CH8||نِصف قمر دموي
ضحك جونغ إن بِخفَّة ومسح دمعته التي خرجت رُغمًا عن شِدَّتِه، ربَّتَ على رأسها بلمسةٍ حَنون، وهَمَس.
"إنَّهُ بالفعلِ مَلِكٌ عَنيف!"
تَبسَّمت هيريم رُغمًا عن ملامحِها الذّابلة، وهمست بصوتٍ أبَح.
"سَنُسامحهُ لأنَّهُ وسيم!"
بيكهي تَبسَّمت كذلك جونغكوك، وأما سيهون وجونغ إن؛ فلم يُقصِّرا بإظهار غيرتهما على شقيقتهُما الصغيرة؛ إذ ضرب سيهون رأسها بِخفَّة، ونَبَس مؤنِّبًا.
"هل أُختي المؤدَّبة تُغازِل رَجُلًا الآن؟!"
تَحسَّست هيريم مَوضِع الضَّربة بيدها السليمة بإنزعاج، وتذمَّرَت.
"من خدعكَ وقال لكَ أنّي مؤدبة؟!
أُغازِل الرِّجال بين الحينِ والآخر!"
سيهون رفع سبَّابتهُ بغيظ ونَبَس.
"تأدَّبي وإلا أدَّبتُكِ!"
أومأت له بطاعة، لكنَّه ما إن أشاح بوجهه عنها؛ مصدومًا من أخلاق أُخته المُتَردّيّة، تغامزت هي وجونغ إن عليه، إغاظة سيهون مُمتِعة حتى في الأوقات العَصيبة كتلك.
بعد وقت؛ خرج الرِّجال وبقيت الأميرة بيكهي لديها، جلست الأميرة أرضًا قُربها، ونظرت بأسف نحو هيريم، لكن الأخيرة تَبسَّمت لها بِوَهن؛ تُخبرها بلا كلام أنَّها بخير، تواسيها رُغمَ أنَّها من يحتاج إلى المواساة هُنا، وتُطمئنها بإبتسامتِها تلك أن تعرُّضها للإصابة على يد الملك لن يؤثِّر على قرارِهم بحمايتِه والدِّفاع عنه؛ ولو استلزم هذا الأمر أن يدفعوا حيواتَهم في المُقابل.
ولكن رُغمَ ذلك؛ شعرت الأميرة بيكهي بحاجتها للإعتذار عن تَصرُّف أبيها الجاهل بنواياهم الحَسَنة؛ إذ حملت كف هيريم بين راحتيها، وفيما تُربِّت عليها همست.
"رُغمَ تفهُّمكِ لِموقف أبي، لكنّي ما زِلتُ أشعُر بِحاجتي للإعتذار"
رفعت هيريم يدها تَبغي إسكاتها؛ لكنَّ الأميرة تمسَّكت بيدِها ونبست.
"ليطمئنَّ قلبي ويرتاح ضميري دعيني أفعل ما أُريد"
تنهَّدت هيريم ونَبست.
"لا حاجة لذلك صدِّقيني!"
أومأت لها بيكهي تتفهَّم وردَّت.
"وإن كان اسمعيني..."
تنهَّدت هيريم مُجدَّدًا؛ ولكِنَّها أنصتت للأميرة هذهِ المَرَّة، فاتبعت بيكهي.
"الفكرة الوحيدة التي يملكها أبي عنكم أنَّكُم قتلة وسارقين، خارجين عن طاعتِه، وتعيثونَ في أرضِه الفساد... هذهِ كانت فكرتي عنكم أيضًا قبل أن أُصبح هُنا.
صحيح أنَّني لا أدري لِمَ قَتلتُم الكثير من الرِّجال من مسؤولين ونُبلاء وغيرهم، ولِمَ تَتنمَّرون على التُّجّار وتأخذون أموالهم، ولِمَ تختطفون العبيد، ولِمَ أسَّستُم هذا التَّنظيم، الذي يتحدَّى سُلطة الحكومة والشُّرطة بطريقة ما.
لا أُنكِر أنني فضوليّة حول إجابات هذهِ الأسئلة وماهية أعذاركم، لكنني مُتأكِّدة أنَّكُم تملكون أسبابًا جيّدة... لكنَّ أبي لا يعلم كما لم أعلم حتى صِرتُ هنا.
أرجو أن تَتَفهَّمي موقف أبي الصَّعب الآن، وأنا أعتذر لكِ بالنّيابةِ عنه، تَقبَّلي إعتذاري رجاءً، أنا آسفة!"
هيريم تَبسَّمت بِخفّة وهمست.
"ألم أقُل أنَّني أُسامحُه لأنَّهُ وسيم؟"
ضحكت بيكهي بِخفَّة وأومأت، حينها هيريم اتبعت.
"نحنُ نتفهَّم الملك والوضع الصَّعب الذي يَمُر فيه، لذا لا تقلقي"
أومأت لها بيكهي بعدما تنهَّدَت براحة وهمست.
"شُكرًا لكِ!"
ولكنَّها سُرعان ما إستذكرت فتسآلت.
"كيف إستطاع أبي ضَربِك بسهامِه؟!
أخال أنَّكِ قويّة ومُتمكِّنة كفاية؛ لتتصدّي لأسهُمِه أو تتحاشيها!"
لم تَزول تلك الإبتسامة الخافِتة عن شفتي هيريم، بل وتذكَّرت كيف بدى ذلك اليوم، بدى رائعًا بإختصارٍ شديد.
وبإطناب؛ بدى مِثل طيرٍ عظيم ذي عينين جارِحة، مثل صقرٍ مغرور وجارح.
لقد أحبَّت النظر إليه كثيرًا، ويا ليت عيناه الحادَّتين ما إصطادتها وإلا لتأمَّلتهُ أكثر، لأحبَّتهُ بعينيها أكثر.
نظرت هيريم إلى ابنته، التي تجلس قُربِها، وهمست.
"أخبرتُكِ... والدكِ وسيم وجذّاب، وأنا لم أقدِر أن أُبعِد عينيَّ عنه!"
تبسَّمت بيكهي مُجددًا، وربَّتت على كتف هيريم السليم.
" هل من الجيد أن أبي رَجُلًا وسيم أم لا؟!
أنا حقًّا لا أدري!"
ضحكت هيريم بخفّة وهمست.
"إنَّهُ أمرٌ جَيّد بِكُلِّ تأكيد، انظري إلى نفسِك، تملكينَ وجهه الوسيم؛ لذا أنتِ جميلة!"
ضحكت بيكهي فيما تنهض وعلَّقت.
"يبدو أنَّكِ واقعة في حُبِّ وسامةِ أبي، لذا سأتُرككِ واقعة هكذا وأُغادر... احظي على قِسطًا من الرّاحة"
همهمت هيريم وبيكهي خرجت، وإذ بسيهون وجونغ إن كذلك الوزير جيون يجلسون في مكانٍ قريب.
إقتربت منهم فتطلَّعوا إليها، وهي نبست بإبتسامة.
"تقول أنَّ أبي نَجح في إصابتِها لأنَّه وسيم، وستُسامحه لأنَّهُ وسيم!"
جونغكوك ضحك بخفَّة وعلَّق.
"حتى هيريم واقعة في حُبِ مظهره، يبدو أنَّ ذلك أفضل أسلحته!"
ضحكت بيكهي ووافقت جونغكوك بإيمائة، وأما سيهون فأخذ ينظر إلى جونغ إن مُقطبًا حاجبيه بغضب، وسُرعان ما لامه.
"أنتَ من تُعبّئ رأسها بهذهِ التفاهات، أيُعجبكَ ما وصلت إليه من وقاحة؟!"
سُرعان ما إعترضَ جونغ إن مُتذمِّرًا.
"هل سبق ورأيتني أُغازل الملك من قبل؟! ما شأني أنا؟!
ثُمَّ هي فتاة، من الطبيعي أن تُعجَب بالرِّجال، ويبدو أنَّهُ على ذوقِها"
استنكر سيهون بنبرةٍ ساخطة.
"وما وجدت سوى الإمبراطور لِتُعجَب فيه؟!"
"وما شأني أنا؟!"
ولِفَك هذهِ المُشاحنة اللِّسانيّة بين الأخوين الغاضبين تَدخَّل جونغكوك ضاحكًا.
"لِمَ تعطوا الأمر أكبر من حجمه؟!
الأمر ليس مُتعلِّقًا بهيريم بحدِّ ذاتها، إنَّها مُجرَّد مشاعر إعجاب بريئة تزول سريعًا، وقد لا تكون قد وصلت للحد الذي كوَّنت فيه أيُ مشاعر لصاحب الجلالة... لا يحتاج الأمر لِكُلِّ هذا الغضب!"
وافقته بيكهي بإيمائة واتبعت بإبتسامة.
"أبي رَجُل جذّاب ووسيم بالفعل، المرأة التي لا تقع في حُبه من نَظرة هي حتمًا ليست إمرأة سويّة"
برم جونغ إن شفتيه ونبس.
"تُبالغين... أنا أوسم منه!"
نظر له سيهون بنظرةٍ ساخطة كي يصمت، لكن جونغ إن أشار لأخيه الأكبر ونبس.
"وسيهون أوسم منه!"
ضحك الوزير كذلك الأميرة حينما أخرج سيهون سيفه، فنهض جونغ إن هارِبًا لكنَّهُ قال.
"حتّى الوزير جيون أوسم منه...!
بل إنَّهُ ليس وسيمًا على الإطلاق!"
هرب جونغ إن سريعًا حينما نهض سيهون على أشُدَّه، ثم جلس مُجددًا مُنزعجًا بينما الوزير والأميرة يضحكان.
هؤلاء الإخوة الثلاث حتمًا مضحكون...!
..........................
وفي مكانٍ آخر؛ تحديدًا في قصرِ الأمير الثُّعبان -كما يُلقَّب-؛ ما زال الأمير الأول في حُكمِ الإقامة الجَبريّة ماكِث، لا يخرُج ولا يدخل عليه أحد، فقط زوجته الأميرة الأولى رايناه تخرج بحاشية من قصرِ الملك وتعود معهم بأمرٍ من الملك؛ لتحضُر معه وجبةِ الإفطار كُلَّ يوم.
واليوم؛ وفي هذا الصَّباح الجَديد؛ كان الأمير يجول في أرجاء قصره ومرِافقه يتبعونه حاشيته من سيدات بلاط ومَخصيين.
وقف الأمير فوق الجِسر الذي يوصِل بين دفَّتي البُحيرة، ونظر نحو هودج الأميرة زوجته، الذي توقَّف داخل بوابةِ القصر، تَبسَّم الأمير بِسُخرية ونبس.
"ها قد أتَت أُخت جلالة الإمبراطور المُعظَّم!"
سار ناحيتها، كانت تَقِف خارج هودجها، وما إن رأتهُ يقترب منها إرتبكت، لكنها حاولت أن تحفظ رابطة جأشها أمامه ولا تخشاه.
إذ رفعت وجهها إليه، فارتفع حاجبه مُستهجِنًا؛ فهي -وفي أفضلِ الأوضاع بينهم- لا تنظر في وجهه.
"لا تمتلكي الجراءة لتنظُري في وجهي عادةً، ما الذي تغيَّر سموّ الأميرة؟!"
تبسَّمت في وجهه، وذلك ما فاجئه أكثر، ونبست.
"ولِمَ لا أنظر إليك؟
أنا زوجتك الأميرة، لستُ إحدى محظيّاتك"
أومئ الأمير تشانيول وابتسم إبتسامة هادئة، ثم أشارَ لزوجته الأميرة.
"تعالي معي قليلًا"
أومأت ثم تبعت خُطاه التي كانت متوجِّهة نحو جناحه، كان يسير أمامها وكفّيه خلف ظهره، وهي تسير خلفه فيما تحمل أطراف ثوبها بيديها.
ولج الأمير إلى جناحه، وأمر بتركِ الباب لأجلِها مفتوحًا، تردَّدَت رايناه بإتباع خطواته والدخول للوهلةِ الأولى، لكنها استجمعت أنفاسِها ولَملَمت شجاعتِها ثم تبعته إلى الداخل.
الأمير تشانيول وقف في مُتنصف جناحه، وإلتفت ناحيتها يبتسم، ثم أشار لحارس الباب أن يُغلِقه عليهما.
إقترب منها تشانيول ونبس مُبتسِمًا.
"سأُخبرُكِ شيئًا لكن لا تهلعي عزيزتي"
عبست ملامحها سريعًا؛ إذ هي تعلم أن مَفاد "لا تهلعي" أنَّها ستهلع بلا شك.
"ماذا؟!"
همهم الأمير وأخذ يسير أمامها.
"هممممم... في الحقيقة؛ سعادتكِ هذهِ لن تدوم"
وقف حينما أصبح أمامها، ونقرَ بسبَّابتِه ذقنِها يقول.
"ولا حتى للغَد"
تجاوزها يقصد الخروج، لكنَّها استوقفته بسؤالها.
"ما الذي تقصدُه؟!"
توقف عن المَسير وأجابها فيما يمنحها ظهره.
"عندما تذهبي غدًا إلى قصرِ أخيكِ ستعلمين"
خرج من الجناح ثم أمر بإغلاق الباب عليها.
"الأميرة رايناه ممنوع أن تخرج من هذا الجناح حتى صباح الغد حينما يحين الوقت لذهابها إلى القصى المَلكي، تفهمون؟"
إنحنوا له حرسه.
"أمرُكَ مولاي!"
أحسَّت رايناه بخطورةِ ما يقوم الأمير الثُّعبان بتديبره، وأنَّه اتخذ حبسها في جناحه كإجراء وقائي، يُكبِّلها كي لا تقدر أن تفعل شيئًا يُفسد خُططه ضِدَّ أخيها.
هرعت إلى الباب تحاول فتحه، وحينما لم تنجح أخذت تطرقه بكل قوَّتِها وتصرخ.
"تشانيول أخرجني رجاءً!
لِمَ تحبسني؟!
ماذا تنوي أن تفعل بالخارج؟!"
سمعت صوت الحارس يُخبرُها.
"سمو الأميرة؛ سمو الأمير قد غادر بالفعل!"
تنهَّدت رايناه ببؤسٍ ويأس وانزلقت بجسدها لتجلس أرضًا، قلبها ينبض بقوة؛ خوفًا مما يُخطط له تشانيول؛ فهو بالتأكيد لن يؤذي أحدًا بخُططه هذهِ بقدرِ ما سيؤذي أخيها الإمبراطور.
وأما الأمير تشانيول؛ فلقد خرج من عند أميرته يتمشَّى بِبخترة بعدما تغذَّى على خوفها وهلعها على أخيها منه.
حينما ترمقه بهذهِ النظرات المُرتعِبة تُشعِره بعظمتِه وقُدراتِه الفذَّة، تجعله يرغب بإرتكاب كل الأفعال الآثمة بحسبِ القانون، لأنَّهُ يُحِب هذه النظرات... نظرات الخوف.
يُحب أن تخافه هي بالتحديد، ويحب أن يخافوه كل النَّاس.
عِندَ المساء؛ إستطاع الأمير تشانيول التَّملُّص خارج قصرِه، وذهب ليلتقي بموالينه في إحدى الأماكن الساترة المُجهَّزة لمثلِ هذه الظروف الحسّاسة.
استقبلوه بحفاوة كما يفعلون دائمًا، وهو جلس بينهم وأعلى منهم جميعًا بمقعدِه،
أمامه طاولةِ عليها ما طاب من الشراب والطعام، وهو مُضجعًا في جلستِه يتسامر هو ورجاله، فالليلة؛ هذا إنتصاره حتمًا، ولا يُمكن هزيمته هذهِ المرة.
"مولاي، كيف سنُبرِّر ما سيحدُث الليلة غدًا؟"
ضحك تشانيول مِلأ شِدقيه ثم نبس بعدما إرتشف من قدح شرابه.
"ألم يذهب الملك لِمقر المُتمرِّدين، الذين خطفوا ابنته الأميرة والوزير جيون، وأصاب إحدى قادتِهم؟!"
"بلى"
اتبع تشانيول.
"سنقول أنَّ المُتمرِّدين من فعلوا ذلك؛ إنتقامًا من الملك؛ ولأنَّهُ رفض التفاوض معهم"
أخذوا موالينه يضحكون ويتسامرون بفرح ومرح، حتى وقف أحدهم يرفع بيده قدح شرابه وقال بإبتسامةٍ خبيثة.
"لقد إستأجرتُ إحدى المُرتزقة؛ كي تصعَد على عرشكَ مولاي!"
بانت على شفتيه إبتسامة لئيمة، ونهض عن مَضجعِه، بيدِه قدح شراب يرفعُ نَخبًا، نَخبٌ من دِماء.
"فلنشرب نَخب روح ملك الأُمّة!"
رفع جميع مواليينه أقداحهم يضحكون؛ يشاركون مولاهم نخبه.
"مُبارك إنتصارُكَ مولاي!"
............
كان الإمبراطور بيكهيون في غُرفة مكتبه مُرهقًا من كثرةِ التَّفكير والسهر الطويل، مهما بحث؛ لا يجد لهؤلاء المُتمرِّدين أثرًا يَدُل عليهم.
وكأنَّ قائدهم يملك عددًا مَهولًا من المواليين المُخلصين، الذين لن يفشوا عن سِرًا من أسراره ولو أغراهم بجبلٍ من ذهب.
القلق ينهشه... من ناحية؛ هو يكره بِشدّة كيف أن الناس تلوك عِرضه بين أضرستهم بالباطِل، ومن ناحيةٍ أُخرى؛ يكاد قلبه يتمزَّق خوفًا غلى فلذَّةِ كبده الأولى، ابنته بيكهي.
كما أنَّه يواجه مشاكل عسيرة في البلاط الملكي، وهو الآن وحده يقف، الوزير جيون ليس معه، ليس هنا لإستشارته وحِمل بعض الهَم عن كتفيه.
وهمَّهُ الكبير ابن عمه الأمير تشانيول، وخُططه لإستيلاء على عرشه، وإزهاق روحه ونسله، في المُقابل؛ هو لا يعلم ما هي خُططه... إنَّهُ يَمُر بأزمة كبيرة بالفعل.
سمع صوت حارسه على الباب يقول.
"مولاي، الأميرة جيهان هنا... تود رؤيتك!"
نظر بيكهيون من النافذة، بالنَّظرِ إلى القمر فلقد إقترب مُنتصف الليل وابنته ليست في سريرها بعد!
"أدخلها!"
إنبلجت البوابة، وظهرت من خلفها الأميرة جيهان تنحني لوالدها، ثم أقامت عودها وابتسمت له، حينها أراح ظهره على مقعد ونفث أنفاسه.
عاطفة الأبوّة فعلًا غريبة وقويّة، تكون كل الهُموم تُثقِل كتفيه تجعله لا يقدر أن يقف حتى، ولكنه ما إن ينظر في وجه إحدى أطفاله يزول كل الهَم ويتساقط من على كتفيه.
"لِمَ طفلتي لم تنم بعد؟"
إقتربت منه جيهان قائلة.
"أتيتُ لإطمئن عليك قبل أن أذهب لفراشي، لا يُمكنني أن أنام وأنتَ تجلس هُنا مهمومًا، هل تُمانع أن أوصلكَ إلى جناحك أبي؟!"
تبسَّم بيكهيون ونفى برأسه يقول.
"بالتأكيد لن أفوِّت على نفسي مِثلَ هذا العرض المُغري!"
نهض بيكهيون على أشده، واجتذب ابنته الصبيّة إليه يُعانق كتفيها بذراعه، وخرج من مكتبه.
لكنَّه توقف في مُنتصفِ الطريق إلى جناحه، وقال يقبض حاجبيه.
"رغبة قويّة تجتاحني لأرى إخوتكِ الصِغار قبل أن أذهب للنوم!"
تأبَّطت جيهان ذراعه، وقالت مُبتسِمة.
"إذًا دعنا نذهب لنرى لي جون أولًا!"
أومئ بيكهيون بإبتسامة خافتة وتوجّه مع ابنته إلى مَخدع ابنه الصغير لي جون، تنحى الحرس عن باب الأمير الصغير بعدما إنحنوا للملك، ثم الملك دخل كمُجرَّدِ أب تقوده عاطفته إلى سرير ابنه حيثُ ينام.
ينام صغيره لي جون بطريقة فوضوية جعلته يضحك بخفَّة، إذ يرفع ذراعيه فوق رأسه ويُفرِّق بين ساقيه إلى أقصى حَد.
جلس بيكهيون بجواره، ورفع يده ليُهذِّب خُصلات ابنه الطويلة بأنامله فيما يبتسم.
"صغيري المسكين ينام في عُمق، من الواضح أنَّهُ يتعذَّب في تلقّي دروسه المُكثَّفة"
ضحكت جيهان وأومأت.
"بالفعل نعم! حتى أن الملكة راهي تقضي وقتها تركض خلفه، بالتأكيد هي مُنهكة منه!"
أومئ الملك بصمت، وقبل أن ينهض من عند صغيره طبع على جبهتِه قُبلة.
خرج من جناح ولي العهد الصغير، وتوجَّه إلى جناح التؤام؛ إذ تشترك الصغيرتان الجناح ذاته، ورفضن الإنفصال كل واحدة بجناحها الخاص، هكذا يكونوا التوائم عادةً، وهو سعيد لأنَّهُ حظيَّ بتوأم بالفعل.
ولج إلى جناح طفلتيه، واقترب من سريرهن، ينمنَ مُتعانقتين، بايان ولايان هُنَّ بنظر والدهن ألطف تؤام على الإطلاق، يُحب أن يرى هذه العلاقة الفطريّة المتينة التي تجمعهن.
"إنَّهُنَّ لطيفات!"
أومأت جيهان توافق والدها، وأما هو، فانخفض بجذعه ليرفع عليهن الغطاء، حصل على قُبلة من كل واحدة منهن ثم سلك الطريق إلى الخارج وهذهِ المرّة وجهته إلى جناح أميرته الصَّبيّة.
"ألم نتَّفِق أنني سأوصلك أنا؟"
نبست جيهان حينما سلك والدها الطريق إلى جناحها فقال.
"لا تقلقي، سأضعكِ في سريرِك، واذهب للنوم!"
برمت شفتيها لكنها أومأت له، فربَّتَ بيده على رأسها وقال.
"لا تقلقي علي صغيرتي، والدكِ قوي!"
أومأت له مُبتسمة.
"بالطبعِ أعلم، أنتَ أقوى أب على الإطلاق، وأنا أُحبُك جدًا أبي!"
ضحك بيكهيون بخفَّة وربَّت على كتف ابنته، وصل بها إلى جناحها، ثم وقفت قِبالته حينما اجتذب رأسها بين يديه وطبع على ناصيتها قُبلة، مثلها مثل إخوتها الصِّغار.
"والآن اذهبي إلى سريرك!"
أومأت جيهان لوالدها وقبل أن تَدخُل نَبَسَت.
"تُصبِح على خير أبي"
"تُصبحين على خير طفلتي"
وهكذا عاد الملك أدراجه تسير خلفه حاشيته، لقد تجوَّل بين غُرَف أطفاله وملامحه مُبتهِجة، الآن خَيَّم الإرهاق على مُحيّياه مُجددًا.
وصل إلى جناحه، وبمُساعدة خدمه بدَّل ثيابه إلى ثياب النوم ولبث في فراشه، في جناحِه الخاص.
لم ينم مُذُّ عدة ليالٍ بالفعل، ولولا أنَّ جيهان أتت له لما لبث في فراشه، هو مُرهق ومُتعب، ولكنَّهُ لا يُريد أن يرى أحد ضعفه، يُريد أن يبقى قويًا في عيون الكل، وأهمهم أطفاله.
لأنهم لو رأوا ضعفه سيخافوا... وهذا ما سيكرهه بشدَّة.
......................
في ذاتِ الليلة؛ كان سيهون، وجونغ إن، وكيونغسو يجلسون في فوهةِ المَقر حول نار يستدفئون بها فيما يتسامرون؛ تشغلهم أحاديثٌ مُختلِفة.
لكن أمرٌ مُفاجئ قد حصل؛ فإذ أن أغلب الرِّجال ينامون، وفقط الحَرس المُناوبون الليلة والقادة الثلاثة مُستيقظون؛ آتى رَجُل من أقصى الجبل يركض.
"سيدي القائد... سيدي القائد!"
وقف القادة الثلاث وسِهام الحَرس توجَّه ناحية الرَّجُل، فسُرعان ما وضَّح.
"أنا من فرقة حرس القصر الملكي، هناك حركة غريبة في الجوار، لقد رأيتُ رجال مُلثَّمين يحومونَ حول القصر!"
رفع الرَّجُل بيدِه راية المُتمرِّدين؛ ليتأكدوا أنَّهُ أحد رِجالهم، حينها أشار له القائد كيونغسو أن يقترب، فاقترب الرجل فيما يتنفَّس بصعوبة والإرهاق يُعبّئ وجهه.
"سيدي، بعثني إليكِ قائد فِرقة الحرس حول القصر المَلكي؛ لأُخبركَ أنَّهُ يتوقَّع هجوم الليلة على القصر الملكي؛ فهُناكَ حركة مُريبة بالجوار"
ركل جونغ إن الكرسي، الذي كان يجلس عليه، وقال.
"هذا الأمير الحقير يستغل فُرصة الأحداث الأخيرة ضِدَّنا، بالتأكيد سيُهاجم الملك ويقول أننا من فعلنا لأنَّهُ هاجم إحدى مقرَّاتِنا، يُخطط لقتلِه ورمي التُّهمة علينا؛ ليقدِر أن يستولي على العرش!"
سيهون أومئ يوافق أخيه.
"وليس بعيدًا عن أفعاله أن يُحاول قتل ولي العهد الصغير؛ كي لا تكون هناك أيُّ عاقبة في طريقه!"
القائد كيونغسو نبس بقلق.
"إذًا علينا التَّحرُّك فورًا وإنقاذ الملك وولي العهد من هذهِ المَكيدة!"
سمعوا صوت شيء سقط فإلتفتوا؛ وإذ بها الأميرة بيكهي قد إنهارت أرضًا بِصُحبتها القائدة هيريم، التي لم تنهار لسماع الأخبار، بل إشتدَّ عودها، وأصبحت أقوى.
"دعونا نُخطط على الطريق إلى القصر الملكي!"
سيهون إعترض بنبرةٍ جادّة.
"أنتِ لن تذهبي، ابقي هُنا واستريحي!"
لكن هيريم لم تأبه بقولِ أخيها، بل رَدَّت بثبات وعِناد.
"إما أن تدعني أذهب معك وإما سأهرُب واتبعك... اختر ما تُريد"
جونغ إن قال.
"هل تستطيعي الصمود؟!"
أومأت.
"نعم أستطيع"
اتبع جونغ إن مُنبِّهًا.
"لو سقطتِ لن تجدي من يرفعك!"
أومأت.
"أعلم"
تنهَّد جونغ إن وقال.
"تجهَّزي سريعًا إذًا!"
أومأت هيريم ودخلت سريعًا لتتجهز، فتنهَّد سيهون بأستياء ونبس فيما يقف مُتخصِّرًا.
"بهذهِ البساطة! كيف تسمح لها بالقدوم معنا؟!"
"أُختك وتعلم كم هي عنيدة، أن تأتي معنا أفضل من أن تأتي خلفنا!"
تنهَّد سيهون بأستياء يرمق أخيه بنظرةٍ غاضبة لكنه لم يُتبع، فهو يدري أنَّهُ على حق، هيريم بالفعل عنيدة ولن تفعل إلا ما تريده.
إلتفت جونغ إن إلى القائد دو وأَمَرَه.
"أوقظ الرِّجال وآمرهم بالتَّجهُّز سريعًا، نتجمَّع هُنا خلال ثلاثون دقيقة"
إنحنى له القائد دو ونبس.
"أمرُكَ سيدي!"
تنهَّد القائد جونغ إن وسار إلى الداخل؛ ليتجهَّز أيضًا لِمُهِمَّة الليلة الطارئة، وحالما نظر إلى الأميرة المُنهارة أرضًا، التي تأبى النهوض مهما حاولن النساء معها، أشار للنساء بالإنصراف، ثم جلس القُرفصاء قُربها ونبس.
"سمو الأميرة، أعدُكِ أنَّ الملك سيأتي معنا وهو بخير، سنحاول بكل قُدراتنا أن نُنقذه وإخوتك ووالدتك، سنحاول بأقصى جهودنا!"
رفعت الأميرة بيكهي وجهها النَّدي إلى القائد الأسمر وأومأت.
"أثِق بكم!"
أومئ لها، ثم نهض فيما يحمل سيفِه إلى الداخل، وهي نهضت من بعدِه.
تجهَّزَ الجميع، ووقفوا الرِّجال عند فوهةِ الكهف يودِّعون نسائهم، كانت جاهي تبكي وهي تُعانِق أخاها تايهيونغ.
"أرجوكَ عُد سالمًا، أرجوكَ لا تتأذّى!"
تايهيونغ تبسَّم وربَّت على كتفِ أُخته.
"سأعود... أنتِ فقط فكِّري أننا غدًا سنحظى بِحُريَّتُنا"
أومأت له تُسايره، لأنها ستفكر في شيء واحد فقط؛ سلامته.
وقف الوزير جونغكوك وبقرُبه الأميرة بيكهي التي تسندها إحدى الفتيات هُنا وقال.
"دعوني اذهب معكم رجاءً، أُريد أن أُشارِك في حماية الملك!"
تنهد سيهون وللمرة الثالثة رفض طلب الوزير يقول.
"نحن نحتاجك هنا، من سيحمي المَقر لو أتيتَ معنا؟!
هؤلاء الأطفال الذين ينامون في فراشهم وهؤلاء النِّسوة اللواتي ودَّعنَ رِجالهن؛ من سيبقى معهن لو أنتَ أتيتَ معنا؟!
من سيحميهن؟!"
تقدَّم منه سيهون وربَّت على كتفه يقول.
"احمي نسائنا وأطفالنا... هذه أفضل مُساهمة قد تفعلها لنا!"
تنهد جونغكوك وأومئ.
"حسنًا... سأنتظركم بفارغ الصبر، كونوا بخير وعودوا مُنتصرين!"
أومئ سيهون ثم توجّه إلى حصانه، صعد على حصانه، الذي يقف على يمين حصان هيريم، وحصان جونغ إن يسارِها، وحصان القائد دو خلفهم.
الرِّجال فرَّقوا نظراتهم بين النِّساء اللواتي يبكين، بالقوّة كانوا يمنعون أنفسهم من الإنهيار أمام نسائهم؛ فلا أحد منهم يعلم إن كان سيعود أم لا.
هذهِ المُهِمَّة بمقامِ معركة، لا أحد منهم يضمن رجوعه حيًّا إلى أهله أبدًا.
رُفِعَت راياتهم السوداء، التي يرتسم عليها نِصف قمر دموي، والقائد سيهون صاح بشجاعة.
"رجال... هذهِ هي مُهمتُنا الأوَلى، لقد تعاهدنا أن نُضحّي بحياتنا لأجل الملك، ولن نتراجع عنها أبدًا!"
صرخ الرِّجال بحماسة، وانطلقت الخيول؛ تترُك خلفها الغُبار يُعبّئ الجو، وصهيل الخيول يتصاعد في السماء.
تجاوز المُتمرِّدون الغاب، وحينما أصبحوا في مَدخل المدينة تفرَّقوا بأربعةِ فِرق، أمام كل فرقة قائد.
وانطلق كُل واحد منهم بين شِعاب المدينة مُتسللين إلى القصرِ المَلكي، تركوا خيولهم عند فِرق حرس القَصر، وتسلَّلوا إلى داخل القصر؛ إذ أنَّ الكثير من رجال الحرس الملكي ينتمون إلى جماعتهم.
قاموا الحرس من الدَّاخِل بتضليل بقيّة الحَرس للسَّماح للمُتمرِّدين؛ لِتَسلُّل إلى داخل القصر بسلاسة.
تصلَّق بعضُ الرِّجال أسوار القصر العالية وبعضهم دخل عبر الأخاديد السريّة من أسفلِ الأرض.
وقبل أن يتفرَّق القادة برِجالهم بين مرافق الحرم الملكي، القائد سيهون نبس.
"الأولى فالأولى... انقذوا المَلِك أولًا، ثم ولي العهد، ثم الأميرتين، ثم الملكة الأولى والملكة الأُم"
"أمرُكَ سيدي!"
هيريم بمجموعة من رِجالها وَلَجت إلى الحرم الملكي بحثًا عن جناح الملك، صادفهم في الطريق إحدى الحرس، لكن إحدى رجال هيريم هرع إليه، وضرب عُنقه قبل أن يصرُخ، فسقط مُغمى عليه.
"ابحثوا في المكان بحذر!"
وهذا ما حدث؛ إذ بقيَّ خلف هيريم ثلاثةِ رجال فقط، وصلت إلى إحدى المَخادع، ورأت أن حرس بوابة هذا الجناح أكثر من بقيَّة المخادع، فهمست تُحذِّر رِجالها الذي كان من ضمنهم تايهيونغ.
"يبدو أن هذا جناح الملك، علينا أن نُقاتل حرس البوَّابة دون أن نُثير معمعة؛ كي لا يستيقظ الملك"
"أمرُكِ سيدتي!"
أشارت لهم بالتَّقدُم، ثم بدأ قِتال حاميًا عند بوابة الملك بالسيوف، وانتهى الأمر بهيريم ورجالها منتصرون على الحرس.
ولجت هيريم جناح الملك بحذر وخِفَّة، وتقدَّمت من سريره بتودئة، وبالفعل؛ هذا هو جناح الملك؛ الذي لم يستيقظ رُغم الضوضاء العالية.
نَبَسَت هيريم فيما تنظر إلى ملامحه المُعبّأة بالإرهاق وهو نائم.
"استعدّوا لنقلِه!"
لكن الملك فتح عينيه فجأة، ونظر في عيني هذا المُلثَّم القصير ذا الجسد الضَّئيل.
"أنتُم المُتمرِّدون!"
..........................
يُتبَع...
الفصل الثامن "نِصفَ قمر دموي"
الرواية التاريخيّة "العنقاء||The Emperor's Return"
.......................
سلااااااااااااام
الفصل المُنتظَر -بالنِّسبة لي- أخيرًا وصل
👏👏👏
الفصول الجاية ح تكون حامية وحسَّاسة، تقريبًا هي أكثر فصول الرواية حِدّة لهيك استعدوا نفسيًّا...
الأهم من كل ذلك؛ لا تلوموني، الفكرة الرئيسة للرواية الي ح قولها بالفصل الجاي لكامي مو إلي، سو أنا ما الي دخل😂😂
الفصل القادم بعد90 فوت و90 كومنت.
1.رأيكم بهيريم؟
مزاحها بشأن الملك؟ هل يتضمَّن أي نوع من الجديّة؟!
إصرارها للمُشاركة في مهمة إنقاذ الملك رغم وضعها الصحي المُتردّي؟
2.رأيكم بالملك؟
الحالة النفسية الصعبة الي يمر فيها؟
عاطفته الأبوية؟
3.رأيكم بتشانيول؟
خباثته ومخططاته؟
4.رأيكم بجونغ إن؟ جديته في المواقف الحاسمة؟
5.رأيكم بالفصل؟
6.توقعاتكم للفصل القادم؟! *مهم تجاوبوني على الأقل هون*
دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤
"إنَّهُ بالفعلِ مَلِكٌ عَنيف!"
تَبسَّمت هيريم رُغمًا عن ملامحِها الذّابلة، وهمست بصوتٍ أبَح.
"سَنُسامحهُ لأنَّهُ وسيم!"
بيكهي تَبسَّمت كذلك جونغكوك، وأما سيهون وجونغ إن؛ فلم يُقصِّرا بإظهار غيرتهما على شقيقتهُما الصغيرة؛ إذ ضرب سيهون رأسها بِخفَّة، ونَبَس مؤنِّبًا.
"هل أُختي المؤدَّبة تُغازِل رَجُلًا الآن؟!"
تَحسَّست هيريم مَوضِع الضَّربة بيدها السليمة بإنزعاج، وتذمَّرَت.
"من خدعكَ وقال لكَ أنّي مؤدبة؟!
أُغازِل الرِّجال بين الحينِ والآخر!"
سيهون رفع سبَّابتهُ بغيظ ونَبَس.
"تأدَّبي وإلا أدَّبتُكِ!"
أومأت له بطاعة، لكنَّه ما إن أشاح بوجهه عنها؛ مصدومًا من أخلاق أُخته المُتَردّيّة، تغامزت هي وجونغ إن عليه، إغاظة سيهون مُمتِعة حتى في الأوقات العَصيبة كتلك.
بعد وقت؛ خرج الرِّجال وبقيت الأميرة بيكهي لديها، جلست الأميرة أرضًا قُربها، ونظرت بأسف نحو هيريم، لكن الأخيرة تَبسَّمت لها بِوَهن؛ تُخبرها بلا كلام أنَّها بخير، تواسيها رُغمَ أنَّها من يحتاج إلى المواساة هُنا، وتُطمئنها بإبتسامتِها تلك أن تعرُّضها للإصابة على يد الملك لن يؤثِّر على قرارِهم بحمايتِه والدِّفاع عنه؛ ولو استلزم هذا الأمر أن يدفعوا حيواتَهم في المُقابل.
ولكن رُغمَ ذلك؛ شعرت الأميرة بيكهي بحاجتها للإعتذار عن تَصرُّف أبيها الجاهل بنواياهم الحَسَنة؛ إذ حملت كف هيريم بين راحتيها، وفيما تُربِّت عليها همست.
"رُغمَ تفهُّمكِ لِموقف أبي، لكنّي ما زِلتُ أشعُر بِحاجتي للإعتذار"
رفعت هيريم يدها تَبغي إسكاتها؛ لكنَّ الأميرة تمسَّكت بيدِها ونبست.
"ليطمئنَّ قلبي ويرتاح ضميري دعيني أفعل ما أُريد"
تنهَّدت هيريم ونَبست.
"لا حاجة لذلك صدِّقيني!"
أومأت لها بيكهي تتفهَّم وردَّت.
"وإن كان اسمعيني..."
تنهَّدت هيريم مُجدَّدًا؛ ولكِنَّها أنصتت للأميرة هذهِ المَرَّة، فاتبعت بيكهي.
"الفكرة الوحيدة التي يملكها أبي عنكم أنَّكُم قتلة وسارقين، خارجين عن طاعتِه، وتعيثونَ في أرضِه الفساد... هذهِ كانت فكرتي عنكم أيضًا قبل أن أُصبح هُنا.
صحيح أنَّني لا أدري لِمَ قَتلتُم الكثير من الرِّجال من مسؤولين ونُبلاء وغيرهم، ولِمَ تَتنمَّرون على التُّجّار وتأخذون أموالهم، ولِمَ تختطفون العبيد، ولِمَ أسَّستُم هذا التَّنظيم، الذي يتحدَّى سُلطة الحكومة والشُّرطة بطريقة ما.
لا أُنكِر أنني فضوليّة حول إجابات هذهِ الأسئلة وماهية أعذاركم، لكنني مُتأكِّدة أنَّكُم تملكون أسبابًا جيّدة... لكنَّ أبي لا يعلم كما لم أعلم حتى صِرتُ هنا.
أرجو أن تَتَفهَّمي موقف أبي الصَّعب الآن، وأنا أعتذر لكِ بالنّيابةِ عنه، تَقبَّلي إعتذاري رجاءً، أنا آسفة!"
هيريم تَبسَّمت بِخفّة وهمست.
"ألم أقُل أنَّني أُسامحُه لأنَّهُ وسيم؟"
ضحكت بيكهي بِخفَّة وأومأت، حينها هيريم اتبعت.
"نحنُ نتفهَّم الملك والوضع الصَّعب الذي يَمُر فيه، لذا لا تقلقي"
أومأت لها بيكهي بعدما تنهَّدَت براحة وهمست.
"شُكرًا لكِ!"
ولكنَّها سُرعان ما إستذكرت فتسآلت.
"كيف إستطاع أبي ضَربِك بسهامِه؟!
أخال أنَّكِ قويّة ومُتمكِّنة كفاية؛ لتتصدّي لأسهُمِه أو تتحاشيها!"
لم تَزول تلك الإبتسامة الخافِتة عن شفتي هيريم، بل وتذكَّرت كيف بدى ذلك اليوم، بدى رائعًا بإختصارٍ شديد.
وبإطناب؛ بدى مِثل طيرٍ عظيم ذي عينين جارِحة، مثل صقرٍ مغرور وجارح.
لقد أحبَّت النظر إليه كثيرًا، ويا ليت عيناه الحادَّتين ما إصطادتها وإلا لتأمَّلتهُ أكثر، لأحبَّتهُ بعينيها أكثر.
نظرت هيريم إلى ابنته، التي تجلس قُربِها، وهمست.
"أخبرتُكِ... والدكِ وسيم وجذّاب، وأنا لم أقدِر أن أُبعِد عينيَّ عنه!"
تبسَّمت بيكهي مُجددًا، وربَّتت على كتف هيريم السليم.
" هل من الجيد أن أبي رَجُلًا وسيم أم لا؟!
أنا حقًّا لا أدري!"
ضحكت هيريم بخفّة وهمست.
"إنَّهُ أمرٌ جَيّد بِكُلِّ تأكيد، انظري إلى نفسِك، تملكينَ وجهه الوسيم؛ لذا أنتِ جميلة!"
ضحكت بيكهي فيما تنهض وعلَّقت.
"يبدو أنَّكِ واقعة في حُبِّ وسامةِ أبي، لذا سأتُرككِ واقعة هكذا وأُغادر... احظي على قِسطًا من الرّاحة"
همهمت هيريم وبيكهي خرجت، وإذ بسيهون وجونغ إن كذلك الوزير جيون يجلسون في مكانٍ قريب.
إقتربت منهم فتطلَّعوا إليها، وهي نبست بإبتسامة.
"تقول أنَّ أبي نَجح في إصابتِها لأنَّه وسيم، وستُسامحه لأنَّهُ وسيم!"
جونغكوك ضحك بخفَّة وعلَّق.
"حتى هيريم واقعة في حُبِ مظهره، يبدو أنَّ ذلك أفضل أسلحته!"
ضحكت بيكهي ووافقت جونغكوك بإيمائة، وأما سيهون فأخذ ينظر إلى جونغ إن مُقطبًا حاجبيه بغضب، وسُرعان ما لامه.
"أنتَ من تُعبّئ رأسها بهذهِ التفاهات، أيُعجبكَ ما وصلت إليه من وقاحة؟!"
سُرعان ما إعترضَ جونغ إن مُتذمِّرًا.
"هل سبق ورأيتني أُغازل الملك من قبل؟! ما شأني أنا؟!
ثُمَّ هي فتاة، من الطبيعي أن تُعجَب بالرِّجال، ويبدو أنَّهُ على ذوقِها"
استنكر سيهون بنبرةٍ ساخطة.
"وما وجدت سوى الإمبراطور لِتُعجَب فيه؟!"
"وما شأني أنا؟!"
ولِفَك هذهِ المُشاحنة اللِّسانيّة بين الأخوين الغاضبين تَدخَّل جونغكوك ضاحكًا.
"لِمَ تعطوا الأمر أكبر من حجمه؟!
الأمر ليس مُتعلِّقًا بهيريم بحدِّ ذاتها، إنَّها مُجرَّد مشاعر إعجاب بريئة تزول سريعًا، وقد لا تكون قد وصلت للحد الذي كوَّنت فيه أيُ مشاعر لصاحب الجلالة... لا يحتاج الأمر لِكُلِّ هذا الغضب!"
وافقته بيكهي بإيمائة واتبعت بإبتسامة.
"أبي رَجُل جذّاب ووسيم بالفعل، المرأة التي لا تقع في حُبه من نَظرة هي حتمًا ليست إمرأة سويّة"
برم جونغ إن شفتيه ونبس.
"تُبالغين... أنا أوسم منه!"
نظر له سيهون بنظرةٍ ساخطة كي يصمت، لكن جونغ إن أشار لأخيه الأكبر ونبس.
"وسيهون أوسم منه!"
ضحك الوزير كذلك الأميرة حينما أخرج سيهون سيفه، فنهض جونغ إن هارِبًا لكنَّهُ قال.
"حتّى الوزير جيون أوسم منه...!
بل إنَّهُ ليس وسيمًا على الإطلاق!"
هرب جونغ إن سريعًا حينما نهض سيهون على أشُدَّه، ثم جلس مُجددًا مُنزعجًا بينما الوزير والأميرة يضحكان.
هؤلاء الإخوة الثلاث حتمًا مضحكون...!
..........................
وفي مكانٍ آخر؛ تحديدًا في قصرِ الأمير الثُّعبان -كما يُلقَّب-؛ ما زال الأمير الأول في حُكمِ الإقامة الجَبريّة ماكِث، لا يخرُج ولا يدخل عليه أحد، فقط زوجته الأميرة الأولى رايناه تخرج بحاشية من قصرِ الملك وتعود معهم بأمرٍ من الملك؛ لتحضُر معه وجبةِ الإفطار كُلَّ يوم.
واليوم؛ وفي هذا الصَّباح الجَديد؛ كان الأمير يجول في أرجاء قصره ومرِافقه يتبعونه حاشيته من سيدات بلاط ومَخصيين.
وقف الأمير فوق الجِسر الذي يوصِل بين دفَّتي البُحيرة، ونظر نحو هودج الأميرة زوجته، الذي توقَّف داخل بوابةِ القصر، تَبسَّم الأمير بِسُخرية ونبس.
"ها قد أتَت أُخت جلالة الإمبراطور المُعظَّم!"
سار ناحيتها، كانت تَقِف خارج هودجها، وما إن رأتهُ يقترب منها إرتبكت، لكنها حاولت أن تحفظ رابطة جأشها أمامه ولا تخشاه.
إذ رفعت وجهها إليه، فارتفع حاجبه مُستهجِنًا؛ فهي -وفي أفضلِ الأوضاع بينهم- لا تنظر في وجهه.
"لا تمتلكي الجراءة لتنظُري في وجهي عادةً، ما الذي تغيَّر سموّ الأميرة؟!"
تبسَّمت في وجهه، وذلك ما فاجئه أكثر، ونبست.
"ولِمَ لا أنظر إليك؟
أنا زوجتك الأميرة، لستُ إحدى محظيّاتك"
أومئ الأمير تشانيول وابتسم إبتسامة هادئة، ثم أشارَ لزوجته الأميرة.
"تعالي معي قليلًا"
أومأت ثم تبعت خُطاه التي كانت متوجِّهة نحو جناحه، كان يسير أمامها وكفّيه خلف ظهره، وهي تسير خلفه فيما تحمل أطراف ثوبها بيديها.
ولج الأمير إلى جناحه، وأمر بتركِ الباب لأجلِها مفتوحًا، تردَّدَت رايناه بإتباع خطواته والدخول للوهلةِ الأولى، لكنها استجمعت أنفاسِها ولَملَمت شجاعتِها ثم تبعته إلى الداخل.
الأمير تشانيول وقف في مُتنصف جناحه، وإلتفت ناحيتها يبتسم، ثم أشار لحارس الباب أن يُغلِقه عليهما.
إقترب منها تشانيول ونبس مُبتسِمًا.
"سأُخبرُكِ شيئًا لكن لا تهلعي عزيزتي"
عبست ملامحها سريعًا؛ إذ هي تعلم أن مَفاد "لا تهلعي" أنَّها ستهلع بلا شك.
"ماذا؟!"
همهم الأمير وأخذ يسير أمامها.
"هممممم... في الحقيقة؛ سعادتكِ هذهِ لن تدوم"
وقف حينما أصبح أمامها، ونقرَ بسبَّابتِه ذقنِها يقول.
"ولا حتى للغَد"
تجاوزها يقصد الخروج، لكنَّها استوقفته بسؤالها.
"ما الذي تقصدُه؟!"
توقف عن المَسير وأجابها فيما يمنحها ظهره.
"عندما تذهبي غدًا إلى قصرِ أخيكِ ستعلمين"
خرج من الجناح ثم أمر بإغلاق الباب عليها.
"الأميرة رايناه ممنوع أن تخرج من هذا الجناح حتى صباح الغد حينما يحين الوقت لذهابها إلى القصى المَلكي، تفهمون؟"
إنحنوا له حرسه.
"أمرُكَ مولاي!"
أحسَّت رايناه بخطورةِ ما يقوم الأمير الثُّعبان بتديبره، وأنَّه اتخذ حبسها في جناحه كإجراء وقائي، يُكبِّلها كي لا تقدر أن تفعل شيئًا يُفسد خُططه ضِدَّ أخيها.
هرعت إلى الباب تحاول فتحه، وحينما لم تنجح أخذت تطرقه بكل قوَّتِها وتصرخ.
"تشانيول أخرجني رجاءً!
لِمَ تحبسني؟!
ماذا تنوي أن تفعل بالخارج؟!"
سمعت صوت الحارس يُخبرُها.
"سمو الأميرة؛ سمو الأمير قد غادر بالفعل!"
تنهَّدت رايناه ببؤسٍ ويأس وانزلقت بجسدها لتجلس أرضًا، قلبها ينبض بقوة؛ خوفًا مما يُخطط له تشانيول؛ فهو بالتأكيد لن يؤذي أحدًا بخُططه هذهِ بقدرِ ما سيؤذي أخيها الإمبراطور.
وأما الأمير تشانيول؛ فلقد خرج من عند أميرته يتمشَّى بِبخترة بعدما تغذَّى على خوفها وهلعها على أخيها منه.
حينما ترمقه بهذهِ النظرات المُرتعِبة تُشعِره بعظمتِه وقُدراتِه الفذَّة، تجعله يرغب بإرتكاب كل الأفعال الآثمة بحسبِ القانون، لأنَّهُ يُحِب هذه النظرات... نظرات الخوف.
يُحب أن تخافه هي بالتحديد، ويحب أن يخافوه كل النَّاس.
عِندَ المساء؛ إستطاع الأمير تشانيول التَّملُّص خارج قصرِه، وذهب ليلتقي بموالينه في إحدى الأماكن الساترة المُجهَّزة لمثلِ هذه الظروف الحسّاسة.
استقبلوه بحفاوة كما يفعلون دائمًا، وهو جلس بينهم وأعلى منهم جميعًا بمقعدِه،
أمامه طاولةِ عليها ما طاب من الشراب والطعام، وهو مُضجعًا في جلستِه يتسامر هو ورجاله، فالليلة؛ هذا إنتصاره حتمًا، ولا يُمكن هزيمته هذهِ المرة.
"مولاي، كيف سنُبرِّر ما سيحدُث الليلة غدًا؟"
ضحك تشانيول مِلأ شِدقيه ثم نبس بعدما إرتشف من قدح شرابه.
"ألم يذهب الملك لِمقر المُتمرِّدين، الذين خطفوا ابنته الأميرة والوزير جيون، وأصاب إحدى قادتِهم؟!"
"بلى"
اتبع تشانيول.
"سنقول أنَّ المُتمرِّدين من فعلوا ذلك؛ إنتقامًا من الملك؛ ولأنَّهُ رفض التفاوض معهم"
أخذوا موالينه يضحكون ويتسامرون بفرح ومرح، حتى وقف أحدهم يرفع بيده قدح شرابه وقال بإبتسامةٍ خبيثة.
"لقد إستأجرتُ إحدى المُرتزقة؛ كي تصعَد على عرشكَ مولاي!"
بانت على شفتيه إبتسامة لئيمة، ونهض عن مَضجعِه، بيدِه قدح شراب يرفعُ نَخبًا، نَخبٌ من دِماء.
"فلنشرب نَخب روح ملك الأُمّة!"
رفع جميع مواليينه أقداحهم يضحكون؛ يشاركون مولاهم نخبه.
"مُبارك إنتصارُكَ مولاي!"
............
كان الإمبراطور بيكهيون في غُرفة مكتبه مُرهقًا من كثرةِ التَّفكير والسهر الطويل، مهما بحث؛ لا يجد لهؤلاء المُتمرِّدين أثرًا يَدُل عليهم.
وكأنَّ قائدهم يملك عددًا مَهولًا من المواليين المُخلصين، الذين لن يفشوا عن سِرًا من أسراره ولو أغراهم بجبلٍ من ذهب.
القلق ينهشه... من ناحية؛ هو يكره بِشدّة كيف أن الناس تلوك عِرضه بين أضرستهم بالباطِل، ومن ناحيةٍ أُخرى؛ يكاد قلبه يتمزَّق خوفًا غلى فلذَّةِ كبده الأولى، ابنته بيكهي.
كما أنَّه يواجه مشاكل عسيرة في البلاط الملكي، وهو الآن وحده يقف، الوزير جيون ليس معه، ليس هنا لإستشارته وحِمل بعض الهَم عن كتفيه.
وهمَّهُ الكبير ابن عمه الأمير تشانيول، وخُططه لإستيلاء على عرشه، وإزهاق روحه ونسله، في المُقابل؛ هو لا يعلم ما هي خُططه... إنَّهُ يَمُر بأزمة كبيرة بالفعل.
سمع صوت حارسه على الباب يقول.
"مولاي، الأميرة جيهان هنا... تود رؤيتك!"
نظر بيكهيون من النافذة، بالنَّظرِ إلى القمر فلقد إقترب مُنتصف الليل وابنته ليست في سريرها بعد!
"أدخلها!"
إنبلجت البوابة، وظهرت من خلفها الأميرة جيهان تنحني لوالدها، ثم أقامت عودها وابتسمت له، حينها أراح ظهره على مقعد ونفث أنفاسه.
عاطفة الأبوّة فعلًا غريبة وقويّة، تكون كل الهُموم تُثقِل كتفيه تجعله لا يقدر أن يقف حتى، ولكنه ما إن ينظر في وجه إحدى أطفاله يزول كل الهَم ويتساقط من على كتفيه.
"لِمَ طفلتي لم تنم بعد؟"
إقتربت منه جيهان قائلة.
"أتيتُ لإطمئن عليك قبل أن أذهب لفراشي، لا يُمكنني أن أنام وأنتَ تجلس هُنا مهمومًا، هل تُمانع أن أوصلكَ إلى جناحك أبي؟!"
تبسَّم بيكهيون ونفى برأسه يقول.
"بالتأكيد لن أفوِّت على نفسي مِثلَ هذا العرض المُغري!"
نهض بيكهيون على أشده، واجتذب ابنته الصبيّة إليه يُعانق كتفيها بذراعه، وخرج من مكتبه.
لكنَّه توقف في مُنتصفِ الطريق إلى جناحه، وقال يقبض حاجبيه.
"رغبة قويّة تجتاحني لأرى إخوتكِ الصِغار قبل أن أذهب للنوم!"
تأبَّطت جيهان ذراعه، وقالت مُبتسِمة.
"إذًا دعنا نذهب لنرى لي جون أولًا!"
أومئ بيكهيون بإبتسامة خافتة وتوجّه مع ابنته إلى مَخدع ابنه الصغير لي جون، تنحى الحرس عن باب الأمير الصغير بعدما إنحنوا للملك، ثم الملك دخل كمُجرَّدِ أب تقوده عاطفته إلى سرير ابنه حيثُ ينام.
ينام صغيره لي جون بطريقة فوضوية جعلته يضحك بخفَّة، إذ يرفع ذراعيه فوق رأسه ويُفرِّق بين ساقيه إلى أقصى حَد.
جلس بيكهيون بجواره، ورفع يده ليُهذِّب خُصلات ابنه الطويلة بأنامله فيما يبتسم.
"صغيري المسكين ينام في عُمق، من الواضح أنَّهُ يتعذَّب في تلقّي دروسه المُكثَّفة"
ضحكت جيهان وأومأت.
"بالفعل نعم! حتى أن الملكة راهي تقضي وقتها تركض خلفه، بالتأكيد هي مُنهكة منه!"
أومئ الملك بصمت، وقبل أن ينهض من عند صغيره طبع على جبهتِه قُبلة.
خرج من جناح ولي العهد الصغير، وتوجَّه إلى جناح التؤام؛ إذ تشترك الصغيرتان الجناح ذاته، ورفضن الإنفصال كل واحدة بجناحها الخاص، هكذا يكونوا التوائم عادةً، وهو سعيد لأنَّهُ حظيَّ بتوأم بالفعل.
ولج إلى جناح طفلتيه، واقترب من سريرهن، ينمنَ مُتعانقتين، بايان ولايان هُنَّ بنظر والدهن ألطف تؤام على الإطلاق، يُحب أن يرى هذه العلاقة الفطريّة المتينة التي تجمعهن.
"إنَّهُنَّ لطيفات!"
أومأت جيهان توافق والدها، وأما هو، فانخفض بجذعه ليرفع عليهن الغطاء، حصل على قُبلة من كل واحدة منهن ثم سلك الطريق إلى الخارج وهذهِ المرّة وجهته إلى جناح أميرته الصَّبيّة.
"ألم نتَّفِق أنني سأوصلك أنا؟"
نبست جيهان حينما سلك والدها الطريق إلى جناحها فقال.
"لا تقلقي، سأضعكِ في سريرِك، واذهب للنوم!"
برمت شفتيها لكنها أومأت له، فربَّتَ بيده على رأسها وقال.
"لا تقلقي علي صغيرتي، والدكِ قوي!"
أومأت له مُبتسمة.
"بالطبعِ أعلم، أنتَ أقوى أب على الإطلاق، وأنا أُحبُك جدًا أبي!"
ضحك بيكهيون بخفَّة وربَّت على كتف ابنته، وصل بها إلى جناحها، ثم وقفت قِبالته حينما اجتذب رأسها بين يديه وطبع على ناصيتها قُبلة، مثلها مثل إخوتها الصِّغار.
"والآن اذهبي إلى سريرك!"
أومأت جيهان لوالدها وقبل أن تَدخُل نَبَسَت.
"تُصبِح على خير أبي"
"تُصبحين على خير طفلتي"
وهكذا عاد الملك أدراجه تسير خلفه حاشيته، لقد تجوَّل بين غُرَف أطفاله وملامحه مُبتهِجة، الآن خَيَّم الإرهاق على مُحيّياه مُجددًا.
وصل إلى جناحه، وبمُساعدة خدمه بدَّل ثيابه إلى ثياب النوم ولبث في فراشه، في جناحِه الخاص.
لم ينم مُذُّ عدة ليالٍ بالفعل، ولولا أنَّ جيهان أتت له لما لبث في فراشه، هو مُرهق ومُتعب، ولكنَّهُ لا يُريد أن يرى أحد ضعفه، يُريد أن يبقى قويًا في عيون الكل، وأهمهم أطفاله.
لأنهم لو رأوا ضعفه سيخافوا... وهذا ما سيكرهه بشدَّة.
......................
في ذاتِ الليلة؛ كان سيهون، وجونغ إن، وكيونغسو يجلسون في فوهةِ المَقر حول نار يستدفئون بها فيما يتسامرون؛ تشغلهم أحاديثٌ مُختلِفة.
لكن أمرٌ مُفاجئ قد حصل؛ فإذ أن أغلب الرِّجال ينامون، وفقط الحَرس المُناوبون الليلة والقادة الثلاثة مُستيقظون؛ آتى رَجُل من أقصى الجبل يركض.
"سيدي القائد... سيدي القائد!"
وقف القادة الثلاث وسِهام الحَرس توجَّه ناحية الرَّجُل، فسُرعان ما وضَّح.
"أنا من فرقة حرس القصر الملكي، هناك حركة غريبة في الجوار، لقد رأيتُ رجال مُلثَّمين يحومونَ حول القصر!"
رفع الرَّجُل بيدِه راية المُتمرِّدين؛ ليتأكدوا أنَّهُ أحد رِجالهم، حينها أشار له القائد كيونغسو أن يقترب، فاقترب الرجل فيما يتنفَّس بصعوبة والإرهاق يُعبّئ وجهه.
"سيدي، بعثني إليكِ قائد فِرقة الحرس حول القصر المَلكي؛ لأُخبركَ أنَّهُ يتوقَّع هجوم الليلة على القصر الملكي؛ فهُناكَ حركة مُريبة بالجوار"
ركل جونغ إن الكرسي، الذي كان يجلس عليه، وقال.
"هذا الأمير الحقير يستغل فُرصة الأحداث الأخيرة ضِدَّنا، بالتأكيد سيُهاجم الملك ويقول أننا من فعلنا لأنَّهُ هاجم إحدى مقرَّاتِنا، يُخطط لقتلِه ورمي التُّهمة علينا؛ ليقدِر أن يستولي على العرش!"
سيهون أومئ يوافق أخيه.
"وليس بعيدًا عن أفعاله أن يُحاول قتل ولي العهد الصغير؛ كي لا تكون هناك أيُّ عاقبة في طريقه!"
القائد كيونغسو نبس بقلق.
"إذًا علينا التَّحرُّك فورًا وإنقاذ الملك وولي العهد من هذهِ المَكيدة!"
سمعوا صوت شيء سقط فإلتفتوا؛ وإذ بها الأميرة بيكهي قد إنهارت أرضًا بِصُحبتها القائدة هيريم، التي لم تنهار لسماع الأخبار، بل إشتدَّ عودها، وأصبحت أقوى.
"دعونا نُخطط على الطريق إلى القصر الملكي!"
سيهون إعترض بنبرةٍ جادّة.
"أنتِ لن تذهبي، ابقي هُنا واستريحي!"
لكن هيريم لم تأبه بقولِ أخيها، بل رَدَّت بثبات وعِناد.
"إما أن تدعني أذهب معك وإما سأهرُب واتبعك... اختر ما تُريد"
جونغ إن قال.
"هل تستطيعي الصمود؟!"
أومأت.
"نعم أستطيع"
اتبع جونغ إن مُنبِّهًا.
"لو سقطتِ لن تجدي من يرفعك!"
أومأت.
"أعلم"
تنهَّد جونغ إن وقال.
"تجهَّزي سريعًا إذًا!"
أومأت هيريم ودخلت سريعًا لتتجهز، فتنهَّد سيهون بأستياء ونبس فيما يقف مُتخصِّرًا.
"بهذهِ البساطة! كيف تسمح لها بالقدوم معنا؟!"
"أُختك وتعلم كم هي عنيدة، أن تأتي معنا أفضل من أن تأتي خلفنا!"
تنهَّد سيهون بأستياء يرمق أخيه بنظرةٍ غاضبة لكنه لم يُتبع، فهو يدري أنَّهُ على حق، هيريم بالفعل عنيدة ولن تفعل إلا ما تريده.
إلتفت جونغ إن إلى القائد دو وأَمَرَه.
"أوقظ الرِّجال وآمرهم بالتَّجهُّز سريعًا، نتجمَّع هُنا خلال ثلاثون دقيقة"
إنحنى له القائد دو ونبس.
"أمرُكَ سيدي!"
تنهَّد القائد جونغ إن وسار إلى الداخل؛ ليتجهَّز أيضًا لِمُهِمَّة الليلة الطارئة، وحالما نظر إلى الأميرة المُنهارة أرضًا، التي تأبى النهوض مهما حاولن النساء معها، أشار للنساء بالإنصراف، ثم جلس القُرفصاء قُربها ونبس.
"سمو الأميرة، أعدُكِ أنَّ الملك سيأتي معنا وهو بخير، سنحاول بكل قُدراتنا أن نُنقذه وإخوتك ووالدتك، سنحاول بأقصى جهودنا!"
رفعت الأميرة بيكهي وجهها النَّدي إلى القائد الأسمر وأومأت.
"أثِق بكم!"
أومئ لها، ثم نهض فيما يحمل سيفِه إلى الداخل، وهي نهضت من بعدِه.
تجهَّزَ الجميع، ووقفوا الرِّجال عند فوهةِ الكهف يودِّعون نسائهم، كانت جاهي تبكي وهي تُعانِق أخاها تايهيونغ.
"أرجوكَ عُد سالمًا، أرجوكَ لا تتأذّى!"
تايهيونغ تبسَّم وربَّت على كتفِ أُخته.
"سأعود... أنتِ فقط فكِّري أننا غدًا سنحظى بِحُريَّتُنا"
أومأت له تُسايره، لأنها ستفكر في شيء واحد فقط؛ سلامته.
وقف الوزير جونغكوك وبقرُبه الأميرة بيكهي التي تسندها إحدى الفتيات هُنا وقال.
"دعوني اذهب معكم رجاءً، أُريد أن أُشارِك في حماية الملك!"
تنهد سيهون وللمرة الثالثة رفض طلب الوزير يقول.
"نحن نحتاجك هنا، من سيحمي المَقر لو أتيتَ معنا؟!
هؤلاء الأطفال الذين ينامون في فراشهم وهؤلاء النِّسوة اللواتي ودَّعنَ رِجالهن؛ من سيبقى معهن لو أنتَ أتيتَ معنا؟!
من سيحميهن؟!"
تقدَّم منه سيهون وربَّت على كتفه يقول.
"احمي نسائنا وأطفالنا... هذه أفضل مُساهمة قد تفعلها لنا!"
تنهد جونغكوك وأومئ.
"حسنًا... سأنتظركم بفارغ الصبر، كونوا بخير وعودوا مُنتصرين!"
أومئ سيهون ثم توجّه إلى حصانه، صعد على حصانه، الذي يقف على يمين حصان هيريم، وحصان جونغ إن يسارِها، وحصان القائد دو خلفهم.
الرِّجال فرَّقوا نظراتهم بين النِّساء اللواتي يبكين، بالقوّة كانوا يمنعون أنفسهم من الإنهيار أمام نسائهم؛ فلا أحد منهم يعلم إن كان سيعود أم لا.
هذهِ المُهِمَّة بمقامِ معركة، لا أحد منهم يضمن رجوعه حيًّا إلى أهله أبدًا.
رُفِعَت راياتهم السوداء، التي يرتسم عليها نِصف قمر دموي، والقائد سيهون صاح بشجاعة.
"رجال... هذهِ هي مُهمتُنا الأوَلى، لقد تعاهدنا أن نُضحّي بحياتنا لأجل الملك، ولن نتراجع عنها أبدًا!"
صرخ الرِّجال بحماسة، وانطلقت الخيول؛ تترُك خلفها الغُبار يُعبّئ الجو، وصهيل الخيول يتصاعد في السماء.
تجاوز المُتمرِّدون الغاب، وحينما أصبحوا في مَدخل المدينة تفرَّقوا بأربعةِ فِرق، أمام كل فرقة قائد.
وانطلق كُل واحد منهم بين شِعاب المدينة مُتسللين إلى القصرِ المَلكي، تركوا خيولهم عند فِرق حرس القَصر، وتسلَّلوا إلى داخل القصر؛ إذ أنَّ الكثير من رجال الحرس الملكي ينتمون إلى جماعتهم.
قاموا الحرس من الدَّاخِل بتضليل بقيّة الحَرس للسَّماح للمُتمرِّدين؛ لِتَسلُّل إلى داخل القصر بسلاسة.
تصلَّق بعضُ الرِّجال أسوار القصر العالية وبعضهم دخل عبر الأخاديد السريّة من أسفلِ الأرض.
وقبل أن يتفرَّق القادة برِجالهم بين مرافق الحرم الملكي، القائد سيهون نبس.
"الأولى فالأولى... انقذوا المَلِك أولًا، ثم ولي العهد، ثم الأميرتين، ثم الملكة الأولى والملكة الأُم"
"أمرُكَ سيدي!"
هيريم بمجموعة من رِجالها وَلَجت إلى الحرم الملكي بحثًا عن جناح الملك، صادفهم في الطريق إحدى الحرس، لكن إحدى رجال هيريم هرع إليه، وضرب عُنقه قبل أن يصرُخ، فسقط مُغمى عليه.
"ابحثوا في المكان بحذر!"
وهذا ما حدث؛ إذ بقيَّ خلف هيريم ثلاثةِ رجال فقط، وصلت إلى إحدى المَخادع، ورأت أن حرس بوابة هذا الجناح أكثر من بقيَّة المخادع، فهمست تُحذِّر رِجالها الذي كان من ضمنهم تايهيونغ.
"يبدو أن هذا جناح الملك، علينا أن نُقاتل حرس البوَّابة دون أن نُثير معمعة؛ كي لا يستيقظ الملك"
"أمرُكِ سيدتي!"
أشارت لهم بالتَّقدُم، ثم بدأ قِتال حاميًا عند بوابة الملك بالسيوف، وانتهى الأمر بهيريم ورجالها منتصرون على الحرس.
ولجت هيريم جناح الملك بحذر وخِفَّة، وتقدَّمت من سريره بتودئة، وبالفعل؛ هذا هو جناح الملك؛ الذي لم يستيقظ رُغم الضوضاء العالية.
نَبَسَت هيريم فيما تنظر إلى ملامحه المُعبّأة بالإرهاق وهو نائم.
"استعدّوا لنقلِه!"
لكن الملك فتح عينيه فجأة، ونظر في عيني هذا المُلثَّم القصير ذا الجسد الضَّئيل.
"أنتُم المُتمرِّدون!"
..........................
يُتبَع...
الفصل الثامن "نِصفَ قمر دموي"
الرواية التاريخيّة "العنقاء||The Emperor's Return"
.......................
سلااااااااااااام
الفصل المُنتظَر -بالنِّسبة لي- أخيرًا وصل
👏👏👏
الفصول الجاية ح تكون حامية وحسَّاسة، تقريبًا هي أكثر فصول الرواية حِدّة لهيك استعدوا نفسيًّا...
الأهم من كل ذلك؛ لا تلوموني، الفكرة الرئيسة للرواية الي ح قولها بالفصل الجاي لكامي مو إلي، سو أنا ما الي دخل😂😂
الفصل القادم بعد90 فوت و90 كومنت.
1.رأيكم بهيريم؟
مزاحها بشأن الملك؟ هل يتضمَّن أي نوع من الجديّة؟!
إصرارها للمُشاركة في مهمة إنقاذ الملك رغم وضعها الصحي المُتردّي؟
2.رأيكم بالملك؟
الحالة النفسية الصعبة الي يمر فيها؟
عاطفته الأبوية؟
3.رأيكم بتشانيول؟
خباثته ومخططاته؟
4.رأيكم بجونغ إن؟ جديته في المواقف الحاسمة؟
5.رأيكم بالفصل؟
6.توقعاتكم للفصل القادم؟! *مهم تجاوبوني على الأقل هون*
دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
Love❤
Коментарі