّهُ مهووس بها، ولا يُمكن أن يتركها لأي سبب كان، ومهما كانت لا تُطيقه.
"الأميرة رايناه قد وصلت"
أعلن المُنادي من خلف الباب، فرفع الأمير بصرِه ينظر نحو الباب، الذي إنشقَّت دفتيه ليبزُغ بدره من خلفه.
شابك أصابعه أسفل ذقنه فيما ينظر لها تُساق رُغمًا عنها إليه فيما تبكي، من الواضح على هيئتها الفوضوية أنَّها تبكي مُذُّ وقت.
ما زحزح بصره عنه ولو لقيدِ نُتفة، وبدلًا من ذلك أشار لحرسه أن يخرج الجميع، ويتركونهم وحدهما.
تلفَّتت رايناه حول نفسها تستنجد بأُناس تدري جيدًا أن لا حول لهم ولا قوّة؛ لينقذوها من قبضة هذا الرَّجُل.
خرج الجميع وعمَّ الصمت مُجددًا.
"أميرتي"
همس تشانيول فإلتفتت له فيما ذقنِها يرتجف، تخشى أن يقتلها لأنها تواطئت مع الملكة ناري ضِدَّه، وما تخشاه أكثر أن يقتَّص منها بطريقة ما تكون أبشع من القتل.
"ألم تشتاقي لي؟!"
نبس وهو يجلس في مكانه لا يُحرِّك ساكنًا، فقط ينظر لها بمعالم لا تُقرأ، فلا تدري إن كان ساخطًا أو راضيًّا.
نقر بسبّابته على الطاولة وأمر هامسًا.
"تعالي إلى هنا"
إزدرئت جوفها ثم أخفضت رأسها تمسح دموعها، ثم تقدَّمت منه رُغمًا عن رغبتها الشديدة في الهروب منه، فعدم قدرتها على فهم شعوره الآن مُخيف أكثر من غضبه الصريح.
أصبحت تَقِف بجوارِه وهو ما زال لا يؤتي بحركة، إزداد إرتباكها، وأخذت تَدعك كفّيها في بعضهما البعض بتوتُّر.
"تشانيول أنا..."
"مولاي"
قاطعها يُمسك بمعصمها وأجتذبها لتجلس في حِجره، شهقت رايناه للمُفاجأة وإزدرئت جوفها في قلق حينما رفع يده نحوها.
أغلقت عيناها بخوف؛ فهي لن تحزر الآن ما الذي سيقدم عليه، لكنَّه رفع يده ليتحسَّس خطَّ فكِّها بلمسةِ تعشق.
فتحت عيناها على مرآه، فوجدته يرمقها بالنظرات، التي إعتادت أن تُحِبُّها وهي أصغر وأقل عِلمًا به، لطالما أحبَّت أن يرمقها بحُب كما يفعل الآن.
"نادِني مولاي، أنا مولاكِ مُذُّ اليوم وإلى الأبد"
إقترب منها برأسِه، ومال بوجهه لتُقابِل شفتيه شفتيها، وأخذها بِقُبلةٍ قويّة جعلتها تكمش على جفونها بقوة، لكنَّها لم تجرؤ أن تدفعه عنها أبدًا، قَبَّل شفتيها كأنَّما إنقطع عنها من طورٍ طويل من الزمن، وها هو يُلاقيها من جديد.
حلَّ أسرِه عن شفتيها وأنخفضت قُبلاته بخط مُتعرِّج إلى وجنتها، ثم فكِّها وأخيرًا عُنقها، ولأنَّ قُبلاته مؤلِّمة أنَّت وبيدها كمشت على رِداءه فابتسمت شفتيه اللاتي تَمِسَّها.
"مولاي رجاءً"
همهم وابتعد لينظر في وجهها الذي يستطيبه، فأتبعت بنبرةٍ مُنخفِضة.
"أخجل أن يرى أحد علامة منك على عُنقي"
تحسَّس بإبهامه عُنقها، ثم همس فيما ينظر لتلك البُقعة المُحمرَّة.
"لكنّي أُحبها، وستبقى موجودة لتذكرك أنتِ لمن تنتمين"
فجأة قبض على فكِّها وجعلها تنظر إليه، أنَّت مُتألِّمة ورمقت عيناه الغاضبتين بخوف.
"أنتِ تنتمين لي؛ لذا..."
تبسَّم وتلمَّس وجنتها بأطرافِ بنانه.
"هذهِ المرّة سأعفو عنكِ، لكن المرّة القادمة قد تخسري وأخسر هذا العُنق الشهي، فبدل أن أُعلِّمُه سأقطعُه، تفهمين؟!"
قضمت على شفتيها فيما ترمقه بخوف، لكنَّها أومأت له بالطّاعة، فابتسم وربّت على وجنتها فيما يقول.
"والآن أميرتي المُطيعة، إلزمي جناحِك كي أستطيع أن أجعلكِ ملكتي"
حدَّقت فيه بلا تصديق، الفزع إنتشر في كل خلية من جسدها.
"على ماذا تنوي؟!"
أنهضها عنه لتقف ثم وقف بعدها ونبس مُهدِّدًا.
"لا شأن لكِ، إن كُنتِ تريدين رأسك ابقي هنا وإلا لن أتردَّد في قتلك يا حلوتي!"
تدافعت الدموع من عيناها أمامه، وهو دفع بها عنه وخرج، لا يأبه بالتي سقطت أرضًا بفعلِ دفعته، ولا يأبه بدموعها، الطمع فقط يعمي عينيه.
....................
وأما في المَقر لجماعة القمر الدَّموي؛ فلقد طلب القادة الثلاث حضور تايهونغ وشقيقته جاهي إلى حُجرة القيادة، فذهب كلاهما إليهم.
كانوا القادة الثلاث يجلسون متجاورين وقِبالتهم مقعدين فارغين شاغرين لهؤلاء الشقيقين، جلس تايهونغ وجاهي قِبالة القادة، ثم سيهون تحدَّث فيما يُشابك أصابعه فوق الطاولة.
"الآن وقد إنتهى كُلُّ شيء، ماذا تُريدان؟
يمكنكما المُغادرة ونحن سنُأمِّن لكما معيشتكما حتى تستطيعا تولي أمريكما، ويمكنكما الإنضمام إلينا وتولي رُتَب وراتب شهري والزواج من المُنضمّين إلينا وتكوين عائلة، أي الخيارين يناسبكُما؟!"
نظر الشقيقان في بعضهما البعض، تايهيونغ أمسك بيد جاهي وتنفَّس عميقًا، فلقد أتيا إلى هنا وهما يعلمان أي الخيارين يناسبهما.
"سننظم لكم لكننا نريد شيئًا واحدًا فقط"
أشار له سيهون أن يُتبع فقال.
"نحن نريد تبرئة اسم والدنا وأستعادة أملاكنا"
تدخَّل جونغ إن في الحديث بقوله.
"والدكم كما كثير من النُّبلاء ترتبط براءة اسمه بعودة الملك إلى عرشه، إنه أمر سيلزمنا وقت طويل لتحقيقه لكنَّهُ سيتحقَّق بلا شك"
جاهي تحدَّثت.
"إذًا سنبقى معكم إلى ذلك الحين"
سُرعان ما إعترضت هيريم بنبرةٍ حازمة.
"لا يُمكن، إما أن تغادروا الآن أو تبقوا معنا للأبد، وبكلتا الحالتين سنُبرّئ اسم والدكم ونعيد لكم أملاككم"
تمسَّك تايهيونغ بيد جاهي ونبس.
"نحن سنبقى معكم للأبد"
نظرت هيريم إلى جاهي تنتظر منها أن تسمع جوابًا، فتنهَّدت جاهي وقالت.
"أنا مع أخي أينما كان"
أومأت هيريم ونهضت.
"جيّد"
خرجت هيريم من الحُجرة فيما جاهي تنظر إلى سيهون ولا ترفع عيناها عنه، فشعر بأنَّ في خلدها شيء تود قوله له لكنها تتردد، ولا ترغب أن تُفصح عنه أمام أخوها.
"جونغ إن خُذ تايهيونغ وأطلعه على رُتبته المُناسبة"
"أفكر أن أضعه قائد فرقة قتالية، مهاراته لا تمزح كما رأيت"
أومئ سيهون موافقًا، فوقف تايهيونغ فيما يُمسك بيد أخته لتنهض معه لكن سيهون قال.
"أتركها، لدينا أمرًا لنتحدَّث به"
نظر تايهيونغ إلى شقيقته فربَّتت على يده وابتسمت.
"لا تقلق، أنا سأكون بخير"
أومئ لها مُتنهِّدًا ثم خرج بصُحبة القائد جونغ إن إلى الخارج، فيما بقي القائد سيهون وقِبالته تجلس جاهي.
"ما الذي تُريدي أن تتحدَّثي به؟"
أخفضت جاهي رأسها، ثم بعدما إزدرئت جوفها بخجل نبست.
"سمعتُ أنَّهُ على كل المُجنَّدين أن يتزوجوا في أول عام من إنضمامهم للجماعة"
أومئ لها سيهون.
"نعم، عليكِ أن تتزوجي أنتِ وتايهيونغ من مُجنَّدينا في الفترة القادمة، نحن نسعى إلى النمو في أعدادنا"
تنهَّدت جاهي بخجل ثم رفعت رأسها إلى القائد تقول.
"لكن ماذا لو لم أُرِد الزواج من أي الرِّجال هنا، هل ستجبروني على أحدهم؟"
برم سيهون شفتيه ثم نبس.
"لم يحدث من قبل أن فتاة لدينا رفضت الزواج من أحد مُجنَّدينا، لذا لم يسبق لنا أن أجبرنا أحد على الزواج"
تسآلت جاهي بحذر.
"لن تجبروني إذًا؟"
أومئ لها مُجيبًا.
"لن نجبرك بالتأكيد، لكن لِمَ لا تريدي أي من مُجنَّدينا؟!"
نظرت في عينيه الحادتين الساحرتين، اللاتي وقعت لهن مُنذ الوهلة الأولى، حينما آتى لينقذها وهو يضع لِثامًا.
"في الحقيقة؛ هناك رجل أملك مشاعر ناحيته، ولا يمكنني ألا أن أُفكِّر فيه، لذا لو تزوجتُ برجل آخر لن أستطيع أن أحبه، أو أكون وفيّة له على الأقل"
إرتخى سيهون على مقعده ونبس.
"ما لم يكن ضمن جماعتنا فيؤسفني قول أنَّكِ لن تتزوجيه أبدًا"
إستجمعت جاهي شجاعتِها ونبست.
"إنَّهُ أنت"
عقد سيهون حاجبيه فأخفضت هي رأسها عنه وهمست.
"إنَّهُ أنت، الرَّجُل الذي أُحِبُّه"
رفعت رأسها إليه بعدما طال صمته وقد ظهرت الدموع بعينيها.
"أرجوك لا تُخبر أخي، لا أدري إن كانت مشاعري هذه نحو القائد خاطئة لكن ما بيدي حيلة إتجاهِها"
تمالك سيهون نفسه ثم نبس بنبرة هادئة.
"سأتزوجكِ إذًا... استعدي لذلك"
ثم حمل سيفه وخرج دون أن ينظر لردِّ فعلها، لقد إرتجفت، ثم تصلَّبت، ثم لم تُصدِّق ما سمعته أبدًا.
لقد توقعت أن ينهرها بأسوء الأحول وبأفضلها أن يرفضها، لكنه لم يقبل مشاعرها وحسب بل قرَّر أن يتزوجها أيضًا.
إبتسمت، ثم لفرطِ الخجل وضعت وجهها بين كفّيها، ولفرط السعادة بكت.
.............
كانت هيريم في الخارج تتفقد أحوال أفراد الجماعة، كُنَّ النِّساء يطبخن طعام الغداء، وحينما ظهرت هيريم في حيز الطبخ هرعت إحداهن إليها تقول.
"سيدتي، نحن نُجهِّز طعام الغداء لكننا لا نعلم ماذا نطبخ للملك وأفراد أُسرته"
"ما كُنّا نُطعمه للأميرة بيكهي والوزير جيون سنقدمه للملك"
"أمرُكِ سيدتي"
أومأت لها هيريم فأنصرفت المرأة إلى عملها، لكن هيريم إلتفتت حينما سمعت صوتًا من خلفها.
"قدِّموا لنا ما تقدموه لأنفسكم"
إنحنت هيريم لجلالة الملك وانحنى له الجميع من بعدها، ثم رفعت رأسها له وهو أشار لها.
"أنتِ تعالي معي"
ثم سار يمنحها ظهره فيما يُشابك يديه خلف ظهره، هيريم رمقت ظهره بأستياء وتبعت خطواتِه، لم يسبق لها أن تحدَّث معها أحد بتلك النبرة وهذه الطريقة، ولكنَّهُ للأسف الملك، ولا يمكنها أن تفعل شيء حيال ذلك.
لكنّها تحدَّثت فيما تسير خلفه.
"مولاي، بشأن الطعام... نحنُ نُقدم لأصغر جُندي لدينا ما نُقدِّمُه للقادة وما قدمناه للأميرة والوزير سابقًا، لذا لا تتوقع أن نُقدِّم لك طعامًا لا يليق بك"
"أنا آكل لأعيش، لا أعيش لآكل"
ثم إلتفت لها وقال.
"قُلتِ أن جولة واحدة في السوق ستثبت لي أن الشعب خلعني عنه قبل أن تخطفوني، خُذيني إلى السوق"
أخفضت رأسها بحرج ونبست.
"أمرُكَ مولاي"
وها هي وهو في السوق، كلاهما يتنكر بثياب عادية فيما يجولان السوق، ومن هنا وهناك سمع الملك أحاديث مختلفة تُدين كفاءته وشرفه وإستحقاقه للعرش.
لقد كان غاضبًا على آخره لكنه لم ينبس بحرف، فقط استمع وصدق ما قالته هذه الفتاة بجواره وعلم أنَّ الأمير تشانيول قد نجح بتشويه صورته في عيون شعبه.
هكذا جال كلاهما في أرجاء السوق حتى نادى المُنادي.
"تجمَّعوا في ساحةِ السوق لتشهدوا جميعًا إعدام الخائنة المخلوعة ناري بعدما أقدمت على خيانة جلالة الملك الأسبق بيكهيون وأغتياله وكل الأُمراء والملكة راهي"
..........................
يُتبَع...
الفصل الحادي عشر "عصر من الظلام"
الرواية التاريخيّة "العنقاء"
10th/Apr/2021
............................
سلاااااااااام
فصل ناري جديد👏👏👏👏
كثير كثير كثير تأخرت، أنا عارفة...
I'm sorry!
للأسف لما يكون التفاعل مُحبط على وحدة من رواياتي عزيمتي لكتابة أي رواية بتصير بالأرض... التفاعل بيحفز الكاتب، لهيك اتفاعلوا.
أنا ما عم بقصد قراء العنقاء، عم بقصد قراء هيبتها...
الفصل القادم بعد 100 فوت و100 كومنت.
1.رأيكم بتشانيول؟!
خُططه للتخلص من العائلة الملكية؟!
تعامله مع رايناه بعد عودته؟
3.رأيكم بجاهي وسيهون؟
جراءة جاهي لتعترف بمشاعرها؟
وتقبل سيهون لمشاعرها؟
ما هو مستقبل هذا الثنائي؟
4.الملكة ناري؟ وما مصيرها؟!
5.ماذا ستكون رد فعل بيكهيون؟
دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤
Коментарі