توطِئة|| Intro
Chapter One
Chapter Two
Chapter Three
CH4|| دموع الذئب
CH5|| للمرة الأخيرة
CH6||بداية جديدة
CH7||سيدة النار
CH8|| لا تتوهجي
CH9||صفعة و قبلة
CH10|| أول الفجّات
CH11||وجوه جديدة
CH12||حب و راء
CH13|| تخبط
CH14||إمرأة من فولاذ
CH15||بداية الصراع
CH16|| أحياء
CH17|| تاجٌ من شوك
CH18|| بلورة باهتة
CH19|| تتويج الملك
CH20|| معركة الحب
CH21|| شطرنج
CH22|| تَفيض قوّة
CH23|| مقبرة المشاعر
CH24|| ضحايا ح-ب
CH25||الملكة
CH26|| صِراع العروش
CH27||ضبط الملكة
CH28|| حُب وحَرب
CH29|| رِهان الجسد
CH30|| أُنثى الذئب
CH31|| السِّنداوة
CH32|| الدرك الأسفل
CH21|| شطرنج
" شطرنج"


" بدأت اللُعبة بين ملك أسود وملكة بيضاء، حينما تقود المعركة المُجازفة، فمن الذي سينتصر؟!"




ما زالت تَعُج المملكة بأفراح تنصيب الملك  وتتويجه للعرش، واليوم كان مُقرر أن يختلط الرُعاة بالرعايا، فيتبادلون التهنئة، كلٌ على طريقته.

قد إنطلق موكب الملك تشانيول وإخوانه الأمراء في شوراع مدينة العاصمة، يوتوبيا، على أحصنة أصيلة تتميز بجمالها الفريد وقدراتها الفذّة.

وإذ بأفراد شاغرين من الشعب عن أعمالهم يتراصّون جنباً إلى جنب إلى جانبيّ طريق الموكب، وينثرون فوق رؤوسهم الأمراء بتلات الورود.

أما الحُماة؛ فكان كل منهم على حِصانه يترأس مسيرته الخاصة التي تتضمن أميرته وحرسه من قصره الخاص، والملك في مُقدمة الموكب يترأسهم جميعاً، حيث يحمل من سلّة يحملها له جندي قطع نقد ذهبية، وينثرها على أفراد الشعب الحاضرين.

ورغم أن الشعب يحتفل به بحفاوة وأن الصخب يحفّه من كل حدبٍ وصَوب، لكنه من داخله فارغ وهادئ جداً، حتى ملامحه البهيّة لا تحوي إحتفالاً، إنه هادئ جداً وكأنه يمُر بيوم إعتيادي مُمِل.

توقفت مسيرة الموكب أمام المنصّة، الذي من فوقها سيُلقي الملك خطاباً يهزّ عواطف الشعب، ثم يتوجب عليه أن يجلس على عرش تجاوره الملكة فيه، ويشاهدان عروض الفرق الإستعراضية والفقرات الأخرى الإحتفاليّة.

نزل الملك عن حِصانه وأحاطوه جنوده يوفرون له الحماية، ثم هودج الملكة نزل أرضاً كما بقية الهوادج، وكان على تشانيول أن يتصرف كزوج وملك في ذات الوقت.

لذا كما فعل إخوته فعل، وتقدم من الهودج ليقدم مساعدته لملكته كي تخرج من هودجها، تناول يدها ثم برفق سحبها من الداخل حتى إستقامت إلى جانبه.

لاحظ أن تاجها مِعوج عن مكانه، فرفع يده بغية تعديله -كما يفعل عادة- لولا أنه تذكر في آخر لحظة أن "عادةً" هذه ما عادت تجمعهما، وأنه ليس تشانيول الذي يعميه حُبها، لذا نبهها بنبرة هادئة رغم ذلك أحسّتها جافية.

" عدّلي تاجكِ جلالتك"

عدّلته وبينما تفعل تذكرت يوم عَدّل لها تاجها حينما كانت أميرة لا تحبه، لكنه كان رجل مغموس في حبها، أمير يبحث عن أي سبب ليقربه منها، كتعديل مَوضع تاجها مثلاً.

جلست بجانبه فوق المنصّة، وبدأت العروض المتنوّعة، لكن إنتباه كلاهما كان مُشتت، الملك والملكة.

فالملك كان في فوضى مشاعر منذ ما حصل في القصر قبل حين، إعترافها بالحب له ما زال يهزّه ويُضعف موانعه، صوتها الذي يرن بأذنه بالنبر الدافئ الذي استخدمته معه ما زال يهزّه، يرّج ثباته، يجرجره.

حينما قالت "أنا أحبك تشانيول" شعر بأنها أحيَت به نفسه القديمة، التي تُقدس موطئ قدمها، شعر أن الحياة عادت لتدفق في عروقه، للحظة كاد أن يُجن ويتهور.

أراد أن يُقبلها بجنون، يضُمّها إلى صدره حتى تتداخل أضلاعها ببعضها، أراد أن يضعها داخل جوفه كي تحس بالنار التي توقد داخله بسببها، النار الوحيدة التي تحرقه، نارها هي.

لكنه أستيقظ قبل أن يُغشى على عقله، وعبرها كأنما يعبر خيال، هواء، ظِل، وليس هي، وذلك ما أحدث في قلبها شرخاً لن يندمل بسهولة، فهي الأخرى ما اعترفت بسهولة، كم كلفها قول تلك الكلمة من الجُرأة والكبرياء، وها قد خسرت رهانها.

لكم مرة يجب أن تنكسر قبل أن تجبر علاقتها به؟! لأي قدر عليها أن تتخلى عن أجزاء من نفسها كي تنطبق عليه وتطابقه وتلائمه، لأي حد عليها أن تكون ليست هي كي توافقه؟!

أليست خسارة نفسها ثمن كافٍ لإستعادته؟!
إنها تُضحي بأجزاء منها لأجله، وهو لا يُبالي.

فبهذا كانت تُفكر بينما الفِرق الإستعراضية تؤدي عروضها الخاصّة أمام المنصّة، أرادت أن تصرخ بالناس وتقول أنه لا يسامحها، وما هي ملكته إلا أمامهم، فما هي إلا ملكة سطحية على الناس.

مملكتها الحقيقة -قلبه- نزعتها الحُكم وجردتها التاج، تاج من فؤاد يحب، مشاعر مرهفة، أحاسيس تتدفق منه لأجلها، كل هذا خسرته وحصلت على مجرد عرش عادي ولقب ملكة سطحيّ، لكن حُكم العرش كان أقوى من حُكم قلبها عليها، فسكتت كما لن تفعل لاحقاً.

صار الحفل على خِتامه، وفي لُجّة حضور الملك وإخوانه الُحماة؛ وفي صخب إحتفالات الشعب؛ وقف الملك وملكته؛ ليُلقي خِطاباً، يتعهد فيه حِفظ الشعب وكرامتهم، والمملكة وأمنها.

لذا وقف وخَطب في الشعب بصوت جهوري يتدفق لهم بسلاسة عبر قدرات سيهون بنقل الصوت عبر الرياح.

" كما تعلمون، رغم أن تواجدكم ضمن المملكة لا يُقدّر إلا ببضع سنين، لكننا لأجلكم خُلِقنا منذ قرابة الثلاثة مائة عام، وبنينا هذه المملكة لكي نحفظكم ضمن حدودها، واليوم أنا أُنصب لهذا الهدف النبيل، لحمايتكم وصون أعراضكم وكرامتكم، وتأكدوا بأننا نحن الحُماة لا نحمل أطماع البشر وجشعهم بالسلطة، وسنحميكم دوماً من سطوتهم"

ثم رفع يده وهتف بحماسة.

" تحيا مملكة الكوكب الضائع، يحيا شعب الإلز العظيم، ويحيوا حُماتكم!"

ثم أخذ الشعب يُردد من خلفه الهِتاف بحماسة جمّة، كذا رددوا الحُماة من بعده، لكن الملكة بجواره كانت متيبسة حال أختها التي تجلس مع زوجها الأمير.

خُلِقوا منذ ثلاثة مائة عام؟!



...

في المساء، عاد الموكب إلى القصر، واجتمعوا الحُماة إجتماعاً عاجل كما أمر لوهان، وكل أميرة كذا الملكة عادت إلى جناحها، إلا واحدة فحسب، كانت تدري بشؤون هذا الإجتماع، وترفضه رفضاً قاطعاً، رغم أنه لا يخصّها في المقام الأول.

كان الملك يجلس على عرشه ملتفّين الحُماة من حوله، وبينما الحُماة يتناقشون قُبيل أن يعلن الأمير لوهان عن بدء الإجتماع؛ كان تشانيول شارداً بملكته التي تأبى النزول عن مُلك قلبه مهما حاول نزعها.

" تشانيول، ما الخطب؟!"

نفى تشانيول لأخيه تاو أن لا شيء، وتنهد يناقض نفسه أمامهم، ثم لمّ إنتباهه وصبّه على الأمير لوهان، الذي صفّق بيده مرة يجذب إنتباه إخوانه، ثم إرتفع على عرش الأمير، وجلس يستهل حديثه.

" لا أظنّي أجمعكم لسببٍ تجهلونه، خصوصاً جلالتك"

رمق تشانيول في نهاية حديثة فأومئ تشانيول، لا يصعُب عليه توقع ما يريد لوهان قوله، فهو يتوجب عليه أن يتولى مهامه كملك مهما تعارضت وشؤون حياته الخاصّة.

فاستمع بهدوء وسكون لما يقوله أخيه، في قرارة نفسه ما كان ليُقدم على فعل ذلك لولا أنهم سيذكرونه، ويحثونه للتنفيذ بموجب أنه ملك، والملك يفعل ما يلزم لحفظ شعبه كذا حفظ منصبه ومملكته.

" إذن، جلالتك، متى تنوي الذهاب وإحضارهنّ؟! بعدما تثبّتنا أنك الملك؛ بِلّورة قِواك كشفت لنا عن المعلومات اللازمة ومواقعهنّ، لذا تبقى إحضارهنّ فقط، تدري أنه عليك إحضارهنّ في ليلة واحدة فقط"

تنهد الملك ثم أومئ، لكنه لا يحوي كلاماً كي يقوله عليهم، متى سيفعل وكيف سيفعل بعد ذلك؟!
كل هذه أسئلة تموج فيه، وهو لا يحمل جواب رجل، يحمل جواب ملك فحسب.

" سأذهب الليلة، وأنتم تصرّفوا بشأنهنّ بعدها"

لوهان أومئ ثم أكّد عليه.

" لا تنسى، خلال شهرين، على قِواك أن تكون مكتملة بأي طريقة كانت، لا تجعل عواطفك تحكمك، تحكّم بها أنت!"

وتلك كانت أحكام الأمير لوهان دوماً، عقلانية بحتة تستنبط من الأمور ما سيترتب عليها من نتائج ملموس، أما المحسوس كما المشاعر فهو غير موجود بالنسبة له طالما لا يراه.

إنتهى الإجتماع على هذا، وخرجوا الحُماة متفرّقين إلى قصورهم ومهامهم المُعتادة، لكن لوهان عندما خرج شعر بأميرته قريبة منه فتنهد مُستاءً، التنصّت جريمة توجب العِقاب حتى لو كان الجاني أميرته.

كانت تختبئ خلف إحدى الأعمدة العريضة، التي تحجب عن نظره عودها النحيف، لكن ثوبها المُنمق عريض كفاية كي تظهر أذياله من خلف العامود، كذا يشعر بها إينما كانت حتى لو ما رآها بعينيه، رِباط القدر الذي يجمعها يوفر له هذا الإحساس.

تقدم منها مشحوناً بالإنزعاج، وتلقف ذراعها بخشونة يلفّها له، ونبس مزعوجاً.

" ما الذي أتى بكِ إلى هذا القصر؟ ولِمَ تقفين كاللصوص هكذا؟!"

وضعت يدها فوق يده، وأبعدته عنها برفق تقول بنبرٍ هادئ إستفزه.

" بإمكانك أن تقرأ ذهني الآن، فأنت لستَ بحاجة لأن تسمع أقوالي"

أغمض عينيه، وتنهد يجمع أصابعه في قبضه يُفرغ بها شُحنات غضبه، يكره ردودها المُقتضبة هذه، ورفضها الدائم لمناقشته بحُجة أنه يستطيع قراءة ما يدور في خلدها، تمسّك بيدها ونبس.

" تعالي معي!"

سحبها لا يُراعي طبيعة فُستانها الملكيّ المُلزمة به حتى وصل بها إلى قصره، خلع عنه رداء الأمير وتقدم منها مغلولاً بأفعالها، خصوصاً بعدما علّقت.

" أنت تُحرّض الملك أن يُنهي حياته كرجُل ويعبُد ذاك العرش اللعين، ألم تفكر بمشاعر الملكة كيف ستكون حينما تدري الحقيقة خلف الجناح الملكي وإنفصاله عنها؟!"

تهكمت ببسمة جمعت فيها كل سُخريتها من هذا القدر الظالم، وعلّقت.

" اه تذكرت! أنت لا تهمك المشاعر"

حبس كتفيها بقبضتيه ووجّهها له، يلفظ سُماً من ثغره وناراً من عينيه الشمسيتين.

" أنتِ مكانكِ بجناحكِ هنا، بين عطوركِ وفساتينكِ الأنيقة، تستطيعي أن تتدخلي بنقاش الأميرات حول الموضة الدارجة ونكهاتكِ المُفضلة، الحُكم وشؤون المملكة تخصّنا نحن، تمتعن بالرفاهية التي نُقدمها لكنّ، وأغلقنّ أفواهكنّ عن شؤون تفوق قدرات عقولكنّ المتواضعة!"

فكّت من بين يديه كتفيها، ودفعته من صدره رغم أنه لم يتحرك من مكانه، وذلك لم يمنعها من أن تصرخ في وجهه بكل قُدرتها على الصُراخ، إذ أنها تكره طبعه في إستهانة عقل المرأة لمجرد أنها مرأة، يظن بأن النساء غير قادرات على التفكير مثله.

" أنت مُتخلف ورجعيّ! خُذ رفاهيتك السخيفة التي تعود إلى القرون الوسطى واعد لي حُريتي لو تستطيع!"

إثر ما قالت ارتفعت يده بغية صفعها، ولكنها ما انكمشت على نفسها ولا انقبضت بخوف، نظرت إلى راحته التي يُخطط أن يصفعها بها وتهكمت تشير لها.

" هذه حقيقيتك، وهذه لغتك، حمداً لله أنك لستَ الملك، وإلا لعاش الشعب في الظلم بسببك"

منحته ظهرها حينما أحسّت بنار تحرق عينيها، ضبطت صوتها وهمست.

"ألم تنهب مني بتولتي وأخذت قواك المزعومة؟!"

إلتفتت له تتحفظ على رابطة جأشها واتبعت.

" الآن أعدني إلى الأرض، واتركني أستأنف حياتي التي قطعتها أنت"

قبض راحته التي كانت مبسوطة مرفوعة ضدها، ثم نبس.

" لستُ أرغب في ترويض دماغك، لذا لا تجبريني على فعل ذلك"

ثم إنسحب من جناحهما الخاص، وتوارت الأميرة جازميت في دورة المياه، إختلت بنفسها هناك وبكت على نفسها، وعلى قدرها الذي قاده إليها.

لا تريد أن تكون أميرة، ولا زوجة أمير، تريد أن تكون إمرأة عادية يحبها شاب عادي بشغف، ولكن هذه أحلام بسيطة بالنسبة للعاديون، لأمثالها أحلام مستحيلة.

.............................


أريد أن أكون لكِ الرجل الذي تعتمدين عليه،  الذي تُحبينه، أُريد أن أكون لكِ كُل شيء، أب، أخ،  صديق، زوج، وأبن.

أدري أنني أطمعُ بالكثير ولكنني أنا سأعمل الكثير، سأفعل ما يتوجب عليّ فعله، وسأولد من قلب الصبر واصبر حتى أنالكِ قَلباً.

واليوم توفّرت لي فُرصة، إذ أن سيهون وسوهو مقرّبان، وكما لا ينفك سيهون عن تقديم النصائح لسوهو حول الرعاية بالأناث وإنوثتهنّ، هو لا ينفك أيضاً عن إخباره بتفاصيل يومه، من ضمنها الحديث الواقع بيني وبينه قبل بضع ليالٍ.

ومن هنا قرر سوهو بصفته قائد حُماة الطبيعة -حيث أنتمي- وبختم تشانيول الملكي؛ تقرر أنني الأمير المُختار هذه السنة، لأكون قائد جولة الإستطلاع حول المملكة.

إنها رحلة طويلة، تُكلفني وقتاً طويلاً، فما علي إلا أن أجوب المملكة مدينة مدينة، وأمكثُ في كل مدينة عدة أيام متنكراً بهيئتي البشريّة، التي تحول الشعب عن تمييزي، فيظنوني منهم ويعاملوني كما يعاملون بعضهم، وهكذا أصلح الضرر لو وجدته.

في هذه الرحلة؛ قررتُ أن اصطحب معي أميرتي، وكي لا تظن بي ظنّ السوء؛ بعثتُ لها سوهو كي يموّه أمامها الحقائق، ويُخبرها أنه من واجبها كأميرة مرافقتي في هذه الرحلة.

لذا الليلة قضتها تحزم حاجيتها الضرورية وحاجياتي، فقد رفضت مساعدة وصيفاتها وقررت أن تتم الأمر بنفسها، وأنا قضيتها أراقب خيالها الذي ينعكس على ستائر الشُرفة الداخلية كلما تحركت وتنقلت فيه، حتى خيالها جميل!

مع حلول الصباح إبتدأت رحلتنا، وفي الحقيقة فلا يضايق أمر الرحلة آيلا بقدر ما يضايقها أن الملكة شقيقتها تدعمني وأصبحت مني أقرب، أود أن أقول من باب الغيرة، لكنه في الحقيقة من فحوى النفور.

انطلقت بموكبي ضيّق الطلائع على هيئة تاجر، كنتُ على حصاني وأشد لِجام الحصان الذي يرفعها، وخلفنا ثلاثة من الحرس الأشداء يأدون دور زملاء في التجارة.

في المملكة؛ لا يوجد مكان للتملّق، فكل أفراد الشعب سواسية، سواسية في الحقوق والواجبات وحتى في المستوى المعيشي.

هنا؛ لا مكان لأيدولوجيات البشر، مثل "برستيج" العمل والطبقات الإجتماعية، فالتاجر كالنجّار كالحداد كالمعلم كالطبيب وهَلُم جرّ، فرعايانا بشر ونحن لا نطيق الجشع والطمع فنحرمه عليهم.

لكننا - الطبقة الحاكمة- أعلى من شعبنا شأناً، فنحن نحكمهم، ونرعاهم، ونصونهم، ونحن من جمعناهم ونسن القوانين عليهم.

لذا الحياة بسيطة في المملكة وعقليات الناس بسيطة، وعلى هذا الأساس قدّرتُ أن رحلتي هذه ستكون في غرض الترفيه أكثر من الرقابة.

سأملك الوقت الذي يخولني أن أتقرب من آيلا، أتلقفها بين ذراعيّ و ألقنها حُبي، إبتداءً من العاصمة، سنمكث ثلاثة ليالٍ بنزل يتوسط التجمع السكني وقريب من السوق.

لذا كان أول ما أفعله أنني ذهبتُ لأحجز غرفة لي ولزوجتي في النزل المذكور، اخترت غرفة تطل على  السوق، ثم أخذت من العامل المفاتيح، إما عن رجالي فتولى كل واحد منهم حجزه بنفسه.

آيلا كانت تقف بظهري بينما أملئ إستمارة النزل للعامل، وما إن تناولت المفاتيح تناولت يدها بيدي الحرة وسحبتها برفق كي تجاورني، ثم صعدت بها إلى الغرفة.

وضعت حقيبة أغراضنا على السرير، وهي تولّت ترتيبها جانباً بينما أنا تقدمت من الشُرفة الضيّقة ونظرت إلى السوق، كان عامراً بالحياة والبساطة.

عدتُ إلى الداخل وأعلنت لها.

"فلنرتاح بالغرفة قليلاً قبل أن نخرج في جولة إستطلاعية في السوق"

كدتُ أن أمُد فراشاً على الأريكة لأجلي، لولا أنها اعترضت بنبر منخفض يحفّه التردد.

" نستطيع أن نتشاطر السرير، ونضع بيننا حد يفصل حصصنا به"

نفيت، لا أريد، لا أريد أن تدعوني لأنها تشفق علي وتُحمّل نفسها الذنب، لا أريد أن أشاركها سرير يفصلنا لا يجمعنا.

أريد أن تدعوني لأنها تريد أن تنام بين ذراعيّ، أن نكون بلا حدود، أن نكون عُشاق على سرير، لا أن نكون عليه مُغتربين.

تمددتُ على الأريكة ونبست قبل أن ألم جفوني على بعضها في قيلولة.

" لا تقلقي بشأني، أنا بخير، أنتِ فقط نامي وارتاحي"

سمعت صوت سيرها على الأرضية بعد هُنيهة، إذ جرجرت أذيالها وانغمست في السرير، ليتني هو!

كلفني الإرهاق الجسماني ساعتي نوم، وحينما نهضت اقتربت من السرير فوجدتها تستغرق في نومها، تحتضن الوسائد وتشق فاهها بخفة.

ليتني أملك كاميرا تصوير كالتي عند البشر، لخلدتُ هذه اللحظة إلى أبد الآبدين.

أخرجتُ من الحقيبة رداء أسود لا يفضح حقيقة أنني أمير وارتديه، ثم خرجتُ إليها بنيّة إيقاظها، تقدمت منها أحمل بجعبتي قلقاً، أخشى أن تخافني لو أبصرت وجهي أولاً.

لذا تراجعت، وقفتُ بعيداً عنها وندهتها، مرة مرتين حتى همهمت بنُعاس، ثم حينما إستوعبت أنها معي؛ نهضت بسرعة ورمقتني بجفون متوسعة على آخرها.

وأنا لم أستطع أن أضبط ضحكتي، بدت مضحكة ولطيفة، وددتُ لو أنني منها أقرب، لقرصت خديها الذين إكتنزا زهوراً.

خرجنا في الجولة الإستطلاعية بداية من السوق والأحياء السكنية القريبة، حرسي كانوا منفصلين عني، وبدونا كرجل وزوجته يتبضعان.

إستغللتُ الفرصة، إذ أمسكتُ بيدها فرمقتني مدهوشة كذا رافضة، وحينما حاولت سحب يدها تشبثتُ بها وهمست.

" لا تجعلي الناس يشكّو بنا، نحن الآن مجرد زوجين يتبضعان"

أشاحت عني وتنهدت بإنزعاج، لكنها لم تفلت يدي وهذا ما دعاني للإبتسام.

وبينما نسير لمحتُ إحدى المحلّات النسائية، فاجتذبتُها من يدها معي إليه، وقفنا قِبلاته ثم إلتفتُ لها.

" من المُثير للريبة أن ندخل السوق ولا نشتري شيء، لذا اشتري ما يحلو لكِ"

نظرت إلى واجهة المحل ثم همست.

" لم تكن أسواق سيؤل الحديثة تجذبني، فكيف بأسواق تعود حضارتها للقرون الوسطى؟! لا أريد شيء، دعنا نمضي"

معها حق، شتان ما بين المراكز التجارية في موطنها والأسواق الشعبيّة هُنا، لذا تفهمتُ وجهة نظرها ومضينا، لكنني مُصر أن أبتاع لها شيء، لذا دخلنا إلى محل المجوهرات.

لا أظن أن فخامة المجوهرات ها هنا تقل عن مجوهرات العصر الحديث، إنها قديمة الطراز لكنها شديدة الفخامة.

سِرت أنظر بين المعروضات من القطع الذهبية المرصّعة بالألماس والأحجار الكريمة، حتى رسى نظري على عِقد من الذهب الخالص تتعلق به ألماسة أرجوانية، جميلة بطريقة نادرة.

إنتقيته من بين القلائد الأخرى واقتربتُ منها، لففتُ ذراعي حول عُنقها لأعقده حول رقبتها، وأميرتي شهقت وولّتني إهتمامها.

نظرت إليه كيف أنه يتزين بعُنقها البضّ، وقد إزداد تفرداً وتميزاً عمّا كان عليه وهو مفصول عن رقبتها.

" لا تخلعيه عنكِ"

تحسست الألماسة بأصابعها، ثم نظرت إلى عنقها عبر المرآة، حينها همست.

" سأُبقيه"

إقتربتُ من طاولة البائع لأدفع ثمنه، فوجدتُ أن الرجل الكهل بشوش يبتسم لنا مِلئ شدقيه.

" أظن أنكما عروسان، تليقان ببعضكما لذا تمتعا بالحب ما دمتم شباباً"

تبادلنا نظرات حرِجة، ليتنا نفعل ونمسح الماضي من صفحاتنا، متأكد لو أنني نلتُ مغفرتها سأجعلها تعيش حُباً لا ينضب بكُنفي.



...........................





بَلغني أن تشانيول هبط إلى الأرض، لا أدري بأي نيّة، ولكنني لا أشعر أن ثمة خير في كل هذا الأمر الغامض، فلقد تجلّت الريبة على وجوه الأميرات ما إن سألتهنّ هذا الصباح عن توقعاتهنّ، لا أشعر أنني سأكون بخير مع ما سيحدث.

كنتُ انظر عبر الشُرفة إلى باحة القصر، فإلتقط بصري سيهون وزوجته الأميرة فكتوريا يتسامران في الحديقة ويضحكان، نرمز لهما بطيري حُب في هذا القصر.

فالحب لا يتجلى بين أي زوجين في هذا القصر بقدرهما، هم محسودين من قِبلنا جميعاً، ولكننا لا نتمنى لسعادتهما أن تندثر، بل أن تغمرهما إلى ما لا نهاية.

قام أحدهم بطرق الباب ثم دخلت إحدى وصيفاتي فنظرتُ لها، كانت تقف تعقد كفيها أسفل معدتها وتحني رأسها.

" مولاتي الملكة، سمو الأميرة جازميت زوجة سمو الأمير لوهان هُنا لمُلاقاتك"

استعجبت وبان ذلك على سِنحتي، لم يسبق لأي أميرة من الأميرات أن زارتني في جناحي الخاص سوى آيلا بحُكم أنها شقيقتي.

أذنت لها بأن تدخلها فدخلت، لحظت أنها ترتجف بعض الشيء وتبدو مُنهكة، ساورني القلق بشأنها لذا تقدمتُ منها أعشو عليها.

" ما بكِ سمو الأميرة؟! لا تبدين بخير!"

تمسكتُ بكتفيها لعلها نظرت إلي، وما إن نظرت ازعجتني رؤية عيناها الدامعة، جذبتها معي لنجلس معاً على الآرائك في الشُرفة.

جاورتها في المجلس ثم رفعتُ قسماتها إليّ.

" في الحقيقة أتيتُ لأتحدث معكِ بشأن أمرٍ لا يؤجل، وجب أن تعلمي بشأنه وإلا خدعوكِ"

أنا إلتزمتُ الصمت بإنتظارها تتحدث.

" كنتُ أنوي أن آتيكِ منذ الأمس، لكن لوهان حبسني في الجناح ومنعني من زيارتك، بعدما حققوا نصف المخطط حررني، يظن أنكِ لن تستطيعي فعل شيء، لكنكِ لا تشبهيني، أظنكِ أقوى مني، أظن بكِ خيراً"

تمسّكتُ بيديها واقتربتُ منها أقول.

" لو أنكِ تخشين النتائج، فأنا معك، أنا الآن ملكة، وكلمتي تسير حتى على الحُماة، اخبريني ما في جعبتك بلا قلق"

تنهدت للمرة الأخيرة تستجمع قِواها ثم تحدثت.

" أظنكِ تعلمين أن كل الحُماة نفروا منصب الملك، ورفضوا إعتلاء العرش، ألم تفكرين يوماً ما السبب خلف هذا الرفض؟!"

جعدتُ حاجبي ونشأتُ أفكر.

" أليس لأن منصب الملك يفرض المزيد من الواجبات؟!"

اتبعت تعشو إليّ بملامح ساخرة.

" لكنه يمنح سُلطة مُطلقة وحقوق واسعة النفوذ والنفاذ"

تسآلت وأنا بالفعل بدأتُ أشعر بالخوف.

" إذن؟!"

رمقتني لوهلة قبل أن تتحدث ثم تنهدت.

" كما تعلمين، أو لا أدري في الحقيقة أن كنتِ تعلمين، بعكسنا جميعاً؛ أنتِ الطاقة تدفق منكِ على أشطار، شطراً شطراً تنبعث، بينما نحن جميعاً إنبعثت دفعة واحدة"

" هذا ما جعل الحُماة يتأكدوا بأن تشانيول الملك المختار، وأنكِ الملكة"

" لكن الملك عليه واجب لا يستطيع تجنبه على الإطلاق، ولا يتم إلا بطريقة واحدة، أو أنهم ما اكتشفوا غيرها"

" لو حدث وسحب تشانيول كل طاقته منكِ، فربع طاقته فقط التي ستكتمل"

بدأ قلبي يطرق بقوة في جوف صدري، لا أحس بالأرتياح، أشعر أن ثمة شيء يضغط على صدري، يخنقني، لذا ما استطعتُ أن أسألها أن تتابع، إنتظرتها أن تتابع بنفسها.

وهي رمقتني بنظرة حواها مواساة كذا شفقة، وهذا ما أكره، أنا لستُ قابلة للشفقة، لستُ ضعيفة كي يُشفق عليّ أحد.

تمسّكت بيدي ثم استرسلت.

" في الحقيقة، تشانيول هبط إلى الأرض ليلة أمس ليُحضر ما يتم قِواه، أحضره لكن حضوره سيكسر قلبك، وأنا أهتم لمشاعرك أكثر من قواه اللعينة وقوة المملكة ومناصبنا الغبيّة هذه"

أومأت فاتبعت تكمش جفونها وتشدد على يدي.

" أظهرت البلورة التي ترمز لقواه موقع فتياته الثلاث الأُخريات، ليأتي بهنّ من على الأرض ويسحب منهنّ قِواه، كما سحبها منكِ، ثم سيقلدهنّ مناصب أميرات في قصر النار، أي سيبقين في وجهكِ للأبد"

وقفتُ على قدمي مدهوشة، مستحيل!
أيعني هذا أنه سيخونني مجدداً؟!
مع ثلاثة فتيات أُخريات؟!

خيانة مستباحة أنا لا أستطيع الاعتراض عليها حتى!

أنا لم اتجاوز خيبتي الأولى لتأتي خيبات متتالية!

شعرت بلمستها على كتفي.

" ميريانا، سيكونن أميراته في القصر، أي زوجاته، أنتِ زوجته الأولى وسيكون له ثلاثة زوجات أُخريات"

أي، سيتزوج عليّ؟!
ثلاثة زيجات في وقت واحد؟!
ثلاثة نساء سيكنّ في مكاني له!

اسودت الدنيا في عينيّ واظلمت بصيرتي، أشعر بصفير حاد يصم آذاني، قلبي ينبض بقوة وصدري يشتعل، أشعر بالآلام شديدة أصعب على تفسيرها.

لِمَ من بين كل البشر؟!
لِمَ على حياتي أن تكون عثِرة إلى هذا الحد؟!

إنهرتُ على أسوار الشرفة لولا أن الأميرة أسندتني سريعاً، ولكن ذلك لم يمنعني أن أحمل التاج عن رأسي وأرمي به في باحة القصر ليتحول إلى حُطام.

أنا لا أريد منصب الملكة، ولا أريده حتى هو لو تواطئ على أذيتي إلى هذا الحد.

إحتشد عُمال القصر وبعض الحرس أسفل شرفتي حينما صرخت مِلئ حنجرتي.

" أخبروا ملككم أن يأتي إليَّ الآن، وإلا أثرتُ الفوضى وجعلت جنوني يتفحل بكل أزقّة القصر، احضره الآن!"

إلتفتُ إلى الأميرة وأمرتُها، رغم أن صوتي يرتجف وبدني كله يرتعش.

" اذهبي من هنا، ولا تخبري أحد بأنكِ من اخبرني، اذهبي سريعاً قبل أن تعم الفوضى!"

ركضت خارجاً، وأنا اقتربت من المنصب، الذي يحمل عليه شعار قواه ويحدّه سيفين، سحبتُ إحدى السيفين ولكن قبل أن أفتك الطريق الفاصل بيني وبين الباب، وجدته يقتحم الباب ويصرخ بي بينما يحمل حُطام التاج.

" جُننتِ؟! لأي سبب مخبول حطمتِ تاجك؟!"

اقتربت منه أحمل السيف ورفعته لأضرب به صدره، وهو لم يتصرف لدفعي، ضربته به.

" فلتعرض نُدبتك هذه على نسائك الباغيات كلما عاشرتهنّ وخنتني!"

نزف جُرحه دماً قانياً وتوهجت ألوانه النارية، سحب السيف من يدي فصار حديداً منصهراً انسكب على الأرضية بين يديه، وطالعني بنظرة لم أراها في عينيه قبلاً، نظرة سفّاح.

" وجود نُدبة على صدري لا تجعلني بشعاً، أنا مُحارب قبل أن أكون ملك والنُدب تُزينني"

تحسس حيث جرحته، ثم همس بطريقة بدا وكأنه يتوعد لي.

" لكن هذه نُدبة عن محاولة إغتيال وخيانة، أنتِ الخائنة هنا لا أنا"

ثم رفع شدقه مبتسماً مستشفياً بي، وقطع ما بيننا من مسافة، حتى صار يمسني بجسده،  تناول ذقني بطريقة أوجعتني وجعلني انظر إليه، حينها نفت كل الكره الذي يكنه لي بوجهي.

" ليس السرير فقط ما سيجمعني بزوجاتي الأُخريات، بل شتى تفاصيل حياتي الأخرى، مثلكِ مثلهنّ، واحزري ماذا؟!"

وضعني في مقامهنّ، وذلك تباً جرحني أكثر، خصوصاً أنه يرفع إبتسامة مخبولة على شفتيه، يحاول أن يكيدني بها.

" سأضعهنّ معكِ في ذات الرواق، فكلما تحررتِ من جناحكِ هذا رأيتني أخونكِ معهن، وأيضاً..."

إقترب بوجهه مني، وطبع قُبلة على فكي قُبيل أن يهمس بأذني.

" سأخونهنّ معكِ"


..........................

سلااااااااااام

بعد غياب طويل وصل الفصل أخيراً.

اليوم كان متعب جداً بالنسبة لي فمنيح أني قدرت أنشر أصلاً.

بالمناسبة، هذا أكثر فصل كنت متحمسة له، الفصول الجاية تُعتبر عُقدة خاصة للتو بدأت، وأنا جداً متحمسة، الإيفل سايد جواتي رح يستيقظ على أصوله.😈

بتعرفوا ميرسي الي كتبت حاقد عاشق، ح تحبوها وتشكروها قدام ميرسي الي رح تكتب الفصول الجاية من هاي الرواية.

ميرسي مستعد ومتحمس على آخره، ماذا عنكم؟!

لاحظت أنو التفاعل في رمضان على شفير الإنعدام لهيك تفاهلكم هو الي رح يقرر اذا رح انشر برمضان ولا لا.

الفصل القادم بعد 100 فوت و 100 كومنت.

1. رأيكم بِ:

١.تشانيول؟

٢.ميريانا؟

٣.بيكهيون وآيلا؟

٤.لوهان وزوجته؟!

2.ماذا تظنون بمستقبل علاقة مير وتشان؟

3.رأيكم بالفصل ككل وتوقعاتكم للقادم؟!

دمتم سالمين♥️

♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️

© Mercy Ariana Park,
книга «الدرك الأسفل|| The Eternal Monarchy».
CH22|| تَفيض قوّة
Коментарі