هَيبتُها|| The End
كيم جون ميون (الكاتب سوهو)
بطل:
هَيبَتُها|| Her Prestige
(لا تؤذيني بكِ)
"زهرتي قد ذبلت، أم أنا الذي ذَبِلت؟!
الحياة دونها شاقّة ومعها مُستحيلة.
هي مثل زهرة جوري، زهرة جميلة جدًا، أوراقها بهيّة وملوَّنة بأزهى الألوان، لكن جِذعها يملؤه الشوك.
كي أشتمَّها عليَّ أن أتحمَّل وكزِها، وأن أحببتُها عليَّ أن أتحمل جروحها.
وأنا الآن أنزف كثيرًا، وما عُدتُّ أحتمِل أن تجرحني أكثر... أريد أن أُشافي جروحي وابتعد.
إلى تلك الزهرة
الكاتب سوهو"
............................
والآن؛ وبعدما قرَّر القاضي تأجيل النُّطقَ بالحُكم إلى الجلسة القادمة؛ معنى ذلك أن جون سَيُحوَّل إلى السِّجن حتى يحين موعدها.
وبعدما أطلق القاضي قراراه؛ جون لا يبدو عليه أنَّهُ يرغب في العودة إلى المنزل -إلى منزل يجمعهُ معها-؛ بل يبدو أنَّهُ يُفضِّل البقاء في السِّجن مع المُجرمين والبلطجيّة على أن يعود إليها؛ إذ بدى مُرتاحًا حيال قرار القاضي.
وبينما المُحامي كيم جونغ إن يتحدَّث إليه، ويُطمئنه أنَّهُ سيخرج بلا شك في الجلسة القادمة وقعت عينه في عينها لِمُجرَّد لحظة عابرة لم تَزُد، لحظةٌ باردة، خانقة، ولا تَمُت للحُبِّ بِصلة، فلقد رمقها بعينٍ غاضبة مُنزعِجة؛ وكأنَّما يُريد أن يُبعدها عنه ألف ميل؛ وكأنَّما لا يُريدها أن تكون بجواره.
أتستحق روزماري أن تتلقّى كل هذا الغضب؟!
حقًا لا تدري إن كانت تستحق أم لا؛ بما أنَّها لا تفهمه، ولا تفهم سلوكه المُتطرِّف هذا؛ لكن ما تعرفه روز أنَّهُ غاضب لدرجة تُمكِّنه من تركها وراءه، والمُضي قُدمًا في حياته؛ وكأنَّها لم تَكُن أبدًا.
أنزلت روزماري بعد هذهِ اللحظة العابِرة عيناها عنه، إذ بادر بكسرِ خطِّ البصر، وبادرت بإظهارِ الأسف، وظِفرت بِشفاهها على أسنانها؛ لتكبح رغبتها المُلِحّة بالبُكاء، أو الصُراخ، أو حتى الإنفجار غضبًا في وجهه.
إنَّهُ يُبالغ؛ ليس وكأنَّها خانته...!
لكنَّها تحمَّلت حتى آخر رمق بروده وغرابته، ورأته يُسحَب خارج القاعة بقيادة شُرطيّان دون أن يقع أي مشهد رومانسي لبطليّ روايته "هَيبَتُها"، لقد كان قاسيًّا إلى هذا الحد.
لكنَّها لم تَستِطع الإبتعاد عنه أكثر رغم بروده وجفاءه، إشتاقت له رُغمًا عن أنفها... إشتاقت لَهُ كثيرًا.
لذا لم تستطِع أن توفِّر هذهِ الفُرصة إطلاقًا؛ فوجدت نفسها بلا وعي تركض خلفه إلى الخارج، وحينما أدركته في المَمَر صرخت ليسمعها.
"توقَّف!"
فتوقَّف بِرفقةِ حارسيه الذين يُكبِّل كل منهما ذراعًا له، أتت أمامه وعيناها نَديّة، وبنبرة بِها بحّة وحُزن حدَّثته وقد تمسَّكت بيديه المُصفَّدتين.
"جون أنت ستكون بعيد كثيرًا عني، وأنا إشتقتُ لكَ من الآن، ألن تَضُمَّني إليكَ ولو لِمرَّةٍ واحدة رجاءً؟"
لرُبما تكون أول مرة تطلب منه شيئًا برجاء، فلقد بدت مثل الغريق الذي يتمسَّك بِقشّة، تحتاج منه أن يفعل لأجلها أي شيء مهما كان بسيط لتُصدِّق إنَّهُ ما زال يُحبُّها، لكنه بدلًا من أن يبتسم لها تنهَّد مُستاءً منها، وبدلًا من أن يضمها بين ذراعيه أشاح بوجهها عنه يرفض عرضها هذا.
أنزلت روزماري رأسِها، لقد تأذَّت كرامتها بِشِدّة هذهِ المرّة، لكنَّها تدري أيضًا أنَّها آذت كرامته أيضًا؛ لذا أفسحت له الطريق بتنحيّها جانبًا بعدما أومأت له برأسها؛ تقبل هذهِ الخيبة منه.
ومضى جون بطريقة يتجاوزها، ولم ينظر ورائه ولا حتى مرة واحدة إليها، تساقطت دموعها لِحرَّةِ الخيبة، لكنَّها سارعت بِمسحِها، ورفعت رأسها بعلياء، لأنها روزماري التي لو إنكسرت لا تُظهر الجروح ولا النُّدَب.
أتت آيرين ومعها السيدة كيم، خلفهن الرِّجال المُقرَّبين والمُحامي كيم جونغ إن.
روزماري إلتفتت إلى المُحامي كيم وقالت.
"ما مصير جون الآن؟!"
"لا تقلقي سيدتي، ما يحدُث الآن هو مُجرَّد إجراء شكلي، المرّة القادمة سيفرجون عنه لنقصِ الأدلّة بالتّأكيد"
تنهدت روزماري وهمست في سِرِّها.
"لكن سُمعته ككاتب ستتضرَّر؟!"
"عفوًا؟!"
همس بتلك المُحامي كيم؛ فهو لم يسمع ما قالته، لكنَّها رفعت رأسها إليه، وطرحت عليهِ سؤالًا آخر.
"بدلًا من أن يخرج لنقصِ الأدلّة، ما الذي سيخرجه براءة وباسمٍ نظيف مائة بالمائة؟!"
"المجني عليه كيم جونغداي، لو إستفاق وحدَّثنا عمَّن هاجمه سنُبرّئ السيد كيم جون ميون بكل تأكيد"
أومأت له روزماري فيما تتخصَّر وتُفكِّر بِعُمق، هل سيفعل شيئًا كهذا لأجلها جونغداي؟!
لطالما كره وجودها مع رَجُلٍ آخر غيره، وهذهِ فرصته المثاليّة لإقتناصها أو على الأقل إبقائها وحيدة بلا رَجُل.
ربما يعلم أنَّهُ لن يُفلِح، وإنَّهُ مهما فعل لن تعود إليه، لذا لا ضيرَ من المحاولة، نظرت روزماري إلى تشانيول، وأشارت له.
"تشانيول هيّا معي!"
"إلى أين؟!"
"ستعلم في الطريق"
ثم سبقته إلى الخارج؛ تجعله حائرًا جاهلًا عمّا يدور في رأسِها هذا، صعدت بالسيّارة في المقعد المجاور للسائق، وفورما صعد أخبرته.
"خُذني إلى المُستشفى التي يتعالج بها جونغداي"
نظر لها تشانيول مُتفاجئًا.
"ما زال في غيبوبة، وإن إستفاق؛ هل تظُني أنَّهُ سيُساعدنا؟!"
"لا، فقط قُد إلى هُناك"
ولم يَكُ بِوِسع تشانيول إلا أن ينقاد لها، فقاد إلى المُستشفى المقصودة بلا أي كلمة تزيد.
من مكتبِ الإستقبال إلى غرفة جونغداي، دخلت إليه وتبعها تشانيول، وقفت أمام عارضة السرير، وقاطعت ذراعيها إلى صدرها ثم تنهَّدت بِعُمق.
رُعبها على مدى السنين، الإنسان الموحِش والمتوحش الذي عذَّبها لسنين، وما زال حتى وهو راقد هكذا.
لا تُصدِّق أن الرجل المُرعب لا يقوى على فتحِ عينيه الآن، وقفت هكذا بصمت لبعض الوقت تتأمله، تتأمَّل ضعفه، ثم إقتربت حتى وقفت قُربَ رأسه.
"لأولِ مرّة أتمنى ألا يُصيبكَ ضُر، إستيقظ وقُل من فعل بكَ ذلك، أنا وأنتَ نعلم أنَّ جون ليس رَجُلًا قد يقتُل ولو غَضِب، لو كنتَ تُحبُّني حقًا أفعل لأجلي شيئًا واحدًا فقط، أخرج زوجي من السِّجن"
ما إن توقَّفت عن الكلام حتى سارت على صِدغِه دمعة، رأتها روزماري وتعلم أنَّهُ يسمعها الآن، وتتمنّى لو يستجمع قوَّته ويخرج من هُنا، ويُخرِج زوجها المحبوس ظُلمًا.
توجَّهت إلى مكتبِ الطبيب المسؤول عن حالة جونغداي بعدما خرجت من عنده، وبعد الإستئذان دخلت وتبعها تشانيول إليه، تصافحت والطَّبيب، ثم سألتهُ مُباشرةً عن حالةِ جونغداي فأجابها.
"حالته مُستقِرّة الآن، وفي أي وقت قد يستيقظ، هو فقط يحتاج إلى الدّافع النَّفسي ليستيقظ"
أومأت له روزماري ثم وقفت تمد له بطاقتها.
"أرجو أن تُخبرني بمُستجدات حالته"
أومئ لها الطبيب وتسلَّم منها البطاقة، ثم هي غادرت وتشانيول.
وفي طريق خروجها من بوابةِ المُستشفى؛ تفاجئت بِتكوّم الصَّحافة في الخارج، كانوا كُثر وتشانيول وحده من يُرافقها، أخذوا يتدافعون عليها ويسألونها أسئلة شخصيّة؛ مثل: "هل قتل الكاتب سوهو حقًا طليقك؟ وما دافعه؟ وما رأيكِ بالأمر؟" والكثير من الأسئلة الأُخرى، التي لن تتمكَّن أن تمنحها إجابة.
وقف تشانيول خلفها ليحمي ظهرها من دفعات الصحافة، وفرد ذراعيه من حولها فيما يحاول إبعاد الجميع عنها وإفساح الطريق لأجلها.
"رجاءً إبتعدوا... افسحوا الطريق لها!"
كانت تسير روزماري بين حشود الصَّحافة والكاميرات بصعوبة حتى قطعت هذه الصفوف دون أن تجيب على أيًّا من أسئلتهم.
دخلت بصعوبة في السيارة، ثم تشانيول، ثم انطلق، زفرت روزماري بِعُمق ما إن مَضت السيّارة.
"اه يا إلهي! كيف علموا أنَّنا هُنا؟!"
"لا بُدَّ أنَّهُ إحدى الصحافة كان بالدّاخل قبل وصولنا"
أجابها تشانيول وتنهدت روزماري بضيق ثم فتحت هاتِفها لتتصفَّح المواقع، وإذ باسمها واسم جون يتصدَّر موقع بحث نايفر الشهير.
"كيم روزماري وكيم جون ميون؛ ثُنائي القتلة!"
سحب تشانيول منها الهاتف وقال.
"لا تنظري إلى مثلِ هذه الأشياء، الصحافة يأكلون هكذا والناس تُحب الثرثرة"
زفرت روز أنفاسها، وأسندت مِرفقها إلى النّافِذة بينما تنظر إلى الخارج، تشانيول مُحِق... الناس لا يعرفون شيئًا.
...
وصلت روزماري إلى شِقَّتِها، بدَّلت ثيابها واستحمَّت، ثم خرجت إلى شِقّةِ سيهون حيثُ ما تزال تمكُث السيّدة كيم.
كانوا بِصددِ تناول وجبةِ العشاء، وأثناء إلتفافهم على الطاولة كانوا يتحدَّثون بسيرةِ جون، لكن روز لم تُشارِك في الحديث أبدًا.
ثم وصل لروز إتصال، إنقبضت ملامحها، فالطبيب كيم مينسوك لا يتَّصِل بِعُملائه السّابقين إطلاقًا.
إستأذنت من على الطاولة لِتُجيب الطبيب.
"مرحبًا... الطبيب كيم مينسوك؟!"
وصلها صوته البشوش.
"نعم سيدتي، مرحبًا"
"فاجئني إتصالك!"
"في الحقيقة إتصلتُ بكِ لأُخبرك بأمرٍ ما"
"تفضَّل حضرةِ الطبيب"
"وصلتنا تقنيّة حديثة لأجلِ أطفال الأنانبيب، وهي ترفع نسبة النجاح إلى عشرين بالمائة، أخبرتُكِ بذلك لو كنتِ ترغبين في تجربة الأمر"
صمتت روز لثوانٍ قبل أن ترد، فالتَّردُّد سُرعان ما أومض في صدرها.
"لكن جون ليس معي"
"أعلم ولا بأس، نحنُ نملك ما نحتاجه منكما، فقط لو أردتِ سنزرع لكِ بويضات مُخصَّبة"
قضمت روزماري شفتيها لوهلة تُفكِّر، أتُقدِم للمحاولة للمرَّةِ الأخيرة أم تكتفي بمحاولتيها السابقتين الفاشلتين؟!
تنهدت مِلأ صدرِها ثم أجابت الطبيب.
"أمهلني بعض الوقت لأُفكِّر أيُّها الطبيب!"
"حسنًا سيدتي"
أغلقت الهاتف مع الطَّبيب، وعادت لتجلس بين أعضاء العائلة، الذين يرمقونها بفضول، فمعالمها المقبوضة تقول أنَّ هناك شيء يحصل معها، فتنهَّدت تقول.
"الطبيب كيم مينسوك يعرض علي أن أُقدِم على زراعةِ طفل مُجدَّدًا، فلقد وصلت تقنية حديثة ترفع نِسب نجاح العملية"
"هذا رائع!"
علَّقت آيرين ذات البطن المُنتفِخة فيما سيهون تبسَّم يقول.
"سيكون جون سعيدًا لو تكلَّلت العملية بنجاح!"
والسيدة كيم تمسَّكت بيد روز وهمست تبتسم.
"لا تترددي في الإقدام عليها أبدًا، قد تكون فُرصة من الرَّب وعليكِ إستغلالِها، أعتبريه مثل إعتذار صادق تُقدِّميه لجون بغضِّ النَّظر عن نتائجه يا عزيزتي"
تنهَّدت روز فيما تقبض على يدها وأومأت، لا تنكر أنَّها خائفة من الفشلِ مُجدَّدًا، لكن لا بأس، ستستجمع شجاعتها هذهِ المرة وتُقدِم على هذهِ الخطوة مهما بدت خطيرة، وتُزعزِع ثِقتها.
...................
أخذت روزماري موعد لأجلِ زراعة الطفل، وها هو يحين موعدها، هذهِ المرّة وحدها تنتظر أن يحين دورها دون وجود كتفِ جون تستند عليه، لقد كانت حائرة في الفترة الأخيرة من ردةِ فعل جون لو علم، لكنَّها لا تُريده أن يعلم لو فشلت مُجدَّدًا.
تشعر بالوحدة ولأولِ مرة تشعر بكم أنَّ الإنتظار موحِش، فلقد كان الإنتظار على كتفه أعظم مواساة لها.
"السيدة كيم روزماري!"
رفعت رأسها على نداء المُمرِّضة؛ فأشارت لها الأُخرى أن تتفضَّل معها، نهضت روزماري فيما تشعر بتوتر كبير أكثر من المرَّتين السابقتين؛ ففي المرَّتين السابقتين لم تَكُ وحدها على الأقل.
رحب بها الطبيب كيم مينسوك بمعالمه البشوش كما العادة ثم باشر بتجهيزها للعملية، إستغرق ذلك وقتًا طويلًا، واختصر على نفسه تذكيرها بما يجب ولا يجب عليها فعله، ثم روزماري غادرت بعدما أخذت موعد آخر؛ للتأكد من ثبات الحمل من عدمه.
وهكذا مضت أيام كثيرة قضتها روزماري في منزلها وتحديدًا في فراشها، لا تتحرَّك إلا للذهاب إلى دورة المياه، والسيدة كيم وآيرين كذلك أمها وأختها... الجميع يزورها يوميًا ويخدمونها، ويمدونها بالدَّعم النفسي اللازم.
ومن هذهِ الأيام هو هذا اليوم؛ اليوم الذي يسبق موعدها عند الطبيب كيم مينسوك مُجدَّدًا، وبإدراك الغد؛ روزماري تشعر بتوتر أكبر، وهَمٌّ ثقيل يضغط على صدرها... إنها خائفة جدًا من الفشل.
في المساء؛ كانت السيدة كيم عندها، تُساعدها فيما تحتاج وتُروِّح عنها، كانت السيدة كيم تجلس على السرير وروزماري تضع رأسها على كتفها.
"غدًا سأذهب معكِ إلى الطبيب"
أومأت روزماري موافقة، هي بالفعلِ تحتاج أن يكون معها أحد في هذا اليوم المهم.
"شكرًا لكِ أُمي"
تبسَّمت السيّدة وربَّتت على رأسِ روزماري بعاطفة.
"أنا في مقامِ أُمك عزيزتي بغضِّ النظر عن جون"
رفعت روز رأسها عن كتفِ السيدة تبتسم وقالت.
"حقًا شكرًا لكِ، لولاكِ لما إستطعتُ الصمود طيلة هذا الوقت!"
ربَّتت السيدة على رأسها فيما تبتسم.
...
في اليوم التالي؛ ذهبن السيدتان معًا إلى عيادة الطبيب كيم مينسوك، كانت روزماري ترتجف فيما تنتظر أن يحينَ موعدها؛ لشعورها بالرَّهبة والقلق، بينما السيدة كيم تُربِّت على يدها، وتحاول مواساتها، ودعمها حتى نادت عليها المُمرِّضة.
دخلت روز رفقة حماتها، خضعت للفحوص اللازمة، ثم جلست أمام طاولة الطبيب بإنتظار أن يبلغها بالنتائج.
لكنَّهُ على عكسِ المرَّتين السابقتين بدت معالمه أكثر إشراقًا وإرتياحًا، بعدما رفع رأسه عن شاشة الحاسوب نظر لها مُبتسمًا وبلَّغها.
"مبارك... أنتِ حامل"
تصلَّبت روزماري لا تُصدِّق ما تسمعه فيما السيدة كيم أخذت تُقهقه لفرط الفرح، والطبيب اتبع مُبتسِمًا.
"الآن عليكِ أن تُتابعي معي حالتك حتى الولادة وأن تستمعي لي وتأخذي أدويتك بإنتظام"
"بالطَّبع سأفعل"
قالت تلك روزماري فيما عيناها قد إمتلئت بالدموع، والطبيب أومئ لها مُبتسِمًا، ثم السيدة نهضت لتعانقها بحرارة وهي تُبارك.
"أخبرتُكِ أنَّها فُرصة من الرَّب، مبارك لكِ ولنا الطفل ابنتي"
مسحت السيدة دموع روز وعانقتها مُجددًا، فابتسمت روز رغم الغصّة العالقة في حلقها، وعانقت السيدة بدورها.
غادرت روزماري مع السيدة عيادة الطبيب، وبينما جاي يقود فيهما قالت له.
"جاي، إذهب إلى السجن، أريد أن أرى جون"
"أمرُكِ سيدتي!"
طيلة الطريق إلى السِّجن؛ كانت روزماري تبتسم بسعادة فيما السيدة كيم تُمسِك بيدها ومعالم السعادة ترفع وجهها هي الأخرى، فلقد تحققت أُمنية الجد الراحل، وها هو حقًا يُصبح جدًا.
جاي كان يخطف نظرة لها عبر المرآة كل فينة، وكلما رآها تبتسم إبتسم أيضًا، لقد مرَّ وقتٌ طويل مُذُّ أن تبسَّمت بصدق هكذا.
جلست روزماري في غُرفة الزيارة على طاولة ذات أربع كراسي، وجلست السيدة كيم بجوارها فيما تنتظران كِلتاهما جون أن يأتي، بدت روزماري مُتحمِّسة للقائه، كما أنَّها تشعر بالسعادة فقط بتخيُّل كيف ستكون رد فعله حينما يعلم.
لكن بدلًا من أن يظهر جون ظهر أحد الحرس يُبلغهن.
"السجين كيم جون ميون يرفض زيارتكن"
إنتكس رأس روز سريعًا، وانفضَّ حماسها بينما السيدة كيم تمسَّكت بيد روزماري، وسألت الحارس.
"أيعلم أننا أُمه وزوجته؟!"
"نعم ويرفض الزيارة"
حينما شعرت روزماري بالدموع تُدغدِغ عيناها، نهضت، وخرجت مُسرعة دون أن تتوقف لحماتها التي ترجوها أن تتوقَّف.
أخذت روزماري سياة أُجرة، وطلبت منه أن يبتعد عن المكان، ألهذهِ الدرجة ما عاد يُطيقها؟!
تشعر أنَّها أصبحت عِبئًا عليه، هي ما عادت تُطيق نفسها حتى.
توقفت سيارة الأُجرة عند ضِفاف الهان، وهناك روز إحتلَّت مقعد خشبي يطل مُباشرة على النَّهر، وأنهارت باكية.
ألا يُبالغ في ردِ فعله؟!
أم أنها حقًا تستحق كل هذا الغضب منه؟!
لربما أخطأت التصرُّف، ولكنَّها وضعته في أول أولوياتِها، لم تُفكِّر بنفسها ولو لقيدِ نُتفة حينما أقدمت على هذا التصرُّف، ألن يغفر أبدًا؟!
ألم يُليّنهُ الشوق؟!
ضَلَّت على ضِفَّةِ الهان حتى غابت الشمس وفرغ معه البُكاء والدموع، مسحت وجهها بكفِّيها وتنهدت بِعُمق ثم نهضت.
عادت أدراجها إلى المنزل بعدما هدأت، وقررت أنَّها ستتماسك، وستتحمَّل سخطه مهما بدى خشنًا، ستفعل أي شيء لتحتفظ به.
...
وهكذا مرَّت عدة أيام قضتها روزماري بالإهتمام بجنينها، والعمل عن بُعد على مشروع سماء وبحر مع تشانيول وجاي، والإختلاط بعائلتها وعائلة جون حتى في صبيحةِ يوم من الأيام إتصل بها المُحامي جونغ إن يُنقل لها خبرًا سارًّا.
"سيدتي، السيد كيم جونغداي إستفاق وقدَّم شهادته بأن الذي أقدم على قتله ليس جون بل حبيبته اليابانية السابقة وتُدعى ساكوارا!"
كانت روزماري تجلس أرضًا بين تشانيول وجاي في شِقَّةِ تشانيول، أمامها طاولة تتناثر عليها الأوراق وأجهزة الحاسوب فيما أوريل تُقدِّم لهم القهوة؛ كي يركزوا في عملهم.
لكن ما إن سمعت روزماري هذا الكلام على لسان المُحامي جونغ إن حتى إنتفضت من مكانها بحماسة.
"حقًا حقًا ما تقوله، أنتَ لا تمزح معي الآن!"
ضحك جونغ إن على الخط وقال.
"أبدًا سيدتي، لا أمزح، بما أن جونغداي قال الحقيقة فسيتم إخراج جون صباح الغد من السجن دون مُحاكمة"
أخذت دموع روز تهطل لشدة الفرح، فيما تتمسَّك بيدها الأُخرى ببطنها، الذي أصبح أكثر بروزًا.
"شكرًا لك سيد كيم!"
"العفو!"
أغلقت الخط وإرتمت بنفسها على تشانيول تُعانقه بقوة وتُخبره بحماسة.
"جون سيخرج غدًا، جون سيخرج!"
عانقها تشانيول بدوره رغم معالم الدهشة التي تعلو ملامحه.
"حقًا ما تقولين؟!"
أومأت له روز تغمرها السعادة واتبعت.
"لقد إستفاق جونغداي وقال أنَّ جون ليس الفاعل!"
تنهَّد تشانيول براحة، وأنهالت عليها التبريكات الحارّة والمُباركات من هُنا وهُناك، وانتشر الخبر في العائلة بأكملها... أنَّ جون أخيرًا سيخرج من السجن، أنَّ جون بريء.
في اليوم التالي؛ ذهبت روز كذلك كل أعضاء العائلة لإستقبال جون من السِّجن، إنتظروا وانتظروا لكنه لم يظهر، حتى ولج تشانيول وسيهون وجاي ليسألوا عنه، غابوا لدقائق وحينما خرجوا بدت معالمهم مُظلِمة؛ إذ يبدو أنَّهم لا يحملوا أخبارًا سارّة في جُعبتهم.
إنحسرت إبتسامة روز، وتقدَّمت من تشانيول تسأله فيما تتمسَّك بكتفيه.
"ما الذي حدث تشانيول؟! أين جون؟!"
بوجهٍ مُصفَر؛ تشانيول أجاب.
"يقولون أنَّهُ قد غادر عند الفجر"
"غادر؟!"
الخيبة عبّأت وجه روزماري كذلك كُل الحاضرين، لكنَّهم لا يشعرون بقسوة هذا الشعور مثلها، لم تُدرِك أنَّهُ يستطيع أن يكون قاسي إلى هذا الحد معها.
تمرَّدت دمعة على صُمودها أمام الجميع فسارعت بمسحِها، ثم إبتسمت رغم الإنكسار إلى حماتها حينما ربَّتت على كتفها تواسيها.
"أنا بخير أمي، لا تقلقي"
ثم تنهدت مِلأ صدرها ونظرت إلى تشانيول.
"اعلم أين ذهب ولكن أولًا أوصلني إلى المنزل"
أومئ تشانيول لها، وأحاط كتفيها بذراعه حتى أدخلها السيارة وقاد بها إلى شِقَّتِها، أثناء ذلك؛ نظر لها وهي تركن بجواره شاردة الذهن وسألها.
"هل تشعرين أنَّكِ بخير؟!"
حركت كتفيها بجهل، ثم أخذ ذقنها يهتز قبل أن تنفجر باكية على سمعِ تشانيول، فوحده من لا بأس بالبُكاء قُربه.
أركن تشانيول السيارة جانبًا ثم أخذها بين ذراعيه يُربِّت عليها.
"ما إن أراه سأضربه بقسوة"
أومأت فيما تسند رأسها على كتفه، وهمست بتلك النبرة الباكية.
"اضربه رجاءً... إنَّهُ يستحق!"
أخذ تشانيول يمسح على شعرها لوقتٍ طويل فيما هي تستمر بالبكاء على كتفه، هكذا حتى هدأت وعاد بها تشانيول إلى المنزل.
...
وعلى هذه القطيعة لم تمر أيام فحسب بل مرَّت شهور، قد علمت روز أن جون قد سافر إلى تايلاند فورما أُطلِقَ سراحه، لكن الطبيب منعها من اللحاق به، وذلك لأنها حُبلى، ولا يمكنها أن تُسافر حتى تصل الشهر السابع.
أثناء تلك الفترة الطويلة؛ الحياة ما توقفت على جون، فبعدما غادر تواصل مع الجميع إلّاها، وعلمت أنَّهُ بِغرار شهر سيصدر روايته أخيرًا، الرواية المُتعلِّقة بها وبه "هَيبتُها"
لكن خلال تلك الفترة حدث حدثين في غاية الأهمية؛ الأول أن آيرين أنجبت صبيًا اسمته جاكسون، والثاني أن تشانيول وأوريل تزوجا في حفلٍ ضيّق.
وأما الأمر الثالث لكنه لم يتم بعد؛ أن مشروع بحر وسماء يكاد يكون جاهزًا والإفتتاح بات قريبًا.
والأمر الرابع؛ هو الأمر الأكثر غرابة واللامتوقع أبدًا، فبيومٍ من أيام روزماري، التي تقضيها بشقتها لترتاح وجنينها، أثناء ما كانت بالشهر السادس؛ قرعت بابها إمرأة غريبة تحمل على يدها رضيع صغير.
قابلتها المرأة الصبيّة بإبتسامة، كذلك فعلت روز من باب المُجاملة.
"السيدة كيم روزماري؟!
أومأت لها روز.
"نعم تفضَّلي!"
بإبتسامة طلبت المرأة.
"أيُمكن أن أدخل لبضعِ ثوان لنتحدَّث؟!"
إبتعدت روز عن الباب وأخبرتها.
"يمكنك تفضَّلي"
"شكرًا لكِ"
ولجت المرأة وروز خلفها حتى إختارت إحدى الآرائك الدهماء؛ لتجلس عليها، وتضع الرضيع بجوارها، وضعت في حِجرها حقيبة الطفل، وأخرجت منه مُغلَّفًا قدمته لها تقول.
"لو قرأتِ هذا ستفهمين ما أتيتُ لأجله"
سحبت روز من يدها المُغلف وفتحته وإذ به اوراق ثبوتيّة، فحص تطابق الحمض النووي، وفحوص أخرى لأجلِ الطفل، وأخيرًا رسالة بخط اليد وهذا الخط تعرفه جيدًا.
"مسائكِ قوّة عزيزتي؛ رغم أنّي لا أعلم متى ستكون هذه الرسالة بيدك صباحًا أم مساءً.
على آيةِ حال؛ أخبرتُكِ سابقًا في آخرِ مرّة إلتقينا بها أنّي راحل ولن أعود للبلاد أبدًا، سأبدأ حياة جديدة بعيدة عنكِ وخالية منكِ.
سأشتاق لكِ...
المهم؛ أخبرتُكِ أنّي أُحضِّر لأجلكِ هديّة، وأخبرتك أنَّهُ لن يكون بوسعك رفضها أو رميها، هديتي لكِ هو هذا الطفل.
هذا الطفل لم أحضره من الميتم، إنَّهُ من صُلبي وصُلبك، تذكري حينما خضعنا للعلاج ظنًا أنني الذي لا أُنجب؟!
مُنذُ ذلك الحين والعيادة تحتفظ ببويضة لكِ مُخصَّبة مني ومُجمَّدة، ولقد إستخدمتُها لأُنجب لنا هذا الصغير.
هذه المرأة التي عندكِ هي من إستأجرتُ رحمها، لا تقلقي الطفل في كامل صِحَّتِه، وكل شيء لأجله جاهز.
لقد أجريتُ له فحص تطابق الحمض النووي لو كنتِ تشكين، إنَّهُ من دمي ودمك، ولديكِ إستمارة بكل مطاعيمه وحاجاته.
كما أنني سجَّلتُه... اسم الطفل كيم جوهان، الأم كيم روزماري، والأب كيم جونغداي.
أنتِ حُرّة بكل ما يخصه، ولن أُطالب بشيء بشأنه، فقط هويته؛ لن أسمح لكِ بتغيير حقيقة أنَّهُ ابني وابنك.
روزماري... اعتني بإبننا؛ وداعًا"
وهكذا إنتهت الرِّسالة والدهشة تستعمرُ كيانها بأكمله، لا تُصدِّق أنَّ هذا حقيقي، أيُمكن له أن يفعل بها شيئًا كهذا، ليست مُستاءة وليست سعيدة.
نظرت إلى الطفل النائم بمهدِه مُذُّ عبوره عتبة الباب، والمرأة لاحظت نظراتها، فقدَّمت الطفل لها؛ ليكون بين يديها ثم غادرت.
كشَّفت روز عن وجهه وتحسَّست وجنته.
"هذا الطفلُ ابني! لا أُصدِّق!"
إنسابت دموعها، في الفترة الأخيرة بكت كثيرًا، لكن هذه المرة الأولى التي تبكي بها لفرطِ سعادتها.
لم تهتم بمن هو والده، ولا إن كان الناس من حولها سيتقبلونه أم لا، ولا كيف ستكون رد فعل جون حينما يعلم... لا تهتم بأي شأن سوى لهذا الصغير، الذي يقول ذلك المعتوه أنَّهُ إبنها.
ضمتهُ إلى صدرها والعاطفة غلبتها، يا إلهي كم أنَّ عاطفة الأمومة لذيذة!
إحتضنته وبكت وهو بِكُنفها الصغير، بكت لأنها أصبحت أُمًا، ولأن لها طفلًا من دمها بالفعل، بكت لأنها لا تدري ماذا تفعل، بكت لأنها تُحب كيف تشعر.
إتصلت بتشانيول بينما تبكي وأخبرته أن يأتي سريعًا دون أن تمنحه المزيد من التفاصيل، وذلك ما جعله يأتي مُسرِعًا لشدة قلقه عليها.
"روز أنتِ بخير؟!"
قالها تشانيول فزعًا فيما يقتحم الشقة، ولكنه عندما رأى طفلًا صغيرًا في حِجرها أشار لها مُستغربًا.
"أنتِ لم تلديه بعد، أليس كذلك؟!"
ضحكت لحماقةِ سؤاله رغم الدموع، وقدَّمت بين يديه المُغلف، فأخذه منها وجلس قبالتها فيما ينظر إلى الطفل.
"إقرأ هذهِ الأوراق وستعلم ما الذي حدث"
وانصاع لها تشانيول، واطَّلع على كل الأوراق ولا تنفك معالم الدهشة تزداد على وجهه، ثم نظر إلى الطفل يشير له بإرتباك.
"هل هذا الطفلُ حقًا إبنكِ أنتِ وجونغداي؟!"
أومأت روز وضمت الصغير إلى صدرها أكثر.
"نعم!"
إزدرئ تشانيول جوفه وقال.
"أتظني الناس سيتقبلونه؟!"
"لا يهم، إنَّهُ بحاجتي أنا فقط"
"ماذا عن جون؟!"
توقفت روز لوهلة ثم نبست.
"لو عاد جون لن يرفضه... أنا أعلم"
تنهَّد تشانيول وأومئ لها.
"حسنًا، هل استسلمتِ بشأنِ جون؟"
"لا... لن أستسلم أبدًا، لو ما عاد برضاه سأعيده رغمًا عنه، أنا أمهله حتى أصبح في شهري السابع"
"وماذا ستفعلين حينما تُدركي الشهر السابع؟!"
"ستعلم لاحقًا... الآن عليكَ بمساعدتي بشأنِ الطفل، سنشتري له كل مقتنياته"
تبسَّم تشانيول وهمس.
"أراكِ مُتحمِّسة لتربيته"
تبسَّمت روز وهمهمت قبل أن تنظر في وجه الصغير مُجددًا، لو ما أحبه أحد، لو ما تقبله أحد، ستحبه وتتقبَّله هي، وستجعله رجلًا صالحًا وتوفر له حياة كريمة.
لكن على عكس توقعاتها؛ حينما إقترح عليها تشانيول أن تُقدِّمه لِناسها تقبَّلوه، عائلة جون والأصدقاء رحبوا به، واعتبروه طفلًا لجون... الدم ليس كل شيء.
وأما عائلة روز؛ فلم يتقبَّلوه بدايةً وخصوصًا والدتها، لكنها أشفقت عليه لاحقًا وبدأت تتعلَّق به تعلقًا شديدًا؛ لدرجة أنها ترفض أن يعتني به أحد سواها أثناء إنشغال روز.
وهذه الفترة؛ روز مشغولة لذا الطفل يقضي الوقت في رعاية جدته السيدة ميلاني؛ فروز قد سافرت، وحسبما تظن لن تعود بحلول الفترة القادمة القريبة.
......
في تايلاند؛ اليوم هو يوم نشر الرواية الجديدة للكاتب سوهو، الصحافة حاضرة والمعجبون كُثر في المركز الثقافي الكوري التايلاندي حيثُ يُقام المؤتمر الصحفي للإعلان عن الرواية.
إذ بينما الصحافة تنتظر؛ دخل جون يرتدي بدلة تُرابيّة، شعره مرفوع بفاصلة جانبية، ويسير نحو مقعده في مُقدِّمة القاعة بينما العدسات تلتقط له صورًا.
جلس بين كومة من الأشخاص، والذي يُقدِّم الحدث هو سيهون؛ بصفتِه مدير أعمال الكاتب الشهير، وإحدى الرؤساء المؤسسين لدارِ النَّشِر.
إذ كان يقف سيهون على المنصّة بينما يرتدي قميص أبيض فضفاض وبنطال قُماشي أسود، وشعره الأدهم كالليل قصير للغاية، وبالكاد يمس حدود جبهته، لكنه بدى وسيمًا لدرجة أن بعض المقالات ستتحدث عن وسامته فقط.
"اليوم نجتمع للإشهار عن رواية الكاتب سوهو الجديدة "هَيبتُها"، ولنسمح للكاتب أن يصفها لنا بجملة.
قرَّب سوهو المُكبِّر إلى شفتيه وقال فيما أضواء الفلاش تستطع بقوّة ناحيته.
"إنَّها عن مُطارد مهووس أو الجار المجنون أو المُعجب الخفي؛ يمكنكم مُناداته بما شِئتُم، وهو الذي يقع في حب سيدته المهيوبة حينما رآها تبكي بفُستان أسود تحت المطر"
روزماري تجلس في آخر القاعة فيما تضع قِناعًا على وجهها، ونظّارات شمسيّة، كذلك قُبعة صيفيّة على رأسها.
كانت تنظر له وحسب وأيًا مما يقوله جون تنصت إليه، فلقد إشتاقت جدًا لسماعِ صوته والنظر إليه... ولو كان من بعيد.
سيهون اتبع.
"حسنًا إذًا... قبل بداية طرح الأسئلة أعرفكم ببعض الأشياء، الرواية الورقيّة ستتوفَّر بكل المتاجر في كوريا الجنوبية، كما ستترجم إلى كل اللغات الأسيوية واللغات العالمية الأخرى، وذلك في نسخ ورقية ورقمية، كما ستتحول إلى ويبتون، وفيلم من إنتاج نتفلكس، ودراما كوريّة... تطلعوا إلى المزيد رجاءً، والآن يمكنكم طرح الأسئلة."
إبتدأت الصحافة تطرح الأسئلة، وجون يجيب سؤالًا تلو الآخر بصبر وإحترافيّة حتى قارب المؤتمر على الإنتهاء، فغادرت روز قبل ذلك دون أن تلفت الأنظار.
روز تذكر جيدًا ذلك اليوم من شهر العسل حينما ذهبا معًا إلى سوق القوارب، وطافا فيه، وحصلا على تدليك، حصلت هي بالأحرى.
وتذكر جيدًا جسر الحب حيثُ علقا قُفل، ذهبت إلى جسرِ الحُب ذاك، وقد إستهلكت بعض الوقت قبل ذلك لترتدي فُستانًا باللون الأزرق السماوي، حذاءً أبيض رياضيّ، قُبَّعة بيضاء ذات طوق، وحذاء أبيض.
في عُنقها العِقد الذي أهداها إياه كذلك العِطر، وأخيرًا في أصبعها خاتمه، بدت جميلة جدًا وبروز بطنها لم يزدها إلا جمالًا.
لون شعرها الاسود يزيد بشرتها ضياءً، ولأنها ترتدي بلون السماء؛ فالبحر في عينيها عميق ولامع.
حينما وصلت إلى الجسر، كان جون يقف عليه فيما يمسك بيده قُفلهما، الذي تركاه هُنا، لقد أتت مع سيهون إلى تايلاند بأذنِ الطبيب، كما أن سيهون من ساعدها لجلبِ جون إلى هنا.
صعدت الجسر وتمشَّت عليه، ولم يَكُ لها أيُّ ضجيج، فهي ترتدي حذاءً رياضي لا كعب له فلم يشعر بها، لكنها حينما أوشكت منه إشتم منها رائحة عطرها، الذي لن تغفل عنه حواسه أبدًا.
إلتفت خلفه، وإذ به يرى سيدته المهيوبة تمشي إليه بخطوات رزان، وإبتسامة لذيذة تعتلي شفتيها، لكن ما لفت إنتباهه أكثر هو هذه البطن البارزة.
إرتبك فيما ينظر لها ثم لبطنها، وحينما أوشكت منه عانقت وجنتيه براحتيها، وجعلته ينظر لها بدلًا من بطنها.
"هل كتبتَ في الرواية ان البطل رَجُلٌ سيّء؟! جعل زوجته الحُبلى تنتظره ثمانية شهور وهو يرفض رؤيتها حتى، والآن زوجته قد أتت إليه تحمل معها حُلمًا؛ أن تجعل بطل الرواية أبًا بطفلٍ منها، نمى داخل رحمها وسيخرج منه، لكن إسأل بطلك الشرير ذاك؛ هل سيُسامح البطلة أم سيبقى على خِصام أبديّ معها؟!"
إتسعت عينا جون بوجل وإمتلأت عيناه بالدموع، كذلك روز لكنها رغم ذلك إبتسمت، وفي تلك اللحظة إنخفض جون ليركع على ركبته أمامها، وبكلتي ذراعيه عانق بطنها، ثم قَبَّله.
"لقد تألَّمتُ كثيرًا وتعذَّبت، لم ينقضي يومًا واحدًا لم أُفكِّر بكِ فيه، روز روز روز... ضللتِ تدوري في رأسي وتدوري وكأنما رأسي أصبح بفضلكِ حلقة مُغلقة تدورين فيه بلا توقف.
كنتُ غاضبًا منكِ جدًا ولو ما إتُّهمتُ بتلك التُّهمة لربما أسأتُ مُعاملتِك أكثر، إمتنعتُ عنكِ لا لأُعاقبُكِ بقدرِ ألا أجرحكِ أكثر، كنتُ خائفًا على شعوركِ مني رغم أنَّكِ لم تُراعي شعوري.
خرجتُ من السجن، وسخطي نحوكِ لم يتبدَّد بعد، خفتُ عليكِ مني وخفت على نفسي منكِ، خشيتُ لو جمعنا سقفًا مجددًا؛ أن ما جرحتُكِ أكثر ضممتُكِ وأحببتُكِ مجددًا، وإن ما أحببتُكِ جرحتُكِ... كنتُ خائف لذا هربت.
كنتُ بحاجة أن أقضي الوقت مع نفسي دون أي قيود أو قلق، إعتكفتُ بالمنزل وكتبتُ الرواية، أفرغتُ فيها كل مشاعري، ووضعتُ لها نهاية سعيدة.
النهاية كانت أنَّهُ بعدما البطل أشهر عن روايته في تايلاند؛ عاد إلى بلاده، وإلى أحضان زوجته، وراضاها بنفسه... لم أكُ أدري أن النِّهاية ستكون مُختلفة بالواقع... ولا أُمانع؛ هذهِ أفضل النهايات على الإطلاق"
مسحت روزماري دموعها، وأوقفت جون بإجتذابها من وجنتيه، ثم وقفت على رؤوس أصابعها لِتُدرِك شفتيها شفتيه، وقبَّلتهُ قُبلة وضعت فيها كل شوقها وإشتياقها.
"جون؟"
"هيبتُه؟!"
"أنا أُحبُك!"
"وأنا أيضًا أحبك مِلأ البحر والسماء"
.......................
ثم جون وروز قضيا بتايلاند فترةً طويلة حتى أنجبت روز هُناك، وقد أنجبت فتاة أسمتها جاين، وروز أخبرت جون عن طفلها الآخر، وتفاصيل القِصّة، وجون رحَّب بعضوٍ آخر في العائلة بحماسة، لم يستاء أبدًا.
هناك -في تايلاند- قضيا معًا شهور عسل وليس شهرًا واحدًا فقط، ولم يتركا مكانًا سياحيًا ولم يزوراه معًا حتى بلغت جاين الأربعين يومًا وقرر الثنائي العودة إلى كوريا؛ فحفلُ إفتتاح بحر وسماء بات وشيكًا.
عاد الثنائي إلى كوريا، ودبَّت الأشغال عليهم بالمشروع، وأعمال جون الكثيرة، ورعاية الطفلين أيضًا... حتى بلوغ الليلة، ليلة إفتتاح بحر وسماء.
بحرٌ وسماء؛ هو سلسلة من الأستراحات من مطاعم ومقاهي وغرف للإيجار على ظهرِ سفينة، سفينة ذات قاعٍ شفّاف، عُمقها أسفل سطح المياه يزيد عن عشرةِ أمتار مما يجعل الحياة البحرية مكشوفة عبرها.
وقفت روز لِتقُص الشريطة فيما تشانيول وجاي يحتلّان جنبيها، وبعد قصِّها و تصفيق الجميع صعدت المِنبر، وألقت كلمة بصفتها المديرة التنفيذيّة.
"فكرة هذه السفنية لم تردني شخصيًا، بل دعوني بفخر أشكر زوجي على هذه الفكرة."
نظرت إلى جون الذي إبتسم، وصفَّق الجميع بحماسة، ثم هي اتبعت.
"سماءٌ وبحر، عالمان من كلمتين ربطت علاقة حب مُهيبة، بين إمرأة كالبحر... تُحب سطحها، وتخشى أعماقها، تهيجُ مع العواصف، وتركد في الصيف؛ لكن مدَّها وجزرها لا يتوقَّفان، وبين رجلٍ كالسَّماء، قد يكون صافيًا، وقد تتلبَّده الغيوم، بالحالتين جميل وبكل الأحوال هو من يملك مفاتيح البحر، إن أنار عُمقه أو نشر فيه الظلمة، لكنَّهُ رجلًا دومًا ينير قلب البحر ويحتضنه، ولم يسمح ليد أن تمتد بالبطش لذلك البحر... وهذا المشروع تجسيدًا لهذه القصّة... إستمتعوا!"
نزلت روز عن المنصَّة فيما تستمع إلى تصفيق الحاضرين، ذهبت إلى جون وعانقته بقوّة أمام الجميع، وأثناء الأُمسية هبط جون وروز كما الجميع إلى المطعم الغائر في البحر.
وبينما يتشاركان طاولة عليها أطباق الدَّجاج؛ على خِلاف بقية الطاولات، التي عليها أصناف مُختلِفة من المأكولات البحرية، جون تحدَّث.
"سيدتي المهيوبة؟"
"هممم؟"
"كيف شعوركِ حيال هذهِ النهاية؟"
قضمت روز من فخذِ الدجاجة المُقرمشة وقالت.
"جميلة جدًا"
"هذا فقط؟!"
نظرت إليه بإنزعاج وأجابته.
"نعم فقط... دعني آكل وإلا أكلتُكَ أنت بدلًا من هذه الدجاجة"
غمز لها بعبث ونبس.
"أنا شَهي أكثر من هذه الدجاجة كما تعلمين"
تنهدت بعُمق، ثم وضعت ما في يدها، ومسحت على شفاهها بالمنديل فيما تنظر إليه، ثم همست.
"توجد غُرف شاغرة بها أسرّة مائية هنا، هيا نذهب"
ضحك جون ملأ صدره يظنُّها تمزح، لكنها فعلًا أمسكت بيده وسحبته خلفها، وهو بدهشة قال.
"الآن وهنا، هل أنتِ جادّة؟"
"نعم"
أخذت مفاتيح إحدى الغرف، ودخلت قبل جون الذي تصنَّم قرب الباب، لكنها حينما أشارت له أن يدخل دخل، وروز دفعت به على السرير الذي إرتجَّ بضراوة أسفله، وجلست هي في حِجره، أحاطت عنقه بذراعيه ثم طبعت عليه قُبلة جعلته يتنهَّد بقوّة ويضم خصرها بذراعيه، ثم بشقاوة همست في أُذنه.
"دعني أُقيّم كم أنتَ شهي!"
........................
بعد مرورِ خمس أعوام...
كان يقف جون على بُعدِ مترين عن القبر فيما الصغيرة جاين تضع زهورًا عليه، تبسَّم جون ونظر إلى الشاهد يقول.
"لقد وعدتُكَ يا أبي أنني سآتي بطفلي إليك، وها هي جاين تنثر الزهور على قبرك، آسف لأنني تأخَّرت، لكنني حققتُ أمنيتك، وها هي حفيدتك"
إقتربت جاين من والدها تتمسَّك بساقيه، إنها نسخة طبق الأصل عن روز، من شعرها، وبشرتها، ولون عيناها، وحتى ملامحها، كلها روز لا تشبهه بشيء أبدًا... هكذا جون يراها.
"أبي أنا جائعة"
تمسَّك جون بيد طفلته ونبس.
"وماذا تريد طفلتي أن تأكل؟"
"الدَّجاج!"
هتفت الطفلة بحماسة بينما تُدرك والدتها وأخوها، فضربت روز يدها بيد جاين، وجون وجو تنهدا بملل... حُب الدَّجاج قِصَّة لن تنتهي أبدًا.
.......................
النِّهاية
الفصل الثالث والثلاثين والأخير "هَيبَتُها"
الجُزء الخامس 《لا تؤذيني بكِ》
الرواية العاطفية "هَيبَتُها"
Started at 26th/May/2020
Finished in 24/Apr/2021
.................
سلااااااااام
زي ما إنتوا شايفين فوق، الرواية مكتملة بالمسودة من تاريخ أربعة وعشرين أبريل، لكن الي أخر النشر دائمًا هو التفاعل النايم.
إكتشفت إنو الرواية لو بطلها ولدي بيك بتنجح، غير هيك بصير عليها غبرة وإن كانت تستحق القراءة والدعم.
على كل حال؛ أنا ما عم لوم حدا، كنت أعرف أنو هذا الي رح يصير ورغم هيك كتبتها ورح اكتب غيرها رغم اني بعرف ما رح يلاقوا الدعم الي بيستاهلوا لمجرد انو البطل مش بيكهيون.
على آية حال... لكل القراء الي قرأوها ودعموها ولو بصمت... من كل قلبي شكرًا لكم، وأتمنى تقدمولها الحب وآرائكم الصريحة -بدون تجريح- لآخر مرة.
1.رأيكُم بِ:
شخصية روزماري من كارهة للذكور إلى عاشقة للكاتب المجنون بها؟!
شخصية جون من الكاتب المتخفي والمعجب المهووس حتى الزوج والأب والسند؟!
شخصية تشانيول الصديق الي كتم الحب وضحى بسعادته مشان سعادة روز؟
شخصية جونغداي الزوج المتعصب؟!
الشخصيات الأُخرى:
سيهون وآيرين وأوريل؟!
عائلة روز؟! لوكاس؟!
رأيكم بالنهاية؟ تقييمكم لها من عشرة؟!
رأيكم بالرواية؟! تقييمكم لها من عشرة؟!
وأخيرًا إن أنتهت علاقتكم بي إلى هنا فوداعًا وإن كان لنا لقاء في الروايات الأخرى فإلى اللقاء.
دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤love❤
بطل:
هَيبَتُها|| Her Prestige
(لا تؤذيني بكِ)
"زهرتي قد ذبلت، أم أنا الذي ذَبِلت؟!
الحياة دونها شاقّة ومعها مُستحيلة.
هي مثل زهرة جوري، زهرة جميلة جدًا، أوراقها بهيّة وملوَّنة بأزهى الألوان، لكن جِذعها يملؤه الشوك.
كي أشتمَّها عليَّ أن أتحمَّل وكزِها، وأن أحببتُها عليَّ أن أتحمل جروحها.
وأنا الآن أنزف كثيرًا، وما عُدتُّ أحتمِل أن تجرحني أكثر... أريد أن أُشافي جروحي وابتعد.
إلى تلك الزهرة
الكاتب سوهو"
............................
والآن؛ وبعدما قرَّر القاضي تأجيل النُّطقَ بالحُكم إلى الجلسة القادمة؛ معنى ذلك أن جون سَيُحوَّل إلى السِّجن حتى يحين موعدها.
وبعدما أطلق القاضي قراراه؛ جون لا يبدو عليه أنَّهُ يرغب في العودة إلى المنزل -إلى منزل يجمعهُ معها-؛ بل يبدو أنَّهُ يُفضِّل البقاء في السِّجن مع المُجرمين والبلطجيّة على أن يعود إليها؛ إذ بدى مُرتاحًا حيال قرار القاضي.
وبينما المُحامي كيم جونغ إن يتحدَّث إليه، ويُطمئنه أنَّهُ سيخرج بلا شك في الجلسة القادمة وقعت عينه في عينها لِمُجرَّد لحظة عابرة لم تَزُد، لحظةٌ باردة، خانقة، ولا تَمُت للحُبِّ بِصلة، فلقد رمقها بعينٍ غاضبة مُنزعِجة؛ وكأنَّما يُريد أن يُبعدها عنه ألف ميل؛ وكأنَّما لا يُريدها أن تكون بجواره.
أتستحق روزماري أن تتلقّى كل هذا الغضب؟!
حقًا لا تدري إن كانت تستحق أم لا؛ بما أنَّها لا تفهمه، ولا تفهم سلوكه المُتطرِّف هذا؛ لكن ما تعرفه روز أنَّهُ غاضب لدرجة تُمكِّنه من تركها وراءه، والمُضي قُدمًا في حياته؛ وكأنَّها لم تَكُن أبدًا.
أنزلت روزماري بعد هذهِ اللحظة العابِرة عيناها عنه، إذ بادر بكسرِ خطِّ البصر، وبادرت بإظهارِ الأسف، وظِفرت بِشفاهها على أسنانها؛ لتكبح رغبتها المُلِحّة بالبُكاء، أو الصُراخ، أو حتى الإنفجار غضبًا في وجهه.
إنَّهُ يُبالغ؛ ليس وكأنَّها خانته...!
لكنَّها تحمَّلت حتى آخر رمق بروده وغرابته، ورأته يُسحَب خارج القاعة بقيادة شُرطيّان دون أن يقع أي مشهد رومانسي لبطليّ روايته "هَيبَتُها"، لقد كان قاسيًّا إلى هذا الحد.
لكنَّها لم تَستِطع الإبتعاد عنه أكثر رغم بروده وجفاءه، إشتاقت له رُغمًا عن أنفها... إشتاقت لَهُ كثيرًا.
لذا لم تستطِع أن توفِّر هذهِ الفُرصة إطلاقًا؛ فوجدت نفسها بلا وعي تركض خلفه إلى الخارج، وحينما أدركته في المَمَر صرخت ليسمعها.
"توقَّف!"
فتوقَّف بِرفقةِ حارسيه الذين يُكبِّل كل منهما ذراعًا له، أتت أمامه وعيناها نَديّة، وبنبرة بِها بحّة وحُزن حدَّثته وقد تمسَّكت بيديه المُصفَّدتين.
"جون أنت ستكون بعيد كثيرًا عني، وأنا إشتقتُ لكَ من الآن، ألن تَضُمَّني إليكَ ولو لِمرَّةٍ واحدة رجاءً؟"
لرُبما تكون أول مرة تطلب منه شيئًا برجاء، فلقد بدت مثل الغريق الذي يتمسَّك بِقشّة، تحتاج منه أن يفعل لأجلها أي شيء مهما كان بسيط لتُصدِّق إنَّهُ ما زال يُحبُّها، لكنه بدلًا من أن يبتسم لها تنهَّد مُستاءً منها، وبدلًا من أن يضمها بين ذراعيه أشاح بوجهها عنه يرفض عرضها هذا.
أنزلت روزماري رأسِها، لقد تأذَّت كرامتها بِشِدّة هذهِ المرّة، لكنَّها تدري أيضًا أنَّها آذت كرامته أيضًا؛ لذا أفسحت له الطريق بتنحيّها جانبًا بعدما أومأت له برأسها؛ تقبل هذهِ الخيبة منه.
ومضى جون بطريقة يتجاوزها، ولم ينظر ورائه ولا حتى مرة واحدة إليها، تساقطت دموعها لِحرَّةِ الخيبة، لكنَّها سارعت بِمسحِها، ورفعت رأسها بعلياء، لأنها روزماري التي لو إنكسرت لا تُظهر الجروح ولا النُّدَب.
أتت آيرين ومعها السيدة كيم، خلفهن الرِّجال المُقرَّبين والمُحامي كيم جونغ إن.
روزماري إلتفتت إلى المُحامي كيم وقالت.
"ما مصير جون الآن؟!"
"لا تقلقي سيدتي، ما يحدُث الآن هو مُجرَّد إجراء شكلي، المرّة القادمة سيفرجون عنه لنقصِ الأدلّة بالتّأكيد"
تنهدت روزماري وهمست في سِرِّها.
"لكن سُمعته ككاتب ستتضرَّر؟!"
"عفوًا؟!"
همس بتلك المُحامي كيم؛ فهو لم يسمع ما قالته، لكنَّها رفعت رأسها إليه، وطرحت عليهِ سؤالًا آخر.
"بدلًا من أن يخرج لنقصِ الأدلّة، ما الذي سيخرجه براءة وباسمٍ نظيف مائة بالمائة؟!"
"المجني عليه كيم جونغداي، لو إستفاق وحدَّثنا عمَّن هاجمه سنُبرّئ السيد كيم جون ميون بكل تأكيد"
أومأت له روزماري فيما تتخصَّر وتُفكِّر بِعُمق، هل سيفعل شيئًا كهذا لأجلها جونغداي؟!
لطالما كره وجودها مع رَجُلٍ آخر غيره، وهذهِ فرصته المثاليّة لإقتناصها أو على الأقل إبقائها وحيدة بلا رَجُل.
ربما يعلم أنَّهُ لن يُفلِح، وإنَّهُ مهما فعل لن تعود إليه، لذا لا ضيرَ من المحاولة، نظرت روزماري إلى تشانيول، وأشارت له.
"تشانيول هيّا معي!"
"إلى أين؟!"
"ستعلم في الطريق"
ثم سبقته إلى الخارج؛ تجعله حائرًا جاهلًا عمّا يدور في رأسِها هذا، صعدت بالسيّارة في المقعد المجاور للسائق، وفورما صعد أخبرته.
"خُذني إلى المُستشفى التي يتعالج بها جونغداي"
نظر لها تشانيول مُتفاجئًا.
"ما زال في غيبوبة، وإن إستفاق؛ هل تظُني أنَّهُ سيُساعدنا؟!"
"لا، فقط قُد إلى هُناك"
ولم يَكُ بِوِسع تشانيول إلا أن ينقاد لها، فقاد إلى المُستشفى المقصودة بلا أي كلمة تزيد.
من مكتبِ الإستقبال إلى غرفة جونغداي، دخلت إليه وتبعها تشانيول، وقفت أمام عارضة السرير، وقاطعت ذراعيها إلى صدرها ثم تنهَّدت بِعُمق.
رُعبها على مدى السنين، الإنسان الموحِش والمتوحش الذي عذَّبها لسنين، وما زال حتى وهو راقد هكذا.
لا تُصدِّق أن الرجل المُرعب لا يقوى على فتحِ عينيه الآن، وقفت هكذا بصمت لبعض الوقت تتأمله، تتأمَّل ضعفه، ثم إقتربت حتى وقفت قُربَ رأسه.
"لأولِ مرّة أتمنى ألا يُصيبكَ ضُر، إستيقظ وقُل من فعل بكَ ذلك، أنا وأنتَ نعلم أنَّ جون ليس رَجُلًا قد يقتُل ولو غَضِب، لو كنتَ تُحبُّني حقًا أفعل لأجلي شيئًا واحدًا فقط، أخرج زوجي من السِّجن"
ما إن توقَّفت عن الكلام حتى سارت على صِدغِه دمعة، رأتها روزماري وتعلم أنَّهُ يسمعها الآن، وتتمنّى لو يستجمع قوَّته ويخرج من هُنا، ويُخرِج زوجها المحبوس ظُلمًا.
توجَّهت إلى مكتبِ الطبيب المسؤول عن حالة جونغداي بعدما خرجت من عنده، وبعد الإستئذان دخلت وتبعها تشانيول إليه، تصافحت والطَّبيب، ثم سألتهُ مُباشرةً عن حالةِ جونغداي فأجابها.
"حالته مُستقِرّة الآن، وفي أي وقت قد يستيقظ، هو فقط يحتاج إلى الدّافع النَّفسي ليستيقظ"
أومأت له روزماري ثم وقفت تمد له بطاقتها.
"أرجو أن تُخبرني بمُستجدات حالته"
أومئ لها الطبيب وتسلَّم منها البطاقة، ثم هي غادرت وتشانيول.
وفي طريق خروجها من بوابةِ المُستشفى؛ تفاجئت بِتكوّم الصَّحافة في الخارج، كانوا كُثر وتشانيول وحده من يُرافقها، أخذوا يتدافعون عليها ويسألونها أسئلة شخصيّة؛ مثل: "هل قتل الكاتب سوهو حقًا طليقك؟ وما دافعه؟ وما رأيكِ بالأمر؟" والكثير من الأسئلة الأُخرى، التي لن تتمكَّن أن تمنحها إجابة.
وقف تشانيول خلفها ليحمي ظهرها من دفعات الصحافة، وفرد ذراعيه من حولها فيما يحاول إبعاد الجميع عنها وإفساح الطريق لأجلها.
"رجاءً إبتعدوا... افسحوا الطريق لها!"
كانت تسير روزماري بين حشود الصَّحافة والكاميرات بصعوبة حتى قطعت هذه الصفوف دون أن تجيب على أيًّا من أسئلتهم.
دخلت بصعوبة في السيارة، ثم تشانيول، ثم انطلق، زفرت روزماري بِعُمق ما إن مَضت السيّارة.
"اه يا إلهي! كيف علموا أنَّنا هُنا؟!"
"لا بُدَّ أنَّهُ إحدى الصحافة كان بالدّاخل قبل وصولنا"
أجابها تشانيول وتنهدت روزماري بضيق ثم فتحت هاتِفها لتتصفَّح المواقع، وإذ باسمها واسم جون يتصدَّر موقع بحث نايفر الشهير.
"كيم روزماري وكيم جون ميون؛ ثُنائي القتلة!"
سحب تشانيول منها الهاتف وقال.
"لا تنظري إلى مثلِ هذه الأشياء، الصحافة يأكلون هكذا والناس تُحب الثرثرة"
زفرت روز أنفاسها، وأسندت مِرفقها إلى النّافِذة بينما تنظر إلى الخارج، تشانيول مُحِق... الناس لا يعرفون شيئًا.
...
وصلت روزماري إلى شِقَّتِها، بدَّلت ثيابها واستحمَّت، ثم خرجت إلى شِقّةِ سيهون حيثُ ما تزال تمكُث السيّدة كيم.
كانوا بِصددِ تناول وجبةِ العشاء، وأثناء إلتفافهم على الطاولة كانوا يتحدَّثون بسيرةِ جون، لكن روز لم تُشارِك في الحديث أبدًا.
ثم وصل لروز إتصال، إنقبضت ملامحها، فالطبيب كيم مينسوك لا يتَّصِل بِعُملائه السّابقين إطلاقًا.
إستأذنت من على الطاولة لِتُجيب الطبيب.
"مرحبًا... الطبيب كيم مينسوك؟!"
وصلها صوته البشوش.
"نعم سيدتي، مرحبًا"
"فاجئني إتصالك!"
"في الحقيقة إتصلتُ بكِ لأُخبرك بأمرٍ ما"
"تفضَّل حضرةِ الطبيب"
"وصلتنا تقنيّة حديثة لأجلِ أطفال الأنانبيب، وهي ترفع نسبة النجاح إلى عشرين بالمائة، أخبرتُكِ بذلك لو كنتِ ترغبين في تجربة الأمر"
صمتت روز لثوانٍ قبل أن ترد، فالتَّردُّد سُرعان ما أومض في صدرها.
"لكن جون ليس معي"
"أعلم ولا بأس، نحنُ نملك ما نحتاجه منكما، فقط لو أردتِ سنزرع لكِ بويضات مُخصَّبة"
قضمت روزماري شفتيها لوهلة تُفكِّر، أتُقدِم للمحاولة للمرَّةِ الأخيرة أم تكتفي بمحاولتيها السابقتين الفاشلتين؟!
تنهدت مِلأ صدرِها ثم أجابت الطبيب.
"أمهلني بعض الوقت لأُفكِّر أيُّها الطبيب!"
"حسنًا سيدتي"
أغلقت الهاتف مع الطَّبيب، وعادت لتجلس بين أعضاء العائلة، الذين يرمقونها بفضول، فمعالمها المقبوضة تقول أنَّ هناك شيء يحصل معها، فتنهَّدت تقول.
"الطبيب كيم مينسوك يعرض علي أن أُقدِم على زراعةِ طفل مُجدَّدًا، فلقد وصلت تقنية حديثة ترفع نِسب نجاح العملية"
"هذا رائع!"
علَّقت آيرين ذات البطن المُنتفِخة فيما سيهون تبسَّم يقول.
"سيكون جون سعيدًا لو تكلَّلت العملية بنجاح!"
والسيدة كيم تمسَّكت بيد روز وهمست تبتسم.
"لا تترددي في الإقدام عليها أبدًا، قد تكون فُرصة من الرَّب وعليكِ إستغلالِها، أعتبريه مثل إعتذار صادق تُقدِّميه لجون بغضِّ النَّظر عن نتائجه يا عزيزتي"
تنهَّدت روز فيما تقبض على يدها وأومأت، لا تنكر أنَّها خائفة من الفشلِ مُجدَّدًا، لكن لا بأس، ستستجمع شجاعتها هذهِ المرة وتُقدِم على هذهِ الخطوة مهما بدت خطيرة، وتُزعزِع ثِقتها.
...................
أخذت روزماري موعد لأجلِ زراعة الطفل، وها هو يحين موعدها، هذهِ المرّة وحدها تنتظر أن يحين دورها دون وجود كتفِ جون تستند عليه، لقد كانت حائرة في الفترة الأخيرة من ردةِ فعل جون لو علم، لكنَّها لا تُريده أن يعلم لو فشلت مُجدَّدًا.
تشعر بالوحدة ولأولِ مرة تشعر بكم أنَّ الإنتظار موحِش، فلقد كان الإنتظار على كتفه أعظم مواساة لها.
"السيدة كيم روزماري!"
رفعت رأسها على نداء المُمرِّضة؛ فأشارت لها الأُخرى أن تتفضَّل معها، نهضت روزماري فيما تشعر بتوتر كبير أكثر من المرَّتين السابقتين؛ ففي المرَّتين السابقتين لم تَكُ وحدها على الأقل.
رحب بها الطبيب كيم مينسوك بمعالمه البشوش كما العادة ثم باشر بتجهيزها للعملية، إستغرق ذلك وقتًا طويلًا، واختصر على نفسه تذكيرها بما يجب ولا يجب عليها فعله، ثم روزماري غادرت بعدما أخذت موعد آخر؛ للتأكد من ثبات الحمل من عدمه.
وهكذا مضت أيام كثيرة قضتها روزماري في منزلها وتحديدًا في فراشها، لا تتحرَّك إلا للذهاب إلى دورة المياه، والسيدة كيم وآيرين كذلك أمها وأختها... الجميع يزورها يوميًا ويخدمونها، ويمدونها بالدَّعم النفسي اللازم.
ومن هذهِ الأيام هو هذا اليوم؛ اليوم الذي يسبق موعدها عند الطبيب كيم مينسوك مُجدَّدًا، وبإدراك الغد؛ روزماري تشعر بتوتر أكبر، وهَمٌّ ثقيل يضغط على صدرها... إنها خائفة جدًا من الفشل.
في المساء؛ كانت السيدة كيم عندها، تُساعدها فيما تحتاج وتُروِّح عنها، كانت السيدة كيم تجلس على السرير وروزماري تضع رأسها على كتفها.
"غدًا سأذهب معكِ إلى الطبيب"
أومأت روزماري موافقة، هي بالفعلِ تحتاج أن يكون معها أحد في هذا اليوم المهم.
"شكرًا لكِ أُمي"
تبسَّمت السيّدة وربَّتت على رأسِ روزماري بعاطفة.
"أنا في مقامِ أُمك عزيزتي بغضِّ النظر عن جون"
رفعت روز رأسها عن كتفِ السيدة تبتسم وقالت.
"حقًا شكرًا لكِ، لولاكِ لما إستطعتُ الصمود طيلة هذا الوقت!"
ربَّتت السيدة على رأسها فيما تبتسم.
...
في اليوم التالي؛ ذهبن السيدتان معًا إلى عيادة الطبيب كيم مينسوك، كانت روزماري ترتجف فيما تنتظر أن يحينَ موعدها؛ لشعورها بالرَّهبة والقلق، بينما السيدة كيم تُربِّت على يدها، وتحاول مواساتها، ودعمها حتى نادت عليها المُمرِّضة.
دخلت روز رفقة حماتها، خضعت للفحوص اللازمة، ثم جلست أمام طاولة الطبيب بإنتظار أن يبلغها بالنتائج.
لكنَّهُ على عكسِ المرَّتين السابقتين بدت معالمه أكثر إشراقًا وإرتياحًا، بعدما رفع رأسه عن شاشة الحاسوب نظر لها مُبتسمًا وبلَّغها.
"مبارك... أنتِ حامل"
تصلَّبت روزماري لا تُصدِّق ما تسمعه فيما السيدة كيم أخذت تُقهقه لفرط الفرح، والطبيب اتبع مُبتسِمًا.
"الآن عليكِ أن تُتابعي معي حالتك حتى الولادة وأن تستمعي لي وتأخذي أدويتك بإنتظام"
"بالطَّبع سأفعل"
قالت تلك روزماري فيما عيناها قد إمتلئت بالدموع، والطبيب أومئ لها مُبتسِمًا، ثم السيدة نهضت لتعانقها بحرارة وهي تُبارك.
"أخبرتُكِ أنَّها فُرصة من الرَّب، مبارك لكِ ولنا الطفل ابنتي"
مسحت السيدة دموع روز وعانقتها مُجددًا، فابتسمت روز رغم الغصّة العالقة في حلقها، وعانقت السيدة بدورها.
غادرت روزماري مع السيدة عيادة الطبيب، وبينما جاي يقود فيهما قالت له.
"جاي، إذهب إلى السجن، أريد أن أرى جون"
"أمرُكِ سيدتي!"
طيلة الطريق إلى السِّجن؛ كانت روزماري تبتسم بسعادة فيما السيدة كيم تُمسِك بيدها ومعالم السعادة ترفع وجهها هي الأخرى، فلقد تحققت أُمنية الجد الراحل، وها هو حقًا يُصبح جدًا.
جاي كان يخطف نظرة لها عبر المرآة كل فينة، وكلما رآها تبتسم إبتسم أيضًا، لقد مرَّ وقتٌ طويل مُذُّ أن تبسَّمت بصدق هكذا.
جلست روزماري في غُرفة الزيارة على طاولة ذات أربع كراسي، وجلست السيدة كيم بجوارها فيما تنتظران كِلتاهما جون أن يأتي، بدت روزماري مُتحمِّسة للقائه، كما أنَّها تشعر بالسعادة فقط بتخيُّل كيف ستكون رد فعله حينما يعلم.
لكن بدلًا من أن يظهر جون ظهر أحد الحرس يُبلغهن.
"السجين كيم جون ميون يرفض زيارتكن"
إنتكس رأس روز سريعًا، وانفضَّ حماسها بينما السيدة كيم تمسَّكت بيد روزماري، وسألت الحارس.
"أيعلم أننا أُمه وزوجته؟!"
"نعم ويرفض الزيارة"
حينما شعرت روزماري بالدموع تُدغدِغ عيناها، نهضت، وخرجت مُسرعة دون أن تتوقف لحماتها التي ترجوها أن تتوقَّف.
أخذت روزماري سياة أُجرة، وطلبت منه أن يبتعد عن المكان، ألهذهِ الدرجة ما عاد يُطيقها؟!
تشعر أنَّها أصبحت عِبئًا عليه، هي ما عادت تُطيق نفسها حتى.
توقفت سيارة الأُجرة عند ضِفاف الهان، وهناك روز إحتلَّت مقعد خشبي يطل مُباشرة على النَّهر، وأنهارت باكية.
ألا يُبالغ في ردِ فعله؟!
أم أنها حقًا تستحق كل هذا الغضب منه؟!
لربما أخطأت التصرُّف، ولكنَّها وضعته في أول أولوياتِها، لم تُفكِّر بنفسها ولو لقيدِ نُتفة حينما أقدمت على هذا التصرُّف، ألن يغفر أبدًا؟!
ألم يُليّنهُ الشوق؟!
ضَلَّت على ضِفَّةِ الهان حتى غابت الشمس وفرغ معه البُكاء والدموع، مسحت وجهها بكفِّيها وتنهدت بِعُمق ثم نهضت.
عادت أدراجها إلى المنزل بعدما هدأت، وقررت أنَّها ستتماسك، وستتحمَّل سخطه مهما بدى خشنًا، ستفعل أي شيء لتحتفظ به.
...
وهكذا مرَّت عدة أيام قضتها روزماري بالإهتمام بجنينها، والعمل عن بُعد على مشروع سماء وبحر مع تشانيول وجاي، والإختلاط بعائلتها وعائلة جون حتى في صبيحةِ يوم من الأيام إتصل بها المُحامي جونغ إن يُنقل لها خبرًا سارًّا.
"سيدتي، السيد كيم جونغداي إستفاق وقدَّم شهادته بأن الذي أقدم على قتله ليس جون بل حبيبته اليابانية السابقة وتُدعى ساكوارا!"
كانت روزماري تجلس أرضًا بين تشانيول وجاي في شِقَّةِ تشانيول، أمامها طاولة تتناثر عليها الأوراق وأجهزة الحاسوب فيما أوريل تُقدِّم لهم القهوة؛ كي يركزوا في عملهم.
لكن ما إن سمعت روزماري هذا الكلام على لسان المُحامي جونغ إن حتى إنتفضت من مكانها بحماسة.
"حقًا حقًا ما تقوله، أنتَ لا تمزح معي الآن!"
ضحك جونغ إن على الخط وقال.
"أبدًا سيدتي، لا أمزح، بما أن جونغداي قال الحقيقة فسيتم إخراج جون صباح الغد من السجن دون مُحاكمة"
أخذت دموع روز تهطل لشدة الفرح، فيما تتمسَّك بيدها الأُخرى ببطنها، الذي أصبح أكثر بروزًا.
"شكرًا لك سيد كيم!"
"العفو!"
أغلقت الخط وإرتمت بنفسها على تشانيول تُعانقه بقوة وتُخبره بحماسة.
"جون سيخرج غدًا، جون سيخرج!"
عانقها تشانيول بدوره رغم معالم الدهشة التي تعلو ملامحه.
"حقًا ما تقولين؟!"
أومأت له روز تغمرها السعادة واتبعت.
"لقد إستفاق جونغداي وقال أنَّ جون ليس الفاعل!"
تنهَّد تشانيول براحة، وأنهالت عليها التبريكات الحارّة والمُباركات من هُنا وهُناك، وانتشر الخبر في العائلة بأكملها... أنَّ جون أخيرًا سيخرج من السجن، أنَّ جون بريء.
في اليوم التالي؛ ذهبت روز كذلك كل أعضاء العائلة لإستقبال جون من السِّجن، إنتظروا وانتظروا لكنه لم يظهر، حتى ولج تشانيول وسيهون وجاي ليسألوا عنه، غابوا لدقائق وحينما خرجوا بدت معالمهم مُظلِمة؛ إذ يبدو أنَّهم لا يحملوا أخبارًا سارّة في جُعبتهم.
إنحسرت إبتسامة روز، وتقدَّمت من تشانيول تسأله فيما تتمسَّك بكتفيه.
"ما الذي حدث تشانيول؟! أين جون؟!"
بوجهٍ مُصفَر؛ تشانيول أجاب.
"يقولون أنَّهُ قد غادر عند الفجر"
"غادر؟!"
الخيبة عبّأت وجه روزماري كذلك كُل الحاضرين، لكنَّهم لا يشعرون بقسوة هذا الشعور مثلها، لم تُدرِك أنَّهُ يستطيع أن يكون قاسي إلى هذا الحد معها.
تمرَّدت دمعة على صُمودها أمام الجميع فسارعت بمسحِها، ثم إبتسمت رغم الإنكسار إلى حماتها حينما ربَّتت على كتفها تواسيها.
"أنا بخير أمي، لا تقلقي"
ثم تنهدت مِلأ صدرها ونظرت إلى تشانيول.
"اعلم أين ذهب ولكن أولًا أوصلني إلى المنزل"
أومئ تشانيول لها، وأحاط كتفيها بذراعه حتى أدخلها السيارة وقاد بها إلى شِقَّتِها، أثناء ذلك؛ نظر لها وهي تركن بجواره شاردة الذهن وسألها.
"هل تشعرين أنَّكِ بخير؟!"
حركت كتفيها بجهل، ثم أخذ ذقنها يهتز قبل أن تنفجر باكية على سمعِ تشانيول، فوحده من لا بأس بالبُكاء قُربه.
أركن تشانيول السيارة جانبًا ثم أخذها بين ذراعيه يُربِّت عليها.
"ما إن أراه سأضربه بقسوة"
أومأت فيما تسند رأسها على كتفه، وهمست بتلك النبرة الباكية.
"اضربه رجاءً... إنَّهُ يستحق!"
أخذ تشانيول يمسح على شعرها لوقتٍ طويل فيما هي تستمر بالبكاء على كتفه، هكذا حتى هدأت وعاد بها تشانيول إلى المنزل.
...
وعلى هذه القطيعة لم تمر أيام فحسب بل مرَّت شهور، قد علمت روز أن جون قد سافر إلى تايلاند فورما أُطلِقَ سراحه، لكن الطبيب منعها من اللحاق به، وذلك لأنها حُبلى، ولا يمكنها أن تُسافر حتى تصل الشهر السابع.
أثناء تلك الفترة الطويلة؛ الحياة ما توقفت على جون، فبعدما غادر تواصل مع الجميع إلّاها، وعلمت أنَّهُ بِغرار شهر سيصدر روايته أخيرًا، الرواية المُتعلِّقة بها وبه "هَيبتُها"
لكن خلال تلك الفترة حدث حدثين في غاية الأهمية؛ الأول أن آيرين أنجبت صبيًا اسمته جاكسون، والثاني أن تشانيول وأوريل تزوجا في حفلٍ ضيّق.
وأما الأمر الثالث لكنه لم يتم بعد؛ أن مشروع بحر وسماء يكاد يكون جاهزًا والإفتتاح بات قريبًا.
والأمر الرابع؛ هو الأمر الأكثر غرابة واللامتوقع أبدًا، فبيومٍ من أيام روزماري، التي تقضيها بشقتها لترتاح وجنينها، أثناء ما كانت بالشهر السادس؛ قرعت بابها إمرأة غريبة تحمل على يدها رضيع صغير.
قابلتها المرأة الصبيّة بإبتسامة، كذلك فعلت روز من باب المُجاملة.
"السيدة كيم روزماري؟!
أومأت لها روز.
"نعم تفضَّلي!"
بإبتسامة طلبت المرأة.
"أيُمكن أن أدخل لبضعِ ثوان لنتحدَّث؟!"
إبتعدت روز عن الباب وأخبرتها.
"يمكنك تفضَّلي"
"شكرًا لكِ"
ولجت المرأة وروز خلفها حتى إختارت إحدى الآرائك الدهماء؛ لتجلس عليها، وتضع الرضيع بجوارها، وضعت في حِجرها حقيبة الطفل، وأخرجت منه مُغلَّفًا قدمته لها تقول.
"لو قرأتِ هذا ستفهمين ما أتيتُ لأجله"
سحبت روز من يدها المُغلف وفتحته وإذ به اوراق ثبوتيّة، فحص تطابق الحمض النووي، وفحوص أخرى لأجلِ الطفل، وأخيرًا رسالة بخط اليد وهذا الخط تعرفه جيدًا.
"مسائكِ قوّة عزيزتي؛ رغم أنّي لا أعلم متى ستكون هذه الرسالة بيدك صباحًا أم مساءً.
على آيةِ حال؛ أخبرتُكِ سابقًا في آخرِ مرّة إلتقينا بها أنّي راحل ولن أعود للبلاد أبدًا، سأبدأ حياة جديدة بعيدة عنكِ وخالية منكِ.
سأشتاق لكِ...
المهم؛ أخبرتُكِ أنّي أُحضِّر لأجلكِ هديّة، وأخبرتك أنَّهُ لن يكون بوسعك رفضها أو رميها، هديتي لكِ هو هذا الطفل.
هذا الطفل لم أحضره من الميتم، إنَّهُ من صُلبي وصُلبك، تذكري حينما خضعنا للعلاج ظنًا أنني الذي لا أُنجب؟!
مُنذُ ذلك الحين والعيادة تحتفظ ببويضة لكِ مُخصَّبة مني ومُجمَّدة، ولقد إستخدمتُها لأُنجب لنا هذا الصغير.
هذه المرأة التي عندكِ هي من إستأجرتُ رحمها، لا تقلقي الطفل في كامل صِحَّتِه، وكل شيء لأجله جاهز.
لقد أجريتُ له فحص تطابق الحمض النووي لو كنتِ تشكين، إنَّهُ من دمي ودمك، ولديكِ إستمارة بكل مطاعيمه وحاجاته.
كما أنني سجَّلتُه... اسم الطفل كيم جوهان، الأم كيم روزماري، والأب كيم جونغداي.
أنتِ حُرّة بكل ما يخصه، ولن أُطالب بشيء بشأنه، فقط هويته؛ لن أسمح لكِ بتغيير حقيقة أنَّهُ ابني وابنك.
روزماري... اعتني بإبننا؛ وداعًا"
وهكذا إنتهت الرِّسالة والدهشة تستعمرُ كيانها بأكمله، لا تُصدِّق أنَّ هذا حقيقي، أيُمكن له أن يفعل بها شيئًا كهذا، ليست مُستاءة وليست سعيدة.
نظرت إلى الطفل النائم بمهدِه مُذُّ عبوره عتبة الباب، والمرأة لاحظت نظراتها، فقدَّمت الطفل لها؛ ليكون بين يديها ثم غادرت.
كشَّفت روز عن وجهه وتحسَّست وجنته.
"هذا الطفلُ ابني! لا أُصدِّق!"
إنسابت دموعها، في الفترة الأخيرة بكت كثيرًا، لكن هذه المرة الأولى التي تبكي بها لفرطِ سعادتها.
لم تهتم بمن هو والده، ولا إن كان الناس من حولها سيتقبلونه أم لا، ولا كيف ستكون رد فعل جون حينما يعلم... لا تهتم بأي شأن سوى لهذا الصغير، الذي يقول ذلك المعتوه أنَّهُ إبنها.
ضمتهُ إلى صدرها والعاطفة غلبتها، يا إلهي كم أنَّ عاطفة الأمومة لذيذة!
إحتضنته وبكت وهو بِكُنفها الصغير، بكت لأنها أصبحت أُمًا، ولأن لها طفلًا من دمها بالفعل، بكت لأنها لا تدري ماذا تفعل، بكت لأنها تُحب كيف تشعر.
إتصلت بتشانيول بينما تبكي وأخبرته أن يأتي سريعًا دون أن تمنحه المزيد من التفاصيل، وذلك ما جعله يأتي مُسرِعًا لشدة قلقه عليها.
"روز أنتِ بخير؟!"
قالها تشانيول فزعًا فيما يقتحم الشقة، ولكنه عندما رأى طفلًا صغيرًا في حِجرها أشار لها مُستغربًا.
"أنتِ لم تلديه بعد، أليس كذلك؟!"
ضحكت لحماقةِ سؤاله رغم الدموع، وقدَّمت بين يديه المُغلف، فأخذه منها وجلس قبالتها فيما ينظر إلى الطفل.
"إقرأ هذهِ الأوراق وستعلم ما الذي حدث"
وانصاع لها تشانيول، واطَّلع على كل الأوراق ولا تنفك معالم الدهشة تزداد على وجهه، ثم نظر إلى الطفل يشير له بإرتباك.
"هل هذا الطفلُ حقًا إبنكِ أنتِ وجونغداي؟!"
أومأت روز وضمت الصغير إلى صدرها أكثر.
"نعم!"
إزدرئ تشانيول جوفه وقال.
"أتظني الناس سيتقبلونه؟!"
"لا يهم، إنَّهُ بحاجتي أنا فقط"
"ماذا عن جون؟!"
توقفت روز لوهلة ثم نبست.
"لو عاد جون لن يرفضه... أنا أعلم"
تنهَّد تشانيول وأومئ لها.
"حسنًا، هل استسلمتِ بشأنِ جون؟"
"لا... لن أستسلم أبدًا، لو ما عاد برضاه سأعيده رغمًا عنه، أنا أمهله حتى أصبح في شهري السابع"
"وماذا ستفعلين حينما تُدركي الشهر السابع؟!"
"ستعلم لاحقًا... الآن عليكَ بمساعدتي بشأنِ الطفل، سنشتري له كل مقتنياته"
تبسَّم تشانيول وهمس.
"أراكِ مُتحمِّسة لتربيته"
تبسَّمت روز وهمهمت قبل أن تنظر في وجه الصغير مُجددًا، لو ما أحبه أحد، لو ما تقبله أحد، ستحبه وتتقبَّله هي، وستجعله رجلًا صالحًا وتوفر له حياة كريمة.
لكن على عكس توقعاتها؛ حينما إقترح عليها تشانيول أن تُقدِّمه لِناسها تقبَّلوه، عائلة جون والأصدقاء رحبوا به، واعتبروه طفلًا لجون... الدم ليس كل شيء.
وأما عائلة روز؛ فلم يتقبَّلوه بدايةً وخصوصًا والدتها، لكنها أشفقت عليه لاحقًا وبدأت تتعلَّق به تعلقًا شديدًا؛ لدرجة أنها ترفض أن يعتني به أحد سواها أثناء إنشغال روز.
وهذه الفترة؛ روز مشغولة لذا الطفل يقضي الوقت في رعاية جدته السيدة ميلاني؛ فروز قد سافرت، وحسبما تظن لن تعود بحلول الفترة القادمة القريبة.
......
في تايلاند؛ اليوم هو يوم نشر الرواية الجديدة للكاتب سوهو، الصحافة حاضرة والمعجبون كُثر في المركز الثقافي الكوري التايلاندي حيثُ يُقام المؤتمر الصحفي للإعلان عن الرواية.
إذ بينما الصحافة تنتظر؛ دخل جون يرتدي بدلة تُرابيّة، شعره مرفوع بفاصلة جانبية، ويسير نحو مقعده في مُقدِّمة القاعة بينما العدسات تلتقط له صورًا.
جلس بين كومة من الأشخاص، والذي يُقدِّم الحدث هو سيهون؛ بصفتِه مدير أعمال الكاتب الشهير، وإحدى الرؤساء المؤسسين لدارِ النَّشِر.
إذ كان يقف سيهون على المنصّة بينما يرتدي قميص أبيض فضفاض وبنطال قُماشي أسود، وشعره الأدهم كالليل قصير للغاية، وبالكاد يمس حدود جبهته، لكنه بدى وسيمًا لدرجة أن بعض المقالات ستتحدث عن وسامته فقط.
"اليوم نجتمع للإشهار عن رواية الكاتب سوهو الجديدة "هَيبتُها"، ولنسمح للكاتب أن يصفها لنا بجملة.
قرَّب سوهو المُكبِّر إلى شفتيه وقال فيما أضواء الفلاش تستطع بقوّة ناحيته.
"إنَّها عن مُطارد مهووس أو الجار المجنون أو المُعجب الخفي؛ يمكنكم مُناداته بما شِئتُم، وهو الذي يقع في حب سيدته المهيوبة حينما رآها تبكي بفُستان أسود تحت المطر"
روزماري تجلس في آخر القاعة فيما تضع قِناعًا على وجهها، ونظّارات شمسيّة، كذلك قُبعة صيفيّة على رأسها.
كانت تنظر له وحسب وأيًا مما يقوله جون تنصت إليه، فلقد إشتاقت جدًا لسماعِ صوته والنظر إليه... ولو كان من بعيد.
سيهون اتبع.
"حسنًا إذًا... قبل بداية طرح الأسئلة أعرفكم ببعض الأشياء، الرواية الورقيّة ستتوفَّر بكل المتاجر في كوريا الجنوبية، كما ستترجم إلى كل اللغات الأسيوية واللغات العالمية الأخرى، وذلك في نسخ ورقية ورقمية، كما ستتحول إلى ويبتون، وفيلم من إنتاج نتفلكس، ودراما كوريّة... تطلعوا إلى المزيد رجاءً، والآن يمكنكم طرح الأسئلة."
إبتدأت الصحافة تطرح الأسئلة، وجون يجيب سؤالًا تلو الآخر بصبر وإحترافيّة حتى قارب المؤتمر على الإنتهاء، فغادرت روز قبل ذلك دون أن تلفت الأنظار.
روز تذكر جيدًا ذلك اليوم من شهر العسل حينما ذهبا معًا إلى سوق القوارب، وطافا فيه، وحصلا على تدليك، حصلت هي بالأحرى.
وتذكر جيدًا جسر الحب حيثُ علقا قُفل، ذهبت إلى جسرِ الحُب ذاك، وقد إستهلكت بعض الوقت قبل ذلك لترتدي فُستانًا باللون الأزرق السماوي، حذاءً أبيض رياضيّ، قُبَّعة بيضاء ذات طوق، وحذاء أبيض.
في عُنقها العِقد الذي أهداها إياه كذلك العِطر، وأخيرًا في أصبعها خاتمه، بدت جميلة جدًا وبروز بطنها لم يزدها إلا جمالًا.
لون شعرها الاسود يزيد بشرتها ضياءً، ولأنها ترتدي بلون السماء؛ فالبحر في عينيها عميق ولامع.
حينما وصلت إلى الجسر، كان جون يقف عليه فيما يمسك بيده قُفلهما، الذي تركاه هُنا، لقد أتت مع سيهون إلى تايلاند بأذنِ الطبيب، كما أن سيهون من ساعدها لجلبِ جون إلى هنا.
صعدت الجسر وتمشَّت عليه، ولم يَكُ لها أيُّ ضجيج، فهي ترتدي حذاءً رياضي لا كعب له فلم يشعر بها، لكنها حينما أوشكت منه إشتم منها رائحة عطرها، الذي لن تغفل عنه حواسه أبدًا.
إلتفت خلفه، وإذ به يرى سيدته المهيوبة تمشي إليه بخطوات رزان، وإبتسامة لذيذة تعتلي شفتيها، لكن ما لفت إنتباهه أكثر هو هذه البطن البارزة.
إرتبك فيما ينظر لها ثم لبطنها، وحينما أوشكت منه عانقت وجنتيه براحتيها، وجعلته ينظر لها بدلًا من بطنها.
"هل كتبتَ في الرواية ان البطل رَجُلٌ سيّء؟! جعل زوجته الحُبلى تنتظره ثمانية شهور وهو يرفض رؤيتها حتى، والآن زوجته قد أتت إليه تحمل معها حُلمًا؛ أن تجعل بطل الرواية أبًا بطفلٍ منها، نمى داخل رحمها وسيخرج منه، لكن إسأل بطلك الشرير ذاك؛ هل سيُسامح البطلة أم سيبقى على خِصام أبديّ معها؟!"
إتسعت عينا جون بوجل وإمتلأت عيناه بالدموع، كذلك روز لكنها رغم ذلك إبتسمت، وفي تلك اللحظة إنخفض جون ليركع على ركبته أمامها، وبكلتي ذراعيه عانق بطنها، ثم قَبَّله.
"لقد تألَّمتُ كثيرًا وتعذَّبت، لم ينقضي يومًا واحدًا لم أُفكِّر بكِ فيه، روز روز روز... ضللتِ تدوري في رأسي وتدوري وكأنما رأسي أصبح بفضلكِ حلقة مُغلقة تدورين فيه بلا توقف.
كنتُ غاضبًا منكِ جدًا ولو ما إتُّهمتُ بتلك التُّهمة لربما أسأتُ مُعاملتِك أكثر، إمتنعتُ عنكِ لا لأُعاقبُكِ بقدرِ ألا أجرحكِ أكثر، كنتُ خائفًا على شعوركِ مني رغم أنَّكِ لم تُراعي شعوري.
خرجتُ من السجن، وسخطي نحوكِ لم يتبدَّد بعد، خفتُ عليكِ مني وخفت على نفسي منكِ، خشيتُ لو جمعنا سقفًا مجددًا؛ أن ما جرحتُكِ أكثر ضممتُكِ وأحببتُكِ مجددًا، وإن ما أحببتُكِ جرحتُكِ... كنتُ خائف لذا هربت.
كنتُ بحاجة أن أقضي الوقت مع نفسي دون أي قيود أو قلق، إعتكفتُ بالمنزل وكتبتُ الرواية، أفرغتُ فيها كل مشاعري، ووضعتُ لها نهاية سعيدة.
النهاية كانت أنَّهُ بعدما البطل أشهر عن روايته في تايلاند؛ عاد إلى بلاده، وإلى أحضان زوجته، وراضاها بنفسه... لم أكُ أدري أن النِّهاية ستكون مُختلفة بالواقع... ولا أُمانع؛ هذهِ أفضل النهايات على الإطلاق"
مسحت روزماري دموعها، وأوقفت جون بإجتذابها من وجنتيه، ثم وقفت على رؤوس أصابعها لِتُدرِك شفتيها شفتيه، وقبَّلتهُ قُبلة وضعت فيها كل شوقها وإشتياقها.
"جون؟"
"هيبتُه؟!"
"أنا أُحبُك!"
"وأنا أيضًا أحبك مِلأ البحر والسماء"
.......................
ثم جون وروز قضيا بتايلاند فترةً طويلة حتى أنجبت روز هُناك، وقد أنجبت فتاة أسمتها جاين، وروز أخبرت جون عن طفلها الآخر، وتفاصيل القِصّة، وجون رحَّب بعضوٍ آخر في العائلة بحماسة، لم يستاء أبدًا.
هناك -في تايلاند- قضيا معًا شهور عسل وليس شهرًا واحدًا فقط، ولم يتركا مكانًا سياحيًا ولم يزوراه معًا حتى بلغت جاين الأربعين يومًا وقرر الثنائي العودة إلى كوريا؛ فحفلُ إفتتاح بحر وسماء بات وشيكًا.
عاد الثنائي إلى كوريا، ودبَّت الأشغال عليهم بالمشروع، وأعمال جون الكثيرة، ورعاية الطفلين أيضًا... حتى بلوغ الليلة، ليلة إفتتاح بحر وسماء.
بحرٌ وسماء؛ هو سلسلة من الأستراحات من مطاعم ومقاهي وغرف للإيجار على ظهرِ سفينة، سفينة ذات قاعٍ شفّاف، عُمقها أسفل سطح المياه يزيد عن عشرةِ أمتار مما يجعل الحياة البحرية مكشوفة عبرها.
وقفت روز لِتقُص الشريطة فيما تشانيول وجاي يحتلّان جنبيها، وبعد قصِّها و تصفيق الجميع صعدت المِنبر، وألقت كلمة بصفتها المديرة التنفيذيّة.
"فكرة هذه السفنية لم تردني شخصيًا، بل دعوني بفخر أشكر زوجي على هذه الفكرة."
نظرت إلى جون الذي إبتسم، وصفَّق الجميع بحماسة، ثم هي اتبعت.
"سماءٌ وبحر، عالمان من كلمتين ربطت علاقة حب مُهيبة، بين إمرأة كالبحر... تُحب سطحها، وتخشى أعماقها، تهيجُ مع العواصف، وتركد في الصيف؛ لكن مدَّها وجزرها لا يتوقَّفان، وبين رجلٍ كالسَّماء، قد يكون صافيًا، وقد تتلبَّده الغيوم، بالحالتين جميل وبكل الأحوال هو من يملك مفاتيح البحر، إن أنار عُمقه أو نشر فيه الظلمة، لكنَّهُ رجلًا دومًا ينير قلب البحر ويحتضنه، ولم يسمح ليد أن تمتد بالبطش لذلك البحر... وهذا المشروع تجسيدًا لهذه القصّة... إستمتعوا!"
نزلت روز عن المنصَّة فيما تستمع إلى تصفيق الحاضرين، ذهبت إلى جون وعانقته بقوّة أمام الجميع، وأثناء الأُمسية هبط جون وروز كما الجميع إلى المطعم الغائر في البحر.
وبينما يتشاركان طاولة عليها أطباق الدَّجاج؛ على خِلاف بقية الطاولات، التي عليها أصناف مُختلِفة من المأكولات البحرية، جون تحدَّث.
"سيدتي المهيوبة؟"
"هممم؟"
"كيف شعوركِ حيال هذهِ النهاية؟"
قضمت روز من فخذِ الدجاجة المُقرمشة وقالت.
"جميلة جدًا"
"هذا فقط؟!"
نظرت إليه بإنزعاج وأجابته.
"نعم فقط... دعني آكل وإلا أكلتُكَ أنت بدلًا من هذه الدجاجة"
غمز لها بعبث ونبس.
"أنا شَهي أكثر من هذه الدجاجة كما تعلمين"
تنهدت بعُمق، ثم وضعت ما في يدها، ومسحت على شفاهها بالمنديل فيما تنظر إليه، ثم همست.
"توجد غُرف شاغرة بها أسرّة مائية هنا، هيا نذهب"
ضحك جون ملأ صدره يظنُّها تمزح، لكنها فعلًا أمسكت بيده وسحبته خلفها، وهو بدهشة قال.
"الآن وهنا، هل أنتِ جادّة؟"
"نعم"
أخذت مفاتيح إحدى الغرف، ودخلت قبل جون الذي تصنَّم قرب الباب، لكنها حينما أشارت له أن يدخل دخل، وروز دفعت به على السرير الذي إرتجَّ بضراوة أسفله، وجلست هي في حِجره، أحاطت عنقه بذراعيه ثم طبعت عليه قُبلة جعلته يتنهَّد بقوّة ويضم خصرها بذراعيه، ثم بشقاوة همست في أُذنه.
"دعني أُقيّم كم أنتَ شهي!"
........................
بعد مرورِ خمس أعوام...
كان يقف جون على بُعدِ مترين عن القبر فيما الصغيرة جاين تضع زهورًا عليه، تبسَّم جون ونظر إلى الشاهد يقول.
"لقد وعدتُكَ يا أبي أنني سآتي بطفلي إليك، وها هي جاين تنثر الزهور على قبرك، آسف لأنني تأخَّرت، لكنني حققتُ أمنيتك، وها هي حفيدتك"
إقتربت جاين من والدها تتمسَّك بساقيه، إنها نسخة طبق الأصل عن روز، من شعرها، وبشرتها، ولون عيناها، وحتى ملامحها، كلها روز لا تشبهه بشيء أبدًا... هكذا جون يراها.
"أبي أنا جائعة"
تمسَّك جون بيد طفلته ونبس.
"وماذا تريد طفلتي أن تأكل؟"
"الدَّجاج!"
هتفت الطفلة بحماسة بينما تُدرك والدتها وأخوها، فضربت روز يدها بيد جاين، وجون وجو تنهدا بملل... حُب الدَّجاج قِصَّة لن تنتهي أبدًا.
.......................
النِّهاية
الفصل الثالث والثلاثين والأخير "هَيبَتُها"
الجُزء الخامس 《لا تؤذيني بكِ》
الرواية العاطفية "هَيبَتُها"
Started at 26th/May/2020
Finished in 24/Apr/2021
.................
سلااااااااام
زي ما إنتوا شايفين فوق، الرواية مكتملة بالمسودة من تاريخ أربعة وعشرين أبريل، لكن الي أخر النشر دائمًا هو التفاعل النايم.
إكتشفت إنو الرواية لو بطلها ولدي بيك بتنجح، غير هيك بصير عليها غبرة وإن كانت تستحق القراءة والدعم.
على كل حال؛ أنا ما عم لوم حدا، كنت أعرف أنو هذا الي رح يصير ورغم هيك كتبتها ورح اكتب غيرها رغم اني بعرف ما رح يلاقوا الدعم الي بيستاهلوا لمجرد انو البطل مش بيكهيون.
على آية حال... لكل القراء الي قرأوها ودعموها ولو بصمت... من كل قلبي شكرًا لكم، وأتمنى تقدمولها الحب وآرائكم الصريحة -بدون تجريح- لآخر مرة.
1.رأيكُم بِ:
شخصية روزماري من كارهة للذكور إلى عاشقة للكاتب المجنون بها؟!
شخصية جون من الكاتب المتخفي والمعجب المهووس حتى الزوج والأب والسند؟!
شخصية تشانيول الصديق الي كتم الحب وضحى بسعادته مشان سعادة روز؟
شخصية جونغداي الزوج المتعصب؟!
الشخصيات الأُخرى:
سيهون وآيرين وأوريل؟!
عائلة روز؟! لوكاس؟!
رأيكم بالنهاية؟ تقييمكم لها من عشرة؟!
رأيكم بالرواية؟! تقييمكم لها من عشرة؟!
وأخيرًا إن أنتهت علاقتكم بي إلى هنا فوداعًا وإن كان لنا لقاء في الروايات الأخرى فإلى اللقاء.
دمتم سالمين❤
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤love❤
Коментарі