CH27||ضبط الملكة
"ضبط الملكة"
كُنَّ الأميرات بفساتينهنّ القصيرة يركضنّ خارج حدود القصر المُزيف، ذلك القصر الذي هو نُسخة طِبق الأصل عن قصر المملكة المُبجَّل، لكنه مزيف كمن صمموه.
في الغابات المجاورة للقصر، لم يكن يُسمع صوت في هذه الغابات إلا صوت حفيف الشجر المُهيب، ودهس العُشب أسفل أقدامهنّ.
" أين نذهب؟!"
توقفت آيلا تنحني على ركبتيها فيما تلتقط أنفاسها تتسآل، فهنّ يركضنّ منذ وقت بلا وِجهة، المملكة كُلها بخطر وفي قيد الأسر والإحتلال، لا يوجد مكان آمن بالنسبة لهنّ.
ليليانا أقامت ظهرها تتنفس بصعوبة والعرق يتصبب من ناصيتها، وقالت لاهثة مُتعبة.
" أظن أنه علينا أن نتدبر أمرنا كيفما كان، لا نملك مكانًا لنهرب إليه على آية حال، ولكن علينا أن ننجو مهما كانت هذه المهمة صعبة"
تراخت دفعات بعض الأميرات، وأُخريات تذمّرن وأصابهنّ الخوف، فرائحة الشر والموت تفوح من كل مكان، وهُن لسنّ إستثناء.
وفي لحظات ضياع الأميرة فكتوريا قالت.
" سيهون كان يُحب أن يصطاد الحيوانات في الغابة هنا، وكان يأخذني معه في معظم الأحيان، لذا أعرف بعض الكهوف في المنطقة، علينا أن ننجو حتى لو مكثنا في كهف، علينا أن نصمد "
" اوووه! فكتوريا المُدللة تتكلم أخيرًا!"
شعرت فكتوريا بالخجل إثر الهِتاف المُفاجئ الذي نالته من الأميرات؛ فأطرقت رأسها بإحراج تبتسم، أتت قُربها ماريا لتُربت على كتفها وقالت.
" بالتأكيد دلال سيهون لم يكن عن عبث، ها هو يأتي بفائدة"
ذهبنَّ الأميرات إلى حيث دلّتهنّ الأميرة فكتوريا، وإذ به إحدى الكهوف العميقة في منتصف الغابة، بمدخل سريّ تحفّه الأشجار العظيمة وأوراقها، الغريب أنه مُجهّز لإستقبال ضيوف، به سرير واسع وآرائك تنتشر هنا وهناك، سلّات من القش وقوارير فُخاريّة كبيرة.
فسّرت فكتوريا فيما الأميرات يجلنّ بالمكان بدهشة.
" سيهون يُحب الهواء الطلق، لذا كُنا نقضي بعض الليالي هنا"
لكن آماندا ملكة البرق عدّلت.
" تعديل، بعض الليالي الساخنة"
لكزتها فكتوريا بمرققها وتذمرت بخجل، ثم ما قالته أضحك الجميع.
" أنتِ! تحدثي عن نفسك، لقد كنتِ تتوددي للأمير تشين على الأرض"
حرّكت كتفيها بلامبالاة وعلّقت.
" وما ذنبي إن كان حُلو كشهد العسل ولا يُقاوم؟!"
ما كنّ ليتقدمنّ بطريق شائك نحو النجاة لولا أنهن يعلمن أنه عليهنّ تخفيف عِبء المُصيبة على بعضهن البعض، لذا كان الضحك والمزاح في مثل هذه الظروف المحفوفة بالخطر مخففًا للمخاوف ومسكنًا لها.
جلست آيلا على الأريكة كما بقية الأميرات توزعنّ، ثم تحدثت.
" الآن وجدنا مكانًا ننام فيه؛ لكن علينا أن نوفر لأنفسنا الطعام والماء، وعلينا أن لا ننام جميعًا معًا، على عدد منا أن يبقى مُستيقظًا ليحرس البقيّة"
وافقتها الأميرات فاتبعت.
" علينا أن ننقسم إلى ثلاثة أقسام، قسم سينام، قسم سيحرس المكان، وقسم سيخرج ليبحث عن الطعام"
تطوعت فكتوريا أولًا تقول.
" أنا سأذهب للبحث عن الطعام، أعرف أماكن الأشجار المُثمرة، واعرف مكان سيل الماء الذي صممه الأمير سوهو لأجل سيهون"
وعلى هذا الحال تقاسمن إلى ثلاثة أقسام، أضعف الأميرات خلدنّ إلى النوم، أشجع الأميرات بغض النظر عن فكتوريا خرجنّ للبحث عن الطعام، وأربع باقيات بقينّ للحراسة على بوابة الكهف.
كُنَّ فكتوريا، آيلا، ماريا، وليليانا خرجنّ للبحث عن الطعام.
التِلال كانت عالية والجبال شاهقة، الأشجار لها حفيف مزعج والرياح قويّة، حياة الغاب كانت هادئة، فلا حيوانات مُفترسة موجودة بالجوار، فقط الحيوانات الأليفة، كالماعز والغِزلان وغيرها.
تحدثت فكتوريا بينما تتقدم الأميرات وتُشير إلى الشِجار.
" هنا تنمو الكثير من أنواع الخضار والفاكهة، لقد ساعد الأمير دي او بتنويع الثِمار هنا بتنويع نوع التُربة، وسيهون تحكم بمناخ بعض المناطق"
إقتطفن الثِمار وحملنّ بسلّات القش ما استطعن على حمله، ثم عُدنّ بحذر.
وصلنّ إلى الكهف واجتمعنّ حول الثمار مع الأميرات اللواتي بقينَّ للحراسة.
" لقد أتينّ بحبات جوز الهند لنكتفي بماءها الآن وغدًا سنجلب الماء بتلك القوارير"
قالت ذلك ماريا، وهنّ وافقنّ، حياة البراري صعبة، كالعودة بالزمن إلى عصر الإنسان الأول، لكن طالما هنّ سيتمسكنّ بالنجاة سيفعلنّ أي شيء بالمُقابل، البحث عن الطعام والماء، والبقاء آمنات في هذا الكهف، هو كل ما يحتجنه للنجاة حاليًا.
في الصباح؛ خلدنّ إلى النوم، وثلاثة من الأميرات تولينّ حراسة أبواب الكهف وهَلُمَّ جر.
لن يقدرنّ على تقدير الوقت المناسب للخروج، فما كانوا المستنسخين سيصلوا قعر القصر لولا أنهم عاثوا فسادًا بشتى أنحاء المملكة، الشعب الآن مُحتَلّ، والجيش مُشتت بلا قيادة رئيسة، والقصر تحت السيطرة.
فلا ضمانة لهنّ إن خرجنّ أن يبقينّ على قيد الحياة، أو لا يعدنّ للأسر.
تحسست الأميرة ماريا تلك الألماسة في عُنقها، لطالما أصرّ عليها زوجها الأمير سوهو ألا تخلعها من عُنقها مهما حدث.
كانت أول الأميرات وصولًا للكوكب، ظنّت أنها هدية مميزة لها من الأمير، لكنها تفاجئت حينما وجدتها بعُنق كل أميرة تأتي لاحقًا.
الآن تفهم ما الحاجة إليها، هذه الألماسات هي التي حمتهنّ من المستنسخين، لكنها لا تعرف مدى قوة هذه الألماسات؛ لذا لن تخاطر بإختبارها على حساب روحها وأرواح الأميرات الباقيات.
" فتيات"
جلبت إنتباه الأميرات جميعًا بندائها، حينها قالت.
" هذه الألمسات هي التي حمتنا من المستنسخين، أياكنّ وخلعها"
فكتوريا تسآلت.
" إذن هي من حمتنّا من الإعتداء الجسدي؟"
ماريا أومأت لكن آيلا تنهدت تنفي برأسها قائلة.
" لا أظن ذلك، لقد كانت في عُنقي حينما خطفوني أول مرة"
" خطفوكِ؟!"
حينها كان على آيلا أن تخبرهنّ بما حدث معها سابقًا، وكل ما تعرفه عن هؤلاء المستنسخين، ما استطاعت أن تكبح رغبتها في البكاء بينما تبوح بهمها لهنّ.
ما زالت لا تستطيع أن تصدق أن الذي تزوجها ليس الأمير، بل رجل آخر، سرق مكان الأمير وسرقها هي أيضًا.
في قعر الليل؛ كانت آيلا مستيقظة لأجل الحراسة مع ماريا وليليانا، تجلس على قارعة مدخل الكهف، تتكئ على جداره الصخري وترفع قدميها إلى صدرها فيما تُسهب النظر نحو السماء.
لقد بكت كثيرًا فيما تقصّ عليهنّ ما حدث معها منذ الزفاف، والخُدعة العظيمة التي تعرّضت لها على يد المُستنسخ بيكهيون.
ماريا وليليانا قررنَّ مواساتها بعد أن خلدنّ بقية الأميرات للنوم، لقد نالت مواساة عامة وتشجيع عام من جميع الأميرات، لكن على ماريا وليليانا أن يفهمنّها بعُمق ويحتوينّ ألمها المُفجِع.
فالذي مرّت به آيلا هو أقسى قِصص الأميرات، لم تمر إحداهنّ بمثل هذه الأحداث المؤسفة مهما بلغت صعوبة تكيّفهنّ على هذه المملكة الجديدة بالنسبة لهنّ.
إلتفتت آيلا إلى جنبيها حينما جلستا الأميرتان بجوارها عن اليمين وعن الشِمال، ليليانا إحتوت كتفي آيلا بذراعها وبإبتسامة رقيقة حدّثتها.
" لم نكن نتوقعكِ قويّة إلى هذا الحد سموّ الأميرة آيلا، ظنناكِ لن تتقبلي الأمير يومًا لأنكِ لا تُحبّينه، لكنكِ كنتِ تمرين بمُصبية ونحن لا ندري، آسفات لأننا لم نكن معكِ في تلك المِحنة"
تبسّمت آيلا وربتت على يد الأميرة تقول.
" لا بأس، الآن كل شيء مضى"
ماريا قالت تتمسك بيد آيلا في حِجرها.
" لكنكِ شُجاعة، لم أكن أتوقع أنكِ تملكين قلب قويّ كهذا، لولاكِ لما خرجنا من الأسرّ، ولولاكِ لما استطعنا الثبات إلى هنا.
حقيقة أنكِ لم تنهاري حينما علمتِ بالحقيقة تجعلك أميرة بحق، وتستحقين لقب الأميرة وملكة الضوء، بل عودكِ اللين إشتد بفعل المصيبة هذه!
أنا واثقة بأن الأمير بيكهيون سيكون فخور بكِ"
لم تشعر آيلا إلا وبدموعها تسقط دون أن تحس، مسحتها سريعًا وابتسمت.
" رغم ذلك، لا أجدني قادرة أن أتوافق مع بيكهيون أو أسامحه"
تبادلنّ ماريا وليليانا نظرات مُستنكرة فقالت إحداهنّ.
" لماذا؟!"
آيلا قالت بعدما تنهدت.
" لو كان يُعاملني بطريقة حسنة، لشعرتُ بالغرابة حينما فقدتُه وحلّ محله رجلًا آخر، الأمير كان أفضل منه بقليل، لكنه لم يكن رؤوفًا ولا لطيفًا معي، لذا لم أشك ولو قليلًا أن الذي عاملني بلؤم كان رجلًا غيره."
ليليانا مسحت على ظهرها تقول.
" الأمير بيكهيون لم يكن ناضجًا حينما آتى بكِ عن الأرض، لقد كان يظن أنه بفرض رجولته عليكِ ستُحبّينه، لكنه وعى ونضج فجأة بعدما عاد من الأسر، وإلا لما كان أَسرّ عليكِ الأمر، وتعامل معكِ بطرقة ألطف وألين، لما كان متفهمًا لولا أنه نضج، لأنه يعلم أن ما حدث معكِ هو ذنبه جزئيًا"
أومأت آيلا، تتفهم ذلك الآن، وتشفق على نفسها وعلى الأمير أيضًا، ثم ماريا قالت.
" سموّكِ سامحيه لكي تنسي مرارة هذه التجربة القاسية، وأمنحيه فرصة أخرى على مقدرتك، لن ترتاحي لو ما تجاوزتِ الأمر."
آيلا أومأت ثم تنهدت، مسامحته ومنحه فرصة أمرًا ليس بمستحيل عليها، لكنها ما زالت منه غاضبة، ولا تقدر على منحه العفو بسهولة ويُسر، فلتكن هذه الفترة فترة نقاهة وإستراحة من أوجاعها من ناحيته.
ربما الغياب يجعلها تحنّ عليه وتفكر فيه، ربما غيابه يجعلها تشتاق له، ربما في غيابه تسامحه.
لا أفضل من الوقت لحل الأزمات، الوقت هو الكفيل بالمسح على قلبها، وتهدئة روحها والتطبيب على جروحها.
.......................
الصراع مع البشر على الأرض لا يبدو أنه سينتهي بهذه السهولة، فلقد بعث المُختَبر بفِرق إستطلاع من الجيش وحرس المُختبر؛ للبحث عن الحُماة في شتّى البِقاع.
طمع البشر لا ينتهي، وإصرارهم لإستعادة أرض المعركة ليغتنموا الأُمراء لا يبدو هيّنًا، وذلك ما وتَّرَ جلالة الملكة ورَجُلي المُهمات الخاصين بها، جاكسون وجونغكوك.
كانوا الثلاثة يجلسون حول نار تعاون الشابين على إشعالها في منتصف غابة حُرجيّة يهجرها الناس.
أما الحُماة فهم داخل الشاحنة نائمين حتى الملك، إذ إنهم على طبيعتهم البشريّة الآن، وعليهم أن يصطادوا ليحفزوا قِواهم، ويستعيدوا قُدراتهم الخارقة، وهم الآن لا يقدرون منذ أنهم لا يملكون أي طاقة للإبتعاث على هيئة الذئاب المستدببة والصيد، لذا كان عليهم أن يناموا لعل النوم شحنهم بطاقة تقدّرهم على التحول لهيئة الذئاب.
فيما يحمل جونغكوك غُصن يابس ويعبث بالتُراب أسفل قدميه، قال بعدما زفر مُبتأسًا.
" لقد عرفت من هو المسؤول عن عملية دراسة الأمراء والتنقيب عنهم"
ميريانا تسآلت منذ أن ملامحه لا تُبشّر بالخير كثيرًا.
" أهو شخصٌ نعرفه؟"
جونغكوك أومئ فيما يستحوذ على إهتمام جاكسون وميريانا ثم قال.
" إنه تشوي سونغ هيون"
ميريانا إستنكرت.
" أتقصد المدير التنفيذي للشركة التي كُنا نعمل لصالحها؟"
أومئ، فوقفت مُستنفرة تقول.
" كيف ذلك؟ من أين يعرف؟"
حرّك كتفيه بجهل وتنهد.
" لا أدري، فقط أعرف أنه المسؤول"
جاكسون قال.
" هل أنت متأكد مما تقول؟!"
جونغكوك أومئ مؤكدًا.
" لا مجال للخطأ في هذا، مُتأكد مائة بالمائة"
وضعت ميريانا صِدغيها بين راحتيها، ونبست بلا تصديق.
" يا إلهي! كيف يعلم؟!"
ربّت جاكسون على كتفها، لعله يبعث في نفسها الراحة وقال.
" مير، ليس عليكِ أن تقلقي به الآن، ما عاد الأمر مهمًا، علينا فقط أن نعود إلى المملكة وبأسرع وقت."
جونغكوك أومئ مؤيدًا وقال.
" أنا أوافق، علينا أن نعود إلى المملكة قبل أن يتفشى خبر غياب الأمراء بين الناس، وتقوم الطاقة الحمراء بمهاجمة القصر والمملكة"
تنهدت ميريانا تومئ، ثم نهضت على قدميها وقالت.
" نعم، علينا أن نُساعد الحُماة، ليشحنوا طاقاتهم ونعود بهم إلى المملكة"
إلتفّت حول الشاحنة لتفتح بابها وتتفقدهم بالداخل، لكن المُفاجئة أن الشاحنة فارغة، صاحت.
" تشانيول!"
هرع جونغكوك وجاكسون على صوت صرخة الملكة.
" ميريانا، ماذا حدث؟!"
نظروا في قعر الشاحنة حيث كانوا الأمراء والملك يأخذون إستراحة، لكن لا شيء، لا أحد، ولا بقي خلفهم أثر.
كانت ميريانا تقف وتتمسك بناصيتها بيد، والأخرى تسندها على خصرها فيما ترتجف، كل أطرافها ترتجف وفجأة شعرت بالحر وأنفاسها ضاقت، ثم تمتمت.
" أيمكن أن فِرق تقصّي المُختبر أمسكوا بهم ونحن غافون؟!"
نفى جاكسون برأسه يقول.
" لا أظن ذلك، لأخذونا بالأسر نحن أيضًا"
مَلأ الدمع جفونها واهتز صوتها تقول.
" لم يتحولوا إلى شاكلة الذئاب، فلا ثياب لهم هنا ليرتدوها لاحقًا ولا حتى بقايا ثياب لو افترضنا أنهم تحولوا ومزّقوها.
كما أنهم محظورين عن استخدام قِواهم على الأرض، يستحيل أن يخاطروا بكشف أنفسهم بطريقة عبثيّة، الوكالة ستكشف مكانهم لو فعلوا.
أنا خائفة جدًا!"
آتى جونغكوك إليها وتمسّك بكتفيها، فهو يراها على وشك الإنهيار، لا تقدر حتى على الوقوف بإستقامة، والوضع لا يتحمل أن تنهار هي، فبإنهيارها سينهار الجميع.
" عزيزتي، لا تخافي على زوجك وإخوانه، أنا متأكد أنهم سيكونون بخير، تعلمين أنه لا يمكن قتلهم بأدوات البشر بسهولة أبدًا، نحن علينا الآن فقط أن نُثبّت أقدامنا، ونُباشر بالبحث عنهم فورًا، حسنًا؟!"
أومأت برأسها عدة مرات رغم أنها أخذت تبكي بمرارة، تبكي بقلب محروق، فالخوف والقلق كجلادين لا يعرفا الرحمة، يعذّبانها بلا هوادة.
ضمّها جونغكوك إلى صدره ، وهي إختبأت في كُنف صديقها من مخاوفها، تشبّثت بقميصه واسترسلت بالبكاء.
لا يعقل أن يتأذى تشانيول، أو أي أمير من الأمراء الآخرين، هي لن تتحمل أم تراهم مُتأذيين، لا يمكن لكل جهودها في إعادتهم مجددًا أن تضيع هباءً هكذا، تخشى عليهم من شر البشر، وحيلهم الغدّارة، ونفوسهم الطمّاعة.
إجتذبها جونغكوك برِفق معه إلى الشاحنة وجعلها تصعد، ثم صعد بجانبها وتولّى جاكسون القيادة، حينها جاكسون تمسّك بيدها وقال.
" عودي إلى المنزل، ونالي قِسطًا من الراحة بينما نحن نستطلع عن أماكنهم"
نفت برأسها ترفض قائلة.
" فقط خذوني معكم، لا يمكنني أن أرتاح وهم في خطر"
مسح جونغكوك برفق على شعرها وبإبتسامة ضئيلة قال.
" للأسف لا يمكنكِ أن تتحولي إلى جنّية صغيرة بحجم باعوضة، لذا ابقي بالمنزل وأعدك أننا سنأتي بأخبار عنهم الليلة"
تنهدت تومئ، ما دامت لا تستطيع تقديم المساعدة لن تكون عائق في طريقهم لإيجاد زوجها وإخوانه.
غادر جاكسون وجونغكوك بعدما أمّنوا عليها في شِقتها، ترامت على أريكتها بلا حيل، وببؤس شديد أخذت تتخيل أبشع السيناريوهات لما قد يكون حدث مع الحُماة.
نفثت أنفاسها وأغمضت عيناها تضع معصمها فوق جبهتها، لكن النوم لن يزرها، ولن ترتاح حتى تجدهم، أو على الأقل تعلم أنهم بخير.
همست.
" هل تشانيول بخير يا تُرى؟"
فتحت عيناها وشهقت بقوة، لأن المرأة الشفافة تجلس على الأريكة المجاورة، قعدت ميريانا فيما تمسح على قلبها وقالت.
" الحُماة إختفوا، أيمكنكِ إيجادهم؟"
بان البؤس في وجه المرأة، تنهدت ثم قالت متأسفة.
" للأسف الشديد؛ الطاقة الحمراء علمت بشأن ما حدث على الأرض من خلال سيطرتها على الملك تشانيول، وأغلب الظن أنها خطفتهم وحبستهم في مكانٍ ما هنا على الأرض"
أخذت ميريانا تدعك صدغيها، فقد داهمها صداع قوي فيما تتمتم.
" اللعنة!"
ثم نهضت بكل عصبيتها، وركلت الطاولة الزجاجية أمامها؛ لتتحول إلى رُكام تصرخ.
" اللعنة عليها تلك العاهرة! لو أنها كيان حيّ سأقتلها!"
وقفت المرأة الشفّافة واقتربت من ميريانا تقول.
" اضبطي غضبك مولاتي، علينا أن نخرجهم من حيث حبستهم الآن، الوضع على الكوكب ليس جيدًا أيضًا"
إلتفتت ميريانا إليها تعقد حاجبيها وقالت.
" ما الذي يعنيه هذا الكلام؟ ما الذي حدث هناك؟!"
بأسف تحدثت الطاقة الزرقاء.
" قامت الطاقة الحمراء بجيش من المستنسخين بمُهاجمة القصر، أخضعوه تحت سيطرتهم، الأميرات في الأسر، والمملكة مُحتلّة"
" يا إلهي! ما كل هذه المصائب التي تتساقط فوق رؤوسنا مرة واحدة!"
تقدمت من المرأة الشفافة وتمسّكت بكتفيها بإنفعال تقول.
" وأنا ماذا يتوجب علي أن افعل الآن؟!"
المرأة أجابتها.
" لا يمكن لأحد سوى الحُماة أن ينقذوا المملكة من شر الأعداء"
ميريانا إعترضت مستنكرة فيما ترمق الطاقة الزرقاء بجفون متّسِعة.
" لكنهم محبوسين، أنترك المملكة على هذا الحال إذن ولا نفعل شيء؟!"
المرأة تابعت كلامها تقول.
" أنتِ وحدكِ من يمكنها إنقاذ الحُماة"
أشارت ميريانا إلى نفسها مُستنكرة وقالت.
" أنا؟ كيف؟"
أومأت المرأة، وجذبتها برفق معها حتى أجلستها على الأريكة الطويلة، وجلست هي بجوارها فيما تتمسك بكفيها وتُحدثها برفق وهدوء.
" الملكة ليست لقبًا فقط جلالتك، أنتِ لكِ ميزات لا يمكن لأحد إدراكها، أنتِ أقوى مما ظننتِ، وتملكين قدرات أكثر مما تعرفي"
تنهدت ميريانا ثم أومأت تقول.
" ماذا بإستطاعتي أن أفعل إذن؟!"
رمقتها المرأة تعزم على شيء، الثبات العزم والإصرار يلمع في عينيها الزجاجيتين.
" ستجمعي قواكِ أولًا، ثم سنُحرر أسر الحُماة جميعنا معًا، وأنتِ عليكِ أن تقودينا حينها، لكن قبل ذلك عليكِ أن تكوني كفؤ لتفعلي"
ميريانا بلا تصديق إستنكرت.
" قوايّ؟ أنا؟ لي قوّة خارقة؟ أقودكم؟"
أومأت المرأة فيما تربت على كفها وقالت.
" نعم جلالتك، وحدكِ من ألوانها لا تبهت، وطاقة النار في جسدها لا تنضب، ووحدكِ من تقدر أن تُساعد الحُماة في معارك القوى الخارقة"
بإستنكار همست.
" طاقة النار في جسدي لا تنضب؟"
أومأت المرأة تبتسم فقالت.
" أهذا يعني أنني لن أحترق ذاتيًا حينما يتوافق نجم القوس؟"
أومأت المرأة مجددًا وقالت.
" لقد مرّ موعد توافق نجم القوس، لو أنكِ أميرة عادية لكنتِ ميتة الآن"
ولم تنتهي أسئلة ميريانا إلى هذا الحد.
" وتشانيول يعلم؟"
المرأة نفت تقول.
" لا جلالتك، لقد إكتشفنا ذلك بعدما إختطفه المُختبر"
بقي عدة أسئلة في جُعبتها، أيعني هذا أنه في كل مرة يقترب منها ستمنحه جزء من الطاقة؟
أهذا يعني أنه لن يرتبط بها باسم الحب بل لأجل طاقته؟
هل سيتسغل هذه الحُجة للأبد؟
لكنهت لم تكن جريئة كفاية لتسأل الطاقة الزرقاء شيء، ستحتفظ بفضولها نحو الإجابات، والوقت سيعلمها الإجابات.
وفي نهاية الحديث؛ تعاملت مع الأمر برمته كملكة وقالت.
" حسنًا، وماذا علي أن أفعل الآن؟!"
............................
في دولة المغرب؛ هناك حيث تحتوي تلك الأراضي الشرق أوسطيّة مساحات واسعة لا يشغرها بشر ولا يشغلونها، مهجورة ومعزولة عنهم فحسب.
في إحدى صحاري المغرب الفسيحة والمهجورة، تكون الحرارة نهارًا مرتفعة جدًا، وليلًا منخفضة جدًا، أراضٍ قاحلة تخلّت عنها الحكومة، فلا حركة تطوير تصلها.
ومنذ أنها بلاد لا علاقات وطيدة لها مع الوكالة الأمريكية ناسا، كما أن سُكان المناطق الريفيّة القريبة من تلك الصحاري بُسطاء الشخصيّة، أناسٌ لطيفون، لا يحركهم الفضول إلى الهاوية، وهمهم هي لقمة عيشهم وكرامة معيشتهم، لذا لن يلحظوا فرقًا في صحاريهم إن طرأت عليها بعض التغيرات، وعلى هذا الأساس؛ قررت الطاقة الحمراء أن تتخذ هذا المكان بقُعة لها.
إذ قادت الأُمراء إلى هناك عبر سحابة حمراء دون أن يشعروا بشيء، فلقد كانوا غافين مُتعبين من معركتهم الأخيرة، إنها سحابة لا تُرى في عدسة الكاميرا، ولا في العين البشريّة الطبيعية، لذا كان نقلهم من مكان إلى آخر، مهما بعدت المسافة، مُهمة ليست بصعبة.
وضعتهم في تلك الصحراء المغربيّة الفسيحة، زيّفت لهم مكانًا يألفونه فيها، إذ ظنّوا أنهم في مكان حَضريّ إلا أنه مكانهم الخاص هُم.
مسحت من عقولهم المملكة وكل ما يتعلق بها، قِواهم، وقدراتهم، وإخوتهم، وحتى مناصبهم وشخصياتهم السابقة.
إلى هذا الحد من الشر هي عبثت في عقولهم، فأصبحت ذِهانهم كورق أبيض، ينتظر أن يُرسَم عليه من جديد، وهي قررت ماذا سترسم بالفعل، الفِتن، الإغراء، ملذّات الحياة، وحياة السِباق المجنونة.
كان كل هذا ضِمن خُطّة مُحكمة التدبير وضعتها بعون مستنسخينها؛ لتقدر على وضع أصحاب المُلك خلف قُضبان لا يرونها..
داخل هذا المُكعب الأحمر أصبحوا دون أن يفكروا يومًا بالخروج، كي لا يستطيعوا الخروج أبدًا ولا يظنّوا إطلاقًا أنهم ها هنا محبوسين، وأن حياة الرفاهية التي تحفّهم ما هي إلا قِناع مزيف لسجن إبتكرته سجّانة خبيثة.
مُكعب أحمر خصيصًا صممته لأجلهم، هناك حيث سيلتهوا في ملذات الدنيا التي وفرتها لهم وينسوا بشأن كل شيء يتعلق بهم، ينسوا من هم حتى.
وهي خارجًا ستفعل ما تريد في عالمهم، وتعيث بمملكتهم العظيمة بما رحبت فسادًا كما شائت، دون أن يحدق بها خطرهم، وقواهم الشّرِسة.
دون أن تفكر حتى بماذا لو عاد الحُماة، لأنهم لن يعودوا أبدًا.
داخل المكعب؛ الحياة مُختلفة تمامًا عمّا هي خارجه، فظلام العالم وظلمه لم يكونوا موجودين في هذا المكعب على حسب ظنونهم.
إذ هم إستيقظوا في قصر شديد الرفاهية، ظنّوا أنهم فيه منذ نشأتهم، وأن هذا مكانهم ومأواهم الوحيد، وأن حياتهم متعلقة بهذا المكان، وأن الخلاص منه يعني الموت، هذا ما كتبته في أذهانهم لتشوه فهمهم.
حدائق، إستراحات، مسابح، شُرُفات، ضِفاف، قِبب، قِمم، سيارات، دراجات، حلبة سِباق رالي، أجنحة فخمة، وطعام.
الطعام من كل الأصناف والأنواع، عبر كل الثقافات والبلدان، حلو وحادق، وجبات خفيفة ودسمة، كل شيء.
فالطعام كان السُم، هم ذئاب، والذئاب أمثالهم لا تكتفي إلا بلحم الضأن والغزلان، لكن الطعام البشري العادي، حتمًا لهم هو موت بطيء.
وهكذا هي تخطط أن تقتلهم، عبر هذه الرفاهية.
إستثناء واحد من كل هذه الرفاهية، لا نساء، لِمَ؟!
لإنهم ذئاب، والذئاب لا تخون، الذئب يعيش لأنثى واحد، ويموت مع أنثى واحدة، لا يخونها ولا تخونه، لا يستبدلها ولا تستبدله، الذئاب أوفياء، لذا لطالما كانت أنثى الذئب محظوظة، فرغم وحشيته وهيبته، إلا أن في داخله قلب لا يجيد سوى لغة الحب.
ولو أنها دسّت بينهم النساء سيكتشفون أنفسهم، فنفوسهم ستتعفف عن غير زوجاتهم، سيعلمون أنهم ليسوا بشرًا طبيعيون.
ولم يكن ما حدث مع تشانيول سابقًا إلا طَفرة عن طبيعته سببتها ظروفه المُحكَمة، ما كان ليحدث لو أنه ليس سيد طاقة الشر، لو أنه لم يكن الملك، لو أن الطاقة الحمراء ما استحوذت عليه.
ما خرج عقله يومًا عن مسار أُنثى واحدة حينما يكون ذئبًا، حينما يحمل قلب ذئب، لا قلبًا عليه غِشاء من خُدع وكذب.
الآن وهم مجرد رجال يافعون عاديين، يعيشون في هذا المكعب، محبوسون ولا يدرون أنهم بسجن مقبوض عليهم فيه.
لا أخبار تتعلق بهم، هم فقط يمرحون داخل مكعب الإغراء والفِتن.
ولكن لا يصلح أن يدوم حالهم هذا، لأن شعبهم يحتاجهم، مملكتهم تنتظرهم لتحريرها، قصرهم عاث الفساد به بغيابهم، وأميراتهم ضائعات مُشرادت في الغاب دونهم.
وحدهم من يستطيعون لملمة هذه الفوضى، وحدهم من يمكنهم ضبط الأمر ولمَّ الشمل من جديد، وحدهم الحُماة من يمكنهم إقامة حرب شرف وكرامة وأرض.
وحدهم من يمكنهم ضبط الطاقة الحمراء وقتل جيش المستنسخين، لأنهم الحُماة، أتوا ليحموا هذه المملكة، ليكونوا أسيادها وحُرّاسها، دونهم المملكة سيندثر وشعب الإيري لن يعود كتلة واحدة، سيصيبهم الشتات.
وحتى ذلك الحين الذي يتحرروا فيه من هذا المكعب الأحمر، ستتولى الملكة المهمة، ستخرجهم من حيث هم محبوسون، مهما كلفها الأمر من التضحيات وخسارات.
لأن دور الملكة أن تشد ظهر الملك ليقاوم السقوط، كذا دور الأميرات، أن يشددن ظهور الأمراء، ويقمنّ عزمهنّ.
فلا يكون الرجل عظيمًا إلا بإمرأة عظيمة، تعينه حين يحتاج، توعّيه إن ضاع رُشده، تمنحه ظهرها لو مال ظهره.
لأنها السند له، ليست إمرأة عادية إطلاقًا، إمرأة في غيابه تُصارع ألف رجل، وفي حضوره إمرأة مشاغبة تشاكسه، هكذا هنّ، الدواء والحرية والرفاهية، هُنّ الحياة التي لا تضيق عليهم.
والملكة ها هُنا مُستعدة أن تخسر كل شيء تملكه، وتستعيدهم إلى مكانهم الطبيعي، ترفعهم فوق عروشهم.
ومن هنا يبتدأ فصل جديد من التأزّم، الآن يبتدأ فصل ضبط الملكة.
الأربعة منهم كانوا في إجتماع.
الملكة، الطاقة الزرقاء المتمثلة على هيئة إمرأة شفّافة، جونغكوك، وحاكسون، جِنيّ الملكة وحارسيها.
كانت تقف ميريانا فوق سطح البناية التي تسكنها.
" اغمضي عينيكِ، وافردي ذراعيكِ"
أغمضت عيناها ورفعت رأسها إلى السماء، وفردت ذراعيها بشكل أفقي توازي الذراع الأخرى، والطاقة الزرقاء تابعت فيما تقف بجونغكوك وجاكسون اللذان تحولا إلى جنتين صغيرين بالفعل يطيران بعيدًا عن ميريانا وينظران لها.
" تنفّسي بعُمق واسترخي، لن يكون الأمر مؤلمًا ولكن ربما تخافي، لكن تذكري نحن معك"
فعلت كما قيل لها، لكن دمعة سارت على وجنتها، ليست خائفة على نفسها بقدر ما هي تخاف عليه من الأذى، فقط فليكن بخير ويصبر حيث هو، وهي ستستعيده بالتأكيد مهما قدّمت من تضحيات سخيّة، ستضحي ولن تُبالي.
كمشت عيناها، وقضمت على شفتيها حينما شعرت بنفسها تندفع لتطير بالهواء، لا كطيرٍ حُر، بل كصاروخ بُعِث في الفضاء.
" جلالتكِ لا تخافي أرجوكِ، نحن معكِ ها هُنا، حسنًا؟!"
تنفست بعمق وأومأت أن نعم، ثم رويدًا رويدًا فتحت عيناها، إتسعت حدقتيها الحمراوتين فيما تنظر أعلاها.
تشعر أنها جُزء من السماء المُظلمة، النجوم قريبة، الأفلاك تسبح حولها، حينما نظرت نحو قدميها رأت كوكب الأرض بالأسفل، إنه لشيء مُعجِز ومُخيف.
بدهشة ميريانا قالت.
" أشعر وكأنني بحلم فوضوي لا يُفهَم!"
جونغكوك وجاكسون هدهدا بأجنحتهما حتى حطّ كل واحد منهما على كتفيها، إذ قال جاكسون.
" نفهمك، هكذا كان شعورنا يوم أتينا هنا أول مرة، وقامت الطاقة الزرقاء بمنحنا تلك القدرات الخارقة."
فيما تنظر حولها همست تحمل نبرًا مدهوشًا.
" ونحن أين الآن؟!"
رأت أمامها كوكب ضخم فقالت.
" ما هذا الشيء؟!"
جونغكوك أجابها.
" نحن أمام كوكب المريخ جلالتك"
وميريانا بدهشة قالت.
" ولِمَ نحن هنا؟!"
تبسّم جونغكوك قائلًا.
" جلالتك، هذا كوكب المريخ المؤثر على تكوين نجمكِ الخاص، نجم الحَمل"
نظرت حولها تقول.
" ولِمَ أنا هنا؟"
" أنتِ هنا لأن هذا أول نجم سيُقابلنا، سنمر على عدة تكوينات نجميّة أُخر، هذا النجم التكويني للأميرين سيهون وشيومين"
" وإذن؟"
" عليكِ أن تتعرضي لكل نجم تكويني للأُمراء، حتى تُساعدنا على تجميع قوتكِ لاحقًا"
صمتت تنظر في التكوين النجمي، النجوم عن قُرب مُهيبة ومخيفة، كوكيبات مشتعلة وحارّة، على عكس ما تظهر عليه على الأرض، جميلة ولطيفة.
قاداها جونغكوك وجاكسون إلى النجم التالي، ثم وضّح لها جونغكوك.
" هذا نجم الثور، نجم الأمراء بيكهيون، لوهان، وتاو"
أومأت برأسها تومئ ثم حرّكها بعد فينة للنجم التالي.
" هذا نجم الجوزاء، للأمير سوهو"
أومأت تقول.
" ما الذي سيحدث لو اقتربت منها؟"
جاكسون همس لها مازحًا.
" ستحترقين فقط!"
رمقت جاكسون على كتفها بأستياء فقام بنقر وجنتها بجناحه، حينها قالت.
" يبدو أنني سأنتف جناحك الغبي هذا"
ضحك ساخرًا من تهديدها قائلًا.
" ألستِ خائفة أن أتركك هنا واذهب؟"
وضعت إظفر إصبعها السبابة أسفل إبهامها حتى تكونت بينهما دائرة، ثم ضربت جاسكون فصاح يقول.
" أنا كائن صغير يا عديمة الرحمة! لا تضربيني"
قالت.
" حتى لو ذهبت ما زلت أملك جونغكوك"
جونغكوك راقص حاجبيه يغيظ صديقه المغتاظ بالفعل، ثم جونغكوك أشار للنجم التالي.
" هذا نجم العذراء للأمير تشين"
وجونغكوك الذي كان يوضح لها إبتسم بلطافة يقول.
" نتشاركه أنا والأمير"
صفّقت ميريانا بكفيها تقول.
" مبارك لك، ها أنا صفقتُ لك، هيا امضي!"
تحمحم جونغكوك بحرج وسار حتى أدرك النجم التالي.
" وهذا جلالتك نجم الميزان، نجم الأمير لاي، إن لاحظتِ فأن تيار هوائي بارد ينبعث منه، وتحيطه هالة زرقاء، هذا لأن الأمير هو سيد الطاقة الزرقاء"
جاكسون أضاف.
" يوم أخذتنا الطاقة الزرقاء لمنحنا هذه القُدرات، أتت بنا إلى نجم سمو الأمير لاي، وطلبت منه أن يأذن لها بمنحنا جزء من الطاقة الزرقاء، لنكون مواليكِ"
ميريانا عقدت حاجبيها تقول.
" لكنه لم يقل لي شيء!"
جونغكوك أجاب.
" أن الأمير لا يتحدث من تِلقاء نفسه ما لم يقم أحد بسؤاله"
همهمت مُتفهمة ثم سحبوها إلى النجم التالي.
" هذا نجم العقرب، هذا النجم يخص الأمير كريس"
لكن النجم التالي لم يكن مجرد تكوين نجوم بتشكيلة خاصّة كبقية النجوم وحسب، حرارة ساخنة كانت تنبعث منه، تُحيطه هالة حمراء نفّاثة وقاتمة، يشغل مساحة أوسع من بقية التكوينات النجميّة، ويتلئلئ باللون الأحمر بوهج قوي وشديد.
لم تكن ميريانا بحاجة لأن يخبرها أحد عن أي نجم هو هذا، لذا تحدثت من تلقاء نفسها.
" هذا نجم القوس، نجم الملك"
أومئ كلاهما مؤكدان فقالت.
" نعم جلالتك، هذا نجم القوس"
عقدت حاجبيها وتسآلت.
" هل يتوهج أكثر من البقية لأنه الملك؟!"
جاكسون أجابها.
" على عكس بقية النجوم، هو يتوهج باللون الأحمر لأنه سيدها، ولكن التوهج الشديد هذا السبب فيه أن الطاقة الحمراء تسود المملكة، وأثرها يظهر هنا"
جونغكوك أتبع.
" نجم الملك من الطبيعي أن يتوهج أكثر من بقية النجوم، لأنه الأقوى بينهم، لكن وهجه الطبيعي ليس باللون الأحمر، بل باللون الفضيّ كما بقية النجوم إلا أنه تحيطه هالة حمراء كما الهالة الزرقاء التي تخص الأمير لاي"
جاكسون اتبع.
" لكن انظري جلالتكِ إلى النجوم، النجوم عادة ما تكون شديدة الوهج، لذا لا يمكننا الإقتراب منها إلى هذا الحد"
تسآلت.
" وما الذي يعنيه هذا؟"
أجاب جونغكوك.
" أن طاقتهم مُقيّدة"
تنهدت تومئ، تعد وتتوعد.
" سأحررهم، مهما كلف الأمر سأقوم بتحريرهم"
وأخيرًا وقفوا أمام النجم الأخير، جونغكوك قال.
" لا تنتهي التكوينات النجميّة إلى هنا، لكن هذا آخر نجم يعنينا، نجم الجدي، نجم الأميران كاي ودي او"
أومأت ثم تنهدت تقول.
" والآن، ماذا سنفعل؟"
طارا جونغكوك وجاكسون بالهواء من حولها وعلّق إحداهما قائلًا.
" سنذهب للبلورات الخاصّة بالحُماة"
قالت تستنكر.
" تقصد أننا سنذهب إلى القصر؟!"
أومئ كلاهما أن نعم.
.................................
المملكة، مملكة الكوكب الضائع، التي يومًا منذ زمنٍ قريب كانت تتوهج بحضارتها الخاصّة، مملكة الحب والخير، المملكة التي لم تَعِش إلا بسلام، الآن تعيش الحرب لأول مرة منذ ان نشأت هذه الأرض المُقدّسة الطاهرة.
لكن الآن، الآن أفزع الملكة ما ترى، فلقد حلّ الخراب في بلادها ودمّر كل جمالها وبهائها، صوت ضرب النار في كل مكان، وصرخات شعب الأيري الأخيرة تُسمع من كل طرف، نساء وأطفال وشيوخ، ورجالها في ثكناتهم يقاتلون ببندقياتهم قِوى خارقة، يضحون بأنفسهم ويروون هذه الأرض من دمائهم الطاهرة.
في مشهد الحرب هذا، الحُماة غائبون، حُماة هذه الأرض مفقودون، وطالما هم مفقودين شعب الأيري سيقاوم المذلّة لِقاء دمائهم، تُسفك الدماء ولا تُستباح حُرماتهم وتُنتهك أعراضهم.
جونغكوك وجاكسون اللذان يحدّان الملكة عن يمينها وشمالها كمغوارين مِقدامين، مُسلّحين بالقنابل و القذائف، يحملون في جيوبهم وعلى ظهورهم أسلحة نارية، وعُدة من الأسلحة البيضاء.
كان من المُفزع أن يروا الخراب الذي حلّ بالبلاد في غيابهم الذي لم يطل سوى لأسابيع قليلة، خرجوا من مملكة مزدهرة، وعادوا إلى خراب، جونغكوك قال مذعورًا يستدرك.
" جلالتِك، شجرة الحياة!"
سُرعان ما أخذت تركض خلفهم وهما يركضان أمامها معًا حتى صعدوا معًا قِمة جبل، وإذ بها شجرة عظيمة الحجم أصبحت أغصان جافّة، جاكسون صاح مُغتاظًا.
" الملاعين قاموا بحرق الشجرة!"
ميريانا إلتفتت إلى الذي صاح فيما تعقد حاجبيها وقالت.
" وما الذي تعنيه هذه الشجرة لتكون بهذه الأهمية؟!"
تنهد جونغكوك مُبتأسًا يجيبها.
" جلالتك، خلود الحُماة يتعلق بها، بموتها يموتون"
صاحت بإستنكار.
" ماذا؟ خلود؟ أيعني أنهم خالدون والآن سيموتوا؟!"
جاكسون اومئ لها فيما يزفر بغضب وقال.
" جلالتك، أعمار الحُماة تُقدر بثلاثمائة عام، بعضهم وصل الثلاثمائة وبعضهم ليس بعد، وهذه الشجرة هي من تحفظ شبابهم وتحفظ حياتهم، بموتها يكبروا ويهرموا ثم يموتوا كما البشر"
نظرت ميريانا إلى الشجرة واقتربت منها تقول فيما تتفحصها بيديها وعينيها.
" أن الذي حرقها هو المستنسخ تشانيول بالتأكيد، يمكنني أن اعرف ذلك من لِحاء الشجرة، انظروا إليها، الحروق سطحيّة، تحتاج عناية خاصة، وستتمكن من النجاة"
نظر كلاهما إليها وقال جاكسون.
" وكيف ذلك سيدتي؟"
قالت.
" تملكون سكاكين؟"
تفحص الإثنان عِدتهم ثم أومئوا فقالت.
" ظفّروها وقشروها من حروقها، ثم اسقوها الماء، وحين يأتي الأمير لاي سأطلب منه معالجتها، الآن هذه هي مهمتكم وأنا سأذهب"
تمسك بمرفقها جونغكوك وبقلق قال.
" لا مولاتي، أنهم يستولون على القصر بكل تأكيد، حمايتكِ أولوية بالنسبة لنا، لولاكِ لما أصبحت هذه المملكة موطنًا لنا أيضًا"
أشارت إلى الشجرة وقالت بنبرة حازمة.
" حياة الشجرة وحمايتها أهم مني الآن، ولا تقلقوا علي، بصُحبتي الطاقة الزرقاء ستدخل جسدي حتى أحتوي قِوايّ"
إقترب جاكسون رافضًا، لكنها رفعت يدها كي لا يناقشها في الأمر أكثر وقالت.
" تعلمون أن حماية حياة الحُماة أهم من حياتي أنا، لا تفكروا بعلاقتنا الشخصيّة الآن، الآن أنا لستُ صديقتكم، أنا الملكة وعليكم إتباع أوامري فقط"
أومئ كلاهما لكنها قبل أن تغادر، لاحظت وجود مسلّتين حجريتين صغيرتين قُرب الشجرة فأقتربت منهما وانحنت.
" ما هذا؟!"
جونغكوك شرح.
" تلك مسلّتين حجريّة، منحوتة عليها رموز الحُماة، حُماة الطبيعة على مسلّة، وحماة الحياة على مسلّة أخرى"
تحسستها وإذ بدماء تغطي بعض من الرموز، ستة من الرموز دامية، وستة أخرى مُظلمة، أومأت تتنهد، الآن تفهم أن الرموز الدامية تعود للحماة الذي إستطاعوا نسخ الDNA الخاص بهم.
" يقومون بتشريب الرموز دماءً بمعنى أنهم يعلنوا الحرب عليهم، وأما المظلمة فهم يطلبون منهم الإنضمام إليهم كمواليين"
هزأت ميريانا تبتسم.
" ما هذا الهراء؟! أحقًا يعتقدون أن الحُماة الستة الآخرون سيتركوا إخوانهم ويتضامنوا مع الأعداء؟!"
جونغكوك أومئ فضحكت ميريانا بسُخرية وقالت.
" هذا بأحلامهم فقط"
جاكسون وضّح.
" مولاتي، هم ربما يسحرون الحُماة الآخرين ليتضامنوا معهم، الطاقة الحمراء تقدر أن تلعب في عقولهم وتجعلهم ينظمون إلينا"
تنهدت ميريانا، إذ أن هذه المزحة السخيفة تحولت إلى واقع مرير، وقفت تتنهد ثم قالت.
" إذن سنقوم بتحرير الحُماة الذي أعلنوا عليهم الحرب فقط، البقية سنتركهم على الأرض حتى تنتهي هذه الحرب"
إنحنى الرجلين لها وهي هبطت الجبل، الطاقة الزرقاء كانت تطفو من حولها، وسألتها.
" خائفة من أن يسحروا الحُماة؟!"
أومأت ميريانا برأسها وتنهدت مُستاءة من كل ما يحدث.
" نعم خائفة، لستُ بقدر خوض معركة ضد الأُمراء لإخضاعهم، أنا أريد أن أحافظ عليهم، لا أنا أحاربهم"
الطاقة الزرقاء قالت.
" لن تقدر على سحرهم، سأدخل في أجسادهم، وسأحميهم من سحرها، لذا لا تخافي"
" إذن أيمكنني أن أعتمد عليكِ وأقوم بتحريرهم حينما أجدهم؟"
الطاقة الزرقاء أومأت لها تقول.
" بالطبع، اعتمدي علي"
وذلك ما بعث في نفس ميريانا الإرتياح وجعلها تملك العزم فعلًا لخوض المعركة حتى نهايتها، فخسارة أي أمير من الأمراء هي خسارة كبيرة لا يمكن تعويضها.
وفيما تقترب ميريانا من أسوار القصر قالت الطاقة لها.
" والآن دعيني ادخل جسدك، أمنحكِ القوة والحماية"
أومأت ميريانا تأذن لها، دخلت الطاقة جسدها جعلتها تنتفض في مكانها وتشهق بعُمق، وحينما فتحت عيناها تحولت حدقتيها إلى اللون الأزرق، شحبت بشرتها، وأسودّ شعرها.
تستطيع أن ترى جنود مستنسخين عن جنود المملكة يحيطوا أسوار القصر، التسلل لم يكن سهل، لكنها فعلت.
صعدت أسوار القصر وارتمت داخله، حينما وقعت إلى الداخل رآها إحدى الحرس فهرع لقتلها، لكنها كانت أسرع منه حينما صعدت كتفيه ولوت رقبته بين قدميها، فوقع برقبة مكسورة أرضًا.
سحبت جثّته إلى خلف إحدى الأشجار وتابعت تسللها إلى الداخل، كانت حذرة جدًا فيما تدخل، مُلثّمة وثيابها قاتمة، لا يمكن تمييزها في عتمة الليل.
أتى الصوت من داخلها، فعلمت أن الطاقة الزرقاء ترشدها.
" اذهبي إلى قبو القصر، المكان الذي كان يعالجوا الملك تشانيول فيه من الطاقة الحمراء"
سارت ميريانا إلى حيث دلّتها الطاقة، ودخلت تلك الحُجرة التي دخلتها منذ زمن بعيد لإنقاذ تشانيول من إخوانه الحُماة.
رأت البلورات اللواتي تخص الحُماة مُثبتات على الجدار، ومن السقف تتدلى بلورة كبيرة الحجم، تلك التي تتساوى فيها منسوبي الطاقة الزرقاء والحمراء، هي الآن حمراء بالكامل وذلك لأن طاقة الشر تسود البلاد.
إقتربت من البلّورات تتبع الصوت بداخلها، تنظر إلى هذه البلورات ولا تفعل شيء، فلو مسّتها ستضربها القوة الماكنة فيها.
لذا فقط وقفت تنظر إليها وتلك البلورات الإثنتا عشرة أخذت تتوهج، فهي قد تعرّفت على الملكة التي زارت مكانهم الكوني سابقًا بين النجوم.
تلألأت البلورات جميعها، ثم انبثق من كل واحدة ضوء خاص بها على حسب لونها.
بلورة النار حمراء
بلورة الماء زرقاء قاتمة
بلورة البرق ذهبيّة
بلورة الجليد زرقاء سماويّة
بلورة الأرض بنفسجيّة
بلورة الرياح خضراء
بلورة التنقل رماديّة
بلورة الضوء بيضاء
بلورة الشفاء باهتة زرقاء
بلورة التحكم الذهني صفراء
بلورة التنين ذهبيّة ذات لمعة
وبلورة التحكم بالزمن بُنيّة
جميع الأضواء التي صدرت معها إتحدت معًا، وامتزج فيها اللون الأزرق الخاص بالطاقة الزرقاء والضوء الأحمر الخاص بالطاقة الحمراء، حتى جميعها إمتزجت وتجانست معًا، ثم فجأة إنشق السقف وخرجت منه بلورة صافيّة لم تحمل قوّة بعد.
هبطت حتى أدركت كرة الوهج التي تكونت من البلورات ودخل الوهج بها، ثم هذه البلورة سقطت بيد ميريانا التي تمسكت بها سريعًا، حينها ميريانا سمعت صوتًا يأتي من داخلها.
" جلالة الملكة، هذه بلورتك تمتزج فيها قِواك. لكِ شطر من قوة كل فرد من الحُماة، فيمكنكِ التحكم بكل القوى التي يتحكمون بها بشكل جزئي، تتحكمين بستين بالمائة منيّ وأربعين بالمائة من الطاقة الحمراء."
خرجت الطاقة من جسدها، لكنها كانت تشعر بقوة غير طبيعية في جسدها حينها قالت الطاقة.
" الآن، الملكة جاهزة لخوض المعركة الأخيرة"
...........................
سلاااااااام
التفاعل معدوم على الروايات الثلاثة، يخي لو افترضت أنو القراء قلال، توصل المشاهدات بالمئات والفوتز كثيرة بالمقابل 17 تعليق.
خمس آلاف كلمة الفصل، على الأقل فرجوني انكم مهتمين، قدروا تعبي.
إذا ما اتحققت الشروط الفصل ما بينزل، بكتبه وبضل بالمسودة ليصير في قراء أنزللهم.
الفصل القادم بعد 150 فوت و 200 كومنت.
1.رأيكم بميريانا؟
2.ما هي ملامح الحرب التالية؟
3.رأيكم بجونغكوك وجاكسون؟
4.الطريقة التي حبست بها الطاقة الزرقاء الحماة؟
5.هل ستنجح ميريانا بتحرير الحماة؟
6. رأيكم بالأميرات؟ صمودهن وشجاعتهن؟
7.رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
كُنَّ الأميرات بفساتينهنّ القصيرة يركضنّ خارج حدود القصر المُزيف، ذلك القصر الذي هو نُسخة طِبق الأصل عن قصر المملكة المُبجَّل، لكنه مزيف كمن صمموه.
في الغابات المجاورة للقصر، لم يكن يُسمع صوت في هذه الغابات إلا صوت حفيف الشجر المُهيب، ودهس العُشب أسفل أقدامهنّ.
" أين نذهب؟!"
توقفت آيلا تنحني على ركبتيها فيما تلتقط أنفاسها تتسآل، فهنّ يركضنّ منذ وقت بلا وِجهة، المملكة كُلها بخطر وفي قيد الأسر والإحتلال، لا يوجد مكان آمن بالنسبة لهنّ.
ليليانا أقامت ظهرها تتنفس بصعوبة والعرق يتصبب من ناصيتها، وقالت لاهثة مُتعبة.
" أظن أنه علينا أن نتدبر أمرنا كيفما كان، لا نملك مكانًا لنهرب إليه على آية حال، ولكن علينا أن ننجو مهما كانت هذه المهمة صعبة"
تراخت دفعات بعض الأميرات، وأُخريات تذمّرن وأصابهنّ الخوف، فرائحة الشر والموت تفوح من كل مكان، وهُن لسنّ إستثناء.
وفي لحظات ضياع الأميرة فكتوريا قالت.
" سيهون كان يُحب أن يصطاد الحيوانات في الغابة هنا، وكان يأخذني معه في معظم الأحيان، لذا أعرف بعض الكهوف في المنطقة، علينا أن ننجو حتى لو مكثنا في كهف، علينا أن نصمد "
" اوووه! فكتوريا المُدللة تتكلم أخيرًا!"
شعرت فكتوريا بالخجل إثر الهِتاف المُفاجئ الذي نالته من الأميرات؛ فأطرقت رأسها بإحراج تبتسم، أتت قُربها ماريا لتُربت على كتفها وقالت.
" بالتأكيد دلال سيهون لم يكن عن عبث، ها هو يأتي بفائدة"
ذهبنَّ الأميرات إلى حيث دلّتهنّ الأميرة فكتوريا، وإذ به إحدى الكهوف العميقة في منتصف الغابة، بمدخل سريّ تحفّه الأشجار العظيمة وأوراقها، الغريب أنه مُجهّز لإستقبال ضيوف، به سرير واسع وآرائك تنتشر هنا وهناك، سلّات من القش وقوارير فُخاريّة كبيرة.
فسّرت فكتوريا فيما الأميرات يجلنّ بالمكان بدهشة.
" سيهون يُحب الهواء الطلق، لذا كُنا نقضي بعض الليالي هنا"
لكن آماندا ملكة البرق عدّلت.
" تعديل، بعض الليالي الساخنة"
لكزتها فكتوريا بمرققها وتذمرت بخجل، ثم ما قالته أضحك الجميع.
" أنتِ! تحدثي عن نفسك، لقد كنتِ تتوددي للأمير تشين على الأرض"
حرّكت كتفيها بلامبالاة وعلّقت.
" وما ذنبي إن كان حُلو كشهد العسل ولا يُقاوم؟!"
ما كنّ ليتقدمنّ بطريق شائك نحو النجاة لولا أنهن يعلمن أنه عليهنّ تخفيف عِبء المُصيبة على بعضهن البعض، لذا كان الضحك والمزاح في مثل هذه الظروف المحفوفة بالخطر مخففًا للمخاوف ومسكنًا لها.
جلست آيلا على الأريكة كما بقية الأميرات توزعنّ، ثم تحدثت.
" الآن وجدنا مكانًا ننام فيه؛ لكن علينا أن نوفر لأنفسنا الطعام والماء، وعلينا أن لا ننام جميعًا معًا، على عدد منا أن يبقى مُستيقظًا ليحرس البقيّة"
وافقتها الأميرات فاتبعت.
" علينا أن ننقسم إلى ثلاثة أقسام، قسم سينام، قسم سيحرس المكان، وقسم سيخرج ليبحث عن الطعام"
تطوعت فكتوريا أولًا تقول.
" أنا سأذهب للبحث عن الطعام، أعرف أماكن الأشجار المُثمرة، واعرف مكان سيل الماء الذي صممه الأمير سوهو لأجل سيهون"
وعلى هذا الحال تقاسمن إلى ثلاثة أقسام، أضعف الأميرات خلدنّ إلى النوم، أشجع الأميرات بغض النظر عن فكتوريا خرجنّ للبحث عن الطعام، وأربع باقيات بقينّ للحراسة على بوابة الكهف.
كُنَّ فكتوريا، آيلا، ماريا، وليليانا خرجنّ للبحث عن الطعام.
التِلال كانت عالية والجبال شاهقة، الأشجار لها حفيف مزعج والرياح قويّة، حياة الغاب كانت هادئة، فلا حيوانات مُفترسة موجودة بالجوار، فقط الحيوانات الأليفة، كالماعز والغِزلان وغيرها.
تحدثت فكتوريا بينما تتقدم الأميرات وتُشير إلى الشِجار.
" هنا تنمو الكثير من أنواع الخضار والفاكهة، لقد ساعد الأمير دي او بتنويع الثِمار هنا بتنويع نوع التُربة، وسيهون تحكم بمناخ بعض المناطق"
إقتطفن الثِمار وحملنّ بسلّات القش ما استطعن على حمله، ثم عُدنّ بحذر.
وصلنّ إلى الكهف واجتمعنّ حول الثمار مع الأميرات اللواتي بقينَّ للحراسة.
" لقد أتينّ بحبات جوز الهند لنكتفي بماءها الآن وغدًا سنجلب الماء بتلك القوارير"
قالت ذلك ماريا، وهنّ وافقنّ، حياة البراري صعبة، كالعودة بالزمن إلى عصر الإنسان الأول، لكن طالما هنّ سيتمسكنّ بالنجاة سيفعلنّ أي شيء بالمُقابل، البحث عن الطعام والماء، والبقاء آمنات في هذا الكهف، هو كل ما يحتجنه للنجاة حاليًا.
في الصباح؛ خلدنّ إلى النوم، وثلاثة من الأميرات تولينّ حراسة أبواب الكهف وهَلُمَّ جر.
لن يقدرنّ على تقدير الوقت المناسب للخروج، فما كانوا المستنسخين سيصلوا قعر القصر لولا أنهم عاثوا فسادًا بشتى أنحاء المملكة، الشعب الآن مُحتَلّ، والجيش مُشتت بلا قيادة رئيسة، والقصر تحت السيطرة.
فلا ضمانة لهنّ إن خرجنّ أن يبقينّ على قيد الحياة، أو لا يعدنّ للأسر.
تحسست الأميرة ماريا تلك الألماسة في عُنقها، لطالما أصرّ عليها زوجها الأمير سوهو ألا تخلعها من عُنقها مهما حدث.
كانت أول الأميرات وصولًا للكوكب، ظنّت أنها هدية مميزة لها من الأمير، لكنها تفاجئت حينما وجدتها بعُنق كل أميرة تأتي لاحقًا.
الآن تفهم ما الحاجة إليها، هذه الألماسات هي التي حمتهنّ من المستنسخين، لكنها لا تعرف مدى قوة هذه الألماسات؛ لذا لن تخاطر بإختبارها على حساب روحها وأرواح الأميرات الباقيات.
" فتيات"
جلبت إنتباه الأميرات جميعًا بندائها، حينها قالت.
" هذه الألمسات هي التي حمتنا من المستنسخين، أياكنّ وخلعها"
فكتوريا تسآلت.
" إذن هي من حمتنّا من الإعتداء الجسدي؟"
ماريا أومأت لكن آيلا تنهدت تنفي برأسها قائلة.
" لا أظن ذلك، لقد كانت في عُنقي حينما خطفوني أول مرة"
" خطفوكِ؟!"
حينها كان على آيلا أن تخبرهنّ بما حدث معها سابقًا، وكل ما تعرفه عن هؤلاء المستنسخين، ما استطاعت أن تكبح رغبتها في البكاء بينما تبوح بهمها لهنّ.
ما زالت لا تستطيع أن تصدق أن الذي تزوجها ليس الأمير، بل رجل آخر، سرق مكان الأمير وسرقها هي أيضًا.
في قعر الليل؛ كانت آيلا مستيقظة لأجل الحراسة مع ماريا وليليانا، تجلس على قارعة مدخل الكهف، تتكئ على جداره الصخري وترفع قدميها إلى صدرها فيما تُسهب النظر نحو السماء.
لقد بكت كثيرًا فيما تقصّ عليهنّ ما حدث معها منذ الزفاف، والخُدعة العظيمة التي تعرّضت لها على يد المُستنسخ بيكهيون.
ماريا وليليانا قررنَّ مواساتها بعد أن خلدنّ بقية الأميرات للنوم، لقد نالت مواساة عامة وتشجيع عام من جميع الأميرات، لكن على ماريا وليليانا أن يفهمنّها بعُمق ويحتوينّ ألمها المُفجِع.
فالذي مرّت به آيلا هو أقسى قِصص الأميرات، لم تمر إحداهنّ بمثل هذه الأحداث المؤسفة مهما بلغت صعوبة تكيّفهنّ على هذه المملكة الجديدة بالنسبة لهنّ.
إلتفتت آيلا إلى جنبيها حينما جلستا الأميرتان بجوارها عن اليمين وعن الشِمال، ليليانا إحتوت كتفي آيلا بذراعها وبإبتسامة رقيقة حدّثتها.
" لم نكن نتوقعكِ قويّة إلى هذا الحد سموّ الأميرة آيلا، ظنناكِ لن تتقبلي الأمير يومًا لأنكِ لا تُحبّينه، لكنكِ كنتِ تمرين بمُصبية ونحن لا ندري، آسفات لأننا لم نكن معكِ في تلك المِحنة"
تبسّمت آيلا وربتت على يد الأميرة تقول.
" لا بأس، الآن كل شيء مضى"
ماريا قالت تتمسك بيد آيلا في حِجرها.
" لكنكِ شُجاعة، لم أكن أتوقع أنكِ تملكين قلب قويّ كهذا، لولاكِ لما خرجنا من الأسرّ، ولولاكِ لما استطعنا الثبات إلى هنا.
حقيقة أنكِ لم تنهاري حينما علمتِ بالحقيقة تجعلك أميرة بحق، وتستحقين لقب الأميرة وملكة الضوء، بل عودكِ اللين إشتد بفعل المصيبة هذه!
أنا واثقة بأن الأمير بيكهيون سيكون فخور بكِ"
لم تشعر آيلا إلا وبدموعها تسقط دون أن تحس، مسحتها سريعًا وابتسمت.
" رغم ذلك، لا أجدني قادرة أن أتوافق مع بيكهيون أو أسامحه"
تبادلنّ ماريا وليليانا نظرات مُستنكرة فقالت إحداهنّ.
" لماذا؟!"
آيلا قالت بعدما تنهدت.
" لو كان يُعاملني بطريقة حسنة، لشعرتُ بالغرابة حينما فقدتُه وحلّ محله رجلًا آخر، الأمير كان أفضل منه بقليل، لكنه لم يكن رؤوفًا ولا لطيفًا معي، لذا لم أشك ولو قليلًا أن الذي عاملني بلؤم كان رجلًا غيره."
ليليانا مسحت على ظهرها تقول.
" الأمير بيكهيون لم يكن ناضجًا حينما آتى بكِ عن الأرض، لقد كان يظن أنه بفرض رجولته عليكِ ستُحبّينه، لكنه وعى ونضج فجأة بعدما عاد من الأسر، وإلا لما كان أَسرّ عليكِ الأمر، وتعامل معكِ بطرقة ألطف وألين، لما كان متفهمًا لولا أنه نضج، لأنه يعلم أن ما حدث معكِ هو ذنبه جزئيًا"
أومأت آيلا، تتفهم ذلك الآن، وتشفق على نفسها وعلى الأمير أيضًا، ثم ماريا قالت.
" سموّكِ سامحيه لكي تنسي مرارة هذه التجربة القاسية، وأمنحيه فرصة أخرى على مقدرتك، لن ترتاحي لو ما تجاوزتِ الأمر."
آيلا أومأت ثم تنهدت، مسامحته ومنحه فرصة أمرًا ليس بمستحيل عليها، لكنها ما زالت منه غاضبة، ولا تقدر على منحه العفو بسهولة ويُسر، فلتكن هذه الفترة فترة نقاهة وإستراحة من أوجاعها من ناحيته.
ربما الغياب يجعلها تحنّ عليه وتفكر فيه، ربما غيابه يجعلها تشتاق له، ربما في غيابه تسامحه.
لا أفضل من الوقت لحل الأزمات، الوقت هو الكفيل بالمسح على قلبها، وتهدئة روحها والتطبيب على جروحها.
.......................
الصراع مع البشر على الأرض لا يبدو أنه سينتهي بهذه السهولة، فلقد بعث المُختَبر بفِرق إستطلاع من الجيش وحرس المُختبر؛ للبحث عن الحُماة في شتّى البِقاع.
طمع البشر لا ينتهي، وإصرارهم لإستعادة أرض المعركة ليغتنموا الأُمراء لا يبدو هيّنًا، وذلك ما وتَّرَ جلالة الملكة ورَجُلي المُهمات الخاصين بها، جاكسون وجونغكوك.
كانوا الثلاثة يجلسون حول نار تعاون الشابين على إشعالها في منتصف غابة حُرجيّة يهجرها الناس.
أما الحُماة فهم داخل الشاحنة نائمين حتى الملك، إذ إنهم على طبيعتهم البشريّة الآن، وعليهم أن يصطادوا ليحفزوا قِواهم، ويستعيدوا قُدراتهم الخارقة، وهم الآن لا يقدرون منذ أنهم لا يملكون أي طاقة للإبتعاث على هيئة الذئاب المستدببة والصيد، لذا كان عليهم أن يناموا لعل النوم شحنهم بطاقة تقدّرهم على التحول لهيئة الذئاب.
فيما يحمل جونغكوك غُصن يابس ويعبث بالتُراب أسفل قدميه، قال بعدما زفر مُبتأسًا.
" لقد عرفت من هو المسؤول عن عملية دراسة الأمراء والتنقيب عنهم"
ميريانا تسآلت منذ أن ملامحه لا تُبشّر بالخير كثيرًا.
" أهو شخصٌ نعرفه؟"
جونغكوك أومئ فيما يستحوذ على إهتمام جاكسون وميريانا ثم قال.
" إنه تشوي سونغ هيون"
ميريانا إستنكرت.
" أتقصد المدير التنفيذي للشركة التي كُنا نعمل لصالحها؟"
أومئ، فوقفت مُستنفرة تقول.
" كيف ذلك؟ من أين يعرف؟"
حرّك كتفيه بجهل وتنهد.
" لا أدري، فقط أعرف أنه المسؤول"
جاكسون قال.
" هل أنت متأكد مما تقول؟!"
جونغكوك أومئ مؤكدًا.
" لا مجال للخطأ في هذا، مُتأكد مائة بالمائة"
وضعت ميريانا صِدغيها بين راحتيها، ونبست بلا تصديق.
" يا إلهي! كيف يعلم؟!"
ربّت جاكسون على كتفها، لعله يبعث في نفسها الراحة وقال.
" مير، ليس عليكِ أن تقلقي به الآن، ما عاد الأمر مهمًا، علينا فقط أن نعود إلى المملكة وبأسرع وقت."
جونغكوك أومئ مؤيدًا وقال.
" أنا أوافق، علينا أن نعود إلى المملكة قبل أن يتفشى خبر غياب الأمراء بين الناس، وتقوم الطاقة الحمراء بمهاجمة القصر والمملكة"
تنهدت ميريانا تومئ، ثم نهضت على قدميها وقالت.
" نعم، علينا أن نُساعد الحُماة، ليشحنوا طاقاتهم ونعود بهم إلى المملكة"
إلتفّت حول الشاحنة لتفتح بابها وتتفقدهم بالداخل، لكن المُفاجئة أن الشاحنة فارغة، صاحت.
" تشانيول!"
هرع جونغكوك وجاكسون على صوت صرخة الملكة.
" ميريانا، ماذا حدث؟!"
نظروا في قعر الشاحنة حيث كانوا الأمراء والملك يأخذون إستراحة، لكن لا شيء، لا أحد، ولا بقي خلفهم أثر.
كانت ميريانا تقف وتتمسك بناصيتها بيد، والأخرى تسندها على خصرها فيما ترتجف، كل أطرافها ترتجف وفجأة شعرت بالحر وأنفاسها ضاقت، ثم تمتمت.
" أيمكن أن فِرق تقصّي المُختبر أمسكوا بهم ونحن غافون؟!"
نفى جاكسون برأسه يقول.
" لا أظن ذلك، لأخذونا بالأسر نحن أيضًا"
مَلأ الدمع جفونها واهتز صوتها تقول.
" لم يتحولوا إلى شاكلة الذئاب، فلا ثياب لهم هنا ليرتدوها لاحقًا ولا حتى بقايا ثياب لو افترضنا أنهم تحولوا ومزّقوها.
كما أنهم محظورين عن استخدام قِواهم على الأرض، يستحيل أن يخاطروا بكشف أنفسهم بطريقة عبثيّة، الوكالة ستكشف مكانهم لو فعلوا.
أنا خائفة جدًا!"
آتى جونغكوك إليها وتمسّك بكتفيها، فهو يراها على وشك الإنهيار، لا تقدر حتى على الوقوف بإستقامة، والوضع لا يتحمل أن تنهار هي، فبإنهيارها سينهار الجميع.
" عزيزتي، لا تخافي على زوجك وإخوانه، أنا متأكد أنهم سيكونون بخير، تعلمين أنه لا يمكن قتلهم بأدوات البشر بسهولة أبدًا، نحن علينا الآن فقط أن نُثبّت أقدامنا، ونُباشر بالبحث عنهم فورًا، حسنًا؟!"
أومأت برأسها عدة مرات رغم أنها أخذت تبكي بمرارة، تبكي بقلب محروق، فالخوف والقلق كجلادين لا يعرفا الرحمة، يعذّبانها بلا هوادة.
ضمّها جونغكوك إلى صدره ، وهي إختبأت في كُنف صديقها من مخاوفها، تشبّثت بقميصه واسترسلت بالبكاء.
لا يعقل أن يتأذى تشانيول، أو أي أمير من الأمراء الآخرين، هي لن تتحمل أم تراهم مُتأذيين، لا يمكن لكل جهودها في إعادتهم مجددًا أن تضيع هباءً هكذا، تخشى عليهم من شر البشر، وحيلهم الغدّارة، ونفوسهم الطمّاعة.
إجتذبها جونغكوك برِفق معه إلى الشاحنة وجعلها تصعد، ثم صعد بجانبها وتولّى جاكسون القيادة، حينها جاكسون تمسّك بيدها وقال.
" عودي إلى المنزل، ونالي قِسطًا من الراحة بينما نحن نستطلع عن أماكنهم"
نفت برأسها ترفض قائلة.
" فقط خذوني معكم، لا يمكنني أن أرتاح وهم في خطر"
مسح جونغكوك برفق على شعرها وبإبتسامة ضئيلة قال.
" للأسف لا يمكنكِ أن تتحولي إلى جنّية صغيرة بحجم باعوضة، لذا ابقي بالمنزل وأعدك أننا سنأتي بأخبار عنهم الليلة"
تنهدت تومئ، ما دامت لا تستطيع تقديم المساعدة لن تكون عائق في طريقهم لإيجاد زوجها وإخوانه.
غادر جاكسون وجونغكوك بعدما أمّنوا عليها في شِقتها، ترامت على أريكتها بلا حيل، وببؤس شديد أخذت تتخيل أبشع السيناريوهات لما قد يكون حدث مع الحُماة.
نفثت أنفاسها وأغمضت عيناها تضع معصمها فوق جبهتها، لكن النوم لن يزرها، ولن ترتاح حتى تجدهم، أو على الأقل تعلم أنهم بخير.
همست.
" هل تشانيول بخير يا تُرى؟"
فتحت عيناها وشهقت بقوة، لأن المرأة الشفافة تجلس على الأريكة المجاورة، قعدت ميريانا فيما تمسح على قلبها وقالت.
" الحُماة إختفوا، أيمكنكِ إيجادهم؟"
بان البؤس في وجه المرأة، تنهدت ثم قالت متأسفة.
" للأسف الشديد؛ الطاقة الحمراء علمت بشأن ما حدث على الأرض من خلال سيطرتها على الملك تشانيول، وأغلب الظن أنها خطفتهم وحبستهم في مكانٍ ما هنا على الأرض"
أخذت ميريانا تدعك صدغيها، فقد داهمها صداع قوي فيما تتمتم.
" اللعنة!"
ثم نهضت بكل عصبيتها، وركلت الطاولة الزجاجية أمامها؛ لتتحول إلى رُكام تصرخ.
" اللعنة عليها تلك العاهرة! لو أنها كيان حيّ سأقتلها!"
وقفت المرأة الشفّافة واقتربت من ميريانا تقول.
" اضبطي غضبك مولاتي، علينا أن نخرجهم من حيث حبستهم الآن، الوضع على الكوكب ليس جيدًا أيضًا"
إلتفتت ميريانا إليها تعقد حاجبيها وقالت.
" ما الذي يعنيه هذا الكلام؟ ما الذي حدث هناك؟!"
بأسف تحدثت الطاقة الزرقاء.
" قامت الطاقة الحمراء بجيش من المستنسخين بمُهاجمة القصر، أخضعوه تحت سيطرتهم، الأميرات في الأسر، والمملكة مُحتلّة"
" يا إلهي! ما كل هذه المصائب التي تتساقط فوق رؤوسنا مرة واحدة!"
تقدمت من المرأة الشفافة وتمسّكت بكتفيها بإنفعال تقول.
" وأنا ماذا يتوجب علي أن افعل الآن؟!"
المرأة أجابتها.
" لا يمكن لأحد سوى الحُماة أن ينقذوا المملكة من شر الأعداء"
ميريانا إعترضت مستنكرة فيما ترمق الطاقة الزرقاء بجفون متّسِعة.
" لكنهم محبوسين، أنترك المملكة على هذا الحال إذن ولا نفعل شيء؟!"
المرأة تابعت كلامها تقول.
" أنتِ وحدكِ من يمكنها إنقاذ الحُماة"
أشارت ميريانا إلى نفسها مُستنكرة وقالت.
" أنا؟ كيف؟"
أومأت المرأة، وجذبتها برفق معها حتى أجلستها على الأريكة الطويلة، وجلست هي بجوارها فيما تتمسك بكفيها وتُحدثها برفق وهدوء.
" الملكة ليست لقبًا فقط جلالتك، أنتِ لكِ ميزات لا يمكن لأحد إدراكها، أنتِ أقوى مما ظننتِ، وتملكين قدرات أكثر مما تعرفي"
تنهدت ميريانا ثم أومأت تقول.
" ماذا بإستطاعتي أن أفعل إذن؟!"
رمقتها المرأة تعزم على شيء، الثبات العزم والإصرار يلمع في عينيها الزجاجيتين.
" ستجمعي قواكِ أولًا، ثم سنُحرر أسر الحُماة جميعنا معًا، وأنتِ عليكِ أن تقودينا حينها، لكن قبل ذلك عليكِ أن تكوني كفؤ لتفعلي"
ميريانا بلا تصديق إستنكرت.
" قوايّ؟ أنا؟ لي قوّة خارقة؟ أقودكم؟"
أومأت المرأة فيما تربت على كفها وقالت.
" نعم جلالتك، وحدكِ من ألوانها لا تبهت، وطاقة النار في جسدها لا تنضب، ووحدكِ من تقدر أن تُساعد الحُماة في معارك القوى الخارقة"
بإستنكار همست.
" طاقة النار في جسدي لا تنضب؟"
أومأت المرأة تبتسم فقالت.
" أهذا يعني أنني لن أحترق ذاتيًا حينما يتوافق نجم القوس؟"
أومأت المرأة مجددًا وقالت.
" لقد مرّ موعد توافق نجم القوس، لو أنكِ أميرة عادية لكنتِ ميتة الآن"
ولم تنتهي أسئلة ميريانا إلى هذا الحد.
" وتشانيول يعلم؟"
المرأة نفت تقول.
" لا جلالتك، لقد إكتشفنا ذلك بعدما إختطفه المُختبر"
بقي عدة أسئلة في جُعبتها، أيعني هذا أنه في كل مرة يقترب منها ستمنحه جزء من الطاقة؟
أهذا يعني أنه لن يرتبط بها باسم الحب بل لأجل طاقته؟
هل سيتسغل هذه الحُجة للأبد؟
لكنهت لم تكن جريئة كفاية لتسأل الطاقة الزرقاء شيء، ستحتفظ بفضولها نحو الإجابات، والوقت سيعلمها الإجابات.
وفي نهاية الحديث؛ تعاملت مع الأمر برمته كملكة وقالت.
" حسنًا، وماذا علي أن أفعل الآن؟!"
............................
في دولة المغرب؛ هناك حيث تحتوي تلك الأراضي الشرق أوسطيّة مساحات واسعة لا يشغرها بشر ولا يشغلونها، مهجورة ومعزولة عنهم فحسب.
في إحدى صحاري المغرب الفسيحة والمهجورة، تكون الحرارة نهارًا مرتفعة جدًا، وليلًا منخفضة جدًا، أراضٍ قاحلة تخلّت عنها الحكومة، فلا حركة تطوير تصلها.
ومنذ أنها بلاد لا علاقات وطيدة لها مع الوكالة الأمريكية ناسا، كما أن سُكان المناطق الريفيّة القريبة من تلك الصحاري بُسطاء الشخصيّة، أناسٌ لطيفون، لا يحركهم الفضول إلى الهاوية، وهمهم هي لقمة عيشهم وكرامة معيشتهم، لذا لن يلحظوا فرقًا في صحاريهم إن طرأت عليها بعض التغيرات، وعلى هذا الأساس؛ قررت الطاقة الحمراء أن تتخذ هذا المكان بقُعة لها.
إذ قادت الأُمراء إلى هناك عبر سحابة حمراء دون أن يشعروا بشيء، فلقد كانوا غافين مُتعبين من معركتهم الأخيرة، إنها سحابة لا تُرى في عدسة الكاميرا، ولا في العين البشريّة الطبيعية، لذا كان نقلهم من مكان إلى آخر، مهما بعدت المسافة، مُهمة ليست بصعبة.
وضعتهم في تلك الصحراء المغربيّة الفسيحة، زيّفت لهم مكانًا يألفونه فيها، إذ ظنّوا أنهم في مكان حَضريّ إلا أنه مكانهم الخاص هُم.
مسحت من عقولهم المملكة وكل ما يتعلق بها، قِواهم، وقدراتهم، وإخوتهم، وحتى مناصبهم وشخصياتهم السابقة.
إلى هذا الحد من الشر هي عبثت في عقولهم، فأصبحت ذِهانهم كورق أبيض، ينتظر أن يُرسَم عليه من جديد، وهي قررت ماذا سترسم بالفعل، الفِتن، الإغراء، ملذّات الحياة، وحياة السِباق المجنونة.
كان كل هذا ضِمن خُطّة مُحكمة التدبير وضعتها بعون مستنسخينها؛ لتقدر على وضع أصحاب المُلك خلف قُضبان لا يرونها..
داخل هذا المُكعب الأحمر أصبحوا دون أن يفكروا يومًا بالخروج، كي لا يستطيعوا الخروج أبدًا ولا يظنّوا إطلاقًا أنهم ها هنا محبوسين، وأن حياة الرفاهية التي تحفّهم ما هي إلا قِناع مزيف لسجن إبتكرته سجّانة خبيثة.
مُكعب أحمر خصيصًا صممته لأجلهم، هناك حيث سيلتهوا في ملذات الدنيا التي وفرتها لهم وينسوا بشأن كل شيء يتعلق بهم، ينسوا من هم حتى.
وهي خارجًا ستفعل ما تريد في عالمهم، وتعيث بمملكتهم العظيمة بما رحبت فسادًا كما شائت، دون أن يحدق بها خطرهم، وقواهم الشّرِسة.
دون أن تفكر حتى بماذا لو عاد الحُماة، لأنهم لن يعودوا أبدًا.
داخل المكعب؛ الحياة مُختلفة تمامًا عمّا هي خارجه، فظلام العالم وظلمه لم يكونوا موجودين في هذا المكعب على حسب ظنونهم.
إذ هم إستيقظوا في قصر شديد الرفاهية، ظنّوا أنهم فيه منذ نشأتهم، وأن هذا مكانهم ومأواهم الوحيد، وأن حياتهم متعلقة بهذا المكان، وأن الخلاص منه يعني الموت، هذا ما كتبته في أذهانهم لتشوه فهمهم.
حدائق، إستراحات، مسابح، شُرُفات، ضِفاف، قِبب، قِمم، سيارات، دراجات، حلبة سِباق رالي، أجنحة فخمة، وطعام.
الطعام من كل الأصناف والأنواع، عبر كل الثقافات والبلدان، حلو وحادق، وجبات خفيفة ودسمة، كل شيء.
فالطعام كان السُم، هم ذئاب، والذئاب أمثالهم لا تكتفي إلا بلحم الضأن والغزلان، لكن الطعام البشري العادي، حتمًا لهم هو موت بطيء.
وهكذا هي تخطط أن تقتلهم، عبر هذه الرفاهية.
إستثناء واحد من كل هذه الرفاهية، لا نساء، لِمَ؟!
لإنهم ذئاب، والذئاب لا تخون، الذئب يعيش لأنثى واحد، ويموت مع أنثى واحدة، لا يخونها ولا تخونه، لا يستبدلها ولا تستبدله، الذئاب أوفياء، لذا لطالما كانت أنثى الذئب محظوظة، فرغم وحشيته وهيبته، إلا أن في داخله قلب لا يجيد سوى لغة الحب.
ولو أنها دسّت بينهم النساء سيكتشفون أنفسهم، فنفوسهم ستتعفف عن غير زوجاتهم، سيعلمون أنهم ليسوا بشرًا طبيعيون.
ولم يكن ما حدث مع تشانيول سابقًا إلا طَفرة عن طبيعته سببتها ظروفه المُحكَمة، ما كان ليحدث لو أنه ليس سيد طاقة الشر، لو أنه لم يكن الملك، لو أن الطاقة الحمراء ما استحوذت عليه.
ما خرج عقله يومًا عن مسار أُنثى واحدة حينما يكون ذئبًا، حينما يحمل قلب ذئب، لا قلبًا عليه غِشاء من خُدع وكذب.
الآن وهم مجرد رجال يافعون عاديين، يعيشون في هذا المكعب، محبوسون ولا يدرون أنهم بسجن مقبوض عليهم فيه.
لا أخبار تتعلق بهم، هم فقط يمرحون داخل مكعب الإغراء والفِتن.
ولكن لا يصلح أن يدوم حالهم هذا، لأن شعبهم يحتاجهم، مملكتهم تنتظرهم لتحريرها، قصرهم عاث الفساد به بغيابهم، وأميراتهم ضائعات مُشرادت في الغاب دونهم.
وحدهم من يستطيعون لملمة هذه الفوضى، وحدهم من يمكنهم ضبط الأمر ولمَّ الشمل من جديد، وحدهم الحُماة من يمكنهم إقامة حرب شرف وكرامة وأرض.
وحدهم من يمكنهم ضبط الطاقة الحمراء وقتل جيش المستنسخين، لأنهم الحُماة، أتوا ليحموا هذه المملكة، ليكونوا أسيادها وحُرّاسها، دونهم المملكة سيندثر وشعب الإيري لن يعود كتلة واحدة، سيصيبهم الشتات.
وحتى ذلك الحين الذي يتحرروا فيه من هذا المكعب الأحمر، ستتولى الملكة المهمة، ستخرجهم من حيث هم محبوسون، مهما كلفها الأمر من التضحيات وخسارات.
لأن دور الملكة أن تشد ظهر الملك ليقاوم السقوط، كذا دور الأميرات، أن يشددن ظهور الأمراء، ويقمنّ عزمهنّ.
فلا يكون الرجل عظيمًا إلا بإمرأة عظيمة، تعينه حين يحتاج، توعّيه إن ضاع رُشده، تمنحه ظهرها لو مال ظهره.
لأنها السند له، ليست إمرأة عادية إطلاقًا، إمرأة في غيابه تُصارع ألف رجل، وفي حضوره إمرأة مشاغبة تشاكسه، هكذا هنّ، الدواء والحرية والرفاهية، هُنّ الحياة التي لا تضيق عليهم.
والملكة ها هُنا مُستعدة أن تخسر كل شيء تملكه، وتستعيدهم إلى مكانهم الطبيعي، ترفعهم فوق عروشهم.
ومن هنا يبتدأ فصل جديد من التأزّم، الآن يبتدأ فصل ضبط الملكة.
الأربعة منهم كانوا في إجتماع.
الملكة، الطاقة الزرقاء المتمثلة على هيئة إمرأة شفّافة، جونغكوك، وحاكسون، جِنيّ الملكة وحارسيها.
كانت تقف ميريانا فوق سطح البناية التي تسكنها.
" اغمضي عينيكِ، وافردي ذراعيكِ"
أغمضت عيناها ورفعت رأسها إلى السماء، وفردت ذراعيها بشكل أفقي توازي الذراع الأخرى، والطاقة الزرقاء تابعت فيما تقف بجونغكوك وجاكسون اللذان تحولا إلى جنتين صغيرين بالفعل يطيران بعيدًا عن ميريانا وينظران لها.
" تنفّسي بعُمق واسترخي، لن يكون الأمر مؤلمًا ولكن ربما تخافي، لكن تذكري نحن معك"
فعلت كما قيل لها، لكن دمعة سارت على وجنتها، ليست خائفة على نفسها بقدر ما هي تخاف عليه من الأذى، فقط فليكن بخير ويصبر حيث هو، وهي ستستعيده بالتأكيد مهما قدّمت من تضحيات سخيّة، ستضحي ولن تُبالي.
كمشت عيناها، وقضمت على شفتيها حينما شعرت بنفسها تندفع لتطير بالهواء، لا كطيرٍ حُر، بل كصاروخ بُعِث في الفضاء.
" جلالتكِ لا تخافي أرجوكِ، نحن معكِ ها هُنا، حسنًا؟!"
تنفست بعمق وأومأت أن نعم، ثم رويدًا رويدًا فتحت عيناها، إتسعت حدقتيها الحمراوتين فيما تنظر أعلاها.
تشعر أنها جُزء من السماء المُظلمة، النجوم قريبة، الأفلاك تسبح حولها، حينما نظرت نحو قدميها رأت كوكب الأرض بالأسفل، إنه لشيء مُعجِز ومُخيف.
بدهشة ميريانا قالت.
" أشعر وكأنني بحلم فوضوي لا يُفهَم!"
جونغكوك وجاكسون هدهدا بأجنحتهما حتى حطّ كل واحد منهما على كتفيها، إذ قال جاكسون.
" نفهمك، هكذا كان شعورنا يوم أتينا هنا أول مرة، وقامت الطاقة الزرقاء بمنحنا تلك القدرات الخارقة."
فيما تنظر حولها همست تحمل نبرًا مدهوشًا.
" ونحن أين الآن؟!"
رأت أمامها كوكب ضخم فقالت.
" ما هذا الشيء؟!"
جونغكوك أجابها.
" نحن أمام كوكب المريخ جلالتك"
وميريانا بدهشة قالت.
" ولِمَ نحن هنا؟!"
تبسّم جونغكوك قائلًا.
" جلالتك، هذا كوكب المريخ المؤثر على تكوين نجمكِ الخاص، نجم الحَمل"
نظرت حولها تقول.
" ولِمَ أنا هنا؟"
" أنتِ هنا لأن هذا أول نجم سيُقابلنا، سنمر على عدة تكوينات نجميّة أُخر، هذا النجم التكويني للأميرين سيهون وشيومين"
" وإذن؟"
" عليكِ أن تتعرضي لكل نجم تكويني للأُمراء، حتى تُساعدنا على تجميع قوتكِ لاحقًا"
صمتت تنظر في التكوين النجمي، النجوم عن قُرب مُهيبة ومخيفة، كوكيبات مشتعلة وحارّة، على عكس ما تظهر عليه على الأرض، جميلة ولطيفة.
قاداها جونغكوك وجاكسون إلى النجم التالي، ثم وضّح لها جونغكوك.
" هذا نجم الثور، نجم الأمراء بيكهيون، لوهان، وتاو"
أومأت برأسها تومئ ثم حرّكها بعد فينة للنجم التالي.
" هذا نجم الجوزاء، للأمير سوهو"
أومأت تقول.
" ما الذي سيحدث لو اقتربت منها؟"
جاكسون همس لها مازحًا.
" ستحترقين فقط!"
رمقت جاكسون على كتفها بأستياء فقام بنقر وجنتها بجناحه، حينها قالت.
" يبدو أنني سأنتف جناحك الغبي هذا"
ضحك ساخرًا من تهديدها قائلًا.
" ألستِ خائفة أن أتركك هنا واذهب؟"
وضعت إظفر إصبعها السبابة أسفل إبهامها حتى تكونت بينهما دائرة، ثم ضربت جاسكون فصاح يقول.
" أنا كائن صغير يا عديمة الرحمة! لا تضربيني"
قالت.
" حتى لو ذهبت ما زلت أملك جونغكوك"
جونغكوك راقص حاجبيه يغيظ صديقه المغتاظ بالفعل، ثم جونغكوك أشار للنجم التالي.
" هذا نجم العذراء للأمير تشين"
وجونغكوك الذي كان يوضح لها إبتسم بلطافة يقول.
" نتشاركه أنا والأمير"
صفّقت ميريانا بكفيها تقول.
" مبارك لك، ها أنا صفقتُ لك، هيا امضي!"
تحمحم جونغكوك بحرج وسار حتى أدرك النجم التالي.
" وهذا جلالتك نجم الميزان، نجم الأمير لاي، إن لاحظتِ فأن تيار هوائي بارد ينبعث منه، وتحيطه هالة زرقاء، هذا لأن الأمير هو سيد الطاقة الزرقاء"
جاكسون أضاف.
" يوم أخذتنا الطاقة الزرقاء لمنحنا هذه القُدرات، أتت بنا إلى نجم سمو الأمير لاي، وطلبت منه أن يأذن لها بمنحنا جزء من الطاقة الزرقاء، لنكون مواليكِ"
ميريانا عقدت حاجبيها تقول.
" لكنه لم يقل لي شيء!"
جونغكوك أجاب.
" أن الأمير لا يتحدث من تِلقاء نفسه ما لم يقم أحد بسؤاله"
همهمت مُتفهمة ثم سحبوها إلى النجم التالي.
" هذا نجم العقرب، هذا النجم يخص الأمير كريس"
لكن النجم التالي لم يكن مجرد تكوين نجوم بتشكيلة خاصّة كبقية النجوم وحسب، حرارة ساخنة كانت تنبعث منه، تُحيطه هالة حمراء نفّاثة وقاتمة، يشغل مساحة أوسع من بقية التكوينات النجميّة، ويتلئلئ باللون الأحمر بوهج قوي وشديد.
لم تكن ميريانا بحاجة لأن يخبرها أحد عن أي نجم هو هذا، لذا تحدثت من تلقاء نفسها.
" هذا نجم القوس، نجم الملك"
أومئ كلاهما مؤكدان فقالت.
" نعم جلالتك، هذا نجم القوس"
عقدت حاجبيها وتسآلت.
" هل يتوهج أكثر من البقية لأنه الملك؟!"
جاكسون أجابها.
" على عكس بقية النجوم، هو يتوهج باللون الأحمر لأنه سيدها، ولكن التوهج الشديد هذا السبب فيه أن الطاقة الحمراء تسود المملكة، وأثرها يظهر هنا"
جونغكوك أتبع.
" نجم الملك من الطبيعي أن يتوهج أكثر من بقية النجوم، لأنه الأقوى بينهم، لكن وهجه الطبيعي ليس باللون الأحمر، بل باللون الفضيّ كما بقية النجوم إلا أنه تحيطه هالة حمراء كما الهالة الزرقاء التي تخص الأمير لاي"
جاكسون اتبع.
" لكن انظري جلالتكِ إلى النجوم، النجوم عادة ما تكون شديدة الوهج، لذا لا يمكننا الإقتراب منها إلى هذا الحد"
تسآلت.
" وما الذي يعنيه هذا؟"
أجاب جونغكوك.
" أن طاقتهم مُقيّدة"
تنهدت تومئ، تعد وتتوعد.
" سأحررهم، مهما كلف الأمر سأقوم بتحريرهم"
وأخيرًا وقفوا أمام النجم الأخير، جونغكوك قال.
" لا تنتهي التكوينات النجميّة إلى هنا، لكن هذا آخر نجم يعنينا، نجم الجدي، نجم الأميران كاي ودي او"
أومأت ثم تنهدت تقول.
" والآن، ماذا سنفعل؟"
طارا جونغكوك وجاكسون بالهواء من حولها وعلّق إحداهما قائلًا.
" سنذهب للبلورات الخاصّة بالحُماة"
قالت تستنكر.
" تقصد أننا سنذهب إلى القصر؟!"
أومئ كلاهما أن نعم.
.................................
المملكة، مملكة الكوكب الضائع، التي يومًا منذ زمنٍ قريب كانت تتوهج بحضارتها الخاصّة، مملكة الحب والخير، المملكة التي لم تَعِش إلا بسلام، الآن تعيش الحرب لأول مرة منذ ان نشأت هذه الأرض المُقدّسة الطاهرة.
لكن الآن، الآن أفزع الملكة ما ترى، فلقد حلّ الخراب في بلادها ودمّر كل جمالها وبهائها، صوت ضرب النار في كل مكان، وصرخات شعب الأيري الأخيرة تُسمع من كل طرف، نساء وأطفال وشيوخ، ورجالها في ثكناتهم يقاتلون ببندقياتهم قِوى خارقة، يضحون بأنفسهم ويروون هذه الأرض من دمائهم الطاهرة.
في مشهد الحرب هذا، الحُماة غائبون، حُماة هذه الأرض مفقودون، وطالما هم مفقودين شعب الأيري سيقاوم المذلّة لِقاء دمائهم، تُسفك الدماء ولا تُستباح حُرماتهم وتُنتهك أعراضهم.
جونغكوك وجاكسون اللذان يحدّان الملكة عن يمينها وشمالها كمغوارين مِقدامين، مُسلّحين بالقنابل و القذائف، يحملون في جيوبهم وعلى ظهورهم أسلحة نارية، وعُدة من الأسلحة البيضاء.
كان من المُفزع أن يروا الخراب الذي حلّ بالبلاد في غيابهم الذي لم يطل سوى لأسابيع قليلة، خرجوا من مملكة مزدهرة، وعادوا إلى خراب، جونغكوك قال مذعورًا يستدرك.
" جلالتِك، شجرة الحياة!"
سُرعان ما أخذت تركض خلفهم وهما يركضان أمامها معًا حتى صعدوا معًا قِمة جبل، وإذ بها شجرة عظيمة الحجم أصبحت أغصان جافّة، جاكسون صاح مُغتاظًا.
" الملاعين قاموا بحرق الشجرة!"
ميريانا إلتفتت إلى الذي صاح فيما تعقد حاجبيها وقالت.
" وما الذي تعنيه هذه الشجرة لتكون بهذه الأهمية؟!"
تنهد جونغكوك مُبتأسًا يجيبها.
" جلالتك، خلود الحُماة يتعلق بها، بموتها يموتون"
صاحت بإستنكار.
" ماذا؟ خلود؟ أيعني أنهم خالدون والآن سيموتوا؟!"
جاكسون اومئ لها فيما يزفر بغضب وقال.
" جلالتك، أعمار الحُماة تُقدر بثلاثمائة عام، بعضهم وصل الثلاثمائة وبعضهم ليس بعد، وهذه الشجرة هي من تحفظ شبابهم وتحفظ حياتهم، بموتها يكبروا ويهرموا ثم يموتوا كما البشر"
نظرت ميريانا إلى الشجرة واقتربت منها تقول فيما تتفحصها بيديها وعينيها.
" أن الذي حرقها هو المستنسخ تشانيول بالتأكيد، يمكنني أن اعرف ذلك من لِحاء الشجرة، انظروا إليها، الحروق سطحيّة، تحتاج عناية خاصة، وستتمكن من النجاة"
نظر كلاهما إليها وقال جاكسون.
" وكيف ذلك سيدتي؟"
قالت.
" تملكون سكاكين؟"
تفحص الإثنان عِدتهم ثم أومئوا فقالت.
" ظفّروها وقشروها من حروقها، ثم اسقوها الماء، وحين يأتي الأمير لاي سأطلب منه معالجتها، الآن هذه هي مهمتكم وأنا سأذهب"
تمسك بمرفقها جونغكوك وبقلق قال.
" لا مولاتي، أنهم يستولون على القصر بكل تأكيد، حمايتكِ أولوية بالنسبة لنا، لولاكِ لما أصبحت هذه المملكة موطنًا لنا أيضًا"
أشارت إلى الشجرة وقالت بنبرة حازمة.
" حياة الشجرة وحمايتها أهم مني الآن، ولا تقلقوا علي، بصُحبتي الطاقة الزرقاء ستدخل جسدي حتى أحتوي قِوايّ"
إقترب جاكسون رافضًا، لكنها رفعت يدها كي لا يناقشها في الأمر أكثر وقالت.
" تعلمون أن حماية حياة الحُماة أهم من حياتي أنا، لا تفكروا بعلاقتنا الشخصيّة الآن، الآن أنا لستُ صديقتكم، أنا الملكة وعليكم إتباع أوامري فقط"
أومئ كلاهما لكنها قبل أن تغادر، لاحظت وجود مسلّتين حجريتين صغيرتين قُرب الشجرة فأقتربت منهما وانحنت.
" ما هذا؟!"
جونغكوك شرح.
" تلك مسلّتين حجريّة، منحوتة عليها رموز الحُماة، حُماة الطبيعة على مسلّة، وحماة الحياة على مسلّة أخرى"
تحسستها وإذ بدماء تغطي بعض من الرموز، ستة من الرموز دامية، وستة أخرى مُظلمة، أومأت تتنهد، الآن تفهم أن الرموز الدامية تعود للحماة الذي إستطاعوا نسخ الDNA الخاص بهم.
" يقومون بتشريب الرموز دماءً بمعنى أنهم يعلنوا الحرب عليهم، وأما المظلمة فهم يطلبون منهم الإنضمام إليهم كمواليين"
هزأت ميريانا تبتسم.
" ما هذا الهراء؟! أحقًا يعتقدون أن الحُماة الستة الآخرون سيتركوا إخوانهم ويتضامنوا مع الأعداء؟!"
جونغكوك أومئ فضحكت ميريانا بسُخرية وقالت.
" هذا بأحلامهم فقط"
جاكسون وضّح.
" مولاتي، هم ربما يسحرون الحُماة الآخرين ليتضامنوا معهم، الطاقة الحمراء تقدر أن تلعب في عقولهم وتجعلهم ينظمون إلينا"
تنهدت ميريانا، إذ أن هذه المزحة السخيفة تحولت إلى واقع مرير، وقفت تتنهد ثم قالت.
" إذن سنقوم بتحرير الحُماة الذي أعلنوا عليهم الحرب فقط، البقية سنتركهم على الأرض حتى تنتهي هذه الحرب"
إنحنى الرجلين لها وهي هبطت الجبل، الطاقة الزرقاء كانت تطفو من حولها، وسألتها.
" خائفة من أن يسحروا الحُماة؟!"
أومأت ميريانا برأسها وتنهدت مُستاءة من كل ما يحدث.
" نعم خائفة، لستُ بقدر خوض معركة ضد الأُمراء لإخضاعهم، أنا أريد أن أحافظ عليهم، لا أنا أحاربهم"
الطاقة الزرقاء قالت.
" لن تقدر على سحرهم، سأدخل في أجسادهم، وسأحميهم من سحرها، لذا لا تخافي"
" إذن أيمكنني أن أعتمد عليكِ وأقوم بتحريرهم حينما أجدهم؟"
الطاقة الزرقاء أومأت لها تقول.
" بالطبع، اعتمدي علي"
وذلك ما بعث في نفس ميريانا الإرتياح وجعلها تملك العزم فعلًا لخوض المعركة حتى نهايتها، فخسارة أي أمير من الأمراء هي خسارة كبيرة لا يمكن تعويضها.
وفيما تقترب ميريانا من أسوار القصر قالت الطاقة لها.
" والآن دعيني ادخل جسدك، أمنحكِ القوة والحماية"
أومأت ميريانا تأذن لها، دخلت الطاقة جسدها جعلتها تنتفض في مكانها وتشهق بعُمق، وحينما فتحت عيناها تحولت حدقتيها إلى اللون الأزرق، شحبت بشرتها، وأسودّ شعرها.
تستطيع أن ترى جنود مستنسخين عن جنود المملكة يحيطوا أسوار القصر، التسلل لم يكن سهل، لكنها فعلت.
صعدت أسوار القصر وارتمت داخله، حينما وقعت إلى الداخل رآها إحدى الحرس فهرع لقتلها، لكنها كانت أسرع منه حينما صعدت كتفيه ولوت رقبته بين قدميها، فوقع برقبة مكسورة أرضًا.
سحبت جثّته إلى خلف إحدى الأشجار وتابعت تسللها إلى الداخل، كانت حذرة جدًا فيما تدخل، مُلثّمة وثيابها قاتمة، لا يمكن تمييزها في عتمة الليل.
أتى الصوت من داخلها، فعلمت أن الطاقة الزرقاء ترشدها.
" اذهبي إلى قبو القصر، المكان الذي كان يعالجوا الملك تشانيول فيه من الطاقة الحمراء"
سارت ميريانا إلى حيث دلّتها الطاقة، ودخلت تلك الحُجرة التي دخلتها منذ زمن بعيد لإنقاذ تشانيول من إخوانه الحُماة.
رأت البلورات اللواتي تخص الحُماة مُثبتات على الجدار، ومن السقف تتدلى بلورة كبيرة الحجم، تلك التي تتساوى فيها منسوبي الطاقة الزرقاء والحمراء، هي الآن حمراء بالكامل وذلك لأن طاقة الشر تسود البلاد.
إقتربت من البلّورات تتبع الصوت بداخلها، تنظر إلى هذه البلورات ولا تفعل شيء، فلو مسّتها ستضربها القوة الماكنة فيها.
لذا فقط وقفت تنظر إليها وتلك البلورات الإثنتا عشرة أخذت تتوهج، فهي قد تعرّفت على الملكة التي زارت مكانهم الكوني سابقًا بين النجوم.
تلألأت البلورات جميعها، ثم انبثق من كل واحدة ضوء خاص بها على حسب لونها.
بلورة النار حمراء
بلورة الماء زرقاء قاتمة
بلورة البرق ذهبيّة
بلورة الجليد زرقاء سماويّة
بلورة الأرض بنفسجيّة
بلورة الرياح خضراء
بلورة التنقل رماديّة
بلورة الضوء بيضاء
بلورة الشفاء باهتة زرقاء
بلورة التحكم الذهني صفراء
بلورة التنين ذهبيّة ذات لمعة
وبلورة التحكم بالزمن بُنيّة
جميع الأضواء التي صدرت معها إتحدت معًا، وامتزج فيها اللون الأزرق الخاص بالطاقة الزرقاء والضوء الأحمر الخاص بالطاقة الحمراء، حتى جميعها إمتزجت وتجانست معًا، ثم فجأة إنشق السقف وخرجت منه بلورة صافيّة لم تحمل قوّة بعد.
هبطت حتى أدركت كرة الوهج التي تكونت من البلورات ودخل الوهج بها، ثم هذه البلورة سقطت بيد ميريانا التي تمسكت بها سريعًا، حينها ميريانا سمعت صوتًا يأتي من داخلها.
" جلالة الملكة، هذه بلورتك تمتزج فيها قِواك. لكِ شطر من قوة كل فرد من الحُماة، فيمكنكِ التحكم بكل القوى التي يتحكمون بها بشكل جزئي، تتحكمين بستين بالمائة منيّ وأربعين بالمائة من الطاقة الحمراء."
خرجت الطاقة من جسدها، لكنها كانت تشعر بقوة غير طبيعية في جسدها حينها قالت الطاقة.
" الآن، الملكة جاهزة لخوض المعركة الأخيرة"
...........................
سلاااااااام
التفاعل معدوم على الروايات الثلاثة، يخي لو افترضت أنو القراء قلال، توصل المشاهدات بالمئات والفوتز كثيرة بالمقابل 17 تعليق.
خمس آلاف كلمة الفصل، على الأقل فرجوني انكم مهتمين، قدروا تعبي.
إذا ما اتحققت الشروط الفصل ما بينزل، بكتبه وبضل بالمسودة ليصير في قراء أنزللهم.
الفصل القادم بعد 150 فوت و 200 كومنت.
1.رأيكم بميريانا؟
2.ما هي ملامح الحرب التالية؟
3.رأيكم بجونغكوك وجاكسون؟
4.الطريقة التي حبست بها الطاقة الزرقاء الحماة؟
5.هل ستنجح ميريانا بتحرير الحماة؟
6. رأيكم بالأميرات؟ صمودهن وشجاعتهن؟
7.رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
Коментарі