CH9||صفعة و قبلة
" صفعة و قبلة"
"ينزل الحميم على قلبي صوت وجعكِ و ساعات ضعفك، لكنه حميم إلى قلبي وجعي إن كنتِ السبب فيه إنتقاماً"
السماء من أعلاهم مُظلِمة، و رغم حِلكة الليل فالنجوم تضيء و كأنها شموس صغيرة ترصع عباءة السماء.
الرعد يضرب السماء فبخال للرآي أنها تصدعت و من ثم السماء صرخت بصوت مرعب و أضائت أفلاكها، الغيوم تجمعت في كَبد السماء كشقيقات تآزرن في حضن سماوي مُلتهب بعد أشتياق و أخذت تمطر مطراً شديداً.
قطيع ذئاب كالسِرب يعدون خلف بعضهم البعض، و على خلاف أعراف الذئاب فإن العدّاء الأول أشدهم غِلظة الآن، يركضون و يزمجرون.
يخيفون الغابة و سكانها من حيوانات بعِوائهم و صفيق مخالبهم بحشائش الأرض أسفلهم، زمجرتهم هذه التي لن ينتهي إلا بصيد ثمين جداً يطفئ لهيب الذئب المشتعل، الشاه لا يُسمن من جوع الآن و لا يكفي شحمه ليطفئ النار التي أوقدها الحب، ركضت الذئاب في الغابة تبحث عن فرائس كبيرة؛ كثور أهوج يصعب ترويضه أو أسد ظنّ نفسه ملكاً و هم موجودين.
في مقدمة القطيع يركض ذئب أشوس ضخم الحجم و يفوق بقية القطيع بحجمه، يتفشى الشرار فروه الكثيف و يخرج من فاهه حِمم إن إنبلجا فكيه القاتلين.
ذلك الذئب بدى ثائراً محموماً أكثر مما يكون جائعاً مُنتشياً برائحة الدماء، بدى كما لو أنه يرقد على النار، و هذه هي الحقيقة.
جال في الغابة سريع الخُطى كمُفترس خطير تتحاشاه الغزلان الناعمة و هو لا يهدف لصيد يستسلم له بسرعة.
" تشانيول! اضبط نفسك، لا يصح أن تكون في مقدمة القطيع، أنت الأقوى!"
على غِرار عادة الذئاب بأن يترأس قُطعانها أضعف ذئابها، كان تشانيول في المقدمة و هو أقواهم، لكنه تجاوز عن قوانين القطيع و ركض في المقدمة.
الطاقة العظيمة في جسده و النار الجديدة تجعله يتخطى أي قانون قد وضِع ليطفئ اللهيب في جوفه.
رفقة هذه الطاقة هناك ألم عظيم، صراخها ما زال يتردد في مسامعه، دموعها التي نزلت على قلبه أحر من ناره، و الأدهى أنها إمرأته الشرسة، يتمزق قلبه كلما تذكر صورتها تتذلل إليه كي يتركها.
لكنه كان مجبوراً مثلها رغم ذلك يحمل نفسه ذنب إجبارها، فهو من مارس قوته ضدها، و في النهاية؛ هو الوحيد الذي تغذت أعماقه بحلاوتها الفذّة.
رأى ثور أحمق بعيد عن قطيعه، هذا حال الوحيدون في الغابة، ركض إليه ذلك الذئب المشتعل و تبعوه بقية الذئاب، قفز على ظهره قفزة عالية كافية لتسقط ثوراً بهذه الضخامة، و حينما سقط غرس مخالبه في عنقه يسهل عليه موته، ثم ما تركه حتى أفرغ كل طاقته المجنونة بلحمه الشَحِم و دمه الذي يتصبب منه بغزارة.
ما تدخل أحد من إخوانه في شراسته و لا قاطعوا عليه إفتراسه المتوحش، حتى إنتهى من الثور ترك إخوانه يتناولون لحمه و عدى هو بعيداً عنهم، حاول سوهو إيقافه قلقاً قبل أن يترك القطيع.
" تشانيول عُد و لا تخرج عن القطيع!"
إستوقفه كريس حينما إقترب منه.
" لا تخشى شيء، سيعود آمناً"
حينما رأى حرس القصر ذئاب تعدوا ناحيتهم فتحوا البوابة و انحنوا لإستقبالهم جميعهم، دخلوا الذئاب و بمشهد غير عادي لكن مُعتاد عليه في باحات هذا القصر الفسيح، جالوا الذئاب في القصر ثم تفرقوا كل واحد إلى قصره.
دخل بيكهيون الذئب قصره فاستقبله الخدم و العُمال بإنحِنائهم له ببلاطه الرمادي، عدى الذئب إلى جناحه و حينما انفرج الباب لأجله إنحنى الحرس.
حينما رأت آيلا ذئباً أشبه بدُب في حجمه يقتحم الجناح صرخت و نهضت من مضجعها فزِعة، لكن ذلك الحيوان و كأنه يفهم مشاعرها تجاهلها و دخل دورة المياه.
تقدم منها الخدم حينما لحظوا الحالة المُريعة التي هي عليها، فلقد سقطت أرضاً تلم نفسها في الزاوية، تكمش على فستانها و تبكي فزعاً، لكنها جامدة لا تقوى على الحركة، كان من السهل عليهم أن يدركوا أنها لا تعرف عن هذا الذئب شيء.
" هل رأيتِ ذلك الذئب المخيف يدخل إلى دورة المياه؟! اطلبي المساعدة!"
قالتها آيلا حينما لاحظت الخادمة التي جثت بقربها فتحدثت الأخرى.
" سيدتي لا تخافي، إنه سمو الأمير، الحامي بيكهيون"
كان قد شحب لون آيلا، عيناها متسعة و صدرها يعلو و يهبط على وتيرة سريعة كما لو أنها كانت تعدو عوضاً عنه، قبضت حاجبيها لقول الخادمة، لا تفهم أي جزء من كلامها، فكله عجيب، لكنها بأرض العجائب بالفعل.
" ماذا تقولين أنتِ؟!"
خرج بيكهيون من دورة المياه يضع على جسده روب أبيض و شعره يقطر ماءً، رمقها بنظرات جادة فإزدرئت جوفها متخوفة خصوصاً حينما أشار للخدم بالرحيل.
وقفت على قدميها رغماً عنها متكأة على الحائط من خلفها، تقدم إليها و هي ما تراجعت إنما بقيت واقفة بمكانها رغم أنها ترتجف لأنها ما رأته قد جمد قدميها بالفعل.
قالت تنكر رؤية عيناها منذ فينة.
" متى دخلت؟!"
تبسم هازئاً من سؤالها و من ثم ضحك، ضحك و هي إزدرئت جوفها بقلق، حتى ضحكاته الهادئة تثير خوفها.
" ما بالك تضحك؟ أقلتُ شيئاً فكاهي؟!"
إرتفع حاجبه عن ناصيته و إتسعت إبتسامته معجباً ليقول.
" ها أنتِ تردين علي! منذ متى أصبحتِ تملكين لسان؟!"
أشاحت بوجهها عنه مستاءة من سخريته منها، إقترب إليها حينما تجاهلته و لا يبدو أن نواياه حميدة.
تراجعت إلى الخلف من جديد بينما هو يتقدم منها، و حينما أعاق السرير من خلفها تراجعها توقفت لكنه ما زال يتقدم.
نظرت في عينيه الأجنبية عن قراءاتها، إنها لا تفهم مشاعره ناحيتها، يكرهها أم يحبها، يريدها حقاً أم أنه مجبوراً عليها كما هي.
حالما أصبح أمامها لا يفصله عنها شيء، بل إقترب أكثر حتى شعرت بجسده يمس جسدها قال و على شفتيه إبتسامة عابثة خصوصاً أن مظهرها ذاك يثير نشوته، تبدو لطيفة و رقيقة إلى هذا الحد.
" ما بها حلوتي مُستاءة فجأة؟!"
كمشت أناملها في راحتها بقوة مترددة بين أن تبقى ساكنة أو أن تتحرك لمقاومته، بعد تردد قررت ألا بأس في مقاومته، لعلها صوّبت سلوكه الأعوج نحوها، لربما عاملها بلطف.
رفعت يديها إلى صدره لتدفعه عنها بكامل قوتها لكنه ما تزحزح من مكانه بل إتسعت إبتسامته و حسب، إتسعت عيناها بينما تنظر إليه، لا يبدو قوياً إلى هذا الحد، تنهدت و قد نجح مجدداً في إثارة غيظها و فشلت في تقويمه.
همست على وتيرة متقطعة بينما تنزل يداها عن صدره.
" فقط لا تقترب مني إلى هذا الحد"
ارتفع حاجبه مجدداً و عاد ليبتسم بعبث ثم همس.
" إن كنتِ ترفضين إقترابي فسنواجه مشكلة فيما بعد، حينما نتزوج أقصد"
قبضت حاجبيها و لكنها حافظت على صمتها، إنه جريء و وقح أيضاً، حينما ما ردت عليه همهم بإنتظارها أن تجيبه، لكنها لم تستجيب فاقترب أكثر و أكثر حتى سقطت على السرير و شهقت خوفاً منه.
آتى أعلاها مرتكزاً على ذراعه و بيده الأخرى أبعد خصل شعرها التي تناثرت على وجهها و قال ينظر في ملامحها المستنفرة بجزع.
" لحُسن حظكِ أننا لسنا مضطرين للتعجيل في زواجنا كما أخي و أختكِ، لكن حتى نتزوج عليكِ أن تتقبليني قربكِ، أنا لا أطلب فرصة و لا أمنحكِ خيار فأنا بيكهيون، إنما فقط أقترح عليك أن تعتادي علي، فحينما أقترب منكِ مستقبلاً سألتحم بكِ و لن أنفكِ عنكِ أبداً مهما رفضتِ"
نبس بآخر قوله محذراً و في ذات الحين عابثاً و متشوقاً لساعة الألتحام تلك، إنه يهددها علناً و بلا إستحياء، إزدادت جموداً و صمتاً عن اي قول ترد فيه عليه، إنما هي فقط تنظر إليه بخوف و تتنفس بإضطراب.
إنخفض على أعقابه كي يتسنى له أن يهمس بأذنها بأنفاس حارة و نبرة جريئة.
" بالمناسبة، أتشوق جداً لتلك الساعة التي تصبحين فيها هكذا و لكن بلا ثوبك"
قضمت شفاهها خجولة جداً و همست.
" تعلم أنك وقح جداً؟"
قهقه بخفوت و من ثم أومئ إليها، و ليؤكد تهمتها عليه؛ طبع على عنقها قبلة خفيفة جعلتها تنشز بكتفيها خجلاً قبل أن يغادرها بإبتسامته الشقية تلك.
ذهب متجهاً ناحية ركن الثياب و من هناك استدعى خدمه كي يهندموه بثيابه الملكية، أما هي فنهضت بصعوبة عن السرير و بينما هي مارّة من لدُن المرآة استوقفها مظهرها.
إقتربت من المرآة سريعاً و نظرت في البقعة الداكنة على عنقها، تلمستها بأطراف أصابعها لتنشز متألمة، لقد كانت قبلته خفيفة جداً، كيف خلَّفت كدمة داكنة سريعاً ما ظهرت كهذه؟ و تؤلم أيضاً؟!
.........................
تنام ميريانا على فِراش من حرير يريح جسدها المنهك، مدثورة بأغطية تقيها شر البرد و تدفئها جيداً، أمها على يمينها و آيلا التي تركها بيكهيون ترى حال أختها على يسارها.
كِلتاهن بجوارها ينتظرن منها حركة و لكنها ساكنة منذ الأمس و لا تستفيق، إنبلج الباب على حين غرّة على وِسعه و دلف من شقّيه رجل محموم بالقلق.
لا يرتدي سوى روب من حرير، شعره الأحمر مرفوع عن جبهته و يتوهج توهجاً شديد، الوشم في عنقه ينبض بقوة كما أن البرق على جفنه يزداد بريقاً.
جلس على طرف السرير قُربها و اعتكز بمرفقه أقرب إليها ينظر في وجهها محزوناً، قوّم وجهها إلى واجهته و تفحض آثار حبه الدامغة على بشرتها.
تنهد مستاءً و الخوف يلفحه و يلسعه ببَرد رغم أنه من نار دمه، زرقاء شفتيها و كدمات واسعة المحيط تنتشر على وجهها و أكثرها حول شفتيها.
عنقها ملونة بألوان أليمة، و ما إن رفع طرف الغِطاء عن جسدها بدى له ما هو أكثر سوءاً فأغمض عينيه و سترها، تحدثت والدتها تلومه.
" وعدتني أن ترفق بها؟! لِمَ كل هذا العنف سموك؟!"
ما تزحزحت عينيه عن مرآها و أجاب أمها الماثلة على يمينه تحتج و لها الحق بأكمله، يشهد الحب الذي شاركه بها أنه كان ودوداً لطيفاً معها لكنه يبقى حامي النار.
" ما عنفتها كما تظنين، أنا إن مسستها برفق فقط ستترك آثار دامغة كهذه، لأنني أحبها"
تنهدت السيدة و ما بدى أنها تفهمت عذره لكنه يعذرها، هي الأم التي سلمته ابنتها بشرط أن يحفظها، فتعود إليها في أول ليلة مٌقطعة أواصلها مع الوعي.
" سأطلب من لاي أن يأتي ليعالجها"
نهض من جانبها و خرج يستدعي لاي و حينما آتى أصهب الشعر أزرق العينين دخلا معاً، جلس لاي على طرف السرير و أمسك بيد ميريانا ثم أغمض عينيه.
لمع البريق على جفنه و أضاء شعره الأبيض بنور قوي كما أن الوشم في عنقه أخذ ينبض بقوة، بعد فينة فتح عينيه اللتان تعكس لون السماء.
بهتت الكدمات عن وجه ميريانا و عنقها، ثم رويداً رويداً إختفت و ما عاد له وجود، بدأت بشرتها تنضب بالصحة مجدداً حتى فتحت عيناها رويداً رويداً و زفرت أنفاسها.
أنفرجا جفنيها النعسين و نظرت حولها حتى رقد بصرها عليه، سكنت تنظر إليه و هو استنزف المسافة التي تفصله عنها ليقترب منها أكثر.
نظرت إليه بسكون و أسهبت في النظر إليه بلا قول شيء، بدت له ساكنة جداً و كأنها ما تألمت بسببه، و كأنه ما أجبرها على جسده.
" ميريانا، أنتِ بخير؟"
همس يتحدث إليها بهدوء رغم قلقه مما هي مقدمة على فعله فأنه يعرفها، إن كان هو أسد فهي أنثى الأسد و إن كان سيد النار فإنها سيدتها.
تلك التي لا تترك لها حقاً باقٍ عند أحد، و لا تطوي صفحات من عمرها و لا تبدأ من جديد، إنما العمر عندها من صفحة واحدة و لا تُقلب تلك الصفحة إلا عندما يجف الحبر من أوصال الحياة فيها.
غرقت عيناها بدموعها، و قبل أن تذرف من بنات عينيها أشاحت بهنّ عنه و نظرت إلى الجانب الآخر، حينها سارت دموعها على صدغها و لأسقاط المزيد منها أغمضت عينيها و سارعت في مسحهن كي لا تبدو مهتزّة بينما هي تتأرجح على حافة الإنهيار بالفعل.
"مير! انظري إليّ، صدقيني أردتُ لكِ الخير، لقد شلَّ الخطر تفكيري، أنا كنتُ خائفاً عليكِ، تفهميني، أنتِ ثمينة حد روحي بالنسبة إلي"
إزدرئت ميريانا جوفها بعد تكاتف الغصّات في حلقها و ما إلتفتت إلى كلامه -الذي بدى بالنسبة لها مجرد عذر تافه بينما جُل الحقيقة فيه بالفعل- إنما أوجزت تحدث شقيقتها.
" أخبريه أن يدعني و ينصرف، بما أنه أخذ حاجته مني، ما عاد له ذريعة للقائي، أنا لا أريده و لا أهتم لمشاعره، بما أنه أستطاع إلحاق الأذى بي رغم ما يدعيه من حب، إذن حبه ليس متيناً كفاية، و أنا لا أجتبي النواقص"
إنغمس وجهه في قاع الذل و انتكس رأسه يطل على قعر الرذيلة، هكذا تصور كلامها، أنه كما نعتته مجرد شهواني قذر.
قام من على السرير و قال بثبات رغم أنه يتخبط في داخله.
" آسف سموكِ لكن ليس كل أمانيكِ أستطيع تحقيقها، سينقلونكِ عودة إلى جناحي و لتبقي هناك."
أغمضت عيناها تتجاهل قوله، تعلم أن العِناد و الرفض لن يأتي معه بنتيجة، بعدما خرج رِفقة أخيه الأصهب أوكلت الوسادة تحمّل دموعها و بكت من جديد، ما كان حضن أمها كافياً لمواساتها و لا تربيتات شقيقتها، ما كانت لتجد حُضناً يحويها و ألمها أبداً.
كان كثيراً عليها أن تتحمل كل ما حدث حتى الآن، منذ أن داست قدمها بلاط القصر هذا، منذ أن قابلته حتى.
ما خالت نفسها تنتهي يوماً هكذا، بلا أحلام، بلا أعمال، بلا طموحات، بلا إنجازات، و الأهم بلا شخصية، بلا إرادة.
إنها إمرأة عملية، بحت ترى العطفة منعطف جانبي في الحياة لا يقطعها عن سيرها في الطريق الرئيس.
و الآن هي مجرد إمرأة لرجل قد إعتدى عليها و يطوعها رغماً عنها لأمره و ثم يتذرع بالحب، ألا يدرك أن الحب درع هزيل؟!
دخل عليها بعض الخدم و نقلوها إلى جناحه من جديد، بين تلك القضبان التي تسمى جناحه الملكي، بين جدرانه الملكية التي أقامت محفل على وقع جريمة أغتصاب أقامها عليها فيه.
تولدت الرغبة في نفسها لشنق نفسها بأحبال الستائر الفخمة تلك و لكنها كيم ميريانا، الفتاة التي لا تستسلم، إنما تبقى في صف الدفاع الأول، فإما أن تموت بكرامة أو تنتصر.
حتى حان المساء بقيت طريحة في الفراش بلا حِراك، إنما هي فقط لا تجد في الحركة خيراً يحفزها على الأستغناء عن مرقدها.
طُرِقَت بوابتها و ما ردت بل هي فقط ساكنة في فراشها تنظر إلى السقف.
" مولاتي، بُعِثَت لكِ دعوة إلى قاعة النسوة لتناول العشاء."
تحركت لتنام إلى جنبها الموالي عن الخادمة تُنمي عن رفضها للدعوة، فانحنت الخادمة لها ثم غادرت.
ما انقضت سوى بضع دقائق حتى اُقتحِمَت الغرفة من جديد، تنهدت بأستياء إذ سُرعان ما أدركت من ذاك الذي دخل، رائحة عِطره الفوّاحة و الحرارة التي يجلبها معه.
قبضت بأناملها على مِلائة السرير و أغمضت عيناها بقوة تدعي النوم، لكنه ما كان غافلاً عن تمثيلها الفاشل كما أنه لم يرد أن يُحرجها و يكشفها علانية.
إقترب إلى السرير ثم جلس بظهرها، اقترب أكثر يضع يده على كتفها و حدثها بلين.
" أميرتي، فلتنهضي، أنتِ لم تتناولي شيئاً منذ البارحة"
لكنها ما أستجابت إليه بل تمسكت بتمثيلها المهترئ أمامه، فصفق يرتب خصل شعرها على الوسادة و ابتسم قائلاً.
" لستُ هنا لأقنعكِ بالحياة في قصري و أجعلكِ تعتادين عليها و علي، أنا أريدكِ أن تفكري بالأمر بنفسكِ بلا تدخل مني، حتى ذلك الحين استمري في العيش تحت سقفي تعلقاً بالحياة لا بي"
هزأت و بان رثاثة تمثيلها حينما همست.
" يا لك من واثق!"
سرعان ما تبسم إبتسامة ملأت شدقيه، فها هي أخيراً قد إستجابت له، لا ينفع معها سوى إستفزازها، قعدت على الفراش و إلتفتت إليه قائلة.
" ارفع سقف آمالك أكثر، لعله يسقط يوماً على رأسك و ارتاح منك"
قهقه رغم أنها دعت عليه بالشر، لكنها ظريفة مع حاجبيها المقبوضين و شعرها المنكوش، ملامحها الساخطة الغاضبة عليه بدت ظريفة.
" حسناً، فلتشتميني كما تريدين، زوجكِ رجلٌ متفهم، الآن انهضي و اغتسلي، سأبعث الخدم لكِ لمساعدتك."
خرج متجاهلاً نظراتها التي تزدرئه، بعد فينة دخلنّ بعض الخدمات، رفضت معونتهن في الحمام، كان ذلك عجيباً بالنسبة لها، حتى في أخذ حِمام سيساعدنّها.
خرجت تلف جسدها بروب و لاقتهن في جُنح الثياب، إرتدت فستان خمري اللون بأكمام كاملة، يضيق على جذعها ثم يتسع من أسفل خصرها حتى أطرافه المترامية أرضاً.
وضعنّ لها قِلادة في عنقها معلقةٌ بها ألماسة كالتي سبق و إن إرتدتها هنا، لكنها لا تعرف إلى ماذا ترمز.
ترامت خصل شعرها الأحمر على كتفيها و بعضه ارتفع ليثبت التاج فوق رأسها، تاج من الذهب الخالص بمنتصفه تلك الألماسة و على جنبيها رمز قد فهمت أخيراً معناه بما أنه موجود على كتفها، رمز النار.
تنحينّ عنها الخادمات حالما أنهين عملهن، خرجت من الجناح فرافقها بضع حرس يقفون قرب الباب و بضع خادمات أخريات، جميعهم كانوا يرتدون زي أحمر اللون.
سارت إلى حيث قادوها إلى خارج قصر تشانيول بإتجاه القصر العام، دخلت و من ثم تابعت سيرها حتى توقفت أمام بوابة ضخمة فتحوها الحرس لأجلها و انحنوا لها حتى دخلت.
قاعة كبيرة فارغة إلا من اللوحات، الثريات الفخمة، الستائر الباهضة و طاولة طعام طويلة يجلسن عليها إثنتا عشر إمرأة بمقعد شاغر وحيد وضع في ظهره رمز النار.
تجاهلت والدتها و تحركت لتجلس في مقعدها بجانب آيلا، نظرت في النساء، جميعهن جميلات و ينظرن نحوها بإبتسامة مُرحبة فشعرت بالخجل، يرتدين فساتين مشابهة لفستانها لكن بألوان مختلفة.
" مرحباً"
أجابت الأميرة ذات الفستان الأزرق قائلة.
" أهلاً سموكِ، دعينا الآن نتناول الطعام ثم نتحدث في الأمور المبهمة بالنسبة إليكِ"
تنهدت ميريانا ثم أومأت، كثيرة هي الأمور المبهمة بالنسبة إليها و تحتاج لجلسة طويلة، لكن نداء المعدة الحثيث أوجب الآن.
حينما سدت جوعها بالطعام كما البقية نهضن جميعاً و سِرن إلى الشرفة الفسيحة، هناك وضعت آرائك فخمة و كثيرة تملئ الشرفة مع بقية الأثاث.
جلست ميريانا قرب أختها و أمها، و بقية النساء متوزعات على الآرائ، لكن إهتمامهنّ مصبوب ناحية النساء الثلاث من نفس العائلة، الأختين و أمهما التي تبدو صبيّة مثلهما.
و لأن ميريانا هي صاحبة الشأن الأول توجهت ذات الفستان الأزرق بالحديث إليها.
" حسناً، حان الوقت لنتعارف، نحن هنا جميعاً أميرات زوجات الحُماة، أنتنّ بالفعل آخرنا وصولاً."
عقدت ميريانا حاجبيها تريد تفسير أوضح، فاتبعت فتاة ترتدي فستان ذهبي و تحمل رمزاً مختلف، لكن الملفت للنظر، جميعهن يضعنّ ذات الألماسة في عنقها كقلادة و في منتصف التاج على رؤوسهنّ.
" ماريا تحب تشويق المُستمع قبل أن تدلي بالقول المفيد، حسناً هي زوجة ملك الماء سوهو، و أنا زوجة كريس كاترينا، إن رأيتِ جناحيّ تشانيول من قبل فهذين إمداداً من كريس"
تبسمت ميريانا بحرج و قالت.
" يبدو أنكِ تطمحين لإزالة العُجم عن فهمي لكنكِ تزيدين وضعي سوءاً"
ضحكنّ الأميرات و تدخلت حينها أميرة ثالثة.
" دعكِ منهنّ، هنّ زوجات القوّاد و لا يجدنّ شرح الأمور، سموكِ نحن هنا مثلكِ و مثل شقيقتكِ، على الأقل أنتِ تملكين أمكِ و أختكِ هنا بينما نحن لا نملك شيء، نحن جُلبنا إلى هنا كل واحدة على حِدة، جَلبنا إلى هنا ما كلف الحُماة أزواجنا سوى ليلة واحدة"
اتبعت ذات الفستان الرملي قولها.
" لقد أتيتُ منذ البداية فكنتُ أول العرائس تُزف لأحد الحُماة رغم أنه لم يكن أكبرهم، قضى معي ليلة و أخذ قوته مني و من ذلك الوقت و علاقتي به طبيعية، نعيش كأي زوج و زوجة فيما بيننا و على واجهة الناس نعيش حامي و أميرته، أنا لا أقص عليكِ قصتي تحديداً، إنما جميعنا هكذا"
نظرت ميريانا في الفتيات فأومئن لها موافقات، لتتبع ذات الأميرة.
" تشانيول بُعِث إلى الأرض منذ سنين لجلبك لكنه لم يأتي بكِ بليلة واحدة كما إخوانه إنما هو وقع في حبك و حاول إيقاعكِ في حبه، ذلك إن أتيتِ هنا و فُرِض عليكِ الزواج به توافقين و لا يلجأ لتقييدك، خلال الوقت الذي كان فيه تشانيول على الأرض بان في بلورة بيكهيون أن شقيقتكِ هي أميرة بيكهيون فلحق به، منذ ذلك الحين و نحن ننتظر عودتهما، تزوج بقية الحُماة و مضى وقت طويل دون أن يعود، ما جلبكِ حتى لجأ زوجي لتهديده حتى يعود بكِ"
أومأت ميريانا و ها قد فهمت بعض الأمور فقالت.
" أي أن مصير آيلا كمصيري؟"
أومأت الأميرة لتكمش آيلا على فستانها و تزفر أنفاسها بقوة، بيكهيون لئيم و سيكون معها أكثر لؤماً حينما يتزوجها، هو ليس كتشانيول العطوف.
نظرت ماريا إلى آيلا حينما لاحظت كم القلق الذي تلمه تقاسيمها المليحة فضحكت بخفة و علقت.
" ربما بيكهيون يبدو لكِ شديداً لكنه في الواقع أبله، أذكر أن سوهو أخبرني أنه عاقبه لأنه يسيء التصرف لكِ، بيكهيون يظن أن معاملته الخشنة معك دليلاً على رجولته"
نظرت آيلا إلى تلك الأميرة فأومأت الأخيرة تطمئنها، بيكهيون ليس قاسياً، يدعي القسوة!
تنهدت ميريانا و امتدت يدها لتربت على يد شقيقتها، لن تخبرها أنها ستنقذها، لن تخبرها أنها هنا لأجلها، أو أنها ستخلصها كما وعدت في السابق.
هي لم تكن قادرة على إنقاذ نفسها، إنها تشعر بالعجز و حسب، صوتاً يأتيها من داخلها يخبرها أن تستسلم للأمر الواقع.
هناك تضارب و تخبط خشن الوقع في نفسها، بين أن تحارب أو أن تتوقف حتى هذا الحد، لكنها لا تستطيع أن تتقبل حياتها الجديدة هذه بهذه السهولة، و لا تستطيع أن تتقبل تشانيول زوجاً لها كما فرض عليها.
في المساء عادت ميريانا إلى جناحها، زوجات الحُماة، الأميرات، كنّ سهلات المعاشرة، ظريفات و لطيفات.
تزعزع العبئ في نفسها بعدما تعرفت عليهن، على الأقل؛ ليست وحدها من كان ضحية لهذه المملكة.
عادت إلى جناح ملك النار حينما جنح الليل على النهار و تفرقت النساء إلى مضاجعهن، سارت إلى جناحها في القصر متبوعة بخدمٍ من النساء.
حينما ولجت إلى الجناح تنهدت ثم استندت على الباب ثقيلٌ عاهلها، فزعت و سارت بها رجفة حينما سمعت صوتاً أتاها من الداخل.
سارت إلى الداخل و إزدرئت جوفها، إنها لم تواجهه بمفردها منذ أن ملكها و رغم أنها لاحظت أنه حاول بكدٍ أن يكون لطيفاً معها إلا أنها تألمت ألم شديد و تلك الآثار التي كانت على جسدها كانت تحرقها كما الوشم الغريب في كتفها.
تبسم حينما رآها تلج إليه، كان يضع على جسده روب ثقيل و بمنشفة صغيرة يجفف شعره الذي يقطر ماءً على الأرضية.
إلتفتت سريعاً عنه تمنحه ظهرها فابتسم و قال.
" كنتُ متوجهاً لإرتداء ثيابي، لا تخافي"
أومأت بحرج فتجاوزها ليحصل على رداء النوم الملكي، وضع يده على كتفها لتشهق مبتعدة و كأن ثعبان لسعها.
إلتفتت إليه سريعاً متسعة عينيها و قد شهقت مرتعبة، رفع يديه في الهواء قاصداً السِلم و قال.
" ميريانا، لا تخافي! أخبرتكِ أنني لن أؤذيكِ أبداً!"
إزدرئت جوفها تتنفس بثقل و قالت.
" إذن إبقى بعيداً عني و أياكَ أن تقترب مني!"
تنهد و أومئ لها قائلاً.
" حسناً، كما تشائين، سأبقى بعيد، كنتُ أريد أن أعلم حال كتفك"
أجابته بغلظة.
" بخير طالما أنت بعيد"
تنهد منزعجاً لكنه ما أظهر سوى حنانه معها.
" قصدتُ الوشم، أليس مكتملاً؟"
تراجعت عنه سريعاً قائلة بنبرة مهزوزة، تخشى أن يتكرر الأمس من جديد.
" لا أدري و لن أدعك تمسني"
اقترب منها خطوة فتراجعت عشر و صرخت غاضبة.
" لقد وعدتني ألا تمسني مجدداً إلا برضاي و أنا لا أريد!"
سرعان ما أجابها بصوته الحنون.
" و أنا على وعدي فلا تخافي مني، أنا بحاجة أن أرى كتفكِ، دعيني أفعل!"
نفت برأسها رافضة فاقترب إليها سريعاً و هي همّت بالفرار منه لكنه أمسك بها من خصرها و حزم ذراعيه حول قدّها.
صرخت تنتفض و تنهال بلكمات على كفيه المتعاضدين فوق بطنها لكنها ما إستطاعت تحرير نفسها منه.
أمسك بطرف فستانها و أنزله ليرى الوشم، لقد أصابت توقعاته، الوشم ليس مكتمل لأن هناك المزيد من الطاقة بها و بالنظر إلى شعرها الأحمر أنه يزداد توهجاً بإقترابه فأنه أدرك أنه بقي فيها طاقة أكثر مما أخذ، جعلها تلتفت إليه و قال.
" أتشعرين بالحر حينما أقترب منكِ؟!"
و لأنها ما فهمت قوله على الوجه السليم شعرت بالدم يتدفق إلى وجهها ليمتلئ خجلاً، و بقدر الخجل غضب، ستفرغه الآن بلا شك.
إرتفعت يدها التي كانت مقبوضة تنهال على يده بلكمات و سددتها مبسوطة و صفعت وجنته بقسوة.
لقوة الصدمة هو تراجع عنها مذهولاً و ارتفعت يده إلى وجنته، أغمض عينيه و مسح وجهه بعصبية يقول.
" اهربي، أنا جاد حقاً، اهربي قبل أن أفقد سيطرتي على نفسي"
إزدرئت جوفها حينما رأت أن الدخان النفّاث الأحمر أخذ ينبعث منه، ستخاف من رجلٍ يشتعل و يحرق و لا يحترق بالتأكيد.
رفعت أطراف ثوبها و ركضت بعيداً عنه، صرخت حينما رأته يجري من خلفها، أسقطها على إحدى الآرائك و أمسك بها جيداً كي لا تهرب.
" أتطلب مني أن أهرب و حينما أفعل تمسكني؟ أتظننا قط و فأر!"
إمتدت يده إلى وجنتها فأغمضت عيناها بجزع لكنه تلمسها برفق و قال.
" سموكِ، إن كنتِ الفأر فلا بأس معي بدور القطة، لكنني لا أحب المطاردة كثيراً، أخشى عليكِ من أسناني فيما بعد"
......................
سلاااااااااام🌚
بارت هادي لا يعكس مزاجي السادي😂
للكوت في بداية الفصل معنيين، لكلمة حميم معنيين.
هسا قرّاء حاقد عاشق ينبسطوا لما يشوفوا التحديث😂😂😂😂
على كل حال؛ كان لازم ينزل البارت من شي خمس أيام و لكن كاتبكم كسووووولة جداً و بدت جامعتها و الفصل الأخير.😪😪😪
المهم، خليكم بترقب للأحداث، أحداث الرواية مو هادية و لا منفعلة جداً.
البارت القادم بعد 70 فوت و 70 كومنت.
١.رأيكم ببيكهيون و آيلا؟! معاملة بيكهيون و ماذا تظنون حقيقة مشاعره؟ و هل ستتقبله آيلا أم أنها سترفضه؟!
٢.رأيكم بميريانا و الحالة النفسية و الجسدية التي وصلت لها؟
٣.رايكم بتشانيول؟ تشانيول الذئب؟ معاملته الحسنة و تعامله مع مير وقت ما صفعته؟
٤.رأيكم بالأميرات؟ هل اكتشفتم المزيد من الأسرار؟ ما هي؟!
٥.رأيكم بالبارت ككل و توقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
"ينزل الحميم على قلبي صوت وجعكِ و ساعات ضعفك، لكنه حميم إلى قلبي وجعي إن كنتِ السبب فيه إنتقاماً"
السماء من أعلاهم مُظلِمة، و رغم حِلكة الليل فالنجوم تضيء و كأنها شموس صغيرة ترصع عباءة السماء.
الرعد يضرب السماء فبخال للرآي أنها تصدعت و من ثم السماء صرخت بصوت مرعب و أضائت أفلاكها، الغيوم تجمعت في كَبد السماء كشقيقات تآزرن في حضن سماوي مُلتهب بعد أشتياق و أخذت تمطر مطراً شديداً.
قطيع ذئاب كالسِرب يعدون خلف بعضهم البعض، و على خلاف أعراف الذئاب فإن العدّاء الأول أشدهم غِلظة الآن، يركضون و يزمجرون.
يخيفون الغابة و سكانها من حيوانات بعِوائهم و صفيق مخالبهم بحشائش الأرض أسفلهم، زمجرتهم هذه التي لن ينتهي إلا بصيد ثمين جداً يطفئ لهيب الذئب المشتعل، الشاه لا يُسمن من جوع الآن و لا يكفي شحمه ليطفئ النار التي أوقدها الحب، ركضت الذئاب في الغابة تبحث عن فرائس كبيرة؛ كثور أهوج يصعب ترويضه أو أسد ظنّ نفسه ملكاً و هم موجودين.
في مقدمة القطيع يركض ذئب أشوس ضخم الحجم و يفوق بقية القطيع بحجمه، يتفشى الشرار فروه الكثيف و يخرج من فاهه حِمم إن إنبلجا فكيه القاتلين.
ذلك الذئب بدى ثائراً محموماً أكثر مما يكون جائعاً مُنتشياً برائحة الدماء، بدى كما لو أنه يرقد على النار، و هذه هي الحقيقة.
جال في الغابة سريع الخُطى كمُفترس خطير تتحاشاه الغزلان الناعمة و هو لا يهدف لصيد يستسلم له بسرعة.
" تشانيول! اضبط نفسك، لا يصح أن تكون في مقدمة القطيع، أنت الأقوى!"
على غِرار عادة الذئاب بأن يترأس قُطعانها أضعف ذئابها، كان تشانيول في المقدمة و هو أقواهم، لكنه تجاوز عن قوانين القطيع و ركض في المقدمة.
الطاقة العظيمة في جسده و النار الجديدة تجعله يتخطى أي قانون قد وضِع ليطفئ اللهيب في جوفه.
رفقة هذه الطاقة هناك ألم عظيم، صراخها ما زال يتردد في مسامعه، دموعها التي نزلت على قلبه أحر من ناره، و الأدهى أنها إمرأته الشرسة، يتمزق قلبه كلما تذكر صورتها تتذلل إليه كي يتركها.
لكنه كان مجبوراً مثلها رغم ذلك يحمل نفسه ذنب إجبارها، فهو من مارس قوته ضدها، و في النهاية؛ هو الوحيد الذي تغذت أعماقه بحلاوتها الفذّة.
رأى ثور أحمق بعيد عن قطيعه، هذا حال الوحيدون في الغابة، ركض إليه ذلك الذئب المشتعل و تبعوه بقية الذئاب، قفز على ظهره قفزة عالية كافية لتسقط ثوراً بهذه الضخامة، و حينما سقط غرس مخالبه في عنقه يسهل عليه موته، ثم ما تركه حتى أفرغ كل طاقته المجنونة بلحمه الشَحِم و دمه الذي يتصبب منه بغزارة.
ما تدخل أحد من إخوانه في شراسته و لا قاطعوا عليه إفتراسه المتوحش، حتى إنتهى من الثور ترك إخوانه يتناولون لحمه و عدى هو بعيداً عنهم، حاول سوهو إيقافه قلقاً قبل أن يترك القطيع.
" تشانيول عُد و لا تخرج عن القطيع!"
إستوقفه كريس حينما إقترب منه.
" لا تخشى شيء، سيعود آمناً"
حينما رأى حرس القصر ذئاب تعدوا ناحيتهم فتحوا البوابة و انحنوا لإستقبالهم جميعهم، دخلوا الذئاب و بمشهد غير عادي لكن مُعتاد عليه في باحات هذا القصر الفسيح، جالوا الذئاب في القصر ثم تفرقوا كل واحد إلى قصره.
دخل بيكهيون الذئب قصره فاستقبله الخدم و العُمال بإنحِنائهم له ببلاطه الرمادي، عدى الذئب إلى جناحه و حينما انفرج الباب لأجله إنحنى الحرس.
حينما رأت آيلا ذئباً أشبه بدُب في حجمه يقتحم الجناح صرخت و نهضت من مضجعها فزِعة، لكن ذلك الحيوان و كأنه يفهم مشاعرها تجاهلها و دخل دورة المياه.
تقدم منها الخدم حينما لحظوا الحالة المُريعة التي هي عليها، فلقد سقطت أرضاً تلم نفسها في الزاوية، تكمش على فستانها و تبكي فزعاً، لكنها جامدة لا تقوى على الحركة، كان من السهل عليهم أن يدركوا أنها لا تعرف عن هذا الذئب شيء.
" هل رأيتِ ذلك الذئب المخيف يدخل إلى دورة المياه؟! اطلبي المساعدة!"
قالتها آيلا حينما لاحظت الخادمة التي جثت بقربها فتحدثت الأخرى.
" سيدتي لا تخافي، إنه سمو الأمير، الحامي بيكهيون"
كان قد شحب لون آيلا، عيناها متسعة و صدرها يعلو و يهبط على وتيرة سريعة كما لو أنها كانت تعدو عوضاً عنه، قبضت حاجبيها لقول الخادمة، لا تفهم أي جزء من كلامها، فكله عجيب، لكنها بأرض العجائب بالفعل.
" ماذا تقولين أنتِ؟!"
خرج بيكهيون من دورة المياه يضع على جسده روب أبيض و شعره يقطر ماءً، رمقها بنظرات جادة فإزدرئت جوفها متخوفة خصوصاً حينما أشار للخدم بالرحيل.
وقفت على قدميها رغماً عنها متكأة على الحائط من خلفها، تقدم إليها و هي ما تراجعت إنما بقيت واقفة بمكانها رغم أنها ترتجف لأنها ما رأته قد جمد قدميها بالفعل.
قالت تنكر رؤية عيناها منذ فينة.
" متى دخلت؟!"
تبسم هازئاً من سؤالها و من ثم ضحك، ضحك و هي إزدرئت جوفها بقلق، حتى ضحكاته الهادئة تثير خوفها.
" ما بالك تضحك؟ أقلتُ شيئاً فكاهي؟!"
إرتفع حاجبه عن ناصيته و إتسعت إبتسامته معجباً ليقول.
" ها أنتِ تردين علي! منذ متى أصبحتِ تملكين لسان؟!"
أشاحت بوجهها عنه مستاءة من سخريته منها، إقترب إليها حينما تجاهلته و لا يبدو أن نواياه حميدة.
تراجعت إلى الخلف من جديد بينما هو يتقدم منها، و حينما أعاق السرير من خلفها تراجعها توقفت لكنه ما زال يتقدم.
نظرت في عينيه الأجنبية عن قراءاتها، إنها لا تفهم مشاعره ناحيتها، يكرهها أم يحبها، يريدها حقاً أم أنه مجبوراً عليها كما هي.
حالما أصبح أمامها لا يفصله عنها شيء، بل إقترب أكثر حتى شعرت بجسده يمس جسدها قال و على شفتيه إبتسامة عابثة خصوصاً أن مظهرها ذاك يثير نشوته، تبدو لطيفة و رقيقة إلى هذا الحد.
" ما بها حلوتي مُستاءة فجأة؟!"
كمشت أناملها في راحتها بقوة مترددة بين أن تبقى ساكنة أو أن تتحرك لمقاومته، بعد تردد قررت ألا بأس في مقاومته، لعلها صوّبت سلوكه الأعوج نحوها، لربما عاملها بلطف.
رفعت يديها إلى صدره لتدفعه عنها بكامل قوتها لكنه ما تزحزح من مكانه بل إتسعت إبتسامته و حسب، إتسعت عيناها بينما تنظر إليه، لا يبدو قوياً إلى هذا الحد، تنهدت و قد نجح مجدداً في إثارة غيظها و فشلت في تقويمه.
همست على وتيرة متقطعة بينما تنزل يداها عن صدره.
" فقط لا تقترب مني إلى هذا الحد"
ارتفع حاجبه مجدداً و عاد ليبتسم بعبث ثم همس.
" إن كنتِ ترفضين إقترابي فسنواجه مشكلة فيما بعد، حينما نتزوج أقصد"
قبضت حاجبيها و لكنها حافظت على صمتها، إنه جريء و وقح أيضاً، حينما ما ردت عليه همهم بإنتظارها أن تجيبه، لكنها لم تستجيب فاقترب أكثر و أكثر حتى سقطت على السرير و شهقت خوفاً منه.
آتى أعلاها مرتكزاً على ذراعه و بيده الأخرى أبعد خصل شعرها التي تناثرت على وجهها و قال ينظر في ملامحها المستنفرة بجزع.
" لحُسن حظكِ أننا لسنا مضطرين للتعجيل في زواجنا كما أخي و أختكِ، لكن حتى نتزوج عليكِ أن تتقبليني قربكِ، أنا لا أطلب فرصة و لا أمنحكِ خيار فأنا بيكهيون، إنما فقط أقترح عليك أن تعتادي علي، فحينما أقترب منكِ مستقبلاً سألتحم بكِ و لن أنفكِ عنكِ أبداً مهما رفضتِ"
نبس بآخر قوله محذراً و في ذات الحين عابثاً و متشوقاً لساعة الألتحام تلك، إنه يهددها علناً و بلا إستحياء، إزدادت جموداً و صمتاً عن اي قول ترد فيه عليه، إنما هي فقط تنظر إليه بخوف و تتنفس بإضطراب.
إنخفض على أعقابه كي يتسنى له أن يهمس بأذنها بأنفاس حارة و نبرة جريئة.
" بالمناسبة، أتشوق جداً لتلك الساعة التي تصبحين فيها هكذا و لكن بلا ثوبك"
قضمت شفاهها خجولة جداً و همست.
" تعلم أنك وقح جداً؟"
قهقه بخفوت و من ثم أومئ إليها، و ليؤكد تهمتها عليه؛ طبع على عنقها قبلة خفيفة جعلتها تنشز بكتفيها خجلاً قبل أن يغادرها بإبتسامته الشقية تلك.
ذهب متجهاً ناحية ركن الثياب و من هناك استدعى خدمه كي يهندموه بثيابه الملكية، أما هي فنهضت بصعوبة عن السرير و بينما هي مارّة من لدُن المرآة استوقفها مظهرها.
إقتربت من المرآة سريعاً و نظرت في البقعة الداكنة على عنقها، تلمستها بأطراف أصابعها لتنشز متألمة، لقد كانت قبلته خفيفة جداً، كيف خلَّفت كدمة داكنة سريعاً ما ظهرت كهذه؟ و تؤلم أيضاً؟!
.........................
تنام ميريانا على فِراش من حرير يريح جسدها المنهك، مدثورة بأغطية تقيها شر البرد و تدفئها جيداً، أمها على يمينها و آيلا التي تركها بيكهيون ترى حال أختها على يسارها.
كِلتاهن بجوارها ينتظرن منها حركة و لكنها ساكنة منذ الأمس و لا تستفيق، إنبلج الباب على حين غرّة على وِسعه و دلف من شقّيه رجل محموم بالقلق.
لا يرتدي سوى روب من حرير، شعره الأحمر مرفوع عن جبهته و يتوهج توهجاً شديد، الوشم في عنقه ينبض بقوة كما أن البرق على جفنه يزداد بريقاً.
جلس على طرف السرير قُربها و اعتكز بمرفقه أقرب إليها ينظر في وجهها محزوناً، قوّم وجهها إلى واجهته و تفحض آثار حبه الدامغة على بشرتها.
تنهد مستاءً و الخوف يلفحه و يلسعه ببَرد رغم أنه من نار دمه، زرقاء شفتيها و كدمات واسعة المحيط تنتشر على وجهها و أكثرها حول شفتيها.
عنقها ملونة بألوان أليمة، و ما إن رفع طرف الغِطاء عن جسدها بدى له ما هو أكثر سوءاً فأغمض عينيه و سترها، تحدثت والدتها تلومه.
" وعدتني أن ترفق بها؟! لِمَ كل هذا العنف سموك؟!"
ما تزحزحت عينيه عن مرآها و أجاب أمها الماثلة على يمينه تحتج و لها الحق بأكمله، يشهد الحب الذي شاركه بها أنه كان ودوداً لطيفاً معها لكنه يبقى حامي النار.
" ما عنفتها كما تظنين، أنا إن مسستها برفق فقط ستترك آثار دامغة كهذه، لأنني أحبها"
تنهدت السيدة و ما بدى أنها تفهمت عذره لكنه يعذرها، هي الأم التي سلمته ابنتها بشرط أن يحفظها، فتعود إليها في أول ليلة مٌقطعة أواصلها مع الوعي.
" سأطلب من لاي أن يأتي ليعالجها"
نهض من جانبها و خرج يستدعي لاي و حينما آتى أصهب الشعر أزرق العينين دخلا معاً، جلس لاي على طرف السرير و أمسك بيد ميريانا ثم أغمض عينيه.
لمع البريق على جفنه و أضاء شعره الأبيض بنور قوي كما أن الوشم في عنقه أخذ ينبض بقوة، بعد فينة فتح عينيه اللتان تعكس لون السماء.
بهتت الكدمات عن وجه ميريانا و عنقها، ثم رويداً رويداً إختفت و ما عاد له وجود، بدأت بشرتها تنضب بالصحة مجدداً حتى فتحت عيناها رويداً رويداً و زفرت أنفاسها.
أنفرجا جفنيها النعسين و نظرت حولها حتى رقد بصرها عليه، سكنت تنظر إليه و هو استنزف المسافة التي تفصله عنها ليقترب منها أكثر.
نظرت إليه بسكون و أسهبت في النظر إليه بلا قول شيء، بدت له ساكنة جداً و كأنها ما تألمت بسببه، و كأنه ما أجبرها على جسده.
" ميريانا، أنتِ بخير؟"
همس يتحدث إليها بهدوء رغم قلقه مما هي مقدمة على فعله فأنه يعرفها، إن كان هو أسد فهي أنثى الأسد و إن كان سيد النار فإنها سيدتها.
تلك التي لا تترك لها حقاً باقٍ عند أحد، و لا تطوي صفحات من عمرها و لا تبدأ من جديد، إنما العمر عندها من صفحة واحدة و لا تُقلب تلك الصفحة إلا عندما يجف الحبر من أوصال الحياة فيها.
غرقت عيناها بدموعها، و قبل أن تذرف من بنات عينيها أشاحت بهنّ عنه و نظرت إلى الجانب الآخر، حينها سارت دموعها على صدغها و لأسقاط المزيد منها أغمضت عينيها و سارعت في مسحهن كي لا تبدو مهتزّة بينما هي تتأرجح على حافة الإنهيار بالفعل.
"مير! انظري إليّ، صدقيني أردتُ لكِ الخير، لقد شلَّ الخطر تفكيري، أنا كنتُ خائفاً عليكِ، تفهميني، أنتِ ثمينة حد روحي بالنسبة إلي"
إزدرئت ميريانا جوفها بعد تكاتف الغصّات في حلقها و ما إلتفتت إلى كلامه -الذي بدى بالنسبة لها مجرد عذر تافه بينما جُل الحقيقة فيه بالفعل- إنما أوجزت تحدث شقيقتها.
" أخبريه أن يدعني و ينصرف، بما أنه أخذ حاجته مني، ما عاد له ذريعة للقائي، أنا لا أريده و لا أهتم لمشاعره، بما أنه أستطاع إلحاق الأذى بي رغم ما يدعيه من حب، إذن حبه ليس متيناً كفاية، و أنا لا أجتبي النواقص"
إنغمس وجهه في قاع الذل و انتكس رأسه يطل على قعر الرذيلة، هكذا تصور كلامها، أنه كما نعتته مجرد شهواني قذر.
قام من على السرير و قال بثبات رغم أنه يتخبط في داخله.
" آسف سموكِ لكن ليس كل أمانيكِ أستطيع تحقيقها، سينقلونكِ عودة إلى جناحي و لتبقي هناك."
أغمضت عيناها تتجاهل قوله، تعلم أن العِناد و الرفض لن يأتي معه بنتيجة، بعدما خرج رِفقة أخيه الأصهب أوكلت الوسادة تحمّل دموعها و بكت من جديد، ما كان حضن أمها كافياً لمواساتها و لا تربيتات شقيقتها، ما كانت لتجد حُضناً يحويها و ألمها أبداً.
كان كثيراً عليها أن تتحمل كل ما حدث حتى الآن، منذ أن داست قدمها بلاط القصر هذا، منذ أن قابلته حتى.
ما خالت نفسها تنتهي يوماً هكذا، بلا أحلام، بلا أعمال، بلا طموحات، بلا إنجازات، و الأهم بلا شخصية، بلا إرادة.
إنها إمرأة عملية، بحت ترى العطفة منعطف جانبي في الحياة لا يقطعها عن سيرها في الطريق الرئيس.
و الآن هي مجرد إمرأة لرجل قد إعتدى عليها و يطوعها رغماً عنها لأمره و ثم يتذرع بالحب، ألا يدرك أن الحب درع هزيل؟!
دخل عليها بعض الخدم و نقلوها إلى جناحه من جديد، بين تلك القضبان التي تسمى جناحه الملكي، بين جدرانه الملكية التي أقامت محفل على وقع جريمة أغتصاب أقامها عليها فيه.
تولدت الرغبة في نفسها لشنق نفسها بأحبال الستائر الفخمة تلك و لكنها كيم ميريانا، الفتاة التي لا تستسلم، إنما تبقى في صف الدفاع الأول، فإما أن تموت بكرامة أو تنتصر.
حتى حان المساء بقيت طريحة في الفراش بلا حِراك، إنما هي فقط لا تجد في الحركة خيراً يحفزها على الأستغناء عن مرقدها.
طُرِقَت بوابتها و ما ردت بل هي فقط ساكنة في فراشها تنظر إلى السقف.
" مولاتي، بُعِثَت لكِ دعوة إلى قاعة النسوة لتناول العشاء."
تحركت لتنام إلى جنبها الموالي عن الخادمة تُنمي عن رفضها للدعوة، فانحنت الخادمة لها ثم غادرت.
ما انقضت سوى بضع دقائق حتى اُقتحِمَت الغرفة من جديد، تنهدت بأستياء إذ سُرعان ما أدركت من ذاك الذي دخل، رائحة عِطره الفوّاحة و الحرارة التي يجلبها معه.
قبضت بأناملها على مِلائة السرير و أغمضت عيناها بقوة تدعي النوم، لكنه ما كان غافلاً عن تمثيلها الفاشل كما أنه لم يرد أن يُحرجها و يكشفها علانية.
إقترب إلى السرير ثم جلس بظهرها، اقترب أكثر يضع يده على كتفها و حدثها بلين.
" أميرتي، فلتنهضي، أنتِ لم تتناولي شيئاً منذ البارحة"
لكنها ما أستجابت إليه بل تمسكت بتمثيلها المهترئ أمامه، فصفق يرتب خصل شعرها على الوسادة و ابتسم قائلاً.
" لستُ هنا لأقنعكِ بالحياة في قصري و أجعلكِ تعتادين عليها و علي، أنا أريدكِ أن تفكري بالأمر بنفسكِ بلا تدخل مني، حتى ذلك الحين استمري في العيش تحت سقفي تعلقاً بالحياة لا بي"
هزأت و بان رثاثة تمثيلها حينما همست.
" يا لك من واثق!"
سرعان ما تبسم إبتسامة ملأت شدقيه، فها هي أخيراً قد إستجابت له، لا ينفع معها سوى إستفزازها، قعدت على الفراش و إلتفتت إليه قائلة.
" ارفع سقف آمالك أكثر، لعله يسقط يوماً على رأسك و ارتاح منك"
قهقه رغم أنها دعت عليه بالشر، لكنها ظريفة مع حاجبيها المقبوضين و شعرها المنكوش، ملامحها الساخطة الغاضبة عليه بدت ظريفة.
" حسناً، فلتشتميني كما تريدين، زوجكِ رجلٌ متفهم، الآن انهضي و اغتسلي، سأبعث الخدم لكِ لمساعدتك."
خرج متجاهلاً نظراتها التي تزدرئه، بعد فينة دخلنّ بعض الخدمات، رفضت معونتهن في الحمام، كان ذلك عجيباً بالنسبة لها، حتى في أخذ حِمام سيساعدنّها.
خرجت تلف جسدها بروب و لاقتهن في جُنح الثياب، إرتدت فستان خمري اللون بأكمام كاملة، يضيق على جذعها ثم يتسع من أسفل خصرها حتى أطرافه المترامية أرضاً.
وضعنّ لها قِلادة في عنقها معلقةٌ بها ألماسة كالتي سبق و إن إرتدتها هنا، لكنها لا تعرف إلى ماذا ترمز.
ترامت خصل شعرها الأحمر على كتفيها و بعضه ارتفع ليثبت التاج فوق رأسها، تاج من الذهب الخالص بمنتصفه تلك الألماسة و على جنبيها رمز قد فهمت أخيراً معناه بما أنه موجود على كتفها، رمز النار.
تنحينّ عنها الخادمات حالما أنهين عملهن، خرجت من الجناح فرافقها بضع حرس يقفون قرب الباب و بضع خادمات أخريات، جميعهم كانوا يرتدون زي أحمر اللون.
سارت إلى حيث قادوها إلى خارج قصر تشانيول بإتجاه القصر العام، دخلت و من ثم تابعت سيرها حتى توقفت أمام بوابة ضخمة فتحوها الحرس لأجلها و انحنوا لها حتى دخلت.
قاعة كبيرة فارغة إلا من اللوحات، الثريات الفخمة، الستائر الباهضة و طاولة طعام طويلة يجلسن عليها إثنتا عشر إمرأة بمقعد شاغر وحيد وضع في ظهره رمز النار.
تجاهلت والدتها و تحركت لتجلس في مقعدها بجانب آيلا، نظرت في النساء، جميعهن جميلات و ينظرن نحوها بإبتسامة مُرحبة فشعرت بالخجل، يرتدين فساتين مشابهة لفستانها لكن بألوان مختلفة.
" مرحباً"
أجابت الأميرة ذات الفستان الأزرق قائلة.
" أهلاً سموكِ، دعينا الآن نتناول الطعام ثم نتحدث في الأمور المبهمة بالنسبة إليكِ"
تنهدت ميريانا ثم أومأت، كثيرة هي الأمور المبهمة بالنسبة إليها و تحتاج لجلسة طويلة، لكن نداء المعدة الحثيث أوجب الآن.
حينما سدت جوعها بالطعام كما البقية نهضن جميعاً و سِرن إلى الشرفة الفسيحة، هناك وضعت آرائك فخمة و كثيرة تملئ الشرفة مع بقية الأثاث.
جلست ميريانا قرب أختها و أمها، و بقية النساء متوزعات على الآرائ، لكن إهتمامهنّ مصبوب ناحية النساء الثلاث من نفس العائلة، الأختين و أمهما التي تبدو صبيّة مثلهما.
و لأن ميريانا هي صاحبة الشأن الأول توجهت ذات الفستان الأزرق بالحديث إليها.
" حسناً، حان الوقت لنتعارف، نحن هنا جميعاً أميرات زوجات الحُماة، أنتنّ بالفعل آخرنا وصولاً."
عقدت ميريانا حاجبيها تريد تفسير أوضح، فاتبعت فتاة ترتدي فستان ذهبي و تحمل رمزاً مختلف، لكن الملفت للنظر، جميعهن يضعنّ ذات الألماسة في عنقها كقلادة و في منتصف التاج على رؤوسهنّ.
" ماريا تحب تشويق المُستمع قبل أن تدلي بالقول المفيد، حسناً هي زوجة ملك الماء سوهو، و أنا زوجة كريس كاترينا، إن رأيتِ جناحيّ تشانيول من قبل فهذين إمداداً من كريس"
تبسمت ميريانا بحرج و قالت.
" يبدو أنكِ تطمحين لإزالة العُجم عن فهمي لكنكِ تزيدين وضعي سوءاً"
ضحكنّ الأميرات و تدخلت حينها أميرة ثالثة.
" دعكِ منهنّ، هنّ زوجات القوّاد و لا يجدنّ شرح الأمور، سموكِ نحن هنا مثلكِ و مثل شقيقتكِ، على الأقل أنتِ تملكين أمكِ و أختكِ هنا بينما نحن لا نملك شيء، نحن جُلبنا إلى هنا كل واحدة على حِدة، جَلبنا إلى هنا ما كلف الحُماة أزواجنا سوى ليلة واحدة"
اتبعت ذات الفستان الرملي قولها.
" لقد أتيتُ منذ البداية فكنتُ أول العرائس تُزف لأحد الحُماة رغم أنه لم يكن أكبرهم، قضى معي ليلة و أخذ قوته مني و من ذلك الوقت و علاقتي به طبيعية، نعيش كأي زوج و زوجة فيما بيننا و على واجهة الناس نعيش حامي و أميرته، أنا لا أقص عليكِ قصتي تحديداً، إنما جميعنا هكذا"
نظرت ميريانا في الفتيات فأومئن لها موافقات، لتتبع ذات الأميرة.
" تشانيول بُعِث إلى الأرض منذ سنين لجلبك لكنه لم يأتي بكِ بليلة واحدة كما إخوانه إنما هو وقع في حبك و حاول إيقاعكِ في حبه، ذلك إن أتيتِ هنا و فُرِض عليكِ الزواج به توافقين و لا يلجأ لتقييدك، خلال الوقت الذي كان فيه تشانيول على الأرض بان في بلورة بيكهيون أن شقيقتكِ هي أميرة بيكهيون فلحق به، منذ ذلك الحين و نحن ننتظر عودتهما، تزوج بقية الحُماة و مضى وقت طويل دون أن يعود، ما جلبكِ حتى لجأ زوجي لتهديده حتى يعود بكِ"
أومأت ميريانا و ها قد فهمت بعض الأمور فقالت.
" أي أن مصير آيلا كمصيري؟"
أومأت الأميرة لتكمش آيلا على فستانها و تزفر أنفاسها بقوة، بيكهيون لئيم و سيكون معها أكثر لؤماً حينما يتزوجها، هو ليس كتشانيول العطوف.
نظرت ماريا إلى آيلا حينما لاحظت كم القلق الذي تلمه تقاسيمها المليحة فضحكت بخفة و علقت.
" ربما بيكهيون يبدو لكِ شديداً لكنه في الواقع أبله، أذكر أن سوهو أخبرني أنه عاقبه لأنه يسيء التصرف لكِ، بيكهيون يظن أن معاملته الخشنة معك دليلاً على رجولته"
نظرت آيلا إلى تلك الأميرة فأومأت الأخيرة تطمئنها، بيكهيون ليس قاسياً، يدعي القسوة!
تنهدت ميريانا و امتدت يدها لتربت على يد شقيقتها، لن تخبرها أنها ستنقذها، لن تخبرها أنها هنا لأجلها، أو أنها ستخلصها كما وعدت في السابق.
هي لم تكن قادرة على إنقاذ نفسها، إنها تشعر بالعجز و حسب، صوتاً يأتيها من داخلها يخبرها أن تستسلم للأمر الواقع.
هناك تضارب و تخبط خشن الوقع في نفسها، بين أن تحارب أو أن تتوقف حتى هذا الحد، لكنها لا تستطيع أن تتقبل حياتها الجديدة هذه بهذه السهولة، و لا تستطيع أن تتقبل تشانيول زوجاً لها كما فرض عليها.
في المساء عادت ميريانا إلى جناحها، زوجات الحُماة، الأميرات، كنّ سهلات المعاشرة، ظريفات و لطيفات.
تزعزع العبئ في نفسها بعدما تعرفت عليهن، على الأقل؛ ليست وحدها من كان ضحية لهذه المملكة.
عادت إلى جناح ملك النار حينما جنح الليل على النهار و تفرقت النساء إلى مضاجعهن، سارت إلى جناحها في القصر متبوعة بخدمٍ من النساء.
حينما ولجت إلى الجناح تنهدت ثم استندت على الباب ثقيلٌ عاهلها، فزعت و سارت بها رجفة حينما سمعت صوتاً أتاها من الداخل.
سارت إلى الداخل و إزدرئت جوفها، إنها لم تواجهه بمفردها منذ أن ملكها و رغم أنها لاحظت أنه حاول بكدٍ أن يكون لطيفاً معها إلا أنها تألمت ألم شديد و تلك الآثار التي كانت على جسدها كانت تحرقها كما الوشم الغريب في كتفها.
تبسم حينما رآها تلج إليه، كان يضع على جسده روب ثقيل و بمنشفة صغيرة يجفف شعره الذي يقطر ماءً على الأرضية.
إلتفتت سريعاً عنه تمنحه ظهرها فابتسم و قال.
" كنتُ متوجهاً لإرتداء ثيابي، لا تخافي"
أومأت بحرج فتجاوزها ليحصل على رداء النوم الملكي، وضع يده على كتفها لتشهق مبتعدة و كأن ثعبان لسعها.
إلتفتت إليه سريعاً متسعة عينيها و قد شهقت مرتعبة، رفع يديه في الهواء قاصداً السِلم و قال.
" ميريانا، لا تخافي! أخبرتكِ أنني لن أؤذيكِ أبداً!"
إزدرئت جوفها تتنفس بثقل و قالت.
" إذن إبقى بعيداً عني و أياكَ أن تقترب مني!"
تنهد و أومئ لها قائلاً.
" حسناً، كما تشائين، سأبقى بعيد، كنتُ أريد أن أعلم حال كتفك"
أجابته بغلظة.
" بخير طالما أنت بعيد"
تنهد منزعجاً لكنه ما أظهر سوى حنانه معها.
" قصدتُ الوشم، أليس مكتملاً؟"
تراجعت عنه سريعاً قائلة بنبرة مهزوزة، تخشى أن يتكرر الأمس من جديد.
" لا أدري و لن أدعك تمسني"
اقترب منها خطوة فتراجعت عشر و صرخت غاضبة.
" لقد وعدتني ألا تمسني مجدداً إلا برضاي و أنا لا أريد!"
سرعان ما أجابها بصوته الحنون.
" و أنا على وعدي فلا تخافي مني، أنا بحاجة أن أرى كتفكِ، دعيني أفعل!"
نفت برأسها رافضة فاقترب إليها سريعاً و هي همّت بالفرار منه لكنه أمسك بها من خصرها و حزم ذراعيه حول قدّها.
صرخت تنتفض و تنهال بلكمات على كفيه المتعاضدين فوق بطنها لكنها ما إستطاعت تحرير نفسها منه.
أمسك بطرف فستانها و أنزله ليرى الوشم، لقد أصابت توقعاته، الوشم ليس مكتمل لأن هناك المزيد من الطاقة بها و بالنظر إلى شعرها الأحمر أنه يزداد توهجاً بإقترابه فأنه أدرك أنه بقي فيها طاقة أكثر مما أخذ، جعلها تلتفت إليه و قال.
" أتشعرين بالحر حينما أقترب منكِ؟!"
و لأنها ما فهمت قوله على الوجه السليم شعرت بالدم يتدفق إلى وجهها ليمتلئ خجلاً، و بقدر الخجل غضب، ستفرغه الآن بلا شك.
إرتفعت يدها التي كانت مقبوضة تنهال على يده بلكمات و سددتها مبسوطة و صفعت وجنته بقسوة.
لقوة الصدمة هو تراجع عنها مذهولاً و ارتفعت يده إلى وجنته، أغمض عينيه و مسح وجهه بعصبية يقول.
" اهربي، أنا جاد حقاً، اهربي قبل أن أفقد سيطرتي على نفسي"
إزدرئت جوفها حينما رأت أن الدخان النفّاث الأحمر أخذ ينبعث منه، ستخاف من رجلٍ يشتعل و يحرق و لا يحترق بالتأكيد.
رفعت أطراف ثوبها و ركضت بعيداً عنه، صرخت حينما رأته يجري من خلفها، أسقطها على إحدى الآرائك و أمسك بها جيداً كي لا تهرب.
" أتطلب مني أن أهرب و حينما أفعل تمسكني؟ أتظننا قط و فأر!"
إمتدت يده إلى وجنتها فأغمضت عيناها بجزع لكنه تلمسها برفق و قال.
" سموكِ، إن كنتِ الفأر فلا بأس معي بدور القطة، لكنني لا أحب المطاردة كثيراً، أخشى عليكِ من أسناني فيما بعد"
......................
سلاااااااااام🌚
بارت هادي لا يعكس مزاجي السادي😂
للكوت في بداية الفصل معنيين، لكلمة حميم معنيين.
هسا قرّاء حاقد عاشق ينبسطوا لما يشوفوا التحديث😂😂😂😂
على كل حال؛ كان لازم ينزل البارت من شي خمس أيام و لكن كاتبكم كسووووولة جداً و بدت جامعتها و الفصل الأخير.😪😪😪
المهم، خليكم بترقب للأحداث، أحداث الرواية مو هادية و لا منفعلة جداً.
البارت القادم بعد 70 فوت و 70 كومنت.
١.رأيكم ببيكهيون و آيلا؟! معاملة بيكهيون و ماذا تظنون حقيقة مشاعره؟ و هل ستتقبله آيلا أم أنها سترفضه؟!
٢.رأيكم بميريانا و الحالة النفسية و الجسدية التي وصلت لها؟
٣.رايكم بتشانيول؟ تشانيول الذئب؟ معاملته الحسنة و تعامله مع مير وقت ما صفعته؟
٤.رأيكم بالأميرات؟ هل اكتشفتم المزيد من الأسرار؟ ما هي؟!
٥.رأيكم بالبارت ككل و توقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
Коментарі