CH1|| إبنة الزمن
كيم جونميون (سوهو)
في:
هيّبَتُها || الحرب
المعركة الأولى: سأُريكِ نفسكِ بي
" إبنة الزمن"
"ثلاثة، إثنان، واحد... أدِر الكاميرا!"
تبسّمت كما عادتها حينما سُلِّطَت عليها الكاميرات الموزّعة في الإستديو، لتصويرها من كل الجِهات والزوايا المُمكِنة.
نظرت روزماري إلى الكاميرا الرئيسة وابتدأت.
" مسائكُنّ قوّة سيداتي... كما يكون حديثنا على مدار العامين الفارطين، ومنذ نشأة هذا البرنامج، نحنُ وجدنا لِمدَّكُنّ بالقوّة، القوّة للنساء جميعًا"
حَملت في يدها كِتاب ما، وتحسست غِلافه عالي الجودة قبل أن ترفعه على الملأ أمام عدسة الكاميرا.
" كنتُ في الأمس في زيارة لإحدى المكتبات، لإقتناء حفنة كُتب جديدة أقرأها في وقت فراغي، ولسوء حظ المؤلف فلقد وقع كتابه في يدي"
عَجّ وجهها بالتّهكّم بينما تُقلب الأوراق بين دفتيّ الكتاب وشرحت.
" إنه مُجرد كتاب رومانس، يحكي عن الحُب وتضحيات الرَجُل، نظيرنا المَرِن على حد وصفه"
رفعت الكتاب مجدداً إلى العدسة بعدما إنبلجت من فاهها ضحكة خافتة تقصد فيها السُخرية من المحتوى المُبتَذل على حسب مُعتقدِها.
" جَذبتني جودة الصُنع، إذ ترون أن الغلاف عبارة عن رسمة لرجُل لا تظهر ملامحه جليّة فيها، عنوان الكِتاب "الصورة الذاتية"، وتوقيع الكاتب باسم "سوهو"، أي أنه كاتب مُتنكر خلف هذا الإسم الذي فبركه"
وضعت الكِتاب على الطاولة الصغيرة، التي تجاور أريكتها، ثم اتبعت تنظر نحو العدسة.
" لأكون معكنّ صادقة؛ جذبتني كل هذه العناصر التجميلية فقررتُ أن أقرأه، ولكنني عندما شعرتُ بالأستياء الشديد من المحتوى قرأتُ فيه مُقتطفات لعل رأيي به تغير، ولم يحدث هذا للأسف"
" الكتاب مُبتذل جدًا مُذُّ أنه يصف رَجُلًا يُحب، ونحن جميعًا نعلم أن هذا الصِنف من الرجال قد إنقرض مع روميو والأسطوريين أمثاله، أنه يبتدع حالة حُب غريبة، يصف فيها نفسه عبر إمرأة يحبها، وذلك لم يقنعني ألبتّة"
" ما زاد إستيائي أنه وثّق كتابه على أنه مُقتبس عن قِصّة واقعية، أين الأمانة في عملكم أيها الكُتّاب؟! حتى للخيال حدود!"
ثم توارى الإستياء عن ملامحها، وأودعت إبتسامة لطيفة تُعلن.
" فاصلٌ إعلاني قصير، ثم كونوا بإستعداد لقضيتنا الأخرى في هذه الحلقة"
" cut!"
خرج الفنيّون من خلف الكاميرات لضبطها، وأتت لِروزماري المرأة المسؤولة عن زينتها، عدّلت مكياجها تقول.
" كنتِ رائعة روز كما تكونين دوماً"
تبسّمت روزماري بوِد ثم ربتت على كتف الفتاة تقول.
" شكراً لكِ ليا"
عاد الجميع إلى مواقعهم، ثم دارت الكاميرا لتتسلط عليها من جديد، حملت روزماري اللوح الذكي بيدها.
" ولكي نثبت للمرة المائة بعد المليون أن الحُب ومفاهيمه الأسطورية باتت قصصاً مُبتذلة؛ دعوني أشرح لكم هذه الحالة"
حملت الجهاز اللوحي على مرآها.
" إنها حالة لفتاة يُفترض أنها تُتِم دراستها الجامعية الآن، تقول فيها بإختصار أنها رافقت شابًا في الجامعة، ومع طول فترة المواعدة بينهما تعلّقت به، فأصبح الشاب يستغل مشاعرها لصالحه، إذ طلب منها مالًا، فاعطتهُ ما إحتفظ به والدها لأجل دراستها الجامعية دون أن يدري أحد من عائلتها، وعلى هذا المنوال هرب الشاب يحمل مال أقساطها الجامعية"
" ولكي لا يكشفها إحدى والديها، أصبحت تَقصد الجامعة رغم أنها ليست مُسجّلة بأي صف من صفوف قسم تخصصها، فقط كتمويه أمام والديها، تقول أنه من المفترض أن تخرجها أصبح وشيكاً، والدايها يتجهزان لأجل حفل تخرجها بفرحٍ عارم، والفتاة حاولت بالفعل الإنتحار من على جسر نهر الهان، الآن تتسآل؛ ماذا عليها أن تفعل؟"
وضعت روزماري الجهاز اللوحي جانباً، ثم نظرت نحو الكاميرا تُشابك أصابعها معاً وتُقيم ظهرها، بثقة وقوة أجابت.
" عزيزنا الكاتب سوهو، هل رأيت الآن مدى تناقض الواقع عن كتاباتك؟! وددتُ لو اسمع رأيك بشأن هذه الحالة؛ لو أنك لا تختبئ خلف اسم مُستعار؛ وتأتي في ضيافتي إلى الأستديو هنا"
إبتسمت بخفة ولانت نبرتها.
" أما أنتِ؛ فلا أدري ما الحل الذي سيخرجكِ بلا إصابات، لن ألومكِ عمّا فعلتِه، فلا ينفع اللوم ولا الندم الآن، ليس أمامكِ حلاً سوى أن تُخبري والديكِ بالحقيقة، اعتذري وقولي لهم الحقيقة، ثم مهما خاصموكِ لاحقاً سيعانقونكِ في النهاية، فالحُب الوحيد الذي لا يشوبه تزييف، حب الوالد لطفله"
رغم أنها لا تثق بكلماتها الأخيرة لكنها افترضت وجود آباء أحسن من أسلافها.
" وأما بشأن الشاب الذي سرق مالك وهرب، فالغدر طبعٌ لدى الرجال، متأصلٌ فيهم، جزءٌ من تركيبتهم الجينيّة، الخِداع، المكر، والأنانية، وددتُ لو أقترح عليكِ أن تتوجهي لسُلطة القانون، لكن القانون لا يحمي المُغفّلين مع الأسف"
جمعت كفيها وأمالت رأسها بأيمائة وقالت.
" فاصل إعلاني ثم ترقبوا إعلاني بعده"
نهضت روزماري إلى دورة المياه أثناء فترة الإستراحة، التي تستمر لخمسة دقائق، غسلت كفيها ثم نظرت إلى نفسها بالمرآة.
حينها إرتج الهاتف في جيب بنطالها الأسود، أخرجته، لكن سُرعان ما انعقدت ملامحها منذ أن الرقم الذي يتصل بها غريب.
وضعت الهاتف إلى أُذنها، وما تحدثت حتى تحدث الطرف الآخر، بدى متهكماً ساخراً ويضحك.
" القانون لا يحمي المُغفّلين، كيف حماكِ سابقاً حبيبتي؟!"
نظرت في الرقم على الشاشة، ثم استطردت بنبرة باردة، بدى فيها كُرهاً شديداً للذي يُهاتفها.
" كُف عن الإتصال بي لأنني مللتُ من حظرك"
أغلقت المكالمة في وجهه، ونفثت أنفاسها بأستياء شديد، لهُ عليها سحر، كلما سمعت صوته سقطت في لُجّة غضب يَصُعب الخروج منها.
أحد أفراد الطاقم طرق عليها باب مكتبها يستعجلها الخروج، سحبت نفساً عميقاً وزفرت بهدوء، عليها أن تَدّعي أنها بخير حتى لو ما كانت فعلاً بخير، الكاميرا لا تَرحم على آية حال.
خرجت توضّب سخطها، ووضعت على وجهها إبتسامتها الخافتة المُعتادة، ثم أمام الكاميرا قالت.
" مُنذ أن البرنامج نجح خلال السنتين الماضية بفضل قوّة النساء، اليوم أصبحنا نُنظم جداول مختلفة لا تقتصر على الأستديو هذا وحسب، لذا قررت إدارة البرنامج أن يكون أستديو الحلقات الأربع القادمة من ضمن أرض الواقع، إذ سأسافر إلى جزيرة جيجو وسنمسّ حالاتنا عن قُرب"
عقدت كفيها أخيراً أمامها واتبعت.
" وبما أن الحلقة قد شارفت على نهايتها فأنني أوصيكنّ بأنفسكنّ، كُن قويات، عقلانيات، ولا تدعنّ العاطفة تحكمكنّ، سيداتي أنتنّ أعظم من أن يسخر منكنّ رجلاً بحبه المزعوم"
...
ظهرت شارة نهاية البرنامج، وهو وضع جهاز التحكم على ذراع الأريكة بجواره، تبسّم ورفع فُنجان القهوة إلى شفتيه.
خاطرته قيد النشر، ستكون كافية لإستفزازها فيما بعد، هو متحمس منذ الآن لإنتقادها اللاذع، الذي لا يجرحه بل يثير فيه حماسة غريبة.
وصله إتصال بينما يُعاين خاطرته قبل النشر، أجابه منذ أنه مدير أعماله اوه سيهون.
" سوهو، رحلتك إلى جزيرة جيجو في التاسعة صباحًا، سنذهب بحرًا إلى الجزيرة"
.....
شكرت روزماري عمل الطاقم الجاد، ثم توجهت إلى خلف الكواليس، بالتحديد إلى غرفة الإستراحة الخاصة بها حيث على الباب شارة باسمها.
روزماري جلست أمام المرآة تُعاين نفسها في مرآتها، بينما مُدير أعمالها قد تبعها يحمل أوراقه لها.
" روز، رحلتكِ إلى جيجو ستكون في التاسعة صباحاً عبر البحر، سنذهب معاً"
أومأت له عبر المرآة وابتسمت.
" حسناً تشانيول، سأنتظرك لتأخذني من المنزل"
إبتسامتها المُشرقة التي لا تقصد بها إلاه -كما الآن تماماً- جعلته يتنهد رغم أنه ضحك بخفوت لا يقاوم لطافتها.
" دوماً ما تستضعفيني بإبتساماتكِ هذه!"
أخذت ترمش بلطافة وأمالت رأسها، رفع يديه مُستسلماً.
" حسناً حسناً، سآتي لآخذك، أنا لم اعترض من الأساس"
أشاحت عنه وهمست توضب خُصلها.
" لا يحق لك أن تعترض حتى!"
" بالمناسبة"
قدم لها اللوح الإلكتروني يقول.
" الكاتب سوهو نشر خاطرة للتوّ، وأظنه يقصد ذات المرأة في كلامه بطريقة تستفزك"
حملت اللوح تنظر في النص، كلام مُرتب منمق يصف به إمرأة يحبها وتهاجمه، يقول في نصّه أن غرضه إستفزازها، وإن غضبها يحبه، ويجعله يحبها أكثر، أنها بالنسبة له إمرأة مستبدّة، لكنها إمرأة أحلامه.
سلّمت اللوح إلى تشانيول من خلفها وقالت.
" لن أعلق عليه، أظنه يريد إهتمام البرنامج وكسب جمهور عَبري، وهذا ما لن يناله مني، فقط دعني منه"
أومئ تشانيول، ثم تريث حتى نهضت وسبقته إلى الخارج، تبعها إلى سيارتها الخاصّة، صعدت روزماري بجانب تشانيول، وقاد بهما إلى المنزل.
تَسكُن روزماري في حيّ سكني مُبغدد مُرفّه ضمن غانغام الشهيرة، تعيش في الطابق العشرين في شقة فسيحة، تُقابلها شقتين، واحدة يسكنها تشانيول، والأخرى إشتراها رجل أعمال مُهاجر.
فورما وصلت منزلها سَعَت للبحث عن الراحة في مرافئ شِقتها المُتخمة بالرفاهية، إذ أخذت حِماماً دافئاً في الجاكوزي، ثم خرجت إلى غرفتها وجلست على كرسي التدليك، وبالفعل تناولت كتاباً، وقد حصلت على كوب قهوة سريع التحضير.
كان كتاب "الصورة الذاتية" للكاتب ذا الأسم المُشفّر سوهو مُجدداً، قد ساورها مُسبقاً شيئاً من الفضول حول وصف رَجُل لرجلٍ واقع في حب إمرأة لا تعرفه.
بَدت فضولية وهي تُقلّب الصفحة بعد الصفحة دون أن تحِس في الوقت، فهي تعترف أنه يملك أدوات الكاتب كُلها، عناصر التشويق، الغموض، والمفاجأة، ولكن حتى أطبقت دفتيّ الكتاب قصّته لم تروق لها، لم تصدقها، فهو يحكي عن حُب أسطوري أنقرض لو كان موجوداً من الأساس.
وضعت روزماري الكتاب جانباً ورصّته على رفوف مكتبتها، الرفوف التي تحوي الكتب التي أتمّتها بالفعل.
خرجت إلى صالة الجلوس وشغّلت التلفاز، فهو وقت إعادة الحلقة التي صوّرتها اليوم، كما العادة؛ وجدت على نفسها نقدًا لا يراه سِواها، مثل أنها قالت الجُملة الفُلانية في غير محلها، وجملة أخرى ما كان عليها قولها من الأساس...وهكذا أمور.
.................
التاسعة صباحاً في اليوم التالي، كانت لتوِّها روزماري صعدت السفينة، التي ستأخذها إلى جيجو برفقة طاقم عمل البرنامج ومدير أعمالها تشانيول.
بعض المعجبون إلتفّوا حولها، حيّتهم بوِد، أخذت صور معهم ومنحتهم توقيعها، فهي روزماري، أكثر المذيعات شُهرة، وبرنامجها يحصُد أعلى نِسب المُشاهدات، شُهرتها أصبحت تُنافس طواقم الدراما والتمثيل.
كانت تقف إلى مُقدمة السفينة، تستند إلى سِوارها وتنظر بالأمواج وما يَموج فيها، الطبيعة ساحرة، شيء كهذا ذكره سوهو في كتابه، تأثّرت بالجُملة لأنها حقيقيّة.
شعرها كان يركض مع الهواء، يُعكر عليها الرؤية، لكن لا أجمل من مُراقصة الهواء لشعرِ أُنثى مِثلها.
شعرت بنقر على كتفها العاري إلا من خيط رفيع يرفع فستانها، فإلتفتت وإذ به تشانيول يمد لها كأس كوكتيل.
رمقته تُضيق عينيها عليه، فهمس وابتسم حتى بانت غمازتيّه، ورغم أنها لا ترى عيناه من خلف النظّارة الشمسيّة التي يضعها، لكنها شعرت بعينيه تبتسم.
" خالٍ من الكحول سيدتي"
تناولت منه الكأس وتشاركا نخب، ثم هي قالت.
" لا أحب أن تقول لي سيدتي تشانيول، أنت الوحيد الذي لا أحب أن تجمعني به علاقة رسميّة"
أومئ تشانيول ثم وقف بجوراها، شاركها النظر إلى البحر ثم قال.
" سيدتي أقولها حينما أكون مسحوراً بمدى روعتكِ، أنكِ خلّابة الآن، إمرأة صيفيّة تثِب فوق الأمواج، ترقص مع الرياح وتُعانق الإبتسامة عينيها، أيُ رجل سيكون عبداً لإشارتك لو أنكِ أردتِ"
أسهبت روزماري النظر في الماء وعلّقت.
" لا يُشترط بكل شيء جميل من الخارج، أن يكون جميلاً من الداخل، ربما يعجبك مظهري ولكن شخصيتي لا يُطيقها رجل، منذ أنني قوية لا أخضع، عنيدة، ولا أرضى بأقل ما أريد"
نظر لها تشانيول ورد.
" أدري أنكِ تتجاوزين وصفكِ هذا لنفسك، أنا رَجُل وأنتِ تسحريني في مظهركِ كما في شخصيتكِ"
وضعت بيده كأسها ثم أخذت تَعُد على أصابعها.
" هذه المرة الثالثة بعد العاشرة التي تعترف بها لي، المرة القادمة سأطردك"
ابتسمت بطريقة جذّابة هدفها أن تستفزه، فهذه عادتها لإزعاجه وصدّه عنها، تشانيول تنهد بأستياء عندما غادرته، ولكنه إلتفت لها عندما استذكرت.
" ونعم! أنا لا أعتبرك رجلًا"
صاح متذمراً.
" أنتِ!"
تبسّمت مُجدداً وبينما تعبر مساحته قالت.
" لو أنني أعتبرك رَجُلًا لما قَبِلت توظيفك بمهنة كهذه إطلاقاً، عليك أن تكون شاكرًا بدلًا من التذمر"
لا تُرممه، لا تُصلحه، ولا تُفسده، فقط تترُكه على حاله هكذا دائماً.
يدري تشانيول أنها لا ترفضه لشخصه بل ترفضه كرجل، لأنها ببساطة أعلنت أنها لا تريد رجلًا في حياتها، تجربتها السابقة كانت بائسة بما فيه الكفاية لِتَكُفّ عن الرجال بعدها.
روزماري قصدت بار المشروبات بعد ذلك، ولأن شيء من الغضب طاف في نفسها، أرادت أن تستكين بكأس ماء بارد يُبرّد روحها، لذا طلبت من الساقي ماءً.
ثم حينما وضع الساقي لها الماء على البار سرقت الزجاجة يد أخرى قبل يدها، وهنا طفح غضبها إذ نظرت شِمالها حيث أتى العِدوان ونبست.
" هذه يعتبرونها وقاحة أيها السيد!"
الرجل إلتزم الصمت وأسهب النظر لها، كما أنه مال برأسه يتأملها، تنهدت تُشيح عنه وطلبت ماءً آخر، حينما إستلمت الزُجاجة ونَوَت أن تُغادر، الرجل استوقفها بحديثه.
" ماذا إن كنتُ من معجبينك؟"
إلتفتت له وتهكّمت.
" يكرهونني الرجال"
ضحك بخفة ثم بلل حلقه بالماء.
" وماذا لو أنني قصدتُ سرقة إنتباهك؟"
ارتفع حاجبها عن ناصيته وهمست.
" لا تكون سرقته بالطريقة التي تتمناها"
وضع الماء على البار ثم تقدم منها يقول.
" هل سبق لكِ أن كنتِ طرف في حرب تحوي معارك لامتناهية؟!"
قبضت حاجبيها لا تفهم مقصده، حينها مدّ لها يده بغية المصافحة واتبع.
" إما أن تغلبيني وإما أن أغلبك، مرحباً، أنا كيم جونميون"
نظرت في ملامحه الواثقة ثم إلى يده الممدودة إليها، تبسّمت بتهكم ثم أخذت زجاجة المياه وغادرته.
نظر إلى يده التي تركتها مُعلّقة خلفها، ضمها إلى صدره ثم إبتسم ينظر في مخائلها المُغادرة.
" هكذا تكوني قبلتِ الحرب، معركتنا الأولى سأُريكِ نفسكِ بي"
..............................
جيجو؛ حيثُ تَكمُن الإبتسامات، السعادة، والبدايات...
حلّت الرِحال إلى أرضها وترجّل المسافرون إلى يابستها، تكفل تشانيول بحمل حقيبتين، واحدة تخصّه والأخرى تخصّ روزماري، بينما هي كانت مشغولة بالنظر في سيماء هذه الجزيرة وفي معالمها الباذخة أمامها.
" أراكِ مُشدوهة مما ترين، ألا تريدين صورة؟!"
روزماري نفت ثم همست بينما تعدل قُبعتها فوق رأسها.
" ذاكرتي ستكون أوفى صورة"
تبسّم تشانيول وتبع خُطاها، دائماً ما تعجبه بعفويتها هذه، بأجوبتها المُقتضبة المليئة بالمعاني.
القناة المسؤولة والرُعاة وفّروا كل ما يحتاجه طاقم عمل البرنامج في رحلتهم هذه ومن أحسنه، إذ استقلّت سيارة مع تشانيول إلى الفندق الذي تمت لهم فيه حجوزات إقامة.
وبما أن جدول الأعمال سيبتدأ غداً فلا ضير بجولة على الشاطئ كما حكمت روزماري، فبعد الغروب وبعدما نالت قسطاً من الراحة، خرجت روزماري تمشي على الشاطئ وحدها، وفقط تركت رسالة في بريد تشانيول بهذا الشأن مع تهديد بالطرد إن تبعها.
سارت على ضِفة الماء، الشاطئ هادئ إلا أن بعض الأزواج المُتفرّقين يعكّرون صفو الجوّ، ويضيفون ألواناً.
كانت تسير بلا وِجهة، إلا أن سمعت أحدهم يناديها من خلفها.
" زهرتي العذراء"
إلتفت تُعكر صفو حاجبيها، وإذ به الرجل من البار.
" ألستَ الذي أعلن علي الحرب، أطراف المعركة لا يكونا بهذا الوِد تجاه بعضهما كما تعلم"
تبسّم وشرع يتقرّب منها بخطواته.
" لستُ أريكِ أدواتي فحسب، نحن في المعركة بالفعل"
عقدت ساعديها إلى صدرها وتحدثت.
" عادة تكون للحرب أهداف، ما أهدافك؟!"
ضحك بخفة قبل أن يجيبها.
" لستُ غبياً لأعرض عليكِ أهدافي، الحرب ساحة مكر وخِداع، والنساء سيدات المكر، لستُ أحمقاً لأُجاهر بأسبابي لإمرأة مُهيبة مثلكِ"
ضحكت روزماري من جُب قلبها، إذ إختلطت عليها المشاعر، فلا تدري إن شعرت بالذمّ أو الإطراء أكثر.
" عليَّ أن أعترف بشيء، لسانكَ الملتوي يخرج كلاماً يثير بي حماسة لحربكَ هذه"
تقرّب منها أكثر ومدّ يده لمصافحتها، لكنها ضربت ظهر يده بأطراف أصابعها بعيداً عنها وقالت.
" لسنا حُلفاء في هذه الحرب، نحن طرفيها أيها السيد"
وللمرة الثانية على التوالي غادرته، فقبض يده إلى صدره وابتسم، أيُ خاطرة ستكفي لجّة مشاعره الآن؟!
في الصباح، أتى غيث صيفيّ رنّم الجوّ برناته ورطّبه، راقبت روزماري من شُرفتها زخّات المطر الخفيفة، تأمّلتها ورحّلت معها جزءً من مشاعرها الكئيبة كما تفعل دوماً مع المطر.
شعرت بمن يطرق بابها وإذا به تشانيول، لم يكن يصعب عليها التخمين، فصوته العميق آتى بعد طرقاته الخشنة.
" روز، الطاقم بإنتظارك، هيا سريعاً"
خرجت بعدما تخلّصت من مشاعرها، التي يبعثها المطر لها وتبعثها معه، إذ وجدت الطاقم ينتشر بعشوائية أمام السيارات المخصصة لهم.
استقلّت سيارتها، تشانيول جلس في المقدمة بجانب السائق وانطلقت.
إستديو حلقة الأسبوع هذا سيكون في الهواء الطلق على الشاطئ تحديداً، بثياب أقل رسميّة، مُبهجة وصيفيّة.
" واحد، إثنان، ثلاثة... أدِر الكاميرا"
تبسمت وأقامت ظهرها في حضرة الكاميرا.
" يومكنّ قوّة سيداتي، اليوم على غِرار العادة سيكون العالم مسرحنا، جيجو جزيرة تتغنى بالحُب الرومانسيّ، نحن نُقيم بأرضها اليوم لننفي وجوده"
إستلمت الجهاز اللوحي الذي يحوي فقرات البرنامج وقالت.
" خاطرة بعنوان " يومكِ قوّة" انتشرت مُذُّ الأمس على مدونة الكاتب الرومانسيّ سوهو المجهول، يقول فيها كلامًا كثيرًا، مُنمَّق، مُرتب، ومُبتذل يقصد فيه المرأة ذاتها، التي بالغ في مغازلتها في كتابه الفارط، ولكن بطريقة ما؛ أشعر بأنه يردّ عليّ عبرها"
علقت تبتسم بتهكم.
" رغم أنني رفضت منحه إنتباهي الذي يسعى خلفه، لكن مخرجنا العزيز أصرّ أن أُعلّق عليه وامنحه قدر من الإهتمام لا يستحقه من جمهوري العزيز"
" مما يقوله في خاطرته:
إبنة الزمن؛ حينما وقع نظركِ في نظري قلبي رقص على لحنٍ صاخب، لحن روك مجنون، أردتُ إنتعال خُفي جنون وإهمال، ومراقصتكِ على لحن لا يشبه صخب دواخلي، أردتُ معانقة خصركِ الميّال والرقص معكِ على حلقة زُحل"
وضعت الجهاز اللوحي جانباً وقالت.
" يشرح مشاعره بإحترافية كما وصف خصرها بالميّال، هل رقصت لك المرأة التي لا تعرفك كي تُقيّم جودة خصرها؟! هكذا هم الرجال، يحبون الجسد لا الروح"
تَناظر الطاقم من خلف الكاميرات، وهي وضعت إبتسامتها مجدداً وابتسمت.
" فاصل إعلاني ثم أوفيكم"
....
ضحك سوهو مِلئ شدقيه حينما إنتهى تعليقها، سيهون بجانبه رمقه بحاجبٍ مرفوع واستنكر.
" ما شهدتُ رجلاً مجنوناً أكثر منك، انظر ماذا تفعل إمرأتك التي لا تعرفك بك، لم أسمع إنتقاداً لاذعاً بمثل هذا عنك مُسبقاً!"
بسبابته أشار إلى التلفاز وإبتسامته قد وَسِعَت نواجذه.
" لهذا أُحبها، لأنها إمرأة مهيوبة، لحضورها هيّبة، لكلامها هيّبة، ولكل تفاصيلها هيّبة، هَيبتُها تسحرني"
" ولا أظنك تفهمني يا سيهون، هذه المرأة التي أحتاجها بحياتي، هي خياري، وهي من أريد، وحدها من تملك مفاتيح قلبي"
تنهد سيهون وتناول كوب قهوته الموضوع على الطاولة أمامه ليرتشف منه.
" أنت بالفعل رجلٌ مجنون!"
غادر الشابان الفيلّا الصيفيّة، التي يُقيمان بها خلال رحلتهما في جيجو، جونميون قرر أن يتجول وسيهون بما أنه لا يملك جدولاً خاصاً رافقه.
قصدا معًا مركز تجاريّ ضخم في الجزيرة، بينما يتجولان في المركز سيهون قال.
" لا أدري ما الذي آتى بنا إلى هنا، أدري أنك لا تحتاج شيء، هل ستشتري لأجلها شيئًا جديد؟!"
جونميون أومئ بينما ينظر في المعروضات في مُقدمات المَحال التجاريّة.
" لِمَ تسألني إن كنتَ تعرف الإجابة؟!"
تأفأف سيهون وتبعه منذ أنه لا يملك خيار آخر رغم ذلك تذمّر.
" ألا يجدر بنا أن نستمتع بأنشطة الصيف والشاطئ على أن تشتري قطعة حُلي أو ثياب تدري أنها لن تستخدمها، وقد ترميها فور ما يصلها الطرد؟!"
جونميون تجاهل صديقه وولج إلى أحدى المحلّات النسائية، فقد لفت إنتباهه فُستان أزرق كالسماء وعينيها، أعجبه فقرر أن يشتري منه اثنين.
" فهمتُ أنك تشتري واحداً لها، الثاني لمن؟!"
سيهون تسآل بينما يقف على طاولة المحاسبة مع جونميون، فنظر إليه الآخر وهمس.
" أشتريتهُ لي"
وانفجر سيهون ضاحكاً.
" هل خدمت في الجيش حقاً؟!"
...................
منذ أن لاح الصُبح الأول في حياتها -الأول بعد الحُرية- ظنّت أن السعادة رفيقتها على هذا الدرب، كانت ساذجة ببرائة لا تدري أن للشرِ ألف وجه، منها وجه مبتسم، وجه ودود، ووجه يُحب.
روزماري فتاة من ورد، نتف الزمن بتلاتها حتى أقتلعها من أرضها ونسبها إليه، تبنّاها وعلّمها صروف الحياة حتى أصبحت المرأة التي هي عليها، بأكثر الطُرق قسوة.
الماضي ضبابيّ، الحاضر ثابتةٌ ألوانه، المستقبل بلا ألوان، ولأنها ابنة معلم قاسٍ -الزمن- فهي تخشاه وتخشى ما يحمله إليها من عِبر.
اليوم روزماري بعدما إنتهت الحلقة أرادت أن تتجول، ومنذ أنها بعد كل شيء إمرأة إبتدأت جولتها بالمركز التجاري وتشانيول يرافقها.
" في كل رحلة نخرج بها تتبضعين، بما أنكِ لا تملكين أحداً تهدينه شيء، أو بالأصح لا تُريدي أن يكون لكِ أحد؛ لمن تشتري كل هذه الأغراض؟"
عكرت حاجبيها وتأفأفت.
" تتكلم كثيراً يا تشانيول!"
روزماري كما بقية الناس معروفي الأنساب تملك عائلة بيولوجيّة، تتضمن هذه العائلة والدتها الحنون في بعض الأحيان، والتي لا تُطاق في أحيان أُخر، أب بخيل ينتظر معونتها، أخ مشغول بزوجته عن الجميع، وأخت تكرهها لدرجة الموت من باب الغيرة.
هذه عائلتها البيولوجية التي تملكها بالدم ولا تملكها بالعاطغة، تحمّلت مسؤولية رعايتهم مادياً إذ وفّرت لهم ظروف معيشية لا تقل عنها رفاهية.
فلقد إبتاعت لأجلهم فيلّا ليسكنوها بدلاً من الشقة الصغيرة التي كانوا فيها، فتحت لأجلهم حساب بنكيّ يصرفون منه ما يشاؤن، واستوصت لأخيها وظيفة محترمة عند إحدى معارفها بعيداً عن ساحة الإعلام.
هم يقطنون في بوسان وهي تسكن في سيؤل، إذ أنها وفّرت لأجلهم كل شيء، لكنها رفضت أن توفر لهم فرصة لإستعادتها كجزء ضمن العائلة بالإرتباطات العاطفية.
في هذا المساء؛ وهي تقف على شرفة جناحها في الفندق؛ وردها إتصال من والدها، أجابته منذ أنها لا تريد أن تكون في عينه وقحة.
" مرحباً؟!"
" ابنتي، كيف حالك؟!"
" بخير"
صمت لوهلات قليلة ثم همهم، شعرت بأنه متردد في البوح عن شيء ما.
" أتحتاج شيء؟"
نفى ثم بعد تنهيدة قال.
" لا... الأمر أنه اتصل بي مجدداً وطلب مني أن أتحدث معكِ لتعودي إليه"
تنهدت روزماري بأستياء شديد، وقضمت شفتيها قُبيل أن ترد.
" لن أعود مهما توسّل، ولا تحدثني بشأنه مجدداً من فضلك يا أبي!"
.........................
يُتبع...
الفصل الأول "إبنة الزمن"
ضِمن الجُزء الأول" سأُريكِ نَفسكِ بي"
ضمن الرواية العاطفيّة "هيّبَتُها"
............................
سلاااااااااام♥️😭
أقول... رحبوا بروايتي الجديدة، هيبتُها وأخيراً إبتدأت... هذه الرواية ما رح تكون ساخنة جداً مثل رواياتي السابقات، ليفل الإستفزاز والنذالة مش عالي😂
ح تكون رواية خفيفة لطيفة، تحبوها كثير، تخليكم تبتسمو كثير، وما رح تبكيكم إلا شويّة صغيرة.
حسب المخطط، الرواية ممكن توصل 30 شابتر وممكن ما توصل، لأن الحبكّة مش معقدة، أنا بالفعل حابة أجرب هيك نوع من الروايات، رواية هادية، وأنا متحمسة لها ألف، متحمسين؟!
طبعاً الرواية بطولة نسائية أكثر مما تكون بطولة ذكورية، محور الحبكة روزماري مش سوهو، لكن هو البطل طبعاً وأكيد له صراعه الخاص.
هذا الفصل كانت مثل تعريف بجوّ الرواية أكثر مما يكون سرد للأحداث أو ما شابه.
لهيك إذا حبيتوا الرواية ادعموها
الفصل القادم بعد 80 فوت و 80 كومنت.
1.رأيكم بشخصية روزماري إلى الآن حسب ما عرفتوه عنها؟!
2.رأيكم بشخصية جونميون/ سوهو؟!
3.رأيكم بطبيعة أجواء الرواية؟! توقعاتكم حولها؟
4. هل لاحظتم تطور أدواتي ككاتبة؟ كيف ذلك؟!
5.رأيكم في الفصل ككل وتوقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
في:
هيّبَتُها || الحرب
المعركة الأولى: سأُريكِ نفسكِ بي
" إبنة الزمن"
"ثلاثة، إثنان، واحد... أدِر الكاميرا!"
تبسّمت كما عادتها حينما سُلِّطَت عليها الكاميرات الموزّعة في الإستديو، لتصويرها من كل الجِهات والزوايا المُمكِنة.
نظرت روزماري إلى الكاميرا الرئيسة وابتدأت.
" مسائكُنّ قوّة سيداتي... كما يكون حديثنا على مدار العامين الفارطين، ومنذ نشأة هذا البرنامج، نحنُ وجدنا لِمدَّكُنّ بالقوّة، القوّة للنساء جميعًا"
حَملت في يدها كِتاب ما، وتحسست غِلافه عالي الجودة قبل أن ترفعه على الملأ أمام عدسة الكاميرا.
" كنتُ في الأمس في زيارة لإحدى المكتبات، لإقتناء حفنة كُتب جديدة أقرأها في وقت فراغي، ولسوء حظ المؤلف فلقد وقع كتابه في يدي"
عَجّ وجهها بالتّهكّم بينما تُقلب الأوراق بين دفتيّ الكتاب وشرحت.
" إنه مُجرد كتاب رومانس، يحكي عن الحُب وتضحيات الرَجُل، نظيرنا المَرِن على حد وصفه"
رفعت الكتاب مجدداً إلى العدسة بعدما إنبلجت من فاهها ضحكة خافتة تقصد فيها السُخرية من المحتوى المُبتَذل على حسب مُعتقدِها.
" جَذبتني جودة الصُنع، إذ ترون أن الغلاف عبارة عن رسمة لرجُل لا تظهر ملامحه جليّة فيها، عنوان الكِتاب "الصورة الذاتية"، وتوقيع الكاتب باسم "سوهو"، أي أنه كاتب مُتنكر خلف هذا الإسم الذي فبركه"
وضعت الكِتاب على الطاولة الصغيرة، التي تجاور أريكتها، ثم اتبعت تنظر نحو العدسة.
" لأكون معكنّ صادقة؛ جذبتني كل هذه العناصر التجميلية فقررتُ أن أقرأه، ولكنني عندما شعرتُ بالأستياء الشديد من المحتوى قرأتُ فيه مُقتطفات لعل رأيي به تغير، ولم يحدث هذا للأسف"
" الكتاب مُبتذل جدًا مُذُّ أنه يصف رَجُلًا يُحب، ونحن جميعًا نعلم أن هذا الصِنف من الرجال قد إنقرض مع روميو والأسطوريين أمثاله، أنه يبتدع حالة حُب غريبة، يصف فيها نفسه عبر إمرأة يحبها، وذلك لم يقنعني ألبتّة"
" ما زاد إستيائي أنه وثّق كتابه على أنه مُقتبس عن قِصّة واقعية، أين الأمانة في عملكم أيها الكُتّاب؟! حتى للخيال حدود!"
ثم توارى الإستياء عن ملامحها، وأودعت إبتسامة لطيفة تُعلن.
" فاصلٌ إعلاني قصير، ثم كونوا بإستعداد لقضيتنا الأخرى في هذه الحلقة"
" cut!"
خرج الفنيّون من خلف الكاميرات لضبطها، وأتت لِروزماري المرأة المسؤولة عن زينتها، عدّلت مكياجها تقول.
" كنتِ رائعة روز كما تكونين دوماً"
تبسّمت روزماري بوِد ثم ربتت على كتف الفتاة تقول.
" شكراً لكِ ليا"
عاد الجميع إلى مواقعهم، ثم دارت الكاميرا لتتسلط عليها من جديد، حملت روزماري اللوح الذكي بيدها.
" ولكي نثبت للمرة المائة بعد المليون أن الحُب ومفاهيمه الأسطورية باتت قصصاً مُبتذلة؛ دعوني أشرح لكم هذه الحالة"
حملت الجهاز اللوحي على مرآها.
" إنها حالة لفتاة يُفترض أنها تُتِم دراستها الجامعية الآن، تقول فيها بإختصار أنها رافقت شابًا في الجامعة، ومع طول فترة المواعدة بينهما تعلّقت به، فأصبح الشاب يستغل مشاعرها لصالحه، إذ طلب منها مالًا، فاعطتهُ ما إحتفظ به والدها لأجل دراستها الجامعية دون أن يدري أحد من عائلتها، وعلى هذا المنوال هرب الشاب يحمل مال أقساطها الجامعية"
" ولكي لا يكشفها إحدى والديها، أصبحت تَقصد الجامعة رغم أنها ليست مُسجّلة بأي صف من صفوف قسم تخصصها، فقط كتمويه أمام والديها، تقول أنه من المفترض أن تخرجها أصبح وشيكاً، والدايها يتجهزان لأجل حفل تخرجها بفرحٍ عارم، والفتاة حاولت بالفعل الإنتحار من على جسر نهر الهان، الآن تتسآل؛ ماذا عليها أن تفعل؟"
وضعت روزماري الجهاز اللوحي جانباً، ثم نظرت نحو الكاميرا تُشابك أصابعها معاً وتُقيم ظهرها، بثقة وقوة أجابت.
" عزيزنا الكاتب سوهو، هل رأيت الآن مدى تناقض الواقع عن كتاباتك؟! وددتُ لو اسمع رأيك بشأن هذه الحالة؛ لو أنك لا تختبئ خلف اسم مُستعار؛ وتأتي في ضيافتي إلى الأستديو هنا"
إبتسمت بخفة ولانت نبرتها.
" أما أنتِ؛ فلا أدري ما الحل الذي سيخرجكِ بلا إصابات، لن ألومكِ عمّا فعلتِه، فلا ينفع اللوم ولا الندم الآن، ليس أمامكِ حلاً سوى أن تُخبري والديكِ بالحقيقة، اعتذري وقولي لهم الحقيقة، ثم مهما خاصموكِ لاحقاً سيعانقونكِ في النهاية، فالحُب الوحيد الذي لا يشوبه تزييف، حب الوالد لطفله"
رغم أنها لا تثق بكلماتها الأخيرة لكنها افترضت وجود آباء أحسن من أسلافها.
" وأما بشأن الشاب الذي سرق مالك وهرب، فالغدر طبعٌ لدى الرجال، متأصلٌ فيهم، جزءٌ من تركيبتهم الجينيّة، الخِداع، المكر، والأنانية، وددتُ لو أقترح عليكِ أن تتوجهي لسُلطة القانون، لكن القانون لا يحمي المُغفّلين مع الأسف"
جمعت كفيها وأمالت رأسها بأيمائة وقالت.
" فاصل إعلاني ثم ترقبوا إعلاني بعده"
نهضت روزماري إلى دورة المياه أثناء فترة الإستراحة، التي تستمر لخمسة دقائق، غسلت كفيها ثم نظرت إلى نفسها بالمرآة.
حينها إرتج الهاتف في جيب بنطالها الأسود، أخرجته، لكن سُرعان ما انعقدت ملامحها منذ أن الرقم الذي يتصل بها غريب.
وضعت الهاتف إلى أُذنها، وما تحدثت حتى تحدث الطرف الآخر، بدى متهكماً ساخراً ويضحك.
" القانون لا يحمي المُغفّلين، كيف حماكِ سابقاً حبيبتي؟!"
نظرت في الرقم على الشاشة، ثم استطردت بنبرة باردة، بدى فيها كُرهاً شديداً للذي يُهاتفها.
" كُف عن الإتصال بي لأنني مللتُ من حظرك"
أغلقت المكالمة في وجهه، ونفثت أنفاسها بأستياء شديد، لهُ عليها سحر، كلما سمعت صوته سقطت في لُجّة غضب يَصُعب الخروج منها.
أحد أفراد الطاقم طرق عليها باب مكتبها يستعجلها الخروج، سحبت نفساً عميقاً وزفرت بهدوء، عليها أن تَدّعي أنها بخير حتى لو ما كانت فعلاً بخير، الكاميرا لا تَرحم على آية حال.
خرجت توضّب سخطها، ووضعت على وجهها إبتسامتها الخافتة المُعتادة، ثم أمام الكاميرا قالت.
" مُنذ أن البرنامج نجح خلال السنتين الماضية بفضل قوّة النساء، اليوم أصبحنا نُنظم جداول مختلفة لا تقتصر على الأستديو هذا وحسب، لذا قررت إدارة البرنامج أن يكون أستديو الحلقات الأربع القادمة من ضمن أرض الواقع، إذ سأسافر إلى جزيرة جيجو وسنمسّ حالاتنا عن قُرب"
عقدت كفيها أخيراً أمامها واتبعت.
" وبما أن الحلقة قد شارفت على نهايتها فأنني أوصيكنّ بأنفسكنّ، كُن قويات، عقلانيات، ولا تدعنّ العاطفة تحكمكنّ، سيداتي أنتنّ أعظم من أن يسخر منكنّ رجلاً بحبه المزعوم"
...
ظهرت شارة نهاية البرنامج، وهو وضع جهاز التحكم على ذراع الأريكة بجواره، تبسّم ورفع فُنجان القهوة إلى شفتيه.
خاطرته قيد النشر، ستكون كافية لإستفزازها فيما بعد، هو متحمس منذ الآن لإنتقادها اللاذع، الذي لا يجرحه بل يثير فيه حماسة غريبة.
وصله إتصال بينما يُعاين خاطرته قبل النشر، أجابه منذ أنه مدير أعماله اوه سيهون.
" سوهو، رحلتك إلى جزيرة جيجو في التاسعة صباحًا، سنذهب بحرًا إلى الجزيرة"
.....
شكرت روزماري عمل الطاقم الجاد، ثم توجهت إلى خلف الكواليس، بالتحديد إلى غرفة الإستراحة الخاصة بها حيث على الباب شارة باسمها.
روزماري جلست أمام المرآة تُعاين نفسها في مرآتها، بينما مُدير أعمالها قد تبعها يحمل أوراقه لها.
" روز، رحلتكِ إلى جيجو ستكون في التاسعة صباحاً عبر البحر، سنذهب معاً"
أومأت له عبر المرآة وابتسمت.
" حسناً تشانيول، سأنتظرك لتأخذني من المنزل"
إبتسامتها المُشرقة التي لا تقصد بها إلاه -كما الآن تماماً- جعلته يتنهد رغم أنه ضحك بخفوت لا يقاوم لطافتها.
" دوماً ما تستضعفيني بإبتساماتكِ هذه!"
أخذت ترمش بلطافة وأمالت رأسها، رفع يديه مُستسلماً.
" حسناً حسناً، سآتي لآخذك، أنا لم اعترض من الأساس"
أشاحت عنه وهمست توضب خُصلها.
" لا يحق لك أن تعترض حتى!"
" بالمناسبة"
قدم لها اللوح الإلكتروني يقول.
" الكاتب سوهو نشر خاطرة للتوّ، وأظنه يقصد ذات المرأة في كلامه بطريقة تستفزك"
حملت اللوح تنظر في النص، كلام مُرتب منمق يصف به إمرأة يحبها وتهاجمه، يقول في نصّه أن غرضه إستفزازها، وإن غضبها يحبه، ويجعله يحبها أكثر، أنها بالنسبة له إمرأة مستبدّة، لكنها إمرأة أحلامه.
سلّمت اللوح إلى تشانيول من خلفها وقالت.
" لن أعلق عليه، أظنه يريد إهتمام البرنامج وكسب جمهور عَبري، وهذا ما لن يناله مني، فقط دعني منه"
أومئ تشانيول، ثم تريث حتى نهضت وسبقته إلى الخارج، تبعها إلى سيارتها الخاصّة، صعدت روزماري بجانب تشانيول، وقاد بهما إلى المنزل.
تَسكُن روزماري في حيّ سكني مُبغدد مُرفّه ضمن غانغام الشهيرة، تعيش في الطابق العشرين في شقة فسيحة، تُقابلها شقتين، واحدة يسكنها تشانيول، والأخرى إشتراها رجل أعمال مُهاجر.
فورما وصلت منزلها سَعَت للبحث عن الراحة في مرافئ شِقتها المُتخمة بالرفاهية، إذ أخذت حِماماً دافئاً في الجاكوزي، ثم خرجت إلى غرفتها وجلست على كرسي التدليك، وبالفعل تناولت كتاباً، وقد حصلت على كوب قهوة سريع التحضير.
كان كتاب "الصورة الذاتية" للكاتب ذا الأسم المُشفّر سوهو مُجدداً، قد ساورها مُسبقاً شيئاً من الفضول حول وصف رَجُل لرجلٍ واقع في حب إمرأة لا تعرفه.
بَدت فضولية وهي تُقلّب الصفحة بعد الصفحة دون أن تحِس في الوقت، فهي تعترف أنه يملك أدوات الكاتب كُلها، عناصر التشويق، الغموض، والمفاجأة، ولكن حتى أطبقت دفتيّ الكتاب قصّته لم تروق لها، لم تصدقها، فهو يحكي عن حُب أسطوري أنقرض لو كان موجوداً من الأساس.
وضعت روزماري الكتاب جانباً ورصّته على رفوف مكتبتها، الرفوف التي تحوي الكتب التي أتمّتها بالفعل.
خرجت إلى صالة الجلوس وشغّلت التلفاز، فهو وقت إعادة الحلقة التي صوّرتها اليوم، كما العادة؛ وجدت على نفسها نقدًا لا يراه سِواها، مثل أنها قالت الجُملة الفُلانية في غير محلها، وجملة أخرى ما كان عليها قولها من الأساس...وهكذا أمور.
.................
التاسعة صباحاً في اليوم التالي، كانت لتوِّها روزماري صعدت السفينة، التي ستأخذها إلى جيجو برفقة طاقم عمل البرنامج ومدير أعمالها تشانيول.
بعض المعجبون إلتفّوا حولها، حيّتهم بوِد، أخذت صور معهم ومنحتهم توقيعها، فهي روزماري، أكثر المذيعات شُهرة، وبرنامجها يحصُد أعلى نِسب المُشاهدات، شُهرتها أصبحت تُنافس طواقم الدراما والتمثيل.
كانت تقف إلى مُقدمة السفينة، تستند إلى سِوارها وتنظر بالأمواج وما يَموج فيها، الطبيعة ساحرة، شيء كهذا ذكره سوهو في كتابه، تأثّرت بالجُملة لأنها حقيقيّة.
شعرها كان يركض مع الهواء، يُعكر عليها الرؤية، لكن لا أجمل من مُراقصة الهواء لشعرِ أُنثى مِثلها.
شعرت بنقر على كتفها العاري إلا من خيط رفيع يرفع فستانها، فإلتفتت وإذ به تشانيول يمد لها كأس كوكتيل.
رمقته تُضيق عينيها عليه، فهمس وابتسم حتى بانت غمازتيّه، ورغم أنها لا ترى عيناه من خلف النظّارة الشمسيّة التي يضعها، لكنها شعرت بعينيه تبتسم.
" خالٍ من الكحول سيدتي"
تناولت منه الكأس وتشاركا نخب، ثم هي قالت.
" لا أحب أن تقول لي سيدتي تشانيول، أنت الوحيد الذي لا أحب أن تجمعني به علاقة رسميّة"
أومئ تشانيول ثم وقف بجوراها، شاركها النظر إلى البحر ثم قال.
" سيدتي أقولها حينما أكون مسحوراً بمدى روعتكِ، أنكِ خلّابة الآن، إمرأة صيفيّة تثِب فوق الأمواج، ترقص مع الرياح وتُعانق الإبتسامة عينيها، أيُ رجل سيكون عبداً لإشارتك لو أنكِ أردتِ"
أسهبت روزماري النظر في الماء وعلّقت.
" لا يُشترط بكل شيء جميل من الخارج، أن يكون جميلاً من الداخل، ربما يعجبك مظهري ولكن شخصيتي لا يُطيقها رجل، منذ أنني قوية لا أخضع، عنيدة، ولا أرضى بأقل ما أريد"
نظر لها تشانيول ورد.
" أدري أنكِ تتجاوزين وصفكِ هذا لنفسك، أنا رَجُل وأنتِ تسحريني في مظهركِ كما في شخصيتكِ"
وضعت بيده كأسها ثم أخذت تَعُد على أصابعها.
" هذه المرة الثالثة بعد العاشرة التي تعترف بها لي، المرة القادمة سأطردك"
ابتسمت بطريقة جذّابة هدفها أن تستفزه، فهذه عادتها لإزعاجه وصدّه عنها، تشانيول تنهد بأستياء عندما غادرته، ولكنه إلتفت لها عندما استذكرت.
" ونعم! أنا لا أعتبرك رجلًا"
صاح متذمراً.
" أنتِ!"
تبسّمت مُجدداً وبينما تعبر مساحته قالت.
" لو أنني أعتبرك رَجُلًا لما قَبِلت توظيفك بمهنة كهذه إطلاقاً، عليك أن تكون شاكرًا بدلًا من التذمر"
لا تُرممه، لا تُصلحه، ولا تُفسده، فقط تترُكه على حاله هكذا دائماً.
يدري تشانيول أنها لا ترفضه لشخصه بل ترفضه كرجل، لأنها ببساطة أعلنت أنها لا تريد رجلًا في حياتها، تجربتها السابقة كانت بائسة بما فيه الكفاية لِتَكُفّ عن الرجال بعدها.
روزماري قصدت بار المشروبات بعد ذلك، ولأن شيء من الغضب طاف في نفسها، أرادت أن تستكين بكأس ماء بارد يُبرّد روحها، لذا طلبت من الساقي ماءً.
ثم حينما وضع الساقي لها الماء على البار سرقت الزجاجة يد أخرى قبل يدها، وهنا طفح غضبها إذ نظرت شِمالها حيث أتى العِدوان ونبست.
" هذه يعتبرونها وقاحة أيها السيد!"
الرجل إلتزم الصمت وأسهب النظر لها، كما أنه مال برأسه يتأملها، تنهدت تُشيح عنه وطلبت ماءً آخر، حينما إستلمت الزُجاجة ونَوَت أن تُغادر، الرجل استوقفها بحديثه.
" ماذا إن كنتُ من معجبينك؟"
إلتفتت له وتهكّمت.
" يكرهونني الرجال"
ضحك بخفة ثم بلل حلقه بالماء.
" وماذا لو أنني قصدتُ سرقة إنتباهك؟"
ارتفع حاجبها عن ناصيته وهمست.
" لا تكون سرقته بالطريقة التي تتمناها"
وضع الماء على البار ثم تقدم منها يقول.
" هل سبق لكِ أن كنتِ طرف في حرب تحوي معارك لامتناهية؟!"
قبضت حاجبيها لا تفهم مقصده، حينها مدّ لها يده بغية المصافحة واتبع.
" إما أن تغلبيني وإما أن أغلبك، مرحباً، أنا كيم جونميون"
نظرت في ملامحه الواثقة ثم إلى يده الممدودة إليها، تبسّمت بتهكم ثم أخذت زجاجة المياه وغادرته.
نظر إلى يده التي تركتها مُعلّقة خلفها، ضمها إلى صدره ثم إبتسم ينظر في مخائلها المُغادرة.
" هكذا تكوني قبلتِ الحرب، معركتنا الأولى سأُريكِ نفسكِ بي"
..............................
جيجو؛ حيثُ تَكمُن الإبتسامات، السعادة، والبدايات...
حلّت الرِحال إلى أرضها وترجّل المسافرون إلى يابستها، تكفل تشانيول بحمل حقيبتين، واحدة تخصّه والأخرى تخصّ روزماري، بينما هي كانت مشغولة بالنظر في سيماء هذه الجزيرة وفي معالمها الباذخة أمامها.
" أراكِ مُشدوهة مما ترين، ألا تريدين صورة؟!"
روزماري نفت ثم همست بينما تعدل قُبعتها فوق رأسها.
" ذاكرتي ستكون أوفى صورة"
تبسّم تشانيول وتبع خُطاها، دائماً ما تعجبه بعفويتها هذه، بأجوبتها المُقتضبة المليئة بالمعاني.
القناة المسؤولة والرُعاة وفّروا كل ما يحتاجه طاقم عمل البرنامج في رحلتهم هذه ومن أحسنه، إذ استقلّت سيارة مع تشانيول إلى الفندق الذي تمت لهم فيه حجوزات إقامة.
وبما أن جدول الأعمال سيبتدأ غداً فلا ضير بجولة على الشاطئ كما حكمت روزماري، فبعد الغروب وبعدما نالت قسطاً من الراحة، خرجت روزماري تمشي على الشاطئ وحدها، وفقط تركت رسالة في بريد تشانيول بهذا الشأن مع تهديد بالطرد إن تبعها.
سارت على ضِفة الماء، الشاطئ هادئ إلا أن بعض الأزواج المُتفرّقين يعكّرون صفو الجوّ، ويضيفون ألواناً.
كانت تسير بلا وِجهة، إلا أن سمعت أحدهم يناديها من خلفها.
" زهرتي العذراء"
إلتفت تُعكر صفو حاجبيها، وإذ به الرجل من البار.
" ألستَ الذي أعلن علي الحرب، أطراف المعركة لا يكونا بهذا الوِد تجاه بعضهما كما تعلم"
تبسّم وشرع يتقرّب منها بخطواته.
" لستُ أريكِ أدواتي فحسب، نحن في المعركة بالفعل"
عقدت ساعديها إلى صدرها وتحدثت.
" عادة تكون للحرب أهداف، ما أهدافك؟!"
ضحك بخفة قبل أن يجيبها.
" لستُ غبياً لأعرض عليكِ أهدافي، الحرب ساحة مكر وخِداع، والنساء سيدات المكر، لستُ أحمقاً لأُجاهر بأسبابي لإمرأة مُهيبة مثلكِ"
ضحكت روزماري من جُب قلبها، إذ إختلطت عليها المشاعر، فلا تدري إن شعرت بالذمّ أو الإطراء أكثر.
" عليَّ أن أعترف بشيء، لسانكَ الملتوي يخرج كلاماً يثير بي حماسة لحربكَ هذه"
تقرّب منها أكثر ومدّ يده لمصافحتها، لكنها ضربت ظهر يده بأطراف أصابعها بعيداً عنها وقالت.
" لسنا حُلفاء في هذه الحرب، نحن طرفيها أيها السيد"
وللمرة الثانية على التوالي غادرته، فقبض يده إلى صدره وابتسم، أيُ خاطرة ستكفي لجّة مشاعره الآن؟!
في الصباح، أتى غيث صيفيّ رنّم الجوّ برناته ورطّبه، راقبت روزماري من شُرفتها زخّات المطر الخفيفة، تأمّلتها ورحّلت معها جزءً من مشاعرها الكئيبة كما تفعل دوماً مع المطر.
شعرت بمن يطرق بابها وإذا به تشانيول، لم يكن يصعب عليها التخمين، فصوته العميق آتى بعد طرقاته الخشنة.
" روز، الطاقم بإنتظارك، هيا سريعاً"
خرجت بعدما تخلّصت من مشاعرها، التي يبعثها المطر لها وتبعثها معه، إذ وجدت الطاقم ينتشر بعشوائية أمام السيارات المخصصة لهم.
استقلّت سيارتها، تشانيول جلس في المقدمة بجانب السائق وانطلقت.
إستديو حلقة الأسبوع هذا سيكون في الهواء الطلق على الشاطئ تحديداً، بثياب أقل رسميّة، مُبهجة وصيفيّة.
" واحد، إثنان، ثلاثة... أدِر الكاميرا"
تبسمت وأقامت ظهرها في حضرة الكاميرا.
" يومكنّ قوّة سيداتي، اليوم على غِرار العادة سيكون العالم مسرحنا، جيجو جزيرة تتغنى بالحُب الرومانسيّ، نحن نُقيم بأرضها اليوم لننفي وجوده"
إستلمت الجهاز اللوحي الذي يحوي فقرات البرنامج وقالت.
" خاطرة بعنوان " يومكِ قوّة" انتشرت مُذُّ الأمس على مدونة الكاتب الرومانسيّ سوهو المجهول، يقول فيها كلامًا كثيرًا، مُنمَّق، مُرتب، ومُبتذل يقصد فيه المرأة ذاتها، التي بالغ في مغازلتها في كتابه الفارط، ولكن بطريقة ما؛ أشعر بأنه يردّ عليّ عبرها"
علقت تبتسم بتهكم.
" رغم أنني رفضت منحه إنتباهي الذي يسعى خلفه، لكن مخرجنا العزيز أصرّ أن أُعلّق عليه وامنحه قدر من الإهتمام لا يستحقه من جمهوري العزيز"
" مما يقوله في خاطرته:
إبنة الزمن؛ حينما وقع نظركِ في نظري قلبي رقص على لحنٍ صاخب، لحن روك مجنون، أردتُ إنتعال خُفي جنون وإهمال، ومراقصتكِ على لحن لا يشبه صخب دواخلي، أردتُ معانقة خصركِ الميّال والرقص معكِ على حلقة زُحل"
وضعت الجهاز اللوحي جانباً وقالت.
" يشرح مشاعره بإحترافية كما وصف خصرها بالميّال، هل رقصت لك المرأة التي لا تعرفك كي تُقيّم جودة خصرها؟! هكذا هم الرجال، يحبون الجسد لا الروح"
تَناظر الطاقم من خلف الكاميرات، وهي وضعت إبتسامتها مجدداً وابتسمت.
" فاصل إعلاني ثم أوفيكم"
....
ضحك سوهو مِلئ شدقيه حينما إنتهى تعليقها، سيهون بجانبه رمقه بحاجبٍ مرفوع واستنكر.
" ما شهدتُ رجلاً مجنوناً أكثر منك، انظر ماذا تفعل إمرأتك التي لا تعرفك بك، لم أسمع إنتقاداً لاذعاً بمثل هذا عنك مُسبقاً!"
بسبابته أشار إلى التلفاز وإبتسامته قد وَسِعَت نواجذه.
" لهذا أُحبها، لأنها إمرأة مهيوبة، لحضورها هيّبة، لكلامها هيّبة، ولكل تفاصيلها هيّبة، هَيبتُها تسحرني"
" ولا أظنك تفهمني يا سيهون، هذه المرأة التي أحتاجها بحياتي، هي خياري، وهي من أريد، وحدها من تملك مفاتيح قلبي"
تنهد سيهون وتناول كوب قهوته الموضوع على الطاولة أمامه ليرتشف منه.
" أنت بالفعل رجلٌ مجنون!"
غادر الشابان الفيلّا الصيفيّة، التي يُقيمان بها خلال رحلتهما في جيجو، جونميون قرر أن يتجول وسيهون بما أنه لا يملك جدولاً خاصاً رافقه.
قصدا معًا مركز تجاريّ ضخم في الجزيرة، بينما يتجولان في المركز سيهون قال.
" لا أدري ما الذي آتى بنا إلى هنا، أدري أنك لا تحتاج شيء، هل ستشتري لأجلها شيئًا جديد؟!"
جونميون أومئ بينما ينظر في المعروضات في مُقدمات المَحال التجاريّة.
" لِمَ تسألني إن كنتَ تعرف الإجابة؟!"
تأفأف سيهون وتبعه منذ أنه لا يملك خيار آخر رغم ذلك تذمّر.
" ألا يجدر بنا أن نستمتع بأنشطة الصيف والشاطئ على أن تشتري قطعة حُلي أو ثياب تدري أنها لن تستخدمها، وقد ترميها فور ما يصلها الطرد؟!"
جونميون تجاهل صديقه وولج إلى أحدى المحلّات النسائية، فقد لفت إنتباهه فُستان أزرق كالسماء وعينيها، أعجبه فقرر أن يشتري منه اثنين.
" فهمتُ أنك تشتري واحداً لها، الثاني لمن؟!"
سيهون تسآل بينما يقف على طاولة المحاسبة مع جونميون، فنظر إليه الآخر وهمس.
" أشتريتهُ لي"
وانفجر سيهون ضاحكاً.
" هل خدمت في الجيش حقاً؟!"
...................
منذ أن لاح الصُبح الأول في حياتها -الأول بعد الحُرية- ظنّت أن السعادة رفيقتها على هذا الدرب، كانت ساذجة ببرائة لا تدري أن للشرِ ألف وجه، منها وجه مبتسم، وجه ودود، ووجه يُحب.
روزماري فتاة من ورد، نتف الزمن بتلاتها حتى أقتلعها من أرضها ونسبها إليه، تبنّاها وعلّمها صروف الحياة حتى أصبحت المرأة التي هي عليها، بأكثر الطُرق قسوة.
الماضي ضبابيّ، الحاضر ثابتةٌ ألوانه، المستقبل بلا ألوان، ولأنها ابنة معلم قاسٍ -الزمن- فهي تخشاه وتخشى ما يحمله إليها من عِبر.
اليوم روزماري بعدما إنتهت الحلقة أرادت أن تتجول، ومنذ أنها بعد كل شيء إمرأة إبتدأت جولتها بالمركز التجاري وتشانيول يرافقها.
" في كل رحلة نخرج بها تتبضعين، بما أنكِ لا تملكين أحداً تهدينه شيء، أو بالأصح لا تُريدي أن يكون لكِ أحد؛ لمن تشتري كل هذه الأغراض؟"
عكرت حاجبيها وتأفأفت.
" تتكلم كثيراً يا تشانيول!"
روزماري كما بقية الناس معروفي الأنساب تملك عائلة بيولوجيّة، تتضمن هذه العائلة والدتها الحنون في بعض الأحيان، والتي لا تُطاق في أحيان أُخر، أب بخيل ينتظر معونتها، أخ مشغول بزوجته عن الجميع، وأخت تكرهها لدرجة الموت من باب الغيرة.
هذه عائلتها البيولوجية التي تملكها بالدم ولا تملكها بالعاطغة، تحمّلت مسؤولية رعايتهم مادياً إذ وفّرت لهم ظروف معيشية لا تقل عنها رفاهية.
فلقد إبتاعت لأجلهم فيلّا ليسكنوها بدلاً من الشقة الصغيرة التي كانوا فيها، فتحت لأجلهم حساب بنكيّ يصرفون منه ما يشاؤن، واستوصت لأخيها وظيفة محترمة عند إحدى معارفها بعيداً عن ساحة الإعلام.
هم يقطنون في بوسان وهي تسكن في سيؤل، إذ أنها وفّرت لأجلهم كل شيء، لكنها رفضت أن توفر لهم فرصة لإستعادتها كجزء ضمن العائلة بالإرتباطات العاطفية.
في هذا المساء؛ وهي تقف على شرفة جناحها في الفندق؛ وردها إتصال من والدها، أجابته منذ أنها لا تريد أن تكون في عينه وقحة.
" مرحباً؟!"
" ابنتي، كيف حالك؟!"
" بخير"
صمت لوهلات قليلة ثم همهم، شعرت بأنه متردد في البوح عن شيء ما.
" أتحتاج شيء؟"
نفى ثم بعد تنهيدة قال.
" لا... الأمر أنه اتصل بي مجدداً وطلب مني أن أتحدث معكِ لتعودي إليه"
تنهدت روزماري بأستياء شديد، وقضمت شفتيها قُبيل أن ترد.
" لن أعود مهما توسّل، ولا تحدثني بشأنه مجدداً من فضلك يا أبي!"
.........................
يُتبع...
الفصل الأول "إبنة الزمن"
ضِمن الجُزء الأول" سأُريكِ نَفسكِ بي"
ضمن الرواية العاطفيّة "هيّبَتُها"
............................
سلاااااااااام♥️😭
أقول... رحبوا بروايتي الجديدة، هيبتُها وأخيراً إبتدأت... هذه الرواية ما رح تكون ساخنة جداً مثل رواياتي السابقات، ليفل الإستفزاز والنذالة مش عالي😂
ح تكون رواية خفيفة لطيفة، تحبوها كثير، تخليكم تبتسمو كثير، وما رح تبكيكم إلا شويّة صغيرة.
حسب المخطط، الرواية ممكن توصل 30 شابتر وممكن ما توصل، لأن الحبكّة مش معقدة، أنا بالفعل حابة أجرب هيك نوع من الروايات، رواية هادية، وأنا متحمسة لها ألف، متحمسين؟!
طبعاً الرواية بطولة نسائية أكثر مما تكون بطولة ذكورية، محور الحبكة روزماري مش سوهو، لكن هو البطل طبعاً وأكيد له صراعه الخاص.
هذا الفصل كانت مثل تعريف بجوّ الرواية أكثر مما يكون سرد للأحداث أو ما شابه.
لهيك إذا حبيتوا الرواية ادعموها
الفصل القادم بعد 80 فوت و 80 كومنت.
1.رأيكم بشخصية روزماري إلى الآن حسب ما عرفتوه عنها؟!
2.رأيكم بشخصية جونميون/ سوهو؟!
3.رأيكم بطبيعة أجواء الرواية؟! توقعاتكم حولها؟
4. هل لاحظتم تطور أدواتي ككاتبة؟ كيف ذلك؟!
5.رأيكم في الفصل ككل وتوقعاتكم للقادم؟!
دمتم سالمين♥️
♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️
Love♥️
Коментарі
Упорядкувати
- За популярністю
- Спочатку нові
- По порядку
Показати всі коментарі
(1)
CH1|| إبنة الزمن
البارت عشرة على عشرة ولا كلمة بجد
Відповісти
2020-09-18 11:21:24
Подобається