" حُب وحَرب"








شعورٌ جديد أخذ يتدفق في أوصال الملكة، شعور قويٌ جدًا نَتَج عن إكتسابها قوّة هائلة في جسدها.

ميريانا الآن هي الملكة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ومن مسؤولية أيضًا، فهي الآن تشعر بطاقة عالية وشديدة في جسدها، تخولها لقتل أحدهم بلمسة لو أرادت.

في ذات الوقت تشعر بجسدها خفيف جدًا وكأنها أخفّ وزنًا من الهواء، تلك الطاقة العجيبة تَملئ جسدها من رأسها حتى أخمصها.

فتحت عيناها اللّاتي إعتادت أن تكون حمراوتين بلون النار، لكنها الآن تتلون كثيرًا، تارة تحمرّ، تارة تخضّر، وتارة تزرق، ثم تُصبح فضيّة ولحظات أُخر ذهبيّة، فهي إكتسبت ألوان الحُماة أيضًا، لا قِواهم فحسب، جمالهم الساحر.

أغلقت عيناها لوهلة حتى تقدر أن تُسيطر على تدفق القِوى داخلها وأرادت أن تبقى كما إعتادت أن تكون، ثم فرّقت جفونها، لتعود إلى لونها المُعتاد، الأحمر.

الطاقة الزرقاء كانت تقف بجوار الملكة، تُراقب طَور ضبط القِوى هذا حين قالت تشرح لها.

" مولاتي الملكة، أنتِ الآن قويّة جدًا، أقوى مِمَا قد تظنّي لذا أنتِ لا تحتاجي مساعدتي أو حمايتي بعد الآن، يمكنكِ تدبّر الأمور وحدك وأنا سأكون بقُربك دومًا لكنني لن أدخل جسدك مجددًا"

نظرت الملكة إلى المرأة الشفافة وقالت.

" لكنني لا أعرف كيف استخدم هذه القِوى! أيمكنكِ الإعتماد عليّ رغم ذلك"

تبسّمت المرأة فيما تُجيبها.

" أنها طيّعة وسهلة مولاتي، يكفي أن تُفكري بما تريدي أن تفعليه، والطاقة ستُنفذه لكِ دون أحكام وشروط"

أمسكت المرأة بيد ميريانا وجعلتها تبسط راحتها.

" ارغبي من داخلك أن تشعلي نارًا في يدك وسيحدث"

وهذا ما فعلته ميريانا، إذ أرادت من داخلها أن تشعل بيدها شُعلة لترى كيف ستكون فحدث واشتعلت بالفعل، كادت ميريانا أن تصرخ فيما تنظر إلى هذه الشُعلة التي تتوسط راحتها، لكنها كتمت فاهها بيدها سريعًا، كذا قبضت على أنفاسها.

مهما طارت بأحلامها لم تتوقع يومًا أنها ستصبح خارقة...!

كانت ترمق تلك الشُعلة بأعين متوسعة على آخرها، بَدت مدهوشة مما ترى، وبيدٍ ترتجف أشارت إلى الشُعلة في راحتها تقول.

" ظننتُ أن إستخدام الطاقة يحتاج تدريبًا، ألا تحتاج؟"

نفت الطاقة الزرقاء تقول.

" لا مولاتي، هذه القاعدة لا تُطبَّق عليكِ بما إنكِ تملكين شطرًا من قوّة الأمير لوهان، يمكنكِ التحكم بها ذهنيًّا"

" أهذا يعني أن الأمير لوهان لم يخضع للتدريب لأجل إستخدام قواه بشكل الصحيح؟!"

ضحكت المرأة تقول.

" لا مولاتي، فقط أنتِ"

برمت ميريانا شفتيها تومئ، ثم تنهدت تتحرك من مكانها، وأخذت تلفتت حولها وتنظر هنا وهناك؛ تحسّبًا إن كان المكان آمن لتخرج وإلا لتُقاتل.

همست الملكة بصوت مُنخفض لرفيقتها..

" الآن دعينا نخرج من هنا، بما أنني إستجمعتُ قواي علينا تحرير الحُماة مهما كلّفنا الأمر من مَشقّة"

خرجت ميريانا بحذر من الخُجر، تنظر يمينًا وشمالًا في الرِواق، وحينما لم ترى أحد تسللت بحذر إلى الخارج.

كانت تطوف الطاقة الزرقاء كسحابةٍ شفّافة فوق رأسها، لحمايتها في الظروف العصيبة.

أستطاعت ميريانا أن تنجو من الطابق بأكمله، ثم رويدًا رويدًا وبحذرٍ تامّ خرجت من القصر الرئيس حيث تتواجد أغلب عناصر المُستنسخين وقِواهم العسكريّة.

لكن الحنين شدّها إلى قصر النار، لم تستطع أن تدوس على رغبتها في الدخول إليه وتمضي، الحنين يشدّها وهي تكاد أن تفعل أي شيء لتطوف في أرجاءه من جديد.

لم تكن الطاقة الزرقاء كيانًا قادرًا أن يتحدث في هذه الحالة، فما كان منها إلا أن تتبعها كسحابة تطفو من فوقها بصمت وحذر كتابعة.

عَبرت ميريانا البوابة الرئيسة، ودخلت القصر مُتسللة، رغم أن وقتًا قصيرًا قد مَضى مُذُّ آخر مرة داست فيها الرُخام الناري هذا إلا أنها إشتاقت للمكان، وكأنها غابت عنه سنين يَصعُب عدّها.

أستنشقت الهواء الذي يفوح من زوايا القصر ، ما زالت الأماكن مُخمّرة برائحة سيد القصر، بعِطره الفريد ورائحته المُميّزة.

شدّتها قدميها إلى الجناح، حيث كل أتراحها حدثت، ولم تفرح إطلاقًا، لكنه يبقى مكانًا عزيز عليها، تُحبه لأنه منه، لم تكن هناك حِراسة حول قصر النار لتُقاتلها، هي فقط دخلت بأمان إليه.

الجناح ما زال على حاله، لم يتغير عليه الشيء الكثير، المكان كما تركته آخر مرة إلا أنها تستطيع أن تَشتم رائحة بشعة تفوح من بعض الأرجاء، لمسات لا تخصّها، أشياء لا تعنيها.

لقد عاثوا فسادًا بالقصر، حتى بخصوصياتهم وذكرياتهم، الحرب هكذا بلا حدود.

ولجت إلى غرفة الثياب التي تَخُص الملك، هو بالفعل كان يُخطط لأن ينقل كل أشياءه إلى جناح آخر، لكن الظروف عارضته، وحينما تعود به إلى هنا، لن تدعه يغادر جناحها، هي ستُعارضه.

ستكسر ساقيه وتربطه على السرير ولا يغادر، لن تسمح له أن يبقى بعيدًا عنها حتى لو كانت الطاقة الحمراء تتحكم به، ستكون أقوى منه ومنها وتتحكم به.

لن يُغادر...!

تلمسّت دِرعه البرونزيّ المُثبّت على الحائط وبدلة القِتال الملكيّة، تُحب أن تراه يرتديها فقط لتنظر إليه وتذوب حُبًا في حِس رجولته الفوّاح، لا ليذهب إلى الحرب فعلًا ويُقاتل.

لكنه سيرتديها ويذهب ليُقاتل بالفعل، لأجل أُمّته العظيمة، لأجل إخوانه الأعزّاء، لأجلها ولأجله، لأنه الملك سيتولى المُهمّة الأكبر.

عليه حماية هذه المملكة الخالدة، شعب الأيري العظيم لا يُمكن أن يموت بهذه السهولة، وقادة هذه الدولة لا يمكن أن يخسروا حربًا وهم أساس هذا الكوكب وركيزته الوحيدة، لا يمكن وهم بذاتهم حياة هذا الكون.

ولأن لها شطر من قوة الأمير دي او وآخر من قوة الأمير سيهون، شعرت بأنفاس أحدهم من حولها، وبدبّات أقدام قريبة جدًا منها، أحدٌ ما يُخطط لمُباغتتها من خِلاف، لم يكن فعلًا مُفاجئً، لكنها شعرت بحرارة هذا الجسد خلفها، حراراته مرتفعة أكثر من الطبيعي.

إنه تشانيول المُستنسخ...!

ميريانا سُرعان ما إلتفتت وضربت معدته بقدم من نار فوقع أرضًا، نظر لها يرفع حاجبيه مُستعجبًا وأخذ يضحك.

" مفاجئتين في واحدة؟! هذا كثير على قلبي يا حبيبتي!"

إقتربت منه ثابتة الخُطى وقويّة، فهي بالفعل الآن قويّة ولا يُمكن أن يهزمها أحد مهما ظنّ نفسه قويًا.

خَطت على صدره فتأوه متوجعًا، ثم عاد ليضحك فيما يتمسك بقدمها التي على صدره بكلتي قبضتيه.

" الملكة عادت واستجمعت قِواها، في الحقيقة؛ تبدين أكثر إثارة"

سحبت قدمها من قبضتيه ثم انخفضت لتجلس القرفصاء قُربه، لكنها إبتسمت، لم تكن ودودة على الإطلاق، فهي لم تنسى أن هذا الكائن المزيف يومًا ما أشعرها بالضُعف وقِلة الحيلة.

تلمّست عينه ذات الحدقة الضيّقة وهمست.

" تعلم؟ تستحق أن تُقتَل، لا أن تخسر إحدى عينيكَ وحسب"

تمسّك بمعصمها، وبعث في كفّه الحرارة كي يلسعها بها، لكن خُصل شعرها وحدقتيها إختلفت ألوانها، فلقد تخلل اللون الأبيض خُصل شعرها الحمراء، وتلونت حدقتي النار باللون الأزرق.

تبسّمت إذ أن ناره لا تُحرقها، هي تملك شطرًا من قوة لاي، لا يمكن إيلامها.

سحبت يدها منه ونهضت حينها نهض هو أيضًا، بدأ يشعر بالإرتباك، فهو لا يعلم إلى أي مدى هي قوية، والأدهى إن دخل معها بمعركة نار، أسينتصر؟ أو هل ينجو على الأقل؟

لكنها لم تكن لتمنحه الوقت الكافي ليقرر أن يبتدأ معها معركة أو يهرب، فهي رفعت يدها وضربته بكُرة لَهب، لكنه تحاشها مدهوشًا.

وابتدأت أول معركة في هذه الحرب.

ما كاد أن يتدارك صدمته الأولى منها حتى إنهارت بفعل ضربة من قدمها الأرض أسفله، صرخ فيما يسقط في أسفل الأرض، لكنها لم تكن تُريد أن تنهي هذه المعركة بكل هذه السهولة.

حملته عبر الهواء وألقته أرضًا بقوّة، وفجأة إنتقلت إلى بُقعته وركلت وجهه بقدم هدّامة تخص دي او، رفع يده ليضربها بلهبه، لكنه سرعان ما صرخ حينما سلطت عليه البرق ليضربه بصعقات لا ترحم.

وفيما هو يلهث أنفاسه بصعوبة قالت.

" بإستطاعتي أن أكتم أنفاسك الآن، لكنني سأترك مهمة قتلك لجلالة الملك"

نظرت في المكان ثم اتبعت تبتسم.

" صُراخك لم يسمعه أحد سِوانا، لذا لن يأتي أحد لنجدتك"

ضحك المستنسخ فيما يمسح الدماء من شفتيه وأنفه، ثم قال لها بصوت قد بُح.

" رغم ذلك، سأراكِ قريبًا في أرض المعركة جلالة الملكة!"

أومأت له وهمست.

" سيكون آخر لقاء بيننا قبل أن تموت"

ضحك واتبع.

" سأكون سعيد لو كان آخر وجه أراه يكون وجهك"

أنبتت لها جناحيّ التنين، وقالت قبل أن تُحلّق بعيدًا عنه.

" سأحرص ألا تتحقق لك هذه الأمنية"

ثم خرجت عبر الشُرفة تُحلّق بجناحيها الضخمين، لم يكونا بضخامة جناحي كريس ولا حتى ناريين كأجنحة تشانيول، كانا جناحين بهيّين وكبيرين يناسبانها.

حلقت في سماء مملكتها، ولم تأبه إن رآها أحد أم لا، فهي الآن تُعلن أن الرد على هجومهم بات قريب، ومهما أعدوا العُدّة لهذه الحرب لن يفلحوا، لكنها شعرت بجناحيها يهبطان، طاقة تجتذبها نحو الأرض فنظرت، إنه المستنسخ سيهون.

لم تكن تملك مزاجًا لمعاركته هو الآخر، لذا ضربته بكرة لهب وحلّقت بعيدًا في سماء المملكة.

قِوى الملكة إكتملت، حان وقت إستعادة الأُمراء والملك إلى مكانهم الطبيعي، لكن التالي هي الحرب الأخيرة، حرب الدماء.

..........................

كُن الأميرات الأربع قد خَرجنَّ لإلتقاط الثمرات، لأجل توفير مونة الطعام لهذا اليوم، الأميرات آيلا، فكتوريا، ليليانا ،وماريا تعاونّ معًا لأجل هذه المُهِمَّة التي تكون خطيرة عادةً.

كُنّ يَسرنَّ كالعادة بين الأشجار بهدوء وحذر فيما يلتقطنّ الثمرات، فلو خرجنَّ عِدة مرات وعُدنّ بآمان تبقى الحيطة والحذر واجب.

وفيما يقمنَّ بعملهنَّ اليوم؛ آيلا تيبّست يدها التي إمتدّت لإلتقاط التُفّاحة عن أُمّها حينما سمعت بأحد يدوس العُشب قريبًا منها.

إلتفّتت برأسها تَنظر في المكان، لا أحد حولها ولكن الصوت لم يَصدر عن الأميرات، هذا ما هي مُتيقنة منه حتى اللحظة، إقتطفت الثمرة ونزلت عن جذع الشجرة سريعًا تقول فيما تستدعي إنتباه بقيّة الأميرات لها.

" سموّكنّ، اسمع صوت دوس العُشب قريبًا منّا، أخشى أننا في خطرٍ مُحدِق!"

سُرعان ما ترجّلنّ الأميرات عن الشجر، تحتضن كل واحدة منهنّ سلّتها التي تملأها بما إستطاعت جمعه من خضراوات، تَجمعنّ معًا في نُقطة واحِدة، ثم ماريا قالت فيما تنظر بالأرجاء.

" علينا أن نعود إلى المَخبئ الآن، لكن علينا أن نحذر من أن أحدهم يتبعنا أولًا"

الجميع وافق بإيماءة، وانسحبنّ بهدوء من المكان، كُنَّ يسلكنّ طُرق مُتشابكة لتضييع المُطاردين لو بالفعل هناك من يطاردهنّ.

كُنّ يتمسّكنّ بأيديّ بعضهنّ البعض، لكن فجأة أصبحنّ يسمعنّ صوت جريّ أشخاص كُثر من حولهنّ، حملت كل واحدة خِنجر أدخرنّها لمثل هذه الظروف المصيرية، التي مُرغمات فيها على النجاة مهما كانت صعبة، وإلتففنّ حول بعضهنّ البعض، تحمي كل واحدة ظهر الأخرى فيما يشهرنّ خناجرهنّ.

وآيلا صرخت.

" أيُ ما كُنت أنت أيها الجبان الذي تتبعنا، أظهر نفسك وإلا فعُد من حيث أتيت!"

ظهر من خلف الأشجار رِجال كُثر، عددهم الضخم جعل الخوف يتسلل إلى نفوسهنّ، كل واحدة تحسست ألماستها التي في عُنقها، حتى لو قاتلنّ لن يصبهنّ مكروه، وهذا أمرٌ مُريح نوعًا ما.

ثم ظهر بعد الرجال هؤلاء رجلٌ أخير، ثيابه والرُقع العسكرية على بدلته تقول أنه أعلى شأنًا من البقيّة، ماريّا تعرفت عليه لذا قالت بدهشة.

" الجينرال تايهيونغ!"

أنزل قُبعته العسكرية عن رأسه ثم إنحنى لهنّ يقول.

" بخدمتكنّ مولاتي!"

حينما تبسّمت ماريا وإنبلجت من فاهها أنفاسها تَنُم عن راحتها بعثت الراحة في نفوس الأميرات، لكن آيلا لم تكن لتصدقه بهذه السهولة.

لذا تمسّكت بالأميرات في ظهرها وسألته بوضوح.

" أنت أيها الجينرال، كيف تثبت لي أنك من جيشنا لا من جيش الأعداء؟!"

لم يقل شيء، فقط أثنى ركبته لتغزّ الأرض والاُخرى ثناها إلى معدته، وفيما رأسه مُنخفض قال وقد أخرج شارته.

" مولاتي هذه شارتي، لا يمكن نسخها أو تقليدها لأنها مصممة بشكل فريد، يمكنكِ إختبارها"

قدّم لها شارته الذهبيّة ثم أصابتها الدهشة حينما سمعت صوت الأمير لوهان ينبثق في عقلها.

" هذا الجينرال كيم تايهيونع، يمكنك أن تثق به"

قوة الأمير لوهان لم يقدروا على إستنساخها، وهم لا يملكونها إطلاقًا ولا حتى كقوّة مشتركة، لذا هذا الرجل بالتأكيد صادق.

وضعت بيده شارته فهمس.

" شكرًا لكِ مولاتي"

أومأت ثم تسآلت.

" أعلم أن كل رجال الجيش قد تم حبسهم في سجن بعيد تحت سيطرة الطاقة الحمراء، كيف نجوت أنت ومن معك؟"

أجاب.

" مولاتي، أنا قائد الفِرقة الإستطلاعيّة التي خرجت بأمر من ملكة الماء للبحث عن الأُمراء في الغابة، كنا نبحث عنهم فيما القصر يُسلَب"

نظرت آيلا إلى ماريا فأومأت الأخيرة تؤكّد صِحة المعلومات، ثم الرجل اتبع.

" لم نَكُن لنستطيع إستعادة القصر ونحنُ قِلّة؛ لذا خططتُ لتَّسلُّل إلى السِجن الذي يُحبس به الجيش وتحريرهم على دُفعات، الآن قد حررتُ عشرَ آلاف جُنديّ من أصل ثمانين ألف محبوسين."

أومأت آيلا وماريا قالت لها.

" يُمكنكِ أن تثقي به سموّ الأميرة، تايهيونغ جينِرال وقائد عظيم في الجيش، دماءه محميّة بقوة الحُماة، لا يمكن إستنساخه أو التلاعب بعقله"

تنهدت آيلا وأومأت تُحدّثه.

" لستُ أثق بك، لذا لن أتردد بقطع حُنجرتك لو شككتُ بولائكَ لنا"

نهض عن الأرض وقال.

" سأثبت لكِ أنّي محل ثِقة سموّكِ"

ماريا تحدّثت إليه.

" تايهيونغ ستُحرسنا منذ الآن؟"

أومئ.

" سأحرسكنّ دومًا، وسأوكّل ثِقة من جنودي ليحرسونكنّ عندما أُنظِّم مَهمّة لتحرير المزيد من الجنود."

إلتفتت آيلا وسارت عودة إلى الكهف، فالسخط والضيق يلوح على معالم وجهها، هي لا تثق بأحد بهذه السهولة، ليس بعد قِصتها الخاصّة مع الأمير والمُستنسَخ.

عُدنَّ الأميرات والجينرال بجنوده يحرسونهنّ، تفحّص الجينرال الكهف بزواياه وثقوبه كُلها، ثم عاد ليقف أمام ثغر الكهف بعدما عرّف بنفسه لهنّ.

سيتولّى منذ الآن المهمّات جميعها عنهنّ.

ليلًا؛ إجتمعنّ بعض الأميرات حول النار، والجينرال تايهيونغ كان ضمن الجالسين حول النار بطلب من الأميرة آيلا.

لأنها تملك حديثًا مُطوّلًا معه، قالت.

" بما أنك ترى حالنا ونحن أميرات، نعيش في كهف، ونغتسل بماء النهر ونشرب منه، ونُقطّف الثمار بأنفسنا، نعيش حياة بدائية ونحن رأس الهرم، ماذا عن بقية الشعب، كيف يعيشون؟"

تبسّم يسخر مما قالت، رغم أنه لم يرد أن يظهر بمثل هذا المظهر أمامها، لكن لديها مُصطلحات مغلوطة يجب تصحيحها.

" مولاتي، المملكة لا تملك هرم إجتماعي كما المُجتمعات الإنسانية على الأرض، جميعنا في البلاد سواسيّة، الشعب، الجيش، والقادة، كُلنا نملك المستوى المعيشي ذاته، فقط الحُماة الذين يعيشون نمط حياة أكثر رفاهية من بقيّة الشعب"

" الناس لم تمت جوعًا، لم تتعرى، ولم تتشرد بسبب الحرب، كل عائلة تقطُن في بيتها، نحن نقوم بمَهمة حفظ الحياة والكرامة، هو بأماكنهم محفوظين، لا تقلقي."

رمقته آيلا بصمت ولم تسترسل، لم تكن تعلم أنها تعيش في مملكة جيّدة إلى هذا الحد.

.............

كانت تنظر ميريانا بتوهان في المكان الذي وصلت إليه، إذ إنها تتواجد في إحدى الصَّحاري العربيّة الشمال إفريقيّة، حيثُ تنبّأت الطاقة الزرقاء بأن الحُماة محبوسين هُنا.

لم تَكُ ميريانا في هذا المكان الموحِش وحدها، بل الطاقة الزرقاء تُرافقها كذا جنيّها جونغكوك وجاكسون بصُحبتِها، تنهدت ميريانا تتكئ بكفّيها على خصريّها المصقولين تنظر في الأرجاء.

" هل تُخبريني أنهم عالقون هُنا؟ في هذه الصحراء الفسيحة؟ وكيف أجدهم؟!"

كانت تنظر المرأة الشفّافة حولها فيما تُجيب.

" جلالتِك، أنا أشعرُ بوجود الأمير لاي قريب من هُنا، يُمكنني تَتبُّع شعوري وأظنني سأجدهم، لا تقلقي"

تنهدت ميريانا وأشارت لها أن تفعل ما تقوله، رغم أنها لا تشعر بأن الأمر سيكون بهذه السهولة على الإطلاق.

" علينا أن نُحلّق مولاتي"

قال ذلك جونغكوك ثم تحوّل إلى جنيّ صغير ذا أجنحة برّاقة بِرفقة جاكسون، حينها أنبتت جناحيها الفارهين وطارت في السماء معهما، وأما الطاقة الزرقاء فتطير كسحابة زرقاء أمامهما.

الصحراءُ واسعة جدًا، العين المُجرّدة لا يُمكن أن تسعها كُلها، لذا كان عليهم أن يطوفوا في سماءها كثيرًا كثيرًا حتى توقفت الطاقة الزرقاء بالهواء وتوقفت ميريانا خلفها.

نظرت إلى الأرض؛ وإذ بمُكعب أحمر كبير يقع في وادٍ بين جَبلين تُحطيه سحابةٌ حمراء، إقتربت ميريانا برفيقيّها تنظر إلى هذا الشيء المجهول.

لكن الطاقة الزرقاء سَبقتهم بالوصول إلى السحابة الحمراء وأخذت تختلط فيها، ليصدر صوت خوار شديد عن هذا الإندماج؛ إذ أن قِتال جديد إندلع بين القوّتين، تارة تنتصر الزرقاء وتارة تنهزم، تارة تنتشر وتارة تنحسر.

فهمت ميريانا ما يحدث فأعلمت صاحبيها.

" يبدو أن هناك نزاع حامي الوطيس بين الطاقتين، وربما وجود هذه السحابة من الأصل سببًا لتضليل الأقمار الصناعيّة عن المُكعّب"

إقتربت ميريانا نحو السحابة وقالت.

" علينا العبور من حيث السحابة تزرّق؛ كي لا نتأذى، ثم علينا أن نصل إلى المُكعّب ونخترقه لتحريرهم من داخله"

لكن لم تَكُ الفرصة سانحة لهم للعبور، فكلّما يزرّق جزءًا من السحابة يتبدل لونه إلى الأحمر مجددًا؛ لذا ميريانا وجنيّها ضلّوا عالقين خارجًا غير قادرين على العبور.

حلّ جاكسون ضيفًا على كتفها الأيمن وجونغكوك على كتفها الآخر، ثم جاكسون قال لها.

" مولاتي؛ ألا يمكنكِ التحكم بهِ ذهنيًا أو أن ترفعيه عبر الهواء؟!"

لا تدري إن كان ما تمتلكه من طاقة يخوّلها على هكذا مُهمة أم لا، لكنها لا تملك سوى أن تُجرّب كل شيء، فهي الجندي الوحيد في هذه المعركة.

" سأُجرّب هذا"

مدّت ذراعها ناحية المُكعَّب، ثم بسطت راحتها وفغرت ما بين أصابعها، ثم حاولت رفع المُكعَّب خارج السحابة.

كان ذلك شاقًا جدًا عليها، شقائها كان جليًّا على ملامحها؛ إذ أنها تَصرّ على أسنانها بقوة فيما تحاول سحبه خارجًا، ملامح وجهها إمتعضت إمتعاضًا شديدًا، وكتمت أنفاسها لتمنح طاقتها هذه كل قُدراتها الجسديّة على حمل هذا المُكعَّب الضخم.

إحمرّت بشرتها جدًا، وأخذ العرق يتصبب من على ناصيتها بغزارة، ولكنها أخيرًا إستطاعت أن ترفع المُكعب رويدًا رويدًا، ثم وضعته ببُطئ وحذر خارج السحابة على أرضٍ مبسوطة.

ورغم أنه ما عاد للسحابة أيُ أهميّة الآن على حراسة اامُكعّب، لكن القِتال بين الطاقتين بقيَّ مُستمرًّا.

ميريانا أخيرًا زفرت أنفاسها بصعوبة وهبطت بجناحيها نحو المكعب برفيقيّها، لم يَكُ له أيُ مدخل أو باب يخوّلها ولوجه، لكن جُدرانه الحمراء ربما تكون قابلة للكسر والتحطيم، وهي مُجددًا لا تملك إلا أن تُحاول.

تنفّست بعُمق واستجمعت قِواها البدنيّة والخارقة كذلك، ثم ضربت المُكعب تستعين بطاقة الأمير دي او، ضربته مرّة فوقعت واجهة، لكن المُفاجأة.

" ما هذا؟!"

قالت ميريانا بإندهاش فيما ترى ما يحويه المُكعّب، عالمٌ آخر.

ضَبّت جناحيها، إلا أن جاكسون وجونغكوك فضّلا البقاء على شاكلة جنيين يستقران على كتفيها.

أراضٍ فسيحة، قصرٌ فخم، وسيارات فارهة، وكُل سُبل الراحة والرفاهيّة متوفرة لديهم، وهُم ماذا يفعلون؟!

وَلجت إلى مكانهم، أو بالأحرى المكان الذي هُم محبوسين فيه، الصادم أنهم لا يدرون عن شيء، فلقد دخلت قصرهم بسلاسة، لا حراسة توقفها، ولا أحد يسألها شيئًا، وحينما قابلت سُلمًُا قابلتهم عليه.

كانت تهبطه وهم يصعدونه، جميعهم نظروا إليها لوهلة ثم عبروها ببساطة، إلا هو؛ فلقد توقف واستوقفته ونظر لها.

إذ أن السُلم لَولَبيّ يتّكئ على جُدران المبنى، لم يَكُ آخرهم ظهورًا، لكنه الوحيد من استوقفته هذه الفتاة الغريبة، هو لأول مرّة يرى فتاة هُنا حتى.

تقرّب منها، يشعر أنه يعرفها، أليست هذه الفتاة تخصّه؟
ويُفارقها فيما يحسّ أنه يألفها ويعرفها، بدَت فريدة جدًا في عينيه.

فهو صِدقًا لم يرى إمرأة مُذُّ زمنٍ بعيد، ذاكرته مشوّشة بهذا الشأن، لكنه يشعر أنه رآها مُذُّ وقتٍ قريب، أراد التحرّي عن فضوله بشأنها، تفحّص مظهرها، تبدو غريبة.

شعرها الأحمر، المُتعرِج، والطويل، الذي ترقص أطرافه على وِركيها، بدى كألسنة لهب مُهيبة وجميلة رغم غرابتها، عيناها الواسعتان ذوات الحدقة الحمراء، لأول مرة يرى عيون حمراء، لعيونها سحر تفشى فيه.

ملامح وجهها الناعمة، بشرتها البضّة، وقِوامها الممشوق، كيف لمثل هذه المرأة أن تُخلَق بهذا الإبداع!

تسآل في نفسه، وامتدت أطراف بنانه ليتحسس ملامح وجهه ذا الفِتن والحُسن، أغمضت عيناها حينما مرّ بأنامله على ناصيتها هبوطًا إلى عينيها، ثم مررها على جِسر أنفها، وانتهى ببنانه مُستقِرّا على شفتيها المُكتنزتين.

إزدرئ جوفه وثنى قامته ليصل إلى هذه الحسناء، تلمّس وجنتيها بشفتيه فقضمت شفتيها، وأغمضت عيناها بعدما شهقت بخفّة.

همس بنغمات هادئة فوق ملامحها البهيّة.

" من تكوني أنتِ؟! لِمَ لا أستطيع أن أبتعد؟!"

لم تجبه، فقط شعرت به، فباسم الحُب الذي أحبته أياه أنها إشتاقت له وللحظاتها الحميمة معه، إشتاقت لكل شيء جميل معه.

" تشانيول"

همست باسمه بصوتٍ شجيّ فتبسّم.

" تعرفيني أيضًا يا ذات الحُسن؟"

أومأت له فيما هو قريب جدًا يلتصق بها، بسطت كفيها على صدره العريض وهامسته.

" أعرفكَ عِز المعرفة"

عبرت شفتيه حدود شفتيها فأخذ يتلمسها هناك وقال.

" وكيف تعرفيني؟!"

همست على شفتيه.

" أنا زوجتك"

لم يسترسل في أسئلته بل باغت هاتين الحُلوتين بقُبلة محمومة، أغمضت عيناها بقوّة، وكمشت على قميصه بأظافرها، ثم هو لم يتوقع أن تُبادله القُبل هذه الغريبة لكنها فعلت، قَبّلته في حين توقع صفعة.

ربما لا يُميّزها، ولا يذكر من هي ولا هو، لا يعرف شيئًا عن ماضيه، ولا يدري أن حاضره مُجرّد خُدعة، لكن الذئب بداخله تعرّف عليها، لا يُمكِن ألا يعرفها.

لأن لهُ قلبًا يُحبها، ويُميز حُبها حتى لو ما عرف وجهها المليح، فميريانا أنثى الذئب وسيدة قلبه، فكيف لا يعرفها؟!

فارقت شفتيه رغم أنها تملك الرغبة لتطيل القُبلات بينهما، إلى حد لا يُمكنها إحتسابه، لكن هُناك ما هو أولى من تفجّر العواطف والحُب الآن.

الآن عليها أن تُحبه وتعزّه عبر حمايته، فتحت عيناها على ملامحه الوسيمة فيما تحتفظ بكفّيها على كتفيه المنصوبين ببهاء.

كان على هيئته البشريّة، شعره أسود وعيناه بُندقيّة، يرفع شعره الأدهم بفاصلة جانبيّة، ويرتدي على جسده هِندام باللون (البيج) ذا ياقة فسيحة؛ تكشف كامل صدره إلا أنه فضفاض بعض الشيء.

تمسّكت بقمّة ثيابه وحدّثته.

" أنت عليكَ أن تأتي معي"

قبض حاجبيه.

" إلى أين؟"

" إلى خارج هذا المكان"

بانت على شفتيه إبتسامة خافتة فيما يتمسّك بيدها، ثم سحبها معه قائلًا.

" لِمَ لا تنضمّين أنتِ إليّ؟ لا يوجد أفضل من هذا المكان"

ثم تشانيول لم يوفّر الفُرصة لها لتعترض عمّا إقترح، بل هو فقط سحبها من يدها معه إلى مُتعته الخاصّة في هذا المكان، إذ صعد بها السُلم حتى وصل بها إلى مسرح مُهيب ذا مقاعد حمراء مُخمليّة.

كانوا إخوانه يجلسون مُتفرّقين بين المقاعد، إقتربت لتراهم من مساحة ضيّقة، إنهم يحتسون الويسكي، وفقط يشاهدون عرضًا موسيقيًا على خشبة المسرح بكل هدوء وتركيز.

تَمعّنت فيهم، لقد بدوا مختلفين، إذ أن جميعهم على حالتهم البشريّة، لكن ثيابهم صارخة ومجنونة بعض الشيء، فالأمير كاي يرتدي بدلة حمراء غريبة ذات ياقة واسعة جدًا، وبيكهيون يرتدي أخرى زرقاء ذات ياقة واسعة أيضًا، وهَلُمَّ جرّ.

جميعهم يبدون مختلفين، بدوا كشباب يتمتعون بالحياة بكل الطرق المُمكنة ويستعرضون وسامتهم عبر تصفيفات شعرهم المُتألقة وثيابهم الصاخبة.

يبدون مثل فِرق البوب الكوريّة التي كانت تتابعهم آيلا قديمًا، جلس تشانيول على إحدى المقاعد في الصفوف الخلفيّة، وجذبها من يدها لتجلس بجانبه، لم يلتفت لها أحد، ولم يلحظ أيٌ منهم أن هناك فتاة غريبة تجلس بينهم، فقط يشاهدون العرض.

وحينما إنتهى العرض خرجوا جميعًا بهدوء، ما كادت تتسآل ميريانا عمّا يحدث وما السِر خلف هدوءهم هذا حتى جلبها تشانيول من يدها، وجعلها تختبئ خلف إحدى الجُدران.

ثبّتها من كتفيها إلى الحائط وفيما ينظر حوله بقلق قال لها.

" فلتبقي هُنا حتى أعود، حسنًا؟!"

أومأت له، فطبطب على كتفيها وغادرها مُسرعًا، إلتفتت لترى ما يحدث، وإذ برجال ملثمون يرفعون أسلحة عليهم.

شهقت ميريانا ووضعت يدها على فمها، إنهم يشبهون الرجال الذين قاتلوهم خارج المُختبر، لكن الحُماة فجأة إختفوا من المكان، وفقط هؤلاء الرجال المسلّحين يبحثون عنهم.

فجأة خرجوا يحاصروا المُلثّمين، من كل جهة ثلاثة معًا، فقد خرج من خلف الحائط الذي تختبئ فيه تشانيول يجاوره سيهون ويرأسهم كاي.

ومن الجهة المُقابلة خرج بيكهيون يخلفه شيومين وتشين، ثم من على اليمين خرج الأمير سوهو يخلفه دي او ولوهان، وعن الشمال خرج لاي يخلفه كريس وتاو.

جميعهم يبدون صاخبين فيما يحملون هم أيضًا أسلحتهم، حتى أن تشانيول يرتدي سُترة جلدية لا يسفلها قميص، متى غيّروا ثيابهم، ما الذي يحدث؟!

لكن للأسف كل فريق منهم حاصروهم مجموعة من الملثمين، وكان ظهر كل واحد منهم إلى آخر، هؤلاء يرفعون أسلحتهم وهؤلاء أيضًا.

إستطاعت أن تسمع تشانيول يقول لسيهون.

" سيهون، حصلت على الصناديق؟"

فأجابه.

" نعم فعلت"

تبسّم تشانيول مُنتصرًا، ثم سدد فوهة المسدس على أحد المُلثَّمين يقول.

" إذن نحن فُزنا بهذه المعركة"

واطلق، لكن ميريانا فغرت فاهها ورمقتهم بلا تصديق ترفع حاجبيها، إذ إنطلق من سلاحه الخمر لا الرصاص.

إستندت على الحائط تستجمع أنفاسها وتنهدت.

" يا إلهي! أيلعبون؟!"

كانوا يرشقون الخمر على الملثمين، والذي يُصاب منهم يسقط أرضًا، ويُمثّل مشهد موت.

شعرت به يمسك بيدها ويركض بها مع إخوانه، ثم جعلها تصعد سيارة حمراء من محطة المحروقات التي تجاور المعرَض يقودها دي او، صعد بجانب دي او فيما سيهون فتح الصناديق الذي تحدثوا عنها، إنها مملوءة بالورود.

ثم بكل حماسة صعد سيهون بجانبها وحيّاها بتلويحة من يده.

" مرحبًا"

ما كانت لتصدق ما يحدث أمامها، وما ملكت إلا أن تصرخ بغيظ.

" ما هذا الهُراء؟!"

ثلاثتهم يرفعون حاجبًا مُغتاظين من سلوكها الذي بدى فظًّا بنظرها، ودي او قال.

" ما المُشكلة في الحصول على بعض المرح يا آنسة؟!"

إستنكرت هي بدورها ترمقهم بغيظ.

" تمرحون؟! حقًا؟!"

نظرت خلفها؛ وإذ بثلاث سيارات يشبهنّ هذه السيارة خلفها، لذا رَبتت على كتف دي او لتَلفِت إنتباهه، وهمست.

" توقف وأوقفهم خلفك، نحنُ بِحاجة لِنتحدث"

دي او لم يستجب لها، بل تابع طريقه يتجاهلها، وتحدث إلى تشانيول بجانبه.

" أتعرف هذه الفتاة؟!"

تشانيول برم شفتيه جاهلًا وهمس.

" لا أدري حقًا، أشعر أنها تخصّني"

تنهدت، وفي مِثل هذه الحالة لم يكن بِمقدورها أن تضيّع المزيد من الوقت بإقناعهم، لذا إختارت أن تتحكم بها ذهنيًا، إذ أمسكت بيد تشانيول فنظر لها، حينها قالت تَنظر في عينيه، وأخذت حدقتيها الحمراوتين تَضيق وتَتَسع وحدها.

" أخبر إخوانك أن يتوقفوا جميعًا على قارعة الطريق"

إتسعت عيناه وضاقت ثم أومئ لها بالطاعة، وجعل إخوانه يصطفّون على قارعة الطريق.

نزلت من السيارة تسبقهم جميعًا، ثم فيما تستند بكفيها على خصريها راقبتهم يترجلون من سياراتهم ويلتمّون في بُقعة واحدة، إقتربت منهم فيما يتجادلون عن سبب التوقف وعن هوية الفتاة الغريبة التي تُلاحقهم.

" من أنتِ؟!"

تسآل الأمير تشين فيما يعقد حاجبيه، وبدى مُنزعجًا لوجودها بينهم.

رفعت ميريانا نظرها إليهم واقتربت منهم، ثم حثّتهم جميعًا للنظر لها، حينها مجددًا إستخدمت قِواها لتتحكم في أذهانهم.

" سموّكم، أنتم أُمراء مملكة الكوكب الضائع، حُماة شعب الأيري العظيم، ملككم الأول هو الحامي تشانيول، وأنا زوجته الملكة، بإنتظاركم المملكة المُحتلّة لتحرروها، وشعبكم المضطهد، وأميراتكم المُتشردات، وأخيرًا قِواكم الخامدة"

أغمضت عيناها ومن داخلها تمّنت لو أنها تقدر أن ترد لكل واحد منهم ذاكرته، تريثت لعل هذه الأُمنية تتحقق، ليت شطر القوة الذي تملكه يخوّلها أن تفعل شيئًا كهذا.

ثم ما إن فتحت عيناها؛ لتنظر لهم، وجدتهم يتناظرون، وقد ارتسمت على وجوههم ملامح قَلِقة.

تنهدت، إذ أن ملامحهم المَجبولة بالقلق تُخبرها أنهم إستعادوا رُشدَهم أخيرًا، حينها اتبعت تشرح لهم الوضع بعدما زفرت أنفاسها من صدرها المقبوض براحة.

" بعدما هرّبتكم من المُختبر لم أجدكم في الشاحنة التي كُنتم ترتاحون بها، ثم تبيّن لي أن الطاقة الحمراء حبستكم بهذا المُكعب، وعبثت في عقولكم فيما تنمحكم موت بطيء عبر تناول طعام البشر"

الدهشة كانت تستولي عليهم، كانوا ينصتون لها، لكن الغضب كان يستشري في نفس كل واحد منهم.

" أنا إستجمعت قِواي وأتيتُ لتحريركم من هذا السجن، فالمملكة بأمسّ الحاجة لكم، الطاقة الحمراء بجيشها من المُستنسخين عاثوا الفساد في المملكة واحتلّوها، إلى درجة لا يُمكن ضبطها من دون قيادتكم، ولا يمكنني وحدي أن أُحرر المملكة، وحدكم من تقدرون على الوقوف في ساحة المعركة"

الرجال لم يكونوا بخير على الإطلاق، فاستيعاب هذا الكمّ الهائل من الأحداث بعد فترة من الغَفلة جعلتهم في صدمة عظيمة.

تقدم منها تشانيول من بين الجميع، وتمسّك بكتفيها بكفّتيه يقول.

" هل كُنتِ بخير طيلة هذا الوقت؟!"

تبسّمت، إذ أنها لم تتوقع أن يسأل عنها من باب أولى، شعرت إزاء سؤاله أنها غالية على قلبه، وأن الجُهد الذي بذلته قليلًا أمام رؤيته قلِقًا هكذا عليها.

أومأت إليه.

" أنا بخير"

تنهد ثم إجتذبها من كتفيها إلى صدره، وعانقها عِناقًا شديدًا، فجعل وجهه في كتفها يشتم عِطرها العالق بين خُصلاتها الرغداء، وشدد ذراعيه حولها لعلها دخلت بين الضلوع واحتضنها قلبه، يعانقها بقلبه لا بذراعيه.

" أنتِ بالفعل تستحقي لقب الملكة، وأنا فخور بكِ جدًا، شكرًا لأنكِ لم تتركينا رغم سوء مُعاملتي، آسف عمّا فعلته بكِ، وأرجو أن تتشبثي بيدي حتى النهاية وتمنحيني فرصة أخرى"

لم تجبه بشيء، لكن شعرت بعينيها نديّتين، تبكي ولا تريد أن تبكي، لقد شعرت بتلك الكلمات تلج قلبها وتستولي عليها، إرتفع عنها فيما يتحسس وجنتيها الناعمتين ويمسح دموعها بإبهاميه، وهي ابتسمت، ألا تؤثر به الطاقة الحمراء الآن؟!

" سأمسك بيدكَ حتى إلى ما بعد نهاية الطريق"

أومئ لها وابتسم، ثم جعلها أسفل ذراعه يلصقها به، ثم قال لإخوانه.

" بما أنني عُدتُ لرُشديّ الآن، وما عادت تستولي الطاقة الحمراء علي؛ دعونا نعود ونُحرر مملكتنا، ونحمي شعبنا العظيم، ثم سنرى ماذا نفعل"

جميعهم قالوا بصوت واحد.

" أمرك جلالتك!"

نظر لها ومسح على رأسها بيده بكل حنان، ثم طبع قُبلة رقيقة على ناصيتها العالية، فتسآلت.

" هل أنت بوعيكَ الآن؟ ألا تؤثر عليك الطاقة الحمراء؟!"

جعلها تسير معه والحُماة من خلفهم يتبعونهم، قال فيما ينظر إلى وجهها ويبتسم.

" أنا بوعيي الآن يا مَلكتي، يبدو أن وجودنا داخل هذا المكعب، وتعريضي أنا وإخوتي لهذا القدر الكبير من الطاقة الحمراء؛ جعلني أستعيد سيطرتي عليها، الآن أنا زوجكِ فعلًا جلالتك"

تبسّمت ميريانا، وشابكت أصابعها بيده، التي تتدلى من على كتفها الأيسر، وقالت.

" ظننتُ أن حربي على سيطرتها عليك ستستمر إلى ما بعد الحرر، شاكرة للرب أنك عُدتَ لي"

ثم هي اتبعت فيما تبتسم براحة.

" إذن لا تُناديني جلالتك، نادِني ميريانا، أو زوجتي، وسأُفضّل لو ناديتني حبيبتي"

ضحك تشانيول مِلئ شدقيه، وقرص وجنتها بلطف فضحكت بدورها، وهو قال.

" حسنًا يا حبيبتي"

شدد على اللقب الذي نعتها به، فأومأت برضى.

مرحبًا بفصول مُزهِرة من حياتها معه، فليكون المُستقبل ربيع علاقتهما الذي لا ينتهي.

.............................

إثنا عشر أميرًا، جميعهم يقفون مُلتفّين حول شجرة الحياة، يرتدون دروعهم الملكيّة، ويتزينون بِحُلَّة الحُماة الفارهة.

تقدمت ميريانا من خلفهم ولقد وضعت رِداء الحرب الخاص بها، والدرع يحمي صدرها، والتاج يزين رأسها، نظرت إلى الشجرة ثم إلتفتت إلى جميعهم تقول.

" حينما عُدتُ إلى المملكة مُذُّ زمنٍ قريب وجدتُها محروقة، تطلب العمل على إحياءها من جديد جُهد عظيم، لكن جونغكوك وجاكسون؛ رجُلا المُهمات الخاصّين بي؛ قاما بالمُهِمّة على أحسن وجه"

نظر الحُماة إلى الرَجُلين المقصودين، الذين يقفا خلف الحُماة فانحنى كلاهما لهم، نظر تشانيول إلى الشجرة التي تحوّلت إلى شجرة تكاد أن تُبصر الحياة وقال.

" بما أنهم أتوا بأثمن ما لدينا، فلنقم بدفنهم تحت جذور هذه الشجرة، ولتتغذى على دمائهم لاحقًا"

إلتفت إلى إخوانه وأمرّ بصوتٍ جهوريّ.

" دُقَّ الناقوس وأعلن الحرب، نحن لن ننتهي إلا مُنتصرين!"

إرتفع صياح عناصر الجيش مُتحفّزين إلى آخرهم للخلاص من الذُل والمهانة، للخلاص من هؤلاء المستنسخين، وللعودة إلى عصور الإزدهار التي مرّت بها المملكة.

قاد الجينرال تايهيونغ الجيش الذي حرره مُسبقًا في مسيرة طويلة، الخطوة الأولى؛ تحرير المساجين من جنوده، وهدم قصر الأعداء.

أما الحُماة؛ فما هُم بحاجة للجيش الآن، وحدهم يقيمون حربًا ويخمدونها، كان الملك والملكة، التي جمّعت قِواها في مقدمة السِرب يطيرون.

والبقيّة من الحُماة، نصفهم نقلهم كريس على جناحيّ التنين، والآخرين نقلهم كاي عبر قِواه.

تجمّعوا جميعًا أمام قصرهم هُم، فلا أولى من قصرهم لتحريره، دخلوه من جميع أبوابه وإبتدأ القِتال على كل الأوجه ومن كل المسارات.

صُراخ النساء كان يعلو في القصر، من سيدات بلاط وعاملات، الجميع جزعون.

ولجوا جميعًا بمُقدمتهم الملك والملكة معًا، وما إن رأوا المستنسخين السِتة يخرجون، وخلفهم مُقاتلين تابعين لهم رفع تشانيول يده وضربهم بكُرة من لهب، فوقعوا كل مُقاتلينهم يشتعلون.

تطلع الملك تشانيول إليهم وقال.

" أستطيع قتلكم بلحظة، لكن لنحظى ببعض المرح"

نظر إلى الأمير كاي من خلفه فأومئ، وبلمحة بصر أصبحوا خارج القصر، في صحراء جرداء، الحُماة الإثنا عشر والملكة، بمواجهة سِتة من المُستنسخين.

تشانيول أمر بصوتٍ عالٍ.

" الأمراء دي او، لاي، شيومين، كريس، لوهان، وتاو، والملكة تراجعوا، البقيّة تقدموا"

أرادت أن تعترض ميريانا، لكن لوهان تمسّك بمعصمها وقال.

" جلالتك، من باب أولى إطاعة أمر الملك، نحن هنا لو إحتاجونا"

تنهدت ميريانا بقلق وأومأت، ثم لزمت مكانها بين الحُماة تنظر بقلق حيال ما سيحدث الآن.

تشانيول وضع خطّ نار بينه وإخوته وهؤلاء المُستنسخين.

" أنتم بفعلتكم المُشينة هذه مشيتم على خطّ النار هذا، ولِقاء تجرأكم على مملكتي، وقصري، وشعبي لا أقل من حياتكم ووجود سيدتكم يكون ثأري!"

تبسّم تشانيول المُستنسَخ وقال.

" أنتَ ثرثار، فلتبدأ القِتال وحسب"

نبس تشانيول فيما ريفع ذراعه.

" لكَ ذلك"

وضربه بكُرة لهب إلا أن الآخر صدّها فارتدت بالهواء، وابتدأ القِتال على سِتة أطراف.

رفع المُستنسخ قبضة من لهب؛ ليضرب بها الملك، فقام تشانيول بمُباغتته بلكمة من نار نال بها منه؛ إذ تراجع عِدة خطوات إلى الخلف.

كان تشانيول يكبت غضبًا دفينًا من النُسخة الرديئة عنه، فلقد كانت ملكته أسيرة بيده وهو يظنها عنده، لا يدري إلى أي قدر أساء مُعاملتها، إنه يحقد على نفسه إزاء ما فعله بها رغم أنه لم يَكُ واعيًا.

فأي غضب سيكنّه لهذا المُستنسخ الذي آذاها عن عمد؟
ولا يدري لأي درجة آذاها هذا الرديء وأوجعها، كأن الوجع الذي نالته بسببه ومنه لم يَكُ كافيًا.

لكن غضب تشانيول لم يَكُ شيئًا يُذكر أمام الحقد الذي يُعتَمل بقلب بيكهيون، فلم يَكُ ما فعله تشانيول المُستنسَخ شيء أمام ما فعله بيكهيون المُستنسخ.

لم يأسره المُستنسَخ فحسب، لا يهتم للأناصل التي علّقه عليها، ولا يهتم للعذاب المُجحف والقاتل الذي تعرّض له منه، لكنها آيلا.

آيلا وحسب من يريد أخذ حقها، فلقد مَثّل أنه هو، وإعتدى على إمرأته النقيّة، لوّث حياتها بجبروته وتسلطه، ولقمّها العذاب والمهانة.

فلو كان بيكهيون يلوم نفسه عمّا فعله بأميرته، فهو لا يُمكن إلا أن يقتل هذا المُستنسخ، ولن يُشفي موته غليله حتى.

تناظرت القِوى واحتدم القِتال، فقد أخذ بيكهيون يضرب بصواعق من ضوء غريمه، ضرب نظيره بقوّة والآخر كان يتصدّى لبعض الضربات، وضربات أخرى كانت تنال منه.

إلا أن الأمير سوهو لم يطل القِتال مع نظيره، فقبل أن يقدم على أول خطوة، صاحت الملكة من مكانها تخبره.

" سمو الأمير سوهو، المُستنسخ حاول الإعتداء على أميرتك وربما عنّفها"

نظر له الأمير سوهو، فيما الآخر يبتسم، ثم لم يكلّفه الأمر إلا أن إنفض عليه وشد قبضته على عُنق المُستنسخ، وقال بين أسنان مرصوصة.

" ثوانٍ وستتحول إلى رماد يطير في الهواء، سأسلب من جسدك كل نقطة دماء وماء، لن تكون قادرًا على الإستنجاد حتى!"

ثوانٍ بسيطة فيما يُحارب المُستنسخ؛ قبضة الأمير على عُنقه تبدّل لونه وتشققت بشرته، ثم انفصل جزء من رأسه عن بقيّة جسده، وأصبح في الهواء تُراب.

إلا أن الأمير سيهون كان يمر بأكبر أزمة، فهو يُقاتل بكل قوته ونظيره شرس جدًا، لا يمكن هزيمته بسهولة، فما أن يضربه ضربة يرتد الهجوم عليه أقوى.

حتى تراخت قِواه وكاد أن ينهار، حتى إن أصاباته بليغة، كان يتمسك بصدره، وعروق عُنقه قد برزت بسبب الألم العظيم الذي يمرّ به.

أراد لاي أن يتدخل، فأمسكت ميريانا بمعصمه وقالت.

" تريّث قليلًا، سأخبره شيئًا"

أومئ الأمير فصاحت الملكة.

" لقد قام بضرب الأميرة فكتوريا وحاول الإعتداء عليها بغيابك، إثأر لأميرتك وبلدك، كُن قويًا سمو الأمير!"

ثم أشارت إلى الأمير لاي أن يُعالجه ففعل، وملك الرياح إستعاد قوّته المنهوبة أضعافًا، فكل شيء أهون من أن يتأذى ظِفر فكتوريا عِنده.

لكن سحابة حمراء كانت تقترب، ميريانا قالت تنبه الحُماة.

" إنها الطاقة الحمراء مجددًا!"

.......................

سلاااااااام

إتأخر الفصل كثير، بس اعذروني، صار معي ظرف.

شكرًا لكل شخص دعى لأمي بالشفاء، والي ما دعى لها، ادعولها ولو دعوة بسيطة لعل دعواتكم تستجاب.

بالنسبة للبارت، ما بعرف، بس حسيته مليان أحداث، وبصراحة ما كنت قادرة أحط حشو لتفصيل الأحداث أكثر، عقلي جامد مؤخرًا فاعذروني.

وطبعا حرب الحماة مع الطاقة الحمراء ما زالت مُستمرة، لكن الفصول العسل والرومانسيّة صارت قريبة جدًا، شوية صبر بس.

المهم، الفصل القادم بعد150 فوت و200كومنت.

رأيكم بميريانا؟

تشانيول؟

الأميرات؟

الحُماة؟

الجينرال تايهيونغ؟

توقعاتكم حول ما ستؤل إليه المعركة؟

رأيكم بالفصل وتوقعاتكم للقادم؟!

دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️