CH29|| مُنكسرة الفؤاد
كيم هيريم (الحسناء المُتمرِّدة)
بطلة:
العنقاء|| The King's Return
"مُنكَسِرة الفؤاد"
●●●
إرتسمَ الخوف بأعزِّ ملامحه على وجهِ الطبيبة الملكيَّة، وجمعت كفّيها تتوسَّل وتبكي بهستيريّة.
-أرجوكِ لا تؤذيني يا سيدتي!
أنا فقط طبيبة هُنا!
وقفت هيريم، وقالت فيما تنظر للطبيبة، التي تتذلَّل عند قدميها.
-لن أؤذيكِ إذا أطبقتِ فمكِ ودلَّلتني على أخي، والأهم ألا تحاولي الإيقاع بي؛ أنا لا أقع!
أومأت لها الطبيبة ونهضت تُتمتِم.
-سأدُلُّكِ عليه حالًا!
أشارت لها هيريم بعينيها أن تسير أمامها، فمشت تومئ بطاعة.
-حاضر سيدتي؛ حاضر!
سارت هيريم خلف الطبيبة، وعينيها تتفحَّص أي حركة مُريبة قد تحدُث من حولها حتى أدركت بها الطبيبة غُرفة عليها حراسة مُشدَّدة، فهمست لها من خلفِها.
-لِمَ الحراسة مُشدَّدة هكذا؟!
همست تُجيبها بنبرة مُرتجفة.
-الوزير الأول جيون أمر بتشديد الحراسة عليه ومُعالجته.
همهمت هيريم واتبعت.
-ادخليني إليه فورًا.
أوقفهما الحارس يقول بنبرةٍ ثخينة.
-لِمَ سيدة بلاط تُرافقِك؟!
إزدرئت الطبيبة جوفها بقلق وتحدَّثت.
-نحتاج أن نُنظِّف جسده، وأحضرت سيدة البلاط هذه لتُساعدني في هذهِ المُهِمَّة!
تقدَّمَ الحارس من هيريم يقول بغِلظة.
-أعطِني هويَّتِك لأتأكد!
هيريم نظرت إليه بعينين مُحتدَّة، وذلك ما لم يعجبه، ولا يُعجبها أيضًا أن يتجرَّأ أحدهم ويرفع صوته بوجهِها؛ ولكنَّها ستكظم غيظها هذهِ المرَّة لأجلِ جونغ إن.
-لِمَ تنظري إلي هكذا؟!
أعطني هويَّتك حالًا!
أخرجت هيريم الهوية من ثوبِها، وقدَّمتها للحارس، الذي تفقَّدها ثم أذِن لهما بالدخول، دخلت هيريم بعد الطبيبة، وما إن رأت جونغ إن ينام على السرير ولا يتحرَّك أبدًا، هرعت إليه تتفقَّده.
-جونغ إن!
تمسَّكت بوجنتيه، وأخذت تُربِّت عليه؛ لكنَّهُ لا يستجيب لها، بل لا يتحرَّك أبدًا. نبض قلب هيريم بخوف، وإلتفتت إلى الطبيبة تقبض على قميصِها بِشِدَّة تقول.
-أخبريني حالًا، ما به أخي؟!
لِمَ لا يستيقظ؟!
كانت الطبيبة تختنق من قبضتي هيريم المُشتدَّة عند عُنقها، وقالت بصعوبة.
-إصابتهُ خطيرة جدًا، سيحتاج وقتًا طويلًا ليتعافى ويستعيد وعيه، أظنُّه بحاجة إلى راحة طويلة، سيحتاج عِدَّة شهور ليتعافى، أسبوعين ليستيقظ.
إرتخت قبضة هيريم عن الأُخرى، ثم إقتربت من شقيقها وقد كساها بعض الهدوء، ولكن يداها ترتجف.
-أخي؛ سأعود لأجلِك... أعدُك!
إنخفضت لتطبع قُبلة على جبهتِه، وقبل أن تخرج إلتفتت إلى الطبيبة تأمُرها بنبرةٍ جافّة.
-إن تعرَّض أخي للأذى، وإن عَلِمَ أحد أنَّني أتيت إلى هنا ستدفعين الثمن حينها بروحك؛ مفهوم؟!
إنحنت لها الطبيبة بطاعة تقول في خوف.
-مفهوم سيدتي؛ مفهوم!
عادت تنظر مُجدَّدًا إلى جونغ إن، قلبها لا يطاوعها أن تتركه هنا وهكذا، ولكنَّها تعلم جيّدًا أنَّها لن تستطيع إخراجه من هُنا وهو فاقد وعيه، ليس الآن على الأقل.
ظنَّت أنَّهُ محبوس في السجنِ الملكي، لم تَكُ تدري أنَّهُ فاقد وعيه. ظنَّت أنها ستُهرِّبه وهو على قدميه، لا وهو هكذا؛ لكنَّها ستَجِد حلًا وتعود لأجله.
الآن كلا جناحيها مُصابان لا يُرفرِفان، وهي طير مكسور لا يستطيع الطيران؛ ولكن الصقور ولو قُصَّت أجنحتِها تبقى صقور.
خرجت من عنده تمسح دمعتها، ثم سارت في الخارج وهي تتفقَّد القصر، سترى بنفسِها كيف أصبحت الحراسة وتتفقَّد جواسيسها، وفيما تفعل كان الملك آتٍ يعبُر من طريقِها، فسُرعان ما أدمجت نفسها بين صفِّ سيدات البلاط كي لا ينتبه لها.
إسترقت النظر إليه، بدى مُختلفًا، في مكان عالٍ جدًا وبعيد جدًا عنها كما لو أنَّه في متناول يدها لكنَّ يدها مقطوعة.
ثيابه الملكيّة، عبائته الملكيّة، تاجه وسيفه اللذان لا يُفارقنه، كل خطوة من خطواتِه تلد هيبة، رداءه ومعالم وجهه الحادة تجعل نبض قلبها مُضطرِبًا.
لم تَكُ تشعر أنَّها تتأمَّله، ووحدها من تجرؤ وترفع رأسها نحو الملك، توقف الملك للحظة قريبًا منها، لكنَّها أخفضت رأسها تُقلِّد سيدات البلاط؛ كي لا يُلاحظها.
ثم سار مُتبعًا طريقة بلا مُلاحظات هامَّة، زفرت هيريم ملئ صدرِها براحة، الآن لو عرفها لا يُمكنها أن تدري ماذا سيفعل.
سارت مع سربِ سِت محظيّات يقودِهن إحدى الخَصي، وما كانت تملك فرصة وكل العيون هذه تُراقِب أن تتملَّص من بينهن.
دخلت إلى حرمِ النِّساء، وانتهى الحال بها في جناحِ الملكة ناري، قبضت حاجبيها مُستغربة، لِمَ أتوا إلى هنا؟!
لقد ظنَّتهُ جناحًا مهجور.
ولكن حالما دخلت ورأت من بالداخل إتسعت عيناها وشهقت بخِفة، لكن سُرعان ما أخفضت رأسِها كي لا يُلاحظها أحد؛ إنه بيكهيون.
كان يرتدي منامة بيضاء حريريّة من قطعتين وصدره مشروع، سيدات البلاط مفتونات بمفاتِن صدرِه وبطنِه.
شعرت بالغيرة الشديدة تلتهمُها.
-لِمَ واللعنة يحتاج من يُحممه ويُلبسه ثيابه؟!
كانت مُغتاظة على آخرِها وهو عُرضة للمساتٍ شهوانيّة من النِّسوة، ألا يكفي أنَّهُ يملك الكثير من النِّساء والمحظيات؟!
شدَّت قبضتيها على ثيابها مُحتدَّة المزاج فيما تَزلِف منه شأنها شأن بقيّة سيدات البلاط، كل واحدة منهن كانت تمسك بقطعة لأجلِه، وتبعنه إلى الحِمَّام الملكي.
كان حُجرة واسعة جدًا يتوسطها حوض كبير يسع خمسين شخصًا واقفين، مملوء بالمياه ووجه الماء مُغطى بالورود، تفوح رائحة الأبخرة العَطِرة، وعلى حواف الحوض توضع شموع، ثم على منضدة فاخرة يضعون لأجله الزيوت، الحليب، المُعطِّرات، والمُطهِّرات.
كان يفرد ذراعيه على حوافِ الحوض، ويضع رأسه على حافته اللينة المُخصَّصة لأجلِ رأسِه، مُسترخيًّا على آخرِه وعلى شفتيه إبتسامة جميلة.
سخرت بصوتٍ خافت، من الطبيعي أن يكون سعيد، لقد عاد له مُلكه وعُدن له نِساءه. كانت تتحرَّك مع بقية السيدات وتفعل ما يفعلنه، رغم أنها تُخطئ كثيرًا.
-أنتِ!
قال فتوقفن جميعًا وإلتفتن إليه إلَّاها، شعرت بالتَّوتُّر، أيُعقل أنه إكتشفها؟
-اخرجن جميعًا ولتبقى تلك التي تُعطيني ظهرها.
نظرت ناحيتهن جميعًا، كانت وحدها التي تعطيه ظهرها إذًا هي المقصودة، زفرت بتوتر فيما يغادرن سيدات البلاط ويرمقنها بحسد وغيرة.
-إما أنَّ الملك سيُعاقبها أو أنَّهُ سيجعلها محظيَّته.
-يا لها من محظوظة!
خرجن جميعًا خلال مُهلة قصيرة جدًا، وبقيت هيريم عالقة مع الملك.
-تعالي إلى هنا!
أغمضت عيناها بتوتر ثم إلتفتت وهي تُخفِض رأسها، كي لا تلتقط عيناه وجهها.
-أريدك أن تُحميميني وحدك!
أمرها وهذا جعل عيناها تتسع، عادة يُغازِل سيدات البلاط هكذا إذًا!
آه لو تستطيع لقتلته الآن هذا الخائن!
جلست عند رأسه وهو خلع قميصه عن بدنه، وعاد ليسترخي وعلى شفتيه تلك الإبتسامة المُستفِزَّة.
وكانت هي حقًا لا تعلم ماذا تضع أولًا عليه، ولأنها لم تفعل شيء قال.
-اسكبي على رأسي الحليب على مهل، واسكبي على جسدي!
أخذت تسخر مُقلِّدة حديثه بلا صوت، وأحضرت ما أمر، وبدل أن تسكبه على مهل رشقته به مرَّة واحدة، وقد سيطرت الغيرة على عقلِها مما جعلها لا تهتم لو كشف أمرها.
وبدلًا من أن يغضب ضحك بعدما شهق مُتفاجئً من سلوكِها العدواني.
-يُعجبني أسلوبك، يُذكرني بإحداهن!
برمت ثغرها بسخط أصبحت إحداهن ومُجرَّد ذكرى.
-احضري ذلك الزيت، ودلِّكي لي رأسي، ثم رقبتي، وكتفي!
أحضرت ما أمر به، ثم جلست قُرب رأسِه وأخذت تُدلِّك فروة رأسِه، كانت تشد على رأسه كلما همهم مُستجِمًا، ولكنها خشت أن تشد على عُنقه فتؤلمه، هذا الخائن ما زالت لا تتحمَّل إيذاءه.
وحينما أدركت كتفيه تنهَّد يغمض عينيه، وأرجع رأسه براحة... ذكرها بتلك الليلة.
إرتجفت أناملها حينما ساورتها الذكريات الحميمة والمحمومة تلك، فسحبت يدها عنه بِتُردِّد... هذا الملك الفاسق؛ تود صفعه بقوَّة!
فجأةً؛ شعرت به يجذب يدها بقوَّة لتسقط معه في الماء، وذلك جعلها تشهق بقوَّة، لقد أرعبتها فكرة أنَّهُ إكتشفها والأدهى لو كان يرغب بأن يتسلى معها وهو يُظنها سيدة بلاط فعلًا.
إزدرئت جوفها فيما تُحكِم إغلاق عيناها، لقد أصابها الجُبن بتلك اللحظة لدرجةِ أنَّها لم تَجرؤ أن تفتح عينيها وتنظر له حتى.
إلتفَّت ذراعاه حول خصرِها، وأنام رأسه على كتفِها، كان يحتضنها من خلفِها بقوَّة ويشتم الرائحة العالقة عند عُنقها، إنها ذات الرائحة دومًا... تخشى أن يكتشفها.
أزفرت وأشاحت وجهها بعيدًا عن جهتِه حينما غمر أنفه عند أُذنِها ثم هُناك طبع قُبلة جعلتها تقضم على شفتيها بقوَّة؛ كي لا تسمح لأي صوت بأن يخرج من بين شفتيها.
أدارها إليه برفق، ثم أحسَّت بأطرافِ أنامله الباردة تَسير برِفق على وجنتِها، وكذلك سمعت همساتِه الخافتة قُرب وجهِها.
-إشتقتُ لكِ!
فتحت عيناها وكان أمامها، يبتسم لها إبتسامته تلك، التي تحفظها في قلبِها، هذه الإبتسامة التي جعلته حُلوًا في عينيها في الكثير من المواقف، مثل الآن ودائمًا.
-هل كُنتِ بخير؟
تسآل فأومأت له بلا كلام وهي تنظر في عينيه.
-هل تدَّعي الآن أنَّكَ قَلِق بشأني فيما كُنتَ تُغازِل سيدة بلاط؟!
ضحك ونفى برأسِه ثم إحتضنها برِفق بين ذراعيه.
-لقد عرفتُكِ من اللحظة التي رأيتُكِ بها في حديقة القصر، كُنتِ الوحيدة التي ترفع رأسها أثناء حضوري، وستبقين الوحيدة!
أمسك بوجهِها براحتيه، وهمس فيما ينظر في عينيها.
-أخيرًا أنتِ معي!
أرادت أن تتكلَّم، لكنَّهُ سدَّ ثغرها بشفتيه، وأخذ يُقبلها بنهم ولكن برِفق، هيريم في هذهِ اللحظة وضعت كُل شيء جانبًا، وفقط حُب حياتها وضعته نُصب عينيها.
تلمَّست براحتيها صدره صعودًا إلى كتفيه، ثم أحاطت عُنقه بِحُب وعلى مَهل، وحينما بدأت تُبادله بخِبرتها الشحيحة تبسَّم أثناء القُبلة؛ تحمل السيف وتضرب بالسهم، ولا تعرف كيف تُقبِّل... متوحِّشة ولكنَّها بريئة؛ لهذا السبب يُحبُها.
فصل القُبلة وسند جبهته على جبهتها فيما يداه تُحيط وجهها وعُنقها، كلاهما يغمض عينيه، وكل منهما يتنفَّس أنفاس الآخر؛ حينها همست له.
-أنتَ ستترُكني أذهب؛ أوليس؟!
فتح عيناه ونظر لها، وإن كان الصمت دائمًا علامة الرضى فهو حتمًا الآن علامة الرفض، فتحت عيناها ونظرت له، كان يرمُقها مُستنكِرًا ما قالت ويداه إشتدَّت على وجهِها وعُنقها.
-لِمَ أتيتِ لو كنتِ لم تأتي لأجلي هيريم؟!
تنهَّدت هيريم وأزاحت يداه عنها تقول.
-لقد أتيتُ لآخذ أخي.
لاك فكَّه في لحظةِ إستيعاب، ثم أومئ وضحك.
-عُذرًا؛ لقد نسيت أنَّ لكِ جواسيس حولي، بالتأكيد علمتِ أنَّ جونغ إن عندي!
خرج من الماء، فأشاحت ببصرِها عن بدنِه وقد طفت حُمرة الخجل في خدَّيها، حينها ضحك وهو يرى تورُّدها فيما يرتدي روبه الحريري.
-لِمَ الخجل؟!
أنتِ لم تَري كل جُزء مني فحسب، بل وأحسستِ به!
وقفت هيريم تزفُر بتوتُّر وخجل، ثم إستطردت وقد وجَّهت حديثها له.
-دعني آخذ أخي واذهب!
قهقه بإستهجان، ثم إقترب منها يحتلَّه الغضب، أمسك بعِضدِها وسحبها معه خارج الحوض، أوقفها قِبالته فيما قبضتيه مُشتدَّة على كتفيها.
-أظُنُّكِ تعلمين كفاية لتُدركي أنّي لن أخلي سبيل أخاكِ ولا حتى سبيلك مهما حدث، أنتِ وهو ستبقيان هُنا!
تعقَّدت ملامحها تستنكر.
-ماذا؟!
تبسَّم ثغره بلؤم وقال.
-ماذا ظننتِ؟!
هل لأنكم أعدتُم لي عرشي ذلك سيمسح لكم كُلَّ جرائمكم المُسجَّلة في عهدي؟!
عقدت هيريم حاجبيها فيما لا تُصدِّق ولا حرفًا مِمّا قاله.
-ماذا؟!
بان له وجهًا آخر لا تعرفه، لقد إنكسر بها شيء في تلك اللحظة؛ قلبها وثقتها الحمقاء به
-لا يا عزيزتي؛ لقد أمرتُ بفتحِ التحقيق بالفعل!
قضمت شِفَّتها تحاول السيطرة على أعصابها، التي تتفلَّت منها، وعيناها تكدَّرت بالدموع.
-لا أُصدِّق!
لقد وثقتُ بك كالحمقاء، وصدَّقتُ وعدك بيني وبين نفسي.
هل أنتَ تقول الآن أنَّ وعودك تلك كُلُّها مُزيَّفة كذلك حُبُّك؟!
تنهَّد بطريقة لا تفهمها، ولم يُجبها بشيء فأخذت نبرة صوتها ترتفع شيئًا فشيئًا عليه وهي تضرب صدره بقبضتيها.
-هل خدعتني؟!
هل كنتُ الحاوية التي تُفرِغ بها شهواتك حينما لم تَكُ تملك خيارًا آخر؟!
-اخرسي!
رفع يده ولطم بها وجنتِها بأقوى ما يستطيع، فصرخت مشدوهة وقلبها يتألَّم أكثر من وجهها، وتمَّكنت منها صفعته فأسقطتها أرضًا عند قدميه.
تمسَّكت بوجنتِها وهي تنظر إليه مُنكسرة ومُستنكرة، وبيكهيون شدَّ يده، التي ضربها بها، كقبضة حينما أدرك ما فعل بلحظةِ توتُّر، ثم أبرز لها سبّابة مُحذِّرًا وهو يصر على أسنانه.
-لا تنسي مع من تتحدَّثين حينما تقفي أمامي، وأيَّاكِ أن تطاولي علي مُجدَّدًا، لا أدري حينها ما أفعل؛ فلا أغلى علي شيء من عِزّي وكرامتي، ولا حتى أنتِ يا هيريم!
تداركت نفسها في تلك اللحظة، لقد عادت معه إلى تلك الفترة السحيقة؛ الأمبراطور والبربريّة.
أومأت له فيما تَقِف، ثم أخفضت رأسها له بطاعة للمولى، وإنحنت تقول.
-أعتذر يا صاحب الجلالة على وقاحتي معك؛ أرجو أن تغفر لي يا مولاي، أنا أعتذر لجلالتِك!
تنهَّد وأخفض جفونه يساوره النَّدم، ولكنهُ لن يُظهِر ذلك لها أبدًا. هيبة الملك لن تسمح له أن يتنازل بعد الآن.
تراجعت هيريم تبغي الرحيل، ولكنَّهُ أوقفها بِصوتِه الحاد.
-إلى أين تظُني نفسكِ ذاهبة؟!
إشتدت قبضتيها على ثيابها وتوسَّلت.
-دعني اذهب أرجوك!
نفى برأسِه يرفض طلبها فيما يتقدَّم منها، وحينما شعرت بخطواتِه تُدرِكها تراجعت عنه، وإلتفتت تخرُج مُسرعة من الحمام؛ لكنَّهُ أمسك بعضدِها قبل أن تستطيع أن تهرُب منه في جناحِه.
جعلها تلتفت إليه وصرَّح مُهسهِسًا بتسلُّط.
-أنتِ ستبقي هُنا عندي!
حاولت تحرير يديها منه، لكنَّها لا تقدر عليه، ولا تستطيع أن تؤذيه لِتتحرَّر من قبضتِه. يبقى جلالة الملك، الذي تعهدت له لو رفع سيفه ليضرب عُنقها فهي ستُخفِض رأسها له طوعًا لأمره، ولكنَّها ستضرب سيفه الذي سيمتد على إحدى شقيقيها.
-ماذا ستفعل بأخي؟!
ثبَّتها ضِد إحدى الأعمدة قائلًا.
-سيبقى عندي حاليًّا؟!
-حاليًّا؟!
ماذا يعني ذلك؟!
-لم أُقرِّر بشأنه بعد.
إبتلعت غصَّتها وهي تنظر في عينيه القاسية.
-مولاي، حينما صفعتني أخفضتُ رأسي لك بطاعة إجلالًا لمقامك، ولكن قلتُ لك سابقًا وسُأكرِّر لجلالتك؛ لن أحني لكَ رأس إخوتي أبدًا!
إرتفع حاجبه بسخط وشدَّ على عضديها يقول.
-ماذا يُمكنكِ أن تفعلي؛ أخبريني!
إستطردت بعد فينة من الصمت.
-لعلمكَ فقط؛ إكتشفتُ أسماء رَجُلين ساعداني حينما أسرني الأمير تشانيول، وهما ليس من أعواني بل هما مُخلصان للمملكة؛ الوزير الأول والطبيب الملكي.
-لم تُخبريني؛ ماذا ستفعلين؟!
نظرت في عينيه المُحتدَّة وقالت بنبرةٍ ليّنة.
-سأعود لأجلِ أخي لاحقًا؛ الآن سأُغادر!
شعر بها تضع إبرة صغيرة في فخذِه شلَّته عن الحركة وهمست.
-أنا آسفة جلالتَك!
صرخ بالحرس فيما لا يستطيع الحركة.
-أمسكوا بها!
لكنَّها إستلَّت من يد أحدهم سيفه، وصدَّت ضرباتهم فيما تُحاول ألا تؤذيهم، هرعت إلى الخارج والكثير من الحرس يحاولون الإمساك بها، لكنَّها تتصدَّى لكل ضرباتهم ببراعة، ثم هربت عبر أسوار القصر.
وآخر ما لمحته في القصر هو بيكهيون، الذي يعرج على قدمِه ويصرخ بحرسِه ليمسكوا بها، أخيرًا سقطت دمعتها حينها فيما تراه لآخر لحظة قبل أن تختفي تمامًا من أمامِهم.
وصلت هيريم إلى المقر الرئيسي حيثُ طلبت منهم أن ينتقلوا، كانت السماء دهماء والهدوء مُنتشر، حينما وصلت المقر رأت تايهيونغ يقف بإنتظارِها في الخارج، ربَّتت على ذراعه فورما أدركته.
-تايهيونغ؛ من الجيد رؤيتك بخير!
كانت معالم وجهها مكظومة بأستياء، كل الضيق كان مرسومًا على وجهها، الحِمل ثقيل جدًا على كتفيها، الآن باتت عامود هذه الجماعة الوحيد.
تايهيونغ لاحظ ضيق حالها؛ لذا إحترم ذلك واتبعها بصمت إلى الداخل.
-كيف أصبحت حالة سيهون؟
أجابها تايهيونغ فيما يدخل خلفها إلى القاعة.
-الأطباء يقولون أنَّهُ يتحسَّن، نرجو أن يستيقظ قريبًا.
أومأت مُتنهِّدة وقد جلست على رأس الطاولة وتايهيونغ جلس على يمينها.
-ماذا حدث معكِ؟
تذكَّرت كلام بيكهيون، الذي كسر جدارًا ظنَّتهُ سميكًا جدًا، ولكنَّهُ تكسَّر.
-جونغ إن في غيبوبة وحالتهُ سيئة جدًا، لم أستطِع إخراجه من هناك!
تنهَّد تايهيونغ بأستياء وقال.
-والآن ماذا ستفعلين؟!
-من الخطر على حياة جونغ إن أن أُخرجه الآن، سأترك أمره حتى يتحسَّن ثم سنذهب لنحضره ولو عنى ذلك قيام حرب أُخرى لأجلِ هذا الهدف!
إستطردت فيما تنظر إلى تايهيونغ.
-هل من جديد؟!
أومئ واتبع.
-القائد جون ميون وصل قبل وصولك بقليل بجُثَّة يظنوها للأمير تشانيول.
نهضت هيريم بإرشاد تايهيونغ إلى حيث وضعوا الجُثة، إذ كانوا يضعونها بإحترام على سرير طبّي أجرد، ويضعون فوقه غطاء خفيف أبيض.
-الحيوانات كانت قد هاجمت المكان، وكُل الجُثث كانت مشوَّهة بمخالب الحيوانات وأنيابهم. دفنّا الجُثث وأحضرنا جُثة الأمير إلى هنا.
كانت للجُثة رائحة تعفُّن بالفعل، ولكن لم يُظهر أي أحد منهم أستياءه من الرائحة، كشفت عن وجهِه فعقدت ملامحها؛ شكله مُنفر جدًا.
-كيف أنتُم مُتأكدين أنَّهُ الأمير تشانيول؟
أجابها تايهيونغ.
-إنه يرتدي ملابس ملكيّة، والجُرح في عُنقِه بنفسِ المكان، كما أنَّها هيئته، نفس الطول والوزن، كذلك طول الشعر، وبدنه مفتول... يستحيل أن يكون أحد غير الأمير.
تنهَّدت هيريم وأومأت له تقول.
-سنذهب به إلى القصر غدًا صباحًا... عاملوه بإحترام حتى ذلك الوقت.
كاد أن ينحني لها تايهيونغ، ولكنها منعته حينما أمسكت بكتفه، ثم ربَّتت عليه فيما تخرج.
-لا داعي!
ذهبت إلى حُجرة سيهون؛ لتتفقَّد حالته. وجدت عنده جاهي فقالت لها.
-أنتِ مُتعبة جدًا، اذهبي ونامي في غرفتي وأنا سأبقى عنده الليلة!
رفضت جاهي وهي تمسح على رأسه بلمساتٍ حنونة.
-لا أستطيع؛ لن يرتاح قلبي لو تركته.
-لا تقلقي عليه، أنا معه يمكنكِ الذهاب!
-لكن...!
أمرت بنبرةٍ حازمة.
-هذه أوامر القائدة!
تنهَّدت جاهي وخرجت تِبعًا لأوامر القائدة، جلست هيريم قُرب فراش سيهون حملت يدها إلى شفتيها وقبَّلتها، ثم بيدِها الأخرى أخذت تمسح على رأسه تهمس.
-أخي؛ متى تستيقظ؟
لقد أطلتَ الغياب وأنا اشتقتُ لك كثيرًا، الآن أشعر بكم كانت المسؤولية على كتفيك ثقيلة، نحنُ، وكل الجماعة، وكل الهموم معًا.
جونغ إن أيضًا مريض وبعيد عنا جدًا، وأنا لا أعرف ماذا أفعل الآن، ألا يُمكنك أن تستيقظ الآن؟!
الآن أتفهم شِدَّتك في بعضِ الأحيان وقسوتك، أستيقظ رجاءً، ما عدتُ أُطيق الوقوف وحدي.
●●●
في صباحِ اليوم التالي؛ إجتمعت حاشية الملك المخلوع للخضوعِ للمُحاكمة في بلاطِ الملك الفسيح.
-جلالة الملك بيكهيون تيمور خان يُشرِّفُكم بحضورِه.
الجميع وقف وأخفضوا رؤوسهم إجلالًا لصاحب الجلالة، دخل بيكهيون فيما يضع تاجه على رأسه ويحمل سيفه بيدِه.
بدى مُعكَّرًا جدًا وغاضبًا كما لو أنَّ يوم الحِساب هذا سينتهي بالجحيم. جلس على عرشه، ثم أشار لجونغكوك بصفتِه وزيره الأول ولجونغداي بصفتِه وزيره الثاني أن يقفا في ظهرِه، وعلى درجات سُلَّم العرش يقف قائد الحرس الملكي -ايشينغ- بثيابه الدهماء وملامحه الباردة يحمل سيفه على خصرِه جاهزًا لنحرِ الأعناق.
مدَّ بيكهيون يده ناحية جونغداي فوضع بها قائمة بالأسماء المُدانة، ثم نظر إلى المُقيدين أمامه، بعضهم يعرفهم وبعضهم لا يعرفهم.
-الوزراء، الذين كانوا في حاشيتي وثبُتَ ولاءهم للأميرِ تشانيول سيواجهون حُكم الإعدام بِصفتهم خونة.
سُرعان ما جثى كثيرًا منهم يتوسَّلون مولاهم العفو؛ لكن لا يُمكن... هؤلاء سيتحوَّلوا إلى خونة بلا أي مكانة إجتماعيّة على الإطلاق، وهذا عقاب قليل عليهم بما أنَّهُ سينتهي بالمِقصلة.
أشاح عنهم ببرود واتبع.
-الوزراء الذين توَّلوا أمور البلاط الملكي في حُكم الملك تشانيول وثبت ولاءهم له؛ فسأنفيهم خارج يوان بعدما نُصادر كل مُمتلكاتهم منهم ونُجرِّدهم من مكانتهم الإجتماعية.
النصف الذي كان يقف جثى يتوسَّل صاحب الجلالة الرحمة والعفو إلا واحد كان يقف ويخفض رأسه بأسف على الحال الذي آل له، صحيح أنَّهُ دخل إلى البلاط كوزير للملك تشانيول؛ لكنَّهُ أراد الإصلاح لهذهِ البلاد بعدما أستيقظ من غفلتِه.
الملك كان ينظر إليه تحديدًا ثم قال بصوتٍ جهور ونبرةٍ حازمة.
-الوزير الأول بارك جيمين؛ فليتقدم أمامي هنا!
نظر جيمين ناحية العرش مذهولًا، ثم أخفض بصره بتأدُّب وتقدَّم من العرش.
-بأمرِ مولاي!
-بلغني من مصدر أثق به أشد الثِّقة أنَّ ولاء الوزير الأول بارك جيمين كان للمملكة وليس للملك تشانيول؛ لذا أنتَ معفي من العقوبة، وسأُعينك بمنصب وزيري الثالث.
ذُهِل جيمين من هذا القرار المُفاجئ، الذي هو إكرام له وليس عِقاب، سُرعان ما جثى أرضًا على رُكبتِه وأخفض رأسه.
-غمرني عطفك جلالتك!
اتبع جلالة الملك بيكهيون.
-أنتَ مسؤول عن التحقيق بموظفين القصر، الذي عيَّنهم الملك الراحل، وعليكَ أن تتأكد بأنهم يستحقون مناصبهم بقدراتهم وليس بأنسابهم. وليس فقط الموظفين بالقصر بل وكل الموظفين الحكوميين، الذين عُينوا بعدي.
أخفض رأسه في طاعة.
-أمركَ جلالتك!
أومئ بيكهيون ثم اتبع مُناديًّا.
-وزير جونغداي!
تقدَّم جونغداي ليقف أمام عرش المولى مُخفضًا رأسه بطاعة.
-تحت أمر مولاي!
أتبع بيكهيون بنبرة آمرة.
-أبحث لي عن نسائي جميعهن... أريدهن في حرم النساء مُكرَّمات مُعزَّزات والأهم أن يَكُن بخير.
وامنح الخيار لنساءِ الأمير تشانيول العذراوات بين الإنضمام لنسائي أو مغادرة الحرم، والبقية وفِّر لهن حياة جيدة خارج القصر.
أخفض جونغداي رأسه بطاعة.
-أمرُ مولاي!
أومئ له، ثم نادى مُجدَّدًا.
-الوزير جونغكوك!
آتى جونغكوك وانحنى أمام العرش كما فعل الوزيران قبله مُنصتًا إلى أمرِ جلالته.
-أريد منك أن تتولّى أمر التحقيق بقادة جماعة القمر الدموي، وأريد أن أعرف تاريخهم كامل، كذلك كل فرد من أفرادهم... أريد تحقيقًا مُفصَّل.
وقف بيكهيون وترجَّل عن درجات السُّلَّم فقلده الجميع في طاعة إذ وقفوا، حينها أعلن.
-حكم الأعدام بحقِ جماعة القمر الدموي متوقِّف ولا يمكن تنفيذه.
-أمرُ مولاي!
أخفضوا رؤوسهم في طاعة، ثم هو إقترب من وزراءه الثلاث؛ إذ همس لجونغكوك على قدر سمعه.
-مسؤوليتك أن تحمي القائد جونغ إن وتوفر له العلاج اللازم.
-أمر جلالتك!
ثم اقترب من جيمين وهمس له.
-الطبيب كيم سوكجين معفي من تحقيقك، أعده إلى منصبه بهدوء.
-أمرك جلالتك!
ثم دخل حارس على إستعجال يقول مُخفضًا رأسه.
-أرجو المعذرة يا مولاي؛ قائدة المُتمرِّدين ستعلن أمرًا ما في الساحة!
قبض بيكهيون حاجبيه بإستغراب وشيئًا من الغضب؛ بالأمسِ هربت منه واليوم تأتي وتتبختر بقوتِها أمامه، سلك طريقه نحو شُرفة القصر فيما يتبعونه وزراءه، وهو أمَر ايشينغ أثناء ذلك.
-اقبضوا عليها، أُريدها أمامي حالًا دون أن يمسسها ضرر!
جونغداي، وايشينغ، كذلك جونغكوك تبادلوا نظراتٍ مُحتارة، نبرته القاسيّة ليست نبرة مُحِب أبدًا؛ أتكون السُّلطة؟!
-أمرُكَ جلالتك!
زفر فيما يبسِط كفّاه على سِوار الشُّرفة، حينها بدأ يسمع صهيل الأحصنة ويرى أعلامًا سوداء ينتصفها نِصف قمر دموي تُرفرِف.
ظهرت هيريم مثل ظهورها البطولي ككل مرة تأتي فيها إلى هنا؛ إذ إنزاحت الأحصنة عن طريق فرسِها حتى أصبحت في مُقدِّمتِهم، تضع سيفها على خصرِها وتحمل على ظهرِها كنانة الأسهم والقوس، ترتدي ثيابًا سوداء طويلة تدرك رُكبتيها وتضع لِثامًا يغطي وجهها، وتركت شعرها حُر على كتفيها؛ لم تربطه على غير العادة.
صعدت المنصَّة بفرسِها، ولم تنظر نحو شُرفِ القصر أبدًا، ثم أعلنت بصوتٍ جهور وقوي.
-سبق وأن أعلنت أنَّني قتلت الأمير تشانيول، واليوم نحن أحضرنا جُثَّته لتحصُل على التقدير والإحترام.
نظرت نحو تايهيونغ، الذي يُرافقها، وأشارت له بإيماءة ففهم وأومئ.
-ضعوا الجُثَّة بحذر على المنصة!
أمر تايهيونغ الرِّجال فتحرَّكوا بطاعة لتنفيذ أوامره. نزلت هيريم عن المنصَّة واقتربت من تايهيونغ، وذلك ما جعل قبضة بيكهيون على شُرفتِه الملكية تشتد على آخرها، ثم ضربها بالسور بقوَّة يصيح.
-أحضروهم إلي حالًا!
إلتفتت هيريم حينما سمعت صحيته، ثم رأت ايشينغ على فرسه مع ثُلَّة من الحرس الملكيين يبغي مُهاجمتها فصاحت في رجالها.
-تراجعوا حالًا!
وكان عليها أن تُخرِج سيفها لِتَصُد سيف ايشينغ، الذي رفعه لمُقاتلتها، دفعته عنها وقالت.
-لا أريد أن أرفع سيفي بوجهك أيُّها القائد؛ لذا توخّى الحذر وأنتَ تُحاول تنفيذ أوامر ملكك، التي لن تستطيع تنفيذها أبدًا!
أجاب فيما يُقاتلها بتهاون كما تفعل.
-ولا أنا أرغب برفعِ سيفي في وجهِك، ولكنني مُضطر أن أنصاع لأوامر صاحب الجلالة!
أومأت وتبسَّم سِنها بجُرءة.
-أتفهم ذلك!
بدأت تُقاتله بضراوة وقوَّة، كانت قاسية كما لو أنَّها تُقاتل عدوَّها، ايشينغ ليس عدوَّها ولا حتى الملك، هي تُنقذ جماعتها لا أكثر ولا أقل.
وبيكهيون إكتفى من المُشاهدة، التي لا تُقدِّم عونًا أبدًا، نزل إلى بوابة القصر فيما يتبعونه وزراءه وحرسه يحاولون إيقافه، ولكنه لا يستمع أبدًا لهم.
أخرج سيفه فورما أصبح خارج القصر، وقصد هيريم؛ أراد أن يُمسك بها ويضعها في قصرِه مهما كلَّفه الأمر حتى لو شكَّل ذلك خطرًا على حياته.
حالما رأته هيريم يقترب حاولت التملُّص من ايشينغ؛ لكنها لا تستطيع. زفرت بسخط وما إستطاعت أن تفعل أي شيء، قصدها بيكهيون على حصان وحالما رفع سيفه ناحيتها صدَّته فاستنكر.
-قلتِ أنَّكِ لن تَصُدي سيفي أبدًا!
فتبسَّمت وتوجعت عيناها.
-أخشى أنَّني أصُده الآن وكل تلك الرِّقاب مُتَّصِلة بمصيري!
إنسابت دمعة إختبأت خلف لِثامها.
-لا يُمكنني الإمتثال لأوامرك في هذه الظروف يا مولاي!
صاح بيكهيون آمرًا وهو ينظر في عينيها.
-ضعوا بالأسرِ كل من تقدروا عليه منهم!
صاحت تأمر وهي تنظر في عينيه.
-لا تسمحوا لأحد أن يقدر عليكم!
تبسَّم بيكهيون بغضب، ورفع سيفه يضربها به، ولكنَّها صدَّته دون أن تُهاجم حتى ضربها ضربة لم تستطِع صدَّها؛ ولكنًّهُ لم يجرحها. أصبح سيفه عند قلبِها.
-أمسكتُ بكِ!
همس متوشحًا بإبتسامة نصر؛ فعلَّقت بيأس وبؤس.
-يُمكنك طعني لو أردت؛ فأنتَ قد طعنت قلبي بالفعل!
صدَّت سيفه بكل القوة الكامنة في بدنِها حينما تخلَّلتهُ لحظة ضعف؛ فأودَت بسيفه أرضًا وهربت، وهو فقط إبتسم مُستنكرًا وساخرًا؛ كيف أنَّ كلمتها أضعفت قلبه قبل يدِه.
-هل أوجعتُكِ يا قلبي؟!
لا يدري ما حاله مع هذه المرأة، يود لو يحتضنها بين أضلُعِه حتى تختلط أضلُعِها، ويود أن يكسر لها رأسها اليابس ذاك ويقص لها لسانها السليط، لكنَّ وجعها يراه ويحِس فيه؛ يوجعه.
كيف وقع في حُبِّ إمرأة مُحاربة عاشت في البراري وتلبس كالرجال؟!
إنها غالية على قلبِه ولا يستطيع أن يُنكِر ولو انكر سلوكه، هي قطعة من قلبه وتسكن في شِغافه.
شغوف في حُبِّها وملهوف وذلك ما يجعله يُسيء التصرُّف أحيانًا بل في أحيان كثيرة، يريد أن يضعها في قصره، وينوِّر بها حياته، ألا يُمكِن؟!
للمرة الثانية يترُكها تذهب، وتترك خلفها له كل الشوق واللهفة والشغف، يريد أن تنام بين ذراعيه وأن يُنشد لها، يريد أن ينام على مرآها ويستيقظ على مرآها، يريد أن تكون في حياته كل يوم، وكل ساعة، وكل حين.
عاد أدراجه إلى القصر وهو يفكر بها، من الأمسِ لم تغفو له عينًا من بعد لقائهم في الحمام، إستمر بالتفكير بها وفُقدانها كلما أبصر الجانب الفارغ من السرير.
تبعه وزراءه إلى مكتبه كذلك قائد الحرس الملكي، وقفوا في صف أُفقي ويخفضون رؤوسهم أمامه.
كان يعطيهم ظهره وبدى مُستاءً وغاضبًا، صحيح أنَّهُ يُحِب هيريم ولكنه لا يمكنه السكوت عن الجماعة، لا يمكن أن تتواجد سُلطة في هذه المملكة غير سُلطته.
ضرب بقبضتيه الطاولة بغضب وهسهس.
-أريد أن أُنهي هذه الجماعة، أريد أن أُفككها!
إلتفَّ إلى وزراءه وسأل جونغكوك.
-كيف حال جونغ إن، ألم يستفِق بعد؟
-لا مولاي؛ ما زال في غيبوبة، وضعه صعب وجدَّي للغاية، يقول الأطباء أنه سيحتاج لفترة حتى يستيقظ.
شدَّ على فكِّه بغضب وقال.
-احضر لي تشا اونو حالًا!
-أمركَ مولاي!
خرج جونغكوك ليحضره، ثم بيكهيون أمر جونغداي وجيمين.
-تكفَّلا بإقامة جنازة لائقة لصاحب السمو الراحل، واعلنوا الحِداد على روحه ثلاثة أيام، وابنو له صرحًا في المقبرة الملكيّة.
اعترض جونغداي مُستنكرًا.
-لكن يا مولاي؛ الأمير لا يستحق إظهار كل هذا الإحترام له، إنَّهُ...
ما سمح له بيكهيون أن يوفي حديثه حينما رفع يده وهو يمنعه عن إيفاء حديثه.
-سنذكر محاسنه فقط، لقد تولّى قيادة الجيش في سن صغير جدًا، وبسببه توسَّعت مملكتنا توسعًا شاسعًا، لقد خدمني وخدم شعبي أكثر مما أساء لنا، وذلك يتوجَّب علينا الإعتراف به.
جيمين الآن يتعرَّف على ملكه الجديد لأولِ مرة، الملك بيكهيون يظهر كمًا كبيرًا من التعاطف لم يكن الملك تشانيول يملك ذرة منه، الآن بات يدري أنَّ ليس كل ما يُكتَب على الورق صحيح، لو كانت الأماكن بالعكس لما فعل تشانيول أي شيء مما فعله بيكهيون لأجله في وداعه الأخير.
أتى تشا أونو مع جونغكوك وهو يقبض على ثيابه من خلاف ودفعه عند قدمي الملك، وأونو كان يرتجف خوفًا.
-أنت ما زِلت تذكر أنَّك ساعدت في قتلِ زوجتي الملكة؛ أليس كذلك؟
إرتجف أونو مرعوبًا وقال.
-مولاي؛ أرجوكَ اعفو عني!
إنحنى بيكهيون ليجلس القرفصاء قرب أونو، ورفع وجهه إليه من ذقنه يقول.
-الطريقة الوحيدة التي تجعلني أعفو عنك أن تكون نجحت في مُهمتك التي أوكلتك بها.
جونغكوك ضيَّقَ بين حاجبيه مُستغربًا، هذا أمر لا يعرف عنه، وبيكهيون اتبع.
-قُل لي؛ ماذا علمتَ عن جماعة القمر الدموي؟
ولو قُلتَ لا شيء هذا يعني أنَّكَ لم تنجح في مُهمتك ويتوجب علي قتلك، ولو كذبت علي ستواجه نفس المصير أيضًا... هيا اخبرني؛ ماذا عرفتَ عنهم؟!
سالت دموع أونو على خدَّيه بوفرة، لولا قلبه الضعيف وشخصيته الهشَّة لما تورَّط في قضية الملكة ناري من الأساس.
-مولاي؛ صدِّقني حاولت بِكُلِّ جُهدي؛ ولكن ما أملكه من معلومات لا يكفي لإرضائك!
إرتفع حاجب بيكهيون بسخط ونبس.
-أنا من يُقرِّر؛ هيا اخبرني بِمَ تعرِفه!
إبتلع أونو جوفه المُنساب، ورفع رأسه نحو الملك يقول بنبرةٍ خائفة وكان بدنه يرتجف.
-لقد سمعتُ بعض القِصص بين المُجنَّدين، إكتشفتُ منها بضعةِ أمور.
همهم بيكهيون إشارةً للآخر كي يُتبِع فأومئ بطاعة واتبع.
-جلالتك؛ إكتشفتُ أنَّ جميع المُجنَّدين والمُجنَّدات هم في الأصل أبناء نُبلاء أُتِّهموا بجرائم عُظمى دون حق، قُتِلوا والجماعة أنقذت أبنائهم حينما ضمَّتهم إليها؛ الفتيات كُن سيواجهن مصير بائعات الهوى في دار المحظيات، والصبيان سيُباعون كعبيد، والذي يحاول الهرب منهم سيضطَّر للهرب طيلة حياته من صائدي العبيد، وأما من لم تكن به فائدة سيقتلونه كالشيوخ، والمرضى، والأطفال الصِّغار جدًا.
ضمَّ بيكهيون قبضته واستنكر مُهسهِسًا.
-هل تقول أنَّ كُلَّ أفراد الجماعة هم بالأصلِ نُبلاء؟!
أخفض أونو وجهه عن مولاه مُجيبًا.
-نعم مولاي؛ جميعهم بلا إستثناء حتى القادة؛ الجماعة كانت ملجأهم جميعًا.
في البداية جميعهم إلتحقوا بها؛ لسداد ثمن تحريرهم على يد القادة؛ إذ يدينون للقادة بِمُهمة واحدة، يقومون بها ثم القادة يخيرونهم بين البقاء معهم أو الذهاب في سلام، ولا أحد منهم أبدًا إختار الذهاب وترك الجماعة.
وحين ينقذون أحدًا من العبوديّة؛ يبعثون مرسومًا لجلالتك عن قضيته، ولكنَّهم توقفوا عن ذلك حينما أصبحتَ عندهم.
وقف بيكهيون ووضع ذراعيه خلف ظهره، الآن يفهم الكثير من الأمور، التي ما كان يجد لها تفسيرًا من قبل.
كانت تصله إلتماسات كثيرة بقضايا النُبلاء، الذين يموتون بعد إتهامهم بجريمة كُبرى، الآن يفهم أنَّ الجماعة من كانت تبعث له هذه الإلتماسات؛ إذًا هم لم يفقدوا أملهم كُليًّا بعدالتِه، لكنَّهُ خيَّب ظنونهم؛ لقد كانت على أكتافه الكثير من المشاكل التي تُشغله وتؤرِّقه.
لقد كانت الجماعة لهؤلاء الناس ملجأ حمايتهم، المكان الذي يحميهم، ويرعاهم، ويهتم بهم... بينما هو لم يفعل أي شيء لأفراد شعبه الثكالى هؤلاء.
لقد فضَّلوا الإنضمام لجماعةِ المُتمرِّدين البرابرة لأجلِ البقاء بكرامة، لا يلومهم ولا يلوم قادة المُتمرِّدين، يلوم نفسه فقط؛ لأنَّ هذه الجماعة نتيجة لتقصيره اتجاه شعبه، الذي ظنَّه يعيش في رِضا.
رفع قبضته، وضربها بأقوى ما يستطيع على خشبِ المكتب في غضب.
-مولاي؛ أنتَ بخير؟!
جونغكوك أبدى قلقه فيما بيكهيون يعطي الجميع ظهره، وهو سأل أونو.
-ماذا أيضًا؟
إرتبك أونو وإزدرئ جوفه يقول.
-فقط هذا مولاي!
إلتفت الملك إليهم وفيما ينظر إلى أونو قال.
-هذا الغِر سيعمل تحت يد ايشينغ؛ لعلهُ يصبح رَجُلًا، وحينما يشتد عوده عينوه جاسوس ملكي.
تعبأت شفتي أونو إبتسامة عريضة، واستمرَّ بالإنحناء أمام المولى كُلَّما تنفَّس.
-شكرًا لجلالتك؛ أرجو أن يدوم خيرك ويطول عمرك!
خرج أونو بعد ذلك، حينها جونغكوك همس.
-مولاي؛ أتأمرني بأي شيء؟!
نظر له بيكهيون بصمت عدة لحظات، ثم أومئ مُتنهِّدًا.
-هذه الجماعة بِكُلِّ هذه القوة لا يُمكن أن يكون عمرها بضع سنين.
جونغكوك أومئ مؤكِّدًا.
-بدأت تأتينا شكوات عليهم من الشعب مُذُّ أزيد من عشرِ سنين.
أومئ بيكهيون وهو يُفكر، كان يضع يداه خلف ظهره، ويسير جيئة وذهابًا في ذاتِ المسار أمام وزراءه، فيما يُخفض رأسه قليلًا ويعقد حاجبيه.
-أظن أن عمرهم يقارب العشرون عامًا!
ثم تذكَّر فجأة فابتسم يرفع سبَّابته مُنبِّهًا.
-كيم شين؛ والد القادة الثلاث.
لقد ذكره تشانيول أمامه أثناء الحرب وهيريم لم تنكره، إلتفت ناحية جونغكوك وقال.
-أبدأ بالبحثِ من هذا الاسم، وأريد قائمة بأسماء كل النبلاء الذين اتهموا بجرائم كبرى وقُتلوا على أثرِها من بعده، أريد تحقيقًا شاملًا لكل شخصيّة منهم، عائلاتهم، مجال أعمالهم، أنسابهم، وكل شيء مهما بدى تافهًا، للجميع... مفهوم؟!
أخفض جونغكوك رأسه بطاعة، ثم خرج لتأدية عملِه، فبيكهيون إلتفت إلى جونغداي يقول.
-ألم تعلم شيئًا عن مكان نسائي؟
أجابه جونغداي فيما يُخفِض بصره، ويجمع كفّيه أسفل معدتِه.
-يقولون أنَّ الأميرة رايناه من تولَّت أمرهن، لقد نقلتهن إلى إحدى القصور التابعة لنا.
أومئ بيكهيون مُتفهِمًا وقال.
-اذهب، واعلم أين هن، واحضرهن؛ أريدهن الليلة أن يَبِتنَ في قصري؛ مفهوم؟!
أخفض جونغداي رأسه بطاعة.
-أمرُكَ مولاي!
غادر جونغداي، وبقيَ فقط جيمين، بدى متوترًا كثيرًا، يخفض بصره ناحية الأرض ولا يتكلَّم أبدًا. اقترب منه بيكهيون ثم ربت على كتفِه وقد ظهرت شبح إبتسامة على شفتيه.
-لِمَ أراكَ متوتِرًا؟!
هل لأنك لم تعتد علي، أم لأنَّك كنتَ وزير الملك السابق؟!
هل أنت خائف مني الآن؟!
جثى الوزير جيمين على رُكبتيه أرضًا وقال.
-مولاي؛ أنا حقًا لا أدري من شهد لي أمامك، ولكنني لا أستحق عفوكَ عني. عاقبني لو أردت اقطع رأسي، ولكنَّك لو أبقيتني عندك صدِّقني لن أخذلك يا مولاي!
أمسك بيكهيون بعضديه فانهضه.
-لا أتوقع منك أن تخذلني، أُجيد الحُكم على الناس... اذهب لتأدية المَهمَّة التي أوكلتك بها.
أخفض جيمين جذعه بطاعة.
-أمرُكَ مولاي!
بقي الآن وحده كالأيام الخوالي يُفكِّر بشأنِ هيريم وجماعتها، تنهَّد وتدبَّر قليلًا.
-لقد كانوا فعلًا مُتمرِّدين؛ لكن ليس علي بل على الظُلم، الذي لا أعلم عنه شيء... أتمنى أن يكونوا مظلومين فعلًا وإلا اضطررتُ لمُعاقبتهم!
العاطفة لا يُمكنها أن تحكم القانون، يرجو ألا يضطر أن يتجرَّد من عاطفِته ويُحاكمهم.
●●●
كانت هيريم تجلس حول الطاولة الدائرية السوداء، التي يتوسطها شمعدان أحمر. بدت شاردة وتُفكِّر كثيرًا؛ تنهدت مِلأ جوفها ثم تمتمت.
-أهذه الخيبة التي أحس بها؟!
ولكن لا بأس؛ صحيح أنها تُحِب الملك حُبًا أعمى ولكن ثقتها به لم تكن عمياء أيضًا، كما توقعت منه أن يُبرّئ اسم والدها توقعت أن يُجدِّد حكم الإعدام بحقِها؛ لذا لا بأس حقًا، ولكنَّها تتألَّم.
دخل تايهيونغ عليها وهي شاردة هكذا، ثم حمحم ليجذب إنتباهها قائلًا.
-أنتِ بخير؟
أومأت له، ثم أشارت له أن يجلس.
-بخير.
نظر لها مُتردِّدًا وقَلِقًا.
-هل باتَ الإمبراطور ضِدنا الآن؟!
تنهدت هيريم فيما تدعك صدغيها بإرهاق ثم تمتمت.
-يبدو ذلك... لا أعلم... لستُ مُتأكِّدة... لا أملك جوابًا في الحقيقة!
رمقها قابضًا حاجبيه، هذا الرد المُتزعزِع لا يقول أنَّها بخير؛ لكنَّهُ لن يصر في السؤال عن حالِها الآن.
-ماذا سنفعل الآن؟
حرَّكت كتفيها وفتحت يداها تُشير.
-ماذا سنفعل يا تايهيونغ؟!
سنحاول أن نعيش بأمان، نجمع المال، نتوسَّع، ونحاول أن نُبرّئ أسماء عائلاتنا؛ ولكن قبل كل ذلك يجب أن نستعيد القائد جونغ إن.
أمسك تايهيونغ بيدِها وابتسم لها برِفق يُطمئنها.
-سنكون بخير؛ صدِّقيني!
دخل حينها إحدى الرجال يقول مُخفضًا رأسه بإحترام.
-سيدتي القائدة؛ القائد سيهون أستيقظ للتو!
●●●
يُتبَع...
"مُنكَسِرة الفؤاد"
The King's Return|| العنقاء
30th/Jan/2022
....................
سلاااااام
الفصل القادم بعد 200فوت و400كومنت.
1.رأيكم بِ:
هيريم؟!
مشهدها مع بيكهيون؟
قلقها على سيهون وتسييرها لأمورها الجماعة؟!
بيكهيون؟!
حِدته مع هيريم؟
تدبيره لأمور المملكة؟
وردة فعله لإكتشاف سر من أسرار الجماعة؟
جونغكوك؟
جونغداي؟
جبمين؟
وأونو؟
2.رأيكم بالفصل ككل وتوقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤
بطلة:
العنقاء|| The King's Return
"مُنكَسِرة الفؤاد"
●●●
إرتسمَ الخوف بأعزِّ ملامحه على وجهِ الطبيبة الملكيَّة، وجمعت كفّيها تتوسَّل وتبكي بهستيريّة.
-أرجوكِ لا تؤذيني يا سيدتي!
أنا فقط طبيبة هُنا!
وقفت هيريم، وقالت فيما تنظر للطبيبة، التي تتذلَّل عند قدميها.
-لن أؤذيكِ إذا أطبقتِ فمكِ ودلَّلتني على أخي، والأهم ألا تحاولي الإيقاع بي؛ أنا لا أقع!
أومأت لها الطبيبة ونهضت تُتمتِم.
-سأدُلُّكِ عليه حالًا!
أشارت لها هيريم بعينيها أن تسير أمامها، فمشت تومئ بطاعة.
-حاضر سيدتي؛ حاضر!
سارت هيريم خلف الطبيبة، وعينيها تتفحَّص أي حركة مُريبة قد تحدُث من حولها حتى أدركت بها الطبيبة غُرفة عليها حراسة مُشدَّدة، فهمست لها من خلفِها.
-لِمَ الحراسة مُشدَّدة هكذا؟!
همست تُجيبها بنبرة مُرتجفة.
-الوزير الأول جيون أمر بتشديد الحراسة عليه ومُعالجته.
همهمت هيريم واتبعت.
-ادخليني إليه فورًا.
أوقفهما الحارس يقول بنبرةٍ ثخينة.
-لِمَ سيدة بلاط تُرافقِك؟!
إزدرئت الطبيبة جوفها بقلق وتحدَّثت.
-نحتاج أن نُنظِّف جسده، وأحضرت سيدة البلاط هذه لتُساعدني في هذهِ المُهِمَّة!
تقدَّمَ الحارس من هيريم يقول بغِلظة.
-أعطِني هويَّتِك لأتأكد!
هيريم نظرت إليه بعينين مُحتدَّة، وذلك ما لم يعجبه، ولا يُعجبها أيضًا أن يتجرَّأ أحدهم ويرفع صوته بوجهِها؛ ولكنَّها ستكظم غيظها هذهِ المرَّة لأجلِ جونغ إن.
-لِمَ تنظري إلي هكذا؟!
أعطني هويَّتك حالًا!
أخرجت هيريم الهوية من ثوبِها، وقدَّمتها للحارس، الذي تفقَّدها ثم أذِن لهما بالدخول، دخلت هيريم بعد الطبيبة، وما إن رأت جونغ إن ينام على السرير ولا يتحرَّك أبدًا، هرعت إليه تتفقَّده.
-جونغ إن!
تمسَّكت بوجنتيه، وأخذت تُربِّت عليه؛ لكنَّهُ لا يستجيب لها، بل لا يتحرَّك أبدًا. نبض قلب هيريم بخوف، وإلتفتت إلى الطبيبة تقبض على قميصِها بِشِدَّة تقول.
-أخبريني حالًا، ما به أخي؟!
لِمَ لا يستيقظ؟!
كانت الطبيبة تختنق من قبضتي هيريم المُشتدَّة عند عُنقها، وقالت بصعوبة.
-إصابتهُ خطيرة جدًا، سيحتاج وقتًا طويلًا ليتعافى ويستعيد وعيه، أظنُّه بحاجة إلى راحة طويلة، سيحتاج عِدَّة شهور ليتعافى، أسبوعين ليستيقظ.
إرتخت قبضة هيريم عن الأُخرى، ثم إقتربت من شقيقها وقد كساها بعض الهدوء، ولكن يداها ترتجف.
-أخي؛ سأعود لأجلِك... أعدُك!
إنخفضت لتطبع قُبلة على جبهتِه، وقبل أن تخرج إلتفتت إلى الطبيبة تأمُرها بنبرةٍ جافّة.
-إن تعرَّض أخي للأذى، وإن عَلِمَ أحد أنَّني أتيت إلى هنا ستدفعين الثمن حينها بروحك؛ مفهوم؟!
إنحنت لها الطبيبة بطاعة تقول في خوف.
-مفهوم سيدتي؛ مفهوم!
عادت تنظر مُجدَّدًا إلى جونغ إن، قلبها لا يطاوعها أن تتركه هنا وهكذا، ولكنَّها تعلم جيّدًا أنَّها لن تستطيع إخراجه من هُنا وهو فاقد وعيه، ليس الآن على الأقل.
ظنَّت أنَّهُ محبوس في السجنِ الملكي، لم تَكُ تدري أنَّهُ فاقد وعيه. ظنَّت أنها ستُهرِّبه وهو على قدميه، لا وهو هكذا؛ لكنَّها ستَجِد حلًا وتعود لأجله.
الآن كلا جناحيها مُصابان لا يُرفرِفان، وهي طير مكسور لا يستطيع الطيران؛ ولكن الصقور ولو قُصَّت أجنحتِها تبقى صقور.
خرجت من عنده تمسح دمعتها، ثم سارت في الخارج وهي تتفقَّد القصر، سترى بنفسِها كيف أصبحت الحراسة وتتفقَّد جواسيسها، وفيما تفعل كان الملك آتٍ يعبُر من طريقِها، فسُرعان ما أدمجت نفسها بين صفِّ سيدات البلاط كي لا ينتبه لها.
إسترقت النظر إليه، بدى مُختلفًا، في مكان عالٍ جدًا وبعيد جدًا عنها كما لو أنَّه في متناول يدها لكنَّ يدها مقطوعة.
ثيابه الملكيّة، عبائته الملكيّة، تاجه وسيفه اللذان لا يُفارقنه، كل خطوة من خطواتِه تلد هيبة، رداءه ومعالم وجهه الحادة تجعل نبض قلبها مُضطرِبًا.
لم تَكُ تشعر أنَّها تتأمَّله، ووحدها من تجرؤ وترفع رأسها نحو الملك، توقف الملك للحظة قريبًا منها، لكنَّها أخفضت رأسها تُقلِّد سيدات البلاط؛ كي لا يُلاحظها.
ثم سار مُتبعًا طريقة بلا مُلاحظات هامَّة، زفرت هيريم ملئ صدرِها براحة، الآن لو عرفها لا يُمكنها أن تدري ماذا سيفعل.
سارت مع سربِ سِت محظيّات يقودِهن إحدى الخَصي، وما كانت تملك فرصة وكل العيون هذه تُراقِب أن تتملَّص من بينهن.
دخلت إلى حرمِ النِّساء، وانتهى الحال بها في جناحِ الملكة ناري، قبضت حاجبيها مُستغربة، لِمَ أتوا إلى هنا؟!
لقد ظنَّتهُ جناحًا مهجور.
ولكن حالما دخلت ورأت من بالداخل إتسعت عيناها وشهقت بخِفة، لكن سُرعان ما أخفضت رأسِها كي لا يُلاحظها أحد؛ إنه بيكهيون.
كان يرتدي منامة بيضاء حريريّة من قطعتين وصدره مشروع، سيدات البلاط مفتونات بمفاتِن صدرِه وبطنِه.
شعرت بالغيرة الشديدة تلتهمُها.
-لِمَ واللعنة يحتاج من يُحممه ويُلبسه ثيابه؟!
كانت مُغتاظة على آخرِها وهو عُرضة للمساتٍ شهوانيّة من النِّسوة، ألا يكفي أنَّهُ يملك الكثير من النِّساء والمحظيات؟!
شدَّت قبضتيها على ثيابها مُحتدَّة المزاج فيما تَزلِف منه شأنها شأن بقيّة سيدات البلاط، كل واحدة منهن كانت تمسك بقطعة لأجلِه، وتبعنه إلى الحِمَّام الملكي.
كان حُجرة واسعة جدًا يتوسطها حوض كبير يسع خمسين شخصًا واقفين، مملوء بالمياه ووجه الماء مُغطى بالورود، تفوح رائحة الأبخرة العَطِرة، وعلى حواف الحوض توضع شموع، ثم على منضدة فاخرة يضعون لأجله الزيوت، الحليب، المُعطِّرات، والمُطهِّرات.
كان يفرد ذراعيه على حوافِ الحوض، ويضع رأسه على حافته اللينة المُخصَّصة لأجلِ رأسِه، مُسترخيًّا على آخرِه وعلى شفتيه إبتسامة جميلة.
سخرت بصوتٍ خافت، من الطبيعي أن يكون سعيد، لقد عاد له مُلكه وعُدن له نِساءه. كانت تتحرَّك مع بقية السيدات وتفعل ما يفعلنه، رغم أنها تُخطئ كثيرًا.
-أنتِ!
قال فتوقفن جميعًا وإلتفتن إليه إلَّاها، شعرت بالتَّوتُّر، أيُعقل أنه إكتشفها؟
-اخرجن جميعًا ولتبقى تلك التي تُعطيني ظهرها.
نظرت ناحيتهن جميعًا، كانت وحدها التي تعطيه ظهرها إذًا هي المقصودة، زفرت بتوتر فيما يغادرن سيدات البلاط ويرمقنها بحسد وغيرة.
-إما أنَّ الملك سيُعاقبها أو أنَّهُ سيجعلها محظيَّته.
-يا لها من محظوظة!
خرجن جميعًا خلال مُهلة قصيرة جدًا، وبقيت هيريم عالقة مع الملك.
-تعالي إلى هنا!
أغمضت عيناها بتوتر ثم إلتفتت وهي تُخفِض رأسها، كي لا تلتقط عيناه وجهها.
-أريدك أن تُحميميني وحدك!
أمرها وهذا جعل عيناها تتسع، عادة يُغازِل سيدات البلاط هكذا إذًا!
آه لو تستطيع لقتلته الآن هذا الخائن!
جلست عند رأسه وهو خلع قميصه عن بدنه، وعاد ليسترخي وعلى شفتيه تلك الإبتسامة المُستفِزَّة.
وكانت هي حقًا لا تعلم ماذا تضع أولًا عليه، ولأنها لم تفعل شيء قال.
-اسكبي على رأسي الحليب على مهل، واسكبي على جسدي!
أخذت تسخر مُقلِّدة حديثه بلا صوت، وأحضرت ما أمر، وبدل أن تسكبه على مهل رشقته به مرَّة واحدة، وقد سيطرت الغيرة على عقلِها مما جعلها لا تهتم لو كشف أمرها.
وبدلًا من أن يغضب ضحك بعدما شهق مُتفاجئً من سلوكِها العدواني.
-يُعجبني أسلوبك، يُذكرني بإحداهن!
برمت ثغرها بسخط أصبحت إحداهن ومُجرَّد ذكرى.
-احضري ذلك الزيت، ودلِّكي لي رأسي، ثم رقبتي، وكتفي!
أحضرت ما أمر به، ثم جلست قُرب رأسِه وأخذت تُدلِّك فروة رأسِه، كانت تشد على رأسه كلما همهم مُستجِمًا، ولكنها خشت أن تشد على عُنقه فتؤلمه، هذا الخائن ما زالت لا تتحمَّل إيذاءه.
وحينما أدركت كتفيه تنهَّد يغمض عينيه، وأرجع رأسه براحة... ذكرها بتلك الليلة.
إرتجفت أناملها حينما ساورتها الذكريات الحميمة والمحمومة تلك، فسحبت يدها عنه بِتُردِّد... هذا الملك الفاسق؛ تود صفعه بقوَّة!
فجأةً؛ شعرت به يجذب يدها بقوَّة لتسقط معه في الماء، وذلك جعلها تشهق بقوَّة، لقد أرعبتها فكرة أنَّهُ إكتشفها والأدهى لو كان يرغب بأن يتسلى معها وهو يُظنها سيدة بلاط فعلًا.
إزدرئت جوفها فيما تُحكِم إغلاق عيناها، لقد أصابها الجُبن بتلك اللحظة لدرجةِ أنَّها لم تَجرؤ أن تفتح عينيها وتنظر له حتى.
إلتفَّت ذراعاه حول خصرِها، وأنام رأسه على كتفِها، كان يحتضنها من خلفِها بقوَّة ويشتم الرائحة العالقة عند عُنقها، إنها ذات الرائحة دومًا... تخشى أن يكتشفها.
أزفرت وأشاحت وجهها بعيدًا عن جهتِه حينما غمر أنفه عند أُذنِها ثم هُناك طبع قُبلة جعلتها تقضم على شفتيها بقوَّة؛ كي لا تسمح لأي صوت بأن يخرج من بين شفتيها.
أدارها إليه برفق، ثم أحسَّت بأطرافِ أنامله الباردة تَسير برِفق على وجنتِها، وكذلك سمعت همساتِه الخافتة قُرب وجهِها.
-إشتقتُ لكِ!
فتحت عيناها وكان أمامها، يبتسم لها إبتسامته تلك، التي تحفظها في قلبِها، هذه الإبتسامة التي جعلته حُلوًا في عينيها في الكثير من المواقف، مثل الآن ودائمًا.
-هل كُنتِ بخير؟
تسآل فأومأت له بلا كلام وهي تنظر في عينيه.
-هل تدَّعي الآن أنَّكَ قَلِق بشأني فيما كُنتَ تُغازِل سيدة بلاط؟!
ضحك ونفى برأسِه ثم إحتضنها برِفق بين ذراعيه.
-لقد عرفتُكِ من اللحظة التي رأيتُكِ بها في حديقة القصر، كُنتِ الوحيدة التي ترفع رأسها أثناء حضوري، وستبقين الوحيدة!
أمسك بوجهِها براحتيه، وهمس فيما ينظر في عينيها.
-أخيرًا أنتِ معي!
أرادت أن تتكلَّم، لكنَّهُ سدَّ ثغرها بشفتيه، وأخذ يُقبلها بنهم ولكن برِفق، هيريم في هذهِ اللحظة وضعت كُل شيء جانبًا، وفقط حُب حياتها وضعته نُصب عينيها.
تلمَّست براحتيها صدره صعودًا إلى كتفيه، ثم أحاطت عُنقه بِحُب وعلى مَهل، وحينما بدأت تُبادله بخِبرتها الشحيحة تبسَّم أثناء القُبلة؛ تحمل السيف وتضرب بالسهم، ولا تعرف كيف تُقبِّل... متوحِّشة ولكنَّها بريئة؛ لهذا السبب يُحبُها.
فصل القُبلة وسند جبهته على جبهتها فيما يداه تُحيط وجهها وعُنقها، كلاهما يغمض عينيه، وكل منهما يتنفَّس أنفاس الآخر؛ حينها همست له.
-أنتَ ستترُكني أذهب؛ أوليس؟!
فتح عيناه ونظر لها، وإن كان الصمت دائمًا علامة الرضى فهو حتمًا الآن علامة الرفض، فتحت عيناها ونظرت له، كان يرمُقها مُستنكِرًا ما قالت ويداه إشتدَّت على وجهِها وعُنقها.
-لِمَ أتيتِ لو كنتِ لم تأتي لأجلي هيريم؟!
تنهَّدت هيريم وأزاحت يداه عنها تقول.
-لقد أتيتُ لآخذ أخي.
لاك فكَّه في لحظةِ إستيعاب، ثم أومئ وضحك.
-عُذرًا؛ لقد نسيت أنَّ لكِ جواسيس حولي، بالتأكيد علمتِ أنَّ جونغ إن عندي!
خرج من الماء، فأشاحت ببصرِها عن بدنِه وقد طفت حُمرة الخجل في خدَّيها، حينها ضحك وهو يرى تورُّدها فيما يرتدي روبه الحريري.
-لِمَ الخجل؟!
أنتِ لم تَري كل جُزء مني فحسب، بل وأحسستِ به!
وقفت هيريم تزفُر بتوتُّر وخجل، ثم إستطردت وقد وجَّهت حديثها له.
-دعني آخذ أخي واذهب!
قهقه بإستهجان، ثم إقترب منها يحتلَّه الغضب، أمسك بعِضدِها وسحبها معه خارج الحوض، أوقفها قِبالته فيما قبضتيه مُشتدَّة على كتفيها.
-أظُنُّكِ تعلمين كفاية لتُدركي أنّي لن أخلي سبيل أخاكِ ولا حتى سبيلك مهما حدث، أنتِ وهو ستبقيان هُنا!
تعقَّدت ملامحها تستنكر.
-ماذا؟!
تبسَّم ثغره بلؤم وقال.
-ماذا ظننتِ؟!
هل لأنكم أعدتُم لي عرشي ذلك سيمسح لكم كُلَّ جرائمكم المُسجَّلة في عهدي؟!
عقدت هيريم حاجبيها فيما لا تُصدِّق ولا حرفًا مِمّا قاله.
-ماذا؟!
بان له وجهًا آخر لا تعرفه، لقد إنكسر بها شيء في تلك اللحظة؛ قلبها وثقتها الحمقاء به
-لا يا عزيزتي؛ لقد أمرتُ بفتحِ التحقيق بالفعل!
قضمت شِفَّتها تحاول السيطرة على أعصابها، التي تتفلَّت منها، وعيناها تكدَّرت بالدموع.
-لا أُصدِّق!
لقد وثقتُ بك كالحمقاء، وصدَّقتُ وعدك بيني وبين نفسي.
هل أنتَ تقول الآن أنَّ وعودك تلك كُلُّها مُزيَّفة كذلك حُبُّك؟!
تنهَّد بطريقة لا تفهمها، ولم يُجبها بشيء فأخذت نبرة صوتها ترتفع شيئًا فشيئًا عليه وهي تضرب صدره بقبضتيها.
-هل خدعتني؟!
هل كنتُ الحاوية التي تُفرِغ بها شهواتك حينما لم تَكُ تملك خيارًا آخر؟!
-اخرسي!
رفع يده ولطم بها وجنتِها بأقوى ما يستطيع، فصرخت مشدوهة وقلبها يتألَّم أكثر من وجهها، وتمَّكنت منها صفعته فأسقطتها أرضًا عند قدميه.
تمسَّكت بوجنتِها وهي تنظر إليه مُنكسرة ومُستنكرة، وبيكهيون شدَّ يده، التي ضربها بها، كقبضة حينما أدرك ما فعل بلحظةِ توتُّر، ثم أبرز لها سبّابة مُحذِّرًا وهو يصر على أسنانه.
-لا تنسي مع من تتحدَّثين حينما تقفي أمامي، وأيَّاكِ أن تطاولي علي مُجدَّدًا، لا أدري حينها ما أفعل؛ فلا أغلى علي شيء من عِزّي وكرامتي، ولا حتى أنتِ يا هيريم!
تداركت نفسها في تلك اللحظة، لقد عادت معه إلى تلك الفترة السحيقة؛ الأمبراطور والبربريّة.
أومأت له فيما تَقِف، ثم أخفضت رأسها له بطاعة للمولى، وإنحنت تقول.
-أعتذر يا صاحب الجلالة على وقاحتي معك؛ أرجو أن تغفر لي يا مولاي، أنا أعتذر لجلالتِك!
تنهَّد وأخفض جفونه يساوره النَّدم، ولكنهُ لن يُظهِر ذلك لها أبدًا. هيبة الملك لن تسمح له أن يتنازل بعد الآن.
تراجعت هيريم تبغي الرحيل، ولكنَّهُ أوقفها بِصوتِه الحاد.
-إلى أين تظُني نفسكِ ذاهبة؟!
إشتدت قبضتيها على ثيابها وتوسَّلت.
-دعني اذهب أرجوك!
نفى برأسِه يرفض طلبها فيما يتقدَّم منها، وحينما شعرت بخطواتِه تُدرِكها تراجعت عنه، وإلتفتت تخرُج مُسرعة من الحمام؛ لكنَّهُ أمسك بعضدِها قبل أن تستطيع أن تهرُب منه في جناحِه.
جعلها تلتفت إليه وصرَّح مُهسهِسًا بتسلُّط.
-أنتِ ستبقي هُنا عندي!
حاولت تحرير يديها منه، لكنَّها لا تقدر عليه، ولا تستطيع أن تؤذيه لِتتحرَّر من قبضتِه. يبقى جلالة الملك، الذي تعهدت له لو رفع سيفه ليضرب عُنقها فهي ستُخفِض رأسها له طوعًا لأمره، ولكنَّها ستضرب سيفه الذي سيمتد على إحدى شقيقيها.
-ماذا ستفعل بأخي؟!
ثبَّتها ضِد إحدى الأعمدة قائلًا.
-سيبقى عندي حاليًّا؟!
-حاليًّا؟!
ماذا يعني ذلك؟!
-لم أُقرِّر بشأنه بعد.
إبتلعت غصَّتها وهي تنظر في عينيه القاسية.
-مولاي، حينما صفعتني أخفضتُ رأسي لك بطاعة إجلالًا لمقامك، ولكن قلتُ لك سابقًا وسُأكرِّر لجلالتك؛ لن أحني لكَ رأس إخوتي أبدًا!
إرتفع حاجبه بسخط وشدَّ على عضديها يقول.
-ماذا يُمكنكِ أن تفعلي؛ أخبريني!
إستطردت بعد فينة من الصمت.
-لعلمكَ فقط؛ إكتشفتُ أسماء رَجُلين ساعداني حينما أسرني الأمير تشانيول، وهما ليس من أعواني بل هما مُخلصان للمملكة؛ الوزير الأول والطبيب الملكي.
-لم تُخبريني؛ ماذا ستفعلين؟!
نظرت في عينيه المُحتدَّة وقالت بنبرةٍ ليّنة.
-سأعود لأجلِ أخي لاحقًا؛ الآن سأُغادر!
شعر بها تضع إبرة صغيرة في فخذِه شلَّته عن الحركة وهمست.
-أنا آسفة جلالتَك!
صرخ بالحرس فيما لا يستطيع الحركة.
-أمسكوا بها!
لكنَّها إستلَّت من يد أحدهم سيفه، وصدَّت ضرباتهم فيما تُحاول ألا تؤذيهم، هرعت إلى الخارج والكثير من الحرس يحاولون الإمساك بها، لكنَّها تتصدَّى لكل ضرباتهم ببراعة، ثم هربت عبر أسوار القصر.
وآخر ما لمحته في القصر هو بيكهيون، الذي يعرج على قدمِه ويصرخ بحرسِه ليمسكوا بها، أخيرًا سقطت دمعتها حينها فيما تراه لآخر لحظة قبل أن تختفي تمامًا من أمامِهم.
وصلت هيريم إلى المقر الرئيسي حيثُ طلبت منهم أن ينتقلوا، كانت السماء دهماء والهدوء مُنتشر، حينما وصلت المقر رأت تايهيونغ يقف بإنتظارِها في الخارج، ربَّتت على ذراعه فورما أدركته.
-تايهيونغ؛ من الجيد رؤيتك بخير!
كانت معالم وجهها مكظومة بأستياء، كل الضيق كان مرسومًا على وجهها، الحِمل ثقيل جدًا على كتفيها، الآن باتت عامود هذه الجماعة الوحيد.
تايهيونغ لاحظ ضيق حالها؛ لذا إحترم ذلك واتبعها بصمت إلى الداخل.
-كيف أصبحت حالة سيهون؟
أجابها تايهيونغ فيما يدخل خلفها إلى القاعة.
-الأطباء يقولون أنَّهُ يتحسَّن، نرجو أن يستيقظ قريبًا.
أومأت مُتنهِّدة وقد جلست على رأس الطاولة وتايهيونغ جلس على يمينها.
-ماذا حدث معكِ؟
تذكَّرت كلام بيكهيون، الذي كسر جدارًا ظنَّتهُ سميكًا جدًا، ولكنَّهُ تكسَّر.
-جونغ إن في غيبوبة وحالتهُ سيئة جدًا، لم أستطِع إخراجه من هناك!
تنهَّد تايهيونغ بأستياء وقال.
-والآن ماذا ستفعلين؟!
-من الخطر على حياة جونغ إن أن أُخرجه الآن، سأترك أمره حتى يتحسَّن ثم سنذهب لنحضره ولو عنى ذلك قيام حرب أُخرى لأجلِ هذا الهدف!
إستطردت فيما تنظر إلى تايهيونغ.
-هل من جديد؟!
أومئ واتبع.
-القائد جون ميون وصل قبل وصولك بقليل بجُثَّة يظنوها للأمير تشانيول.
نهضت هيريم بإرشاد تايهيونغ إلى حيث وضعوا الجُثة، إذ كانوا يضعونها بإحترام على سرير طبّي أجرد، ويضعون فوقه غطاء خفيف أبيض.
-الحيوانات كانت قد هاجمت المكان، وكُل الجُثث كانت مشوَّهة بمخالب الحيوانات وأنيابهم. دفنّا الجُثث وأحضرنا جُثة الأمير إلى هنا.
كانت للجُثة رائحة تعفُّن بالفعل، ولكن لم يُظهر أي أحد منهم أستياءه من الرائحة، كشفت عن وجهِه فعقدت ملامحها؛ شكله مُنفر جدًا.
-كيف أنتُم مُتأكدين أنَّهُ الأمير تشانيول؟
أجابها تايهيونغ.
-إنه يرتدي ملابس ملكيّة، والجُرح في عُنقِه بنفسِ المكان، كما أنَّها هيئته، نفس الطول والوزن، كذلك طول الشعر، وبدنه مفتول... يستحيل أن يكون أحد غير الأمير.
تنهَّدت هيريم وأومأت له تقول.
-سنذهب به إلى القصر غدًا صباحًا... عاملوه بإحترام حتى ذلك الوقت.
كاد أن ينحني لها تايهيونغ، ولكنها منعته حينما أمسكت بكتفه، ثم ربَّتت عليه فيما تخرج.
-لا داعي!
ذهبت إلى حُجرة سيهون؛ لتتفقَّد حالته. وجدت عنده جاهي فقالت لها.
-أنتِ مُتعبة جدًا، اذهبي ونامي في غرفتي وأنا سأبقى عنده الليلة!
رفضت جاهي وهي تمسح على رأسه بلمساتٍ حنونة.
-لا أستطيع؛ لن يرتاح قلبي لو تركته.
-لا تقلقي عليه، أنا معه يمكنكِ الذهاب!
-لكن...!
أمرت بنبرةٍ حازمة.
-هذه أوامر القائدة!
تنهَّدت جاهي وخرجت تِبعًا لأوامر القائدة، جلست هيريم قُرب فراش سيهون حملت يدها إلى شفتيها وقبَّلتها، ثم بيدِها الأخرى أخذت تمسح على رأسه تهمس.
-أخي؛ متى تستيقظ؟
لقد أطلتَ الغياب وأنا اشتقتُ لك كثيرًا، الآن أشعر بكم كانت المسؤولية على كتفيك ثقيلة، نحنُ، وكل الجماعة، وكل الهموم معًا.
جونغ إن أيضًا مريض وبعيد عنا جدًا، وأنا لا أعرف ماذا أفعل الآن، ألا يُمكنك أن تستيقظ الآن؟!
الآن أتفهم شِدَّتك في بعضِ الأحيان وقسوتك، أستيقظ رجاءً، ما عدتُ أُطيق الوقوف وحدي.
●●●
في صباحِ اليوم التالي؛ إجتمعت حاشية الملك المخلوع للخضوعِ للمُحاكمة في بلاطِ الملك الفسيح.
-جلالة الملك بيكهيون تيمور خان يُشرِّفُكم بحضورِه.
الجميع وقف وأخفضوا رؤوسهم إجلالًا لصاحب الجلالة، دخل بيكهيون فيما يضع تاجه على رأسه ويحمل سيفه بيدِه.
بدى مُعكَّرًا جدًا وغاضبًا كما لو أنَّ يوم الحِساب هذا سينتهي بالجحيم. جلس على عرشه، ثم أشار لجونغكوك بصفتِه وزيره الأول ولجونغداي بصفتِه وزيره الثاني أن يقفا في ظهرِه، وعلى درجات سُلَّم العرش يقف قائد الحرس الملكي -ايشينغ- بثيابه الدهماء وملامحه الباردة يحمل سيفه على خصرِه جاهزًا لنحرِ الأعناق.
مدَّ بيكهيون يده ناحية جونغداي فوضع بها قائمة بالأسماء المُدانة، ثم نظر إلى المُقيدين أمامه، بعضهم يعرفهم وبعضهم لا يعرفهم.
-الوزراء، الذين كانوا في حاشيتي وثبُتَ ولاءهم للأميرِ تشانيول سيواجهون حُكم الإعدام بِصفتهم خونة.
سُرعان ما جثى كثيرًا منهم يتوسَّلون مولاهم العفو؛ لكن لا يُمكن... هؤلاء سيتحوَّلوا إلى خونة بلا أي مكانة إجتماعيّة على الإطلاق، وهذا عقاب قليل عليهم بما أنَّهُ سينتهي بالمِقصلة.
أشاح عنهم ببرود واتبع.
-الوزراء الذين توَّلوا أمور البلاط الملكي في حُكم الملك تشانيول وثبت ولاءهم له؛ فسأنفيهم خارج يوان بعدما نُصادر كل مُمتلكاتهم منهم ونُجرِّدهم من مكانتهم الإجتماعية.
النصف الذي كان يقف جثى يتوسَّل صاحب الجلالة الرحمة والعفو إلا واحد كان يقف ويخفض رأسه بأسف على الحال الذي آل له، صحيح أنَّهُ دخل إلى البلاط كوزير للملك تشانيول؛ لكنَّهُ أراد الإصلاح لهذهِ البلاد بعدما أستيقظ من غفلتِه.
الملك كان ينظر إليه تحديدًا ثم قال بصوتٍ جهور ونبرةٍ حازمة.
-الوزير الأول بارك جيمين؛ فليتقدم أمامي هنا!
نظر جيمين ناحية العرش مذهولًا، ثم أخفض بصره بتأدُّب وتقدَّم من العرش.
-بأمرِ مولاي!
-بلغني من مصدر أثق به أشد الثِّقة أنَّ ولاء الوزير الأول بارك جيمين كان للمملكة وليس للملك تشانيول؛ لذا أنتَ معفي من العقوبة، وسأُعينك بمنصب وزيري الثالث.
ذُهِل جيمين من هذا القرار المُفاجئ، الذي هو إكرام له وليس عِقاب، سُرعان ما جثى أرضًا على رُكبتِه وأخفض رأسه.
-غمرني عطفك جلالتك!
اتبع جلالة الملك بيكهيون.
-أنتَ مسؤول عن التحقيق بموظفين القصر، الذي عيَّنهم الملك الراحل، وعليكَ أن تتأكد بأنهم يستحقون مناصبهم بقدراتهم وليس بأنسابهم. وليس فقط الموظفين بالقصر بل وكل الموظفين الحكوميين، الذين عُينوا بعدي.
أخفض رأسه في طاعة.
-أمركَ جلالتك!
أومئ بيكهيون ثم اتبع مُناديًّا.
-وزير جونغداي!
تقدَّم جونغداي ليقف أمام عرش المولى مُخفضًا رأسه بطاعة.
-تحت أمر مولاي!
أتبع بيكهيون بنبرة آمرة.
-أبحث لي عن نسائي جميعهن... أريدهن في حرم النساء مُكرَّمات مُعزَّزات والأهم أن يَكُن بخير.
وامنح الخيار لنساءِ الأمير تشانيول العذراوات بين الإنضمام لنسائي أو مغادرة الحرم، والبقية وفِّر لهن حياة جيدة خارج القصر.
أخفض جونغداي رأسه بطاعة.
-أمرُ مولاي!
أومئ له، ثم نادى مُجدَّدًا.
-الوزير جونغكوك!
آتى جونغكوك وانحنى أمام العرش كما فعل الوزيران قبله مُنصتًا إلى أمرِ جلالته.
-أريد منك أن تتولّى أمر التحقيق بقادة جماعة القمر الدموي، وأريد أن أعرف تاريخهم كامل، كذلك كل فرد من أفرادهم... أريد تحقيقًا مُفصَّل.
وقف بيكهيون وترجَّل عن درجات السُّلَّم فقلده الجميع في طاعة إذ وقفوا، حينها أعلن.
-حكم الأعدام بحقِ جماعة القمر الدموي متوقِّف ولا يمكن تنفيذه.
-أمرُ مولاي!
أخفضوا رؤوسهم في طاعة، ثم هو إقترب من وزراءه الثلاث؛ إذ همس لجونغكوك على قدر سمعه.
-مسؤوليتك أن تحمي القائد جونغ إن وتوفر له العلاج اللازم.
-أمر جلالتك!
ثم اقترب من جيمين وهمس له.
-الطبيب كيم سوكجين معفي من تحقيقك، أعده إلى منصبه بهدوء.
-أمرك جلالتك!
ثم دخل حارس على إستعجال يقول مُخفضًا رأسه.
-أرجو المعذرة يا مولاي؛ قائدة المُتمرِّدين ستعلن أمرًا ما في الساحة!
قبض بيكهيون حاجبيه بإستغراب وشيئًا من الغضب؛ بالأمسِ هربت منه واليوم تأتي وتتبختر بقوتِها أمامه، سلك طريقه نحو شُرفة القصر فيما يتبعونه وزراءه، وهو أمَر ايشينغ أثناء ذلك.
-اقبضوا عليها، أُريدها أمامي حالًا دون أن يمسسها ضرر!
جونغداي، وايشينغ، كذلك جونغكوك تبادلوا نظراتٍ مُحتارة، نبرته القاسيّة ليست نبرة مُحِب أبدًا؛ أتكون السُّلطة؟!
-أمرُكَ جلالتك!
زفر فيما يبسِط كفّاه على سِوار الشُّرفة، حينها بدأ يسمع صهيل الأحصنة ويرى أعلامًا سوداء ينتصفها نِصف قمر دموي تُرفرِف.
ظهرت هيريم مثل ظهورها البطولي ككل مرة تأتي فيها إلى هنا؛ إذ إنزاحت الأحصنة عن طريق فرسِها حتى أصبحت في مُقدِّمتِهم، تضع سيفها على خصرِها وتحمل على ظهرِها كنانة الأسهم والقوس، ترتدي ثيابًا سوداء طويلة تدرك رُكبتيها وتضع لِثامًا يغطي وجهها، وتركت شعرها حُر على كتفيها؛ لم تربطه على غير العادة.
صعدت المنصَّة بفرسِها، ولم تنظر نحو شُرفِ القصر أبدًا، ثم أعلنت بصوتٍ جهور وقوي.
-سبق وأن أعلنت أنَّني قتلت الأمير تشانيول، واليوم نحن أحضرنا جُثَّته لتحصُل على التقدير والإحترام.
نظرت نحو تايهيونغ، الذي يُرافقها، وأشارت له بإيماءة ففهم وأومئ.
-ضعوا الجُثَّة بحذر على المنصة!
أمر تايهيونغ الرِّجال فتحرَّكوا بطاعة لتنفيذ أوامره. نزلت هيريم عن المنصَّة واقتربت من تايهيونغ، وذلك ما جعل قبضة بيكهيون على شُرفتِه الملكية تشتد على آخرها، ثم ضربها بالسور بقوَّة يصيح.
-أحضروهم إلي حالًا!
إلتفتت هيريم حينما سمعت صحيته، ثم رأت ايشينغ على فرسه مع ثُلَّة من الحرس الملكيين يبغي مُهاجمتها فصاحت في رجالها.
-تراجعوا حالًا!
وكان عليها أن تُخرِج سيفها لِتَصُد سيف ايشينغ، الذي رفعه لمُقاتلتها، دفعته عنها وقالت.
-لا أريد أن أرفع سيفي بوجهك أيُّها القائد؛ لذا توخّى الحذر وأنتَ تُحاول تنفيذ أوامر ملكك، التي لن تستطيع تنفيذها أبدًا!
أجاب فيما يُقاتلها بتهاون كما تفعل.
-ولا أنا أرغب برفعِ سيفي في وجهِك، ولكنني مُضطر أن أنصاع لأوامر صاحب الجلالة!
أومأت وتبسَّم سِنها بجُرءة.
-أتفهم ذلك!
بدأت تُقاتله بضراوة وقوَّة، كانت قاسية كما لو أنَّها تُقاتل عدوَّها، ايشينغ ليس عدوَّها ولا حتى الملك، هي تُنقذ جماعتها لا أكثر ولا أقل.
وبيكهيون إكتفى من المُشاهدة، التي لا تُقدِّم عونًا أبدًا، نزل إلى بوابة القصر فيما يتبعونه وزراءه وحرسه يحاولون إيقافه، ولكنه لا يستمع أبدًا لهم.
أخرج سيفه فورما أصبح خارج القصر، وقصد هيريم؛ أراد أن يُمسك بها ويضعها في قصرِه مهما كلَّفه الأمر حتى لو شكَّل ذلك خطرًا على حياته.
حالما رأته هيريم يقترب حاولت التملُّص من ايشينغ؛ لكنها لا تستطيع. زفرت بسخط وما إستطاعت أن تفعل أي شيء، قصدها بيكهيون على حصان وحالما رفع سيفه ناحيتها صدَّته فاستنكر.
-قلتِ أنَّكِ لن تَصُدي سيفي أبدًا!
فتبسَّمت وتوجعت عيناها.
-أخشى أنَّني أصُده الآن وكل تلك الرِّقاب مُتَّصِلة بمصيري!
إنسابت دمعة إختبأت خلف لِثامها.
-لا يُمكنني الإمتثال لأوامرك في هذه الظروف يا مولاي!
صاح بيكهيون آمرًا وهو ينظر في عينيها.
-ضعوا بالأسرِ كل من تقدروا عليه منهم!
صاحت تأمر وهي تنظر في عينيه.
-لا تسمحوا لأحد أن يقدر عليكم!
تبسَّم بيكهيون بغضب، ورفع سيفه يضربها به، ولكنَّها صدَّته دون أن تُهاجم حتى ضربها ضربة لم تستطِع صدَّها؛ ولكنًّهُ لم يجرحها. أصبح سيفه عند قلبِها.
-أمسكتُ بكِ!
همس متوشحًا بإبتسامة نصر؛ فعلَّقت بيأس وبؤس.
-يُمكنك طعني لو أردت؛ فأنتَ قد طعنت قلبي بالفعل!
صدَّت سيفه بكل القوة الكامنة في بدنِها حينما تخلَّلتهُ لحظة ضعف؛ فأودَت بسيفه أرضًا وهربت، وهو فقط إبتسم مُستنكرًا وساخرًا؛ كيف أنَّ كلمتها أضعفت قلبه قبل يدِه.
-هل أوجعتُكِ يا قلبي؟!
لا يدري ما حاله مع هذه المرأة، يود لو يحتضنها بين أضلُعِه حتى تختلط أضلُعِها، ويود أن يكسر لها رأسها اليابس ذاك ويقص لها لسانها السليط، لكنَّ وجعها يراه ويحِس فيه؛ يوجعه.
كيف وقع في حُبِّ إمرأة مُحاربة عاشت في البراري وتلبس كالرجال؟!
إنها غالية على قلبِه ولا يستطيع أن يُنكِر ولو انكر سلوكه، هي قطعة من قلبه وتسكن في شِغافه.
شغوف في حُبِّها وملهوف وذلك ما يجعله يُسيء التصرُّف أحيانًا بل في أحيان كثيرة، يريد أن يضعها في قصره، وينوِّر بها حياته، ألا يُمكِن؟!
للمرة الثانية يترُكها تذهب، وتترك خلفها له كل الشوق واللهفة والشغف، يريد أن تنام بين ذراعيه وأن يُنشد لها، يريد أن ينام على مرآها ويستيقظ على مرآها، يريد أن تكون في حياته كل يوم، وكل ساعة، وكل حين.
عاد أدراجه إلى القصر وهو يفكر بها، من الأمسِ لم تغفو له عينًا من بعد لقائهم في الحمام، إستمر بالتفكير بها وفُقدانها كلما أبصر الجانب الفارغ من السرير.
تبعه وزراءه إلى مكتبه كذلك قائد الحرس الملكي، وقفوا في صف أُفقي ويخفضون رؤوسهم أمامه.
كان يعطيهم ظهره وبدى مُستاءً وغاضبًا، صحيح أنَّهُ يُحِب هيريم ولكنه لا يمكنه السكوت عن الجماعة، لا يمكن أن تتواجد سُلطة في هذه المملكة غير سُلطته.
ضرب بقبضتيه الطاولة بغضب وهسهس.
-أريد أن أُنهي هذه الجماعة، أريد أن أُفككها!
إلتفَّ إلى وزراءه وسأل جونغكوك.
-كيف حال جونغ إن، ألم يستفِق بعد؟
-لا مولاي؛ ما زال في غيبوبة، وضعه صعب وجدَّي للغاية، يقول الأطباء أنه سيحتاج لفترة حتى يستيقظ.
شدَّ على فكِّه بغضب وقال.
-احضر لي تشا اونو حالًا!
-أمركَ مولاي!
خرج جونغكوك ليحضره، ثم بيكهيون أمر جونغداي وجيمين.
-تكفَّلا بإقامة جنازة لائقة لصاحب السمو الراحل، واعلنوا الحِداد على روحه ثلاثة أيام، وابنو له صرحًا في المقبرة الملكيّة.
اعترض جونغداي مُستنكرًا.
-لكن يا مولاي؛ الأمير لا يستحق إظهار كل هذا الإحترام له، إنَّهُ...
ما سمح له بيكهيون أن يوفي حديثه حينما رفع يده وهو يمنعه عن إيفاء حديثه.
-سنذكر محاسنه فقط، لقد تولّى قيادة الجيش في سن صغير جدًا، وبسببه توسَّعت مملكتنا توسعًا شاسعًا، لقد خدمني وخدم شعبي أكثر مما أساء لنا، وذلك يتوجَّب علينا الإعتراف به.
جيمين الآن يتعرَّف على ملكه الجديد لأولِ مرة، الملك بيكهيون يظهر كمًا كبيرًا من التعاطف لم يكن الملك تشانيول يملك ذرة منه، الآن بات يدري أنَّ ليس كل ما يُكتَب على الورق صحيح، لو كانت الأماكن بالعكس لما فعل تشانيول أي شيء مما فعله بيكهيون لأجله في وداعه الأخير.
أتى تشا أونو مع جونغكوك وهو يقبض على ثيابه من خلاف ودفعه عند قدمي الملك، وأونو كان يرتجف خوفًا.
-أنت ما زِلت تذكر أنَّك ساعدت في قتلِ زوجتي الملكة؛ أليس كذلك؟
إرتجف أونو مرعوبًا وقال.
-مولاي؛ أرجوكَ اعفو عني!
إنحنى بيكهيون ليجلس القرفصاء قرب أونو، ورفع وجهه إليه من ذقنه يقول.
-الطريقة الوحيدة التي تجعلني أعفو عنك أن تكون نجحت في مُهمتك التي أوكلتك بها.
جونغكوك ضيَّقَ بين حاجبيه مُستغربًا، هذا أمر لا يعرف عنه، وبيكهيون اتبع.
-قُل لي؛ ماذا علمتَ عن جماعة القمر الدموي؟
ولو قُلتَ لا شيء هذا يعني أنَّكَ لم تنجح في مُهمتك ويتوجب علي قتلك، ولو كذبت علي ستواجه نفس المصير أيضًا... هيا اخبرني؛ ماذا عرفتَ عنهم؟!
سالت دموع أونو على خدَّيه بوفرة، لولا قلبه الضعيف وشخصيته الهشَّة لما تورَّط في قضية الملكة ناري من الأساس.
-مولاي؛ صدِّقني حاولت بِكُلِّ جُهدي؛ ولكن ما أملكه من معلومات لا يكفي لإرضائك!
إرتفع حاجب بيكهيون بسخط ونبس.
-أنا من يُقرِّر؛ هيا اخبرني بِمَ تعرِفه!
إبتلع أونو جوفه المُنساب، ورفع رأسه نحو الملك يقول بنبرةٍ خائفة وكان بدنه يرتجف.
-لقد سمعتُ بعض القِصص بين المُجنَّدين، إكتشفتُ منها بضعةِ أمور.
همهم بيكهيون إشارةً للآخر كي يُتبِع فأومئ بطاعة واتبع.
-جلالتك؛ إكتشفتُ أنَّ جميع المُجنَّدين والمُجنَّدات هم في الأصل أبناء نُبلاء أُتِّهموا بجرائم عُظمى دون حق، قُتِلوا والجماعة أنقذت أبنائهم حينما ضمَّتهم إليها؛ الفتيات كُن سيواجهن مصير بائعات الهوى في دار المحظيات، والصبيان سيُباعون كعبيد، والذي يحاول الهرب منهم سيضطَّر للهرب طيلة حياته من صائدي العبيد، وأما من لم تكن به فائدة سيقتلونه كالشيوخ، والمرضى، والأطفال الصِّغار جدًا.
ضمَّ بيكهيون قبضته واستنكر مُهسهِسًا.
-هل تقول أنَّ كُلَّ أفراد الجماعة هم بالأصلِ نُبلاء؟!
أخفض أونو وجهه عن مولاه مُجيبًا.
-نعم مولاي؛ جميعهم بلا إستثناء حتى القادة؛ الجماعة كانت ملجأهم جميعًا.
في البداية جميعهم إلتحقوا بها؛ لسداد ثمن تحريرهم على يد القادة؛ إذ يدينون للقادة بِمُهمة واحدة، يقومون بها ثم القادة يخيرونهم بين البقاء معهم أو الذهاب في سلام، ولا أحد منهم أبدًا إختار الذهاب وترك الجماعة.
وحين ينقذون أحدًا من العبوديّة؛ يبعثون مرسومًا لجلالتك عن قضيته، ولكنَّهم توقفوا عن ذلك حينما أصبحتَ عندهم.
وقف بيكهيون ووضع ذراعيه خلف ظهره، الآن يفهم الكثير من الأمور، التي ما كان يجد لها تفسيرًا من قبل.
كانت تصله إلتماسات كثيرة بقضايا النُبلاء، الذين يموتون بعد إتهامهم بجريمة كُبرى، الآن يفهم أنَّ الجماعة من كانت تبعث له هذه الإلتماسات؛ إذًا هم لم يفقدوا أملهم كُليًّا بعدالتِه، لكنَّهُ خيَّب ظنونهم؛ لقد كانت على أكتافه الكثير من المشاكل التي تُشغله وتؤرِّقه.
لقد كانت الجماعة لهؤلاء الناس ملجأ حمايتهم، المكان الذي يحميهم، ويرعاهم، ويهتم بهم... بينما هو لم يفعل أي شيء لأفراد شعبه الثكالى هؤلاء.
لقد فضَّلوا الإنضمام لجماعةِ المُتمرِّدين البرابرة لأجلِ البقاء بكرامة، لا يلومهم ولا يلوم قادة المُتمرِّدين، يلوم نفسه فقط؛ لأنَّ هذه الجماعة نتيجة لتقصيره اتجاه شعبه، الذي ظنَّه يعيش في رِضا.
رفع قبضته، وضربها بأقوى ما يستطيع على خشبِ المكتب في غضب.
-مولاي؛ أنتَ بخير؟!
جونغكوك أبدى قلقه فيما بيكهيون يعطي الجميع ظهره، وهو سأل أونو.
-ماذا أيضًا؟
إرتبك أونو وإزدرئ جوفه يقول.
-فقط هذا مولاي!
إلتفت الملك إليهم وفيما ينظر إلى أونو قال.
-هذا الغِر سيعمل تحت يد ايشينغ؛ لعلهُ يصبح رَجُلًا، وحينما يشتد عوده عينوه جاسوس ملكي.
تعبأت شفتي أونو إبتسامة عريضة، واستمرَّ بالإنحناء أمام المولى كُلَّما تنفَّس.
-شكرًا لجلالتك؛ أرجو أن يدوم خيرك ويطول عمرك!
خرج أونو بعد ذلك، حينها جونغكوك همس.
-مولاي؛ أتأمرني بأي شيء؟!
نظر له بيكهيون بصمت عدة لحظات، ثم أومئ مُتنهِّدًا.
-هذه الجماعة بِكُلِّ هذه القوة لا يُمكن أن يكون عمرها بضع سنين.
جونغكوك أومئ مؤكِّدًا.
-بدأت تأتينا شكوات عليهم من الشعب مُذُّ أزيد من عشرِ سنين.
أومئ بيكهيون وهو يُفكر، كان يضع يداه خلف ظهره، ويسير جيئة وذهابًا في ذاتِ المسار أمام وزراءه، فيما يُخفض رأسه قليلًا ويعقد حاجبيه.
-أظن أن عمرهم يقارب العشرون عامًا!
ثم تذكَّر فجأة فابتسم يرفع سبَّابته مُنبِّهًا.
-كيم شين؛ والد القادة الثلاث.
لقد ذكره تشانيول أمامه أثناء الحرب وهيريم لم تنكره، إلتفت ناحية جونغكوك وقال.
-أبدأ بالبحثِ من هذا الاسم، وأريد قائمة بأسماء كل النبلاء الذين اتهموا بجرائم كبرى وقُتلوا على أثرِها من بعده، أريد تحقيقًا شاملًا لكل شخصيّة منهم، عائلاتهم، مجال أعمالهم، أنسابهم، وكل شيء مهما بدى تافهًا، للجميع... مفهوم؟!
أخفض جونغكوك رأسه بطاعة، ثم خرج لتأدية عملِه، فبيكهيون إلتفت إلى جونغداي يقول.
-ألم تعلم شيئًا عن مكان نسائي؟
أجابه جونغداي فيما يُخفِض بصره، ويجمع كفّيه أسفل معدتِه.
-يقولون أنَّ الأميرة رايناه من تولَّت أمرهن، لقد نقلتهن إلى إحدى القصور التابعة لنا.
أومئ بيكهيون مُتفهِمًا وقال.
-اذهب، واعلم أين هن، واحضرهن؛ أريدهن الليلة أن يَبِتنَ في قصري؛ مفهوم؟!
أخفض جونغداي رأسه بطاعة.
-أمرُكَ مولاي!
غادر جونغداي، وبقيَ فقط جيمين، بدى متوترًا كثيرًا، يخفض بصره ناحية الأرض ولا يتكلَّم أبدًا. اقترب منه بيكهيون ثم ربت على كتفِه وقد ظهرت شبح إبتسامة على شفتيه.
-لِمَ أراكَ متوتِرًا؟!
هل لأنك لم تعتد علي، أم لأنَّك كنتَ وزير الملك السابق؟!
هل أنت خائف مني الآن؟!
جثى الوزير جيمين على رُكبتيه أرضًا وقال.
-مولاي؛ أنا حقًا لا أدري من شهد لي أمامك، ولكنني لا أستحق عفوكَ عني. عاقبني لو أردت اقطع رأسي، ولكنَّك لو أبقيتني عندك صدِّقني لن أخذلك يا مولاي!
أمسك بيكهيون بعضديه فانهضه.
-لا أتوقع منك أن تخذلني، أُجيد الحُكم على الناس... اذهب لتأدية المَهمَّة التي أوكلتك بها.
أخفض جيمين جذعه بطاعة.
-أمرُكَ مولاي!
بقي الآن وحده كالأيام الخوالي يُفكِّر بشأنِ هيريم وجماعتها، تنهَّد وتدبَّر قليلًا.
-لقد كانوا فعلًا مُتمرِّدين؛ لكن ليس علي بل على الظُلم، الذي لا أعلم عنه شيء... أتمنى أن يكونوا مظلومين فعلًا وإلا اضطررتُ لمُعاقبتهم!
العاطفة لا يُمكنها أن تحكم القانون، يرجو ألا يضطر أن يتجرَّد من عاطفِته ويُحاكمهم.
●●●
كانت هيريم تجلس حول الطاولة الدائرية السوداء، التي يتوسطها شمعدان أحمر. بدت شاردة وتُفكِّر كثيرًا؛ تنهدت مِلأ جوفها ثم تمتمت.
-أهذه الخيبة التي أحس بها؟!
ولكن لا بأس؛ صحيح أنها تُحِب الملك حُبًا أعمى ولكن ثقتها به لم تكن عمياء أيضًا، كما توقعت منه أن يُبرّئ اسم والدها توقعت أن يُجدِّد حكم الإعدام بحقِها؛ لذا لا بأس حقًا، ولكنَّها تتألَّم.
دخل تايهيونغ عليها وهي شاردة هكذا، ثم حمحم ليجذب إنتباهها قائلًا.
-أنتِ بخير؟
أومأت له، ثم أشارت له أن يجلس.
-بخير.
نظر لها مُتردِّدًا وقَلِقًا.
-هل باتَ الإمبراطور ضِدنا الآن؟!
تنهدت هيريم فيما تدعك صدغيها بإرهاق ثم تمتمت.
-يبدو ذلك... لا أعلم... لستُ مُتأكِّدة... لا أملك جوابًا في الحقيقة!
رمقها قابضًا حاجبيه، هذا الرد المُتزعزِع لا يقول أنَّها بخير؛ لكنَّهُ لن يصر في السؤال عن حالِها الآن.
-ماذا سنفعل الآن؟
حرَّكت كتفيها وفتحت يداها تُشير.
-ماذا سنفعل يا تايهيونغ؟!
سنحاول أن نعيش بأمان، نجمع المال، نتوسَّع، ونحاول أن نُبرّئ أسماء عائلاتنا؛ ولكن قبل كل ذلك يجب أن نستعيد القائد جونغ إن.
أمسك تايهيونغ بيدِها وابتسم لها برِفق يُطمئنها.
-سنكون بخير؛ صدِّقيني!
دخل حينها إحدى الرجال يقول مُخفضًا رأسه بإحترام.
-سيدتي القائدة؛ القائد سيهون أستيقظ للتو!
●●●
يُتبَع...
"مُنكَسِرة الفؤاد"
The King's Return|| العنقاء
30th/Jan/2022
....................
سلاااااام
الفصل القادم بعد 200فوت و400كومنت.
1.رأيكم بِ:
هيريم؟!
مشهدها مع بيكهيون؟
قلقها على سيهون وتسييرها لأمورها الجماعة؟!
بيكهيون؟!
حِدته مع هيريم؟
تدبيره لأمور المملكة؟
وردة فعله لإكتشاف سر من أسرار الجماعة؟
جونغكوك؟
جونغداي؟
جبمين؟
وأونو؟
2.رأيكم بالفصل ككل وتوقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤
Коментарі